الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِحَسب الْمقَام إِلَيْهِمَا جَمِيعًا أَو إِلَى الْمشَار إِلَيْهِ فَقَط. قَوْله: (كَأَنَّهُ سراب يحطم بَعْضهَا بَعْضًا) أَي: بِكَسْر بَعْضهَا بَعْضًا، وَمِنْه سميت النَّار: الحطمة لِأَنَّهَا تحطم كل شَيْء أَي تكسره وَتَأْتِي عَلَيْهِ، والسراب هُوَ الَّذِي ترَاهُ نصف النَّهَار كَأَنَّهُ مَاء قَوْله:(أَتَاهُم) أَي: ظهر لَهُم، والإتيان مجَاز عَن الظُّهُور. وَقيل: الْإِتْيَان عبارَة عَن رُؤْيَتهمْ إِيَّاه، لِأَن الْعَادة أَن من غَابَ عَن غَيره لَا تمكنه رُؤْيَته إلَاّ بالإتيان، فَعبر بالإيتان هُنَا عَن الرُّؤْيَة مجَازًا وَقيل: فعل من أَفعَال الله تَعَالَى سَمَّاهُ إتيانا وَقيل المُرَاد بالإتيان إتْيَان بعض مَلَائكَته وَقَالَ عِيَاض: هَذَا الْوَجْه أشبه عِنْدِي فِي قَوْله: (فِي أدنى صُورَة) أَي: أقربها. قَالَ الْخطابِيّ: الصُّورَة الصّفة يُقَال: صُورَة هَذَا الْأَمر كَذَا أَي صفته، وَأطلق الصُّورَة على سَبِيل المشاكلة والمجانسة. قَوْله:(من الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا)، أَي: من الصُّورَة الَّتِي عرفوه فِيهَا، والرؤية بِمَعْنى الْعلم لأَنهم لم يروه قبل ذَلِك، وَمَعْنَاهُ: يتجلى الله لَهُم بِالصّفةِ الَّتِي يعرفونه بهَا لِأَنَّهُ لَا يشبه شَيْئا من مخلوقاته فيعلمون أَنه رَبهم فَيَقُولُونَ: انت رَبنَا. قَوْله: (على أفقر مَا كُنَّا إِلَيْهِم)، أَي: على أحْوج، يَعْنِي: لم نتبعهم فِي الدُّنْيَا مَعَ الِاحْتِيَاج إِلَيْهِم، فَفِي هَذَا الْيَوْم بِالطَّرِيقِ الأولى. قَوْله:(لَا نشْرك بِاللَّه شَيْئا) ، وَفَائِدَة قَوْلهم هَذَا مَعَ أَن يَوْم الْقِيَامَة لَيْسَ يَوْم التَّكْلِيف استلذاذا وافتخارا بِهِ وتذكارا بِسَبَب النِّعْمَة الَّتِي وجدوها.
9 -
(بابٌ: {فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هاؤُلاءِ شَهِيدا} (النِّسَاء:
41)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {إِذا جِئْنَا} الْآيَة، أخبر الله تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة عَن هول يَوْم الْقِيَامَة وَشدَّة أمره وشأنه فَكيف يكون الْأَمر وَالْحَال يَوْم الْقِيَامَة حِين يَجِيء من كل أمة بِشَهِيد يَعْنِي الْأَنْبِيَاء عليهم السلام، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فَكيف يصنع هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة من الْيَهُود وَغَيرهم إِذا جِئْنَا من كل أمة بِشَهِيد يشْهد عَلَيْهِم بِمَا فعلوا وَهُوَ نَبِيّهم كَقَوْلِه: {وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم وَجِئْنَا بك على هَؤُلَاءِ} (الْمَائِدَة: 117) المكذبين {شَهِيدا} وَفِي (التَّلْوِيح) وَاخْتلف فِي الْمَعْنى بقوله: هَؤُلَاءِ من هم، فَعِنْدَ الزَّمَخْشَرِيّ: هم المكذبون، وَقَالَ مقَاتل: هم كفار أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، وَفِي (تَفْسِير ابْن النَّقِيب) هم سَائِر أمته صلى الله عليه وسلم، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه يشْهد عَلَيْهِم. وَالثَّانِي: أَنه يشْهد لَهُم، فعلى هَذَا يكون على: بِمَعْنى اللَّام، وَقيل: المُرَاد بهم أمة الْكفَّار، وَقيل: أَنهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَقيل: هم كفار قُرَيْش دون غَيرهم، وَفِي الَّذِي يشْهد بِهِ أَقْوَال أَرْبَعَة: الأول: أَنه يشْهد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد بلغ أمته، قَالَه ابْن مَسْعُود وَابْن جريج وَالسُّديّ وَمُقَاتِل. الثَّانِي: أَنه يشْهد بإيمَانهمْ، قَالَه أَبُو الْعَالِيَة. الثَّالِث: إِنَّه يشْهد بأعمالهم. قَالَه مُجَاهِد وقادة. الرَّابِع: إِنَّه يشْهد لَهُم وَعَلَيْهِم، قَالَه الزّجاج.
المُخْتال والخَتَالُ وَاحِدٍ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِن الله لَا يحب من كَانَ مختالاً فخورا} والمختال المتكبر: أَي: يتخيل فِي صُورَة من هُوَ أعظم مِنْهُ كبرا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هُوَ التياه والجهول الَّذِي يتكبر عَن إكرام أَقَاربه وَأَصْحَابه. قَوْله: (وَأحد)، يَعْنِي: فِي الْمَعْنى، وَفِيه نظر، لِأَن المختال من الْخُيَلَاء، والختال: بتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق من الختل وَهُوَ الخديعة فَلَا يُنَاسب معنى الْكبر، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: المختال وَالْخَال وَاحِد وَالْخَال وَاحِد وَالْخَال بِدُونِ التَّاء وَصوب هَذَا جمَاعَة، وَكَذَا فِي كَلَام أبي عُبَيْدَة. (فَإِن قلت) : مَا وَجه التصويب فِيهِ؟ فَكيف هُنَا بِمَعْنى وَاحِد؟ قلت: الْخَال يَأْتِي لمعان كَثِيرَة: (مِنْهَا) : معنى الْكبر لِأَن الْخَال بِمَعْنى الخائل وَهُوَ المتكبر، وَقَالَ بَعضهم: الْخَال يُطلق على معَان كَثِيرَة نظمها بَعضهم فِي قصيدة تبلغ نَحوا من الْعشْرين بَيْتا قلت: كتبت قصيدة فِي مُؤَلَّفِي (رونق الْمجَالِس) تنْسب إِلَى ثَعْلَب تبلغ هَذِه اللَّفْظَة فِيهَا نَحوا من أَرْبَعِينَ.
نَطْمِسَ وُجُوها نُسَوِّيها حَتَّى تَعُودَ كَأفْعَالِهِمْ طَمَسَ الكِتابَ مَحاهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {من قبل أَن
نطمس وُجُوهًا} وَفَسرهُ بقوله نسويها بقوله: (حَتَّى تعود كأفقائهم) وَأسْندَ الطَّبَرِيّ عَن قَتَادَة أَن المُرَاد أَن تعود الْأَوْجه فِي الأفقية، وَعَن قَتَادَة: تذْهب بالشفاه والأعين والحواجب فيردها أقفاء، وَقَالَ أبي بن كَعْب: هُوَ تَمْثِيل وَلَيْسَ المُرَاد حَقِيقَتهَا حسا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: نطمس مَنْصُوب على الْحِكَايَة من قَوْله: (من قبل أَن نطمس) وَأَشَارَ بقوله: طمس الْكتاب محاه إِلَى أَن الطمس يَجِيء بِمَعْنى المحو أَيْضا.
سَعِيرا وُقُودا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {كفى بجهنم سعيرا} (النِّسَاء: 55) وَفسّر سعيرا بقوله: وقودا. لَو كَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَقَالَ بَعضهم: هَذِه التفاسير لَيست لهَذِهِ الْآيَة وَكَأَنَّهَا من النساخ. قلت: هَذَا بعيد جدا لِأَن غَالب الْكتاب جهلة فَمن أَيْن لَهُم هَذِه التفاسير؟ وَبِأَيِّ وَجه يلحقون مثل هَذِه فِي مثل هَذَا الْكتاب الَّذِي لَا يحلق أساطين الْعلمَاء شاؤه؟ وَمن شَأْن النساخ التحريف والتصحيف والإسقاط وَلَيْسَ من دأبهم أَن يزِيدُوا فِي كتاب مُرَتّب منقح من عِنْدهم، وَلَو قَالَ: وَكَأَنَّهُ من بعض الروَاة المعتنين بالجامع لَكَانَ لَهُ وَجه، وَلَا يبعد أَن يكون هَذَا من نفس البُخَارِيّ من غير تفكر فِيهِ، فَإِن تنبه عَلَيْهِ فَلَعَلَّهُ مَا أدْرك إِلَى وضع هَذِه التفاسير فِي محلهَا ثمَّ استمرت على ذَلِك.
4582 -
ح دَّثنا صَدْقَةُ أخْبرنا يَحْيَى عنْ سُفْيَانَ عنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عنْ عَبْدِ الله قَالَ يَحْيَى بَعْضُ الحَدِيثِ عَنْ عَمْرو بنِ مُرَّةَ قَالَ قَالَ لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم اقْرَأْ عَلَيَّ قُلْتُ اقْرَأ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ فَإِنِّي أُحِبُّ أنْ أسُمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّساءِ حَتَّى بَلغْتُ (فَكَيْفَ إذَا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هاؤُلاءِ شَهيدا) قَالَ أمْسِك فَإذَا عَيْناهُ تَذْرِفانِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَصدقَة هُوَ ابْن الْفضل أَبُو الْفضل الْمروزِي، وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَعبيدَة، بِفَتْح الْعين وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عَمْرو السَّلمَانِي.
وَمن سُفْيَان إِلَى آخِره كلهم كوفيون، وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد وهم لِسُلَيْمَان وَإِبْرَاهِيم وَعبيدَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، وَعَمْرو بِفَتْح الْعين، ابْن مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء، الْجملِي بِفَتْح الْجِيم التَّابِعِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مُحَمَّد بن يُوسُف وَعَن عمر بن حَفْص وَعَن مُسَدّد. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر وَغَيره، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْعلم عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مَحْمُود بن غيلَان وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هناد بن السّري بِهِ وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن سُوَيْد بن نصر بِهِ وَعَن غَيره.
قَوْله: (قَالَ يحيى) هُوَ الْقطَّان، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قد ذكر البُخَارِيّ كَلَام يحيى للتقوية، وإلاّ فإسناد عَمْرو مَقْطُوع وَبَعض الحَدِيث مَجْهُول قلت: ظَاهره كَذَا، وَلكنه أوضحه فِي فَضَائِل الْقُرْآن فِي: بَاب الْبكاء عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآن عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عُبَيْدَة عَن عبد الله. قَالَ الْأَعْمَش: وَبَعض الحَدِيث حَدثنِي عَمْرو بن مرّة عَن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن أبي الضُّحَى عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (اقْرَأ عليّ) الحَدِيث. قَوْله: (اقْرَأ عليّ) فِيهِ أَن الْقِرَاءَة من الْغَيْر أبلغ فِي التدبر والتفهم من قِرَاءَة الْإِنْسَان بِنَفسِهِ، وَفِيه فضل ظَاهر لعبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي (تَفْسِير عبد) لما قَرَأَ عبد الله هَذِه الْآيَة قَالَ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:(من سره أَن يقْرَأ الْقُرْآن غضا كَمَا نزل فليقرأه على قِرَاءَة ابْن أم عبد) . قَوْله: (فَإِذا عَيناهُ) ، كلمة إِذا للمفاجأة. (وَعَيناهُ) مُبْتَدأ، وتذرفان، خَبره، أَي: عينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، تطلقان دمعهما يُقَال: ذرف الدمع بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وذرفت الْعين دمعها. وَفِي بكاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وُجُوه: الأول: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: بكاؤه صلى الله عليه وسلم، عِنْد هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة لِأَنَّهُ لَا بُد من أَدَاء الشَّهَادَة وَالْحكم على الْمَشْهُود عَلَيْهِ إِنَّمَا يكون يَقُول الشَّاهِد، فَلَمَّا كَانَ صلى الله عليه وسلم، هُوَ الشَّاهِد وَهُوَ الشافع بَكَى على المفرطين مِنْهُم. الثَّانِي: أَنه بَكَى لعظم مَا تضمنته هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة من هول المطلع وَشدَّة الْأَمر إِذْ يُؤْتِي بالأنبياء عليهم السلام، شُهَدَاء على أممهم بالتصديق والتكذيب. الثَّالِث: أَنه بَكَى فَرحا لقبُول شَهَادَة أمته صلى الله عليه وسلم، يَوْم الْقِيَامَة وَقبُول تزكيته لَهُم فِي ذَلِك الْيَوْم الْعَظِيم.