الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
13 -
(بابُ: {مَا جَعَلَ الله مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ} (الْمَائِدَة:
103)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا جعل الله} إِلَى آخِره. قَوْله: (مَا جعل الله)، أَي: مَا أوجبهَا، وَلَا أَمر بهَا وَلم يرد حَقِيقَة الْجعل لِأَن الْكل خلقه وتدبيره، وَلَكِن المُرَاد بَيَان ابتداعهم فِيمَا صنعوه من ذَلِك، والآن يَأْتِي تَفْسِير هَذِه الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة.
وَإذْ قَالَ الله يَقُولُ قَالَ الله وَإذْ هاهُنَا صِلَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم} (الْمَائِدَة: 110) وَأَن لفظ. قَالَ الَّذِي هُوَ مَاض بِمَعْنى يَقُول الْمُضَارع لِأَن الله تَعَالَى إِنَّمَا يَقُول هَذَا القَوْل يَوْم الْقِيَامَة وَإِن كلمة إِذْ صلَة أَي: زَائِدَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لِأَن للماضي وَهَاهُنَا المُرَاد بِهِ الْمُسْتَقْبل. قلت: اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ هُنَا. فَقَالَ قَتَادَة: هَذَا خطاب الله تَعَالَى لعَبْدِهِ وَرَسُوله عِيسَى ابْن مَرْيَم، عليهما السلام، يَوْم الْقِيَامَة توبيخا وتقريعا لِلنَّصَارَى، وَقَالَ السّديّ: هَذَا الْخطاب وَالْجَوَاب فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ ابْن جرير: هَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَكَانَ ذَلِك حِين رَفعه إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا، وَاحْتج فِي ذَلِك بشيئين: أَحدهمَا: أَن لفظ الْكَلَام لفظ الْمَاضِي. وَالثَّانِي: قَوْله: {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} قلت: فعلى هَذَا لَا يتَوَجَّه مَا قَالَه من أَن قَالَ: بِمَعْنى يَقُول وَلَا أَن كلمة إِذْ صلَة على أَنه لَا يُقَال: إِن فِي كَلَام الله عز وجل شَيْئا زَائِدا، وَلَئِن سلمنَا وُقُوع ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة فَلَا يلْزم من ذَلِك ذكره بِلَفْظ الْمُضَارع لِأَن كل مَا ذكر الله من وُقُوع شَيْء فِي الْمُسْتَقْبل فَهُوَ كالواقع جزما لِأَنَّهُ مُحَقّق الْوُقُوع فَكَأَنَّهُ قد وَقع وَأخْبر بالماضي، ونظائر هَذَا فِي الْقُرْآن كَثِيرَة. وَقَالَ بَعضهم قَوْله:(وَإِذ قَالَ الله يَقُول، قَالَ الله وَإِذ هَاهُنَا صلَة) كَذَا ثَبت هَذَا وَمَا بعده هُنَا، وَلَيْسَ بخاص بِهِ، وَهُوَ على قدمْنَاهُ من تَرْتِيب بعض الروَاة انْتهى. قلت: كَيفَ رَضِي أَكثر الروَاة بِهَذَا التَّرْتِيب الَّذِي مَا رتبه الْمُؤلف؟ وَالْحَال أَنه نقح مُؤَلفه كَمَا يَنْبَغِي وقرىء عَلَيْهِ مرَارًا عديدة، والقرائن تدل على أَن هَذَا وَأَمْثَاله من وضع الْمُؤلف، وَغَيره مِمَّن هُوَ دونه لَا يستجرىء أَن يزِيد شَيْئا فِي نفس مَا وَضعه هُوَ، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ ذَلِك بِغَيْر مُنَاسبَة أَو بتعسف فِيهِ.
المَائِدَةُ أصْلُها مَفْعُولَةٌ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ وَالمَعْنَى مِيدَ بِها صَاحبُها مِنْ خَيْرٍ يُقَالُ مَادَنِي يَمِيدُنِي.
أَشَارَ بِهِ إِلَى بَيَان لفظ مائدة فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذْ قَالَ الحواريون يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء} (الْمَائِدَة: 112) فَقَوله: (الْمَائِدَة أَصْلهَا مفعولة) لَيْسَ على طَرِيق أهل الْفَنّ فِي هَذَا الْبَاب لِأَن أصل كل كلمة حروفها وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا بَيَان الْحُرُوف الْأُصُول، وَإِنَّمَا المُرَاد أَن لفظ الْمَائِدَة، وَإِن كَانَ على لفظ فاعلة، فَهُوَ بِمَعْنى مفعولة يَعْنِي: مميودة، لِأَن ماد أَصله ميد. قلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، وَالْمَفْعُول مِنْهَا للمؤنث. مميودة، وَلَكِن تنقل حَرَكَة الْيَاء إِلَى مَا قبلهَا فتحذف الْوَاو فَتبقى مميدة، فيفعل فِي إعلال هَذَا كَمَا يفعل فِي إعلال مبيعة، لِأَن أَصْلهَا مبيوعة فأعل بِمَا ذكرنَا وَلَا يسْتَعْمل إلَاّ هَكَذَا على أَن فِي بعض اللُّغَات اسْتعْمل على الأَصْل حَيْثُ قَالُوا: تفاحة مطيوبة على الأَصْل ثمَّ إِن تَمْثِيل البُخَارِيّ بقوله: كعيشة راضية صَحِيح لِأَن لفظ راضية. وَإِن كَانَ وَزنهَا فاعلة، فِي الظَّاهِر وَلكنهَا بِمَعْنى المرضية، لِامْتِنَاع وصف العيشة بِكَوْنِهَا راضية، وَإِنَّمَا الرِّضَا وصف صَاحبهَا، وتمثيله بقوله وتطليقة بَائِنَة غير صَحِيح لِأَن لفظ بَائِنَة هُنَا على أَصله بِمَعْنى قَاطِعَة لِأَن التطليقة البائنة تقطع حكم العقد حَيْثُ لَا يبْقى للمطلق بِالطَّلَاق الْبَائِن رُجُوع إِلَى الْمَرْأَة إلَاّ بِعقد جَدِيد بِرِضَاهَا، بِخِلَاف حكم الطَّلَاق الْغَيْر الْبَائِن كَمَا علم فِي مَوْضِعه. قَوْله:(وَالْمعْنَى) ، إِلَى آخِره، إِشَارَة إِلَى بَيَان معنى الْمَائِدَة من حَيْثُ اللُّغَة، وَإِلَى بَيَان اشتقاقها، أما مَعْنَاهَا، فميد بهَا صَاحبهَا يَعْنِي: امتير بهَا، لِأَن معنى ماده يميده لُغَة فِي ماره يميره من الْميرَة، وَأما اشتقاقها فَمن ماد يميد من بَاب: فعل يفعل، بِفَتْح الْعين فِي الْمَاضِي وَكسرهَا فِي الْمُسْتَقْبل، وَهُوَ اجوف يائي، كباع يَبِيع، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الممتار مفعتل من الْميرَة، وَمِنْه الْمَائِدَة، وَهُوَ خوان عَلَيْهِ طَعَام فَإِذا لم يكن عَلَيْهِ طَعَام فَلَيْسَ بمائدة وَإِنَّمَا هُوَ خوان.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ مُتَوَفِّيكَ مُمِيتُكَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِذا قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي متوفيك ورافعك إليّ} (آل عمرَان: 55) وَلَكِن هَذَا فِي سُورَة آل عمرَان، وَكَانَ الْمُنَاسب أَن يذكر هُنَاكَ، وَقَالَ بَعضهم: كَأَن بعض الروَاة ظَنّهَا من سُورَة الْمَائِدَة فكتبها فِيهَا وَقَالَ الْكرْمَانِي: ذكر هَذِه الْكَلِمَة هَاهُنَا وَإِن كَانَت من سُورَة آل عمرَان لمناسبة قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا توفيتني كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم} (الْمَائِدَة: 117) وَكِلَاهُمَا من قصَّة عِيسَى عليه الصلاة والسلام، قلت: هَذَا بعيد لَا يخفى بعده، وَالَّذِي قَالَه بَعضهم أبعد مِنْهُ فَلْيتَأَمَّل، ثمَّ إِن تَعْلِيق ابْن عَبَّاس هَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه: حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنَا مُعَاوِيَة عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.
4623 -
ح دَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ بنِ كَيْسَانَ عَنْ ابنِ شِهاب عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ قَالَ البَحِيرَةُ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّها لِلطَّواغِيتِ فَلا يَحْلُبُها أحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَالسَّائِبَةُ كَانُوا يُسَيِّبُونَها لآلِهَتِهِمْ لَا يُحْمَلُ عَلَيْها شَيْءٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة خُصُوصا على هَذَا النسق.
وَهَذَا أخرجه مُسلم فِي صفة أهل النَّار عَن عَمْرو النَّاقِد وَغَيره، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْمَرْفُوع مِنْهُ دون الْمَوْقُوف.
قَوْله: (الْبحيرَة) على وزن فعيلة مفعولة واشتقاقها من بَحر إِذا شقّ، وَقيل هَذَا من الاتساع فِي الشَّيْء. قَوْله:(درها) ، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء، وَهُوَ اللَّبن. قَوْله:(للطواغيت)، أَي: لأجل الطواغيت وَهِي الْأَصْنَام، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: كَانُوا إِذا ولدت إبلهم سبعا بحروا أذنها. أَي: شقوها. وَقَالُوا: اللَّهُمَّ إِن عَاشَ ففتى وَإِن مَاتَ فذكى، فَإِذا مَاتَ أكلوه وسموه الْبحيرَة. وَقيل: الْبحيرَة هِيَ بنت السائبة، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة جعلهَا قوم من الشَّاء خَاصَّة إِذا ولدت خَمْسَة أبطن بحروا أذنها أَي: شقوها وَتركت وَلَا يَمَسهَا أحد، وَقَالَ آخَرُونَ: بل الْبحيرَة النَّاقة كَذَلِك يخلوا عَنْهَا فَلم تركب وَلم يضْربهَا فَحل، وَقَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة الْبحيرَة هِيَ النَّاقة إِذا انتجت خَمْسَة أبطن نظرُوا إِلَى الْخَامِس، فَإِن كَانَ ذكرا ذبحوه وَأكله الرِّجَال دون النِّسَاء، وَإِن كَانَ أُنْثَى جذعوا أذنها فَقَالُوا هَذِه بحيرة، وَعَن السّديّ مثله. قَوْله:(فَلَا يحلبها أحد من النَّاس) ، أطلق نفي الْحَلب، وَكَلَام أَتَى عُبَيْدَة يدل على أَن الْمَنْفِيّ هُوَ الشّرْب الْخَاص. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَانُوا يحرمُونَ وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النِّسَاء وَيحلونَ ذَلِك للرِّجَال، وَمَا ولدت فَهُوَ بمنزلتها وَإِن مَاتَت اشْترك الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي أكل لَحمهَا. قَوْله:(والسائبة) ، على وزن فاعلة بِمَعْنى مسيبة، وَهِي المخلاة تذْهب حَيْثُ شَاءَت وَكَانُوا يسيبونها لآلهتهم فَلَا يحمل عَلَيْهَا شَيْء، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَانَت السائبة من جَمِيع الْأَنْعَام وَتَكون من النذور للأصنام فتسيب فَلَا تحبس عَن مرعى وَلَا عَن مَاء وَلَا يركبهَا أحد، قَالَ: وَقيل: السائبة لَا تكون إلَاّ من الْإِبِل كَانَ الرجل ينذر إِن برىء من مَرضه أَو قدم من سَفَره ليسيبن بَعِيرًا. وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق السائبة هِيَ النَّاقة إِذا ولدت عشرَة إناث من الْوَلَد لَيْسَ بَينهُنَّ ذكر سيبت فَلم تركب وَلم يجز وبرها وَلم يجلب لبها إِلَّا لضيف.
قَالَ وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رأيْتُ عُمَرو بنَ عَامرِ الخُزَاعِيَّ يَجْرُّ قُصْبَةُ فِي النَّارِ كانَ أوَّلَ مَنْ سيِّبَ السَّوائِبَ.
أَي: قَالَ سعيد بن الْمسيب: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى آخِره. هَذَا حَدِيث مَرْفُوع أوردهُ فِي أثْنَاء الْمَوْقُوف. قَوْله:(عَمْرو بن عَامر)، قَالَ الْكرْمَانِي: تقدم فِي: بَاب إِذا انفلتت الدَّابَّة فِي الصَّلَاة وَرَأَيْت فِيهَا عَمْرو بن لحي، بِضَم اللَّام وَفتح الْمُهْملَة، وَهُوَ الَّذِي سيب السوائب. ثمَّ قَالَ: لَعَلَّ عَامر اسْم ولحي لقب أَو بِالْعَكْسِ أَو أَحدهمَا اسْم الْجد. قلت: ذكر فِي (التَّوْضِيح) إِنَّمَا هُوَ عَمْرو بن لحي، ولحي اسْمه: ربيعَة بن حَارِثَة بن عَمْرو مزيقيا بن عَامر مَاء السَّمَاء، وَقيل: لحي بن قمعة ابْن الياس بن مُضر، نبه عَلَيْهِ الدمياطي، وَفِي (تَفْسِير ابْن كثير) وَعمر وَهَذَا هُوَ ابْن لحي بن قمعة أحد رُؤَسَاء خُزَاعَة الَّذين ولوا الْبَيْت بعد جرهم، وَكَانَ أول من غير دين إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، عليه السلام، فَأدْخل الْأَصْنَام إِلَى الْحجاز ودعا الرعاع من النَّاس إِلَى عبادتها والتقرب بهَا، وَشرع لَهُم هَذِه الشَّرَائِع الْجَاهِلِيَّة فِي الْأَنْعَام وَغَيرهَا. قَوْله:(قصبه) ، بِضَم الْقَاف، وَاحِدَة الأقصاب.
وَالوَصِيلَةُ النَّاقَةُ البِكْرُ تُبْكَّرُ فِي أوَّلِ نِتاجِ الإبلِ ثُمَّ تُثَنَّى بَعْدُ بِأُثْنَى وَكَانُوا يُسَيِّبُونَهُمْ لِطَواغِيتِهِمْ إنْ وَصَلَتْ إحْدَاهُما بالأُخرى لَيْسَ بَيْنَهُما ذَكَرٌ.
هَذَا أَيْضا من تَفْسِير سعيد بن الْمسيب الْمَوْقُوف وَلَيْسَ بِمُتَّصِل بالمرفوع. قَوْله: (الوصيلة)، من الْوَصْل بِالْغَيْر فِي اللُّغَة وَالَّتِي فِي الْآيَة الَّتِي فَسرهَا ابْن الْمسيب بقوله: النَّاقة الْبكر تبكر أَي: تبتدىء وكل من بكر إِلَى الشَّيْء فقد بَادر إِلَيْهِ. قَوْله: (بأنثى)، يتَعَلَّق بقوله: تبكر قَوْله: (ثمَّ تثنى) من التَّثْنِيَة أَي: تَأتي فِي الْمرة الثَّانِيَة بعد الْأُنْثَى الأولى بأنثى أُخْرَى، وَالضَّمِير فِي: يسيبونها، يرجع إِلَى الوصيلة. قَوْله:(إِن وصلت)، أَي: من أجل أَن وصلت (إِحْدَاهمَا) : أَي: إِحْدَى الْأُنْثَيَيْنِ بِالْأُنْثَى الْأُخْرَى، وَالْحَال أَن لَيْسَ بَينهمَا ذكر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: إِن وصلت، بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا. قلت: الْأَظْهر أَن يكون بِالْفَتْح على مَا لَا يخفى، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الوصيلة الشَّاة إِذا ولدت سِتَّة أبطن أُنثيين أُنثيين وَولدت فِي السَّابِعَة ذكرا، وَأُنْثَى. قَالُوا: وصلت أخاها فأحلوا لَبنهَا للرِّجَال وحرموه على النِّسَاء، وَقيل: إِن كَانَ السَّابِع ذكرا ذبح وَأكل مِنْهُ الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَإِن كَانَ أُنْثَى تركت فِي الْغنم، إِن كَانَ ذكر أَو أنث قَالُوا: وصلت أخاها وَلم تذبح، وَكَانَ لَبنهَا حَرَامًا على النِّسَاء وَقَالَ ابْن اسحاق الوصيلة الشَّاة تنْتج عشر أناث مُتَتَابِعَات فِي خَمْسَة أبطن فيدعونها الوصيلة وَمَا ولدت بعد ذَلِك فللذكور دون الْإِنَاث، وَتَفْسِير ابْن الْمسيب رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ، وَكَذَا روى عَن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَالحَامُ فَحْلُ الإبِلِ يَضْرِبُ الضِّرَاب المَعْدُودَ فَإذَا قَضَى ضِرَابَهُ وَدَعُوهُ للطَوَاغِيتِ وأعْفُوهُ مِنَ الحمْلِ فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَسَمَّوْهُ الحَامِيَ.
هَذَا أَيْضا من تَفْسِير ابْن الْمسيب. قَوْله: (يضْرب) أَي: ينزو، يُقَال: ضرب الْحمل النَّاقة يضْربهَا إِذا نزا عَلَيْهَا، وأضرب فلَان نَاقَته إِذا أنزى الْفَحْل عَلَيْهَا، وضراب الْفَحْل نزوه على النَّاقة، والضراب الْمَعْدُود هُوَ أَن ينْتج من صلبه بطن بعد بطن إِلَى أَن يصير عشرَة أبطن، فَحِينَئِذٍ يَقُولُونَ: قد حمى ظَهره. قَوْله: (وَدعوهُ) أَي: تَرَكُوهُ لأجل الطواغيت وَهِي الْأَصْنَام. قَوْله: (وسموه الحامي) لِأَنَّهُ حمى ظَهره، فَلذَلِك يُقَال لَهُ: حام، مَعَ أَنه فِي الأَصْل محمي، وَهَذَا التَّفْسِير مَنْقُول عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس، وَقيل: الحام هُوَ الْفَحْل يُولد لوَلَده فَيَقُولُونَ حمى ظَهره فَلَا يجزون وبره وَلَا يمنعونه مَاء وَلَا مرعى، وَقيل: هُوَ الَّذِي ينْتج لَهُ سبع إناث مُتَوَالِيَات قَالَه ابْن دُرَيْد، وَقيل: هُوَ الْفَحْل يضْرب فِي إبل الرجل عشر سِنِين فيخلى، وَيُقَال فِيهِ: قد حمى ظَهره.
وَقَالَ لِيَ أبُو اليَمانِ أخبَرَنا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعْتُ سَعِيدا قَال يُخْبِرُهُ بِهاذا قَالَ وقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
قَوْله: (وَقَالَ لي أَبُو الْيَمَان) رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره، قَالَ أَبُو الْيَمَان: بِغَيْر لَفْظَة لي، وَأَبُو الْيَمَان، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف: الحكم بن نَافِع يروي عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَقد تكَرر هَذَا الْإِسْنَاد على هَذَا النمط قَوْله:(يُخبرهُ) بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة من الْفِعْل الْمُضَارع من الْإِخْبَار، وَالضَّمِير الْمَرْفُوع فِيهِ يرجع إِلَى سعيد بن الْمسيب، والمنصوب يرجع إِلَى الزُّهْرِيّ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: بحيرة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير الْبحيرَة وَغَيرهَا كَمَا فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح بن كيسَان عَن الزُّهْرِيّ. قَوْله:(قَالَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة) أَي: قَالَ سعيد بن الْمسيب. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَوْله:(نَحوه) أَي: نَحْو مَا رَوَاهُ فِي الرِّوَايَة الْمَاضِيَة، وَهُوَ قَوْله:(الْبحيرَة) الَّتِي يمْنَع درها للطواغيت. وَقد تقدم فِي مَنَاقِب قُرَيْش قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ سَمِعت