الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالأوثان الَّتِي كَانَت حول الْكَعْبَة، شرفها الله تَعَالَى. قَوْله:(حَذْو قديد)، الحذو بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره وَاو: وَهُوَ الْحذاء والإزاء والمقابل (وقديد)، بِضَم الْقَاف وَفتح الدَّال: مَوضِع من منَازِل طَرِيق مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة قَوْله: (يتحرجون)، أَي: يتأثمون.
4496 -
حدَّثنا محَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ عاصِمِ بنِ سُلَيْمان قَالَ سألْتُ أنَس بنَ مالِكٍ رضي الله عنه عنِ الصَّفَا والمَرْوَةِ فَقَالَ كُنَّا نَرَى أنَّهُما مِنْ أمْرِ الجاهِلِيَّةِ فَلَمَّا كانَ الإسْلَامُ أمْسَكْنا عَنْهُما فأنْزَلَ الله تَعَالَى إنَّ الصَّفا والمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُناحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِما. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن يُوسُف بن وَاقد أَبُو عبد الله الْفرْيَابِيّ وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَعَاصِم بنس ليمان الْأَحول أَبُو عبد الرَّحْمَن الْبَصْرِيّ. والْحَدِيث مر فِي الْحَج فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة، قَوْله:(كُنَّا نرى)، بِضَم النُّون وَفتحهَا. قَوْله:(أَنَّهُمَا)، أَي: أَن الصَّفَا والمروة، وَلم يَقع فِي بعض النّسخ لفظ، وَالظَّاهِر أَنه من الْكَاتِب، إِذْ لَا بُد مِنْهُ لِأَن الْمَعْنى لَا يتم إلَاّ بِهِ.
22 -
(بابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ منْ دُونِ الله أنْدَاداً} (الْبَقَرَة: 165) أضْدَاداً واحِدُها نِدٌّ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر قَوْله تَعَالَى: {وَمن النَّاس} وهم الْمُشْركُونَ، جعلُوا الله أنداداً، وفسرها البُخَارِيّ بقوله: أضداداً، وَكَذَا فَسرهَا أَبُو عُبَيْدَة، قيل: الند فِي اللُّغَة الْمثل لَا الضِّدّ، وَأجِيب: بِأَن الْمثل الْمُخَالف المعادي فِيهِ معنى الضدية.
4497 -
ح دَّثنا عَبْدَانُ عنْ أبي حَمْزَةَ عنِ الأعْمَشِ عنْ شَقِيقٍ عنْ عبْدِ الله قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم كَلِمَةً وقُلْتُ أُخْرَى قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ ماتَ وهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ الله نِدًّا دَخَلَ النَّارَ وقُلْتُ أَنا مَنْ مَاتَ وهْوَ لَا يَدْعُو لله نِدًّا دَخَلَ الجَنَّةَ. (انْظُر الحَدِيث 1238 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي الْآيَة مَا يدل على أَن من مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو لله نداد دخل النَّار. وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَأَبُو حَمْزَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي اسْمه مُحَمَّد بن مَيْمُون، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وشقيق أَبُو وَائِل بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود. والْحَدِيث مضى فِي أول الْجَنَائِز فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قيل: من أَيْن علم ابْن مَسْعُود ذَلِك؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ اسْتَفَادَ من قَول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ انْتِفَاء السَّبَب يَقْتَضِي انْتِفَاء الْمُسَبّب، وَهَذَا بِنَاء على أَن لَا وَاسِطَة بَين الْجنَّة وَالنَّار، وَفِيه تَأمل.
23 -
(بابٌ: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصاصُ فِي الْقَتْلَى الحُرُّ بالحُرِّ} (الْبَقَرَة: 178) إِلَى قَوْلِهِ: {عَذَابٌ ألِيمٌ} . عُفِيَ تُرِكَ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} (الْبَقَرَة: 178) هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْكل غير أبي ذَر، وَفِي رِوَايَته: بَاب: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الْقصاص} . الْآيَة: قَالَ الْفراء: نزلت هَذِه الْآيَة فِي حيين من الْعَرَب كَانَ لأَحَدهمَا طول على الآخر فِي الْكَثْرَة والشرف، فَكَانُوا يَتَزَوَّجُونَ نِسَاءَهُمْ بِغَيْر مهر، فَقتل الأوضع من الْحَيَّيْنِ من الشريف قَتْلَى، فأقسم الشريف ليقْتلن الذّكر بِالْأُنْثَى وَالْحر بِالْعَبدِ وَأَن يضاعفوا الْجِرَاحَات، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذَا على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثمَّ نسخ أَيْضا، نُسْخَة قَوْله تَعَالَى:{وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} (الْمَائِدَة: 45) إِلَى آخر الْآيَة، فَالْأولى مَنْسُوخَة لَا يعْمل بهَا وَلَا يحكم، وَمذهب أبي حنيفَة: أَن الْحر يقتل بِالْعَبدِ بِهَذِهِ الْآيَة، وَإِلَيْهِ ذهب الثَّوْريّ وَابْن أبي ليلى وَدَاوُد، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَسَعِيد بن الْمسيب وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
وَقَتَادَة وَالْحكم، وَعَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء وَعِكْرِمَة، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَمَالك: أَن الْحر لَا يقتل بِالْعَبدِ وَالذكر لَا يقتل بِالْأُنْثَى، أخذا بِهَذِهِ الْآيَة، أَعنِي قَوْله:{الْحر بِالْحرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبدِ} (الْبَقَرَة: 178) وَقد قُلْنَا: إِنَّهَا مَنْسُوخَة. قَوْله: (كتب عَلَيْكُم الْقصاص)، ذكر الواحدي: أَن مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة الْمُمَاثلَة والمساواة، وَقَالَ ابْن الْحصار: الْقصاص الْمُسَاوَاة والمجازاة، وَالْمرَاد بِهِ الْعدْل فِي الْأَحْكَام، وَهَذَا حكم الله عز وجل الَّذِي لم يزل وَلَا يزَال أبدا، فَلَا نسخ فِيهِ وَلَا تَبْدِيل لَهُ، وَالْمرَاد بِآيَة الْمَائِدَة تبين الْعدْل فِي تكافىء الدِّمَاء فِي الْجُمْلَة وَترك التَّفَاضُل لاجتهاد الْعلمَاء، وعَلى هَذَا فَلَيْسَ بَينهمَا تعَارض قُلْنَا الْأَنْسَب عُمُوم آيَة الْمَائِدَة وفيهَا مُقَابلَة مُطلقَة، وَهَذِه الْآيَة فِيهَا مُقَابلَة مُقَيّدَة، فَلَا يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد، على أَن مُقَابلَة الْحر بِالْحرِّ لَا يُنَافِي مُقَابلَة الْحر بِالْعَبدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَاّ ذكر بعض مَا يَشْمَلهُ الْعُمُوم على مُوَافقَة حكمه، وَذَلِكَ لَا يُوجب تَخْصِيص مَا بَقِي. قَوْله:(عُفيَ ترك) أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير قَوْله: {فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء} أَي: فَمن ترك وصفح لَهُ من الْوَاجِب عَلَيْهِ فِي الْعمد فَرضِي بِالدِّيَةِ {فاتباع بِالْمَعْرُوفِ} أَي: فعلى الْقَتِيل
4498 -
ح دَّثنا الحُمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ حَدثنَا عَمْروٌ قَالَ سمِعْتُ مجاهِداً قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ كانَ فِي بَني إسْرَائِيلَ القِصاصُ ولَمْ تَكُنْ فِيهِمِ الدِّيَّةُ فَقَالَ الله تَعَالَى لِهاذِهِ الأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بالحُرِّ والعَبْدُ بالعَبْدِ والأُنْثَى بالأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ} فالْعَفْوُ أنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي العَمْدِ {فاتِّباعٌ بالمعْرُوفِ وأدَاءٌ إلَيْهِ بإحْسانٍ} يَتَّبِعُ بالمَعْرُوفِ ويُؤَدِّي بإحْسانٍ {ذالِكَ تَخْفِيفٌ منْ رَبِّكُمْ ورَحْمَةٌ} مِمَّا كُتبَ عَلَى مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ {فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذالِكَ فَلَهُ عَذَابٌ ألِيمٌ} قَتَلَ بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ.
مطابقته لِلْآيَةِ أوضح مَا يكون، والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى ونسبته إِلَى أحد أجداده وَهُوَ: حميد بن زُهَيْر، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدِّيات عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد الْجَبَّار وَفِي الْقصاص عَن الْحَارِث بن مِسْكين.
قَوْله: (فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء)، مَعْنَاهُ: قبُول الدِّيَة فِي الْعمد، وَقيل: فِيمَن قتل وَله وليان فَعَفَا أَحدهمَا فللآخر أَن يَأْخُذ مِقْدَار حِصَّته من الدِّيَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: الْعَفو فِي الْآيَة يحْتَاج إِلَى تَفْسِير، وَذَلِكَ أَن ظَاهر الْعَفو يُوجب أَن لَا تبعة لأَحَدهمَا على الآخر، فَمَا معنى الإتباع؟ والإعفاء فَمَعْنَاه: أَن من عُفيَ عَنهُ الدَّم بِالدِّيَةِ فعلى صَاحب الدِّيَة اتِّبَاع، أَي مُطَالبَة بِالدِّيَةِ وعَلى الْقَاتِل أَدَاء الدِّيَة إِلَيْهِ؟ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَأَخُوهُ: هُوَ ولي الْمَقْتُول، وَقيل لَهُ: أَخُوهُ، لِأَنَّهُ لابسه من قبل أَنه ولي الدَّم ومطالبه بِهِ أَو ذكره بِلَفْظ الْأُخوة ليعطف أَحدهمَا على صَاحبه بِذكر مَا هُوَ ثَابت بَينهمَا من الجنسية وَالْإِسْلَام. وَقَالَ: إِن عَفا يتَعَدَّى: بعن، لَا بِاللَّامِ، فَمَا وَجه قَوْله:(فَمن عَفا لَهُ؟) قلت: يتَعَدَّى: بعن إِلَى الْجَانِي وَإِلَى الذَّنب، فَيُقَال: عَفَوْت عَن فلَان وَعَن ذَنبه. قَالَ الله تَعَالَى: {عَفا الله عَنْك} (التَّوْبَة: 43) وَعَفا الله عَنْهَا فَإِذا تعدى إِلَى الذَّنب قيل: عَفَوْت لفُلَان عَمَّا جنى، كَمَا تَقول: عَفَوْت لَهُ ذَنبه وتجاوزت لَهُ عَنهُ، وعَلى هَذَا مَا فِي الْآيَة كَأَنَّهُ قيل فَمن عَفا لَهُ عَن جِنَايَته، فاستغنى عَن ذكر الْجِنَايَة. قَوْله:(شَيْء)، أَي: من الْعَفو، إِنَّمَا قيل ذَلِك للإشعار بِأَن بعض الْعَفو عَن الدَّم أَو عَفْو بعض الْوَرَثَة يسْقط الْقصاص وَلم يجب إِلَّا الدِّيَة. قَوْله:(فاتباع بِالْمَعْرُوفِ)، أَي: فَلْيَكُن اتِّبَاع، أَو: فَالْأَمْر اتِّبَاع، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله:(ذَلِك)، أَي: الحكم الْمَذْكُور من الْعَفو وَالدية، لِأَن أهل التَّوْرَاة كتب عَلَيْهِم الْقصاص اليته وَحرم عَلَيْهِم الْعَفو واخذ الدِّيَة وعَلى أهل الْإِنْجِيل الْعَفو وَحرم الْقصاص وَالدية وخيرت هَذِه الْأمة بَين الثَّلَاث: الْقصاص وَالدية وَالْعَفو، وتوسعة عَلَيْهِم وتيسيراً. قَوْله:(كَمَا كتب على من كَانَ قبلكُمْ) هم أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل. قَوْله: (فَمن اعْتدى بعد ذَلِك)، أَي: بعد التَّخْفِيف وَتجَاوز مَا شرع لَهُ من قتل غير الْقَاتِل أَو الْقَتْل بعد أَخذ الدِّيَة، وَهُوَ معنى قَوْله:(قتل بعد قبُول الدِّيَة) وَهُوَ على صِيغَة الْمَعْلُوم من الْمَاضِي، وَقع تَفْسِيرا لقَوْله:(فَمن اعْتدى) . قَوْله: (فَلهُ عَذَاب أَلِيم) نوع من الْعَذَاب شَدِيد الْأَلَم فِي الْآخِرَة.
4498 -
ح دَّثنا الحُمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ حَدثنَا عَمْروٌ قَالَ سمِعْتُ مجاهِداً قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ كانَ فِي بَني إسْرَائِيلَ القِصاصُ ولَمْ تَكُنْ فِيهِمِ الدِّيَّةُ فَقَالَ الله تَعَالَى لِهاذِهِ الأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بالحُرِّ والعَبْدُ بالعَبْدِ والأُنْثَى بالأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ} فالْعَفْوُ أنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي العَمْدِ {فاتِّباعٌ بالمعْرُوفِ وأدَاءٌ إلَيْهِ بإحْسانٍ} يَتَّبِعُ بالمَعْرُوفِ ويُؤَدِّي بإحْسانٍ {ذالِكَ تَخْفِيفٌ منْ رَبِّكُمْ ورَحْمَةٌ} مِمَّا كُتبَ عَلَى مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ {فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذالِكَ فَلَهُ عَذَابٌ ألِيمٌ} قَتَلَ بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ.
مطابقته لِلْآيَةِ أوضح مَا يكون، والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى ونسبته إِلَى أحد أجداده وَهُوَ: حميد بن زُهَيْر، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدِّيات عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد الْجَبَّار وَفِي الْقصاص عَن الْحَارِث بن مِسْكين.
قَوْله: (فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء)، مَعْنَاهُ: قبُول الدِّيَة فِي الْعمد، وَقيل: فِيمَن قتل وَله وليان فَعَفَا أَحدهمَا فللآخر أَن يَأْخُذ مِقْدَار حِصَّته من الدِّيَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: الْعَفو فِي الْآيَة يحْتَاج إِلَى تَفْسِير، وَذَلِكَ أَن ظَاهر الْعَفو يُوجب أَن لَا تبعة لأَحَدهمَا على الآخر، فَمَا معنى الإتباع؟ والإعفاء فَمَعْنَاه: أَن من عُفيَ عَنهُ الدَّم بِالدِّيَةِ فعلى صَاحب الدِّيَة اتِّبَاع، أَي مُطَالبَة بِالدِّيَةِ وعَلى الْقَاتِل أَدَاء الدِّيَة إِلَيْهِ؟ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَأَخُوهُ: هُوَ ولي الْمَقْتُول، وَقيل لَهُ: أَخُوهُ، لِأَنَّهُ لابسه من قبل أَنه ولي الدَّم ومطالبه بِهِ أَو ذكره بِلَفْظ الْأُخوة ليعطف أَحدهمَا على صَاحبه بِذكر مَا هُوَ ثَابت بَينهمَا من الجنسية وَالْإِسْلَام. وَقَالَ: إِن عَفا يتَعَدَّى: بعن، لَا بِاللَّامِ، فَمَا وَجه قَوْله:(فَمن عَفا لَهُ؟) قلت: يتَعَدَّى: بعن إِلَى الْجَانِي وَإِلَى الذَّنب، فَيُقَال: عَفَوْت عَن فلَان وَعَن ذَنبه. قَالَ الله تَعَالَى: {عَفا الله عَنْك} (التَّوْبَة: 43) وَعَفا الله عَنْهَا فَإِذا تعدى إِلَى الذَّنب قيل: عَفَوْت لفُلَان عَمَّا جنى، كَمَا تَقول: عَفَوْت لَهُ ذَنبه وتجاوزت لَهُ عَنهُ، وعَلى هَذَا مَا فِي الْآيَة كَأَنَّهُ قيل فَمن عَفا لَهُ عَن جِنَايَته، فاستغنى عَن ذكر الْجِنَايَة. قَوْله:(شَيْء)، أَي: من الْعَفو، إِنَّمَا قيل ذَلِك للإشعار بِأَن بعض الْعَفو عَن الدَّم أَو عَفْو بعض الْوَرَثَة يسْقط الْقصاص وَلم يجب إِلَّا الدِّيَة. قَوْله:(فاتباع بِالْمَعْرُوفِ)، أَي: فَلْيَكُن اتِّبَاع، أَو: فَالْأَمْر اتِّبَاع، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله:(ذَلِك)، أَي: الحكم الْمَذْكُور من الْعَفو وَالدية، لِأَن أهل التَّوْرَاة كتب عَلَيْهِم الْقصاص اليته وَحرم عَلَيْهِم الْعَفو واخذ الدِّيَة وعَلى أهل الْإِنْجِيل الْعَفو وَحرم الْقصاص وَالدية وخيرت هَذِه الْأمة بَين الثَّلَاث: الْقصاص وَالدية وَالْعَفو، وتوسعة عَلَيْهِم وتيسيراً. قَوْله:(كَمَا كتب على من كَانَ قبلكُمْ) هم أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل. قَوْله: (فَمن اعْتدى بعد ذَلِك)، أَي: بعد التَّخْفِيف وَتجَاوز مَا شرع لَهُ من قتل غير الْقَاتِل أَو الْقَتْل بعد أَخذ الدِّيَة، وَهُوَ معنى قَوْله:(قتل بعد قبُول الدِّيَة) وَهُوَ على صِيغَة الْمَعْلُوم من الْمَاضِي، وَقع تَفْسِيرا لقَوْله:(فَمن اعْتدى) . قَوْله: (فَلهُ عَذَاب أَلِيم) نوع من الْعَذَاب شَدِيد الْأَلَم فِي الْآخِرَة.