الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُبَالغَة فِي التَّطْهِير وَزِيَادَة فِيهِ أَو بِمَعْنى الإنماء وَالْبركَة. قَوْله: (وَنَحْوهَا كَثِيرُونَ) وَفِي بعض النّسخ. وَنَحْو هَذَا كثير، وَهَذِه أحسن، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن اللَّفْظَيْنِ الْمُخْتَلِفين فِي الْمَادَّة ومتفقين فِي الْمَعْنى كثير فِي لُغَات الْعَرَب. وَذَلِكَ لِأَن الزَّكَاة والتزكية فِي اللُّغَة الطَّهَارَة، وَلِهَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: والتزكية مُبَالغَة فِي التَّطْهِير، وَهَذَا يُشِير إِلَى أَن معنى التَّزْكِيَة التَّطْهِير. وَلَكِن فِيهِ زِيَادَة وتجيء التَّزْكِيَة أَيْضا بِمَعْنى النَّمَاء وَالْبركَة والمدح، وكل ذَلِك قد اسْتعْمل فِي الْقُرْآن، وعجبي من الشُّرَّاح كَيفَ أهملوا تَحْرِير مثل هَذَا ونظائره. قَوْله:(وَالزَّكَاة الطَّاعَة)، يَعْنِي: تَأتي بِمَعْنى الطَّاعَة وَبِمَعْنى الْإِخْلَاص، وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي قَوْله:(تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا) قَالَ: الزَّكَاة طَاعَة الله وَالْإِخْلَاص.
لَا يُؤْتُون الزَّكَاةَ لَا يَشْهَدُونَ أنْ لَا إلاهَ إلَاّ الله
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وويل للْمُشْرِكين الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة} (فصلت: 7) وَلَكِن هَذِه الْآيَة من سُورَة فصلت ذكرهَا هُنَا اسْتِطْرَادًا وفسرها بقوله: لَا يشْهدُونَ أَن لَا إلاه إِلَّا الله وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه فَسرهَا هَكَذَا.
يُضاهُونَ يُشَبِّهُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك قَوْلهم بأفواههم يضاهون قَول الَّذين كفرُوا من قبل} (التَّوْبَة: 30) وَفسّر: يضاهون، بقوله: يشبهون، وَكَذَا فسره ابْن عَبَّاس فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ عَليّ بن أبي طَلْحَة، وَهُوَ من المضاهاة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ التَّشْبِيه، وَهَذَا إِخْبَار من الله تَعَالَى عَن قَول الْيَهُود: عُزَيْرًا ابْن الله، وَالنَّصَارَى الْمَسِيح ابْن الله، فأكذبهم بقوله ذَلِك قَوْلهم: بأفواههم، يَعْنِي لَا مُسْتَند لَهُم فِيمَا ادعوهُ سوى افترائهم وَاخْتِلَافهمْ يضاهون أَي: يشابهون قَول الَّذين كفرُوا من قبلهم من الْأُمَم ضلوا كَمَا ضل هَؤُلَاءِ قَاتلهم الله. قَالَ ابْن عَبَّاس: لعنهم الله.
4654 -
ح دَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ أبِي إسْحاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ رضي الله عنه يَقُولُ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُل الله يُفْتِيكُمْ فِي الكَلالَةِ} (النِّسَاء: 176) وَآخِرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي والبراء بن عَازِب.
والْحَدِيث مضى فِي آخر سُورَة النِّسَاء فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق: سَمِعت الْبَراء قَالَ: آخر سُورَة نزلت بَرَاءَة وَآخر آيَة نزلت: يستفتونك، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَقد تقدم فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة عَن ابْن عَبَّاس أَن آخر آيَة نزلت آيَة الرِّبَا وَقيل:{وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} (الْبَقَرَة: 281) بعْدهَا وَقَالَ الدَّاودِيّ: لم يَخْتَلِفُوا فِي أَن أول بَرَاءَة نزلت سنة تسع لما حج أَبُو بكر الصّديق بِالنَّاسِ وأنزلت: {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} (الْمَائِدَة: 3) عَام حجَّة الْوَدَاع فَكيف تكون بَرَاءَة آخر سُورَة أنزلت؟ وَلَعَلَّ الْبَراء أَرَادَ بعض سُورَة بَرَاءَة. قلت: المُرَاد الآخرية الْمَخْصُوصَة لِأَن الأولية والآخرية من الْأُمُور النسبية، وَالْمرَاد بالسورة بَعْضهَا أَو معظمها، وَلَا شكّ أَن غالبها نزل فِي غَزْوَة تَبُوك وَهِي آخر غزوات النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ بَعضهم: وَيجمع بَين حَدِيثي الْبَراء وَابْن عَبَّاس بِأَنَّهُمَا لم ينقلاه وَإِنَّمَا ذكرَاهُ عَن اجْتِهَاد قلت: لَا مَحل للِاجْتِهَاد فِي مثل ذَلِك على مَا لَا يخفى على المتأمل.
2 -
(بابُ قَوْلِهِ: {فَسِيحُوا فِي الأرْضِي أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله وَأنَّ الله مُخْزِى الكَافِرِينَ} (التَّوْبَة:
2)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وجل: {فسيحوا فِي الأَرْض} الْآيَة وَقد مر الْكَلَام فِي {أَرْبَعَة أشهر} عَن قريب. قَوْله: (غير معجزي الله)، أَي: غير سابقي الله بأعمالكم. قَوْله: (وَأَن الله)، أَي: وَاعْلَمُوا أَن الله مخزي (الْكَافرين) أَي مذلهم، وَيُقَال: معذب الْكَافرين فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ، وَفِي الْآخِرَة بالنَّار.
سِيحُوا سِيرُوا
أَي: معنى قَوْله: سيحوا سِيرُوا فِي الأَرْض مُقْبِلين ومدبرين آمِنين غير خَائِفين أحدا بِحَرب وَلَا سلب وَلَا قتل. وَلَا أسر، يُقَال: ساح فلَان فِي الأَرْض يسيح سيحا وسياحة وسيوحا.
4655 -
ح دَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ حدَّثني اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني عُقَيْلٌ عَنِ ابنِ شِهابٍ وَأخْبَرَنِي حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ بَعَثَنِي أبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمَنًى أنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ العامِ مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ قَالَ حُمَيْدُ ابنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ ثُمَّ أرْدَفَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِعَلِيِّ بنِ أبِي طَالِبٍ وَأمَرَهُ أنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ فَأذَّنَ مَعَنا عَلِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ فِي أهْلِ منى بِبَرَاءَةَ وَأنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ العامِ مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عَرْيَانٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن هَذِه التَّرْجَمَة من تَتِمَّة الْآيَة الَّتِي هِيَ أول السُّورَة أَعنِي قَوْله تَعَالَى: {بَرَاءَة من الله وَرَسُوله} وَفِيه أَيْضا لفظ بَرَاءَة.
وَسَعِيد بن عفير، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَهُوَ سعيد بن كثير بن عفير الْمصْرِيّ، وروى لَهُ مُسلم أَيْضا. وَعقيل: بِضَم الْعين المهلمة وَفتح الْقَاف ابْن خَالِد الْأَيْلِي يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب مَا يستر من الْعَوْرَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن يَعْقُوب إِلَى آخِره، وَمضى فِي كتاب الْحَج أَيْضا فِي: بَاب لَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس قَالَ ابْن شهَاب: حَدثنِي حميد بن عبد الرَّحْمَن أَن أَبَا هُرَيْرَة أخبرهُ إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَأَخْبرنِي حميد)، وَفِي كتاب الْحَج: وحَدثني حميد بن عبد الرَّحْمَن، وَإِنَّمَا قَالَ بواو الْعَطف أشعارا بِأَنَّهُ أخبرهُ أَيْضا بِغَيْر ذَلِك فَهُوَ عطف على مُقَدّر، قَالَ الْكرْمَانِي: وَلم يعين الْمُقدر. قلت: الظَّاهِر أَن الْمُقدر هَكَذَا عَن ابْن شهَاب حَدثنِي وَأَخْبرنِي حميد، وَتظهر الْفَائِدَة فِيهِ على قَول من يَقُول بِالْفرقِ بَين حَدثنَا وَبَين أخبرنَا. قَوْله:(أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ بَعَثَنِي) وَفِي كتاب الْحَج: أَن أَبَا هُرَيْرَة أخبرهُ أَن أَبَا بكر بَعثه. قَوْله: (فِي تِلْكَ الْحجَّة) ، وَهِي الْحجَّة الَّتِي كَانَ فِيهَا أَبُو بكر أَمِيرا على الْحَاج، وَهِي فِي السّنة التَّاسِعَة. قَوْله:(فِي مؤذنين) جمع مُؤذن من الإيذان وَهُوَ الْإِعْلَام بالشَّيْء قَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال آذن يُؤذن إِيذَانًا وَأذن يُؤذن تأذينا والمشدد مَخْصُوص فِي الِاسْتِعْمَال بإعلام وَقت الصَّلَاة. قَوْله: (قَالَ حميد) مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الأول قَوْله: (ثمَّ أرْدف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طَالب) أَي: أرْسلهُ بعد أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ الإِمَام أَحْمد حَدثنَا عَفَّان حَدثنَا حَمَّاد عَن سماك عَن أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، بعث بِبَرَاءَة مَعَ أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلَمَّا بلغ ذَا الحليفة قَالَ: لَا يبلغهَا إلَاّ أَنا أَو رجل من أهل بَيْتِي، فَبعث بهَا مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير، وَقَالَ: حسن غَرِيب، وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل بِإِسْنَادِهِ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما نزلت عشر آيَات من بَرَاءَة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَبَا بكر فَبَعثه بهَا لِيَقْرَأهَا على أهل مَكَّة. ثمَّ دَعَاني فَقَالَ: أدْرك أَبَا بكر فَحَيْثُ مَا لَقيته فَخدَّ الْكتاب مِنْهُ فَاذْهَبْ إِلَى أهل مَكَّة فاقرأه عَلَيْهِم، فلحقته بِالْجُحْفَةِ فَأخذت الْكتاب مِنْهُ وَرجع أَبُو بكر إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أنزل فِي شَيْء؟ فَقَالَا: لَا وَلَكِن جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، جَاءَنِي وَقَالَ: لن يُؤَدِّي عَنْك إلَاّ أَنْت أَو رجل مِنْك، قَالَ ابْن كثير: هَذَا إِسْنَاد فِيهِ ضعف، وَلَيْسَ المُرَاد أَن أَبَا بكر رَجَعَ من فوره، وَإِنَّمَا رَجَعَ بعد قَضَائِهِ الْمَنَاسِك الَّتِي أمَّره عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَمَا جَاءَ مُبينًا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَقَالَ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله:{بَرَاءَة من الله وَرَسُوله} قَالَ: لما كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم زمن حنين اعْتَمر من الْجِعِرَّانَة ثمَّ أمَّر أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على تِلْكَ الْحجَّة، قَالَ معمر: قَالَ الزُّهْرِيّ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يحدث أَن أَبَا بكر أَمر أَبَا هُرَيْرَة أَن يُؤذن بِبَرَاءَة فِي حجَّة أبي بكر بِمَكَّة. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: ثمَّ اتَّبعنَا النَّبِي