الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخِتَان من ذكر الصَّبِي. قَوْله: (ذَات الشمَال)، جِهَة النَّار. قَوْله:(أصيحابي) ، مصغر الْأَصْحَاب، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِالتَّصْغِيرِ يدل على تقليل عَددهمْ وَلم يرد بِهِ خَواص أَصْحَابه الَّذين لزموه وَعرفُوا بِصُحْبَتِهِ أُولَئِكَ صانهم الله وعصمهم من التبديل، وَالَّذِي وَقع من تَأْخِير بعض الْحُقُوق إِنَّمَا كَانَ من جُفَاة الْأَعْرَاف وَكَذَلِكَ الَّذِي ارْتَدَّ مَا كَانَ إلَاّ مِنْهُم مِمَّن لَا بَصِيرَة لَهُ فِي الدّين وَذَلِكَ لَا يُوجب قدحا فِي الصَّحَابَة الْمَشْهُورين، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ. قَوْله:(العَبْد الصَّالح) ، هُوَ عِيسَى ابْن مَرْيَم، عليهما السلام.
15
-
(بابُ قَوْلِهِ: {إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} (الْمَائِدَة:
118)
(
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وجل: {أَن تُعَذبهُمْ} الْآيَة. هَذَا حِكَايَة عَن كَلَام عِيسَى عليه السلام، ذكر ذَلِك على وَجه الاستعطاف وَالتَّسْلِيم لأَمره عز وجل، وَالْمعْنَى: إِن تعذب هَؤُلَاءِ فَذَلِك بإقامتهم على كفرهم، وَإِن تغْفر لَهُم فبتوبة كَانَت مِنْهُم لأَنهم عِبَادك وَأَنت الْعَادِل فيهم وَأَنت فِي مغفرتك عَزِيز لَا يمْتَنع عَلَيْك مَا تُرِيدُ حَكِيم فِي ذَلِك.
15
- (بابُ قَوْلِهِ: {إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} (الْمَائِدَة: 118)
(
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وجل: {أَن تُعَذبهُمْ} الْآيَة. هَذَا حِكَايَة عَن كَلَام عِيسَى عليه السلام، ذكر ذَلِك على وَجه الاستعطاف وَالتَّسْلِيم لأَمره عز وجل، وَالْمعْنَى: إِن تعذب هَؤُلَاءِ فَذَلِك بإقامتهم على كفرهم، وَإِن تغْفر لَهُم فبتوبة كَانَت مِنْهُم لأَنهم عِبَادك وَأَنت الْعَادِل فيهم وَأَنت فِي مغفرتك عَزِيز لَا يمْتَنع عَلَيْك مَا تُرِيدُ حَكِيم فِي ذَلِك.
4626 -
ح دَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا المُغِيرَةُ بنُ النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثني سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ إنَّكُمْ مَحْشُورُونَ وَإنَّ نَاسا يُؤْخَذْ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ. وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِمْ إلَى قَوْلِهِ العَزِيزُ الحَكيمُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي الرقَاق عَن بنْدَار عَن غنْدر، وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَن مُحَمَّد بن يُوسُف، وَأخرجه مُسلم فِي صفة الْقِيَامَة عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَغَيرهمَا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن أبي مُوسَى وَغَيره، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن غيلَان وَغَيره، وَفِي التَّفْسِير عَن سُلَيْمَان بن عبد الله. قَوْله:(مَحْشُورُونَ)، يَعْنِي: مجموعون يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: (وَأَن نَاسا) ويروى، وَأَن رجَالًا.
6 -
(
{سُورَةُ الأنْعامِ} )
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام، ذكر ابْن الْمُنْذر بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْعَام بِمَكَّة شرفها الله لَيْلًا جملَة، وحولها سَبْعُونَ ألف ملك يجأرون بالتسبيح، وَذكر نَحوه عَن أبي جُحَيْفَة، وَعَن مُجَاهِد، نزل مَعهَا خَمْسمِائَة ملك يزفونها ويحفونها. وَفِي تَفْسِير أبي مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم البستي خَمْسمِائَة ألف ملك، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَعَطَاء والكلبي: نزلت الْأَنْعَام بِمَكَّة إلَاّ ثَلَاث آيَات فَإِنَّهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ وَهِي من قَوْله تَعَالَى: {قل تَعَالَوْا} إِلَى قَوْله: {تَتَّقُون} (الْأَنْعَام: 151، 153) وَفِي أُخْرَى عَن الْكَلْبِيّ: هِيَ مَكِّيَّة إلَاّ قَوْله: {مَا أنزل الله على بشر} (الْأَنْعَام: 91) الْآيَتَيْنِ، وَقَالَ قَتَادَة: هما قَوْله تَعَالَى: {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} الْآيَة الْأُخْرَى: {وَهُوَ الَّذِي أنشأ جنَّات معروشات} (الْأَنْعَام: 141) وَذكر ابْن الْعَرَبِيّ أَن قَوْله تَعَالَى: {قل لَا أجد} (الْمَائِدَة: 145) نزلت بِمَكَّة يَوْم عَرَفَة. وَقَالَ السخاوي نزلت بعد الْحجر، وَقبل: الصافات، وَفِي (كتاب الْفَضَائِل) لأبي الْقَاسِم مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الغافقي، قَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سور الْأَنْعَام تدعى فِي ملكوت الله، وَفِي رِوَايَة تدعى فِي التَّوْرَاة. المرضية، سَمِعت سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، يَقُول: من قَرَأَهَا فقد انْتهى، وَفِي الْكتاب (الْفَائِق فِي اللَّفْظ الرَّائِق) لأبي الْقَاسِم عبد المحسن الْقَيْسِي قَالَ صلى الله عليه وسلم:(من قَرَأَ سُورَة الْأَنْعَام جملَة وَلم يقطعهَا بِكَلَام غفر لَهُ مَا أسلف من عمل لِأَنَّهَا نزلت جملَة وَمَعَهَا موكب من الْمَلَائِكَة سد مَا بَين الْخَافِقين، لَهُم زجل بالتسبيح وَالْأَرْض بهم ترتج) ، وَهِي مائَة وَخمْس وَسِتُّونَ آيَة وَثَلَاث آلَاف وَاثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ كلمة وَاثنا عشر ألف حرف وَأَرْبَعمِائَة وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ حرفا.
بسم الله الرحمن الرحيم
ثَبت الْبَسْمَلَة فِي رِوَايَة أبي ذَر لَيْسَ إِلَّا.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ مَعْذِرَتُهُمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى بَيَان تَفْسِير قَوْله عز وجل: {وَيَوْم نحشرهم جَمِيعًا ثمَّ نقُول للَّذي أشروا أَيْن شركاؤكم الَّذين كُنْتُم تَزْعُمُونَ ثمَّ لم تكن فتنتهم إلَاّ أَن قَالُوا وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين} (الْمَائِدَة: 22) وفسرها ابْن عَبَّاس بقوله معذرتهم، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى حَدثنَا هِشَام بن يُوسُف عَن ابْن جريج عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقَالَ معمر عَن قَتَادَة: فتنتهم مقالتهم، وَعَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس أَي: حجتهم.
مَعْرُوشَاتٍ مَا يُعْرَش مِنَ الكَرْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
لم يَقع هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي أنشأ جنَّات معروشات وَغير معروشات} (الْأَنْعَام: 14) وَفسّر معروشات بقوله: مَا يعرش من الْكَرم، وَغير ذَلِك، وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي أنشأ جنَّات معروشات} قَالَ: مَا يعرش من الكروم، وَغير معروشات مَا لَا يعرش، وَفِي التَّفْسِير، وَقَالَ عَليّ ابْن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: المعروشات مَا عرش النَّاس، وَغير معروشات مَا خرج فِي الْبر وَالْجِبَال من الثمرات وَعَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: معروشات مسموكات، وَقيل: معروشات مَا يقوم على العراش، وَفِي (الْمغرب) : الْعَرْش السّقف فِي قَوْله: (وَكَانَ عرش الْمَسْجِد من جريد النّخل) أَي: من أفنانه وأغصانه، وعريش الْكَرم مَا يهيأ ليرتفع عَلَيْهِ، وَالْجمع عراش.
حَمُولَةَ مَا يُحْمَلُ عَلَيْها
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمن الْأَنْعَام حمولة وفرشا} (الْأَنْعَام: 142) وَفسّر الحمولة بقوله: مَا يحمل عَلَيْهَا، وَعَن الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله فِي قَوْله حمولة، مَا حمل من الْإِبِل وفرشا. قَالَ: الصغار من الْإِبِل رَوَاهُ الْحَاكِم، وَقَالَ: صَحِيح وَلم يخرجَاهُ، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الحمولة هِيَ الْكِبَار، والفرش الصغار من الْإِبِل، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد، وَقَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: الحمولة الْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير وكل شَيْء يحمل عَلَيْهِ، والفرش الْغنم، وَاخْتَارَهُ ابْن جرير، قَالَ، وَأَحْسبهُ إِنَّمَا سمى فرشا لدنوه من الأَرْض، وَقَالَ الرّبيع بن أنس وَالْحسن وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة، الحمولة الْإِبِل وَالْبَقر، والفرش الْغنم، وَقَالَ السّديّ: أما الحمولة فالإبل، وَأما الْفرش فالفصلان والعجاجيل وَالْغنم وَمَا حمل عَلَيْهِ فَهُوَ حمولة وَقَالَ عبد الرَّحْمَن ابْن زيد بن أسلم: الحمولة تَرْكَبُونَ، والفرش مَا تَأْكُلُونَ وتحلبون، الشَّاة لَا تحمل ويؤكل لَحمهَا وتتخذون من صوفها لحافا وفرشا.
وَلَلَبَسْنا لَشَبَّهْنَا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وللبسنا عَلَيْهِم مَا يلبسُونَ} (الْأَنْعَام: 9) وَفسّر: للبسنا، بقوله: لشبهنا، وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، فِي قَوْله:{وللبسنا عَلَيْهِم مَا يلبسُونَ} بقوله لشبهنا عَلَيْهِم، وَأَصله من اللّبْس بِفَتْح اللَّام وَهُوَ الْخَلْط، تَقول: لبس يلبس من بَاب ضرب يضْرب لبسا بِالْفَتْح، وَلبس الثَّوْب يلبس من بَاب علم يعلم لبسا بِالضَّمِّ.
وَيَنْأَوْنَ يَتَبَاعَدُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وهم ينهون عَنهُ وينأون} وَفسّر: ينأون بقوله: يتباعدون، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، وَالْمعْنَى: أَن كفار مَكَّة ينهون النَّاس عَن اتِّبَاع الْحق ويتباعدون عَنهُ، وَقَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة: ينهون النَّاس عَن مُحَمَّد ويتباعدون أَن يُؤمنُوا.
تُبْسلُ تُفْضَحُ أُبْسِلُوا: افْضِحُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَذكر أَن تبسل نفس بِمَا كسبت} وَفسّر لفظ: تبسل بقوله: تفضح، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ الضَّحَّاك: عَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَعِكْرِمَة وَالْحسن وَالسُّديّ، إِن تبسل: أَن تفضح، وَقَالَ قَتَادَة: تحبس، وَقَالَ أبي زيد: تؤاخذ، وَقَالَ الْكَلْبِيّ: تجزي، وَفِي التَّفْسِير قَوْله تَعَالَى:{وَذكر بِهِ} (الْأَنْعَام: 70) أَي: ذكر النَّاس بِالْقُرْآنِ وحذرهم نعْمَة الله وعذابه الْأَلِيم يَوْم الْقِيَامَة {أَن تبسل نفس بِمَا كسبت} أَي لِئَلَّا تبسل. قَوْله: (أبسلوا)، إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى:{أُولَئِكَ الَّذين أبسلوا بِمَا كسبوا} أَي: أفضِحوا بِسَبَب كسبهم، ويروى: فضحوا من الثلاثي على صِيغَة الْمَجْهُول.
باسِطو أيْدِيهِمْ: البَسْطُ الضَّرْبُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالْمَلَائِكَة باسطو أَيْديهم} (الْأَنْعَام: 93) وَقَبله: {وَلَو ترى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة باسطو أَيْديهم أخرجُوا أَنفسكُم} وَجَوَاب: لَو. مَحْذُوف تَقْدِيره لرأيت عجيبا. قَوْله: (باسطو أَيْديهم)، أَي: بِالضَّرْبِ، وَقيل: بِالْعَذَابِ، وَقيل: بِقَبض الْأَرْوَاح من الأجساد وَيكون هَذَا وَقت الْمَوْت، وَقيل: يَوْم الْقِيَامَة، وَقيل: فِي النَّار، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: باسطو أَيْديهم يبسطون إِلَيْهِم أَيْديهم يَقُولُونَ أخرجُوا أرواحكم إِلَيْنَا من أجسادكم، وَهَذَا عبارَة عَن العنف والإلحاح فِي الإزهاق. قَوْله:(الْبسط الضَّرْب)، تَفْسِير الْبسط بِالضَّرْبِ غير موجه لِأَن الْمَعْنى الْبسط بِالضَّرْبِ يَعْنِي: الْمَلَائِكَة يبسطون أَيْديهم بِالضَّرْبِ، كَمَا ذكرنَا.
اسْتَكْثَرْتُمْ أضْلَلْتُمْ كَثِيرا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يَا معشر الْجِنّ قد استكثرتم من الْإِنْس} (الْأَنْعَام: 128) وَفَسرهُ بقوله: أضللتم كثيرا. وَقَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: قد استكثرتم من الْإِنْس بِمَعْنى أضللتم مِنْهُم كثيرا. وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِد وَالْحسن وَقَتَادَة، وعجبي من شرَّاح هَذَا الْكتاب كَيفَ أهملوا تَحْقِيق هَذَا الْموضع وَأَمْثَاله، فَمنهمْ من قَالَ هُنَا قَوْله استكثرتم أضللتم كثيرا وَوَصله ابْن أبي حَاتِم كَذَلِك، وَمِنْهُم من قَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ: وَمِنْهُم من لم يذكرهُ أصلا، فَإِذا وصل قارىء البُخَارِيّ إِلَى هَذَا الْموضع ووقف على قَوْله: استكثرتم أضللتم، وَلم يكن الْقُرْآن فِي حفظه حَتَّى يقف عَلَيْهِ وَلم يعلم أَوله وَلَا آخِره، تحير فِي ذَلِك، فَإِذا رَجَعَ إِلَى شرح من شُرُوح هَؤُلَاءِ يزْدَاد تحيرا. وَشرح البُخَارِيّ لَا يظْهر بِقُوَّة الْحِفْظ فِي الحَدِيث أَو بعلوا السَّنَد أَو بِكَثْرَة النَّقْل، ولايخرج من حَقه إلَاّ من لَهُ يَد فِي الْفُنُون وَلَا سِيمَا فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول مَعَ تتبع مَعَاني أَلْفَاظه كلمة كلمة، وَبَيَان المُرَاد مِنْهُ والتأمل فِيهِ والغوص فِي تيار تحقيقاته والبروز مِنْهُ بمكنونات تدقيقاته.
ذَرَأ مِنَ الحِرْثِ جَعَلُوا لله مِنْ ثَمَرَاتِهِمْ وَمَا لَهُمْ نَصِيبا وَلِلْشَّيْطَانِ وَالأوْثَانِ نَصِيبا.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وجل: {وَجعلُوا لله مِمَّا ذَرأ من الْحَرْث والأنعام نَصِيبا} وَفسّر قَوْله: ذَرأ من الْحَرْث، بقوله: جعلُوا لله إِلَى آخِره، وَهَكَذَا رَوَاهُ بن الْمُنْذر بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس، وَزَاد فَإِن سقط من ثمره مَا جعلُوا لله فِي نصيب الشَّيْطَان تَرَكُوهُ، وَإِن سقط مِمَّا جَعَلُوهُ للشَّيْطَان فِي نصيب الله لفظوه.
أمّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحَامُ الأُنْثَييْنِ يَعْنِي هَلْ تَشْتَمِلُ إلَاّ عَلَى ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى فلِمَ تحرِّمونَ بَعْضا وتحلونَ بَعْضا.
هَذَا وَقع لغير أبي ذَر، وَلم أنظر نُسْخَة إلَاّ وَهَذِه التفاسير فِيهَا بَعْضهَا مُتَقَدم وَبَعضهَا مُتَأَخّر وَبَعضهَا غير مَوْجُود، وَفِي النُّسْخَة الَّتِي اعتمادي عَلَيْهَا وَقع هُنَا وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى:{قل آلذكرين حرم أم الأُنثيين أما اشْتَمَلت عَلَيْهِ أَرْحَام الأُنثيين} (الْأَنْعَام: 144) ثمَّ فسره قَوْله: يَعْنِي هَل تشْتَمل يَعْنِي: الْأَرْحَام إلَاّ على ذكر أَو أُنْثَى، وَكَانَ الْمُشْركُونَ يحرمُونَ أجناسا من النعم بَعْضهَا على الرِّجَال وَالنِّسَاء وَبَعضهَا على النِّسَاء دون الرِّجَال، فاحتج الله عَلَيْهِم. قَوْله:{قَالَ آلذاكرين من حرم أم الأُنثيين} الْآيَة.
فَالَّذِي حرمتم بِأَمْر مَعْلُوم من جِهَة الله يدل عَلَيْهِ أم فَعلْتُمْ ذَلِك كذبا على الله تَعَالَى؟ وَقَالَ الْفراء: جَاءَكُم التَّحْرِيم فِيمَا حرمتم من السائبة والبحيرة والوصيلة والحام من قبل الذكرين أم الأُنثيين؟ فَإِن قَالُوا: من قبل الذّكر لزم تَحْرِيم كل ذكر أم من قبل الْأُنْثَى، فَكَذَلِك وَإِن قَالُوا: من قبل مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الرَّحِم لزم تَحْرِيم الْجَمِيع لِأَن الرَّحِم لَا يشْتَمل إلَاّ على ذكر أَو أُنْثَى.
أكِنَّةً وَاحِدُها كِنَانٌ
هَذَا ثَبت لأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي، وَهُوَ مُتَقَدم فِي بعض النّسخ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى:{أكنة أَن يفقهوه} (الْأَنْعَام: 25) وَقَبله {وَمِنْهُم من يستمع إِلَيْك وَجَعَلنَا على قُلُوبهم أكنة أَن يفقهوه وَفِي آذانهم وَقَرَأَ} الْآيَة، ثمَّ قَالَ: وَاحِدهَا أَي: أحد أكنة كنان على وزن فعال مثل: أَعِنَّة جمع عنان وأسنة جمع سِنَان وَفِي التَّفْسِير: أكنة أَي أغطية لِئَلَّا يفهموا الْقُرْآن {وَجَعَلنَا فِي آذانهم وَقَرَأَ} أَي: صمما من السماع النافع لَهُم.
مَسْفُوحا مُهْراقا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قل لَا أجد فِيمَا أوحى إِلَى محرما على طاعم يطعمهُ إِلَّا أَن يكون ميتَة أَو دَمًا مسفوحا} (الْأَنْعَام: 145 وَفسّر مسفوحا بقوله مهراقا. أَي: مصبوبا وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَو دَمًا مسفوحا يَعْنِي مهراقا.
صَدَفَ أعْرَضَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {فَمن أظلم مِمَّن كذب بآيَات الله وصدف عَنْهَا} (الْأَنْعَام: 157) الْآيَة. وَفسّر: صدف. بقوله أعرض، وَعَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَقَتَادَة، صدف عَنْهَا أعرض عَنْهَا. أَي: عَن آيَات الله تَعَالَى، وَقَالَ السّديّ: أَي صدف عَن اتِّبَاع آيَات الله أَي: صرف النَّاس وصدهم عَن ذَلِك، وَقَالَ بَعضهم: قَوْله: (صدف) أعرض قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ هم يصدقون} (الْأَنْعَام: 46) أَي يعرضون قلت البُخَارِيّ لم يذكر إلاّ لفظ صدف وَإِن كَانَ معنى يصدقون كَذَلِك فَلَا بِلَاد من رِعَايَة الْمُنَاسبَة.
أُبْلِسُوا أُوبِسُوا وَأُبْسِلُوا أُسْلِمُوا
أَشَارَ بقوله أبلسوا أوبسوا إِلَى أَن معنى قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا هم مبلسون} (الْأَنْعَام: 44) من ذَلِك. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِيهِ: المبلس الحزين النادم، وَقَالَ الْفراء: المبلس الْمُنْقَطع رجاؤه. قَوْله: (أُوبسوا) على صِيغَة الْمَجْهُول كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره أيسوا على صِيغَة الْمَعْلُوم من أيس إِذا انْقَطع رجاؤه قَوْله: أبسلوا بِتَقْدِيم السِّين على اللَّام وَفَسرهُ بقوله أَسْلمُوا أَي: إِلَى الْهَلَاك وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذين أبسلو بِمَا كسبوا} (الْأَنْعَام: 70) وَقد مر هَذَا عَن قريب بِغَيْر هَذَا التَّفْسِير.
سَرْمدا دَائما
لَا مُنَاسبَة لذكر هَذَا هَاهُنَا لِأَنَّهُ لم يَقع هَذَا إلَاّ فِي سُورَة الْقَصَص فِي قَوْله تَعَالَى: {قل أَرَأَيْتُم أَن جعل الله عَلَيْكُم اللَّيْل سرمدا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} (الْقَصَص: 71) سرمدا أَي: دَائِما. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ذكره هُنَا لمناسبة فالق الإصباح وجاعل اللَّيْل سكنا. قلت: لم يذكر وَجه أَكثر هَذِه الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة وَلَا تعرض إِلَى تَفْسِيرهَا وَإِنَّمَا ذكر هَذَا مَعَ بَيَان مُنَاسبَة بعيدَة على مَا لَا يخفى.
اسْتَهْوَتْهُ أضَلَّتْهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {كَالَّذي استهوته الشَّيَاطِين} (الْأَنْعَام: 71) وَفَسرهُ بقوله أضلته وَكَذَا فسره قَتَادَة.
تَمْتَرُونَ تَشُكُّونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ أَنْتُم تمترون} (الْأَنْعَام: 20) وَفَسرهُ بقوله: تشكون وَكَذَا فسره السّديّ.
وَقْرٌ صَمْمٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَفِي آذانهم وقر} وَفَسرهُ بقوله: صمم هَذَا بِفَتْح الْوَاو عِنْد الْجُمْهُور، وَقَرَأَ طَلْحَة بن مصرف بِكَسْر الْوَاو.
وأمْا الوِقْرُ الحِمْلُ
أَي: وَأما الوقر، بِكَسْر الْوَاو فَمَعْنَاه الْحمل، ذكره مُتَّصِلا بِمَا قبله لبَيَان الْفرق بَين مَفْتُوح الْوَاو وَبَين مكسورها.
فَإنَّهُ أسَاطِيرُ وَاحِدُها أُسْطُورَةٌ وَإسْطَارَةٌ وَهِيَ التُّرَّهاتُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إلَاّ أساطير الْأَوَّلين} وَذكر أَن الأساطير وَاحِدهَا أسطورة، بِضَم الْهمزَة وأسطارة أَيْضا بِكَسْر الْهمزَة ثمَّ فَسرهَا بقوله وَهِي الترهات، بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الرَّاء وَهِي الأباطيل، قَالَ أَبُو زيد هِيَ جمع ترهة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير، وَهِي فِي الأَصْل الطّرق الصغار المتشعبة عَن الطَّرِيق الْأَعْظَم، وَهِي كِنَايَة عَن الأباطيل، وَقَالَ الْأَصْمَعِي الترهات الطّرق الصغار، وَهِي فارسية معربة ثمَّ استعيرت فِي الأباطيل، فَقيل: الترهات السباسب والترهات الصحاصح، وَهِي من أَسمَاء الْبَاطِل وَرُبمَا جَاءَت مُضَافَة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وناس يَقُولُونَ ترة، وَالْجمع: ترارية.
البَأْسَاءُ مِنَ البَأْسِ وَيَكُونُ مِن البُؤْسِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فأخذناهم بالبأساء} وَأَشَارَ إِلَى أَنه يجوز أَن يكون من الْبَأْس هُوَ الشدَّة، وَيجوز، أَن يكون من الْبُؤْس بِالضَّمِّ وَهُوَ الضّر، وَقيل: هُوَ الْفقر وَسُوء الْحَال، وَقَالَ الدَّاودِيّ الْبَأْس الْقِتَال.
جَهْرَةً مُعَايَنَةً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قل أَرَأَيْتُم إِن أَتَاكُم عَذَاب الله بَغْتَة أَو جهرة وهم يَشْعُرُونَ هَل يُهلك إلَاّ الْقَوْم الظَّالِمُونَ} (الْأَنْعَام: 47) البغتة الْفجأَة، والجهرة المعاينة وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة.
الصُّوَرُ جَماعَةُ صُورةٍ كَقَوْلِهِ صُورَةٌ وَسُوَرٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يَوْم ينْفخ فِي الصُّدُور} (الْأَنْعَام: 33) وَذكر أَن الصُّور جمع صُورَة كَمَا أَن السُّور جمع سُورَة، وَاخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله:{يَوْم ينْفخ فِي الصُّور} فَقَالَ بَعضهم: المُرَاد بالصور هُنَا جمع سُورَة أَي: يَوْم ينْفخ فِيهَا ضحى، قَالَ ابْن جرير: كَمَا يُقَال سور لسور الْبَلَد وَهُوَ جمع سُورَة، وَالصَّحِيح أَن المُرَاد بالصور، الْقرن الَّذِي ينْفخ فِيهِ إسْرَافيل، عليه السلام، وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: حَدثنَا إِسْمَاعِيل حَدثنَا سُلَيْمَان التَّمِيمِي عَن أسلم الْعجلِيّ عَن بشر بن سعاف عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ أَعْرَابِي: يَا رَسُول الله مَا الصُّور؟ قَالَ: قرن ينْفخ فِيهِ انْتهى، وَهُوَ وَاحِد لَا اسْم جمع.
مَلكُوتٌ مُلْكٌ مِثْلُ رَهَبُوتٍ خَبَرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ وَتقُولُ تُرْهَبُ خَيْرٌ مِنْ أنْ تُرْحَمَ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض} وَفسّر ملكوت بقوله: ملك، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الملكوت من الْملك كالرهبوت من الرهبة، وَيُقَال: الْوَاو وَالتَّاء فِيهَا زائدتان، وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: ملكوت كل شَيْء مَعْنَاهُ ملك كل شَيْء أَي: هُوَ مَالك كل شَيْء والمتصرف فِيهِ على حسب مَشِيئَته وَمُقْتَضى إِرَادَته، وَقيل: الملكوت الْملك مَا بلغ الْأَلْفَاظ، وَقيل: الملكوت عَالم الْغَيْب كَمَا أَن الْملك عَالم الشَّهَادَة. قَوْله: {مثل رهبوت خير من رحموت} أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن وزن ملكوت مثل وزن رهبوت ورحموت، وَهَذَا مثل يُقَال: رهبوت خير من رحموت، أَي: رهبة خير من رَحْمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر هَكَذَا ملكوت وَملك رهبوت رحموت، وَتقول: ترهب خير من أَن ترحم، وَفِيه تعسف وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين الَّذِي ذكر أَولا هُوَ الصَّوَاب.
جَنَّ أظْلَمَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل} (الْأَنْعَام: 76) وَفَسرهُ بقوله: أظلم، وَعَن أبي عُبَيْدَة أَي: غطى عَلَيْهِ وأظلم، وَهَذَا فِي قصَّة إِبْرَاهِيم، عليه السلام.
تَعَالَى عَلا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يصفونَ} وَفسّر تَعَالَى بقوله: علا ورقع فِي (مستخرج) أبي نعيم تَعَالَى الله علا الله