الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرّفْع على الخبرية تَقْدِيره: وَهِي أَن يكون. قَوْله: فهما بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْهَاء، قَالَ بَعضهم: هُوَ من صِيغ الْمُبَالغَة. قلت: هُوَ من الصِّفَات المشبهة، وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: فَقِيها، قَوْله: حَلِيمًا يَعْنِي على من يُؤْذِيه وَلَا يُبَادر بالانتقام، وَقيل: الْحلم هُوَ الطُّمَأْنِينَة يَعْنِي: يكون متحملاً لسَمَاع كَلَام المتحاكمين وَاسع الْخلق غير ضجور وَلَا غضوب. قَوْله: عفيفاً أَي: يكف عَن الْحَرَام فَإِنَّهُ إِذا كَانَ عَالما وَلم يكن عفيفاً كَانَ ضَرَره أَشد من ضَرَر الْجَاهِل، وَيُقَال: الْعِفَّة النزاهة عَن القبائح أَي: لَا يَأْخُذ الرِّشْوَة بِصُورَة الْهَدِيَّة وَلَا يمِيل إِلَى ذِي جاه وَنَحْوه، قَوْله: صليباً على وزن فعيل من الصَّلَاة أَي: قَوِيا شَدِيدا يقف عِنْد الْحق وَلَا يمِيل مَعَ الْهوى ويستخلص حق المحق من الْمُبْطل وَلَا يتهاون فِيهِ وَلَا يحاميه. قَوْله: سؤولاً على وزن فعول أَي: كثير السُّؤَال عَن الْعلم مذاكراً مَعَ أهل الْعلم لِأَنَّهُ رُبمَا يظْهر لَهُ من غَيره مَا هُوَ أقوى مِمَّا عِنْده.
وَهَذَا الْأَثر وَصله سعيد بن مَنْصُور فِي السّنَن عَن عبَادَة بن عباد وَمُحَمّد بن سعد فِي الطَّبَقَات عَن عَفَّان كِلَاهُمَا قَالَ: حَدثنَا مُزَاحم بن زفر قَالَ: قدمنَا على عمر بن عبد الْعَزِيز فِي خِلَافَته وَقد أَمر أهل الْكُوفَة فسألنا عَن بِلَادنَا وقاضينا وَأمره، وَقَالَ: خمس إِذا أَخطَأ
…
إِلَى آخِره. فَإِن قلت: هَذِه سِتَّة لَا خَمْسَة. قلت: السَّادِس من تَتِمَّة الْخَامِس، لِأَن كَمَال الْعلم لَا يحصل إلَّا بالسؤال.
17 -
(بابُ رزْقِ الحُكّامِ والعامِلِينَ عَلَيْها)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ بَيَان رزق الْحُكَّام بِضَم الْحَاء وَتَشْديد الْكَاف جمع حَاكم والعاملين جمع عَامل وَهُوَ الَّذِي يتَوَلَّى أمرا من أَعمال الْمُسلمين كالولاة وجباة الْفَيْء وعمال الصَّدقَات وَنَحْوهم، وَفِي بعض النّسخ: بَاب رزق الْحَاكِم، وَفِي بَعْضهَا: بَاب رزق القَاضِي، والرزق مَا يرتبه الإِمَام من بَيت المَال لمن يقوم بمصالح الْمُسلمين. قَوْله: عَلَيْهَا، قَالَ بَعضهم: أَي على الحكومات. قلت: الصَّوَاب أَن يُقَال: على الصَّدقَات، بِقَرِينَة ذكر الرزق والعاملين.
وكانَ شُرَيْحٌ القاضِي يأخُذُ عَلى القَضاءِ أجْراً.
شُرَيْح هُوَ ابْن الْحَارِث بن قيس النَّخعِيّ الْكُوفِي قَاضِي الْكُوفَة، ولاه عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ قضى من بعده بِالْكُوفَةِ دهراً طَويلا، ثِقَة مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، وَيُقَال: إِن لَهُ صُحْبَة، مَاتَ قبل الثَّمَانِينَ وَقد جَاوز الْمِائَة. قَوْله: أجرا أَي: أُجْرَة، وَفِي التَّلْوِيح هَذَا التَّعْلِيق ضَعِيف وَهُوَ يرد على من قَالَ: التَّعْلِيق المجزوم بِهِ عِنْد البُخَارِيّ صَحِيح. قلت: رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور من طَرِيق مجَالد عَن الشّعبِيّ بِلَفْظ: كَانَ مَسْرُوق لَا يَأْخُذ على الْقَضَاء أجرا، وَكَانَ شُرَيْح يَأْخُذ، وروى ابْن أبي شيبَة عَن الْفضل بن دُكَيْن عَن الْحسن بن صَالح عَن ابْن أبي ليلى قَالَ: بلغنَا أَو قَالَ: بَلغنِي أَن عليّاً، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رزق شريحاً خَمْسمِائَة. قلت: هَذَا يُؤَيّد قَول من قَالَ: التَّعْلِيق الْمَذْكُور ضَعِيف، لِأَن القَاضِي إِذا كَانَ لَهُ شَيْء من بَيت المَال لَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ شَيْئا من الْأُجْرَة. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: ذهب الْجُمْهُور إِلَى جَوَاز أَخذ القَاضِي الْأُجْرَة على الحكم لكَونه يشْغلهُ الحكم عَن الْقيام بمصالحه. غير أَن طَائِفَة من السّلف كرهت ذَلِك وَلم يحرموه مَعَ ذَلِك، وَقَالَ أَبُو عَليّ الْكَرَابِيسِي: لَا بَأْس للْقَاضِي أَن يَأْخُذ الرزق على الْقَضَاء عِنْد أهل الْعلم قاطبة من الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ، وَهُوَ قَول فُقَهَاء الْأَمْصَار، وَلَا أعلم بَينهم اخْتِلَافا، وَقد كره ذَلِك قوم مِنْهُم مَسْرُوق، وَلَا أعلم أحدا مِنْهُم حرمه. وَقَالَ صَاحب الْهِدَايَة ثمَّ إِن القَاضِي إِذا كَانَ فَقِيرا فَالْأَفْضَل بل الْوَاجِب أَخذ كِفَايَته، وَإِن كَانَ غَنِيا فَالْأَفْضَل الِامْتِنَاع عَن أَخذ الرزق من بَيت المَال رفقا بِبَيْت المَال. وَقيل: الْأَخْذ هُوَ الْأَصَح صِيَانة للْقَضَاء عَن الهوان ونظراً لمن يُولى بعده من المحتاجين وَيَأْخُذ بِقدر الْكِفَايَة لَهُ ولعياله.
وقالَتْ عَائِشَةُ: يأكُلُ الوَصِيُّ بِقَدْرِ عُمالَتِهِ.
العمالة بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْمِيم، وَقيل: هُوَ من المثلثات وَهِي أُجْرَة الْعَمَل، وَوصل ابْن أبي شيبَة هَذَا التَّعْلِيق من طَرِيق هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة فِي قَوْله تَعَالَى:{وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْءَانَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} قَالَت: أنزل ذَلِك فِي ولي مَال الْيَتِيم يقوم عَلَيْهِ بِمَا يصلحه إِن كَانَ مُحْتَاجا يَأْكُل مِنْهُ.
وأكَلَ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ، رضي الله عنهما.
أكلهما كَانَ فِي أَيَّام خِلَافَتهمَا لاشتغالهما بِأُمُور الْمُسلمين، وَلَهُمَا من ذَلِك حق، وَأثر أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصله أَبُو بكر بن أبي شيبَة من طَرِيق ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: لما اسْتخْلف أَبُو بكر قَالَ: قد علم قومِي أَن حرفتي لم تكن تعجز عَن مؤونة أَهلِي، وَقد شغلت بِأَمْر الْمُسلمين، وَفِيه: فيأكل آل أبي بكر من هَذَا المَال، وَأثر عمر وَصله ابْن أبي شيبَة أَيْضا وَابْن سعد من طَرِيق حَارِثَة بن مضرب بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء الْمَكْسُورَة بعْدهَا مُوَحدَة. قَالَ: قَالَ عمر: إِنِّي أنزلت نَفسِي من مَال الله منزلَة قيم الْيَتِيم إِن اسْتَغْنَيْت عَنهُ تركت، وَإِن افْتَقَرت إِلَيْهِ أكلت بِالْمَعْرُوفِ.
حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي السَّائِبُ بنُ يَزِيدَ ابنُ أُخْتِ نَمِر أنَّ حُوَيْطِبَ بنَ عبْدِ العُزَّى أخْبَرَهُ أنَّ عَبْدَ الله بنَ السَّعْدِيِّ أخْبَرَهُ أنَّهُ قَدِمَ عَلى عُمَرَ فِي خِلافَتِهِ فَقَالَ لهُ عُمَرُ: ألَمْ أُحَدَّثْ أنَّك تَلِي مِنْ أعْمالِ الناسِ أعْمالاً؟ فَإِذا أُعْطِيتَ العُمالَةَ كَرِهْتَها؟ فَقُلْتُ: بَلاى. فَقَالَ عُمَرُ: مَا تُرِيدُ إِلَى ذالِكَ؟ قُلْتُ: إنَّ لي أفْراساً وأعْبُداً وَأَنا بِخَيْر، وأُرِيدُ أَن تَكُونَ عُمالَتِي صَدَقَةً عَلى المُسْلِمِينَ. قَالَ عُمَرُ: لَا تَفْعَلْ فإنِّي كُنْتُ أرَدْتُ الّذِي أرَدْتَ. فَكَانَ رسولُ الله يُعْطِيني العَطاءَ فأقُولُ: أعْطِهِ أفْقَرَ إلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أعْطاني مَرَّةً مَالا فَقُلْتُ: أعْطهِ أفْقرَ إلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ النبيُّ خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وتَصَدَّقْ بِهِ فَما جاءَكَ مِنْ هَذَا المالِ وأنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سائِلٍ فَخُذْهُ وإلاّ فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ وعنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حدّثني سالِمُ بنُ عَبْدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمرَ يَقُولُ: كانَ النبيُّ يُعْطِيني العَطاءَ فأقُولُ: أعْطِهِ أفْقَرَ إلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أعْطانِي مَرَّةً مَالا فَقُلْتُ: أعْطِهِ مَنْ هُوَ أفْقَرُ إلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ النبيُّ خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وتَصَدَّقْ بِهِ فَما جاءَكَ مِنْ هَذَا المالِ وأنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سائِلٍ فَخذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ
انْظُر الحَدِيث 1473 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، والسائب بن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن أُخْت نمر بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم بعْدهَا رَاء هُوَ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، وَأدْركَ من زمن النَّبِي سِتّ سِنِين وَحفظ عَنهُ، وَهُوَ من أَوَاخِر الصَّحَابَة موتا، وَآخر من مَاتَ مِنْهُم بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ أَبُو عمر: قيل: إِنَّه توفّي سنة ثَمَانِينَ، وَقيل: سِتّ وَثَمَانِينَ، وَقيل: سنة إِحْدَى وَتِسْعين، وَهُوَ ابْن أَربع وَتِسْعين، وَقيل: سِتّ وَتِسْعين، وَحُوَيْطِب تَصْغِير الحاطب بالمهملتين ابْن عبد الْعُزَّى، اسْم الصَّنَم الْمَشْهُور، العامري من الطُّلَقَاء كَانَ من مسلمة الْفَتْح وَهُوَ أحد الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم، أدْرك الْإِسْلَام وَهُوَ ابْن سِتِّينَ سنة أَو نَحْوهَا، وَأعْطِي من غَنَائِم بدر مائَة بعير وَكَانَ مِمَّن دفن عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبَاعَ من مُعَاوِيَة دَارا بِالْمَدِينَةِ بِأَرْبَعِينَ ألف دِينَار، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ فِي آخر خلَافَة مُعَاوِيَة. وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة، وَعبد الله بن السَّعْدِيّ هُوَ عبد الله بن وقدان بن عبد شمس بن عبدود، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: ابْن السَّعْدِيّ، لِأَن أَبَاهُ كَانَ مسترضعاً فِي بني سعد، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة سبع وَخمسين وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلَاّ هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
وَهَذَا الْإِسْنَاد من الغرائب اجْتمع فِيهِ أَرْبَعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وَغَيره، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ وَفِي الْجراح عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ عَن لَيْث بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَغَيره.
قَوْله: ألم أحدث بِضَم الْهمزَة وَفتح الْحَاء وَتَشْديد الدَّال. قَوْله: تلِي من أَعمال النَّاس أَي: الولايات من إمرة أَو قَضَاء أَو نَحْوهمَا، وَوَقع فِي رِوَايَة بشر بن سعيد عِنْد مُسلم: استعملني عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الصَّدَقَة، فعين الْولَايَة. قَوْله: فَإِذا