الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا مُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَحَدِيث الْبَاب لِأَنَّهُ لَا حكم فِيهِ على الْغَائِب، لِأَن أَبَا سُفْيَان كَانَ حَاضرا فِي الْبَلَد، وَأَيْضًا، فَإِن الحَدِيث استفتاء وَجَوَاب وَلَيْسَ بِحكم، لِأَن الحكم لَهُ شُرُوط. واحتجاج الشَّافِعِي وَمن تبعه بِهَذَا الحَدِيث على جَوَاز الْقَضَاء على الْغَائِب غير موجه أصلا على مَا لَا يخفى. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَقد تنَاقض الْكُوفِيُّونَ فِي ذَلِك فَقَالُوا: لَو ادّعى رجل عِنْد حَاكم أَن لَهُ على غَائِب حقّاً، وَجَاء رجل فَقَالَ: إِنَّه كفيله واعتف لَهُ الرجل بِأَنَّهُ كفيله إلَّا أَنه قَالَ: لَا شَيْء لَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحكم على الْغَائِب وَيَأْخُذ الْحق من الْكَفِيل، وَكَذَلِكَ إِذا قَامَت وَطلبت النَّفَقَة من مَال زَوجهَا فَإِنَّهُ يحكم لَهَا عَلَيْهِ بهَا عِنْدهم. انْتهى. قلت: سُبْحَانَ الله كَيفَ يَقُول صَاحب التَّوْضِيح قَالَ أَبُو حنيفَة يحكم على الْغَائِب وَيَأْخُذ الْحق من الْكَفِيل، وَأَبُو حنيفَة لم يحكم على الْغَائِب، وَإِنَّمَا حكم على الْكَفِيل وَهُوَ حَاضر، وَفِي ضمن هَذَا يَقع على الْغَائِب والضمنيات لَا تعلل، وَأَيْضًا إِنْكَار الْمُدعى عَلَيْهِ شَرط جَوَاز الْقَضَاء بِالْبَيِّنَةِ ليَقَع قَاطعا للخصومة، وَلم يُوجد الْإِنْكَار فَلَا يجوز إلَاّ أَن يحضر من يقوم مقَامه كالكفيل وَالْوَكِيل وَالْوَصِيّ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة لَا يحكم القَاضِي على الْغَائِب بل يفْرض فِي مَاله الْمُودع عِنْد أحد أَو الدّين أَو الْمُضَاربَة، وَلَكِن بِشُرُوط وَهِي: أَن يعلم القَاضِي بذلك المَال وبالنكاح أَو باعتراف من كَانَ المَال فِي يَده بِالْمَالِ وَالنِّكَاح، وبتحليفه إِيَّاهَا على عدم النَّفَقَة وَأخذ الْكَفِيل مِنْهَا.
وَشَيخ البُخَارِيّ مُحَمَّد بن كثير ضد الْقَلِيل وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة.
والْحَدِيث قد مضى عَن قريب فِي: بَاب من رأى للْقَاضِي أَن يحكم بِعِلْمِهِ.
29 -
(بابُ مَنْ قُضِيَ لهُ بِحَقِّ أخيهِ فَلا يأخُذْهُ، فَإِن قَضاءَ الحاكِمِ لَا يُحِلُّ حَراماً وَلَا يُحَرِّمُ حَلالاً)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من قضى لَهُ على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: بِحَق أَخِيه إِنَّمَا ذكر بالأخوة بِاعْتِبَار الجنسية لِأَن المُرَاد خَصمه وَهُوَ أَعم من أَن يكون مُسلما أَو ذِمِّيا أَو معاهداً أَو مُرْتَدا، لِأَن الحكم فِي الْكل سَوَاء، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون هَذَا من بَاب التهييج وَعبر بقوله بِحَق أَخِيه، مُرَاعَاة للفظ الْخَبَر الَّذِي تقدم فِي ترك الْحِيَل من طَرِيق الثَّوْريّ عَن هِشَام بن عُرْوَة. قَوْله: فَإِن قَضَاء الْحَاكِم إِلَى آخِره، هَذَا الْكَلَام من كَلَام الشَّافِعِي فَإِنَّهُ لما ذكر هَذَا الحَدِيث قَالَ: فِيهِ دلَالَة على أَن الْأمة إِنَّمَا كلفوا الْقَضَاء على الظَّاهِر، وَفِيه أَن قَضَاء القَاضِي لَا يحرم حَلَالا وَلَا يحل حَرَامًا.
وتحرير هَذَا الْكَلَام أَن مَذْهَب الشَّافِعِي وَأحمد وَأبي ثَوْر وَدَاوُد وَسَائِر الظَّاهِرِيَّة: أَن كل قَضَاء قضى بِهِ الْحَاكِم من تمْلِيك مَال أَو إِزَالَة ملك أَو إِثْبَات نِكَاح أَو من حلّه بِطَلَاق أَو بِمَا أشبه ذَلِك، أَن ذَلِك كُله على حكم الْبَاطِن، فَإِن كَانَ ذَلِك فِي الْبَاطِن كَهُوَ فِي الظَّاهِر، وَجب ذَلِك على مَا حكم بِهِ، وَإِن كَانَ ذَلِك فِي الْبَاطِن على خلاف مَا شهد بِهِ الشَّاهِد أَن على خلاف مَا حكم بِهِ بِشَهَادَتِهِمَا على الحكم الظَّاهِر لم يكن قَضَاء القَاضِي مُوجبا شَيْئا من تمْلِيك وَلَا تَحْرِيم وَلَا تَحْلِيل، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَأبي يُوسُف أَيْضا. وَقَالَ ابْن حزم: لَا يحل مَا كَانَ حَرَامًا قبل قَضَائِهِ، وَلَا يحرم مَا كَانَ حَلَالا قبل قَضَائِهِ، إِنَّمَا القَاضِي منفذ على الْمُمْتَنع فَقَط لَا مزية لَهُ سوى هَذَا، وَقَالَ الشّعبِيّ وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد: مَا كَانَ من تمْلِيك مَال فَهُوَ على حكم الْبَاطِن، وَمَا كَانَ من ذَلِك من قَضَاء بِطَلَاق أَو نِكَاح بِشُهُود ظَاهِرهمْ الْعَدَالَة وَبَاطِنهمْ الْجراحَة فَحكم الْحَاكِم بِشَهَادَتِهِم على ظَاهِرهمْ الَّذِي تعبد الله أَن يحكم بِشَهَادَة مثلهم مَعَه، فَذَلِك يجزيهم فِي الْبَاطِن لكفايته فِي الظَّاهِر.
7181 -
حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنْ صالِحٍ، عنْ ابنِ شهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أبي سَلَمَةَ أخْبَرَتْهُ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النبيِّ أخْبَرَتْها عنْ رسولِ الله أنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبابِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ
فَقَالَ: إنّما أَنا بَشَرٌ، وإنَّهُ يَأتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكُونَ أبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فأحْسِبُ أنَّهُ صادِقٌ فأقْضِيَ لهُ بِذالِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فإنَّما هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلَيأْخُذْها أوْ لِيَتْرُكْها
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فاقضي لَهُ بذلك إِلَى آخر الحَدِيث.
وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَهِيمُ بن عبد الرحمان بن عَوْف، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْمَظَالِم عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله أَيْضا وَفِي الشَّهَادَات وَفِي الْأَحْكَام عَن القعْنبِي وَفِي الْأَحْكَام أَيْضا عَن أبي الْيَمَان وَفِي ترك الْحِيَل عَن مُحَمَّد بن كثير، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَفِي رِوَايَة شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ: جلبة، بِفَتْح الْجِيم وَاللَّام وَهُوَ اخْتِلَاط الْأَصْوَات، وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: جلبة خصام عِنْد بَابه، وَالْخِصَام جمع خصيم كالكرام جمع كريم، وَفِي رِوَايَة مُسلم: جلبة خصم، وَله فِي رِوَايَة من طَرِيق معمر عَن هِشَام: لجبة بِتَقْدِيم اللَّام على الْجِيم، وَهِي لُغَة فِي جلبة وَلم يعين أَصْحَاب الجلبة، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: أَتَى رَسُول الله رجلَانِ يختصمان، وَأما الْخُصُومَة فَفِي رِوَايَة عبد الله بن رَافع: أَنَّهَا كَانَت فِي مَوَارِيث لَهما، وروى الطَّحَاوِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى عبد الله بن رَافع مولى أم سَلمَة عَن أم سَلمَة قَالَت: جَاءَ رجلَانِ من الْأَنْصَار يختصمان إِلَى رَسُول الله فَقَالَ: إِنَّمَا أَنا بشر
…
الحَدِيث. قَوْله: بِبَاب حجرته وَفِي رِوَايَة مُسلم: عِنْد بَابه، والحجرة هِيَ منزل أم سَلمَة، وَكَانَت الْخُصُومَة فِي مَوَارِيث وَأَشْيَاء بَينهمَا قد درست وَلَيْسَت لَهما بَيِّنَة، فَقَالَ رَسُول الله وَفِي رِوَايَة مُسلم فِي رِوَايَة معمر: بِبَاب أم سَلمَة. قَوْله: إِنَّمَا أَنا بشر الْبشر يُطلق على الْجَمَاعَة الْوَاحِد يَعْنِي: أَنه مِنْهُم، وَالْمرَاد أَنه مشارك للبشر فِي أصل الْخلقَة وَلَو زَاد عَلَيْهِم بالمزايا الَّتِي اخْتصَّ بهَا فِي ذَاته وَصِفَاته، وَقد ذكرت فِي شرح مَعَاني الْآثَار وَفِي قَوْله: إِنَّمَا أَنا بشر أَي: من الْبشر وَلَا أَدْرِي بَاطِن مَا يتحاكمون فِيهِ عِنْدِي ويختصمون فِيهِ لدي، وَإِنَّمَا أَقْْضِي بَيْنكُم على ظَاهر مَا تَقولُونَ، فَإِذا كَانَ الْأَنْبِيَاء، عليهم السلام، لَا يعلمُونَ ذَلِك فَغير جَائِز أَن تصح دَعْوَة غَيرهم من كَاهِن أَو منجم الْعلم، وَإِنَّمَا يعلم الْأَنْبِيَاء من الْغَيْب مَا أعلمُوا بِهِ بِوَجْه من الْوَحْي. قَوْله: فَلَعَلَّ اسْتعْمل اسْتِعْمَال: عَسى، وَبَينهمَا مُعَاوضَة. قَوْله: أبلغ من بعض أَي: أفْصح فِي كَلَامه وأقدر على إِظْهَار حجَّته، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ فِي ترك الْحِيَل: لَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض قَوْله: فأحسب أَنه صَادِق هَذَا يُؤذن أَن فِي الْكَلَام حذفا تَقْدِيره: هُوَ فِي الْبَاطِن كَاذِب، وَفِي رِوَايَة معمر: فأظنه صَادِقا. قَوْله: فأقضي لَهُ بذلك أَي: أحكم لَهُ بِمَا يذكرهُ بظني أَنه صَادِق، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد من طَرِيق الثَّوْريّ: فأقضي لَهُ عَلَيْهِ على نَحْو مَا أسمع وَفِي رِوَايَة عبد الله بن رَافع: إِنِّي إِنَّمَا أَقْْضِي بَيْنكُم برأيي فِيمَا لم ينزل عليّ فِيهِ. قَوْله: فَمن قضيت لَهُ بِحَق مُسلم وَفِي رِوَايَة مَالك وَمعمر: فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه، وَفِي رِوَايَة الثَّوْريّ: فَمن قضيت لَهُ من أَخِيه شَيْئا، وَكَأَنَّهُ ضمن: قضيت معنى: أَعْطَيْت، وَعند أبي دَاوُد عَن مُحَمَّد بن كثير شيخ البُخَارِيّ فِيهِ: فَمن قضيت لَهُ من حق أَخِيه بِشَيْء فَلَا يَأْخُذهُ. قَوْله: فَإِنَّمَا هِيَ الضَّمِير للحكومة الَّتِي تقع بَيْنكُم على هَذَا الْوَجْه يَعْنِي بِحَسب الظَّاهِر. قَوْله: قِطْعَة من النَّار تَمْثِيل يفهم مِنْهُ شدَّة التعذيب، وَهُوَ من مجَاز التَّشْبِيه كَقَوْلِه تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} قَوْله: قَوْله: فليأخذها أَو ليتركها وَفِي رِوَايَة يُونُس: فليحملها أَو ليذرها. وَزَاد عبد الله بن رَافع فِي آخر الحَدِيث فِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ بعد أَن قَالَ: فليأخذها أَو لِيَدَعْهَا، فَبكى الرّجلَانِ. وَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا حَقي لأخي الآخر. فَقَالَ رَسُول الله أما إِذا فعلتما هَذَا فاذهبا فاقتسما وتوخيا الْحق. ثمَّ أستهما، ثمَّ ليحلل كل وَاحِد مِنْكُمَا صَاحبه. قَوْله: توخيا الْحق، أَي: تحرياه. قَوْله: ثمَّ اسْتهمَا أَي: ثمَّ اقترعا. فَإِن قلت: مَا معنى: أَو، هُنَا. قلت: التَّخْيِير على سَبِيل التهديد إِذْ مَعْلُوم أَن الْعَاقِل لَا يخْتَار أَخذ النَّار الَّتِي تحرقه.
وَفِيه من الْفَوَائِد: أَن الْبشر لَا يعلمُونَ مَا غيب عَنْهُم وَستر عَن الضمائر وَأَن بعض النَّاس أدرى بمواضع الْحجَّة وَتصرف القَوْل من بعض، وَأَن القَاضِي إِنَّمَا يقْضِي على الْخصم بِمَا يسمع مِنْهُ من إِقْرَار وإنكار أَو بَيِّنَات على حسب مَا أحكمته السّنة فِي ذَلِك. وَأَن التَّحَرِّي جَائِز فِي أَدَاء الْمَظَالِم، وَأَن الْحَاكِم يجوز لَهُ الِاجْتِهَاد فِيمَا لم يكن فِيهِ نَص. وَأَن الصُّلْح على الْإِنْكَار جَائِز خلافًا للشَّافِعِيّ، قَالَه أَبُو عمر. وَأَن الاقتراع والاستهام جَائِز، وَقَالَ أَبُو عمر: وَقد احْتج أَصْحَابنَا بِهَذَا الحَدِيث فِي رد حكم القَاضِي بِعِلْمِهِ.