الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بابٌ هَلْ يَجُوزُ لِلْحاكِمِ أنْ يَبْعَثَ رجُلاً وحْدَهُ لِلنَّظَرِ فِي الأمُورِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يجوز للْحَاكِم أَن يبْعَث رجلا حَال كَونه وَحده للنَّظَر فِي الْأُمُور أَي: فِي أُمُور الْمُسلمين؟ وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني: أَن يبْعَث رجلا وَحده ينظر فِي الْأُمُور؟ وَجَوَاب الِاسْتِفْهَام مَحْذُوف لم يذكرهُ اكْتِفَاء بِمَا يُوضح ذَلِك فِي حَدِيث الْبَاب.
وَفِيه خلاف: فَعِنْدَ مُحَمَّد بن الْحسن: لَا يجوز للْقَاضِي أَن يَقُول: أقرّ عِنْدِي فلَان بِكَذَا لَا يقْضِي بِهِ عَلَيْهِ من قتل أَو مَال أَو عتق أَو طَلَاق حَتَّى يشْهد مَعَه على ذَلِك غَيره، وَأجَاب عَن حَدِيث الْبَاب أَنه خَاص بِالنَّبِيِّ، قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يكون فِي مجْلِس القَاضِي أبدا عَدْلَانِ يسمعان من يقر ويشهدان على ذَلِك، فَينفذ الحكم بِشَهَادَتِهِمَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: إِذا أقرّ رجل عِنْد القَاضِي بِأَيّ شَيْء كَانَ وَسعه أَن يحكم بِهِ. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم على مَذْهَب مَالك: إِن كَانَ القَاضِي عدلا وَحكم بِهِ ينفذ، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: وَإِن لم يكن عدلا لم يقبل قَوْله. وَقَالَ الْمُهلب: فِي هَذَا الحَدِيث حجَّة لمَالِك فِي جَوَاز إِنْفَاذ الْحَاكِم رجلا وَاحِدًا يَثِق بِهِ يكْشف لَهُ عَن حَال الشُّهُود فِي السِّرّ، كَمَا يجوز قبُول الْفَرد فِيمَا طَرِيقه الْخَبَر لَا الشَّهَادَة، وَقَالَ: وَقد اسْتدلَّ بِهِ قوم فِي جَوَاز تَنْفِيذ الحكم دون إعذار إِلَى الْمَحْكُوم عَلَيْهِ، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَن الْإِعْذَار يشْتَرط فِيمَا كَانَ الحكم فِيهِ بِالْبَيِّنَةِ لَا مَا كَانَ بِالْإِقْرَارِ كَمَا فِي هَذِه الْقِصَّة، لقَوْله فَإِن اعْترفت.
7193 -
، 7194 حدّثنا آدَمُ، حَدثنَا ابنُ أبي ذِئْبٍ، حدّثنا الزُّهْرِيُّ، عنْ عُبَيْدِ الله، بنِ عَبْدِ الله عنْ أبي هُرَيْرَةَ، وزَيْدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ قَالَا: جاءَ أعْرابيٌّ فَقَالَ: يَا رسولَ الله اقْضِ بَيْنَنا بِكِتابِ الله فقامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، فاقْضِ بَيْنَنا بِكِتابِ الله. فَقَالَ الأعْرَابِيُّ: إنَّ ابْني كانَ عَسِيفاً عَلى هَذَا فَزَنَى بامْرَأتِهِ، فقالُوا لي: عَلى ابْنِكَ الرَّجْمُ، فَفَدَيْتُ ابْني مِنْهُ بِمائَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ. ثُمَّ سألْتُ أهْلَ العِلْمِ فقالُوا: إنَّما عَلى ابْنِكَ جَلْدُ مائَةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ، فَقَالَ النبيُّ لأقْضَيَنَّ بَيْنَكُما بِكِتاب الله أمَّا الوَلِيدَةُ والغَنَمُ فَرَدُّ عَلَيْكَ، وعَلى ابْنِكَ جَلْدُ مائَةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ، وأمَّا أنْتَ يَا أنَيْسُ لِرَجُلٍ فاغْدُ عَلى امْرَأةِ هاذَا فارْجُمْها فَغَدَا عَليْها أُنَيْسٌ فَرَجَمَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فاغد يَا أنيس على امْرَأَة هَذَا
وَشَيخ البُخَارِيّ آدم بن إِيَاس واسْمه عبد الرَّحْمَن أَصله من خُرَاسَان سكن عسقلان وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن أبي ذِئْب مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة واسْمه هِشَام، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
والْحَدِيث مضى مكرراً فِي الشُّرُوط عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْوكَالَة عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الصُّلْح عَن آدم وَفِي النذور عَن إِسْمَاعِيل وَفِي الْمُحَاربين عَن عبد الله بن يُوسُف وَعَن عَاصِم بن عَليّ وَعَن مَالك بن إِسْمَاعِيل وَغير ذَلِك، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: كَانَ عسيفاً أَي: أَجِيرا قَوْله: لأقضين بَيْنكُمَا بِكِتَاب الله أَي: بِحكم الله وَلَيْسَ هُوَ فِي كتاب الله صَرِيحًا. قَوْله: ووليدة هِيَ الْجَارِيَة. قَوْله: فَرد أَي: مَرْدُود يجب الرَّد عَلَيْك. قَوْله: يَا أنيس مصغر أنس ابْن الضَّحَّاك الْأَسْلَمِيّ على الْأَصَح وَالْمَرْأَة كَانَت أسلمية. قَوْله: فارجمها يَعْنِي: إِن اعْترفت فارجمها، صرح بِهِ فِي سَائِر الرِّوَايَات.
(بابُ تَرْجَمَةِ الحُكّام، وهَلْ يَجُوزُ تُرْجُمانٌ واحِدٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَرْجَمَة الْحُكَّام، جمع حَاكم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني تَرْجَمَة الْحَاكِم بِالْإِفْرَادِ التَّرْجَمَة تَفْسِير الْكَلَام بِلِسَان غير لِسَانه، يُقَال: ترْجم كَلَامه إِذا فسره بِلِسَان آخر، وَمِنْه الترجمان، وَالْجمع التراجم. قَالَ الْجَوْهَرِي: وَلَك أَن تضم التَّاء لضم الْجِيم فَتَقول: ترجمان. قَوْله: وَهل يجوز ترجمان وَاحِد؟ إِنَّمَا ذكره بالاستفهام لأجل الْخلاف الَّذِي فِيهِ. فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَأحمد يكْتَفى بِوَاحِد، وَاخْتَارَهُ البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَآخَرُونَ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الْأَصَح: إِذا لم يعرف الْحَاكِم لِسَان الْخصم
لَا يقبل فِيهِ إلَاّ عَدْلَانِ كَالشَّهَادَةِ، وَقَالَ أَشهب وَابْن نَافِع عَن مَالك وَابْن حبيب عَن مطرف وَابْن الْمَاجشون: إِذا اخْتصم إِلَى القَاضِي من لَا يتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا يفقه كَلَامه فليترجم لَهُ عَنْهُم ثِقَة مُسلم مَأْمُون، وَاثْنَانِ أحب إليّ، وَالْمَرْأَة تجزىء، وَلَا يقبل تَرْجَمَة كَافِر، وَشرط الْمَرْأَة عِنْد من يرَاهُ أَن تكون عدلة، وَلَا يترجم من لَا تجوز شَهَادَته.
7195 -
وَقَالَ خارِجَةُ بنُ زَيْدِ بنِ ثابِتٍ: عنْ زَيْدِ بنِ ثابِتٍ، أنَّ النبيَّ أمَرَهُ أنْ يَتَعَلّمَ كِتابَ اليَهُودِ حتَّى كَتَبْتُ لِلنبيِّ كُتُبَهُ وأقْرَأتُهُ كُتُبَهُمْ إذَا كَتَبُوا إلَيْهِ.
هَذَا التَّعْلِيق من الْأَحَادِيث الَّتِي لم يُخرجهَا البُخَارِيّ إلَاّ معلقَة وَقد وَصله مطولا فِي كتاب التَّارِيخ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس: حَدثنِي عبد الرحمان بن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت الحَدِيث.
قَوْله: كتاب الْيَهُود أَي: كتابتهم يَعْنِي: خطهم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: كتاب الْيَهُودِيّ. بياء النِّسْبَة. قَوْله: حَتَّى كتبت بِلَفْظ الْمُتَكَلّم. قَوْله: كتبه يَعْنِي: إِلَيْهِم. قَوْله: وَأَقْرَأْته كتبهمْ يَعْنِي: الَّتِي يكتبونها إِلَيْهِ.
وَقَالَ عُمَرُ وعِنْدَهُ عَلِيٌّ وعَبْدُ الرَّحْمانِ وعُثْمانُ: ماذَا تَقُولُ هَذِهِ؟ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ حاطِبٍ: فَقُلْت: تخْبِرُكَ بِصاحِبِهما الَّذِي صَنَعَ بِهِما.
أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب. وَالْحَال أَن عِنْده عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الرحمان بن عَوْف وَعُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَوْله: مَاذَا تَقول هَذِه؟ مقول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأَشَارَ بقوله: هَذِه، إِلَى امْرَأَة كَانَت حَاضِرَة عِنْدهم، فترجم عبد الرحمان بن حَاطِب بن أبي بلتعة مترجماً عَنْهَا لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بإخبارها عَن فعل صَاحبهمَا، وَهِي كَانَت نوبية بِضَم النُّون وَسُكُون الْوَاو وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف أَعْجَمِيَّة من جملَة عُتَقَاء حَاطِب، وَقد زنت وحملت فأقرت أَن ذَلِك من عبد اسْمه: برغوس، بالراء والغين الْمُعْجَمَة وبالسين الْمُهْملَة بِدِرْهَمَيْنِ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق وَسعد بن مَنْصُور من طرق عَن يحيى بن عبد الرحمان بن حَاطِب عَن أَبِيه نَحوه.
وَقَالَ أبُو جَمْرَةَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابنِ عباسٍ وبَيْنَ النَّاس.
أَبُو جَمْرَة بِالْجِيم وَالرَّاء واسْمه نصر بن عمرَان الضبعِي الْبَصْرِيّ. وَأخرجه النَّسَائِيّ بِزِيَادَة بعد قَوْله: وَبَين النَّاس، وأتته امْرَأَة فسالته عَن نَبِيذ الْجَرّ فَنهى عَنهُ
…
الحَدِيث.
وَقَالَ بَعْضُ النّاسِ: لَا بُدَّ لِلْحاكِمِ مِنْ مُتَرْجِمَيْنِ.
قَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ مغلطاي الْمصْرِيّ: كَأَنَّهُ يُرِيد بِبَعْض النَّاس الشَّافِعِي، وَهُوَ رد لقَوْل من قَالَ: إِن البُخَارِيّ إِذا قَالَ: بعض النَّاس، أَرَادَ بِهِ أَبَا حنيفَة، ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي: أَقُول غرضهم بذلك غَالب الْأَمر أَو فِي مَوضِع تشنيع عَلَيْهِ وقبح الْحَال، أَو أَرَادَ بِهِ هَاهُنَا أَيْضا بعض الْحَنَفِيَّة، لِأَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ بِأَنَّهُ لَا بُد من اثْنَيْنِ، غَايَة مَا فِي الْبَاب أَن الشَّافِعِيَّة أَيْضا قَائِل بِهِ، لَكِن لم يكن مَقْصُودا بِالذَّاتِ انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: المُرَاد بِبَعْض النَّاس مُحَمَّد بن الْحسن فَإِنَّمَا الَّذِي اشْترط أَنه لَا بُد فِي التَّرْجَمَة من اثْنَيْنِ، ونزلها منزلَة الشَّهَادَة. وَوَافَقَهُ الشَّافِعِي فَتعلق بذلك مغلطاي، فَقَالَ: فِيهِ رد لقَوْل من قَالَ: إِن البُخَارِيّ
…
الخ. قلت: سُبْحَانَ الله مَا هَذَا التعصب الْبَاطِل حَتَّى يوقعوا بِهِ أنفسهم فِي الْمَحْذُور فمآله لكرماني الَّذِي طرح جِلْبَاب الْحيَاء وَبقول أَو فِي مَوضِع تشنيع عَلَيْهِ وقبح الْحَال وَمَا التشنيع وقبح الْحَال، إِلَّا على من يتَكَلَّم فِي الْأَئِمَّة الْكِبَار الَّذين سَبَقُوهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَقُوَّة الدّين وَكَثْرَة الْعلم وَشدَّة الْوَرع والقرب من زمن النَّبِي وَمَعَ هَذَا فالكرماني مَا جزم بِأَن مُرَاد البُخَارِيّ بِبَعْض النَّاس أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن لِأَنَّهُ ردد فِي كَلَامه، وَالْعجب من بَعضهم الَّذِي جزم بِأَن المُرَاد بِهِ مُحَمَّد بن الْحسن، فهروبهم عَن المُرَاد بِهِ الشَّافِعِي مثل مَا ذكره الشَّيْخ