الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البُخَارِيّ وَفِي: أجَاز إِلَى بعض النَّاس، فَإِن كَانَ مُرَاده من قَوْله: فَأجَاز، أَي: أَبُو حنيفَة فَفِيهِ سوء الْأَدَب فحاشا أَبُو حنيفَة من ذَلِك، فدينه المتين وورعه الْمُحكم يمنعهُ عَن ذَلِك. قَوْله: وَقَالَ: قَالَ النَّبِي أَي: قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ النَّبِي وَأَرَادَ بِهَذَا الحَدِيث الْمُعَلق الَّذِي مضى مَوْصُولا بأتم مِنْهُ فِي أَوَائِل كتاب الْبيُوع الِاسْتِدْلَال على حُرْمَة الخداع بَين الْمُسلمين فِي معاقداتهم قَوْله: لَا دَاء أَي: لَا مرض وَلَا خبثة بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي: لَا يكون، وَحكى الضَّم أَيْضا وَقَالَ الْهَرَوِيّ: الخبثة، أَن يكون البيع غير طيب كَأَن يكون من قوم لم يحل سَبْيهمْ لعهد تقدم لَهُم، وَقَالَ ابْن التِّين: وَهَذَا فِي عهد الرَّقِيق، قيل: إِنَّمَا خصّه بذلك لِأَن الْخَبَر إِنَّمَا ورد فِيهِ قَوْله: وَلَا غائلة وَهُوَ أَن يَأْتِي أمرا سوءا كالتدليس وَنَحْوه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الغائلة الْهَلَاك أَي: لَا يكون فِيهِ هَلَاك مَال المُشْتَرِي، وَالْأَصْل عِنْده من يرى هَذَا الاحتيال فِي هَذِه الصُّورَة وَغَيرهَا هُوَ أَن إبِْطَال الْحُقُوق الثَّابِتَة بِالتَّرَاضِي جَائِز.
6981 -
حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى، عنْ سُفْيانَ، قَالَ: حدّثني إبْراهِيمُ بنُ مَيْسَرَةَ، عنْ عَمْرِو بنِ الشَّرِيدِ، أنَّ أَبَا رافِعٍ ساوَمَ سَعْدَ بنَ مالِكٍ بَيْتاً بِأرْبَعِمائَةِ مِثْقالٍ، وَقَالَ: لوْلا أنِّي سَمِعْتُ النبيَّ يَقُول: الجَارُ أحَقُّ بِصَقَبِهِ مَا أعْطَيْتُكَ.
قد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب عِنْد قَوْله: حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا سُفْيَان
…
الخ، وَهُوَ بِعَين ذَلِك الحَدِيث غير أَنه أخرجه هُنَا: عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، وَهُنَاكَ: عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان عَن إِبْرَاهِيم
…
الخ وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
ثبتَتْ الْبَسْمَلَة هُنَا لجَمِيع الروَاة.
(كِتابُ التَّعْبِيرِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان التَّعْبِير. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالُوا الفصيح الْعبارَة لَا التَّعْبِير وَهِي التَّفْسِير والإخبار بِمَا يؤول إِلَيْهِ أَمر الرُّؤْيَا، وَالتَّعْبِير خَاص بتفسير الرُّؤْيَا وَهِي العبور من ظَاهرهَا إِلَى بَاطِنهَا، وَقيل: هُوَ النّظر فِي الشَّيْء فتعبير بعضه بِبَعْض حَتَّى يحصل على فهمه، وَأَصله من العبر، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء وَهُوَ التجاوز من حَال إِلَى حَال وَالِاعْتِبَار وَالْعبْرَة الْحَالة الَّتِي يتَوَصَّل بهَا من معرفَة الْمشَاهد إِلَى مَا لَيْسَ بمشاهد، وَيُقَال: عبرت الرُّؤْيَا بِالتَّخْفِيفِ إِذا فسرتها، وعبرتها بِالتَّشْدِيدِ لأجل الْمُبَالغَة فِي ذَلِك.
1 -
(بابٌ أوَّلُ مَا بُدِىءَ بِهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الوَحْيِ الرُّؤُيا الصَّالِحَةُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ أول مَا بدىء بِهِ، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ والقابسي، وَكَذَا وَقع لأبي ذَر مثله إلَاّ أَنه سقط لَهُ عَن غير الْمُسْتَمْلِي لفظ: بَاب. وَوَقع لغَيرهم، بَاب التَّعْبِير وَأول مَا بدىء بِهِ
…
الخ. والرؤيا مَا يرَاهُ الشَّخْص فِي مَنَامه، وَهِي على وزن فعلى وَقد تسهل الْهمزَة، وَقَالَ الواحدي: هُوَ فِي الأَصْل مصدر كالبشري فَلَمَّا جعلت اسْما لما يتخيله النَّائِم أجريت مجْرى الْأَسْمَاء. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: الرُّؤْيَا إدراكات يخلقها الله عز وجل فِي قلب العَبْد على يَدي ملك أَو شَيْطَان إِمَّا بأسمائها أَي: حَقِيقَتهَا وَإِمَّا بكناها أَي: بعبارتها، وَإِمَّا تَخْلِيط، ونظيرها فِي الْيَقَظَة: الخواطر، فَإِنَّهَا قد تَأتي على نسق فِي قصد وَقد تَأتي مسترسلة غير محصلة.
وروى الْحَاكِم والعقيلي من رِوَايَة مُحَمَّد بن عجلَان عَن سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه قَالَ: لَقِي عمر عليّاً، رضي الله عنهما، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحسن الرجل يرى الرُّؤْيَا فَمِنْهَا مَا يصدق وَمِنْهَا مَا يكذب؟ قَالَ: نعم. سَمِعت رَسُول الله يَقُول: مَا من عبد وَلَا أمة ينَام فيمتلىء نوماً إِلَّا يخرج بِرُوحِهِ إِلَى الْعَرْش. فَالَّذِي لَا يَسْتَيْقِظ دون الْعَرْش فَتلك الرُّؤْيَا الَّتِي تصدق وَالَّذِي يَسْتَيْقِظ دون الْعَرْش فَتلك الَّتِي تكذب قَالَ الذَّهَبِيّ فِي تلخيصه هَذَا حَدِيث مُنكر وَلم يُصَحِّحهُ الْمُؤلف، وَلَعَلَّ الآفة من
الرَّاوِي عَن ابْن عجلَان. انْتهى. الرَّاوِي عَن ابْن عجلَان هُوَ أَزْهَر بن عبد الله الْأَزْدِيّ الخرساني، ذكره الْعقيلِيّ فِي تَرْجَمته، وَقَالَ: إِنَّه غير مَحْفُوظ. قَوْله: الرُّؤْيَا الصادقة، قد ذكرنَا أَن الرُّؤْيَا فِي الْمَنَام، والرؤية هِيَ النّظر بِالْعينِ والرأي بِالْقَلْبِ، والصادقة هِيَ رُؤْيا الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمن تَبِعَهُمْ من الصَّالِحين، وَقد تقع لغَيرهم بندور والأحلام الملتبسة أضغاث وَهِي لَا تندر بِشَيْء.
6982 -
حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ. ح وحدّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدّثنا مَعْمَرٌ قَالَ، الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبرنِي عُرْوَةُ عنْ عائِشَةَ، رضي الله عنها، أنَّها قالَتْ: أوَّلُ مَا بُدِىءَ بِهِ رسولُ الله مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكانَ لَا يَرى رُؤْيا إلَاّ جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، فكانَ يَأتِي حِراءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ وهْوَ التَّعَبُّدُ اللَّيالِيَ ذَواتِ العَدَدِ ويَتَزَوَّدُ لِذالِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَة فَتُزَوِّدُ لِمِثْلِها حتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ وهْوَ فِي غارِ حِراءِ، فَجاءَهُ المَلَكُ فِيهِ فَقَالَ: فَقَالَ لهُ النبيُّ فَقُلْتُ مَا أَنا بِقارِىءٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّني حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهُدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: ع فَقُلْتُ مَا أَنا بِقَارِىءٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ، ثمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: ع فَقُلْتُ مَا أَنا بِقارِىءٍ، فَغَطَنِي الثَّالِثَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ} حتَّى بَلَغَ: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} فَرَجَعَ بهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حتّى دَخَلَ عَلى خَدِيجَةَ فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمُلُونِي فَزَمَّلُوه حتّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ: يَا خَدِيجَةُ مَا لِي وأخْبَرَها الخَبَرَ، وَقَالَ: قَدْ خَشِيتُ على نَفْسِي فقالَتْ لهُ كَلاّ أبْشِرْ فَوالله لَا يخْزِيكَ الله أبَداً إنِّكَ لَتَصلُ الرَّحِمَ وتَصْدُقُ الحَديثَ وتَحْمِلُ الكَلَّ وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ عَلى نَوائِبِ الحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حتَّى أتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بنَ نَوْفَل بن أسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيَ، وهْوَ ابنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أخُو أبِيها. وَكَانَ امْرأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتابَ العَرَبِيَّ، فَيَكْتُبُ بِالعَرَبِيَّةِ مِنَ الإنْجِيلِ مَا شاءَ الله أنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ عَمِيَ. فقالَتْ لهُ خَدِيجَةُ: أَي ابنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنِ ابنِ أخِيكَ. فَقَالَ ورَقَةُ: ابنَ أخي مَاذَا تَراى؟ فأخْبَرَهُ النبيُّ مَا رأى، فَقَالَ وَرَقَةُ: هاذا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلى مُوساى يَا لَيْتَنِي فِيها جَذَعاً، أكُونُ حَيّاً حينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رسولُ الله أوْ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِما جِئْتَ بِهِ إلاّ عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْني يَوْمُكَ أنْصُرْك نَصْراً مُؤزَّراً، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ ورَقَةُ أَن تُوفِّيَ وفَتَرَ الوَحْيُ فَتْرَةً حتَّى حَزِنَ النبيُّ فِيما بَلَغَنا حُزْناً غَدا مِنْهُ مِراراً كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُؤُوسِ شَواهِقِ الجِبالِ، فَكُلَّما أوْفاى بِذرْوَةِ جبلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّكَ رسولُ الله حَقّاً فَيَسْكُنُ لِذالِكَ جَأْشُهُ وتَقِرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ فَإِذا طالَتْ عَليْهِ فَتْرَةُ الوَحْيِ غَدا لِمِثْلِ ذالِكَ، فَإِذا أوْفاى بِذِرْوَةِ جَبَلِ تَبَدَّى لهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لهُ مِثْلَ ذالِكَ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فالِقُ
الإصْباحِ: ضَوْءُ الشَّمْسِ بِالنَّهارِ وضَوْءُ القَمَرِ بِاللَّيْلِ.
ف
هَذَا الحَدِيث قد مر فِي أول الْكتاب وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
وَعَائِشَة لم تدْرك هَذَا الْوَقْت فإمَّا أَنَّهَا سمعته من النَّبِي أَو من صَحَابِيّ آخر.
وَأخرجه هُنَا من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن يحيى بن عبد الله بن بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ عَن اللَّيْث بن سعد الْمصْرِيّ عَن عقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ وَالْآخر عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَكتب بَين الْإِسْنَاد حرف ح إِشَارَة إِلَى التَّحْوِيل من إِسْنَاد قبل ذكر الحَدِيث إِلَى إِسْنَاد آخر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو الْإِشَارَة إِلَى صَحَّ أَو إِلَى الْحَائِل أَو إِلَى الحَدِيث.
قَوْله فَأَخْبرنِي عُرْوَة ذكر حرف الْفَاء إشعاراً بِأَنَّهُ روى لَهُ حَدِيثا ثمَّ عقبه بِهَذَا الحَدِيث، فَهُوَ عطف على مُقَدّر، وَوَقع عِنْد مُسلم: عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق مثله، لَكِن فِيهِ: وَأَخْبرنِي، بِالْوَاو لَا بِالْفَاءِ. قَوْله: الصادقة وَفِي رِوَايَة: الصَّالِحَة، وهما بِمَعْنى وَاحِد بِالنِّسْبَةِ إِلَى أُمُور الْآخِرَة فِي حق الْأَنْبِيَاء، عليهم السلام. وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى أُمُور الدُّنْيَا فالصالحة أخص فرؤيا النَّبِي صَادِقَة وَقد تكون صَالِحَة وَهِي الْأَكْثَر وَغير صَالِحَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدُّنْيَا، كَمَا وَقع فِي الرُّؤْيَا يَوْم أحد، وَأما رُؤْيا غير الْأَنْبِيَاء، عليهم السلام، فبينهما عُمُوم وخصوص إِن فسرنا الصادقة بِأَنَّهَا الَّتِي لَا تحْتَاج إِلَى تَعْبِير، وَإِن فسرناها بِأَنَّهَا غير الأضغاث فالصالحة أخص مُطلقًا. وَقيل: الرُّؤْيَا الصادقة مَا يَقع بِعَيْنِه أَو مَا يعبر فِي الْمَنَام أَو يخبر بِهِ من لَا يكذب، والصالحة مَا يسر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الصَّالِحَة مَا صلح صورتهَا أَو مَا صلح تعبيرها، والصادقة الْمُطَابقَة للْوَاقِع. قَوْله: جَاءَت هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: جَاءَتْهُ قَوْله: فلق الصُّبْح بِفَتْح الْفَاء: ضوء الصُّبْح وَشقه من الظلمَة وافتراقها مِنْهُ. وَجه التَّشْبِيه بفلق الصُّبْح دون غَيره هُوَ أَن شمس النُّبُوَّة كَانَت الرُّؤْيَا مبادىء أنوارها فَمَا زَالَ ذَلِك النُّور يَتَّسِع حَتَّى أشرقت الشَّمْس، فَمن كَانَ بَاطِنه نورياً كَانَ فِي التَّصْدِيق بكرياً كَأبي بكر، وَمن كَانَ بَاطِنه مظلماً كَانَ فِي التَّكْذِيب خفاشاً كَأبي جهل، وَبَقِيَّة النَّاس بَين هَاتين المنزلتين كل مِنْهُم بِقدر مَا أعطي من النُّور. قَوْله: جراء بِكَسْر الْحَاء وبالمد وَهُوَ الْأَفْصَح وَحكى بِتَثْلِيث أَوله مَعَ الْمَدّ وَالْقصر وَالصرْف وَعَدَمه، فتجتمع فِيهِ عدَّة لُغَات مَعَ قلَّة أحرفه وَنَظِيره: قبَاء، والخطابي جزم بِأَن فتح أَوله لحن وَكَذَا ضمه وَكَذَا قصره، قيل: الْحِكْمَة فِي تَخْصِيصه بالتخلي فِيهِ أَن الْمُقِيم فِيهِ كَانَت تمكنه فِيهِ رُؤْيَة الْكَعْبَة فتجتمع فِيهِ لمن يَخْلُو فِيهِ ثَلَاث عبادات: الْخلْوَة والتعبد وَالنَّظَر إِلَى الْبَيْت. وَقيل: إِن قُريْشًا كَانَت تَفْعَلهُ، وَأول من فعل ذَلِك من قُرَيْش عبد الْمطلب وَكَانُوا يعظمونه لجلالته وَكبر سنه، فَتَبِعَهُ على ذَلِك من كَانَ يتأله وَكَانَ يَخْلُو بمَكَان جده وَسلم لَهُ ذَلِك أَعْمَامه لكرامته عَلَيْهِم. قَوْله: وَهُوَ التَّعَبُّد تَفْسِير للتحنث الَّذِي فِي ضمن: يَتَحَنَّث، وَهُوَ إدراج من الرَّاوِي. قَوْله: اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد قَالَ الْكرْمَانِي: اللَّيَالِي مفعول يَتَحَنَّث وَذَوَات بِالْكَسْرِ أَي كَثِيرَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد، يحْتَمل الْكَثْرَة إِذْ الْكثير يحْتَاج إِلَى الْعدَد، وَقَالَ غَيره: المُرَاد بِهِ الْكَثْرَة لِأَن الْعدَد على قسمَيْنِ فَإِذا أطلق أُرِيد بِهِ مَجْمُوع الْقلَّة وَالْكَثْرَة فَكَأَنَّهَا قَالَت ليَالِي كَثِيرَة، أَي: مَجْمُوع قسم الْعدَد. قَوْله: فتزود لمثلهاكذا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فتزوده، بالضمير. وَقَوله: لمثلهَا أَي: لمثل اللَّيَالِي، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون للمرة أَو الفعلة أَو الْخلْوَة أَو الْعِبَادَة، وَقَالَ بعض من عاصرناه: إِن الضَّمِير للسّنة فَذكر من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: كَانَ يخرج إِلَى غَار حراء فِي كل عَام شهرا من السّنة يتنسك فِيهِ يطعم من جَاءَهُ من الْمَسَاكِين. قَالَ: وَظَاهره التزود لمثلهَا كَانَ فِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا لَا لمرة أُخْرَى من تِلْكَ السّنة، وَاعْترض عَلَيْهِ بعض تلامذته بِأَن مُدَّة الْخلْوَة كَانَت شهرا كَانَ يتزود لبَعض ليَالِي الشَّهْر، فَإِذا نفد ذَلِك الزَّاد رَجَعَ إِلَى أَهله فيتزود قدر ذَلِك من جِهَة أَنهم لم يَكُونُوا فِي سَعَة بَالِغَة من الْعَيْش، وَكَانَ غَالب زادهم اللَّبن وَاللَّحم، وَذَلِكَ لَا يدّخر مِنْهُ كِفَايَة الشَّهْر لِئَلَّا يسْرع إِلَيْهِ الْفساد، وَلَا سِيمَا وَقد وصف بِأَنَّهُ كَانَ يطعم من يرد عَلَيْهِ. قَوْله: حَتَّى فجئه الْحق كلمة: حَتَّى، هُنَا على أَصْلهَا لانْتِهَاء الْغَايَة، وَالْمعْنَى: انْتهى توجهه لغَار حراء بمجيء الْملك وَترك ذَلِك، وفجئه بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْجِيم وبهمزة فعل مَاض أَي: جَاءَهُ الْوَحْي بَغْتَة، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الْحق أَي: أَمر الْحق وَهُوَ الْوَحْي أَو: رَسُول الْحق وَهُوَ جِبْرِيل،
عَلَيْهِ السَّلَام، وَقيل: الْحق الْأَمر الْبَين الظَّاهِر أَو المُرَاد: الْملك بِالْحَقِّ، أَي: الْأَمر الَّذِي بعث بِهِ. قَوْله: فَجَاءَهُ الْفَاء فَاء التفسيرية، وَقيل: يحْتَمل أَن تكون للتعقيب، وَقيل: يحْتَمل أَن تكون سَبَبِيَّة. قَوْله: فِيهِ أَي: فِي الْغَار، وَهَذَا يرد قَول من قَالَ: إِن الْملك لم يدْخل إِلَيْهِ الْغَار بل كَلمه وَالنَّبِيّ دَاخل الْغَار وَالْملك على الْبَاب، وَالْملك هُنَا جِبْرِيل، عليه السلام، وَقيل: اللَّام فِيهِ لتعريف الْمَاهِيّة لَا للْعهد إلَاّ أَن يكون المُرَاد بِهِ مَا عَهده، عليه السلام، قبل ذَلِك لما كَلمه فِي صباه وَكَانَ سنّ النَّبِي حِين جَاءَهُ جِبْرِيل، عليه السلام، فِي غَار حراء أَرْبَعِينَ سنة على الْمَشْهُور، وَكَانَ ذَلِك يَوْم الِاثْنَيْنِ نَهَارا فِي شهر رَمَضَان فِي سَابِع عشرَة، وَقيل: فِي سابعه، وَقيل فِي: رَابِع عشْرين، وَقيل: كَانَ فِي سَابِع عشْرين شهر رَجَب، وَقيل: فِي أول شهر ربيع الأول، وَقيل: فِي ثامنه. قَوْله: فَقَالَ اقْرَأ ظَاهره أَنه لم يتَقَدَّم من جِبْرِيل شَيْء قبل هَذِه الْكَلِمَة وَلَا السَّلَام، وَقيل: يحْتَمل أَنه سلم وَحذف ذكره، وروى الطَّيَالِسِيّ أَن جِبْرِيل سلم أَولا وَلم ينْقل أَنه سلم عِنْد الْأَمر بِالْقِرَاءَةِ. قَوْله: فَقَالَ اقْرَأ قيل: دلّت الْقِصَّة على أَن مُرَاد جِبْرِيل، عليه السلام أَن يَقُول النَّبِي نَص مَا قَالَه، وَهُوَ قَوْله: اقْرَأ وَإِنَّمَا لم يقل لَهُ: قل: اقْرَأ لِئَلَّا يظنّ أَن لَفْظَة: قل، أَيْضا من الْقُرْآن. فَإِن قلت: مَا الَّذِي أَرَادَ باقرأ. قلت: هُوَ الْمَكْتُوب الَّذِي فِي النمط، كَذَا فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، فَلذَلِك قَالَ: مَا أَنا بقارىء يَعْنِي: أَنا أُمي لَا أحسن قِرَاءَة الْكتب، فَإِن قلت: مَا كَانَ الْمَكْتُوب فِي ذَلِك النمط؟ . قلت: الْآيَات الأول من {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ} وَقيل: وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك جملَة الْقُرْآن نزل بِاعْتِبَار ثمَّ نزل منجماً بِاعْتِبَار آخر، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن أمره تكمل بِاعْتِبَار الْجُمْلَة ثمَّ تكمل بِاعْتِبَار التَّفْصِيل. فغطني من الغط بالغين الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْعَصْر الشَّديد والكبس، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: قيل: إِنَّمَا غطه ليختبره، هَل يَقُول من تِلْقَاء نَفسه شَيْئا وَقيل: لتنبيهه واستحضاره وَنفي منافيات الْقِرَاءَة عَنهُ. وَقَالَ السُّهيْلي: تَأْوِيل الغطات الثَّلَاث أَنَّهَا كَانَت فِي النّوم أَنه ستقع لَهُ ثَلَاث شَدَائِد يبتلى بهَا ثمَّ يَأْتِي الْوَحْي، وَكَذَا كَانَت: الأولى: فِي الشّعب لما حصرتهم قُرَيْش فَإِنَّهُ لَقِي وَمن تبعه شدَّة عَظِيمَة. الثَّانِيَة: لما خَرجُوا توعدوهم بِالْقَتْلِ حَتَّى فروا إِلَى الْحَبَشَة. وَالثَّالِثَة: لما هموا بِهِ مَا هموا من الْمَكْر بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الْآيَة، فَكَانَت لَهُ الْعَاقِبَة فِي الشدائد الثَّلَاث، وَقَالَ من عاصرنا من الْمَشَايِخ مَا ملخصه: إِن هَذِه الْمُنَاسبَة حَسَنَة وَلَا يتَعَيَّن للنوم بل يكون بطرِيق الْإِشَارَة فِي الْيَقَظَة وَقَالَ: وَيُمكن أَن تكون الْمُنَاسبَة أَن الْأَمر الَّذِي جَاءَ بِهِ ثقيل من حَيْثُ القَوْل وَالْعَمَل وَالنِّيَّة، أَو من جِهَة التَّوْحِيد وَالْأَحْكَام والإخبار بِالْغَيْبِ الْمَاضِي والآتي، وَأَشَارَ بالإرسالات الثَّلَاث إِلَى حُصُول التَّيْسِير والتسهيل والخفيف فِي الدُّنْيَا والبرزخ وَالْآخِرَة عَلَيْهِ وعَلى أمته قَوْله: حَتَّى بلغ مني الْجهد؟ بِضَم الْجِيم الطَّاقَة وَبِفَتْحِهَا الْغَايَة، وَيجوز فِيهِ رفع الدَّال ونصبها، أما الرّفْع فعلى أَنه فَاعل بلغ، وَهِي الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا الْأَكْثَرُونَ وَهِي المرجحة، وَأما النصب فعلى أَن فَاعل: بلغ، هُوَ الغط الَّذِي دلّ عَلَيْهِ قَوْله: غطني وَالتَّقْدِير: بلغ مني الغط جهده أَي: غَايَته، وَقَالَ الشَّيْخ التوربشتي: لَا أرى الَّذِي قَالَه بِالنّصب إلَاّ وهما فَإِنَّهُ يصير الْمَعْنى أَنه غطه حَتَّى استفرغ الْملك قوته فِي ضغطه بِحَيْثُ لم يبْق فِيهِ مزِيد، وَهُوَ قَول غير سديد، فَإِن البنية البشرية لَا تطِيق استنفاد الْقُوَّة الملكية لَا سِيمَا فِي مُبْتَدأ الْأَمر، وَقد صرح فِي الحَدِيث بِأَنَّهُ دخله الرعب من ذَلِك. انْتهى. وَقيل: لَا مَانع أَن يكون الله قوَّاه على ذَلِك وَيكون من جملَة معجزاته، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ فِي جَوَابه، بِأَن جِبْرِيل لم يكن حينئذٍ على صورته الملكية فَيكون استفراغ جهده بِحَسب صورته الَّتِي جَاءَ بهَا حِين غطه، وَقَالَ: وَإِذا صحت الرِّوَايَة اضمحل الاستبعاد. انْتهى، وَفِيه تَأمل. قَوْله: فَرجع بهَا أَي: مصاحباً بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَة الْخمس. قَوْله: ترجف بوادره جملَة حَالية والبوادر جمع البادرة وَهِي اللحمة بَين الْعُنُق والمنكب، وَقد تقدم فِي بَدْء الْوَحْي بِلَفْظ: فُؤَاده قيل: الْحِكْمَة فِي الْعُدُول عَن الْقلب إِلَى الْفُؤَاد أَن الْفُؤَاد وعَاء الْقلب فَإِذا حصل الرجفان للفؤاد حصل لما فِيهِ. قَوْله: الروع بِفَتْح الرَّاء الْفَزع. قَوْله: مَالِي أَي: مَا كَانَ الَّذِي حصل لي؟ قَوْله: قد خشيت على نَفسِي هَكَذَا رِوَايَة الكشمهيني: وَفِي رِوَايَة غَيره: خشيت عَليّ، بِالتَّشْدِيدِ يَعْنِي: من أَن يكون مَرضا أَو عارضاً من الْجِنّ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالُوا: الأولى: خشيت أَنِّي لَا أقوى على تحمل أعباء الرسَالَة ومقاومة الْوَحْي. قَوْله: فَقَالَت لَهُ كلا أَي: فَقَالَت خَدِيجَة للنَّبِي كلا، أَي: لَيْسَ الْأَمر كَمَا زعمت بل لَا خشيَة عَلَيْك،