الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَلمَةَ، رضي الله عنها. أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إنَّما أَنا بَشَرٌ، وإنكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَّلَ بَعْضَكُمْ أنْ يَكُونَ ألْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فأقْضِي نَحَوَ مَا أسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لهُ بِحَقِّ أخِيهِ شَيْئاً فَلا يَأخُذْهُ، فإنّما أقْطَعُ لهُ قِطْعةً مِنَ النَّار.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير، وَاسم أم سَلمَة هِنْد المخزومية أم الْمُؤمنِينَ.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْمَظَالِم وَفِي أَوَائِل كتاب الْحِيَل وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: إِنَّمَا أَنا بشر على معنى الْإِقْرَار على نَفسه بِصفة البشرية من أَنه لَا يعلم من الْغَيْب إلَاّ مَا علمه الله مِنْهُ. قَوْله: إِنَّكُم تختصمون إليّ يُرِيد وَالله أعلم وَأَنا لَا أعرف المحق مِنْكُم من الْمُبْطل حَتَّى يُمَيّز المحق مِنْكُم من الْمُبْطل فَلَا يَأْخُذ الْمُبْطل مَا أعْطِيه. قَوْله: أَلحن بحجته يَعْنِي: أفطن لَهَا وأجدل. وَقَالَ ابْن حبيب: أنطق وَأقوى مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} أَي: فِي بطن القَوْل. وَقيل: مَعْنَاهُ أَن يكون أَحدهمَا أعلم بمواقع الْحجَج وَأهْدى لإيرادها وَلَا يخلطها بغَيْرهَا. وَقَالَ أَبُو عبيد: اللّحن بِفَتْح الْحَاء النُّطْق، وبالإسكان الْخَطَأ فِي القَوْل، وَذكر ابْن سَيّده: لحن الرجل لحناً تكلم بلغته، ولحن لَهُ يلحن لحناً، قَالَ لَهُ قولا يفهمهُ عَنهُ وَيخْفى على غَيره، وألحنه القَوْل أفهمهُ إِيَّاه، ولحنه لحناً فهمه، وَرجل لحن عَالم بعواقب الْكَلَام ظريف، ولحن لحناً فطن لحجته وانتبه لَهَا، ولاحن النَّاس فألحنهم. قَوْله: فأقضي نَحْو مَا أسمع فِيهِ أَن الْحَاكِم مَأْمُور بِأَن يقْضِي بِمَا يقر بِهِ الْخصم عِنْده. قَوْله: فَمن قضيت لَهُ خطاب للمقضي لَهُ، لِأَنَّهُ يعلم من نَفسه هَل هُوَ محق أَو مُبْطل.
21 -
(بَاب الشَّهادَةِ تَكُونُ عِنْدَ الحاكِمِ فِي وِلايَتِهِ القَضاءَ أوْ قَبْلَ ذالِكَ لِلْخَصْمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الشَّهَادَة الَّتِي تكون عِنْد الْحَاكِم يَعْنِي: إِذا كَانَ الْحَاكِم شَاهدا للخصم الَّذِي هُوَ أحد المتحاكمين عِنْده سَوَاء تحملهَا قبل تَوليته للْقَضَاء أَو فِي زمَان التولي هَل لَهُ أَن يحكم بهَا؟ اخْتلفُوا فِي أَن لَهُ ذَلِك أم لَا، فَلذَلِك لم يجْزم بِالْجَوَابِ لقُوَّة الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة. وَإِن كَانَ آخر كَلَامه يَقْتَضِي اخْتِيَار أَن لَا يحكم بِعِلْمِهِ فِيهَا، وَبَيَان الْخلاف فِيهِ يَأْتِي عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي التَّوْضِيح تَرْجَمَة البُخَارِيّ فِيهَا دَلِيل على أَن الْحَاكِم إِنَّمَا يشْهد عِنْد غَيره بِمَا تقدم عِنْده من شَهَادَة فِي ولَايَته أَو قبلهَا وَهُوَ قَول مَالك وَأكْثر أَصْحَابه، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا يَعْنِي من الشَّافِعِيَّة: يحكم بِمَا علمه فِيمَا أقرّ بِهِ أحد الْخَصْمَيْنِ عِنْده فِي مَجْلِسه.
وَقَالَ شُرَيحٌ القاضِي، وسَألَهُ إنْسانٌ الشَّهادَةَ فَقَالَ: ائْتِ الأمِيرَ حتَّى أشْهَدَ لَكَ.
هَذَا وَصله عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن شبْرمَة، قَالَ: قلت لِلشَّعْبِيِّ: يَا أَبَا عَمْرو: أَرَأَيْت رجلَيْنِ استشهدا على شَهَادَة فَمَاتَ أَحدهمَا واستقضي الآخر؟ فَقَالَ: أُتِي شُرَيْح فِيهَا، وَأَنا جَالس. فَقَالَ: ائْتِ الْأَمِير وَأَنا أشهد لَك. قَوْله: ائْتِ الْأَمِير، أَي السُّلْطَان أَو من هُوَ فَوْقه.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ: لَوْ رَأيْتَ رَجُلاً عَلى حَدَ زِنًى أوْ سَرِقَةٍ وأنْتَ أمِيرٌ، فَقَالَ: شَهَادَتُكَ شَهادَةُ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ عُمَرُ: لَوْلا أنْ يَقُولَ النَّاسُ زادَ عُمَرُ فِي كِتابِ الله لَكَتَبْتُ آيةَ الرَّجْمِ بِيَدِيِ.
مولى ابْن عَبَّاس. قَالَ عمر أَي: ابْن الْخطاب إِلَى آخِره. وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن شريك عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن عِكْرِمَة بِلَفْظ: أَرَأَيْت لَو كنت القَاضِي والوالي وأبصرت إنْسَانا أَكنت مقيمه عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يشْهد معي غَيْرِي. قَالَ: أصبت، لَو قلت غير ذَلِك لم تَجِد، بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْجِيم وَسُكُون الدَّال من الإجادة. وَهَذَا السَّنَد مُنْقَطع لِأَن عِكْرِمَة لم يدْرك عبد الرحمان فضلا عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: قَالَ عمر: لَوْلَا أَن يَقُول النَّاس
…
إِلَى آخِره، قَالَ
الْمُهلب، رحمه الله: اسْتشْهد البُخَارِيّ بقول عبد الرحمان بن عَوْف الْمَذْكُور بقول عمر هَذَا أَنه كَانَت عِنْده شَهَادَة فِي آيَة الرَّجْم أَنَّهَا من الْقُرْآن فَلم يلْحقهَا بِنَصّ الْمُصحف بِشَهَادَتِهِ فِيهِ وَحده، وأفصح بِالْعِلَّةِ فِي ذَلِك بقوله: لَوْلَا أَن يَقُول النَّاس زَاد عمر فِي كتاب الله، فَأَشَارَ إِلَى أَن ذَلِك من قطع الذرائع، لِئَلَّا يجد حكام السوء السَّبِيل إِلَى أَن يدعوا الْعلم لمن أَحبُّوا لَهُ الحكم بِشَيْء.
وأقَرَّ ماعِزٌ عِنْدَ النبيِّ بِالزِّنى أرْبعاً، فأمَرَ بِرَجْمِهِ، ولَمْ يُذْكَرْ أنَّ النبيَّ أشْهَدَ مَنْ حَضَرَهُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن حكم رَسُول الله على مَاعِز بِالرَّجمِ كَانَ بِإِقْرَارِهِ دون أَن يشْهد من حَضَره. وَحَدِيث مَاعِز قد تكَرر ذكره.
وَقَالَ حَمَّادٌ: إِذا أقَرَّ مَرَّةً عِنْدَ الحاكِمِ رُجِم، وَقَالَ الحَكَمُ: أرْبعاً.
حَمَّاد هُوَ ابْن سُلَيْمَان فَقِيه الْكُوفَة، وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الْبَاب فَقِيه الْكُوفَة أَيْضا. قَوْله: أَرْبعا، يَعْنِي لَا يرْجم حَتَّى يقر، أَربع مَرَّات، وَوَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق شُعْبَة قَالَ: سَأَلت حماداً عَن الرجل يقر بالزنى كم يردد؟ قَالَ: مرّة. قَالَ: وَسَأَلت الحكم فَقَالَ: أَربع مَرَّات، وَالله أعلم.
7170 -
حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ يَحْياى، عنْ عُمَرَ بنِ كَثِيرٍ، عنْ أبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أبي قَتَادَةَ أنَّ أَبَا قَتَادةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله يَوْمَ حُنَيْنٍ مَنْ لهُ بَيِّنَةٌ عَلى قَتِيلٍ قَتَلهُ فَلَه سَلَبُهُ فَقُمْتُ لألْتمِسَ بَيَّنَةً عَلى قَتِيل فَلَمْ أرَ أحَداً يَشْهَدُ لِي، فَجَلَسْتُ، ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أمْرَهُ إِلَى رسولِ الله فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسائِه: سِلاحُ هاذَا القَتِيلِ الّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي. قَالَ: فأرْضِهِ مِنْهُ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: كلَاّ لَا يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ ويَدَعَ أسَداً مِنْ أُسْدِ الله يُقاتِلُ عنِ الله ورَسُولِهِ، قَالَ: فأمَرَ رسولُ الله فأدَّاهُ إلَيَّ فاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرافاً فَكان أوَّلَ مالٍ تأَثَّلْتُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فَأمر رَسُول الله هَكَذَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، فأُمر بِفَتْح الْهمزَة وَالْمِيم بعْدهَا رَاء، وَفِي رِوَايَة: فَقَامَ رَسُول الله فأداه إليّ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن غير الْكشميهني: فَحكم، وَكَذَا الْأَكْثَر رُوَاة الْفربرِي.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَعمر بن كثير ضد الْقَلِيل مولى أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو مُحَمَّد هُوَ نَافِع مولى أبي قَتَادَة الْحَارِث الْأنْصَارِيّ الخزرجي.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس والبيوع عَن القعْنبِي وَفِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة حنين عَن عبد الله بن يُوسُف، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: سلبه بِفَتْح اللَّام مَال مَعَ الْقَتِيل من الثِّيَاب والأسلحة وَنَحْوهمَا. قَوْله: فأرضه مِنْهُ هِيَ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَعند الْكشميهني: مني. قَوْله: كلا كلمة ردع. قَوْله: أصيبغ بِضَم الْهمزَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وبالغين الْمُعْجَمَة تَصْغِير أصْبع صغره تحقيراً لَهُ بوصفه باللون الرَّدِيء، وَقَالَ الْخطابِيّ: الأصيبغ بالصَّاد الْمُهْملَة نوع من الطير ونبات ضَعِيف كالثمام، ويروى بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة مصغر الضبع على غير قِيَاس، كَأَنَّهُ لما عظم أَبَا قَتَادَة بِأَنَّهُ أَسد صغر هَذَا وَشبهه بالضبع لضعف افتراسه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأسد، وأصيبغ مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول ثَان لقَوْله: لَا يُعْطه قَوْله: ويدع قَالَ الْكرْمَانِي: بِالرَّفْع وَالنّصب والجزم، وَلم يين وَجه ذَلِك اعْتِمَادًا على أَن القارىء الَّذِي لَهُ يَد فِي الْعَرَبيَّة لَا يخفى عَلَيْهِ ذَلِك. قَوْله: أسداً بِفتْحَتَيْنِ، و: من أَسد الله بِضَم الْهمزَة وَسُكُون السِّين جمع: أَسد. قَوْله: يُقَاتل فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ صفة. قَوْله: أسداً قَوْله: فأداه إليّ بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: خرافاً بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء هُوَ الْبُسْتَان. قَوْله: تأثلته أَي: اتخذته أصل المَال واقتنيته، وَيُقَال: مَال مؤثل ومجد مؤثل أَي: مَجْمُوع ذُو أصل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: أول الْقِصَّة وَهُوَ طلب الْبَيِّنَة
تخَالف آخرهَا حَيْثُ حكم بِدُونِهَا، قلت: لَا تخَالف لِأَن الْخصم اعْترف بذلك مَعَ أَن المَال لرَسُول الله لَهُ أَن يُعْطي من شَاءَ وَيمْنَع من شَاءَ.
قَالَ لِي عَبْدُ الله عنِ اللَّيْثِ: فَقامَ النبيُّ فأدَّاهُ إلَي
عبد الله هُوَ ابْن صَالح كَاتب اللَّيْث بن سعد، وَالْبُخَارِيّ يعتمده فِي الشواهد. قَوْله: فَقَامَ، يَعْنِي مَوضِع فَأمر.
وَقَالَ أهْلُ الحِجازِ: الحاكِمُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ شَهِدَ بِذالِكَ فِي وِلايَتِهِ أوْ قَبْلَها، ولَوْ أقَرَّ خَصْمٌ عِنْدَهُ لآخَرَ بِحَقَ فِي مَجْلِسِ القَضاءِ فإنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ حتَّى يَدْعُو بِشاهِدَيْنِ فَيُحْضِرَهُما إقْرارَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ أهْلِ العِراقِ: مَا سَمِعَ أوْ رآهُ فِي مَجْلِس القَضاءِ قَضاى بِهِ، وَمَا كانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَقْضِ إلاّ بِشاهِدَيْنِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بلْ يَقْضِي بِهِ لأنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، وإنَّما يُرادُ مِنَ الشَّهادَةِ مَعْرِفَةُ الحَقِّ. فَعِلْمُهُ أكْثَرُ مِنَ الشَّهادَةِ. وَقَالَ بَعْضَهُمْ: يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الأمْوالِ وَلَا يَقْضي فِي غَيْرِها.
أَرَادَ بِأَهْل الْحجاز مَالِكًا وَمن وَافقه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. قَوْله: وَلَو أقرّ خصم إِلَى قَوْله: فيحضرهما إِقْرَاره، بِضَم الْيَاء من الْإِحْضَار، وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب. قَوْله: وَقَالَ بعض أهل الْعرَاق أَرَادَ بهم أَبَا حنيفَة وَمن تبعه، وَهُوَ قَول مطرف وَابْن الْمَاجشون وَأصبغ وَسَحْنُون من الْمَالِكِيَّة، وَقَالَ ابْن التِّين: وَجرى بِهِ الْعَمَل، وَيُوَافِقهُ مَا أخرجه عبد الرَّزَّاق بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن سِيرِين قَالَ: اعْترف رجل عِنْد شُرَيْح بِأَمْر ثمَّ أنكرهُ، فَقضى عَلَيْهِ باعترافه، فَقَالَ: أتقضي عليّ بِغَيْر بَيِّنَة؟ فَقَالَ: شهد عَلَيْك ابْن أُخْت خالتك يَعْنِي نَفسه. قَوْله: وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم أَي: من أهل الْعرَاق، وَأَرَادَ بهم أَبَا يُوسُف وَمن تبعه، وَوَافَقَهُمْ الشَّافِعِي، رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْله: وَقَالَ بَعضهم يَعْنِي من أهل الْعرَاق وَأَرَادَ بهم أَبَا حنيفَة وَأَبا يُوسُف فِيمَا نَقله الْكَرَابِيسِي عَنهُ.
وَقَالَ القاسِمُ: لَا يَنْبَغِي لِلْحاكِمِ أنْ يُمْضِيَ قَضاءً بِعِلْمِهِ دُونَ عِلْمٍ غَيْرِهِ، مَعَ أنَّ عِلْمَهُ أكْثَرُ مِنْ شَهادَةِ غَيْرِهِ، ولاكِنَّ فِيهِ تَعَرُّضاً لِتُهَمَةِ نَفْسِهِ عِندَ المُسْلِمِينَ وإيقاعاً لَهُمْ فِي الظُّنُونِ، وقَدْ كَرِهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الظَّنَّ فَقَالَ: إنَّما هاذِهِ صَفِيَّةُ
الْقَاسِم إِذا أطلق يُرَاد بِهِ ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَه الْكرْمَانِي: وَقَالَ بَعضهم: كنت أَظن أَنه ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة من أهل الْمَدِينَة لِأَنَّهُ إِذا أطلق فِي الْفُرُوع الْفِقْهِيَّة انْصَرف الذِّهْن إِلَيْهِ، لَكِن رَأَيْت فِي رِوَايَة عَن أبي ذَر أَنه: الْقَاسِم بن عبد الرحمان بن عبد الله بن مَسْعُود، فَإِن كَانَ كَذَلِك فقد خَالف أَصْحَابه الْكُوفِيّين وَوَافَقَ أهل الْمَدِينَة. انْتهى. قلت: الْكَلَام فِي صِحَة رِوَايَة أبي ذَر على أَن هَذِه الْمَسْأَلَة فقهية، وَعند الْفُقَهَاء إِذا أطلق الْقَاسِم يُرَاد بِهِ الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، وَلَئِن سلمنَا صِحَة رِوَايَة أبي ذَر فإطباق الْفُقَهَاء على أَنه إِذا أطلق يُرَاد بِهِ ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر أرجح من كَلَام غَيرهم. قَوْله: أَن يمْضِي بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف من الْإِمْضَاء، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: أَن يقْضِي. قَوْله: دون علم غَيره أَي: إِذا كَانَ وَحده عَالما بِهِ لَا غَيره. قَوْله: وَلَكِن فِيهِ تعرضاً بتَشْديد النُّون، وتعرضاً مَنْصُوب لِأَنَّهُ اسْم لَكِن، وَفِي بعض النّسخ بِالتَّخْفِيفِ فعلى هَذَا قَوْله: تعرض، بِالرَّفْع وارتفاعه على أَنه مُبْتَدأ، وَخَبره. قَوْله: فِيهِ، مقدما. قَوْله: وإيقاعاً نصب عطفا على: تعرضاً، وَقَالَ الْكرْمَانِي مَنْصُوب بِأَنَّهُ مفعول مَعَه وَالْعَامِل هَاهُنَا مَا يلْزم الظّرْف. قَوْله: وَقد كره النَّبِي الظَّن
…
ذكره فِي معرض الِاسْتِدْلَال فِي نفي قَضَاء الْحَاكِم فِي أَمر بِعِلْمِهِ دون علم غَيره، لِأَن فِيهِ إِيقَاع نَفسه فِي الظَّن، وَالنَّبِيّ كره الظَّن، إِلَّا يرى أَنه قَالَ للرجلين اللَّذين مرا بِهِ وَصفِيَّة بنت حييّ زَوجته مَعَه: إِنَّمَا هَذِه صَفِيَّة على مَا يَأْتِي الْآن عقيب هَذَا الْأَثر، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك خوفًا من وُقُوع الظَّن الْفَاسِد لَهما فِي قلبهما، لِأَن الشَّيْطَان