الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ مَا نَسِيَ (إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ) أَيْ سَاقِطَ الْأَسْنَانِ أَوْ عَلَى هيئة المجذوم أو ليست له يدا أَوْ لَا يَجِدُ شَيْئًا يَتَمَسَّكُ بِهِ فِي عُذْرِ النِّسْيَانِ أَوْ يَنْكَسِرُ رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ حَيَاءً وَخَجَالَةً مِنْ نِسْيَانِ كَلَامِهِ الْكَرِيمِ وَكِتَابِهِ الْعَظِيمِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ مَقْطُوعَ الْيَدِ مِنَ الْجَذْمِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَقِيلَ مَقْطُوعُ الْأَعْضَاءِ يُقَالُ رَجُلٌ أَجْذَمُ إِذَا تَسَاقَطَتْ أَعْضَاؤُهُ مِنَ الْجُذَامِ وَقِيلَ أَجْذَمُ الْحُجَّةِ أَيْ لَا حُجَّةَ لَهُ وَلَا لِسَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَقِيلَ خَالِي اليد عن الخير
قاله القارىء وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْهَاشِمِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ عِيسَى بْنُ فَائِدٍ رَوَاهُ عَمَّنْ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَهُوَ عَلَى هَذَا مُنْقَطِعٌ أَيْضًا
2 -
(بَابُ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ)
[1475]
(هُشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ قَبْلَ الزَّايِ قَالَ الطِّيبِيُّ حَكِيمُ بن حزام قرشي وهو بن أَخِي خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ إِلَى عَامِ الْفَتْحِ وَأَوْلَادُهُ صَحِبُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا) أَيْ مِنَ الْقِرَاءَةِ (أَقْرَأَنِيهَا) أَيْ سُورَةَ الْفُرْقَانِ (فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ قَارَبْتُ أَنْ أُخَاصِمَهُ وَأُظْهِرَ بَوَادِرَ غَضَبِي عَلَيْهِ بِالْعَجَلَةِ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ (ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ) أَيْ عَنِ الْقِرَاءَةِ (ثُمَّ لَبَّبْتُهُ) بِالتَّشْدِيدِ (بِرِدَائِي) أَيْ جَعَلْتُهُ فِي عُنُقِهِ وَجَرَرْتُهُ
قَالَ الطِّيبِيُّ لَبَّبْتُ الرَّجُلَ تَلْبِيبًا إِذَا جَمَعَتْ ثِيَابَهُ عِنْدَ صَدْرِهِ فِي الْخُصُومَةِ ثُمَّ جَرَرْتُهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِنَائِهِمْ بِالْقُرْآنِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى لَفْظِهِ كَمَا سَمِعَهُ بِلَا عُدُولٍ إِلَى مَا تُجَوِّزُهُ الْعَرَبِيَّةُ (هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا) قِيلَ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى لُغَةِ قُرَيْشٍ فَلَمَّا عَسُرَ عَلَى غَيْرِهِمْ أُذِنَ فِي الْقِرَاءَةِ بِسَبْعِ لُغَاتٍ لِلْقَبَائِلِ الْمَشْهُورَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي زِيَادَةَ الْقِرَاءَاتِ عَلَى سَبْعٍ
لِلِاخْتِلَافِ فِي لُغَةِ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلِلتَّمَكُّنِ بَيْنَ الِاخْتِلَافِ فِي اللُّغَاتِ (اقْرَأْ فَقَرَأَ) أَيْ هِشَامٌ (الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ) أَيْ سَمِعْتُ هِشَامًا إِيَّاهَا عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي (هَكَذَا أُنْزِلَتْ) أَيِ السُّورَةُ أَوِ الْقِرَاءَةُ (فَقَالَ هكذا أنزلت) أي على لسان جبرائيل كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ أَوْ هَكَذَا عَلَى التَّخْيِيرِ أُنْزِلَتْ (أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ) أَيْ لُغَاتٍ أَوْ قِرَاءَاتٍ أَوْ أَنْوَاعٍ قِيلَ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ قَوْلًا مِنْهَا أَنَّهُ مِمَّا لَا يُدْرَى مَعْنَاهُ لِأَنَّ الْحَرْفَ يَصْدُقُ لُغَةً عَلَى حَرْفِ الْهِجَاءِ وَعَلَى الْكَلِمَةِ وَعَلَى الْمَعْنَى وَعَلَى الْجِهَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّ الْقِرَاءَاتِ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى سَبْعٍ فَإِنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ مِنَ الِاخْتِلَافَاتِ الْأَوَّلُ اخْتِلَافُ الْكَلِمَةِ فِي نَفْسِهَا بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى نُنْشِزُهَا ننشرها
الأول بالزاي المعجمة والثاني بالراء المهلمة وَقَوْلُهُ سَارِعُوا وَسَارِعُوا
فَالْأَوَّلُ بِحَذْفِ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ قَبْلَ السِّينِ وَالثَّانِي بِإِثْبَاتِهَا
الثَّانِي التَّغْيِيرُ بِالْجَمْعِ وَالتَّوْحِيدِ كَكُتُبِهِ وَكِتَابِهِ
الثَّالِثُ بِالِاخْتِلَافِ فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ كَمَا فِي يَكُنْ وَتَكُنْ
الرَّابِعُ الِاخْتِلَافُ التَّصْرِيفِيُّ كَالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ نَحْوُ يَكْذِبُونَ وَيُكَذِّبُونَ وَالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ نَحْوُ يَقْنَطُ وَيَقْنِطُ
الْخَامِسُ الِاخْتِلَافُ الْإِعْرَابِيُّ كقوله تعالى ذو العرش المجيد برفع الدال وجرها
السادس اختلاف الأداة نحو لكن الشياطين بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَتَخْفِيفِهَا
السَّابِعُ اخْتِلَافُ اللُّغَاتِ كَالتَّفْخِيمِ وَالْإِمَالَةِ وَإِلَّا فَلَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَةٌ تُقْرَأُ عَلَى سَبْعَةٍ أَوْجُهٍ إِلَّا الْقَلِيلُ مِثْلُ عبد الطاغوت ولا تقل أف لهما وَهَذَا كُلُّهُ تَيْسِيرٌ عَلَى الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ وَلِذَا قال صلى الله عليه وسلم (فاقرأوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ الْقِرَاءَاتِ بخلاف قوله تعالى فاقرأوا ما تيسر منه فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَعَمُّ مِنَ الْمِقْدَارِ وَالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَجَازَ بِأَنْ يَقْرَؤوا مَا ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم بِالتَّوَاتُرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبْعَةِ التَّكْثِيرُ لَا التَّحْدِيدُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلٍ مِنَ الْأَقْوَالِ لِأَنَّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَقْرَبُهَا إِلَى مَعْنَى الْحَدِيثِ قَوْلُ مَنْ قَالَ هِيَ كَيْفِيَّةُ النُّطْقِ بِكَلِمَاتِهَا مِنْ إِدْغَامٍ وَإِظْهَارٍ
وَتَفْخِيمٍ وَتَرْقِيقٍ وَإِمَالَةٍ وَمَدٍّ وَقَصْرٍ وَتَلْيِينٍ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ اللُّغَاتِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ فَيَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِيَقْرَأَ كُلٌّ بِمَا يُوَافِقُ لُغَتَهُ وَيَسْهُلُ عَلَى لِسَانِهِ
انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
قال القارىء وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فَإِنَّ الْإِدْغَامَ مَثَلًا فِي مَوَاضِعَ لَا يَجُوزُ الْإِظْهَارُ فِيهَا وَفِي مَوَاضِعَ لَا يَجُوزُ الْإِدْغَامُ فِيهَا وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي
وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ اخْتِلَافَ اللُّغَاتِ لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ لِوُجُوهِ إِشْبَاعِ مِيمِ الْجَمْعِ وَقَصْرِهِ وَإِشْبَاعِ هَاءِ الضَّمِيرِ وَتَرْكِهِ مِمَّا هُوَ مُتَّفِقٌ عَلَى بَعْضِهِ وَمُخْتَلِفٌ فِي بعضه وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّ الْمُرَادَ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْمَعَانِي الْمُتَّفِقَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ نَحْوِ أَقْبِلْ وَتَعَالَ وَعَجِّلْ وَهَلُمَّ وَأَسْرِعْ فَيَجُوزُ إِبْدَالُ اللَّفْظِ بِمُرَادِفِهِ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ لَا بِضِدِّهِ وَحَدِيثُ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ صَرِيحٍ فِيهِ وَعِنْدَهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ عَلِيمًا حَكِيمًا غَفُورًا رَحِيمًا وَفِي حَدِيثٍ عِنْدَهُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ أَيْضًا الْقُرْآنُ كُلُّهُ صَوَابٌ مَا لَمْ يَجْعَلْ مَغْفِرَةً عَذَابًا أَوْ عَذَابًا مَغْفِرَةً وَلِهَذَا كَانَ أُبَيٌّ يَقْرَأُ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ سَعَوْا فِيهِ بَدَلَ مشوا فيه وبن مسعود أمهلونا أخرونا بدل أنظرونا
قال القارىء إِنَّهُ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا مِنَ الصَّحَابَةِ خُصُوصًا مِنْ أبي وبن مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا يُبَدِّلَانِ لَفْظًا مِنْ عِنْدَهُمَا بَدَلًا مِمَّا سَمِعَاهُ مِنْ لَفْظِ النُّبُوَّةِ وَأَقَامَاهُ مَقَامَهُ مِنَ التِّلَاوَةِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ مِنْهُمَا أَوْ سَمِعَا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم الْوُجُوهَ فَقَرَأَ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا كَمَا هُوَ الْآنَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الِاخْتِلَافَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ أَرْبَابِ الشَّأْنِ وَكَذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ
وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِمَا كَانَ يَتَعَسَّرُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُمُ التِّلَاوَةُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالْكِتَابَةِ وَالضَّبْطِ وَإِتْقَانِ الْحِفْظِ ثُمَّ نُسِخَ بِزَوَالِ الْعُذْرِ وَتَيْسِيرِ الْكِتَابَةِ وَالْحِفْظِ قَالَهُ فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ الْحَافِظُ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى الْحُرُوفِ اللُّغَاتُ يُرِيدُ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ هِيَ أَفْصَحُ اللُّغَاتِ وَأَعْلَاهَا فِي كَلَامِهِمْ
قَالُوا وَهَذِهِ اللُّغَاتُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ مُجْتَمِعَةٍ فِي الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا أَشَارَ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ لَا نَعْرِفُ فِي الْقُرْآنِ حَرْفًا يقرأ على سبعة أحرف
قال بن الْأَنْبَارِيِّ هَذَا غَلَطٌ وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ حُرُوفٌ يَصِحُّ أَنْ تُقْرَأَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ منها قوله تعالى وعبد الطاغوت وَقَوْلُهُ تَعَالَى أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَذَكَرَ وُجُوهًا كَأَنَّهُ يَذْهَبُ فِي تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ إِلَى أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ لَا كُلَّهُ
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وُجُوهًا أُخَرَ قال وهو أن القرآن أنزل مرخصا للقارىء وَمُوَسِّعًا عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ أَيْ يَقْرَأَ عَلَى أَيِّ حَرْفٍ شَاءَ مِنْهَا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَوْ كَانَ مَعْنَى
ما قاله بن الْأَنْبَارِيِّ لَقِيلَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِسَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَإِنَّمَا قِيلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى أَيْ كَأَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَى هَذَا مِنَ الشَّرْطِ أَوْ عَلَى هَذَا مِنَ الرُّخْصَةِ وَالتَّوْسِعَةِ وَذَلِكَ لِتَسْهِيلِ قِرَاءَتِهِ عَلَى النَّاسِ
وَلَوْ أَخَذُوا بِأَنْ يَقْرَؤُوهُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٌ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ وَلَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيًا إِلَى الزَّهَادَةِ فِيهِ وَسَبَبًا لِلْفُتُورِ عَنْهُ
وَقِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّوْسِعَةُ لَيْسَ حَصْرُ الْعَدَدِ انْتَهَى
وَقَالَ السِّنْدِيُّ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ أَيْ عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ مَشْهُورَةٍ بِالْفَصَاحَةِ وَكَانَ ذَاكَ رُخْصَةً أَوَّلًا تَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ ثُمَّ جَمَعَهُ عُثْمَانُ رضي الله عنه حِينَ خَافَ الِاخْتِلَافَ عَلَيْهِمْ فِي الْقُرْآنِ وَتَكْذِيبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَلَى لُغَةِ قُرَيْشٍ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا أَوَّلًا انْتَهَى
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ الْمُخْتَارُ أَنَّ هَذَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يُدْرَى تَأْوِيلُهُ وَفِيهِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِينَ قَوْلًا أَوْرَدْتُهَا فِي الْإِتْقَانِ
انْتَهَى
قُلْتُ سَبْعُ اللُّغَاتِ الْمَشْهُورَةِ هِيَ لُغَةُ الْحِجَازِ والهذيل والهوازن واليمن والطي وَالثَّقِيفِ وَبَنِي تَمِيمٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[1476]
(هَذِهِ الْأَحْرُفُ) أَيِ الْقِرَاءَةُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ (فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ) مِنَ الْإِبَاحَةِ وَالْحَلَالِ أَوِ النَّهْيِ وَالْحَرَامِ (لَيْسَ يَخْتَلِفُ) حُكْمُهُ (فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ) وَالْمَعْنَى أَنَّ مِنِ اخْتِلَافِ الْقِرَاءَةِ لَا يُبْدِلُ الْمَعْنَى فَلَا يَصِيرُ حُكْمُ وَاحِدٍ مِنْ بَعْضِ الْقِرَاءَةِ حَلَالًا وَيَصِيرُ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِعَيْنِهِ مِنْ قِرَاءَةٍ أُخْرَى حَرَامًا مَثَلًا بَلْ يَبْقَى حُكْمٌ وَاحِدٌ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْقِرَاءَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1477]
(أُقْرِئْتُ الْقُرْآنَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَمَّ (فَقِيلَ لِي) الْقَائِلُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى على لسان الملائكة أتقرأ يامحمد صلى الله عليه وسلم (عَلَى حَرْفٍ) وَاحِدٍ (أَوْ) لِلتَّخْيِيرِ أَيْ أَوْ تَقْرَأُ عَلَى (حَرْفَيْنِ) تسهيلا للأمة (قل) يامحمد صلى الله عليه وسلم إِنِّي أَقْرَأُ (عَلَى حَرْفَيْنِ قُلْتُ عَلَى حَرْفَيْنِ) أَيْ أَقْرَأُ عَلَى
حَرْفَيْنِ (حَتَّى بَلَغَ) ذَلِكَ الْقَائِلُ الْمَفْهُومُ مِنْ قبل أو جبرائيل أَوِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (سَبْعَةَ أَحْرُفٍ) أَيْ إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ (ثُمَّ قَالَ) ذَلِكَ الْقَائِلُ (لَيْسَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ سَبْعَةِ أَحْرُفٍ (إِلَّا شَافٍ) أَيْ لِلْعَلِيلِ فِي فَهْمِ الْمَقْصُودِ (كَافٍ) لِلْإِعْجَازِ فِي إِظْهَارِ الْبَلَاغَةِ وَقِيلَ أَيْ شَافٍ لِصُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ فِي إِثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ لِلِاتِّفَاقِ فِي الْمَعْنَى وَكَافٍ فِي الْحُجَّةِ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الكافرين كذا في المرقاة (قلت) يامحمد صلى الله عليه وسلم (سَمِيعًا عَلِيمًا) مَكَانَ قَوْلِهِ (عَزِيزًا حَكِيمًا) يَكْفِيكَ وَلَا يَضُرُّكَ (مَا لا تختم) يامحمد صلى الله عليه وسلم (آيَةَ عَذَابِ بِرَحْمَةٍ) أَيْ مَكَانَ آيَةِ رَحْمَةٍ (آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ) فَلَا يَجُوزُ لَكَ
وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ كَمَا رَخَّصَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي اللُّغَاتِ السَّبْعِ كَذَلِكَ رَخَّصَ لَهُ صلى الله عليه وسلم فِي رُؤُوسِ الْآيَاتِ بِمَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِبَعْضٍ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ هَذَا التَّغَيُّرُ وَالتَّبَدُّلُ لِكُلِّ أَحَدٍ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي ذَلِكَ عُمُومًا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[1478]
(عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَأَضَاةُ بِوَزْنِ الْحَصَاةِ الغدير (أن تقرىء) من الإقراء (أمتك) مفعول تقرىء
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ياأبي أُرْسِلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّانِيَةَ اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّالِثَةَ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ مِنْ حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال أقرأني جبرائيل عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ من