الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
(بَابُ قِيَامِ اللَّيْلِ)
[1306]
(يَعْقِدُ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ يَشُدُّ (عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ) أَيْ قَفَاهُ وَمُؤَخَّرِهِ وَقِيلَ وَسَطِهِ (ثَلَاثَ عُقَدٍ) جَمْعُ عُقْدَةٍ وَالْمُرَادُ بِهَا عُقَدُ الْكَسَلِ أَيْ يَحْمِلُهُ الشَّيْطَانُ عليه قاله بن الملك
قال الطيبي أراد تثقليه وَإِطَالَتَهُ فَكَأَنَّهُ قَدْ شَدَّ عَلَيْهِ شَدًّا وَعَقَدَهُ ثَلَاثَ عُقَدٍ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الْقَافِيَةُ الْقَفَا وَقَفَا كُلِّ شَيْءٍ وَقَافِيَتُهُ آخِرُهُ وَعَقَدَ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَتِهِ اسْتِعَارَةٌ عَنْ تَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ وَتَحْبِيبِهِ النَّوْمَ إِلَيْهِ وَالدَّعَةَ وَالِاسْتِرَاحَةَ وَالتَّقْيِيدُ بِالثَّلَاثِ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ لِأَنَّ الَّذِي يَنْحَلُّ بِهِ عُقْدَتُهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءٍ الذِّكْرُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ وَكَأَنَّ الشَّيْطَانَ مَنَعَهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِعُقْدَةٍ عَقَدَهَا عَلَى قَافِيَتِهِ وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ الْقَفَا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْوَاهِمَةِ وَمَحَلُّ تَصَرُّفِهَا وَهُوَ أَطْوَعُ الْقُوَى لِلشَّيْطَانِ وَأَسْرَعُ إِجَابَةً لِدَعَوْتِهِ (يَضْرِبُ) أَيْ بِيَدِهِ تَأْكِيدًا أَوْ إِحْكَامًا (مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ) قِيلَ مَعْنَى يَضْرِبُ يَحْجُبُ الْحِسَّ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى لَا يَسْتَيْقِظَ
قَالَ مَيْرَكُ وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْعَقْدِ فَقِيلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَمَا يَعْقِدُ السَّاحِرُ مَنْ يَسْحَرُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ إِنَّ عَلَى رَأْسِ كُلِّ آدَمِيٍّ حَبْلًا فِيهِ ثَلَاثُ عقد وذلك عند بن ماجه ونحوه لأحمد وبن خزيمة وبن حِبَّانَ
وَقِيلَ عَلَى الْمَجَازِ كَأَنَّهُ شَبَّهَ فِعْلَ الشَّيْطَانِ بِالنَّائِمِ مِنْ مَنْعِهُ مِنَ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ بِفِعْلِ السَّاحِرِ بِالْمَسْحُورِ مِنْ مَنْعِهِ عَنْ مُرَادِهِ (عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ) وَهَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ لَيْلٍ بِالرَّفْعِ
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ عَنْ مُسْلِمٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ مَعَ مَا بَعْدَهُ أَيْ قَوْلِهِ (فَارْقُدْ) مَفْعُولٌ لِلْقَوْلِ الْمَحْذُوفِ أَيْ يُلْقِي الشَّيْطَانُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ يَعْقِدُهَا هَذَا الْقَوْلَ وَهُوَ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ (فَإِنِ اسْتَيْقَظَ) أَيْ مِنْ نَوْمِ الْغَفْلَةِ (فَذَكَرَ اللَّهَ) بِقَلْبِهِ أَوْ لِسَانِهِ (انْحَلَّتْ) أَيِ انْفَتَحَتْ (عُقْدَةٌ) أَيْ عُقْدَةُ الْغَفْلَةِ (فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ) أَيْ عُقْدَةُ النَّجَاسَةِ (فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ) أَيْ عقدة الكسالة والبطالة
قال الحافظ بن حَجَرٍ وَقَعَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ أَيْ عُقْدَةٌ بِغَيْرِ اخْتِلَافٍ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَفِي الْمُوَطَّأِ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ (فَأَصْبَحَ) أَيْ دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ أَوْ صَارَ (نَشِيطًا) أَيْ لِلْعِبَادَةِ (طَيِّبَ النَّفْسِ) أَيْ ذَاتَ فَرَحٍ لِأَنَّهُ تَخَلَّصَ عَنْ وِثَاقِ الشَّيْطَانِ وتخفف عنه
أَعْبَاءُ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ وَحَصَلَ لَهُ رِضَا الرَّحْمَنِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَلِكَ بَلْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ وَنَامَ حَتَّى تَفُوتَهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ
ذَكَرَهُ مَيْرَكُ وَالظَّاهِرُ حَتَّى تَفُوتَهُ صَلَاةُ التَّهَجُّدِ (أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ) مَحْزُونَ الْقَلْبِ كَثِيرَ الْهَمِّ مُتَحَيِّرًا فِي أَمْرِهِ (كَسْلَانَ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا كَسْلَانًا أَيْ لَا يَحْصُلُ مُرَادُهُ فِيمَا يَقْصِدُهُ مِنْ أُمُورِهِ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِقَيْدِ الشَّيْطَانِ وَمُبْعَدٌ عَنْ قُرْبِ الرَّحْمَنِ
ذَكَرَهُ عَلِيٌّ القارىء
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1307]
(وَكَانَ إِذَا مَرِضَ أَوْ كَسِلَ) أَيْ تَعِبَ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّنَفُّلِ قَاعِدًا مَنْ لَهُ كَسَلٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وهو إجماع العلماء
قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَمِنْ خَصَائِصِهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّ ثَوَابَ تَطَوُّعِهِ جَالِسًا كَهُوَ قَائِمًا لِأَنَّ الْكَسَلَ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِ أَجْرِ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ مَأْمُونٌ فِي حَقِّهِ عليه السلام انْتَهَى
وَفِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَلَّى جَالِسًا ضَرُورَةً فَرْضًا أَوْ نَفْلًا يَكُونُ ثَوَابُهُ كَامِلًا فَلَا يُعَدُّ مِثْلُ هَذَا مِنَ الْخَصَائِصِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِطْلَاقُ سَوَاءٌ جُلُوسُهُ يَكُونُ بِعُذْرٍ أَوْ بغير عذر قاله علي القارىء وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ قال فأتيته فوجدته يصلي جالسا قلت يارسول اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا قَالَ أَجَلْ وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[1308]
(قَامَ مِنَ اللَّيْلِ) أَيْ بَعْضَهُ (فَصَلَّى) أَيِ التَّهَجُّدَ (وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ) بِالتَّنْبِيهِ أَوِ الْمَوْعِظَةِ وَفِي مَعْنَاهَا مَحَارِمُهُ (فَإِنْ أَبَتْ) أَيِ امْتَنَعَتْ لِغَلَبَةِ النَّوْمِ وَكَثْرَةِ الْكَسَلِ (نَضَحَ) أَيْ رَشَّ (فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ) وَالْمُرَادُ التَّلَطُّفُ مَعَهَا وَالسَّعْيُ فِي قِيَامِهَا لِطَاعَةِ رَبِّهَا مَهْمَا أَمْكَنَ قَالَ تعالى وتعاونوا على البر والتقوى وقال بن الْمَلَكِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِكْرَاهَ أَحَدٍ عَلَى الْخَيْرِ يَجُوزُ بَلْ
يُسْتَحَبُّ (رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ) أَيْ وُفِّقَتْ بِالسَّبْقِ (فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا) وَالْوَاوُ لمطلق الجمع وفي الترتيب الذكري إشارة لطيفة لَا تَخْفَى وَفِيهِ بَيَانُ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَكَمَالُ الْمُلَاطَفَةِ وَالْمُوَافَقَةِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ وَقَدْ وَثَّقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَةِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ
[1309]
(إِذَا أيقظ الرجل أهله) أي امرأته أو نسائه وَأَوْلَادَهُ وَأَقَارِبَهُ وَعَبِيدَهُ وَإِمَاءَهُ (مِنَ اللَّيْلِ) أَيْ فِي بَعْضِ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ (فَصَلَّيَا) أَيِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ أَوِ الرَّجُلُ وَأَهْلُهُ (أَوْ صَلَّى) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا) قَالَ الطِّيبِيُّ حَالٌ مُؤَكَّدَةٌ مِنْ فَاعِلِ فَصَلَّيَا عَلَى التَّثْنِيَةِ لَا الْإِفْرَادِ لِأَنَّهُ تَرْدِيدٌ مِنَ الرَّاوِي فَالتَّقْدِيرُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ أَدْخَلَ أَوْ صَلَّى فِي الْبَيْنِ فَإِذَا أُرِيدَ تَقْيِيدُهُ بِفَاعِلِهِ يُقَدَّرُ فَصَلَّى وَصَلَّتْ جَمِيعًا فَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ التَّنَازُعِ انْتَهَى
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ جَمِيعًا لَيْسَ بِقَيْدٍ لِقَوْلِهِ فَصَلَّى مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ فَصَلَّيَا جَمِيعًا أَوْ صَلَّى فَالصَّحِيحُ أَنَّ الشَّكَّ إِنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْبَقِيَّةُ عَلَى حَالِهَا فَيُقَالُ حِينَئِذٍ إِنَّ جَمِيعًا حَالٌ مِنْ مَعْنَى ضَمِيرِ فَصَلَّى وَهُوَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جميعا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (كُتِبَا) أَيِ الصِّنْفَانِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كُتِبَ (فِي الذَّاكِرِينَ) أَيِ اللَّهَ كَثِيرًا أَيْ فِي جُمْلَتِهِمْ (وَالذَّاكِرَاتِ) كَذَلِكَ
وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ الله لهم مغفرة وأجرا عظيما (ولم يرفعه بن كَثِيرٍ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ حَاتِمٍ رَفَعَهُ وَجَعَلَ مِنْ مُسْنَدَاتِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ
فَلَمْ يَرْفَعِ الْحَدِيثَ وَلَا ذَكَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَلْ جَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي سَعِيدٍ مَوْقُوفًا عليه وأما