الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصححه العيني وبن الهمام
وشعيب الراوي عن طاووس هُوَ شُعَيْبٌ بَيَّاعُ الطَّيَالِسَةِ
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ لا بأس به وذكره بن حبان في الثقات وروى عنه وكيع وبن أَبِي غُنْيَةَ وَعُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ وَمُوسَى بن إسماعيل قاله العيني
وقال بن حَزْمٍ سَنَدُهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ أَوْ شُعَيْبٍ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ انْتَهَى
وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَهْمٌ مِنْ شعيب الراوي عن طاووس وتفرد بروايته عن طاووس وَكَيْفَ تَصِحُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَأَنَسٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَغَيْرِهِمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَذِنَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ وَفُعِلَ فِي عَهْدِهِ بِحَضْرَتِهِ فَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فَمِنَ الصَّحَابَةِ أَنَسٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرُهُمْ وَرِوَايَةُ هَؤُلَاءِ مَرْوِيَّةٌ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ كَذَا فِي الشَّرْحِ (هو) أي الراوي عن طاووس (شُعَيْبٌ) لَا أَبُو شُعَيْبٍ (وَهِمَ شُعْبَةُ) الرَّاوِي عَنْ شُعَيْبٍ (فِي اسْمِهِ) فَقَالَ أَبُو شُعَيْبٍ بِالْكُنْيَةِ وَإِنَّمَا هُوَ شُعَيْبٌ فَشُعْبَةُ وَهِمَ فِيهِ
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هَذَا الرَّاوِي لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ الَّذِي يُعَارَضُ حَدِيثُهُ بِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ الَّذِي هُوَ فِي أَعْلَى مَرْتَبَةِ الصِّحَّةِ
وَنَازَعَ فِي هذا الشيخ بن الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَكَلَامُهُ بَاطِلٌ وَفَاسِدٌ لا يعبأ به
وقد أشيع الْكَلَامَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدِّرَاسَاتِ فَأَجَادَ وَأَحْسَنَ
كَذَا فِي الشَّرْحِ لِأَخِينَا أَبِي الطَّيِّبِ
2 -
(بَاب صَلَاةِ الضُّحَى)
[1285]
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ وَقْتُ الضُّحَى وَهُوَ صَدْرُ النَّهَارِ حِينَ تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ وتلقي شعاعها انتهى
قال القارىء قِيلَ التَّقْدِيرُ صَلَاةُ وَقْتِ الضُّحَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِضَافَةَ الصَّلَاةِ إِلَى الضُّحَى بِمَعْنَى فِي كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ النَّهَارِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقَوْلِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَقِيلَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمُسَبَّبِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ
وَقَالَ مَيْرَكُ الضَّحْوَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ وَالضُّحَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ شُرُوقُهُ وَبِهِ سُمِّيَ صَلَاةُ الضُّحَى وَالضَّحَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ هُوَ إِذَا عَلَتِ الشَّمْسُ إِلَى زَيْغِ الشَّمْسِ فَمَا بَعْدَهُ وَقِيلَ وَقْتُ الضُّحَى عِنْدَ مضي
رُبُعِ الْيَوْمِ إِلَى قُبَيْلِ الزَّوَالِ وَقِيلَ هَذَا وَقْتُهُ الْمُتَعَارَفُ وَأَمَّا وَقْتُهُ فَوَقْتُ صَلَاةِ الْإِشْرَاقِ وَقِيلَ الْإِشْرَاقُ أَوَّلُ الضُّحَى
قَالَ النَّوَوِيُّ وَإِنَّ أقلها ركعتان وأكملها ثمان رَكَعَاتٍ وَأَوْسَطَهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتٌّ
(يَحْيَى بْنُ عُقَيْلٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ (عَلَى كُلِّ سُلَامَى) هُوَ بِضَمِ السِّينِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَأَصْلُهُ عِظَامُ الْأَصَابِعِ وَسَائِرِ الْكَفِّ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي جَمِيعِ عِظَامِ الْبَدَنِ وَمَفَاصِلِهِ
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ خُلِقَ الْإِنْسَانُ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مِفْصَلٍ عَلَى كُلِّ مِفْصَلٍ صَدَقَةٌ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَفِي النِّهَايَةِ السُّلَامَى جَمْعُ سُلَامِيَةٍ وَهِيَ الْأُنْمُلَةُ مِنْ أَنَامِلِ الْأَصَابِعِ وَقِيلَ وَاحِدُهُ وَجَمْعُهُ سَوَاءٌ وَيُجْمَعُ عَلَى سُلَامَيَاتٍ وَهِيَ الَّتِي بَيْنَ كُلِّ مِفْصَلَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الْإِنْسَانِ وَقِيلَ السُّلَامَى كُلُّ عَظْمٍ مُجَوَّفٍ مِنْ صِغَارِ الْعِظَامِ الْمَعْنَى عَلَى كل عظم من عظام بن آدَمَ صَدَقَةٌ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّ كُلَّ عُضْوٍ وَمِفْصَلٍ مِنْ بَدَنِهِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ
انْتَهَى (وَإِمَاطَةُ الْأَذَى) أَيْ إِزَالَةُ الْأَذَى (وَبُضْعَةُ أَهْلِهِ) الْبُضْعُ بِضَمِّ الْبَاءِ هُوَ الْجِمَاعُ وَالْمَعْنَى مُبَاشَرَتُهُ مع أهله (ويجزىء من ذلك كله) ويجزىء بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ فَالضَّمُّ مِنَ الْإِجْزَاءِ وَالْفَتْحُ من جزى يجزئ أَيْ كَفَى وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا تَجْزِي نفس وَفِي الْحَدِيثِ لَا يُجْزِئُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ فَضْلِ الضُّحَى وَكَبِيرِ مَوْقِعِهَا وَأَنَّهَا تَصِحُّ رَكْعَتَيْنِ وَالْحَثُّ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ وَأَنَّهَا مَا رَأَتْهُ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي سبحة الضحى قط قالت وإني لَأَسْبَحُهَا وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَدَعَ الْعَمَلَ وَهُوَ يَجِبُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا يَشَاءُ وَفِي رِوَايَةٍ مَا شَاءَ اللَّهُ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صلى ثمان رَكَعَاتٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وأبي الدارداء رَكْعَتَانِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الضُّحَى سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْمَلَهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعٌ أَوْ سِتٌّ كِلَاهُمَا أَكْمَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَدُونَ ثَمَانٍ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ فِي نَفْيِ صَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم الضُّحَى وَإِثْبَاتِهَا فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّيهَا بَعْضَ الْأَوْقَاتِ لِفَضْلِهَا وَيَتْرُكُهَا فِي بِعْضِهَا خَشْيَةَ
أَنْ تُفْرَضَ كَمَا ذَكَرَتْهُ عَائِشَةُ وَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهَا مَا كَانَ يُصَلِّيهَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ مَا رَأَيْتُهُ كَمَا قَالَتْ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى وَسَبَبُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ يَكُونُ عِنْدَ عَائِشَةَ فِي وَقْتِ الضُّحَى إِلَّا فِي نَادِرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُسَافِرًا وَقَدْ يَكُونُ حَاضِرًا وَلَكِنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي موضع آخر وإذا كَانَ عِنْدَ نِسَائِهِ فَإِنَّمَا كَانَ لَهَا يَوْمٌ مِنْ تِسْعَةٍ فَيَصِحُّ قَوْلُهَا مَا رَأَيْتُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْأَلْفَاظِ اخْتِلَافٌ (وَحَدِيثُ عَبَّادٍ) مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَنْهُ عَنْ وَاصِلٍ (أَتَمُّ) مِنْ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ وَاصِلٍ (وَلَمْ يُذْكَرْ مُسَدَّدٌ) فِي رِوَايَتِهِ (الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ) كَمَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ (زَادَ) أَيْ مُسَدَّدٌ فِي رِوَايَتِهِ (وَقَالَ كَذَا وَكَذَا) هَكَذَا أُبْهِمَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُشَارَ إِلَيْهِ وَصَرَّحَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ به وهو ذكر الأمر والنهي (وزاد بن مَنِيعٍ) دُونَ مُسَدَّدٍ (يَقْضِي شَهْوَتَهُ) أَيْ يُجَامِعُ أَهْلَهُ لِقَضَاءِ شَهْوَتِهِ (قَالَ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (لَوْ وَضَعَهَا) أي شهوته (في غير حلها) وهو الزنى (ألم يكن يأثم) ويرتكب المعصية
[1287]
(عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ) مَنْسُوبٌ إِلَى قَبِيلَةِ جُهَيْنَةَ مُصَغَّرًا (مَنْ قَعَدَ) أَيِ اسْتَمَرَّ (فِي مُصَلَّاهُ) مِنَ الْمَسْجِدِ أَوِ الْبَيْتِ مُشْتَغِلًا بِالذِّكْرِ أَوِ الْفِكْرِ أَوْ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ أَوْ مُسْتَفِيدًا وَطَائِفًا بِالْبَيْتِ (حِينَ يَنْصَرِفُ) أَيْ يُسَلِّمُ (مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى يُسَبِّحَ) أَيْ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ
(رَكْعَتَيِ الضُّحَى) أَيْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَارْتِفَاعِهَا (لَا يَقُولُ) أَيْ فِيمَا بَيْنَهُمَا (إِلَّا خَيْرًا) أَيْ وَهُوَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ وَاكْتَفَى بِالْقَوْلِ عَنِ الْفِعْلِ (غُفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ) أَيِ الصغائر ويحتمل الكبائر قاله علي القارىء
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ سَهْلُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ ضَعِيفٌ وَالرَّاوِي عَنْهُ زَبَّانُ بْنُ فَايِدٍ الْحَمْرَاوِيُّ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَمُعَاذُ بْنُ أَنَسٍ الْجُهَنِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ مَعْدُودٌ فِي أَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَزَبَّانُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُشَدَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ وَفَايِدٌ بِالْفَاءِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ يَاءٌ آخِرُ الْحُرُوفِ وَدَالٌ مُهْمَلَةٌ
[1288]
(صَلَاةٌ فِي إِثْرِ صَلَاةٍ) أَيْ صَلَاةٌ تَتْبَعُ صَلَاةً وَتَتَّصِلُ بِهَا فَرْضًا أَوْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا (لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا) أَيْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ بَاطِلٌ وَلَا لَغَطٌ وَاللَّغْوُ اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ (كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ) أَيْ مَكْتُوبٌ وَمَقْبُولٌ تَصْعَدُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ إِلَى عِلِيِّينَ لِكَرَامَةِ الْمُؤْمِنِ وَعَمَلِهِ الصَّالِحِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْقَاسِمِ هَذَا وَاخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ فِي الِاحْتِجَاجِ بحديثه
[1289]
(ياابن آدَمَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ (لَا تُعْجِزْنِي) يُقَالُ أَعْجَزَهُ الْأَمْرُ إِذَا فَاتَهُ أَيْ لَا تُفَوِّتْنِي مِنَ الْعِبَادَةِ
قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ أَيْ تُفِتْنِي بِأَنْ لَا تَفْعَلَ ذَلِكَ فَيَفُوتَكَ كِفَايَتِي آخِرَ النَّهَارِ (فِي أَوَّلِ نَهَارِكِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا فَرْضُ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ أَوْ أُرِيدَ بِالْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ صَلَاةُ الضُّحَى وَإِلَيْهِ جَنَحَ الْمُؤَلِّفُ وَعَلَيْهِ عَمِلَ النَّاسُ (أَكْفِكَ آخِرَهُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ كِفَايَتُهُ مِنَ الْآفَاتِ وَالْحَوَادِثِ الضَّارَّةِ وَأَنْ يُرَادَ حِفْظُهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْعَفْوِ عَمَّا وَقَعَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الضُّحَى وَلَكِنَّهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ صَلَاةُ الضُّحَى
وَقَدْ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا فَرْضُ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَوَّلُ النَّهَارِ حَقِيقَةً وَيَكُونُ مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ صَلَّى
الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وهذا ينبىء عَلَى أَنَّ النَّهَارَ هَلْ هُوَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْمَشْهُورُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَعُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ
قَالَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ النَّهَارُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ الرَّكَعَاتُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ مَا خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ وَعَمَلِ النَّاسِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ صَلَاةَ الضُّحَى انْتَهَى
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَقْتِ دُخُولِ الضُّحَى فَرَوَى النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ وَقْتَ الضُّحَى يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إِلَى ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ وَذَهَبَ الْبَعْضُ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ مِنَ الِارْتِفَاعِ وَبِهِ جزم الرافعي وبن الرِّفْعَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَفِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَفِيهِ مَقَالٌ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ مَنْ يُصَحِّحُ حَدِيثَهُ عَنِ الشَّامِيِّينَ وَهَذَا الْحَدِيثُ شَامِيُّ الْإِسْنَادِ وَحَدِيثُ أَبِي هَمَّارٍ قَدِ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَقَدْ جُمِعَتْ طُرُقُهُ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ
وَحَمَلَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الرَّكَعَاتِ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى
وَقَالَ بَعْضُهُمُ النَّهَارُ يَقَعُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ عَلَى مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ صَلَاةِ الضُّحَى وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ نُعَيْمَ بْنَ هَمَّارٍ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا وَاحِدًا وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ
وَقَدْ وَقَعَ لَنَا أَحَادِيثُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ هَذَا
وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِ أَبِيهِ هَبَّارٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهَدَّارٌ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهَمَّامٌ بِمِيمَيْنِ وَقِيلَ خَمَارٌ بِالْخَاءِ الْمَفْتُوحَةِ الْمُعْجَمَةِ وَقِيلَ حِمَارٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ انْتَهَى
[1290]
(صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا أَوْضَحُ مِنْ حَدِيثِهَا الَّذِي فِي الصَّحِيحِ وَيُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ صَلَاةُ الضُّحَى وَبِهِ يَنْدَفِعُ تَوَقُّفُ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ قَائِلِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ وَقْتِ صَلَاتِهِ لَا عَنْ نِيَّتِهَا فَلَعَلَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ شُكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْفَتْحِ
قَالَ إِسْنَادُ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ انْتَهَى (قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) مَقْصُودُهُ ذِكْرُ اخْتِلَافِ لَفْظِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ وَأَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو فَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ
صَالِحٍ لَفْظَهُ سُبْحَةَ الضُّحَى أَيْ صَلَّى يَوْمَ الفتح سبحة الضحى ثمان ركعات ولم يذكره بن السرح بل قال صلى يوم الفتح ثمان ركعات
قال المنذري أخرجه بن مَاجَهْ
[1291]
(يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِهَا) قال الحافظ بن حَجَرٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ الِاغْتِسَالَ وَقَعَ فِي بَيْتِهَا وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُرَّةَ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِأَعْلَى مكة فوجدته يغتسل وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُ
وَيُؤَيِّدُهُ ما رواه بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ وَفِيهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَتَرَهُ لَمَّا اغْتَسَلَ وَأَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُرَّةَ عَنْهَا أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَهُ هِيَ الَّتِي سَتَرَتْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِي بَيْتِهَا بِأَعْلَى مَكَّةَ وَكَانَتْ هِيَ فِي بَيْتٍ آخَرَ بِمَكَّةَ فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَوَجَدَتْهُ يَغْتَسِلُ فَيَصِحُّ الْقَوْلَانِ وَأَمَّا السِّتْرُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدَهُمَا سَتَرُهُ فِي ابْتِدَاءِ الْغُسْلِ والآخر في أثنائه والله أعلم (وصلى ثمان رَكَعَاتٍ) زَادَ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَذَا أخرجه بن خُزَيْمَةَ أَيْضًا
وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ به في صلاتها موصولة سواء صلى ثمان رَكَعَاتٍ أَوْ أَقَلَّ
وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ بن أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ فَسَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ فَقَالَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ وَرَأَتْ أُمَّ هَانِئٍ بقية الثمان وَهَذَا يُقَوِّي أَنَّهُ صَلَّاهَا مَفْصُولَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
[1292]
(فَقَالَتْ لَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ أَيْ مِنْ سَفَرِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَخَذَ قَوْمٌ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فَلَمْ يَرَوْا صَلَاةَ الضُّحَى وَقَالُوا إِنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ الْفَتْحِ هِيَ سُنَّةُ الْفَتْحِ
قَالَ وَهَذَا التَّأَوُّلُ لَا يَدْفَعُ صَلَاةَ الضُّحَى لِتَوَاتُرِ الرِّوَايَاتِ بِهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَمَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ مَا صَلَّاهَا مُعْلِنًا بِهَا
وَمَذْهَبُ السَّلَفِ الِاسْتِتَارُ بِهَا وَتَرْكُ إِظْهَارِهَا
قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلتَّرْغِيبِ فِيهَا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يُوصِي بِعَمَلٍ إِلَّا وَفِي فِعْلِهِ جَزِيلُ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ انْتَهَى (يَقْرِنُ) أَيْ يَجْمَعُ (بَيْنَ السُّوَرِ) أَيْ بَيْنَ سُوَرِ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ (مِنَ الْمُفَصَّلِ) وَهُوَ السُّبْعُ الْأَخِيرُ مِنَ الْقُرْآنِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَوَّلُهُ سُورَةُ الْحُجُرَاتِ لِأَنَّ سُوَرَهُ قِصَارٌ كُلُّ سُورَةٍ كَفَصْلٍ مِنَ الْكَلَامِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
[1293]
(مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ مَا يُدَاوِمُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ نَفْيًا لِلْمُدَاوَمَةِ لَا لِأَصْلِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا ما صح عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الضُّحَى هِيَ بِدْعَةٌ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالتَّظَاهُرُ بِهَا كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بِدْعَةٌ لَا أَنَّ أَصْلَهَا فِي الْبُيُوتِ وَنَحْوِهَا مَذْمُومٌ
أَوْ يُقَالُ إن بن عُمَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ فِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الضُّحَى وَأَمْرُهُ بِهَا وَكَيْفَ كَانَ فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الضُّحَى (مَا سَبَّحَ) أَيْ مَا صَلَّى (سُبْحَةَ الضُّحَى) بِضَمِّ السِّينِ أَيْ نَافِلَةَ الضُّحَى (وَإِنْ كَانَ) مُخَفَّفَةٌ مِنْ مُثَقَّلَةٍ (لَيَدَعَ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَفَتْحِ الدَّالِ أَيْ يَتْرُكَ (أَنْ يَعْمَلَ بِهِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يَعْمَلَهُ
وَفِيهِ بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأْفَتِهِ بِأُمَّتِهِ
وَفِيهِ إِذَا تَعَارَضَتْ مَصَالِحُ قُدِّمَ أَهَمُّهَا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
[1294]
(فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ صلى الله عليه وسلم أَيْ لِصَلَاةِ الْإِشْرَاقِ أَيْ لِلصَّلَاةِ وَهِيَ الضَّحْوَةُ الصُّغْرَى يُقَالُ لَهَا الْإِشْرَاقُ وَالْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ تَبْوِيبِ الْمُؤَلِّفِ
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَبِالتَّنْوِينِ أَيْ طُلُوعًا حَسَنًا أَيْ مُرْتَفِعَةً
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بنحوه