الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زَكَاتُهُ قَالَ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ جَمْهَرَةٌ عَظِيمَةٌ
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ فِي هَذَا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَعْلَى الطَّائِفِيِّ انْتَهَى
(بَابٌ فِي زَكَاةِ السَّائِمَةِ)
[1567]
أَيِ الْمَوَاشِي الَّتِي تَرْعَى فِي الصَّحْرَاءِ وَالْمَرْعَى
(قَالَ أَخَذْتُ مِنْ ثُمَامَةَ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ صَرَّحَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ بِأَنَّ حَمَّادًا سَمِعَهُ مِنْ ثُمَامَةَ وَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ فَانْتَفَى تَعْلِيلُ مَنْ أَعَلَّهُ بِكَوْنِهِ مُكَاتَبَةً (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَهُ) أَيْ كِتَابًا (لِأَنَسٍ) لِيَعْمَلَ بِهِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْكِتَابِ (حِينَ بَعَثَهُ) أَيْ أَنَسًا (مُصَدِّقًا) هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ حِينَ وَجَّهَ أَنَسًا إِلَى الْبَحْرَيْنِ عَامِلًا عَلَى الصَّدَقَةِ (وَكَتَبَهُ) أَيْ كَتَبَ النَّبِيُّ الْكِتَابَ (لَهُ) أَيْ لِأَنَسٍ (فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ) أَيْ أَوْجَبَ أَوْ شَرَعَ أَوْ قَدَّرَ لِأَنَّ إِيجَابَهَا بِالْكِتَابِ إِلَّا أَنَّ التَّحْدِيدَ وَالتَّقْدِيرَ عَرَفْنَاهُ ببيان النبي (الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ) عَطْفٌ عَلَى الَّتِي عَطْفَ تفسير أي الصدقة التي (فمن سألها) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ طُلِبَهَا (عَلَى وَجْهِهَا) حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ الثَّانِي فِي سُئِلَهَا أَيْ كَائِنَةً عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ بِلَا تَعَدٍّ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ حَسَبَ مَا بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَقَادِيرِهَا (فَلْيُعْطِهَا) أَيِ الصَّدَقَةَ (وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِهِ) يُتَنَاوَلُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ لَا يُعْطِيَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ لَا يُعْطِيَ شَيْئًا مِنْهَا لِأَنَّ السَّاعِيَ إِذَا طَلَبَ فَوْقَ الْوَاجِبِ كَانَ خَائِنًا فَإِذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ سَقَطَتْ طَاعَتُهُ
وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ وَالْحَاكِمَ إِذَا ظَهَرَ فِسْقُهُمَا بَطَلَ حُكْمُهُمَا
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إِخْرَاجِ الْمَرْءِ صَدَقَةَ أَمْوَالِهِ الظَّاهِرَةَ بِنَفْسِهِ دُونَ الْإِمَامِ
وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْأَوْقَاصِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْإِبِلَ إِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ لَمْ يَسْتَأْنِفْ لَهَا الْفَرِيضَةَ لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِغَيْرِ الْفَرْضِ كَالْوَاحِدَةِ بَعْدَ الْخَمْسَةِ وَالثَّلَاثِينَ وَبَعْدَ الْخَمْسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَبَعْدَ كَمَالِ السِّتِّينَ قَالَهُ الخطابي (في
كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ) بِإِضَافَةِ خَمْسٍ إِلَى ذَوْدٍ أَيْ إِبِلٍ وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ (فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ) وَهِيَ الَّتِي مَضَى عَلَيْهَا سِنةٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ وَحَمَلَتْ أُمُّهَا
وَالْمَخَاضُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُعْجَمَةِ الْمُخَفَّفَةِ الْحَامِلُ أَيْ دَخَلَ وَقْتُ حَمْلِهَا وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ (فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ) هُوَ الَّذِي دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ
وَقَوْلُهُ ذَكَرٌ تَأْكِيدٌ لقوله بن لَبُونِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْعُدُولِ إِلَى بن اللَّبُونِ عِنْدَ عَدَمِ بِنْتِ الْمَخَاضِ (فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ) وَهِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا حَوْلَانِ وَصَارَتْ أُمُّهَا لَبُونًا بِوَضْعِ الْحَمْلِ (فَفِيهَا حِقَّةٌ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ هِيَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهَا ثَلَاثُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ (طَرُوقَةُ الْفَحْلِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ مَطْرُوقَةٌ كَحَلُوبَةٍ بِمَعْنَى مَحْلُوبَةٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا بَلَغَتْ أَنْ يَطْرُقَهَا الْفَحْلُ وَهِيَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهَا ثَلَاثُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ (فَفِيهَا جَذَعَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا أَرْبَعُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ (فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ) أَيْ إِذَا زَادَ يُجْعَلُ الْكُلُّ عَلَى عَدَدِ الْأَرْبَعِينَاتِ وَالْخَمْسِينَاتِ مَثَلًا إِذَا زَادَ وَاحِدٌ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ يُعْتَبَرُ الْكُلُّ ثَلَاثَ أَرْبَعِينَاتٍ وَوَاحِدٌ وَالْوَاحِدُ لَا شَيْءَ فِيهِ وَثَلَاثُ أَرْبَعِينَاتٍ فِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ إِلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَفِي ثلاثين ومائة حقة لخمسين وبنتا لبون لأربعينين وَهَكَذَا وَلَا يَظْهَرُ التَّغَيُّرُ إِلَّا عِنْدَ زِيَادَةِ عَشْرٍ (فَإِذَا تَبَايَنَ) أَيِ اخْتَلَفَ الْأَسْنَانُ فِي بَابِ الْفَرِيضَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَفْرُوضُ سِنًّا وَالْمَوْجُودُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمَالِ سِنًّا آخَرَ (فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ)
وَالْمُرَادُ أَنَّ الْحِقَّةَ تُقْبَلُ مَوْضِعَ الْجَذَعَةِ مَعَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَحَمَلَهُ بَعْضٌ عَلَى أَنَّ ذَاكَ تَفَاوُتُ قِيمَةِ مَا بَيْنَ الْجَذَعَةِ وَالْحِقَّةِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ فَالْوَاجِبُ هُوَ تَفَاوُتُ الْقِيمَةِ لَا تَعْيِينُ ذَلِكَ فَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ أَدَاءِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَعْيِينِ ذَلِكَ الْقَدْرِ بِرِضَا صَاحِبِ الْمَالِ وَإِلَّا فَلْيَطْلُبِ السِّنَّ الْوَاجِبَ وَلَمْ يُجَوِّزُوا الْقِيمَةَ (اسْتَيْسَرَتَا لَهُ) أَيْ كَانَتَا مَوْجُودَتَيْنِ فِي
مَاشِيَتِهِ مَثَلًا (وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ) أَيْ صَاحِبِ الْمَالِ (فَإِنَّهَا تُقْبَلُ) مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (مِنْهُ) أَيْ صَاحِبِ الْمَالِ (وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقَ) أَصْلُهُ الْمُتَصَدِّقُ أَيِ الْعَامِلُ عَلَى أَخْذِ الصَّدَقَاتِ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ أَيِ الْعَامِلُ عَلَى أَخْذِ الصَّدَقَاتِ مِنْ أَرْبَابِهَا وهو المراد ها هنا يُقَالُ صَدَقَهُمْ يُصْدِقُهُمْ فَهُوَ مُصْدِقٌ وَأَمَّا الْمُصَّدِّقُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَالدَّالِ مَعًا وَكَسْرِ الدَّالِ فَهُوَ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ وَأَصْلُهُ الْمُتَصَدِّقُ (عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ) أَوْ لِلتَّخْيِيرِ أَيْ فِيهِ خَيَارٌ لِلْمُصَدِّقِ أَيْ إِنْ شَاءَ أَعْطَى عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَإِنْ شاء أعطى شاتين (إلى ها هنا) أَيْ لَمْ أَضْبِطْ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ إِلَّا حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ثُمَّ أَتْقَنْتُ الْبَاقِيَ مِنَ الْحَدِيثِ كَمَا أَحَبَّ (فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ) أَيْ بَدَلًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ قَهْرًا عَلَى السَّاعِي (وَلَيْسَ معه شيء) أي لا يلزمه مع بن لَبُونٍ شَيْءٌ آخَرُ مِنَ الْجُبْرَانِ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَضِيلَةَ الْأُنُوثَةِ تُجْبَرُ بِفَضْلِ السِّنِّ (إِلَّا أَرْبَعٌ) مِنَ الْإِبِلِ (فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغِ النِّصَابَ (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا) فَيَخْرُجُ عَنْهَا نَفْلًا مِنْهُ وَإِلَّا وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ذُكِرَ لِدَفْعِ تَوَهُّمٍ نَشَأَ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ أَنَّ الْمَنْفِيَّ مُطْلَقُ الصَّدَقَةِ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ فَهَذِهِ صَدَقَةُ الْإِبِلِ الْوَاجِبَةُ فُصِّلَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ أَعْيَانِ مَا ذَكَرَ إِلَّا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَجِدِ الْعَيْنَ الْوَاجِبَةَ أَجْزَأَهُ غَيْرُهَا (وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ) سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ آلَةُ الدِّفَاعِ فَكَانَتْ غَنِيمَةً لِكُلِّ طَالِبٍ ثُمَّ الضَّأْنُ وَالْمَاعِزُ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ
وَالسَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَرْعَى فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي الْغَنَمِ إِذَا كَانَتْ سَائِمَةً فأما
الْمَعْلُوفَةُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَلِذَلِكَ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَوَامِلِ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَتْ سَائِمَةً وَأَوْجَبَهَا مَالِكٌ فِي عَوَامِلِ الْبَقَرِ وَنَوَاضِحِ الْإِبِلِ انْتَهَى (فَإِذَا زَادَتْ) وَلَوْ وَاحِدَةً كَمَا فِي كِتَابِ عَمْروِ بْنِ حَزْمٍ (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ) وَلَوْ وَاحِدَةً (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِ مِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ) فِي النَّيْلِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الشَّاةُ الرَّابِعَةُ حَتَّى تَفِيَ أَرْبَعَ مِائَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ إِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ وَاحِدَةٍ وَجَبَتِ الْأَرْبَعُ انْتَهَى
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ أَنْ تَزِيدَ مِائَةً أُخْرَى فَتَصِيرَ أَرْبَعَمِائَةٍ فَيَجِبُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ إِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ وَاحِدَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ انْتَهَى
(هَرِمَةٌ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ هِيَ الْكَبِيرَةُ الَّتِي سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا (وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا أَيْ مَعِيبَةٍ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ الْعَيْبُ وَبِالضَّمِّ الْعَوَرُ (وَلَا تَيْسُ الْغَنَمِ) بِتَاءٍ فَوْقِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَهُوَ فَحْلُ الْغَنَمِ (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ) اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ وَالْمُرَادُ الْمَالِكُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ
وَتَقْدِيرُ الْحَدِيثِ لَا تُؤْخَذُ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَيْبٍ أَصْلًا وَلَا يُؤْخَذُ التَّيْسُ وَهُوَ فَحْلُ الْغَنَمِ إِلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ لِكَوْنِهِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَفِي أَخْذِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إِضْرَارٌ بِهِ وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُخْتَصٌّ بِالثَّالِثِ
وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَهُوَ السَّاعِي وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ فِي اجْتِهَادِهِ لِكَوْنِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْوَكِيلِ فَلَا يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ الْمَصْلَحَةِ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَفْظُهُ وَلَا تُؤْخَذُ ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ وَلَا هَرِمَةٌ إِلَّا أَنْ يَرَى الْمُصَدِّقُ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِلْمَسَاكِينِ فَيَأْخُذُ عَلَى النَّظَرِ لَهُمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَلَا يَجْمَعْ بَيْنَ مُفْتَرَقٍ إِلَخْ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَعْنَى هَذَا أَنْ يَكُونَ النَّفَرُ الثَّلَاثَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَيَجْمَعُونَهَا حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ إِلَّا شَاةً وَاحِدَةً أَوْ يَكُونَ لِلْخَلِيطَيْنِ مِائَتَا شَاةٍ وَشَاةٌ فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَيُفَرِّقُونَهَا حَتَّى لَا يَكُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَّا شَاةً وَاحِدَةً
قَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ خِطَابٌ لِلْمَالِكِ مِنْ جِهَةٍ وَلِلسَّاعِي مِنْ جِهَةٍ فَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ لَا يُحْدِثَ شَيْئًا من الجمع والتفريق خشية الصدقة قرب الْمَالِ يَخْشَى أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ فَيَجْمَعُ أَوْ يُفَرِّقُ لِتَقِلَّ وَالسَّاعِي يَخْشَى أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ فَيَجْمَعُ أَوْ يُفَرِّقُ لِتَكْثُرَ
فَمَعْنَى قَوْلِهِ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ أَيْ خَشْيَةَ أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ أَوْ خَشْيَةَ أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ فَلَمَّا كَانَ مُحْتَمِلًا
لِلْأَمْرَيْنِ لَمْ يَكُنِ الْحَمْلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَحَمَلَ عَلَيْهِمَا مَعًا لَكِنَّ الْأَظْهَرَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَالِكِ
ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ) أَيْ شَرِيكَيْنِ (فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي الْإِبِلِ يَجِبُ فِيهَا الْغَنَمُ فَتُوجَدُ الْإِبِلُ فِي أَيْدِي أَحَدِهِمَا فَتُؤْخَذُ مِنْهُ صَدَقَتُهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ عَلَى السَّوِيَّةِ
وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ إِذَا ظَلَمَ فَأَخَذَ زِيَادَةً عَلَى فَرْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجَعُ بِهَا عَلَى شَرِيكِهِ وَإِنَّمَا يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ مَا يَخُصُّهُ مِنَ الْوَاجِبِ دُونَ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ ظُلْمٌ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِالسَّوِيَّةِ
وَقَدْ يَكُونُ تَرَاجُعُهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرُونَ قَدْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنَ مَالِهِ فَيَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنْ نُصِيبِ أَحَدِهِمَا شَاةً فَيَرْجِعُ الْمَأْخُوذُ مِنْ مَالِهِ عَلَى شَرِيكِهِ بِقِيمَةِ نِصْفِ شَاتِهِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُلْطَةَ تَصِحُّ مَعَ تَعَيُّنِ أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ
وقد روي عن عطاء وطاووس أَنَّهُمَا قَالَا إِذَا عَرَفَ الْخَلِيطَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَمْوَالَهُمَا فَلَيْسَا بِخَلِيطَيْنِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي شَرْطِ الْخَلِيطَةِ
فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ الرَّاعِي وَالْمَرَاحُ وَالْفَحْلُ وَاحِدًا فَهُمَا خَلِيطَانِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ
وَقَالَ مَالِكٌ فَإِنْ فَرَّقَهُمَا الْمَبِيتُ هَذِهِ فِي قَرْيَةٍ وَهَذِهِ فِي قَرْيَةٍ فَهُمَا خَلِيطَانِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَرَاحِ فَلَيْسَا بِخَلِيطَةٍ وَاشْتَرَطَ فِي الْخُلْطَةِ الْمَرَاحَ وَالْمَسْرَحَ وَالسَّقْيَ وَاخْتِلَاطَ الْفُحُولَةِ وَقَالَ إِذَا افْتَرَقَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ فَلَيْسَا بِخَلِيطَيْنِ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَا يَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمَامُ النصاب
وعند الشافعي إذا تم مالهما نصاب فَهُمَا خَلِيطَانِ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا) أَيْ فَيُعْطِي شَيْئًا تَطَوُّعًا (وَفِي الرِّقَةِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ الفضة الخالصة مضروبة كانت أولا أَصْلُهُ وَرِقٌ وَهُوَ الْفِضَّةُ حَذَفَ مِنْهُ الْوَاوَ وَعَوَّضَ عَنْهَا التَّاءَ كَمَا فِي عِدَةٍ وَدِيَةٍ (رُبْعُ الْعُشْرِ) بِضَمِّ الْأَوَّلِ وَسُكُونِ الثَّانِي وَضَمِّهِمَا فِيهِمَا يَعْنِي إِذَا كَانَتِ الْفِضَّةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَرُبْعُ الْعُشْرِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ (إِلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً) مِنَ الدَّرَاهِمِ
وَالْمَعْنَى إِذَا كَانَتِ الْفِضَّةُ نَاقِصَةً عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ
قَالَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَة الْمُنْذِرِيِّ بِنَصِّهَا إِلَى قَوْل الشَّافِعِيّ وَبِهِ نَأْخُذ
المنذري أخرجه النسائي وأخرجه البخاري وبن مَاجَهْ
[1568]
(مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ وَقَدْ تَنَازَعَ فِيهِ الْفِعْلَانِ يَجْمَعُ وَيُفَرِّقُ وَالْمَخَافَةُ مَخَافَتَانِ مَخَافَةُ السَّاعِي أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ وَمَخَافَةُ رَبِّ الْمَالِ أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ فَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ لَا يُحْدِثَ شَيْئًا مِنَ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ مَخَافَةَ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ أَوْ كَثْرَتِهَا إِنْ رَجَعَ لِلْمَالِكِ وَمَخَافَةَ سُقُوطِ الصَّدَقَةِ أَوْ قِلَّتِهَا إِنْ رَجَعَ إِلَى السَّاعِي
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ النَّهْيُ لِلسَّاعِي عَنْ جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَةِ مِثْلُ أَنْ يَجْمَعَ أَرْبَعِينَ شَاةً لِرَجُلَيْنِ لِأَخْذِ الصَّدَقَةِ وَتَفْرِيقِ الْمُجْتَمِعَةِ مِثْلُ أَنْ يُفَرِّقَ مِائَةً وَعِشْرِينَ لِرَجُلٍ أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ لِيَأْخُذَ ثَلَاثَ شِيَاهٍ
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَالنَّهْيُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَجْمَعَ أَرْبَعِينَهُ مَثَلًا إِلَى أَرْبَعِينَ لِغَيْرِهِ لِتَقْلِيلِ الصَّدَقَةِ وَأَنْ يُفَرِّقَ عِشْرِينَ لَهُ مَخْلُوطَةً بِعِشْرِينَ لِغَيْرِهِ لِسُقُوطِهَا وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ هَذَا نَهْيٌ لِلْمَالِكِ وَالسَّاعِي جَمِيعًا نَهْي رَبَّ الْمَالِ عَنِ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ قَصْدًا إِلَى تَكْثِيرِ الصَّدَقَةِ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَيَتَأَتَّى هَذَا فِي صُوَرٍ أَرْبَعٍ أَشَارَ إِلَيْهَا الْقَاضِي بِقَوْلِهِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ نَهْي لِلْمَالِكِ
عَنِ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ قَصْدًا إِلَى سُقُوطِ الزَّكَاةِ أَوْ تَقْلِيلِهَا
كَمَا إِذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَيَخْلِطُهَا بِأَرْبَعِينَ لِغَيْرِهِ لِيَعُودَ وَاجِبُهُ مِنْ شَاةٍ إِلَى نِصْفِهَا وَكَمَا إِذَا كَانَ لَهُ عِشْرُونَ مَخْلُوطَةٌ بِمِثْلِهَا فَفَرَّقَهَا لِئَلَّا يَكُونَ نِصَابًا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ نُهِيَ السَّاعِي أَنْ يُفَرِّقَ الْمَوَاشِي عَلَى الْمَالِكِ فَيَزِيدَ الْوَاجِبُ كَمَا إِذَا كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً وَوَاجِبُهَا شَاةٌ فَفَرَّقَهَا السَّاعِي أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ لِيَأْخُذَ ثَلَاثَ شِيَاهٍ وَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ لِتَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ تَزِيدَ كَمَا إِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً متفرقة فجمعها الساعي ليأخذ شاة أو كان لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِيَصِيرَ الْوَاجِبُ ثَلَاثَ شِيَاهٍ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرِ الْخُلْطَةَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا تَأْثِيرًا كَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ يُعَضِّدُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَقَوْلُهُ بِالسَّوِيَّةِ أَيْ بِالْعَدَالَةِ بِمُقْتَضَى الْحِصَّةِ فَيَشْمَلُ أَنْوَاعَ المشاركة
قال بن الْمَلَكِ مِثْلُ أَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسُ إِبِلٍ فَأَخَذَ السَّاعِي وَهِيَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا شَاةٌ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ عَلَى السَّوِيَّةِ وَبَاقِي بَيَانِهِ تَقَدَّمَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الترمذي وبن مَاجَهْ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَدْ رَوَى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَإِنَّمَا رَفَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ هَذَا كَلَامُهُ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ إِلَّا أَنَّ حَدِيثَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ تَابَعَ سُفْيَانَ بْنَ حُسَيْنٍ عَلَى رَفْعِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَهُوَ مِمَّنِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ صَدُوقٌ (وَلَمْ يَذْكُرِ الزُّهْرِيُّ الْبَقَرَ) أَيْ تَقْسِيمَ الْبَقَرِ أَثْلَاثًا كَمَا ذَكَرَ فِي الشَّاةِ
[1569]
(بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ) أَيْ بِإِسْنَادِ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ وَمَعْنَى حَدِيثِهِ إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ الْوَاسِطِيَّ زَادَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي رِوَايَتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي رِوَايَةِ عَبَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ (وَلَمْ يَذْكُرْ) مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ (كَلَامَ الزُّهْرِيِّ) مِنْ تَقْسِيمِ الشاء أَثْلَاثًا كَمَا ذَكَرَهُ عَبَّادٌ عَنْ سُفْيَانَ وَاللَّهُ أعلم
[1570]
(الَّذِي كَتَبَهُ) أَيِ الْكِتَابَ (فِي الصَّدَقَةِ وَهِيَ) أَيِ النُّسْخَةُ (فَوَعَيْتُهَا) أَيْ حَفِظْتُ النُّسْخَةَ (وَهِيَ) أَيِ النُّسْخَةُ (فَذَكَرَ) أَيِ الزُّهْرِيُّ (الْحَدِيثَ) مِثْلَ حَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ (فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ) الْحِقَّةُ عَنْ خَمْسِينَ وَبِنْتَا اللَّبُونِ عَنْ ثَمَانِينَ وَكَذَلِكَ إِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ عَنْ مِائَةٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ عَنْ أَرْبَعِينَ وَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَفِيهِ ثَلَاثُ حِقَاقٍ عَنْ كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَسِتِّينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ عَنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ وَاحِدَةٌ وَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَسَبْعِينَ فَفِيهَا ثلاث بنات لبون عن مائة وعشرين حقة عَنْ خَمْسِينَ وَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَثَمَانِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ عَنْ مِائَةٍ وَابْنَتَا لَبُونٍ عَنْ ثَمَانِينَ وَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَتِسْعِينَ فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ عَنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَبِنْتُ لَبُونٍ عَنْ أَرْبَعِينَ وَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ عَنْ كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ عَنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ وَاحِدَةٌ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِيهِ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ مَعْنَاهُ مِثْلُ هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إِلَّا أَنَّهُ مُجْمَلٌ وَهَذَا مُفَصَّلٌ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ هَذِهِ عَنْ سَالِمٍ مُرْسَلَةٌ (ثَلَاثُ حِقَاقٍ) جَمْعُ حِقَّةٍ (فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لبون) أو ها هنا لِلتَّخْيِيرِ لِتَوَافُقِ حِسَابِ الْأَرْبَعِينَاتِ
وَالْخَمْسِينَاتِ (أَيِ السِّنِينَ) مِنْ بَنَاتِ اللَّبُونِ وَالْحِقَاقِ (أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ) رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ بِفَتْحِ الدَّالِ وَهُوَ الْمَالِكُ وَجُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ بِكَسْرِهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ يَخْتَصُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ وَلَا تَيْسٌ إِذْ لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يُخْرِجَ ذَاتَ عَوَرٍ فِي صَدَقَتِهِ وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَامِلَ يَأْخُذُ مَا شَاءَ مِمَّا يَرَاهُ أَصْلَحَ وَأَنْفَعَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَإِنَّهُ وَكَيْلُهُمْ
[1571]
(قَوْلُ عُمَرَ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ (هُوَ أَنْ يَكُونَ) خَبَرُهُ (لِكُلِّ رَجُلٍ) مِنَ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ (أَرْبَعُونَ شَاةً) قَدْ وَجَبَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي غَنَمِهِمُ الصَّدَقَةُ (فَإِذَا أَظَلَّهُمْ) بِظَاءٍ مُعْجَمَةٍ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ (إِلَّا شَاةٌ) وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا وَاجِبُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَنُهُوا عَنْ تَقْلِيلِ الصَّدَقَةِ (مِائَةُ شَاةٍ) بِإِضَافَةِ مِائَةٍ إِلَى الشَّاةِ (وَشَاةٌ) وَاحِدَةٌ (إِلَّا شَاةٌ) وَاحِدَةٌ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ (سَمِعْتُ فِي) تَفْسِيرِ (ذَلِكَ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
[1572]
(قَالَ زُهَيْرٌ أَحْسَبُهُ) أَيْ أَظُنُّ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا لَا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (هَاتُوا) أَيْ آتُوا فِي كُلِّ حَوْلٍ (رُبُعَ الْعُشُورِ) مِنَ الْفِضَّةِ (دِرْهَمًا) نُصِبَ عَلَى التَّمَيُّزِ (دِرْهَمٌ) بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (عَلَيْكُمْ شَيْءٌ) مِنَ الزَّكَاةِ (حَتَّى تَتِمَّ) بِالتَّأْنِيثِ أَيْ تَبْلُغَ الرِّقَةُ أَوِ الدَّرَاهِمُ (مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) نَصَبَهُ عَلَى الْحَالِيَّةِ أَيْ بَالِغَةَ مِائَتَيْنِ (فَإِذَا كَانَتِ
الدَّرَاهِمُ (فَفِيهَا) أَيْ حِينَئِذٍ (فَمَا زَادَ) أَيْ عَلَى أَقَلِّ نِصَابٍ (فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصَابِ مَحْسُوبٌ عَلَى صَاحِبِهِ ومأخوذ منه الزكاة بحصته
انتهى
قال بن الْمَلَكِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الزَّائِدِ عَلَى النِّصَابِ بِقَدْرِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا زَكَاةَ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا انْتَهَى (فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ) إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَشَاتَانِ إِلَى مِائَتَيْنِ فَإِنْ زَادَتْ فَثَلَاثُ شِيَاهٍ إِلَى ثَلَاثمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) رُوِيَ بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ (إِلَّا تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ) مِنَ الْغَنَمِ (فَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهَا شَيْءٌ) لِأَنَّهَا لم تبلغ النصاب (تبيع) أي ماله سَنَةٌ وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ بَعْدُ وَالْأُنْثَى تَبِيعَةٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّ الْعِجْلَ مَا دَامَ يَتْبَعُ أُمَّهُ فَهُوَ تَبِيعٌ إِلَى تَمَامِ سَنَةٍ ثُمَّ هُوَ جَذَعٌ ثُمَّ ثَنِيٌّ ثُمَّ رَبَاعٌ ثُمَّ سُدُسٌ وَسَدِيسٌ ثُمَّ صَالِغٌ وَهُوَ المسن انتهى (مسنة) أي ماله سَنَتَانِ وَطَلَعَ سِنُّهَا
حَكَى فِي النِّهَايَةِ عَنِ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّ الْبَقَرَ وَالشَّاةَ يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمُسِنِّ إِذَا كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ
وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُسِنَّةِ فِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْمُسِنُّ
وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ أَوْ مُسِنٌّ انْتَهَى (وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ بَيَانُ فَسَادِ قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ فِيهَا الصَّدَقَةَ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَقَرَ إِذَا زَادَتْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ سِتِّينَ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ أُتِيَ بِوَقْصِ الْبَقَرِ فَلَمْ يَأْخُذْهُ
وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَبِحِسَابِهِ انْتَهَى
وَحَدِيثُ مُعَاذٍ فِي الْأَوْقَاصِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (مَا سَقَتْهُ الْأَنْهَارُ) مَوْصُولَةٌ (وَسَقَتِ السَّمَاءُ) أَيْ مَاءُ الْمَطَرِ (وَمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ نِصْفُ الْعُشْرِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْغَرْبُ الدَّلْوُ الْكَبِيرُ يُرِيدُ ما سقي بالسواني وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا سُقِيَ بِالدَّوَالِيبِ لِأَنَّ مَا عَمَّتْ مَنْفَعَتُهُ وَخَفَّتْ مُؤْنَتُهُ كَانَ أَحْمَلَ لِلْمُوَاسَاةِ فَوَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ تَوْسِعَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ وَجَعَلَ فِيمَا كَثُرَتْ مُؤْنَتُهُ نِصْفَ الْعُشْرِ رِفْقًا بأهل الأموال
انتهى قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ طَرَفًا مِنْهُ
(قَالَ مَرَّةً) أَيْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي كُلِّ سَنَةٍ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قال بن حزم حديث علي هذا رواه بن وَهْب عَنْ جَرِير بْن حَازِم عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَاصِم بْن ضَمْرَة وَالْحَارِث الْأَعْوَر قرن فيه أبو إسحاق بين عاصم والحرث وَالْحَارِث كَذَّاب وَكَثِير مِنْ الشُّيُوخ يَجُوز عَلَيْهِ مِثْل هَذَا وَهُوَ أَنَّ الْحَارِث أَسْنَدَهُ وَعَاصِم لَمْ يُسْنِدهُ فَجَمَعَهُمَا جَرِير وَأَدْخَلَ حَدِيث أَحَدهمَا فِي الْآخَر وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَة وَسُفْيَان وَمَعْمَر عن أبي إسحاق عن عاصم من عَلِيّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ كُلّ ثِقَة رَوَاهُ عَنْ عَاصِم إِنَّمَا وَقَفَهُ عَلَى عَلِيّ فَلَوْ أَنَّ جَرِيرًا أَسْنَدَهُ عَنْ عَاصِم وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَخَذْنَا بِهِ
هَذِهِ حِكَايَة عَبْد الْحَقّ الْإِشْبِيلِيّ عن بن حَزْم وَقَدْ رَجَعَ عَنْ هَذَا فِي كِتَابه الْمُحَلَّى فَقَالَ فِي آخِر الْمَسْأَلَة ثُمَّ اِسْتَدْرَكْنَا فَرَأَيْنَا أَنَّ حَدِيث جَرِير بْن حَازِم مُسْنَد صَحِيح لَا يَجُوز خِلَافه وَأَنَّ الِاعْتِلَال فِيهِ بِأَنَّ أَبَا إِسْحَاق أَوْ جَرِيرًا خَلَطَ إِسْنَاد الْحَدِيث بِإِرْسَالِ عَاصِم هُوَ الظَّنّ الْبَاطِل الَّذِي لَا يَجُوز وَمَا عَلَيْنَا فِي مُشَارَكَة الْحَارِث لِعَاصِمٍ وَلَا لِإِرْسَالِ مَنْ أَرْسَلَهُ وَلَا لِشَكِّ زُهَيْر فِيهِ وَجَرِير ثِقَة
فَالْأَخْذ بِمَا أُسْنِدَ لَازِم تَمَّ كَلَامه
وَقَالَ غَيْره هَذَا التَّعْلِيل لَا يَقْدَح فِي الْحَدِيث فَإِنَّ جَرِيرًا ثِقَة وَقَدْ أَسْنَدَهُ عَنْهُمَا وَقَدْ أَسْنَدَهُ أَيْضًا أَبُو عَوَانَة عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَاصِم بْن ضَمْرَة عَنْ عَلِيّ وَلَمْ يَذْكُر الْحَوْل ذَكَرَ حَدِيثه التِّرْمِذِيّ وَأَبُو عَوَانَة ثِقَة وَقَدْ رَوَى حَدِيث لَيْسَ فِي مَال زَكَاة حَتَّى يَحُول عَلَيْهِ الْحَوْل مِنْ حَدِيث عَائِشَة بِإِسْنَادٍ صَحِيح
قَالَ مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن المنادي حَدَّثْنَا أَبُو زَيْد شُجَاع بْن الْوَلِيد حَدَّثَنَا حَارِثَة بْن مُحَمَّد عَنْ عَمْرَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُول لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يَحُول عَلَيْهِ الْحَوْل رَوَاهُ أَبُو الْحُسَيْن بْن بشران عن عثمان بن السماك عن بن المنادي
[1573]
(وسمى آخر) أي سمى بن وَهْبٍ مَعَ جَرِيرٍ رَجُلًا آخَرَ (فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) أَيْ رُبُعُ عُشْرِهَا (إِلَّا أَنَّ جَرِيرًا قال بن وَهْبٍ يَزِيدُ) لَفْظُ جَرِيرٍ اسْمُ إِنَّ وَجُمْلَةُ يزيد خبر إن وقال بن وَهْبٍ هُوَ مُدْرَجٌ بَيْنَ اسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهِ (حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمَالَ النَّامِيَ كَالْمَوَاشِي وَالنُّقُودِ لِأَنَّ نَمَاهَا لَا يَظْهَرُ إِلَّا بِمُدَّةِ الْحَوْلِ عَلَيْهَا
فَأَمَّا الزَّرْعُ وَالثِّمَارُ فَإِنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهَا الْحَوْلَ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى وَقْتِ إِدْرَاكِهَا وَاسْتِحْصَادِهَا فَيُخْرِجُ الْحَقَّ مِنْهُ
وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَوَائِدِ وَالْأَرْبَاحِ يُسْتَأْنَفُ بِهَا الْحَوْلُ وَلَا يُبْنَى عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّصَابَ إِذَا نَقَصَ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ وَلَمْ يُوجَدْ كَامِلًا مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ إِلَى آخِرِهِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النِّصَابَ إِذَا وُجِدَ كَامِلًا فِي طَرَفَيِ الْحَوْلِ وَإِنْ نَقَصَ فِي خِلَالِهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي الْعُرُوضِ الَّتِي هِيَ لِلتِّجَارَةِ أَنَّ الِاعْتِبَارِ إِنَّمَا هُوَ لِنَظَرٍ فِي الْحَوْلِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ أَمْرِهَا فِي خِلَالِ السَّنَةِ
انْتَهَى
قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ إِلَّا قَوْلَهُ فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ
قَالَ فَلَا أَدْرِي أَعَلَيَّ يَقُولُ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ أَوْ يَرْفَعُهُ إِلَى النبي وَإِلَّا قَوْلَهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَأَفَادَ كَلَامُ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ فِي رَفْعِهِ بِجُمْلَتِهِ اخْتِلَافًا
وَنَبَّهَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ عَلَى أَنَّهُ مَعْلُولٌ وَبَيَّنَ عِلَّتَهُ وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْجُمْلَةَ الْآخِرَةَ مِنْ حديث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا زَكَاةَ فِي مَالِ امْرِئٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا لَيْسَ فِي الْمَالِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ
وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى انتهى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ حَدَّثَنَا بن وَهْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَسَمَّى آخَرَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ والحارث عن علي ونبه بن الْمَوَّاقِ عَلَى عِلَّةٍ خَفِيَّةٍ فِيهِ وَهِيَ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ وَالْحَارِثَ بْنَ نَبْهَانَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِمَارَةٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَذَكَرَهُ قال بن الْمَوَّاقِ وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى سُلَيْمَانَ شَيْخِ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّهُ وَهِمَ فِي إِسْقَاطِ رَجُلٍ انْتَهَى
وَقَوْلُهُ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ أَسْنَدَهُ زَيْدُ بْنُ حِبَّانَ الرَّقِّيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِسَنَدِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَهُوَ إِجْمَاعٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا كَثِيرًا
وَفِي شَرْحِ الدَّمِيرِيِّ أَنَّ كُلَّ دِرْهَمٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ وَكُلَّ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَالْمِثْقَالُ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ
قَالَ وَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هَذَا
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ مِنَ الْقُرُوشِ الْمَوْجُودَةِ عَلَى رَأْيِ بَعْضٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قِرْشًا وَعَلَىِ رَأْي الشَّافِعِيَّةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَعَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ عِشْرُونَ وَتَزِيدُ قَلِيلًا وَإِنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ عِنْدَ بَعْضٍ خَمْسَ عَشَرَ أَحْمَرَ وَعِشْرِينَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
ثُمَّ قَالَ وَهَذَا تَقْرِيبٌ
قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ إِنَّ قَدْرَ زَكَاةِ الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ رُبُعُ الْعُشْرِ هُوَ إِجْمَاعٌ
وَقَوْلُهُ فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ فِي رَفْعِهِ خِلَافًا وَعَلَى ثُبُوتِهِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الزَّائِدِ وَقَالَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنِ بن عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَفِيهِ أَيِ الزَّائِدِ رُبُعُ الْعُشْرِ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَأَنَّهُ لَا وَقَصَ فِيهِمَا وَلَعَلَّهُمْ يَحْمِلُونَ حَدِيثَ جَابِرٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ مسلم بلفظ وليس فيما دون خمس أواقي صَدَقَةٌ عَلَى مَا إِذَا انْفَرَدَتْ عَنْ نِصَابٍ مِنْهُمَا لَا إِذَا كَانَتْ مُضَافَةً إِلَى نِصَابٍ مِنْهُمَا
وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَمَّا الْحُبُوبُ فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِنَّهُمْ أَجْمَعُوا فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَنَّهَا تَجِبُ زَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ وَأَنَّهُ لَا أَوْقَاصَ فِيهَا انْتَهَى وَحَمَلُوا حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ من تمر ولا حب صدقة على مالم يَنْضَمَّ إِلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَهَذَا يُقَوِّي مَذْهَبَ علي وبن عُمَرَ رضي الله عنهما الَّذِي قَدَّمْنَا فِي النَّقْدَيْنِ
وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا وَفِيهِ حُكْمُ نِصَابِ الذَّهَبِ وَقَدْرُ زَكَاتِهِ وَأَنَّهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ وَهُوَ أَيْضًا رُبُعُ عُشْرِهَا وَهُوَ عَامٌّ لِكُلِّ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ مَضْرُوبَيْنِ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ لَا يَحِلُّ فِي الْوَرِقِ زَكَاةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَ أَوَاقٍ
وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ
وَأَمَّا الذَّهَبُ فَفِيهِ هَذَا الحديث
ونقل الحافظ بن حَجَرٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ
أَنَّهُ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْوَرِقِ صَدَقَةً فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ فِي الذَّهَبِ صَدَقَةً إِمَّا بِخَبَرٍ لَمْ يَبْلُغْنَا وإما قياسا
وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الذَّهَبِ شَيْءٌ مِنْ جِهَةِ نَقْلِ الْآحَادِ الثِّقَاتِ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
قَالَ صَاحِبُ السُّبُلِ قُلْتُ لَكِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله الْآيَةَ مُنَبِّهٌ عَلَى أَنَّ فِي الذَّهَبِ حَقًّا لله
وأخرج البخاري وأبو داود وبن المنذر وبن أبي حاتم وبن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ما مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُمَا إِلَّا جُعِلَتْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ وَأُحْمِيَ عَلَيْهَا الْحَدِيثَ
فَحَقُّهَا هُوَ زَكَاتُهَا
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا سَرَدَهَا فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ
وَلَا بُدَّ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ أَنْ يَكُونَا خَالِصَيْنِ مِنَ الْغِشِّ
وَفِي شَرْحِ الدَّمِيرِيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْغِشُّ يُمَاثِلُ أُجْرَةَ الضَّرْبِ وَالتَّخْلِيصِ فَيُتَسَامَحُ بِهِ وَبِهِ عَمِلَ النَّاسُ عَلَى الْإِخْرَاجِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ السُّبُلِ
[1574]
(قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ) أَيْ تَرَكْتُ لَكُمْ أَخْذَ زَكَاتِهَا وَتَجَاوَزْتُ عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ إِذَا كَانَتْ لِلرُّكُوبِ وَالْخِدْمَةِ فَأَمَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهَا
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِي الْخَيْلِ فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِيهَا صَدَقَةٌ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْخَيْلِ الْإِنَاثِ وَالذُّكُورِ الَّتِي يَطْلُبُ مِنْهَا نَسْلُهَا فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ فَإِنْ شِئْتَ قَوَّمْتَهَا دَرَاهِمَ فَجَعَلْتَ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا
قُلْتُ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ تَطَوَّعُوا بِهِ لَمْ يُلْزِمْهُمْ عُمَرُ إِيَّاهُ
رَوَى مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ عَرَضُوهُ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَأَبَى ثُمَّ كَلَّمُوهُ فَأَبَى ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنْ أَحَبُّوا فَخُذْهَا مِنْهُمْ وَارْدُدْهُمْ عَلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ رَقِيقَهُمُ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَفِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ وَتَمَسَّكَ أَيْضًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ عَامِلَهُ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الْخَيْلِ
وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ أَفْعَالَ الصَّحَابَةِ وَأَقْوَالَهُمْ لَا حُجَّةَ فِيهَا لَا سِيَّمَا بَعْدَ إِقْرَارِ عُمَرَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ لَمْ يَأْخُذَا الصَّدَقَةَ مِنَ الْخَيْلِ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ عُمَرَ وَجَاءَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالُوا إِنَّا قَدْ أَصَبْنَا أَمْوَالًا خَيْلًا وَرَقِيقًا نُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَنَا فِيهَا زَكَاةٌ وَطَهُورٌ
قَالَ مَا فعله
صَاحِبَايَ قَبْلِي فَأَفْعَلُهُ وَاسْتَشَارَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ الْحَدِيثَ
وَقَدِ احْتَجَّ بِظَاهِرِ حَدِيثِ الْبَابِ الظَّاهِرِيَّةُ فَقَالُوا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ لَا لِتِجَارَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا وَأُجِيبَ عَنْهُمْ بِأَنَّ زَكَاةَ التجارة ثابتة بالإجماع كما نقله بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ فَيَخُصُّ بِهِ عُمُومَ هَذَا الْحَدِيثِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْفِضَّةِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى ذَلِكَ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ زَكَاتَهَا رُبُعُ الْعُشْرِ وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي زَكَاةِ الْفِضَّةِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ أَيْضًا وَعَلَى أَنَّهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ (فَهَاتُوا) أَيْ آتُوا (صَدَقَةَ الرِّقَةِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ أَصْلُهَا الْوَرِقُ حُذِفَتِ الْوَاوُ وَعَوَّضَ مِنْهَا الْهَاءُ كَعِدَةٍ وزنة وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ (كَمَا قَالَ أَبُو عَوَانَةَ) أَيْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ وَرَوَاهُ شَيْبَانُ وَإِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ وَأَمَّا زُهَيْرٌ فَجَمَعَ بَيْنَ عَاصِمٍ وَالْحَارِثِ (رَوَى حَدِيثَ النُّفَيْلِيِّ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ وَحَدِيثُهُ قَبْلَ هَذَا بِحَدِيثَيْنِ (شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ وغيرهما رووه عن أبي إسحاق لكنه لَمْ يَرْفَعُوهُ بَلْ جَعَلُوهُ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه
وَأَمَّا زُهَيْرٌ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ رَفَعُوهُ إِلَى النبي
[1575]
(عَنْ بَهْزٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وبالزاي (بن حَكِيمٍ) بْنِ مُعَاوِيَةَ وَبَهْزٌ تَابِعِيٌّ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ شَيْخٌ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله إِنَّمَا أَسْقَطَ الصَّدَقَة مِنْ الْخَيْل وَالرَّقِيق إِذَا كَانَتْ لِلرُّكُوبِ وَالْخِدْمَة فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ فَفِيهِ الزَّكَاة فِي قِيمَتهَا
مَا تَرَكَهُ عَالِمٌ قَطُّ (عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ صَحَابِيٌّ (فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ) تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ بِنْتَ اللَّبُونِ تَجِبُ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْأَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ هُنَا مُطْرَحٌ زِيَادَةً وَنُقْصَانًا لِأَنَّهُ عَارَضَهُ الْمَنْطُوقُ الصَّرِيحُ وَهُوَ حَدِيثُ أَنَسٍ (لَا يُفَرِّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا) مَعْنَاهُ أن الملك لَا يُفَرِّقُ مِلْكَهُ عَنْ مِلْكِ غَيْرِهِ حَيْثُ كَانَا خَلِيطَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوِ الْمَعْنَى تَحَاسَبَ الْكُلُّ فِي الْأَرْبَعِينَ وَلَا يُتْرَكُ هُزَالٌ وَلَا سَمِينٌ وَلَا صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ نَعَمُ الْعَامِلُ لَا يَأْخُذُ إِلَّا الْوَسَطَ (مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا بِهَا) أَيْ قَاصِدًا لِلْأَجْرِ بِإِعْطَائِهَا (وَشَطْرَ مَالِهِ) اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ لَفْظِ شَطْرٍ وَإِعْرَابِهِ فَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ هُوَ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي آخِذُوهَا وَالْمُرَادُ مِنَ الشَّطْرِ الْبَعْضُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ بِأَخْذِ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ عَلَى مَنْعِهِ إِخْرَاجَ الزَّكَاةِ
وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ شُطِّرَ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ فِعْلٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَمَعْنَاهُ جُعِلَ مَالُهُ شَطْرَيْنِ يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ الصَّدَقَةَ مِنْ أَيِّ الشَّطْرَيْنِ أراد
قال الإمام بن الْأَثِيرِ قَالَ الْحَرْبِيُّ غَلِطَ الرَّاوِي فِي لَفْظِ الرِّوَايَةِ إِنَّمَا هُوَ وَشُطِّرَ مَالُهُ أَيْ يُجْعَلُ مَالُهُ شَطْرَيْنِ وَيَتَخَيَّرُ عَلَيْهِ الْمُصَدِّقُ فَيَأْخُذُ الصَّدَقَةَ مِنْ غَيْرِ النِّصْفَيْنِ عُقُوبَةً لِمَنْعِهِ الزَّكَاةَ فَأَمَّا لَا تَلْزَمُهُ فَلَا
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي قَوْلِ الْحَرْبِيِّ لَا أَعْرِفُ هَذَا الْوَجْهَ وَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ يَقَعُ بَعْضُ الْعُقُوبَاتِ فِي الْأَمْوَالِ ثُمَّ نُسِخَ وَلَهُ فِي الْحَدِيثِ نَظَائِرُ وَقَدْ أَخَذَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَعَمِلَ بِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ مَنْ مَنَعَ زَكَاةَ مَالِهِ أُخِذَتْ مِنْهُ وَأُخِذَ شَطْرُ مَالِهِ عُقُوبَةً عَلَى مَنْعِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ
وَقَالَ فِيِ الْجَدِيدِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إِلَّا الزَّكَاةُ لَا غَيْرُ وَجَعَلَ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخًا وَقَالَ كَانَ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَتِ الْعُقُوبَاتُ فِي الْمَالِ ثُمَّ نُسِخَتْ
وَمَذْهَبُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ أَنْ لَا وَاجِبَ عَلَى مُتْلِفِ الشَّيْءِ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ حَدِيثُ بَهْزٍ هَذَا مَنْسُوخٌ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الَّذِي ادَّعَوْهُ مِنْ كَوْنِ الْعُقُوبَةِ كَانَتْ بِالْأَمْوَالِ فِي الْأَمْوَالِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَا مَعْرُوفٍ وَدَعْوَى النَّسْخِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّارِيخِ
وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مَا أَجَابَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي سِيَاقِ هَذَا الْمَتْنِ لَفْظُهُ وَهِمَ فِيهَا الرَّاوِي وَإِنَّمَا هُوَ فَإِنَّا آخِذُوهَا مِنْ شَطْرِ مَالِهِ أَيْ نَجْعَلُ مَالَهُ شَطْرَيْنِ فَيَتَخَيَّرُ عَلَيْهِ الْمُصَدِّقُ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَةَ مِنْ خَيْرِ الشَّطْرَيْنِ عُقُوبَةً لِمَنْعِ الزَّكَاةِ فأما ما لا تلزمه فلا
نقله بن الْجَوْزِيِّ فِي جَامِعِ الْمَسَانِيدِ عَنِ الْحَرْبِيِّ وَاللَّهُ أعلم
(عَزْمَةٌ) قَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ عَزْمَةٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ ذَلِكَ عَزْمَةٌ وَضَبَطَهُ صَاحِبُ إِرْشَادِ الْفِقْهِ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ جَائِزٌ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ
وَمَعْنَى الْعَزْمَةِ فِي اللُّغَةِ الْجَدُّ فِي الْأَمْرِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ مَفْرُوضٌ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْعَزَائِمُ الْفَرَائِضُ كَمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَقَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ يَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَنَصَبَهُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ وَهُوَ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِنَفْسِهِ مِثْلُ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ اعْتِرَافًا وَالنَّاصِبُ لَهُ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ جُمْلَةً فَإِنَّا آخِذُوهَا
وَالْعَزْمَةُ الْجِدُّ وَالْحَقُّ فِي الْأَمْرِ يَعْنِي آخُذُ ذَلِكَ بِجِدٍّ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَفْرُوضٌ (مِنْ عَزْمَاتِ رَبِّنَا) أَيْ حُقُوقِهِ وَوَاجِبَاتِهِ
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ قَهْرًا مِمَّنْ مَنَعَهَا انْتَهَى مَا في السبل
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قَوْله فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْر مَاله أَكْثَر الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْغُلُول فِي الصَّدَقَة وَالْغَنِيمَة لَا يُوجِب غَرَامَة فِي الْمَال وَقَالُوا كَانَ هَذَا فِي أَوَّل الْإِسْلَام ثُمَّ نُسِخَ
وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيّ عَلَى نَسْخه بِحَدِيثِ الْبَرَاء بْن عَازِب فِيمَا أَفْسَدَتْ نَاقَته فَلَمْ يُنْقَل عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَضْعَف الْغُرْم بَلْ نُقِلَ فِيهَا حُكْمه بِالضَّمَانِ فَقَطْ
وَقَالَ بَعْضهمْ يُشْبِه أَنْ يَكُون هَذَا عَلَى سَبِيل التَّوَعُّد لِيَنْتَهِيَ فَاعِل ذَلِكَ
وَقَالَ بَعْضهمْ إِنَّ الْحَقّ يُسْتَوْفَى مِنْهُ غَيْر مَتْرُوك عَلَيْهِ وَإِنْ تَلِفَ شَطْر مَاله كَرَجُلٍ كَانَ لَهُ أَلْف شَاة فَتَلِفَتْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا عِشْرُونَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ عَشْر شِيَاه لِصَدَقَةِ الْأَلْف وَهُوَ شَطْر مَاله الْبَاقِي أَوْ نِصْفه وَهُوَ بَعِيد لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إِنَّا آخِذُوا شَطْر مَاله
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ إِنَّمَا هُوَ وَشَطْر مَاله أَيْ جَعَلَ مَاله شَطْرَيْنِ وَيَتَخَيَّر عَلَيْهِ الْمُصَدِّق فَيَأْخُذ الصَّدَقَة مِنْ خَيْر النِّصْفَيْنِ عُقُوبَة لِمَنْعِهِ الزَّكَاة
فَأَمَّا مَا لَا يَلْزَمهُ فَلَا
قَالَ الْخَطَّابِيّ وَلَا أَعْرِف هَذَا الْوَجْه
هَذَا آخِر كَلَامه
وَقَالَ بِظَاهِرِ الْحَدِيث الْأَوْزَاعِيُّ وَالْإِمَام أَحْمَد وَإِسْحَاق بْنُ رَاهْوَيْهِ عَلَى مَا فُصِّلَ عَنْهُمْ وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم مَنْ مَنَعَ زَكَاة مَاله أُخِذَتْ مِنْهُ وَأُخِذَ شَطْر مَاله عُقُوبَة عَلَى مَنَعَهُ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيث وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يُؤْخَذ مِنْهُ إِلَّا الزَّكَاة لَا غَيْر
وَجَعَلَ هَذَا الْحَدِيث مَنْسُوخًا وَقَالَ كَانَ ذَلِكَ حِين كَانَتْ الْعُقُوبَات فِي الْمَال ثُمَّ نُسِخَتْ
هَذَا آخِر كَلَامه
وَمَنْ قَالَ إِنَّ بَهْز بْن حَكِيم ثِقَة اِحْتَاجَ إِلَى الِاعْتِذَار عَنْ هَذَا الْحَدِيث بِمَا تَقَدَّمَ
فَأَمَّا مَنْ قَالَ لَا يَحْتَجّ بِحَدِيثِهِ فَلَا يَحْتَاج إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيّ فِي بهز لَيْسَ بِحَجَّةٍ فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْد اِعْتِذَاره عَنْ الْحَدِيث أَوْ أَجَابَ عَنْهُ عَلَى تَقْدِير الصِّحَّة
وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فِي بهز بْن حَكِيم هُوَ شَيْخ يُكْتَب حَدِيثه وَلَا يحتج به
وقال البستي كان يخطىء كَثِيرًا فَأَمَّا الْإِمَام أَحْمَد وَإِسْحَاق فَهُمَا يَحْتَجَّانِ بِهِ وَيَرْوِيَانِ عَنْهُ وَتَرَكَهُ جَمَاعَة مِنْ أَئِمَّتنَا وَلَوْلَا حَدِيثه إِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْر إِبِله عَزْمَة مِنْ عَزَمَات رَبّنَا لَأَدْخَلْنَاهُ فِي الثِّقَات وَهُوَ مِمَّنْ اُسْتُخِيرَ اللَّه فِيهِ
فَجَعَلَ رِوَايَته لِهَذَا الحديث مانعة
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْقَوْلِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْغُلُولَ الصدقة وَالْغَنِيمَةَ لَا يُوجِبُ غَرَامَةً فِي الْمَالِ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ فِي الْغَنِيمَةِ إِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَرِّقَ رَحْلَهُ وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يَحْمِلُ التَّمْرَةَ فِي أَكْمَامِهَا فِيهِ الْقِيمَةُ مَرَّتَيْنِ وَضَرْبُ النَّكَالِ
وَقَالَ كُلُّ مَنْ دَرَأْنَا عَنْهُ الْحَدَّ أَضْعَفْنَا عَلَيْهِ الْعَزْمَ
وَاحْتَجَّ فِي هَذَا بَعْضُهُمْ بِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ الْمَكْتُومَةِ غَرَامَتُهَا وَمِثْلُهَا وَالنَّكَالُ وَفِي الْحَدِيثِ تَأْوِيلٌ آخَرُ ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَقَّ يُسْتَوْفَى مِنْهُ غَيْرَ مَتْرُوكٍ عَلَيْهِ وَإِنْ تَلِفَ مَالُهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا شَطْرٌ كَرَجُلٍ كَانَ لَهُ أَلْفُ شَاةٍ فَتَلِفَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا عِشْرُونَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَشْرُ شِيَاهٍ لِصَدَقَةِ الْأَلْفِ وَهُوَ شَطْرُ مَالِهِ الْبَاقِي أَيْ نِصْفُهُ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَفِي قَوْلِهِ وَمَنْ مَنَعَنَا فَإِنَّا آخِذُوهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ فَرَّطَ فِي إِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا فَمَنَعَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى هَلَكَ الْمَالُ أَنَّ عَلَيْهِ الْغَرَامَةَ انْتَهَى
[1576]
(مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً) فِيهِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مِنْ إِدْخَاله فِي الثِّقَات تَمَّ كَلَامه
وَقَدْ قَالَ عَلَيَّ بْن الْمَدِينِيّ حَدِيث بَهْز بْن حَكِيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه صَحِيح
وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد بَهْز بْن حَكِيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه صَحِيح وَلَيْسَ لِمَنْ رَدَّ هَذَا الْحَدَث حَجَّة وَدَعْوَى نَسْخه دَعْوَى بَاطِلَة إِذْ هِيَ دَعْوَى مَا لَا دَلِيل عَلَيْهِ وَفِي ثُبُوت شَرْعِيَّة الْعُقُوبَات الْمَالِيَّة عِدَّة أَحَادِيث عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَثْبُت نَسْخهَا بِحَجَّةٍ وَعَمِلَ بِهَا الْخُلَفَاء بَعْده وَأَمَّا مُعَارَضَته بِحَدِيثِ الْبَرَاء فِي قِصَّة نَاقَته فَفِي غَايَة الضَّعْف فَإِنَّ الْعُقُوبَة إِنَّمَا تَسُوغ إِذَا كَانَ الْمُعَاقَب مُتَعَدِّيًا بِمَنْعِ وَاجِب أَوْ اِرْتِكَاب مَحْظُور وَأَمَّا مَا تَوَلَّدَ مِنْ غَيْر جِنَايَته وَقَصْده فَلَا يَسُوغ أَحَد عُقُوبَته عَلَيْهِ وَقَوْل مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل الْوَعِيد دُون الْحَقِيقَة فِي غَايَة الْفَسَاد يُنَزَّه عَنْ مِثْله كَلَام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَقَوْل مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَخْذ الشَّطْر الْبَاقِي بَعْد التَّلَف بَاطِل لِشِدَّةِ مُنَافَرَته وَبُعْده عَنْ مَفْهُوم الْكَلَام وَلِقَوْلِهِ فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْر مَاله
وَقَوْل الْحَرْبِيّ إِنَّهُ وَشُطْر بِوَزْنِ شُغْل فِي غَايَة الْفَسَاد وَلَا يَعْرِفهُ أَحَد مِنْ أَهْل الْحَدِيث بل هو من التصحيف وقول بن حِبَّانَ لَوْلَا حَدِيثه هَذَا لَأَدْخَلْنَاهُ فِي الثِّقَات كَلَام سَاقِط جِدًّا فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِضَعْفِهِ سَبَب إِلَّا رِوَايَته هَذَا الْحَدِيث وَهَذَا الْحَدِيث إِنَّمَا رُدَّ لِضَعْفِهِ كَانَ هَذَا دَوْرًا بَاطِلًا وَلَيْسَ فِي رِوَايَته لِهَذَا مَا يُوجِب ضَعْفه فَإِنَّهُ لَمْ يُخَالِف فِيهِ الثِّقَات
وَهَذَا نَظِير رَدّ مَنْ رَدَّ حَدِيث عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان بِحَدِيثِ جَابِر فِي شُفْعَة الْجِوَار وَضَعَّفَهُ بِكَوْنِهِ رَوَى هَذَا الْحَدِيث
وَهَذَا غَيْر مُوجِب لِلضَّعْفِ بِحَالٍ
وَاَللَّه أَعْلَم
بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ
وَالتَّبِيعُ ذُو الْحَوْلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (مُسِنَّةٌ) وَهِيَ ذَاتُ الْحَوْلَيْنِ (وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ) أَرَادَ بِالْحَالِمِ مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الرِّجَالِ سَوَاءٌ احْتَلَمَ أَمْ لَا كَمَا فَسَّرَهُ الرَّاوِي (دِينَارًا) وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (أَوْ عَدْلُهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ عَدْلُهُ أَيْ مَا يُعَادِلُ قِيمَتَهُ مِنَ الثِّيَابِ
قَالَ الْفَرَّاءُ هَذَا عِدْلُ الشَّيْءِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ مِثْلُهُ فِي الصُّورَةِ وَهَذَا عَدْلُهُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ إِذَا كَانَ مِثْلُهُ فِي الْقِيمَةِ انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ العدل الكسر وَالْفَتْحِ وَهُمَا بِمَعْنَى الْمِثْلِ (الْمَعَافِرُ) وَهَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مَعَافِرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى وَزْنِ مَسَاجِدَ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ الْمَعَافِرِيُّ وَهِيَ بُرُودٌ بِالْيَمَنِ مَنْسُوبَةٌ إِلَى مَعَافِرَ وَهِيَ قَبِيلَةٌ فِي الْيَمَنِ إِلَيْهِمْ تُنْسَبُ الثِّيَابُ الْمَعَافِرِيَّةُ يُقَالُ ثَوْبٌ مَعَافِرِيٌّ
وَفِي سُبُلِ السَّلَامِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ وَأَنَّ نِصَابَهَا ما ذكر قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ وَأَنَّهُ النِّصَابُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ شَيْءٌ وَفِيهِ خِلَافٌ لِلزُّهْرِيِّ فَقَالَ يَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ قِيَاسًا عَلَى الْإِبِلِ
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ النِّصَابَ لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ وَبِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ شَيْءٌ وَهُوَ إِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْإِسْنَادِ فَمَفْهُومُ حَدِيثِ مُعَاذٍ يُؤَيِّدُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ مُرْسَلًا
وَقَالَ هَذَا أَصَحُّ
[1577]
(قَالَ يَعْلَى وَمَعْمَرٌ عَنْ مُعَاذٍ مِثْلَهُ) مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ جَرِيرًا وَشُعْبَةَ وَأَبَا عَوَانَةَ وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ كُلُّهُمْ يَرْوُونَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أبي وائل عن مسروق عن النبي مُرْسَلًا وَيَعْلَى وَمَعْمَرٌ رَوَيَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ مُتَّصِلًا بِذِكْرِ مُعَاذٍ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالرِّوَايَةُ الْمُرْسَلَةُ أَصَحُّ انْتَهَى
وَفِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَالْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وأشار إلى اختلاف في وصله وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ انْتَهَى
وَإِنَّمَا رَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ الرِّوَايَةَ الْمُرْسَلَةَ لِأَنَّهَا اعْتَرَضَتْ رِوَايَةَ الِاتِّصَالِ بِأَنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَسْرُوقًا هَمَدَانِيُّ النَّسَبِ وَيَمَانِيُّ الدَّارِ وَقَدْ كَانَ فِي أَيَّامِ مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ فَاللِّقَاءُ مُمْكِنٌ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مَحْكُومٌ بِاتِّصَالِهِ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ وَكَأَنَّ رَأْيُ التِّرْمِذِيِّ رَأْيَ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ اللِّقَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1579]
(مَنْ سَارَ مَعَ مُصَدِّقٍ) فِي الْقَامُوسِ الْمُصَدِّقُ كَمُحَدِّثٍ أَخَذَ الصَّدَقَةَ وَالْمُتَصَدِّقُ مُعْطِيهَا (فِي عَهْدِ رسول الله) يَعْنِي كِتَابَهُ (أَنْ لَا تَأْخُذَ) بِصِيغَةِ الْخِطَابِ (مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ) فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِالرَّاضِعِ ذَاتَ الدَّرِّ وَاللَّبَنِ وَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ ذَاتُ رَاضِعٍ فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ فَالرَّاضِعُ الصَّغِيرُ الَّذِي يَرْضَعُ
وَنَهْيُهُ عَنْ أَخْذِهَا لِأَنَّهُ خِيَارُ الْمَالِ وَمِنْ زَائِدَةٌ
وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الرَّجُلِ الشَّاةُ الْوَاحِدَةُ وَاللِّقْحَةُ قَدِ اتَّخَذَهَا لِلدَّرِّ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ وقال العلامة السندي أي لا نأخذ صَغِيرًا يَرْضَعُ اللَّبَنَ أَوِ الْمُرَادُ ذَاتُ لَبَنٍ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ أَيْ ذَاتُ رَاضِعِ لَبَنٍ
وَالنَّهْيُ عَنِ الثَّانِي لِأَنَّهَا مِنْ خِيَارِ الْمَالِ
وَعَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ فِي الْأَوْسَاطِ وَفِي الصِّغَارِ إِخْلَالٌ بِحَقِّهِمْ
وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ مَا أُعِدَّتْ لِلدَّرِّ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ انْتَهَى (يَأْتِي الْمِيَاهَ) جَمْعَ مَاءٍ (تَرِدُ) لِلسَّقْيِ (فَعَمَدَ) قَصَدَ (كَوْمَاءَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْوَاوِ أَيْ مُشْرِفَةَ السَّنَامِ عَالِيَتَهُ (فَأَبَى) الْمُصَدِّقُ (قَالَ) الرَّجُلُ الْمُتَصَدِّقُ (فَخَطَمَ لَهُ أُخْرَى) أَيْ قَادَهَا إِلَيْهِ بِخِطَامِهَا
وَالْإِبِلُ إِذَا أُرْسِلَتْ فِي مَسَارِحِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا تَخَطُّمٌ وَإِنَّمَا خَطَمَ إِذَا أَرَادَ أَوْدَهَا (دُونَهَا أَيْ أَدْنَى قِيمَةٍ مِنَ الْأُولَى أَنْ يَجِدَ) أَيْ يَغْضَبَ (عَمَدَتْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ قال المنذري
وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ وَقَدْ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمُ انْتَهَى (إِلَّا أَنَّهُ قَالَ لَا يُفَرَّقُ) أَيْ بِصِيغَةِ النَّائِبِ الْمَجْهُولِ وَأَمَّا فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَبِصِيغَةِ الْحَاضِرِ الْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1580]
(فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ) أَيْ أَخَذْتُ السَّنَدَ فِيهِ ذِكْرُ أَخْذِ الصَّدَقَةِ (وَقَرَأْتُ فِي عَهْدِهِ) أَنَّ فِي سَنَدِهِ وَكِتَابِهِ (قَالَ أبو داود) من ها هنا إِلَى قَوْلِهِ حُكْمُ مَا وَجَدَ إِلَّا فِي نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ (بَيْنَ) رِوَايَةِ (لَا تَجْمَعْ) بِصِيغَةِ الْحَاضِرِ وَالْخِطَابُ لِلْمُصَدِّقِ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي عوانة عن هلال بن خباب بَيْنَ رِوَايَةِ (لَا يُجْمَعُ) أَيْ بِصِيغَةِ الْغَائِبِ الْمَجْهُولِ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ (حُكْمٌ) مُغَايِرٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ خَاصٌّ بِالنَّهْيِ لِلْمُصَدِّقِ وَلَا يَدْخُلُ الْمُتَصَدِّقُ تَحْتَ هَذَا النَّهْيِ وَالثَّانِي هُوَ عَامٌّ بِالنَّهْيِ لِلْمُصَدِّقِ وَالْمُتَصَدِّقِ فَإِنَّ الْمُصَدِّقَ يَطْلُبُ مَنْفَعَتَهُ وَالْمُتَصَدِّقَ يُرِيدُ فَائِدَةَ نَفْسِهِ فَأَمَرَ لَهُمَا أَنْ لَا يَجْمَعُوا بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرِّقُوا بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1581]
(مُسْلِمُ بْنُ ثَفَنَةَ) قَالَ الذَّهَبِيُّ وبن حَجَرٍ كِلَاهُمَا فِي الْمُشْتَبِهِ بِمُثَلَّثَةٍ وَفَاءٍ وَنُونٍ مَفْتُوحَاتٍ وَالْأَصَحُّ مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ
وَقَالَ الْمِزِّيُّ في التهذيب مسلم بن ثفنة ويقال بن شُعْبَةَ الْبَكْرِيُّ وَيُقَالُ الْيَشْكُرِيُّ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حنبل أخطأ وكيع في قوله بن ثفنة والصواب بن شُعْبَةَ وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ
وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَا أعلم أحدا تابع وكيعا على قوله بن ثَفَنَةَ
قَالَ السُّيُوطِيُّ (رَوْحٌ) مُبْتَدَأٌ (يَقُولُ مُسْلِمٌ) خَبَرُهُ (اسْتَعْمَلَ نَافِعُ بْنُ عَلْقَمَةَ) هُوَ فَاعِلُ اسْتَعْمَلَ (أَبِي) مَفْعُولُ اسْتَعْمَلَ (عِرَافَةُ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ هُوَ الْقَيِّمُ بِأُمُورِ الْقَبِيلَةِ (أَنْ يُصَدِّقَهُمْ) أَيْ يَأْخُذَ صَدَقَتَهُمْ (سِعْرٌ
بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرُهُ رَاءٌ كَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ سِعْرٌ بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرُهُ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ هُوَ سِعْرٌ الدُّوَلِيُّ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً
وَقِيلَ كَانَ فِي زَمَنِ رسول الله عَلَى مَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
وَفِي كتاب بن عبد البر بفتح السين المهملة وهو بن دَيْسَمٍ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْكِنَانِيُّ الدِّيلِيُّ رَوَى عَنْهُ ابنه جابر هذا الحديث انتهى (قال بن أَخِي) بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ (إِنَّا نُبَيِّنُ) مِنَ الْبَيَانِ أَيْ نُقَدِّرُ هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ إِنَّا نُبَيِّنُ وَأَمَّا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ إِنَّا نَشْبُرُ أَيْ نَمْسَحُ بِالشِّبْرِ لِنَعْلَمَ جَوْدَتَهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ نَسْبُرُ بِالنُّونِ ثُمَّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَسْبِرُ أَيِ أَخْتَبِرُ وَأَعْتَبِرُ وَأَنْظُرُ انْتَهَى (مَحْضًا) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمَحْضُ اللَّبَنُ
وَقَالَ بن الأثير أي سمينة كثير اللَّبَنِ
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى اللَّبَنِ مطلقا انتهى (الشاة الشافع) قال بن الْأَثِيرِ هِيَ الَّتِي مَعَهَا وَلَدُهَا سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ وَلَدَهَا شَفَعَهَا وَشَفَعَتْهُ هِيَ فَصَارَا شَفْعًا وَقِيلَ شَاةٌ شَافِعٌ إِذَا كَانَ فِي بَطْنِهَا وَلَدُهَا وَيَتْلُوهَا آخَرُ
وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ شَاةُ الشَّافِعِ بِالْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِمْ صَلَاةُ الْأُولَى وَمَسْجِدُ الْجَامِعِ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الشَّافِعُ الْحَامِلُ (قَالَا عَنَاقًا) بفتح العين الأنثى من ولد المعزأتى عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَهُوَ جَدْيٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَنَمَهُ كَانَتْ مَاعِزَةً وَلَوْ كَانَتْ ضَائِنَةً لَمْ تُجْزِهِ الْعَنَاقُ وَلَا يَكُونُ الْعَنَاقُ إِلَّا الْأُنْثَى مِنَ الْمَعْزِ
وَقَالَ مَالِكٌ الْجَذَعُ يُؤْخَذُ مِنَ الْمَاعِزِ وَالضَّأْنِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُؤْخَذُ مِنَ الضَّأْنِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمَعْزِ إِلَّا الْأُنْثَى
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُؤْخَذُ الْجَذَعَةُ مِنَ الضَّأْنِ وَلَا مِنَ الْمَاعِزِ انْتَهَى (مُعْتَاطٌ) بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْعَيْنِ وَآخِرَهُ الطَّاءُ الْمُهْمَلَتَيْنِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْمُعْتَاطُ مِنَ الْغَنَمِ هِيَ الَّتِي امْتَنَعَتْ عَنِ الْحَمْلِ لِسِمَنِهَا وَكَثْرَةِ شَحْمِهَا يُقَالُ اعْتَاطَتِ الشَّاةُ وَشَاةٌ مُعْتَاطٌ (أَبُو عَاصِمٍ رَوَاهُ) أَيِ الْحَدِيثَ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ فَقَالَ فِي إِسْنَادِهِ مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ كَمَا قَالَ رَوْحٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ فَاتِّفَاقُ أَبِي عَاصِمٍ وَرَوْحٍ يَدُلُّ عَلَى وَهْمِ وَكِيعٍ فَإِنَّهُ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ ثَفَنَةَ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ
[1582]
(وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ) الْأَشْعَرِيِّ الْحِمْصِيِّ وَلَمْ يُدْرِكْهُ أَبُو دَاوُدَ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَالِمٍ مِنَ الطَّبَقَةِ السَّابِعَةِ وَهِيَ طَبَقَةُ كِبَارِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ كَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَلِذَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ (عَنِ الزُّبَيْدِيِّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقَاضِي الْحِمْصِيُّ رَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ (قَالَ) الزُّبَيْدِيُّ (وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ) الطَّائِيُّ قَاضِي حِمْصٍ كَمَا أَخْبَرَنِي غَيْرُ يَحْيَى (عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ) هَكَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ لَكِنْ قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيَّ حَدَّثَهُمُ انْتَهَى
وَالَّذِي فِي الْإِصَابَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ هُوَ الصَّحِيحُ وَالنُّسَخُ الَّتِي بِأَيْدِينَا سَقَطَ مِنْهَا لَفْظُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ بَيْنَ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ وَجِبِّيرِ بْنِ نُفَيْرٍ وَتُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي التَّارِيخِ
وَأَيْضًا يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الْحِمْصِيُّ يَرْوِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ لَا عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ) صَحَابِيٌّ نَزَلَ حِمْصَ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرازي وبن حِبَّانَ لَهُ صُحْبَةٌ كَذَا فِي الْإِصَابَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مُنْقَطِعًا وَذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ مُسْنَدًا وَذَكَرَهُ أَيْضًا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ مُسْنَدًا
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ هَذَا لَهُ صُحْبَةٌ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي أَهْلِ حِمْصَ وَقِيلَ إِنَّهُ روى عن النبي حَدِيثًا وَاحِدًا انْتَهَى (مِنْ غَاضِرَةِ قَيْسٍ) غَاضِرَةُ هُوَ أَبُو قَبِيلَةٍ
قَالَ فِي اللِّسَانِ وَالْغَوَاضِرُ آلُ قَيْسٍ وَغَاضِرَةُ قَبِيلَةٌ مِنْ أَسَدٍ وَهُمْ بَنُو غَاضِرَةَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ بْنِ سَعْدٍ
وَغَاضِرَةُ حَيٌّ مِنْ بَنِي غالب بن صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ
وَغَاضِرَةُ أُمُّهُ
وَغَاضِرَةُ بَطْنٌ مِنْ ثَقِيفٍ وَمِنْ بَنِي كِنْدَةَ هَكَذَا فِي تَاجِ الْعَرُوسِ
وَفِي المغني لمحمد طَاهِرُ الْغَاضِرِيُّ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى غَاضِرَةَ بْنِ مَالِكٍ وَمِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (رَافِدَةٌ عَلَيْهِ) الرَّافِدَةُ فَاعِلَةٌ مِنَ الرَّفْدِ وَهُوَ الْإِعَانَةُ يُقَالُ رَفَدْتُهُ أَرْفِدُهُ إِذَا أَعَنْتُهُ أَيْ تُعِينُهُ نَفْسُهُ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ (وَلَا الدَّرِنَةُ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ نُونٌ وَهِيَ الْجَرْبَاءُ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ
وَأَصْلُ الدَّرِنِ الْوَسِخُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (وَلَا الشَّرَطُ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هِيَ صِغَارُ الْمَالِ وَشِرَارُهُ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالشَّرَطُ رَذَالَةُ الْمَالِ (اللَّئِيمَةُ) الْبَخِيلَةُ بِاللَّبَنِ وَيُقَالُ لَئِيمٌ لِلشَّحِيحِ وَالدَّنِيِّ النَّفْسِ وَالْمَهِينِ (وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِنْ أَوْسَاطِ الْمَالِ لَا مِنْ شِرَارِهِ وَلَا مِنْ خِيَارِهِ
[1583]
(لَمْ أَجِدْ عَلَيْهِ) أَيْ لَمْ أَجِدْ عَلَى ذِمَّتِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ (إِلَّا ابْنَةَ مَخَاضٍ) وَهِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا حَوْلٌ وَدَخَلَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ (فَقَالَ ذَاكَ) أَيْ بِنْتُ الْمَخَاضِ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا لَا بِلَبَنٍ وَلَا بِرُكُوبٍ (فَتِيَّةٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الشَّابَّةُ الْقَوِيَّةُ (أَنْ تأتيه) أي رسول الله (مَا عَرَضْتُ) مَا
مَوْصُولَةٌ (فَخَرَجَ) الرَّجُلُ (أَنَّ مَا عَلَيَّ) اسْمُ أَنَّ (فِيهِ) فِي مَالِي (ابْنَةُ مَخَاضٍ) خَبَرُ أَنَّ (وَهَا) لِلتَّنْبِيهِ (هِيَ) النَّاقَةُ (ذِهِ) هَذِهِ مَوْجُودَةٌ (ذَاكَ) أَيْ بِنْتُ مَخَاضٍ (الَّذِي عَلَيْكَ) فرض
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ انتهى
قلت محمد بن إسحاق ها هنا صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَإِنَّمَا نُقِمَ عَلَيْهِ التَّدْلِيسُ
[1584]
(بَعَثَ مُعَاذًا) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ أَرْسَلَ وَكَانَ بعثه سنة عشر قبل حج النبي كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي وَفِيهِ أقوال أخرى ذكرها الواقدي وبن سَعْدٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ بِالْيَمَنِ إِلَى أَنْ قَدِمَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى الشَّامِ فَمَاتَ بِهَا (أَهْلُ الْكِتَابِ) الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى
قَالَ الطِّيبِيُّ قَيَّدَ قَوْلَهُ قَوْمًا أَهْلَ الْكِتَابِ وَمِنْهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تَفْضِيلًا لَهُمْ أَوْ تَغْلِيبًا عَلَى غَيْرِهِمْ (فَادْعُهُمْ) إِنَّمَا وَقَعَتِ الْبِدَايَةُ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَصْلُ الدِّينِ الَّذِي لَا يَصِحُّ شَيْءٌ غَيْرُهُمَا إِلَّا بِهِمَا
فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرَ مُوَحِّدٍ فَالْمُطَالَبَةُ مُتَوَجِّهَةٌ إِلَيْهِ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ وَمَنْ كَانَ مُوَحِّدًا فَالْمُطَالَبَةُ بِالْجَمْعِ بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة وإن كانوا مَا يَقْتَضِي الْإِشْرَاكَ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ فَيَكُونُ مُطَالَبَتُهُمْ بِالتَّوْحِيدِ لِنَفْيِ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَقَائِدِهِمْ (فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ
حَيْثُ دُعُوا أَوَّلًا إِلَى الْإِيمَانِ فَقَطْ ثُمَّ دُعُوا إِلَى الْعَمَلِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ وَفِيهِ بَحْثٌ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (صَدَقَةٌ) أَيْ زَكَاةٌ لِأَمْوَالِهِمْ (تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى قَبْضَ الزَّكَاةِ وَصَرْفَهَا إِمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِنَائِبِهِ فَمَنِ امْتَنَعَ مِنْهُمْ أُخِذَتْ مِنْهُ قَهْرًا (فِي فُقَرَائِهِمْ) أَيِ الْمُسْلِمِينَ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ لَا يَرَى لِلْمَدْيُونِ زَكَاةً إِذَا لَمْ يَفْضُلْ مِنَ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ قَدْرُ نِصَابٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ إِذَا خَرَجَ مَالُهُ مُسْتَحَقًّا لِغُرَمَائِهِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ تُدْفَعَ إِلَى جِيرَانِهَا وَأَنْ لَا تُنْقَلَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ انْتَهَى
وَجَوَّزَ الْبُخَارِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ نَقْلَ الزَّكَاةِ وَمَعَهُمْ أَدِلَّةٌ صَحِيحَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ) مَنْصُوبٌ بِفِعْلِ مُضْمَرٍ لَا يَجُوزُ إِظْهَارُهُ
وَالْكَرَائِمُ جَمْعُ كَرِيمَةٍ أَيْ نَفِيسَةٍ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُصَدِّقِ أَخْذُ خِيَارِ الْمَالِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لِمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ فَلَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ الْإِجْحَافُ بِالْمَالِكِ إِلَّا بِرِضَاهُ
قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَلَفَ الْمَالِ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ مَا لَمْ يُقَصِّرْ فِي الْأَدَاءِ وَقْتَ الْإِمْكَانِ أَيْ بَعْدَ الْوُجُوبِ (وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ وَالنُّكْتَةِ فِي ذِكْرِهِ عَقِبَ الْمَنْعِ مِنْ أَخْذِ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ أَخْذَهَا ظُلْمٌ (حِجَابٌ) أَيْ لَيْسَ لَهَا صَارِفٌ يَصْرِفُهَا وَلَا مَانِعٌ
وَالْمُرَادُ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ مَرْفُوعًا دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ
وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ
وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ وَالطِّفْلِ الْغَنِيِّ لِعُمُومِ قَوْلِهِ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ قَالَهُ عِيَاضٌ وَفِيهِ بَحْثٌ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى بَعْثِ السُّعَاةِ وَتَوْصِيَةِ الْإِمَامِ عَامِلَهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَقَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ عَدَمُ ذِكْرِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ فِي الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ بَعْثَ مُعَاذٍ كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ كَمَا تقدم وأجاب بن الصَّلَاحِ بِأَنَّ ذَلِكَ تَقْصِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى ارْتِفَاعِ الْوُثُوقِ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ اهْتِمَامَ الشَّارِعِ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ أَكْثَرُ ولهذا كرر في القرآن فمن لم لَمْ يَذْكُرِ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه