الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مُرْتَفِعَةً)
[1274]
فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ حَيَّةً بَيْضَاءَ
قَالَ الْحَافِظُ بن عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ لِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا قُصِدَ بِهِ إِلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَوَوُا النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا أَنْ تُصَلُّوا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبِهَا وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الطُّلُوعِ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ
قَالُوا فَالنَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ هَذَا مَعْنَاهُ وَحَقِيقَتُهُ
قَالُوا وَنَهْيُهُ عَلَى قَطْعِ الذَّرِيعَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أُبِيحَتِ الصَّلَاةُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لَمْ يُؤْمَنِ التَّمَادِي فِيهِمَا إِلَى الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَهِيَ حِينَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وحين غروبها
هذا مذهب بن عُمَرَ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنا بن جريج عن نافع سمع بن عُمَرَ يَقُولُ أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْهَى أَحَدًا يُصَلِّي مِنْ لَيْلٍ وَنَهَارٍ غَيْرَ أَنْ لَا يَتَحَرَّى طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن ذَلِكَ
وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار عن بن عمر معناه وهو قول عطاء وطاووس وعمرو بن دينار وبن جريج وروى عن بن مسعود نحوه ومذهب بن عُمَرَ فِي هَذَا الْبَابِ خِلَافُ مَذْهَبِ أَبِيهِ ومذهب عائشة في هذا الباب كمذهب بن عمر لما روى بن طاووس عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ وَهِمَ عُمَرُ إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَحَرَّاهَا طُلُوعَ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبَهَا انْتَهَى
كَذَا فِي إِعْلَامِ أَهْلِ الْعَصْرِ
وَفِي الْفَتْحِ حَكَى أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ إِنَّمَا هُوَ إِعْلَامٌ بِأَنَّهُمَا لَا يُتَطَوَّعُ بَعْدَهُمَا وَلَمْ يَقْصِدِ الْوَقْتَ بِالنَّهْيِ كَمَا قَصَدَ بِهِ وَقْتَ الطُّلُوعِ وَوَقْتَ الْغُرُوبِ وَتُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْدِيَّةِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ وَقْتُ الطُّلُوعِ وَوَقْتُ الْغُرُوبِ وَمَا قَارَبَهَا
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ العزيز بن رفيع قال رأيت بن الزُّبَيْرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيُخْبِرُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهَا إِلَّا صَلَّاهُمَا وَكَأَنَّ بن الزُّبَيْرِ فَهِمَ مِنْ ذَلِكَ مَا فَهِمَتْهُ خَالَتُهُ عائشة
انتهى
(إِلَّا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتِ الْمَكْتُوبَةَ الْفَائِتَةَ أَوْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا أَوِ الْجِنَازَةَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[1275]
(فِي إِثْرِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ أَيْ خَلْفِ (إِلَّا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ) فَلَا يُصَلِّي بَعْدَهُمَا أَيْ فِي الْمَسْجِدِ لِقَطْعِ الذَّرِيعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ
[1276]
(حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) قَالَ فِي الْإِعْلَامِ إِنَّ الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ فِيهَا عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَتَعَلَّقُ الْكَرَاهَةُ فِيهِ بِالْفِعْلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إِنْ تَأَخَّرَ الْفِعْلُ لَمْ تُكْرَهِ الصَّلَاةُ قَبْلَهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كُرِهَتْ وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَفِي هَذَا يَخْتَلِفُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ
وَثَانِيهِمَا مَا يَتَعَلَّقُ فِيهِ الْكَرَاهَةُ بِالْوَقْتِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الِارْتِفَاعِ وَوَقْتِ الِاسْتِوَاءِ وَوَقْتِ الْغُرُوبِ وَمُحَصَّلُ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي تَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ أَنَّهَا خَمْسَةٌ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَبَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَتَرْجِعُ بِالتَّحْقِيقِ إِلَى ثَلَاثَةٍ وَقْتُ الِاسْتِوَاءِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ فَيَدْخُلَ فِيهِ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَكَذَا مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ انْتَهَى
وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ عُمَرَ رضي الله عنه ظَاهِرٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ قَبْلَ غُرُوبِهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ
وَقَيَّدَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْكَرَاهَةَ وَقْتَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ فَقَالُوا
لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا لِمَنْ قَصَدَ بِصَلَاتِهِ طُلُوعَ الشَّمْسِ وغروبها
وقوى هذا المعنى الإمام بن الْمُنْذِرِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[1277]
(عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ) بِالْحَرَكَاتِ (أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ أَنَّ أَيَّ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ أَرْجَى لِلدَّعْوَةِ وَأَوْلَى لِلِاسْتِجَابَةِ (قَالَ جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ) أَيْ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ وَهُوَ الْجُزْءُ الْخَامِسُ مِنْ أَسْدَاسِ اللَّيْلِ (فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ) أَيْ تَشْهَدُهَا الْمَلَائِكَةُ وَتَكْتُبُ أَجْرَ الْمُصَلِّينَ (ثُمَّ أَقْصِرْ) أَيِ انْتَهِ عَنِ الصَّلَاةِ وَكُفَّ عَنْهَا (فَتَرْتَفِعُ) فِيهِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ لَا يَزُولُ بِنَفْسِ طُلُوعِ الشمس بل لابد مِنَ الِارْتِفَاعِ
وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بِلَفْظِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ وَالْإِشْرَاقُ الْإِضَاءَةُ
وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ بَازِغَةً وَذَلِكَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّلُوعِ الِارْتِفَاعُ وَالْإِضَاءَةُ لَا مُجَرَّدُ الظُّهُورِ
ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لَا عُدُولَ عَنْهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ (قِيسَ رُمْحٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ قَدْرَ رُمْحٍ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْقِيسُ وَالْقِيدُ سَوَاءٌ أَيِ الْقَدْرُ (فَإِنَّهَا) أَيِ الشَّمْسُ (تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ الْمُرَادُ بِقَرْنَيِ الشَّيْطَانِ حِزْبُهُ وَأَتْبَاعُهُ وَقِيلَ غَلَبَةُ أَتْبَاعِهِ وَانْتِشَارُ فَسَادِهِ وَقِيلَ الْقَرْنَانِ نَاحِيَتَا الرَّأْسِ وَأَنَّهُ عَلَى ظَاهِرُهُ قَالَ وَهَذَا الْأَقْوَى وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُدْنِي رَأْسَهُ إِلَى الشَّمْسِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِيَكُونَ السَّاجِدُونَ لَهَا مِنَ الْكُفَّارِ كَالسَّاجِدِينَ لَهُ فِي الصُّورَةِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ وَلِشِيعَتِهِ تَسَلُّطٌ ظَاهِرٌ وَتَمَكُّنٌ مِنْ أَنْ يُلْبِسُوا عَلَى الْمُصَلِّينَ صَلَاتَهُمْ فَكُرِهَتِ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ صِيَانَةً لَهَا كَمَا كُرِهَتْ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي هِيَ مَأْوَى الشَّيْطَانِ (وَيُصَلِّي لَهَا) أَيْ لِلشَّمْسِ (الْكُفَّارُ) وَعِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ (مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ) أَيْ تَشْهَدُهَا الْمَلَائِكَةُ وَيَحْضُرُونَهَا وَتَكْتُبُ أَجْرَهَا وَذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى الْقَبُولِ وَحُصُولِ الرَّحْمَةِ (حَتَّى يَعْدِلَ الرُّمْحُ ظِلَّهُ) وَلَفْظُ مُسْلِمٍ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقُومُ مُقَابِلَهُ فِي الشِّمَالِ لَيْسَ مَائِلًا إِلَى
الْمَشْرِقِ وَلَا إِلَى الْمَغْرِبِ وَهَذَا حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ انْتَهَى
وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَكُونُ الظِّلُّ فِي جَانِبِ الرُّمْحِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ ظِلِّهِ شَيْءٌ وَهَذَا يَكُونُ فِي بَعْضِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَيُقَدَّرُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ عَلَيْهِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ إِذَا قَامَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ تَزُولَ وَإِذَا تَنَاهَى قِصَرُ الظِّلِّ فَهُوَ وَقْتُ اعْتِدَالِهِ فَإِذَا أَخَذَ فِي الزِّيَادَةِ فَهُوَ وَقْتُ الزَّوَالِ (فَإِنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ وَالرَّاءِ أَيْ يُوقَدُ عَلَيْهَا إِيقَادًا بَلِيغًا
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ ذِكْرُ تَسْجِيرِ جَهَنَّمَ وَكَوْنِ الشَّمْسِ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيلِ لِتَحْرِيمِ شَيْءٍ أَوْ لِنَهْيٍ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أُمُورٍ لَا تُدْرَكُ مَعَانِيهَا مِنْ طَرِيقِ الْحِسِّ وَالْعِيَانِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِهَا (حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ) قَالَ فِي النَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ النَّهْيِ لَا يَدْخُلُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَلَا بصلاة غير المصلي وإنما يُكْرَهُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ بَعْدَ صَلَاتِهِ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ يُكْرَهِ التَّنَقُّلُ قَبْلَهَا انْتَهَى
قُلْتُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ وَحَمَلَهُ الْآخَرُونَ عَلَى وَقْتِ الْغُرُوبِ وَعَلَى وَقْتِ الطُّلُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ (لَا أُرِيدُهُ) أَيْ يَكُونُ ذَلِكَ الْخَطَأُ مِنِّي بِلَا اخْتِيَارٍ وَتَعَمُّدٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا بِمَعْنَاهُ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ طَرَفًا مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ
[1278]
(لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْفَجْرِ) أَيْ بَعْدَ طُلُوعِهَا (إِلَّا سَجْدَتَيْنِ) أَيْ سُنَّةَ الْفَجْرِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ كَرِهُوا أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ دَعْوَى التِّرْمِذِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِذَلِكَ عَجِيبٌ
فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَشْهُورٌ حكاه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ أَطْنَبَ فِي ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ انْتَهَى
وَطُرُقُ حَدِيثِ الْبَابِ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَتَنْهَضُ لِلِاحْتِجَاجِ بها على الكراهة
وقد أفرط بن حَزْمٍ فَقَالَ الرِّوَايَاتُ فِي أَنَّهُ لَا
صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَا الْفَجْرِ سَاقِطَةٌ مَطْرُوحَةٌ مَكْذُوبَةٌ
كَذَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ وَإِدْخَالُ الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ لَا يَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ شديد
قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ وَسَاقَ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِيهِ
[1279]
(إِلَّا صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ صَلَاةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْوَقْتِ قِيلَ إِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّاهَا يَوْمًا قَضَاءً لِفَائِتِ رَكْعَتَيِ الظُّهْرِ وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا فَعَلَ فِعْلًا وَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْطَعْهُ فِيمَا بَعْدُ وَقِيلَ إِنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ تَنْبِيهًا لِأُمَّتِهِ أَنَّ نَهْيَهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1280]
(وَيُوَاصِلُ) أَيْ فِي الصِّيَامِ بِأَنْ يَصُومَ وَلَا يُفْطِرُ يَوْمَيْنِ أَوْ أَيَّامًا
كَذَا فِي النِّهَايَةِ
قُلْتُ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن طاؤس عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ وَهِمَ عُمَرُ إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَحَرَّى طُلُوعُ الشَّمْسِ وَغُرُوبُهَا
فَإِنَّمَا مُفَادُ كَلَامِهَا فِي رِوَايَةِ ذَكْوَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَمُفَادُ كَلَامِهَا فِي رِوَايَةِ طاؤس أَنَّ النَّهْيَ يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَلَا بِفِعْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَثَبَتَ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ كَمَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أن بن عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ أَرْسَلَ كُرَيْبًا إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَ قُلْ لَهَا إِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّيهِمَا
فَتَأْوِيلُ قَوْلِ عَائِشَةَ الَّذِي فِي رِوَايَةِ ذَكْوَانَ أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى مُدَاوَمَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمَا مِنْ خَصَائِصِهِ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِهِ وَكَانَ يُحِبُّ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ فَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى اسْتَدَامِهِ لَهُمَا لَا إِلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ هَذَا مُلَخَّصٌ مِنْ إِعْلَامِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ