الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفْدُ تُجِيبَ
وَقَدِمَ عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفْدُ تُجِيبَ، وَهُمْ مِنَ السّكُونِ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا، قَدْ سَاقُوا مَعَهُمْ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ، وَأَكْرَمَ مَنْزِلَهُمْ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سُقْنَا إِلَيْكَ حَقَّ اللَّهِ فِي أَمْوَالِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«رُدُّوهَا فَاقْسِمُوهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا قَدِمْنَا عَلَيْكَ إِلَّا بِمَا فَضُلَ عَنْ فُقَرَائِنَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا وَفَدَ عَلَيْنَا وَفْدٌ مِنَ الْعَرَبِ مِثْلَ مَا وَفَدَ بِهِ هَذَا الْحَيُّ مِنْ تُجِيبَ. فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أن الْهُدَى بِيَدِ اللَّهِ عز وجل، فَمَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْرًا شَرَحَ صَدْرَهُ لِلإِيمَانِ» وَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشْيَاءَ، فَكتب لَهُمْ بِهَا، وَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ، فَازْدَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ رَغْبَةً، وَأَمَرَ بِلالا أَنْ يُحْسِنَ ضِيَافَتَهُمْ، فَأَقَامُوا أَيَّامًا وَلَمْ يَطْلُبُوا اللُّبْثَ، فَقِيلَ لَهُمْ: مَا يُعْجِلُكُمْ، فَقَالُوا: نَرْجِعُ إِلَى مَنْ وَرَاءَنَا فَنُخْبِرُهُمْ بِرُؤْيَتِنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَلامِنَا إِيَّاهُ وَمَا رَدَّ عَلَيْنَا. ثُمَّ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوَدِّعُونَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ بِلالا، فَأَجَازَهُمْ بِأَرْفَعَ مَا كَانَ يُجِيزُ بِهِ الْوُفُودَ، قَالَ، «هَلْ بَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدٌ» ؟ قَالُوا: غُلامٌ خَلَّفْنَاهُ عَلَى رِحَالِنَا هُوَ أَحْدَثُنَا سِنًّا، قَالَ:
«فَأَرْسِلُوهُ إِلَيْنَا» فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى رِحَالِهِمْ قَالُوا لِلْغُلامِ: انْطَلِقْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَاقْضِ حَاجَتَكَ مِنْهُ، فَإِنَّا قَدْ قَضَيْنَا حَوَائِجَنَا مِنْهُ وَوَدَّعْنَاهُ، فَأَقْبَلَ الْغُلامُ حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرِؤٌ مِنْ بَنِي أَبْذَى. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: هُوَ أَبْذَى بْنُ عَدِيٍّ، وَأُمُّ عَدِيٍّ تُجِيبُ بِنْتُ ثَوْبَانَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَذْحِجَ وَإِلَيْهَا يُنْسَبُونَ. يَقُولُ الْغُلامُ:
مِنَ الرَّهْطِ الَّذِينَ أَتَوْكَ آنِفًا فَقَضَيْتَ حَوَائِجَهُمْ، فَاقْضِ حَاجَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:«وَمَا حَاجَتُكَ» ؟ قَالَ: إِنَّ حَاجَتِي لَيْسَتْ كَحَاجَةِ أَصْحَابِي، وَإِنْ كَانُوا قَدِمُوا رَاغِبِينَ فِي الإِسْلامِ وَسَاقُوا مَا سَاقُوا من صدقاتهم، وإني والله ما أعلمني مِنْ بِلادِي إِلَّا أَنْ تَسْأَلَ اللَّهَ عز وجل أَنْ يَغْفِرَ لِي وَأَنْ يَرْحَمَنِي، وَأَنْ يَجْعَلَ غِنَايَ فِي قَلْبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَقْبَلَ إِلَى الْغُلامِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاجْعَلْ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ» . ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فانطلقوا راجعين إلى أهليهم، ثُمَّ وَافَوْا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَوْسِمِ بِمِنًى سَنَةَ عَشْرٍ، فَقَالُوا: نَحْنُ بَنُو أَبْذَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا فَعَلَ الْغُلامُ الَّذِي أَتَانِي مَعَكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ قَطُّ، وَلا حُدِّثْنَا بِأَقْنَعَ مِنْهُ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ، لَوْ أَنَّ النَّاسَ اقْتَسَمُوا الدُّنْيَا مَا نَظَرَ نَحْوَهَا وَلا الْتَفَتَ إِلَيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْحَمْدُ لِلَّهِ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَمُوتَ جميعا» فقال رجل منهم: أو ليس يَمُوتُ الرَّجُلُ جَمِيعًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تشعب أَهْوَاؤُهُ وَهُمُومُهُ فِي أَوْدِيَةِ الدُّنْيَا، فَلَعَلَّ أَجَلَهُ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَوْدِيَةِ، فَلا يُبَالِي اللَّهُ عز وجل فِي أَيِّهَا هَلَكَ»
قَالُوا: فَعَاشَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِينَا عَلَى أَفْضَلِ حَالٍ، وَأَزْهَدِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَقْنَعِهِ بِمَا رُزِقَ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ عَنِ الإِسْلامِ قَامَ فِي قَوْمِهِ فَذَكَّرَهُمُ اللَّهَ وَالإِسْلامَ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه يَذْكُرُهُ وَيَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى بَلَغَهُ حَالُهُ وَمَا قَامَ بِهِ، فَكتب إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ يُوصِيهِ بِهِ خيرا. [1]
[ (1) ]
ذكر ابْنُ هِشَامٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كتب لهم كتابا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من رسول الله محمد، لمخلاف خارف وأهل جناب الهضيب وحقاف الرمل، مع وافدها ذي المشعار مالك بننمط ومن أسلم من قومه على أن لهم فراعها (أعالي الأرض) ووهاطها (المنخفض من الأرض) ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكة، يأكلون علافها، ويرعون عافيها، لهم بذلك عهد الله وذماء رسوله، وشاهدهم المهاجرون والأنصار.