المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[المجلد الثاني]   ‌ ‌تتمة جماع أبواب مغازي رسول الله ص وبعوثه وسراياه   ‌ ‌غَزْوَةُ - عيون الأثر - جـ ٢

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌تتمة جماع أبواب مغازي رسول الله ص وبعوثه وسراياه

- ‌غَزْوَةُ أُحُدٍ

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذه الأخبار

- ‌ذكر من استشهد يوم أحد من الْمُهَاجِرِينَ

- ‌بعض ما قيل من الشعر يوم أُحُدٍ

- ‌ذكر فوائد تتعلق بما ذكرناه من الأَشْعَارِ

- ‌فضل شهداء أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ

- ‌سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ

- ‌بَعْثُ الرَّجِيعِ

- ‌قِصَّةُ بِئْرِ مَعُونَةَ

- ‌وممن استشهد يَوْمِ بِئْرِ مَعُونَةَ

- ‌غزوة بني النضير

- ‌غزوة ذات الرقاع [1]

- ‌غزوة بدر الأخيرة

- ‌غَزْوَةُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ

- ‌غزوة الخندق

- ‌ذكر شهداء الخندق

- ‌غزوة بَنِي قُرَيْظَة [1]

- ‌ذكر فوائد تتعلق بما سبق من ذكر الخَنْدَق وَبَنِي قُرَيْظَةَ

- ‌سَرِيَّةُ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة إِلَى الْقُرَطَاءِ

- ‌سَرِيَّةُ عَبْد اللَّهِ بْن عَتِيكٍ لِقَتْلِ أَبِي رَافِعٍ سَلامِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ

- ‌إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد رضي الله عنهما

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ- وَيُقَالُ لَهَا: غَزْوَةُ الْغَابَةِ

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذه الواقعة

- ‌سَرِيَّةُ سَعِيدِ بْن زَيْدٍ إِلَى الْعُرَنِيِّينَ

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذا الخبر

- ‌غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع

- ‌حَدِيثُ الإِفْكِ

- ‌ذكر فوائد تتعلق بخبر بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَحَدِيثِ الإِفْكِ

- ‌سَرِيَّةُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ إِلَى الْغَمْرِ

- ‌سَرِيَّةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إِلَى ذِي الْقصّةِ

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إِلَى ذِي الْقصَّةِ

- ‌سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رضي الله عنه إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ بِالْجمُومِ [1]

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى العيص

- ‌سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى الطّرفِ

- ‌سَرِيَّةُ زيد بن حارثة إلى حسمي

- ‌سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى وَادِي الْقُرَى- ثم سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى وَادِي الْقُرَى فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ

- ‌سَرِيَّةُ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْفٍ إِلَى دُومَةِ الجندل

- ‌سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى مَدْيَنَ

- ‌سرية علي بن أبي طالب إلى بني سَعْد بْن بَكْرٍ بِفَدَكٍ [1]

- ‌سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى أُمِّ قِرْفَةَ بِوَادِي الْقُرَى

- ‌سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْن رَوَاحَةَ أسير بن رازم

- ‌سَرِيَّةُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ وَسَلَمَة بْنِ حَرِيشٍ [2]

- ‌غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية

- ‌ذكر فوائد تتعلق بخبر الْحُدَيْبِيَةِ

- ‌ذِكْرُ الْخَبَرِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ وَأَبِي جَنْدَلٍ

- ‌غزوة خيبر

- ‌ذكر القسمة

- ‌ذكر من استشهد بخيبر

- ‌أَمْرُ وَادِي الْقُرَى

- ‌خبر تيماء

- ‌سَرِيَّةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى تُرَبَةَ

- ‌سرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه إِلَى بَنِي كِلابِ بِنَجْدٍ

- ‌سَرِيَّةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِيِّ إِلَى فَدَكٍ

- ‌سَرِيَّةُ غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة

- ‌سَرِيَّةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِيِّ إِلَى يَمَنٍ وجبار

- ‌عُمْرَةُ الْقَضَاءِ، وَيُقَالُ لَهَا: عُمْرَةُ الْقِصَاصِ

- ‌سَرِيَّةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ

- ‌سَرِيَّةُ غَالِبِ بْنِ عَبْد اللَّهِ اللَّيْثِيِّ إِلَى بَنِي الْمُلَوِّحِ بِالْكَدِيدِ

- ‌سَرِيَّةُ غَالِبِ بْنِ عَبْد اللَّهِ اللَّيْثِيِّ إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك

- ‌سَرِيَّةُ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ الأَسَدِيِّ إِلَى بني عامر بالسيء

- ‌سَرِيَّةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيِّ إِلَى ذَاتِ اطلاع وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ وَادِي الْقُرَى

- ‌غَزْوَةُ مُؤْتَةُ

- ‌تسمية من استشهد يوم مؤتة

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذه الأَخْبَارِ

- ‌سرية عمرو بن العاص إلى ذات سلاسل

- ‌سرية الخبط

- ‌خبر العنبر

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي قتادة بن ربعي إلى خضرة وهي أرض محارب

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ إِلَى بَطْنِ إِضَمٍ وهي فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ

- ‌سَرِيَّةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ إِلَى الْغَابَةِ

- ‌فتح مكة شرفها الله تعالى وكانت فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ

- ‌بَقِيَّةُ الْخَبَرِ عَنْ فَتْحِ مَكَّةَ

- ‌ذكر فوائد تتعلق بخبر الفتح سوى ما تقدم

- ‌سَرِيَّةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ

- ‌ثم سرية عمرو بن العاص إلى سواع

- ‌ثم سَرِيَّةُ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ الأَشْهَلِ إِلَى مَنَاةَ

- ‌ثم سَرِيَّةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ

- ‌غَزْوَةُ حُنَيْنٍ وَهِيَ غَزْوَةُ هَوَازِنَ

- ‌قدوم وفد هوازن على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[بعض ما قيل من الشعر يوم حنين]

- ‌ذكر فوائد تتعلق بغزوة حُنَيْنٍ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا

- ‌سَرِيَّةُ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ إِلَى ذِي الْكَفَّيْنِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ

- ‌غَزْوَةُ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ

- ‌تسمية من استشهد بالطائف مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌سَرِيَّةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ إِلَى بَنِي تَمِيمٍ

- ‌ذِكْرُ فَوَائِدَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ

- ‌سَرِيَّةُ قُطْبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ

- ‌سَرِيَّةُ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلابِيِّ إِلَى بَنِي كِلابٍ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ تسع

- ‌سَرِيَّةُ عَلْقَمَةَ بْنِ مجزز [1] المدجلي إِلَى الْحَبَشَةِ

- ‌سَرِيَّةُ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب رضي الله عنه

- ‌سَرِيَّةُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ

- ‌خَبَرُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وقصيدته

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذا الخبر

- ‌غَزْوَةُ تَبُوكَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ

- ‌بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة

- ‌أمر مَسْجِدُ الضِّرَارِ

- ‌أمر وفد ثقيف وإسلامه فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ

- ‌حَجِّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ

- ‌وفود العرب

- ‌قُدُومُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ

- ‌قُدُومُ الْجَارُودِ بْنِ بِشْرِ بْنِ الْمُعَلَّى فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا

- ‌قدوم بين حنيفة ومعهم مسيلمة الكذاب

- ‌قدوم زيد الخيل بن مهلهل الطائي في وفد طىء

- ‌قُدُومُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ

- ‌قُدُومُ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيِّ

- ‌قُدُومُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ

- ‌قُدُومُ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ

- ‌قُدُومُ صُرَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَزْدِيِّ

- ‌كتاب مُلُوكِ حِمْيَرَ

- ‌إسلام فروة بن عمرو

- ‌إسلام بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ

- ‌قُدُومُ رفاعة الجذامي

- ‌وَفْدُ هَمْدَانَ

- ‌وَفْدُ تُجِيبَ

- ‌وَفْدُ بَنِي ثَعْلَبَةَ

- ‌وَفْدُ بَنِي سَعْدٍ هُذَيْمٍ

- ‌وَفْدُ بَنِي فَزَارَةَ

- ‌وَفْدُ بَنِي أَسَدٍ

- ‌وَفْدُ بَهْرَاءَ

- ‌وَفْدُ بَنِي عُذْرَةَ

- ‌وَفْدُ بُلَيٍّ

- ‌وَفْدُ بَنِي مُرَّةَ

- ‌وَفْدُ خَوْلانَ

- ‌وَفْدُ بَنِي مُحَارِبٍ

- ‌وَفْدُ صُدَاءَ

- ‌وَفْدُ غَسَّانَ

- ‌وَفْدُ سَلامَانَ

- ‌وَفْدُ بَنِي عَبْسٍ

- ‌وَفْدُ غَامِدٍ

- ‌وَفْدُ النَّخَعِ

- ‌ذِكْرُ بَعْثِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ

- ‌ذِكْرِ كتب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذِكْرُ كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَيْصَرَ وَمَا كَانَ مِنْ خَبَرِ دِحْيَةَ معه

- ‌ذِكْرُ تَوَجُّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ إِلَى كِسْرَى بِكِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذِكْرُ إِسْلامِ النَّجَاشِيِّ وَكِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ أمية الضمري

- ‌كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الْمُقَوْقِسِ مَعَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ

- ‌كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوِي الْعَبْدِيِّ مَعَ الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ

- ‌كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جَيْفَرٍ وَعَبْدٍ ابْنَيِ الْجُلَنْدِيِّ الأَزْدِيِّينَ، مَلِكَيْ عُمَانَ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ

- ‌كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ مَعَ سَلِيطِ بْنِ عَمْرٍو الْعَامِرِيِّ

- ‌كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحرث بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ مَعَ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ

- ‌سَرِيَّةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الْيَمَنِ

- ‌حَجَّةُ الْوَدَاعِ

- ‌سَرِيَّةُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى أُبْنَى وَهِيَ أَرْضُ الشُّرَاةِ نَاحِيَةَ الْبَلْقَاءِ

- ‌ذِكْرُ الْحَوَادِثِ جُمْلَةً بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةِ

- ‌فِي السَّنَةِ الأُولَى:

- ‌وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ:

- ‌وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ:

- ‌وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ:

- ‌وَفِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ:

- ‌وَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ:

- ‌وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ:

- ‌وَفِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ:

- ‌وَفِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ:

- ‌ذِكْرُ نُبْذَةٍ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ أَوْلادِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذِكْرُ أَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذا الفصل سوى ما تقدم

- ‌ذِكْرُ أَزْوَاجِهِ وَسَرَارِيهِ سَلامُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِنَّ

- ‌ذِكْرُ خَدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذِكْرُ مَوَالِي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أسمائه عليه الصلاة والسلام

- ‌ذكر كتابه عليه أفضل الصلاة والسلام

- ‌ذِكْرُ حُرَّاسِهِ وَمَنْ كَانَ يَضْرِبُ الأَعْنَاقَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمُؤَذِّنِيهِ

- ‌الْعَشَرَةُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَالْحَوَارِيُّونَ وَأَهْلُ الصُّفَّةِ

- ‌ذِكْرُ سِلاحِهِ عليه السلام

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذا الفصل سوى ما تقدم

- ‌ذكر خيله عليه أفضل الصلاة والسلام وماله مِنَ الدَّوَابِّ وَالنَّعَمِ

- ‌ذِكْرُ صِفَتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في تفسير غريب هَذَا الْحَدِيثِ وَمُشْكِلُهُ

- ‌ذِكْرُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ

- ‌ذكر جمل من أخلاقه عليه أفضل الصلاة والسلام

- ‌ذِكْرُ مُصِيبَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذِكْرُ الأَسَانِيدِ الَّتِي وَقَعَتْ لِي مِنَ الْمُصَنِّفِينَ

الفصل: ‌ ‌[المجلد الثاني]   ‌ ‌تتمة جماع أبواب مغازي رسول الله ص وبعوثه وسراياه   ‌ ‌غَزْوَةُ

[المجلد الثاني]

‌تتمة جماع أبواب مغازي رسول الله ص وبعوثه وسراياه

‌غَزْوَةُ أُحُدٍ

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي النُّورِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ نُورِ بْنِ قَمَرٍ الْهِيتِيِّ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو نصر موسى بن عبد القادر الجبلي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ قَالَ: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَنَّاءِ قَالَ: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبُسْرِيُّ قَالَ: أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بن عبد الرحمن المخلص، فثنا عبد الله، فثنا العباس بن الوليد، فثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن أُحُدًا هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» .

وَكَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلاثٍ، يَوْمَ السَّبْتِ لإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْهُ عِنْدَ ابْنِ عَائِذٍ، وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ: لِسَبْعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْهُ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَثَلاثِينَ شَهْرا مِنْ مُهَاجِرِهِ، وَقِيلَ: لِلنِّصْفِ مِنْهُ. وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ أُحُدٍ، قَالَ ابن إسحق كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا كُلُّهُمْ قَدْ حَدَّثَ بَعْضَ الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ، وَقَدِ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ كُلُّهُ فِيمَا سُقْتُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ، قَالُوا أَوْ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ.

لَمَّا أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ، وَرَجَعَ فَلُّهُمْ إِلَى مَكَّةَ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِعِيرِهِ، مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، في رِجَالٍ مِنْ قُرْيَشٍ، مِمَّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ، وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ، فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ لَعَلَّنَا نُدْرِكَ مِنْهُ ثَأْرًا بِمَنْ أَصَابَ مِنَّا، ففعلوا.

ص: 5

وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَمَّا رَجَعَ مَنْ حَضَرَ بَدْرًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَكَّةَ وَجَدُوا الْعِيرَ الَّتِي قَدِمَ بِهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ مَوْقُوفَةً فِي دَارِ النَّدْوَةِ، فَمَشَتْ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ إلى أبي سفيان فقالوا: نحن طيبوا أَنْفُسٍ أَنْ تُجَهِّزُوا بِرِبْحِ هَذِهِ الْعِيرِ جَيْشًا إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ إِلَى ذَاكَ، وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ [معي][1] ، فَبَاعُوهَا، فَصَارَتْ ذَهَبًا، وَكَانَتْ أَلْفَ بَعِيرٍ، وَالْمَالُ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ الْعِيرِ رؤوس أَمْوَالِهِمْ، وَأَخْرَجُوا أَرْبَاحَهُمْ، وَكَانُوا يَرْبَحُونَ فِي تِجَارَاتِهِمْ لكل دينار دينارا [2] .

قال ابن إسحق فَفِيهِمْ كَمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [3] فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُ الْعِيرِ بِأَحَابِيشِهَا [4] وَمَنْ أَطَاعَهَا مِنْ قَبَائِلِ كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ [5] .

قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَكتب الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَبَرِهِمْ كُلِّهِ [6] فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ بِكِتَابِ الْعَبَّاسِ.

رَجْعٌ إِلَى خَبَرِ بن إسحق: وَكَانَ أَبُو عَزَّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُمَحِيُّ قَدْ منَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ وَحَاجَةٍ، وَكَانَ فِي الإِسَارِ [7] فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي فَقِيرٌ ذُو عِيَالٍ وَحَاجَةٍ قَدْ عَرَفْتَهَا، فَامْنُنْ عَلَيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ، فَمَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ: يَا أَبَا عَزَّةَ، إِنَّكَ رَجُلٌ شَاعِرٌ، فَأَعِنَّا بِلِسَانِكَ، فَاخْرُجْ مَعَنَا، فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَنَّ عَلَيَّ، فَلَا أُرِيدُ أَنْ أُظَاهِرَ عَلَيْهِ، قَالَ: بَلَى، فَأَعِنَّا بِلِسَانِكَ [8] ، فَلَكَ اللَّهُ عَلَيَّ إِنْ رَجَعْتَ أَنْ أُغْنِيَكَ، وَإِنْ أُصِبْتَ أَنْ أجعل بناتك

[ (1) ] زيدت على الأصل من طبقات ابن سعد.

[ (2) ] انظر طبقات ابن سعد (2/ 37) .

[ (3) ] سورة الأنفال: الآية 36.

[ (4) ] وهم من اجتمع إليهم من العرب.

[ (5) ] انظر سيرة ابن هشام (3/ 64) .

[ (6) ] وفي الطبقات: وكتب العباس بن عبد المطلب بخبرهم كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[ (7) ] وعن ابن هشام: في الأساري.

[ (8) ] وعن ابن هشام: فأعنا بنفسك.

ص: 6

مَعَ بَنَاتِي، يُصِيبُهَنَّ مَا أَصَابَهُنَّ مِنْ عُسْرٍ ويسر، فرجع أبو عزة ومسافع بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ يَسْتَنْفِرَانِ النَّاسَ بِأَشْعَارٍ لَهُمَا [1] ،

فَأَمَّا أَبُو عَزَّةَ فَظَفَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْوَقْعَةِ بِحَمْرَاءِ الأسدِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقِلْنِي، فَقَالَ: لا وَاللَّهِ، لا تَمْسَحُ عَارِضَيْكَ بِمَكَّةَ تَقُولُ، خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ» ثُمَّ أَمَرَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ،

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِيهِ: قَالَ عليه السلام «لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ حجر مَرَّتَيْنِ»

وَدَعَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ غُلامًا لَهُ حَبَشِيًّا يُقَالُ لَهُ وَحْشِيٌّ، يَقْذِفُ بِحَرْبَةٍ لَهُ قَذْفَ الْحَبَشَةِ، قَلَّمَا يُخْطِئُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ:

اخْرُجْ مَعَ النَّاسِ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ عَمَّ مُحَمَّدٍ بِعَمِّي طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيٍّ، فَأَنْتَ عَتِيقٌ [2] ، وَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِالظَّعْنِ [3] الْتِمَاسَ الْحَفِيظَةِ، وَأَنْ لا يفروا [4] ، فأقبلوا حتى نزلوا بعينين، بجبل ببطن السّبحة ومن قَنَاةٍ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي مُقَابِلَ الْمَدِينَةِ،

فَلَمَّا

[ (1) ] وعن ابن هشام (3/ 65) : فخرج أبو عزة يسير في تهامة ويدعو بني كنانة ويقول:

أيها بني عبد مناة الرزام

أنتم حماة وأبوكم حام

لا تعدوني نصركم بعد العام

لا تسلموني لا يحل إسلام

وخرج مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح إلى بني مالك بن كنانة يحرضهم ويدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

يا مال مال الحسب المقدم

أنشد ذا القربى وذا التذمم

من كان ذا رحم ومن لم يرحم

الحلف وسط البلد المرحم

عند حطيم الكعبة المعظم

[ (2) ] وعند ابن هشام: فخرجت قريش بحدها وجدها وحديدها وأحابيشها ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة

[ (3) ] وهم النساء في الهوادج.

[ (4) ] وعند ابن هشام: فخرج أبو سفيان بن حرب، وهو قائد الناس، بهند بنت عتبة، وخرج عكرمة بن أبي جهل بأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة، وخرج الحارث بن هشام بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وخرج صفوان بن أمية ببرزة بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية، وهي أم عبد الله بن صفوان بن أمية. (قال ابن هشام: ويقال: رقية) وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج، وهي أم عبد الله بن عمرو، وخرج طلحة بن أبي طلحة وأبو طلحة عبد الله بن عبد العزي بن عثمان بن عبد الدار بسلافة بنت سعد بن شهيد الأنصارية، وهي أم بني طلحة مسافح والجلاس وكلاب، قتلوا يومئذ هم وأبوهم، وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب إحدى نساء بني مالك بن حسل مع ابنها عزيز بن عمير، وهي أم مصعب بن عمير، وخرجت عمرة بنت علقمة إحدى نساء بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وكانت هند بنت عتبة كلما مرت بوحشي أو مر بها قالت: ويها أبا دسمة أشف واستشف وكان وحشي لكني بأبي دسمة

ص: 7

سَمِعَ بِهِمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ نَزَلُوا حَيْثُ نَزَلُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ وَاللَّهِ خَيْرًا، رَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ [1] ، وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي [2] ثَلَمًا وَرَأَيْتُ أَنِّي أَدْخَلْتُ يَدَيَّ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ.

وَعَنِ ابْنِ هِشَامٍ [3] : فَأَمَّا الْبَقَرُ فَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ، وَأَمَّا الثَّلَمُ الَّذِي رَأَيْتُ فِي سَيْفِي فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقْتَلُ.

وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ: وَيَقُولُ رِجَالٌ: كَانَ الَّذِي رَأَى بِسَيْفِهِ الَّذِي أَصَابَ وَجْهَهُ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ أَصَابُوا وَجْهَهُ صلى الله عليه وسلم يومئذ، وقصموا رباعيته، وجرحوا شفتيه، وَسَيَأْتِي ذِكُرْ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ.

وَعَنِ ابْنِ عائذ: أن الرؤيا كانت ليلة الجمعة.

رجع إلى الأول،

قال ابن إسحق قَالَ: (يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ وَتَدَعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرِّ مُقَامٍ، وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا،

وَكَانَ رَأْيُ عبد الله بن أبي سَلُولٍ مَعَ رَأْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى أَنْ لا يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ [4] فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ أَكْرَمَ اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ فَاتَهُ بَدْرٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اخْرُجْ بِنَا إِلَى أَعْدَائِنَا، لا يَرَوْنَ أَنَّا جَبُنَّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا [5] فَلَمْ يَزَالُوا بِرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى دَخَلَ فَلَبِسَ [6] لأَمَتَهُ [7] ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ، وَقَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، أحد

[ (1) ] تذبح: ليست عند ابن هشام.

[ (2) ] ذباب السيف حد طرفيه.

[ (3) ]

وعند ابن هشام في السيرة: قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت بقرا لي تذبح» ، قال: «فأما البقر من ناس مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ، وَأَمَّا الثَّلَمُ الَّذِي رَأَيْتُ في ذباب سَيْفِي فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقْتَلُ. (أنظر سيرة ابن هشام 3/ 67) .

[ (4) ] وعن ابن هشام: يرى رأيه في ذلك، ألا يخرج إليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الخروج

[ (5) ] وعند ابن هشام: فقال عبد الله بن أبي سلول: يا رسول الله، أقم بالمدينة، لا تخرج إليهم، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا، ولا دخلوا علينا إلا أصبنا منه، فدعهم يا رسول الله، فإن أقاموا بشر محبس، وإن رحلوا قاتلهم الرجال في وجههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، فإن رجعوا خائبين كما جاء وإن

[ (6) ] وعند ابن هشام: حتى دخل بيته

[ (7) ] اللامة: أي الدرع.

ص: 8

بَنِي النَّجَّارِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ نَدِمَ النَّاسُ، وَقَالُوا:

اسْتَكْرَهْنَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَكُنْ لَنَا ذَلِكَ [1] ،

فَلَمَّا خَرَجَ عَلَيِهْم رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا:

يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَكْرَهْنَاكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا ذَلِكَ، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«مَا يَنْبَغِي لِلنَّبِيِّ [2] إِذَا لَبِسَ لأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ على الصلاة بالناس.

قال ابن إسحق: حتى إذا كانوا بالشّوط بن المدينة وأحد، انحزل [3] عَنْهُ عَبْد اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِثُلُثِ النَّاسِ، وَقَالَ: أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي، مَا نَدْرِي عَلَى مَا نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا [4] فَرَجَعَ بِمَنْ تَبِعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالرَّيْبِ، وَاتَّبَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ [5] يَقُولُ: يَا قَوْمِ أذكركم الله أن لا تخذلوا قومكم ونبيكم عند ما حَضَرَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَمَا أَسْلَمْنَاكُمْ، وَلَكِنَّا لا نَرَى أَنَّهُ يكون قتال، قَالَ: فَلَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إِلَّا الانْصِرَافَ [6]، قَالَ: أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ أَعْدَاءَ اللَّهِ، فَسَيُغْنِي اللَّهُ عَنْكُمْ نَبِيَّهُ.

قَالَ ابْنُ عُقْبَةَ: فَلَمَّا رَجَعَ عبد الله بن أبي بثلاثمائة، سَقَطَ فِي أَيْدِي الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَمَّا أَنْ يَقْتَتِلا، وَهُمَا: بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلَمَةَ كما يقال.

أخبرنا الإمام الزاهد أبو إسحق إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَاسِطِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: أَنَا الْمَشَايِخُ أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بْنِ مُلاعِبٍ الْبَغْدَادِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ مُوسَى بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّبَّاكِ، قَالَ الأَوَّلانِ:[7] أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَنَّا، وَقَالَ:

الثَّانِي: أَنَا أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بن محمد بن الجبان، قال الأول: أنا، وقال الثاني:

[ (1) ] وعند ابن هشام: ولم يكن ذلك لنا.

[ (2) ] وعند ابن هشام: ما ينبغي النبي.

[ (3) ] أي ابتعد وانفرد

[ (4) ] وعند ابن هشام: على ما نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس.

[ (5) ] وعند ابن هشام: أخو بني سلمة.

[ (6) ] وعند ابن هشام: إلا الانصراف عنهم.

[ (7) ] وردت في الأصل: الأولان، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 9

أنبأنا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْبُسْرِيِّ قَالَ: أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيُّ، فثنا عبد الله بن محمد، فثنا أبو بكر بن أبي شيبة، فثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُحُدٍ، خَرَجَ مَعَهُ بِأُنَاسٍ فَرَجَعُوا، قَالَ: فَكَانَ أَصْحَابُ النبي صلى الله عليه وسلم فِرْقَتَيْنِ: فَقَالَتْ فِرْقَةٌ:

نَقْتُلُهُمْ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لا نَقْتُلُهُمْ، قَالَ فَنَزَلَتْ: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا [1] قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّهَا طَيِّبَةٌ، وَإِنَّهَا تَنْفِي الْخَبَثَ كَمَا تنفي النار خبث الفضة.

وعن ابن إسحق مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ زِيَادٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الأَنْصَارَ يَوْمَ أُحُدٍ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَسْتَعِينُ بِحُلَفَائِنَا مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ:«لا حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ» .

قَالَ: زِيَادٌ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بن إسحق قَالَ: وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى سَلَكَ فِي حَرَّةِ بَنِي حَارِثَةَ، فَذَبَّ [2] فَرَس بِذَنَبِهِ، فَأَصَابَ كِلاب سَيْف وَاسْتَلَّهُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ وَلا يَعْتَاف: يَا صَاحِبَ السَّيْفِ شِمْ [3] سَيْفَكَ فَإِنِّي أَرَى السُّيُوفَ سَتُسْتَلُّ الْيَوْمَ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: «مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ- أَيْ مِنْ قُرْبٍ- مِنْ طَرِيقٍ لا يَمُرُّ بِنَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنَفَذَ بِهِ فِي حَرَّةِ بَنِي حَارِثَةَ، وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ، حَتَّى سَلَكَ فِي مَالٍ لِمِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيٍّ، وَكَانَ رَجُلا مُنَافِقًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ، فَلَمَّا سَمِعَ [4] رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَامَ يَحْثِي [5] فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ وَيَقُولُ: إِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي لا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ حَائِطِي، وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّهُ أَخَذَ حَفْنَةً من تراب في يديه ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي لا أُصِيبُ بِهَا غَيْرَكَ يَا مُحَمَّدُ لَضَرَبْتُ بِهَا فِي وَجْهِكَ، فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَقْتُلُوهُ فَهَذَا الأَعْمَى أَعْمَى الْقَلْبِ أَعْمَى الْبَصَرِ» ، وَقَدْ بَدَرَ إِلَيْهِ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، قَبْلَ نَهْيِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [عنه][6] فَضَرَبَهُ بِالْقَوْسِ فِي رَأْسِهِ فَشَجَّهُ.

وَمَضَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَزَلَ الشِّعْبَ مِنْ أُحُدٍ فِي عُرْوَةِ الْوَادِي إِلَى الجبل،

[ (1) ] سورة النساء: الآية 88.

[ (2) ] إي حرك ذنبه مبعدا الذباب عنه.

[ (3) ] أي) : سله.

[ (4) ] وعند ابن هشام: حس رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

[ (5) ] أَيْ يرمي.

[ (6) ] زيدت على الأصل من سيرة ابن هشام.

ص: 10

فعل ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إِلَى أُحُدٍ، وَقَالَ:«لا يُقَاتِلَنَّ أَحَدٌ [1] حَتَّى آمُرَهُ بِالْقِتَالِ» وَقَدْ سرحَتْ قُرَيْشٌ الظَّهْرَ وَالْكراعَ [2] فِي زُرُوعٍ كَانَتْ بِالصمغَةِ [3] مِنْ قَنَاةٍ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ حِينَ نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الْقِتَالِ: أَترْعَى زُرُوعَ بَنِي قَيْلَةَ وَلَمَّا تَضَارَبَ؟ وَتَعَبَّأَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم للقتال، وهو في سبعمائة رَجُلٍ، وَأَمَّرَ عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهُوَ مُعَلَّمٌ يَوْمَئِذٍ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَالرُّمَاةُ خَمْسُونَ رَجُلا، فَقَالَ:«انْضَحِ الْخَيْلَ عَنَّا بِالنَّبْلِ لا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا، إِنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا فَاثْبُتْ مَكَانَكَ، لا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكَ» ، وَظَاهَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين دِرْعَيْنِ [4] ، وَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ.

وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ: وَكَانَ حَامِلَ لُوَاءِ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَنَا عَاصِمٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِمَا مَعِي، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: هَلْ لَكَ يَا عَاصِمُ فِي الْمُبَارَزَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَبَدَرَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِ طَلْحَةَ حَتَّى وَقَعَ السَّيْفُ فِي لِحْيَتِهِ فَقَتَلَهُ،

فَكَانَ قَتْلُ صَاحِبِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ تَصْدِيقًا لِرُؤْيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أبي مُرْدِفٌ كَبْشًا»

فَلَمَّا صُرِعَ صَاحِبُ اللِّوَاءِ انْتَشَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ وَصَارُوا كَتَائِبَ مُتَفَرِّقَةً، فَجَاسُوا الْعَدُوّ ضَرْبًا حَتَّى أَجْهَضُوهُمْ [5] عَنْ أَثْقَالِهِمْ، وَحَمَلَتْ خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، كُلّ ذَلِكَ تُنْضَحُ بِالنَّبْلِ فَتَرْجِعُ مغلولة، وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَنَهَكُوهُمْ قَتْلا.

وَذَكَرَ ابْنُ عَائِذٍ أَنَّ طَلْحَةَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْخَبَرِ هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ أَخُو شَيْبَةَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَ بِيَدِهِ لِوَاءُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وَأَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ لِوَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْمُهَاجِرِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالَّذِي قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: قَالَ: وَيُقَالُ:

أَنَّ أَبَا سَعِيد بْنَ أَبِي طَلْحَةَ خَرَجَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَنَادَى: أَنَا قَاصِمٌ مَنْ يُبَارِزُنِي، مِرَارًا، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَقَالَ: يَا أَصْحَابَ مُحَمَّد: زَعَمْتُمْ أَنَّ قَتْلاكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَنَّ قَتْلانَا فِي النَّارِ، كَذَبْتُمْ وَاللاتِ، لَوْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ حَقًّا لَخَرَجَ إِلَيَّ بَعْضُكُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَجَازَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيَّ، ورافع بن

[ (1) ] وعند ابن هشام: «لا يقاتلن أحد منكم» .

[ (2) ] الظهر: الإبل، والكراع: الخيل.

[ (3) ] وهو موضع قرب أحد.

[ (4) ] أي لبس درعا فوق درع.

[ (5) ] أي أبعدوهم وأزالوهم.

ص: 11

خَدِيجٍ أَحَدَ [1] بَنِي حَارِثَةَ، وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ رَدَّهُمَا، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَافِعًا رَامٍ [2]، فَأَجَازَهُ فَلَمَّا أَجَازَ رَافِعًا قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَإِنَّ سَمُرَةَ يَصْرَعُ رَافِعًا، فَأَجَازَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَدَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَعَبْد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَأُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ، ثُمَّ أَجَازَهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُمْ أبناء خمس عشرة سنة [3] .

قرات على أبي الهيجاء غازي بن أب الْفَضْلِ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو عَلِيٍّ حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَرَجِ سَمَاعًا قَالَ: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْمُذْهِبِ. قَالَ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطِيعِيُّ، فثنا عبد الله بن أحمد، فثنا أبي، فثنا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْهُ، ثُمَّ عَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُ.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ. [4]

وأخبرتنا السيدة مونسة خاتون ابنة السلطان الملك العادل سيف الدين أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَرَحِمَ سَلَفَهَا سَمَاعًا قَالَتْ: أَخْبَرَتْنَا أُمُّ هَانِئٍ عَفِيفَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ الْفَارْقَانِيَّةُ إِجَازَةً قَالَتْ: أَنَا أَبُو طاهر عبد الواحد بن محمد بن أحمد بْنِ الدَّشْتَجِ، قَالَ: أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن الصواف، فثنا جعفر بن أحمد، فثنا هشام بن عمار، فثنا إسماعيل بن عياش، فثنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَأَلَهُ: هَلْ تَدْرُونَ مَا شَهِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَغَازِي؟ فَقَالَ نَعَمْ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ وَأَنَا ابْنُ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ أَخْرُجْ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَخَرَجْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآنِي اسْتَصْغَرَنِي فَرَدَّنِي، وَخَلَّفَنِي فِي حَرَسِ الْمَدِينَةِ فِي نَفَرٍ رَدَّهُمْ، مِنْهُمْ: زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعُرَابَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَكَانَ رَافِعٌ أَطْوَلَنَا يَوْمَئِذٍ، فَأَنْفَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرُدَّهُ مَعَنَا، وَكَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابن خمس عشرة

[ (1) ] وعند ابن هشام: أخا بني حارثة.

[ (2) ] وعند ابن هشام: يا رسول الله إن رافعا رام.

[ (3) ] وعند ابن هشام: وَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَعَبْد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بن الخطاب، وزيد بن ثابت، أحد بني مالك بن النجار، والبراء بن عازب، أحد بني حارثة، وعمرو بن حزم، أحد بني مالك بن النجار، وأسيد بن ظهير، أحد بني حارثة

[ (4) ] وعند ابن هشام: ومعهم مائتا فرس قد جنبوها.

ص: 12

سنة، وأنفذني فغزوت معه، فلما حديث هَذَا الْحَدِيثُ دَعَا كَاتِبَهُ فَقَالَ: اعْجِلْ عَلَيَّ كَاتِبًا إِلَى الأَمْصَارِ كُلِّهَا، فَإِنَّ رِجَالا يَقْدَمُونَ إِلَيَّ يَسْتَفْرِضُونَ لأبْنَائِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ، فَانْظُرُوا مَنْ فَرَضْتُ لَهُ فَاسْأَلُوهُمْ عَنْ أَسْنَانِهِمْ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمُ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَافْرِضُوا لَهُ فِي الْمُقَاتِلَةِ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَافْرِضُوا لَهُ فِي الذّرِّيَّةِ. كَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَوْسُ بْنُ عُرَابَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ عُرَابَةُ بْنُ أَوْسٍ وَأَبُوهُ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ كَانَ مِنْ كِبَارِ الْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَائِلِينَ: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ. وَعُرَابَةُ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الشَّمَّاخُ بْنُ ضِرَارٍ:

رَأَيْتُ عُرَابَةَ الأَوْسِيَّ يَسْمُو

إِلَى الْخَيْرَاتِ مُنْقَطِعَ الْقَرِينِ

إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ

تَلَقَّاها عُرَابَةُ بِالْيَمِينِ

وَقَدْ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ أَيْضًا الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، وَسَعْدَ بَنْ عُقَيْبِ بْنِ عَمْرِو بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة الأنصاري الحارثي، وسعد بن جبتة، جَدَّ أَبِي يُوسُفَ الْفَقِيهِ، وَهُوَ سَعْدُ بْنُ بَحِيرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ حَلِيفُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عوف، أمه حبته بنت ملك، وَزَيْدُ بْنُ جَارِيَةَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِيمَنِ اسْمُ أَبِيهِ عَلَى حَرْفِ الْحَاءِ (يَعْنِي ابْنَ حَارِثَةَ) فَوَهِمَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَخُو مُجَمّعِ بْنِ جارية وجابر بن عبد الله. وليس بالذي يروى عنه الحديث.

قال ابن إسحق: وَتَعَبَّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلاثَةُ آلافِ رَجُلٍ، وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ.

قَالَ ابْنُ عُقْبَةَ: وَلَيْسَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَرَسٌ وَاحِدٌ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْخَيْلِ إِلَّا فَرَس رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفَرَسُ أَبِي بُرْدَةَ.

قَالَ ابْنُ عُقْبَةَ: فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ. قَالَ ابْنُ سَعْد: وَجَعَلُوا عَلَى الْخَيْلِ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَقِيلَ:

عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعَلى الرُّمَاةِ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانُوا مِائَةً، وَفِيهِمْ سبعمائة دَارِعٍ، وَالظّعنُ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً. وَشَاعَ خَبَرُهُمْ فِي النَّاسِ وَمَسِيرُهُمْ حَتَّى نَزَلُوا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عَيْنَيْنِ لَهُ: أَنَسًا وَمُؤنسًا ابْنَيْ فَضَالَةَ الظَّفَرِيَّيْنِ، لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لِخَمْسٍ مَضَتْ مِنْ شَوَّالٍ، فَأَتَيَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم، وَأَنَّهُمْ قَدْ حَلُّوا إِبِلَهُمْ وَخَيْلَهُمْ فِي الزَّرْعِ الذ بِالْعَرِيضِ حَتَّى تَرَكُوهُ لَيْسَ بِهِ خَضْرَاء، ثُمَّ بَعَثَ الْحُبَابَ بْنَ

ص: 13

الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ إِلَيْهِمْ أَيْضًا، فَدَخَلَ فِيهِمْ فحزرهم، وجاء بعلمهم، وبات سعيد بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حَضِيرٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فِي عِدَّةٍ لَيْلَة الْجُمُعَةِ عَلَيْهِمُ السِّلاحُ فِي الْمَسْجِدِ بِبَابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وحرمت الْمَدِينَةُ حَتَّى أَصْبَحُوا، وَذَكَرَ الرُّؤْيَا وَاخْتِلافَهُمْ فِي الْخُرُوجِ كَمَا سُقْنَاهُ [1] ، فَصَلَّى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ وَعَظَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِالْجِدِّ وَالاجْتِهَادِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ لَهُمْ النَّصْرَ مَا صَبَرُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّهَيُّؤِ لِعَدُوِّهِمْ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ [2] ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ الْعَصْرَ وَقَدْ حَشَدُوا، وَحَضَر أَهْلُ الْعَوَالِي، ثُمَّ دَخَلَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَهُ، وَمَعَهُ أَبُو بكر وعمر فعماه وَلَبَّسَاهُ، وَصُفَّ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ، فَقَالَ لَهُمْ سَعْد بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حَضِيرٍ: اسْتَكْرَهْتُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الْخُرُوجِ [3] فَرُدُّوا الأَمْرَ إِلَيْهِ، فَخَرَجَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ لَبِسَ لأَمْتَهُ، وَأَظْهَرَ الدِّرْعَ وَحزم وَسَطَهَا بِمِنْطَقَةٍ مِنْ أَدَمٍ [4] من حمائل السيف، وَاعْتَمَّ وَتَقَلَّدَ السَّيْفَ، وَأَلْقَى التِّرْسَ فِي ظَهْرِهِ،

فَنَدِمُوا جَمِيعًا عَلَى مَا صَنَعُوا، وَقَالُوا: مَا كَانَ لَنَا أَنَّ نُخَالِفَكَ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، فَقَالَ:«لا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ» [5]

وَعَقَدَ ثَلاثَةَ أَلْوِيَةٍ: لِوَاءً للأَوْسِ بيد أسيد بن حضير، ولواء للمهاجرين بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقِيلَ: بِيَدِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَلِوَاءً لِلْخَزْرَجِ بِيَدِ الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَقِيلَ: بِيَدِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ مِائَةُ دَارِعٍ، وَخَرَجَ السَّعْدَانِ أَمَامَهُ يَعْدُوَانِ: سَعْد بْنُ مُعَاذٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ دَارِعَيْنِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَعَلَى الْحَرَسِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مُحَمَّد بْنُ مَسْلَمَةَ فِي خَمْسِينَ، وَأَدْلَجَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّحْرِ، وَدَلِيلُهُ أَبُو خَيْثَمَةَ الْحَارِثِيُّ، فَحَانَتِ الصَّلاةُ (يَعْنِي الصُّبْحَ) فَصَلَّى، وَانْخَزَلَ حينئذ ابن أبي من ذلك المكان بثلاثمائة ومعه فرسه، وفرس لأبي بردة ابن نِيَارٍ وَهُوَ يَقُولُ: عَصَانِي وَأَطَاعَ الْولدان وَمَنْ لا رأى له.

[ (1) ] ذكر ابن سعد في طبقاته (2/ 37) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى تلك الليلة كأنه في درع حصينة، وكأن سيفه ذا الفقار قد انفصم من عند ظبته، وكان بقرا تذبح، وكأنه مردف كبشا، فأخبر بها أصحابه، وأولها فقال:

أما الدرع الحصينة فالمدينة، وأما انفصام سيفي فمصيبة في نفسي، وأما البقر المذبح فقتل أصحابي، وأما مردف كبشا فكبش الكتيبة يقتله الله إن شاء الله.

[ (2) ] وعند ابن سعد في طبقاته: ففرح الناس بالشخوص.

[ (3) ] وعند ابن سعد: اسْتَكْرَهْتُمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على الخروج والأمر ينزل عليه من السماء، فردوا الأمر إليه.

[ (4) ] أي جلد.

[ (5) ] وعند ابن سعد في طبقاته: «فانظروا ما أمرتكم به فافعلوه وأمضوا على اسم الله، فلكم النصر ما صبرتم» .

وما يلي ذلك ذكر بمعناه (انظر طبقات ابن سعد (2/ 38 و 39) .

ص: 14

رجع إلى خبر ابن إسحق: قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ؟» فَقَامَ إِلَيْهِ رِجَالٌ، فَأَمْسَكَهُ عَنْهُمْ، حَتَّى قَامَ إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالَ: وَمَا حَقُّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَضْرِبَ بِهِ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ حَتَّى يَنْحَنِي قَالَ: «أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِحَقِّهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ رَجُلا شُجَاعًا يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ إِذَا كَانَتْ [1] ، وَحِينَ رَآهُ عليه السلام يَتَبَخْتَرُ قَالَ: إِنَّهَا لِمِشْيَةٍ يُبْغِضُهَا اللَّهُ إِلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ» .

وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَنْشَبَ الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ: أبو عامر عبد بن عمرو بن صفي بن ملك بْنِ النُّعْمَانِ، أَحَد بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَكَانَ فِيمَا ذكر ابن إسحق عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: خَرَجَ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُبَاعِدًا لِرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ خَمْسُونَ غُلامًا مِنَ الأَوْسِ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: خَمْسَةَ عَشَرَ [2] ، وَكَانَ يَعِدُ قُرَيْشًا أَنْ لَوْ لَقِيَ قَوْمَهُ لم بتخلف عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلانِ، فَلَقِيَهُمْ فِي الأَحَابِيشِ [3] وَعَبْدَان أَهْل مَكَّةَ، فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ الأَوْسِ، أَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالُوا: فَلا أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عينا يا فاسق وكان [أبو عامر][4] يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ: الرَّاهِبَ. فَسَمَّاهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْفَاسِقَ، فَلَمَّا سَمِعَ رَدَّهُمْ عَلَيْهِ قَالَ: لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرٌّ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ قِتَالا شَدِيدًا، ثُمَّ رَاضَخَهُمْ بالحجارة [5] .

قال ابن إسحق: وَقَدْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لأَصْحَابِ اللِّوَاءِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ [6] : يَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ إِنَّكُمْ قَدْ وَلَّيْتُمْ لِوَاءَنَا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَصَابَنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى النَّاس مِنْ قِبَلِ رَايَاتِهِمْ، إِذَا زَالَتْ زَالُوا، فَأَمَّا أَنْ تَكْفُونَا لِوَاءَنَا، وَإِمَّا أَنْ تخلو بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَنُكْفِيكُمُوهُ، فَهَمُّوا بِهِ وَتَوَعَّدُوهُ وَقَالُوا نحن نسلم إليك لواءنا،

[ (1) ] وعند ابن هشام: وكان إذا أعلم بعصابة له حمراء فاعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل، فلما أخذ السيف من يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك، فعصب بها رأسه، وجعل يتبختر بين الصفين.

قال ابن إسحاق: فحدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم مولى عمر بن الخطاب عن رجل من الأنصار من بني سلمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أبا دجانة يتبختر: «إِنَّهَا لِمِشْيَةٍ يُبْغِضُهَا اللَّهُ إِلَّا فِي مِثْلِ هذا الموطن» .

[ (2) ] وعند ابن هشام: خمسة عشر رجلا.

[ (3) ] وعند ابن هشام: فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش وعبدان أهل مكة.

[ (4) ] زيدت على الأصل من سيرة ابن هشام.

[ (5) ] أي رماهم.

[ (6) ] وعند ابن هشام: يحرضهم بذلك على القتال.

ص: 15

سَتَعْلَمُ غَدًا إِذَا الْتَقَيْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ، وَذَلِكَ أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ [1] قَامَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فِي النِّسْوَةِ اللاتِي مَعَهَا، وَأَخَذْنَ الدُّفُوفَ يَضْرِبْنَ بِهَا خَلْفَ الرِّجَالِ وَيُحَرِّضْنَهُمْ، فَقَالَتْ هِنْدٌ فِيمَا تَقُولُ:

وَيْهَا بَنِي عَبْدِ الدار

ويها حماة الأدبار

ضَرْبا بِكُلِّ بتارِ

وَتَقُولُ:

إِنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ

وَنَفْرشُ النَّمَارِقْ

أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ

فِرَاقَ غَيْرِ وامق [2]

فاقتتل الناس حتى حميت الحرب، وقاتل أَبُو دُجَانَةَ حَتَّى أَمْعَنَ فِي النَّاسِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ [3] أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ قَالَ: وَجَدْتُ فِي نَفْسِي حِينَ سَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة، فقلت:[أنا ابن صفية عمته، ومن قريش، وقد قمت إليه [4] فسألته إياه قبله، فأعطاه إياه وتركني وَاللَّهِ....] لأَنْظُرَنَّ مَا يَصْنَعُ، فَاتَّبَعْتُهُ، فَأَخَذَ [5] عُصَابَة لَهُ حَمْرَاءَ، فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ، وَقَالَتِ الأَنْصَارُ:

أَخْرِجْ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةَ الْمَوْتِ، وَهَكَذَا كَانَ يقول إذا غصب بها [6]، فخرج وهو يقول:

أن الَّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي

وَنَحْنُ بِالسَّفْحِ لَدَى النَّخِيلِ

أن لا أقوم الدهر في الكبول [7]

أَضْرِبُ بِسَيْفِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ

فَجَعَلَ لا يَلْقَى أحدا إلا قتله. وكان من الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ لا يَدَعَ لَنَا جَرِيحًا إِلَّا دَفَّفَ [8] عَلَيْهِ، فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ، فَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا

[ (1) ] وعند ابن هشام: فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض.

[ (2) ] أي فراقا غير محب.

[ (3) ] وعند ابن هشام: غير واحد من أهل العلم.

[ (4) ] زيدت على الأصل من سيرة ابن هشام.

[ (5) ] وعند ابن هشام: فأخرج.

[ (6) ] وعند ابن هشام: وهكذا كانت نقول إذا تعصب بها.

[ (7) ] أي آخر الصفوف.

[ (8) ] أي أجهز عليه وقتله.

ص: 16

فَالْتَقَيَا، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَضَرَبَ الْمُشْرِكُ أَبَا دُجَانَةَ فَاتَّقَاهُ بِدَرَقَتِهِ [1] ، فَعضتْ بِسَيْفِهِ، وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ حَمَلَ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِ [2] هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ، ثُمَّ عَدَلَ السَّيْفَ عَنْهَا.

قال ابن إسحق: وقال أبو دجانة: رأيت إنسانا يخمش الناس خمشا شَدِيدًا فَعَمِدْتُ. إِلَيْهِ [3] ، فَلَمَّا حَمَلْتُ عَلَيْهِ السَّيْفَ وَلْوَلَ [4] ، فَأَكْرَمْتُ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَضْرِبَ بِهِ امْرَأَةً.

وَقَاتَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى قَتَلَ أَرْطَأَةَ بْنَ شُرَحْبِيلَ [5] بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَ أَحَدَ النَّفَرِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ اللِّوَاءَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِ سباعُ بْنُ عبد العزيز الْغبشانِيّ فَقَالَ لَهُ [6] : هَلُمَّ يَا ابْنَ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ. وَكَانَتْ أُمُّهُ خَتَّانَةً بِمَكَّةَ، فَلَمَّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ، قَالَ وَحْشِيٌّ غُلامُ جُبَيْرِ بن مطعم: والله إن لأَنْظُرُ إِلَى حَمْزَةَ يَهِدُّ النَّاسَ بِسَيْفِهِ، فَمَا يليقُ شَيْئًا، مِثْل الْجَمَلِ الأَوْرَقِ، إِذْ تَقَدَّمَ [7] إِلَيْهِ سباعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فكأنما أخطأ رأسه، وهزرت حَرْبَتِي، حَتَّى إِذَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِي ثَنَّتِهِ [8] حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ، فَأَقْبَلَ نَحْوِي فَغلبَ فَوَقَعَ، فَأَمْهَلْتُهُ، حَتَّى إِذَا مَاتَ جِئْتُهُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمَّ تَنَحَّيْتُ إِلَى الْعَسْكَرِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِشَيْءٍ حَاجَةٌ غَيْرَهُ.

وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قُتِلَ، وكان الذي قتله ابن قمئة اللَّيْثِيُّ، وَهُوَ يَظُنُّهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: قَتَلْتُ مُحَمَّدا، فَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبٌ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّايَةَ عَلِيًّا.

وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَأَخَذَ اللواء ملك في صورة مصعب،

[ (1) ] الدرقة: ترس من جلد ليس فيه خشب ولا عقب.

[ (2) ] وعند ابن هشام: على مفرق رأس هند بنت عتبة.

[ (3) ] وعند ابن هشام: فصمدت إليه.

[ (4) ] وعند ابن هشام: ولول فإذا مرآة

[ (5) ] وعند ابن هشام: أرطأة بن عبد شرحبيل.

[ (6) ] وعند ابن هشام: وكان يكنى بأبي نيار، فقال له حمزة: هلمّ إليّ يا بن مقطعة البظور، وكانت أمه أم أغار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي، وكانت ختانة بمكة.

[ (7) ] وعند ابن هشام: إذ تقدمني.

[ (8) ] أي أسفل البطن ما بين السرة والعانة.

ص: 17

وحضرت الملائكة يومئذ ولم تقاتل، وحكى دنو الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالرُّمَاةُ يَرْشُقُونَ خَيْلَ الْمُشْرِكِينَ، فَتُوَلِّي هَوَارِبَ، فَصَاحَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ صَاحِبُ اللِّوَاءِ:

مَنْ يُبَارِزُ، فَبَرَزَ لَهُ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ، وَهُوَ كَبْش الْكَتِيبَةِ الَّذِي تَقَدَّمَتِ الإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي الرُّؤْيَا، ثُمَّ حَمَلَ لِوَاءَهُمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ فَقَطَعَ يَدَهُ وَكَتِفَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُؤْتَزَرِهِ وَبَدَا سَحْرَهُ [1] ثُمَّ حَمَلَهُ أَبُو سَعِيد بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، فَرَمَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَأَصَابَ حَنْجَرَتَهُ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ حَمَلَهُ مُسَافِعُ بْنُ طَلْحَةَ، فَرَمَاهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ حَمَلَهُ الْحَارِثُ بْنُ طَلْحَةَ، فَرَمَاهُ عَاصِمٌ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ حَمَلَهُ كِلابُ بْنُ طَلْحَةَ، فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ. ثُمَّ حَمَلَهُ الْجلاسُ بْنُ طَلْحَةَ، فَقَتَلَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْد اللَّهِ، ثُمَّ حَمَلَهُ أَرْطَأَةُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، فَقَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ حَمَلَهُ شُرَيْحُ بْنُ قَارِظٍ، فَلَسْنَا نَدْرِي مَنْ قَتَلَهُ، ثُمَّ حَمَلَهُ صَوَّابٌ غُلامهمْ فَقُتِلَ، قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. وَقِيلَ:

عَلِيٌّ، وَقِيلَ: قُزْمَانُ، وَهُوَ أَثْبَتُ الأَقَاوِيلِ.

رَجْعٌ إِلَى خَبَرِ ابْنِ إِسْحَاق: وَالْتَقَى حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْغَسِيلُ وَأَبُو سُفْيَانَ، فَلَمَّا اسْتَعْلاهُ حَنْظَلَةُ رَآهُ شَدَّادُ بْنُ الأَوْسِ، فَدَعَا أَبَا سُفْيَانَ، فَضَرَبَهُ شَدَّادٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ (يَعْنِي حَنْظَلَةَ) لَتُغَسِّلُهُ الْمَلائِكَةُ، فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلائِكَةُ،

ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَحَشُّوهُمْ بِالسُّيُوفِ حَتَّى كَشَفُوهُمْ عَنِ الْعَسْكَرِ، وَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ لا شَكَّ فِيهَا.

وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّه قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنْظُرُ إِلَى خَدَمِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ، وَصَوَاحِبِهَا مُشَمِّرَاتٍ هَوَارِبَ، مَا دُونَ أَخْذِهِنَّ قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ، إِذْ مَالَتِ الرُّمَاةُ إِلَى الْعَسْكَرِ حَتَّى كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ، وَخَلُّوا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ، فَأُتِينَا مِنْ خَلْفِنَا، وَصَرَخَ صَارِخٌ: أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَانْكَفَأْنَا، وَانْكَفَأَ الْقَوْمُ عَلَيْنَا بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ حَتَّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أحد من القوم.

قال ابن إسحق: وحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ اللِّوَاءَ لَمْ يَزَلْ صَرِيعًا حَتَّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيَّةُ، فَرَفَعَتْهُ لِقُرَيْشٍ، فَلاثُوا بِهِ [2] ، وَكَانَ آخِرَ من أخذ

[ (1) ] أي صدره.

[ (2) ] أي اجتمعوا والتفوا حوله.

ص: 18

اللِّوَاءَ مِنْهُمْ صوابٌ [1] ، فَقَاتَلَ بِهِ حَتَّى قُطِّعَتْ يَدَاهُ، ثُمَّ بَرَكَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ بِصَدْرِهِ وَعُنُقِهِ حتى قتل عليه.

قَالَ ابْنُ سَعْد: فَلَمَّا قُتِلَ أَصْحَابُ اللِّوَاءِ انْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ مُنْهَزِمِينَ لا يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ، وَنِسَاؤُهُمْ يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ، وَتَبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَضَعُونَ السِّلاحَ فِيهِمْ حَيْثُ شَاءُوا حَتَّى أَجْهَضُوهُمْ [2] عَنِ الْعَسْكَرِ، وَوَقَعُوا يَنْتَهِبُونَ الْعَسْكَرَ وَيَأْخُذُونَ مَا فِيهِ مِنَ الْغَنَائِمِ، وَتَكَلَّمَ الرُّمَاةُ الَّذِين عَلَى عينين وَاخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ، وَثَبَتَ أَمِيرُهُمْ عَبْد اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ في نفر يسير دون العشرة [مكانهم] [3] وَقَالَ: لا أُجَاوِزُ أَمْرَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَوَعَظَ أَصْحَابَهُ وَذَكَّرَهُمْ أَمْرَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: لَمْ يُرِدْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا، قَدِ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، فَمَا مُقَامُنَا هَاهُنَا؟ فَانْطَلَقُوا يَتْبَعُونَ العسكر وينتهبون معهم، وخلوا الجبل، ونظر مقامنا ههنا؟ فَانْطَلَقُوا يَتْبَعُونَ الْعَسْكَرَ وَيَنْتَهِبُونَ مَعَهُمْ، وَخَلَّوُا الْجَبَلَ، ونظر مقامنا ههنا؟ فانطلقوا يتبعون العسكر وينتبهون مَعَهُمْ، وَخَلَّوُا الْجَبَلَ، وَنَظَرَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى خَلاءِ الْجَبَلِ وَقِلَّةِ أَهْلِهِ، فَكَرَّ بِالْخَيْلِ، وَتَبِعَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، فَحَمَلُوا عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنَ الرُّمَاةِ فَقَتَلُوهُمْ، وَقُتِلَ أَمِيرُهُمْ عبد الله بن جبير [رحمه الله][4] وانتقضت صفوف المسلمين، واستدارت رحالهم، وَجَالَتِ الرِّيحُ فَصَارَتْ دَبُورًا، وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ صبا، ونادى إبليس [لعنه الله][5] ، إِنَّ مُحَمَّدا قَدْ قُتِلَ، وَاخْتَلَطَ الْمُسْلِمُونَ، فَصَارُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى غَيْرِ شِعَارٍ، وَيَضْرِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ما يشعرون به من العجلة، والدّهش، [وقتل مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَأَخَذَ اللِّوَاءَ مَلَكٌ فِي صُورَةِ مُصْعَبٍ، وَحَضَرَتِ الْمَلائِكَةُ يَوْمَئِذٍ وَلَمْ تُقَاتِلْ][6] ونادى المشركون بشعارهم:

يا لعزي، يا لهبل. فَأَوْجَعُوا فِي الْمُسْلِمِينَ قَتْلا ذَرِيعًا، وَوَلَّى مَنْ ولى منهم يومئذ [7] .

قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَلَمَّا فُقِدَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قُتِلَ، فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ فَيُؤَمِّنُونَكُمْ قبل أن يأتوكم فيقتلوكم، فإنهم دخلوا الْبُيُوتِ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: لَوْ كَانَ لَنَا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا، وقال آخرون: إن

[ (1) ] وعند ابن هشام: وكان اللواء مع صؤاب، غلام لبني أبي طلحة، حبشي، وكان آخر من أخذه منهم

[ (2) ] أي أبعدهم وأزالوهم.

[ (3) ] وردت في الأصل: مكانه وما أثبتناه من طبقات ابن سعد.

[ (4) ] زيدت على الأصل من رواية ابن سعد في طبقاته.

[ (5) ] زيدت على الأصل من رواية ابن سعد في طبقاته.

[ (6) ] زيدت على الأصل من رواية ابن سعد في طبقاته.

[ (7) ] انظر طبقات ابن سعد (2 (41.

ص: 19

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ قُتِلَ أَفَلا تُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِكُمْ، وَعَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ نَبِيُّكُمْ حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ عز وجل شُهَدَاءَ، مِنْهُمْ: أَنَسُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ، شَهِدَ لَهُ بِهَا سَعْد بْنُ مُعَاذٍ عِنْدَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

قُلْتُ: كَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَسُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ.

رَجْعٌ إِلَى خَبَرِ ابْنِ سَعْد: وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَا يَزُولُ يَرْمِي عَنْ قَوْسِهِ حَتَّى صَارَتْ شَظَايَا، وَيَرْمِي بِالْحَجَرِ، وَثَبَتَ مَعَهُ عُصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلا:

سَبْعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَسَبْعَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى تَحَاجَزُوا.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ: لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلا اثْنَا عَشَرَ رَجُلا، وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ:

غَشِيَنَا النُّعَاسُ وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَل سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي وَآخُذُهُ وَيَسْقُطُ وَآخَذُهُ، وَكَانَ يَوْمَ بَلاءٍ وَتَمْحِيصٍ، أَكْرَمَ اللَّهُ فِيهِ مَنْ أَكْرَمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّهَادَةِ، حَتَّى خَلَصَ الْعَدُوُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقُذِفَ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى وَقَعَ لِشِقِّهِ، وَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ، وَكُلِمَتْ [1] شَفَتُهُ، وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ.

قَالَ ابْنُ إسحق: فحَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجَّ وَجْهُهُ [2] ، فَجَعَل الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ وَهُوَ يَقُولُ:«كَيْفَ يَفْلَحُ قَوْمٌ خَضَّبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي ذَلِكَ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ [3] .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ لِي رُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رَمَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ، فَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ الْيُمْنَى السُّفْلَى، وَجَرَحَ شَفَتَهُ السُّفْلَى، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ شَجَّهُ فِي وَجْهِهِ [4] ، وَأَنَّ ابن قمئة جَرَحَ وَجْنَتَهُ، فَدَخَلَتْ حَلَقَتَانِ [5] مِنَ الْمِغْفَرِ فِي وجنته، ووقع

[ (1) ] أي جرحت.

[ (2) ] وعند ابن هشام في السيرة: وشج في وجهه.

[ (3) ] سورة آل عمران: الآية 128.

[ (4) ] وعند ابن هشام: شجه في جبهته.

[ (5) ] وعند ابن هشام: فدخلت حلقتان من حلق المغفر، والمغفر: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس، يلبس تحت القلنسوة، والجمع: مغافر.

ص: 20

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حُفْرَةٍ مِنَ الْحُفَرِ الَّتِي عَمِلَ أَبُو عَامِرٍ لِيَقَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ لا يَعْلَمُونَ، فَأَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَفَعَهُ طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى اسْتَوَى قَائِمًا، وَمَصَّ مَلَكُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الدَّمَ مِنْ وَجْهِه [1] ثُمَّ ازْدَرَدَهُ [2] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ مَسَّ دَمِي دَمَهُ لَمْ تُصِبْهُ النَّارُ» .

وَذَكَرَ عَبْدُ العزيز بن محمد الداوردي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عبد اللَّهِ» .

وَعَنْ عِيسَى [3] بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ نَزَعَ إِحْدَى الْحَلَقَتَيْنِ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ، ثُمَّ نَزَعَ الأُخْرَى، فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ الأُخْرَى، فَكَانَ سَاقِطَ الثَّنِيَّتَيْنِ.

وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَائِذٍ قَالَ: أَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ الَّذِي رَمَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأُحُدٍ فَجَرَحَهُ فِي وَجْهِهِ، قَالَ: لَمَّا رماه فأصابه: خذها وأنا ابن قمئة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم» : أَقْمَأَكَ اللَّهُ عز وجل» ،

قَالَ ابْنُ جَابِرٍ: انصرف ابن قمئة مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى أَهْلِهِ، فَخَرَجَ إِلَى غَنَمِهِ فَوَافَاهَا عَلَى ذُرْوَةِ جَبَلٍ، فَأَخَذَ فِيهَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهَا وَيَشُدُّ عَلَيْهِ تَيْسُهَا، فَنَطَحَهُ نَطْحَةً أَرْدَاهُ مِنْ شَاهِقَةِ الْجَبَلِ فَتَقَطَّعَ.

قَالَ ابْنُ إسحق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حِينَ غَشِيَهُ الْقَوْمُ:«مَنْ رَجُلٌ يَشْتَرِي لَنَا نفسه» كما الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سعد بن معاذ عن محمود بن عمير، وَقَالَ: فَقَامَ زِيَادُ بْنُ السَّكَنِ فِي نَفَرٍ خَمْسَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ عُمَارَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ، فَقَاتَلُوا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلا، رَجُلا، يَقْتُلُونَ دُونَهُ، حَتَّى كَانَ آخِرُهُمْ زياد أو عمارة، فقاتل حتى أثبته الْجِرََاحَةُ، ثُمَّ فَاءَتْ فَيْئَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَجْهَضُوهُمْ عَنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَدْنُوهُ مِنِّي» فَأَدْنَوْهُ مِنْهُ، فَوَسَّدَهُ قَدَمَهُ فَمَاتَ وَخَدُّهُ عَلَى قَدَمِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

[ (1) ] وعند ابن هشام: ومضى مالك بْنُ سِنَانٍ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الدَّمَ عَنْ وَجْهِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده.

[ (2) ] أي ابتلعه.

[ (3) ] وعند ابن هشام: وذكر- يعني عبد العزيز الدروادي، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عيسى بن طلحة عن عائشة

ص: 21

قال ابن هشام: [وقاتلت][1] أُمُّ عُمَارَةَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِيَّةُ يَوْمَ أُحُدٍ فَذَكَر سَعِيدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ أُمَّ سَعِيدٍ ابْنَةَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ كَانَتْ تَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ عُمَارَةَ فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ [2] أَخْبِرِينِي خَبَرَكِ؟ فَقَالَتْ: خَرَجْتُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ، وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، وَالدّولَةُ وَالرِّيحُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف، وآمي عَنِ الْقَوْسِ، حَتَّى خَلَصَتِ الْجِرَاحَةُ [3] إِلَيَّ، فَرَأَيْتُ عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا أَجْوَفَ لَهُ غَوْرٌ، فَقُلْتُ: من أصابك بهذا؟ قالت ابن قمئة أَقْمَأَهُ [4] اللَّهُ لَمَّا وَلَّى النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ يَقُولُ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، فَاعْتَرَضْتُ لَهُ أَنَا وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأُنَاسٌ مِمَّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضَّرْبَةَ، وَلَكِنْ ضَرَبْتُهُ ضربات عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ كَانَ عَلَيْهِ درعان.

قال ابن إسحق: وَتَرَّسَ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبُو دُجَانَةَ بِنَفْسِهِ، يَقَعُ النَّبْلُ فِي ظَهْرِه وَهُوَ مُنْحَنٍ عَلَيْهِ، حَتَّى كَثُرَ فِيهِ النَّبْلُ، وَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ دُونَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سَعْد: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُنَاوِلُنِي النَّبْلَ وَيَقُولُ [5] : «ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ مَا لَهُ مِنْ نَصْلٍ فَيَقُولُ: «ارْمِ بِهِ» .

وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمي عَنْ قَوْسِهِ حَتَّى انْدَقَّتْ سِيتُهَا [6] ، فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ فَكَانَتْ عِنْدَهُ، وَأُصِيبَتْ يَوْمَئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّهَا بِيَدِهِ، فَكَانَتْ أحسن عينيه وأحدّهما.

وَذَكَرَ الأَصْمَعِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ قَالَ: وَفَدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّد بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِدِيوَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَجُلا مِنْ وَلَدِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: ممن الرجال؟ فقال:

[ (1) ] وردت في الأصل: فقالت، وما أثبتناه من سيرة ابن هشام.

[ (2) ] وعند ابن هشام: فقلت لها: يا خالة....

[ (3) ] وعند ابن هشام: الجراح.

[ (4) ] أي أذله.

[ (5) ] وعند ابن هشام: وهو يقول:

[ (6) ] أي طرفها.

ص: 22

أَنَا ابْنُ الَّذِي سَالَتْ عَلَى الْخَدِّ عَيْنُهُ

فَرُدَّتْ بِكَفِّ الْمُصْطَفَى أَحْسَنَ الرَّدِ

فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ لأَوَّلِ أَمْرِهَا

فَيَا حُسْنَ مَا عَيْنٍ ويا حسن مارد

حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ قَالَ ابْنُ سَعْد: وَرَمَى يَوْمَئِذٍ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيُّ كُلْثُومَ بْنَ الْحُصَيْنِ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ فِي نَحْرِهِ، فَجَاءَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَصَقَ عَلَيْهِ فَبَرَأَ.

قال ابن إسحق: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْهَزِيمَةِ، وَقَوْلِ النَّاسِ:

قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ: عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ تُزْهِرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ، فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَبْشِرُوا، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَشَارَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَنْصِتْ، فَلَمَّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَضُوا بِهِ، وَنَهَضَ مَعَهُمْ نَحْوَ الشِّعْبِ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَالْحَارِثُ من الصِّمَّةِ وَرَهْطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [1] .

قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، بَايَعُوهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَلَمَّا أَسْنَدَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَدْرَكَهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ: أَيْنَ مُحَمَّد، لا نَجَوْتُ إِنْ نَجَوْتَ: قَالَ ابْنُ عُقْبَةَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَاعْتَرَضَ لَهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِيَن، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَلَّوْا طَرِيقَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَقِي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ، فَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأَبْصَر رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْقُوَةَ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ مِنْ فُرْجَةٍ مِنْ سَابِغَةِ الدِّرْعِ وَالْبَيْضَةِ، فَطَعَنَهُ بِحَرْبَتِهِ، فَوَقَعَ أُبَيٌّ عَنْ فَرَسِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ طَعْنَتِهِ دَمٌ، قَالَ سَعِيد:

فَكَسَرَ ضِلْعًا مِنْ أضلاعه، قال: ففي ذلك نزلت: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [2] .

وقال ابن إسحق في هذا الخبر: كان ابن أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ كَمَا حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَلْقَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فيقول: يا محمد، إن عندي العود، فرسالة، أعلفه كل يوم فرقا من ذُرَةٍ أَقْتُلُكَ عَلَيْهَا، فَيَقُولُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قُرْيَشٍ وَقَدْ خدشه في عنقه خدشا غير كبير

[ (1) ] وعند ابن هشام: معه أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، رضوان الله عليهم، والحارث بن الصمة، ورهط من المسلمين.

[ (2) ] سورة الأنفال: الآية 17.

ص: 23

فَاحْتَقَنَ الدَّم، قَالَ: قَتَلَنِي وَاللَّهِ مُحَمَّد، قَالُوا لَهُ: ذَهَبَ وَاللَّهِ فُؤَادُكَ، وَاللَّهِ إِنَّ بِكَ مِنْ بَأْسٍ، قَالَ إِنَّهُ قَدْ كَانَ قَالَ لِي بِمَكَّةَ أَنَا أَقْتُلُكَ، فَوَاللَّهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيَّ لَقَتَلَنِي، فَمَاتَ عَدُوُّ اللَّهِ بِسرفٍ [1] وَهُمْ قَافِلُونَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ.

وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ: قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي بِي بِأَهْلِ ذِي الْمَجَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعُونَ.

رَجْعٌ إِلَى الأَوَّلِ:

فَلَمَّا انْتَهَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى فمِ الشِّعْبِ، خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَتَّى مَلأَ ذرقته مِنَ الْمِهْرَاسِ [2] فَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَشْرَبَ مِنْهُ، فَوَجَدَ لَهُ رِيحًا فَعَافَهُ فَلَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ، وَغَسَلَ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ وَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُول:

«اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وجهه نَبِيِّهِ» .

فَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ مَنْ حَدَّثَهِ عَنْ سَعْد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ قَطُّ حِرْصِي عَلَى قَتْلِ عُتْبَةَ بْنِ أبي وقاص، وإن كان ما علمت لسيء الْخُلُقِ، مُبْغِضًا فِي قَوْمِهِ، وَلَقَدْ كَفَانِي مِنْهُ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ رسوله» .

قال ابن إسحق: فَبَيْنَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الشِّعْبِ مَعَهُ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِذْ عَلَتْ عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ [3]، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنَّهُ لا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يعلُونَا،

فَقَاتَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَهْطٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى أَهْبَطُوهُمْ مِنَ الْجَبَلِ، وَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَخْرَةٍ مِنَ الْجَبَلِ ليعلوها، وقد كان بُدْنِ [4] رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وظاهر بين درعين، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْهَضَ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَجَلَسَ تَحْتَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَنَهَضَ بِهِ حَتَّى اسْتَوَى عَلَيْهَا،

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: «أَوْجَبَ طَلْحَةُ [5] حِينَ صَنَعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا صنع.

[ (1) ] موضع في طريق مكة.

[ (2) ] وعند ابن هشام: حتى ملأ درقته ماء من المهراس- موضع ماء بأحد.

[ (3) ] قال ابن هشام: كان على تلك الخيل خالد بن الوليد.

[ (4) ] أي أسن وضعف.

[ (5) ] أي وجبت له الجنة.

ص: 24

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَبْلُغِ الدَّرَجَة الْمَبْنِيَّةَ فِي الشعب وذكر عمر مولى عفرة أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ أُحُدٍ قَاعِدًا مِنَ الْجِرَاحِ الَّتِي أَصَابَتْهُ، وَصَلَّى الْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ قُعُودًا.

قَالَ ابْنُ إسحق: وَقَدْ كَانَ النَّاسُ انهْزَمُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْتَهَى بَعْضُهُمْ إِلَى [الْمنقى][1] دُونَ الأَعْوَصِ [2] .

وحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُحُدٍ رَفَعَ حسيلُ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ: الْيَمَانُ، أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْيَمَانِ، وَثَابِتُ بْنُ وقشٍ فِي الآطَامِ مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ (وَهُمَا شَيْخَانِ كَبِيرَانِ) لا أَبًا لَكَ، مَا نَنْتَظِرُ، فَوَاللَّهِ إِنْ بَقِيَ لِوَاحِدٍ مِنَّا [3] مِنْ عُمْرِهِ إِلَّا ظمء حِمَارٍ، إِنَّمَا نَحْنُ هَامة الْيَوْمَ أَوْ غَدًا، أَفَلا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا ثُمَّ نَلْحَقُ بِرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنَا شَهَادَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا ثُمَّ خَرَجَا حَتَّى دَخَلا فِي النَّاسِ، وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا، فَأَمَّا ثَابتُ بْنُ وقشٍ فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَمَّا حَسِيل بْنُ جَابِرٍ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ وَلا يَعْرِفُونَهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَبِي، وَاللَّهِ أَبِي، قَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ عَرَفْنَاهُ، وَصَدَقُوا فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَأَرَادَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدِيَهُ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَزَادَهُ عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا.

قال ابن إسحق: وحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ فِينَا رَجُل أَتَى [4] ، وَلا نَدْرِي مِمَّنْ هُوَ، يُقَال لَهُ: قُزْمَانُ، وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَكَرَهُ يَقُولُ إِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالا شَدِيدًا، فَقَتَلَ وَحْدَهُ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ ذَا بَأْسٍ، فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، فَاحْتُمِلَ إِلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ، قَالَ: فَجَعَلَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَبْلَيْتَ الْيَوْمَ يَا قُزْمَانُ فَأَبْشِرْ، قَالَ: بِمَاذَا أَبْشِرُ! فَوَاللَّهِ إِنْ قَاتَلْتُ إِلَّا [عن][5] أَحْسَابِ قَوْمِي، وَلَوْلا ذَلِكَ لَمَا قَاتَلْتُ، قَالَ: فَلَمَّا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ جِرَاحَتُهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كنانته فقتل به نفسه.

[ (1) ] وردت في الأصل: المنفي، وما أثبتناه من ابن هشام.

[ (2) ] وهو موضع بالقرب من المدينة المنورة.

[ (3) ] وعند ابن هشام: فوالله ما بَقِيَ لِوَاحِدٍ مِنَّا مِنْ عُمْرِهِ إِلَّا ظمء حمار، - أي ظمأ الحمار، لأن ظمأه قصير-

[ (4) ] أي رجل غريب.

[ (5) ] وردت في الأصل: على، وما أثبتناه عن ابن هشام.

ص: 25

وَكَانَ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ مُخَيْرِيقُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ خَبَرُهُ، وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ مُنَافِقًا لَمْ يَنْصَرِفْ مَعَ عَبْد اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فِي حِينِ انْصِرَافِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ جَمَاعَتِهِ عَنْ غَزْوَةِ أُحُدٍ. وَنَهَضَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ عَدَا عَلَى الْمجذرِ بْنِ زِيَادٍ وَعَلَى قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ أَحَد بَنِي ضُبَيْعَةَ فَقَتَلَهُمَا، وَفَرَّ إِلَى الْكُفَّارِ، وَكَانَ الْمُجَذّرُ قَدْ قَتَلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سُوَيْدَ بْنَ الصَّامِتِ وَالِدَ الْحَارِثِ الْمَذْكُورِ فِي بَعْضِ حُرُوبِ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ. ثُمَّ إِنَّ الْحَارِثَ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى قَوْمِهِ، وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ قَدِمَ، فَانْهَضْ إِلَيْهِ وَاقْتَصَّ مِنْهُ لِمَنْ قَتَلَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَدْرًا يَوْمَ أُحُدٍ، فَنَهَضَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قُبَاءٍ فِي وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِيَهُمْ فِيهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ الأَنْصَارُ أَهْلُ قُبَاءٍ فيِ جَمَاعَتِهِمْ، وَفِي جُمْلَتِهِمُ: الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ، وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ مُوَرَّسٌ [1]

فَأَمَرَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُوَيْمَ بْنَ سَاعِدَةَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَقَالَ الْحَارِثُ: لِمَ يَا رسول الله؟ فقال: بقتلك المجذر بن ذياد وَقَيْسِ بْنِ زَيْدٍ، فَمَا رَاجَعَهُ الْحَارِثُ بِكَلِمَةٍ، وَقَدَّمَهُ عُوَيْمٌ فَضَرَبَ عُنُقَهُ،

ثُمَّ رَجَعَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَنْزِلْ عِنْدَهُمْ. هَذَا عَنْ أَبِي عُمَرَ النَّمِرِيِّ، وَالْمَأْمُورُ بِضَرْبِ عُنُقِهِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعِنْدَ آخَرِينَ بَعْض الأَنْصَارِ، وَفِي قَتْلِ الْمُجَذَّرِ سُوَيْدًا خِلافٌ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ.

قَالَ ابْنُ إسحق: وَحَدَّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ يَقُولُ: حَدِّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الجنة لم يصلّ قد، فَإِذَا لَمْ يَعْرَفْهُ النَّاسُ سَأَلُوهُ: مَنْ هُوَ؟ فَيَقُولُ: أُصَيْرِمُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ، قَالَ الْحُصَيْنُ: فَقُلْتُ لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ [2] :

كَيْفَ كَانَ شَأْنُ الأُصَيْرِمِ قَالَ: كَانَ يَأْبَى الإِسْلامَ عَلَى قَوْمِهِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُحُدٍ، بَدَا لَهُ فِي الإِسْلامِ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ، فَغَدَا حَتَّى دَخَلَ فِي عرض الناس، فقاتل حتى أثبته الْجِرَاحَةُ، قَالَ فَبَيْنَا رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتْلاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ، إِذَا هُمْ بِهِ،

فَقَالُوا: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا للأُصَيْرِمُ، مَا جَاءَ بِهِ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنَّهُ لَمُنْكِرٌ لِهَذَا الحديث، فسألوه [3] : ما جاء بك، أحدب على قومك أو رغبة في

[ (1) ] أي مصبوغ بالورس، والورس نبت أصفر يكون باليمن، يصبغ به الثياب والخز وغيرهما.

[ (2) ] وعند ابن هشام: فقلت لمحمود بن أسد.

[ (3) ] وعند ابن هشام: فسألوه ما جاء به، فقالوا: ما جاء بك يا عمرو؟ أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام؟

ص: 26

الإسلام؟ فقال: بَلْ رَغْبَةً فِي الإِسْلامِ، آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ أَخَذْتُ سَيْفِي فَغَدَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَاتَلْتُ حَتَّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ، فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«إِنَّهُ لِمِنْ أهل الجنة» .

وحدثني إسحق بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ كَانَ رَجُلا أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ أَرْبَعَة مِثْل الأَسَدِ، يَشْهَدُونَ الْمَشَاهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَرَادُوا حَبْسَهُ [1]، فَأَتَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ بَنِيَّ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْخُرُوجِ مَعَكَ فِيهِ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرَجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ عَذَرَكَ اللَّهُ، فَلا جِهَادَ عَلَيْكَ» وَقَالَ لِبَنِيهِ: «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لا تَمْنَعُوهُ، لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُهُ شَهَادَةً» فَخَرَجَ مَعَهُ، فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ فِي خَبَرِهِ قَالَ: فَأَخَذَ سِلاحَهُ وَوَلَّى، فَلَمَّا وَلَّى أَقْبَلَ عَلَى الْقِبْلَةِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي الشَّهَادَةَ، وَلا تَرُدَّنِي إِلَى أَهْلِي خَائِبًا. وَفِيهِ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَطَأُ فِي الْجَنَّةِ بِعَرَجَتِهِ، وَقِيلَ: حَمَلَ هُوَ وَابْنُهُ خَلادٌ حين انكشف المسلمون فقتلا جميعا.

قال ابن إسحق: وَوَقَعَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، كَمَا حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَالنِّسْوَةُ اللاتِي مَعَهَا، يُمَثِّلْنَ بِالْقَتْلَى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُجَدِّعْنَ [2] الآذَانَ وَالآنُفَ، حَتَّى اتَّخَذَتْ هِنْدٌ مِنْ آذَانِ الرِّجَالِ وَآنُفِهِمْ خَدَمًا [3] وَقَلائِدَ، وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلائِدَهَا وَأَقْرِطَتِهَا وَحْشِيًّا غُلامَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، وَبَقَرَتْ مِنْ [4] كَبِدِ حَمْزَةَ فَلاكَتْهَا فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا فَلَفَظَتْهَا، ثُمَّ عَلَتْ عَلَى صَخْرَةٍ مُشْرفَةٍ فَصَرَخَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا فَقَالَتْ:

نَحْنُ جَزَيْنَاكُمْ بِيَوْمِ بَدْرِ

وَالْحَرْبُ بَعْدَ الْحَرْبِ ذَاتُ سعْرِ

مَا كَانَ عَنْ عُتْبَةَ لِي مِنْ صبر

ولا أخى وعمه وبكري

شَفَيْتُ نَفْسِي وَقَضَيْتُ نَذْرِي

شَفَيْتَ وَحْشِيُّ غَلِيلَ صدري

[ (1) ] وعند ابن هشام: فلما كان أحد أرادوا حبسه وقالوا له: إن الله عز وجل قد عذرك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

[ (2) ] يقال: جدع جدعا أي قطع طرف من أطرافه فهو أجدع وهي جدعاء، والجمع جدع.

[ (3) ] الخدمة: الخلخال.

[ (4) ] وعند ابن هشام: فقال.

ص: 27

فَشُكْرُ وَحْشِيٍّ عَلَيَّ عُمْرِي

حَتَّى تُرَمَّ أَعْظُمِي فِي قَبْرِي

فَأَجَابَتْهَا هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ:

خَزِيتِ فِي بَدْرٍ وَبَعْدَ بَدْرِ

يَا بِنْتَ وَقَّاعٍ عَظِيمِ الْكُفْرِ

صَبَّحَكِ اللَّهُ غَدَاةَ الْفَجْرِ

بِالْهَاشِمِيِّينَ الطِّوَالِ الزّهْرِ

بكل قاطع حسام يَفْرِي

حَمْزَةُ لَيْثي وَعَلِيٌّ صَقْرِي

إِذْ رَامَ شَيْبٌ وَأَبُوكِ غَدْرِي

فَخَضَّبَا مِنْهُ ضَوَاحِي النَّحْرِ

وَنَذْرُكِ السُّوءَ فَشَرُّ نَذْرِ

ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ حِينَ أَرَادَ الانْصِرَافَ أَشْرَفَ عَلَى الْجَبَلِ، ثُمَّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ، أنعمت [فعال][1] إِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ، يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، اعْلُ هُبَل، أَيْ: أَظْهِرْ دِينَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قُمْ يَا عُمَرُ فَأَجِبْهُ، فقل: الله أعلى وأجل، لا سواء، قَتْلانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاكُمْ فِي النَّارِ» وَقَالَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلا عُزَّى لَكُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«قُولُوا: الله مَوْلانَا وَلا مَوْلَى لَكُمْ» .

عَنِ ابْنِ عَائِذٍ وغيره: رجع، فَلَمَّا أَجَابَ عُمَرُ أَبَا سُفْيَانَ، قَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ: «ائْتِهِ فَانْظُرْ مَا شَأْنُهُ» فَجَاءَهُ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ:

أَنْشُدُكَ اللَّهَ، يَا عُمَرُ أَقَتَلْنَا مُحَمَّدا؟ قال عمر: اللهم لا، وإنه [ليسمع][2] كَلامَكَ الآنَ، قَالَ: أَنْتَ أَصْدَقُ عِنْدِي مِنَ ابن قمئة وأبر، لقول ابن قمئة: إِنِّي قَتَلْتُ مُحَمَّدا، ثُمَّ نَادَى أَبُو سُفْيَانَ: إنه [قد كان في][3] قتلاكم، مثل، وَاللَّهِ مَا رَضِيتُ وَلا سَخِطْتُ، وَلا نَهَيْتُ وَلا أَمَرْتُ، وَلَمَّا انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ [4] نَادَى إِنَّ مَوْعِدَكُمْ بَدْرٌ لِلْعَامِ الْقَابِلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ:«قُلْ: نَعَمْ، هُوَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مَوْعِدٌ» ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ ابْنُ عَائِذٍ سَعْد بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ:

اخْرُجْ فِي آثَارِ الْقَوْمِ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ وَمَاذَا يُرِيدُونَ، فَإِنْ كَانُوا قَدْ جَنَّبُوا الْخَيْلَ وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون

[ (1) ] وعند ابن هشام: فقال، وما أثبتناه من سيرة ابن هشام.

[ (2) ] وردت في الأصل: يسمع.

[ (3) ] وردت في الأصل: أنه قال في من ابن (عبارة غير واضحة، وما أثبتناه من سيرة ابن هشام) .

[ (4) ] وعند ابن هشام: ومن معه.

ص: 28

الْمَدِينَةَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ [1] أَرَادُوهَا لأَسِيرَنَّ إِلَيْهِمْ فِيهَا، ثُمَّ لأُنَاجِزَنَّهُمْ، قَالَ عَلِيٌّ: فَخَرَجْتُ فِي آثَارِهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ، فَجَنَّبُوا الْخَيْلَ، وَامْتَطَوُا الإِبِلَ، وَوَجَّهُوا إِلَى مَكَّةَ.

وَفَرَغَ النَّاسُ لِقَتْلاهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كما حدثني محمد بن عبد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيّ أَخُو بَنِي النَّجَّارِ: «مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ سَعْد بْنُ الرَّبِيعِ، أَفِي الأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الأَمْوَاتِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا أَنْظُرُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَ [2] فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ رَمَقٌ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ أَفِي الأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الأَمْوَاتِ؟ قَالَ: أَنَا فِي الأَمْوَاتِ، فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِّي السَّلامَ،

وَقُلْ لَهُ: إِنَّ سَعْد بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكَ: جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى بِهِ نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَكَ عَنِّي السَّلامَ، وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إن يخلص إلى نبيكم منكم عَيْنٌ تَطْرُفُ، قَالَ: ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مَاتَ، قَالَ: فَجِئْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره.

قال ابن إسحق: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنِي يَلْتَمِسُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فوجده بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ عَنْ كَبِدِهِ، وَمُثِّلَ بِهِ، فَجُدِعَ أَنْفُهُ وَأُذُنَاهُ.

أَخْبَرَنَا أَبُو الفضل عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى وأبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل بن عَبْدِ الْوَهَّابِ بِقِرَاءَةِ وَالِدِي عَلَيْهِمَا وَأَنَا أَسْمَعُ مُتَفَرِّقِينَ قَالا: أَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ قَالَ: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ الشَّيْبَانِيُّ قال: أنا أبو طالب محمد بن محمد بْنِ غَيْلانَ قَالَ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، فثنا حامد بن محمد، فثنا بشر بن الوليد، فثنا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عثمان النهدي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ عَلَى حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ اسْتُشْهِدَ فَنَظَرَ إِلَى شَيْءٍ لَمْ يَنْظُرْ إِلَى شَيْءٍ قَطُّ كَانَ أَوْجَعَ لِقَلْبِهِ مِنْهُ، وَنَظَرَ قَدْ مُثِّلَ بِهِ فَقَالَ: «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، فَإِنَّكَ كُنْتَ مَا عَلِمْتُكَ، فَعُولا لِلْخَيْرَاتِ، وَصُولا لِلرَّحِمِ، وَلَوْلا حُزْنُ مَنْ بَعْدِي عَلَيْكَ لَسَرَّنِي أَنْ أَدَعَكَ حَتَّى تُحْشَرَ

[ (1) ] وعند ابن هشام: لئن.

[ (2) ] وعند ابن هشام: أنا أنظر يا رسول الله ما فعل سعد.

ص: 29

مِنْ أَفْوَاهٍ شَتَّى، أَمَا وَاللَّهِ مَعَ ذَلِكَ لأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ، قَالَ: فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاقِفٌ بَعْدُ بِخَوَاتِيمِ سُورَةِ النَّحْلِ: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [1] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَصَبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَأَمْسَكَ عَمَّا أراد. قال ابن إسحق، وحدثني من لا أتهم عن مقسم مولى عَبْد اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَرَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَمْزَةَ فَسُجِّيَ بِبُرْدِهِ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ، فَكَبَّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ أَتَى بِالْقَتْلَى يُوضَعُونَ إلى جنب حمزة [2] ، فصلى عليه وعليهم معهم، حتى صلى عليهم ثنتين وَسَبْعِينَ صَلاةً.

وَقَدْ رُوِّينَا حَدِيثَ مِقْسَمٍ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَتَى بِهِمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلَ يُصَلِّي عَلَى عَشَرَةٍ عَشَرَةٍ، الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّد بْنِ عَبْد اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مِقْسَمٍ بِهِ.

وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَنَا أبو المنذر البزار، فثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عْنَ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ.

وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ: لَمْ يُغَسِّلْهُمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ كَمَا يُصَلَّى عَلَى الْمَوْتَى، وَلَمْ يَدْفِنْهُمْ فِي غَيْرِ ثِيَابِهِمُ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَاخْتُلِفَ فِي صَلاةِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ فِي أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُدْفَنُوا بِثِيَابِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا،

وَمُثِّلَ يَوْمَئِذٍ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ غَيْرَ أَنَّهُ لم يبقر عن كبده.

وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي صَخْرٍ عَنِ ابن فسيط عن إسحق بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ قَالَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ: أَلَا تَأْتِي نَدْعُو اللَّهَ، فَخَلُّوا فِي نَاحِيَةٍ، فَدَعَا سَعْدٌ فَقَالَ: يَا رَبِّ، إِذَا لَقِيتُ الْعَدُوَّ غَدًا فَلَقِّنِي رَجُلا شَدِيدًا بَأْسُهُ، شَدِيدًا، حَرْدُهُ، أُقَاتِلُهُ فِيكَ وَيُقَاتِلُنِي، ثُمَّ أرزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذ سبله، فَأَمَّنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي غَدًا رَجُلا شَدِيدًا بَأْسُهُ، شَدِيدًا حَرْدُهُ، أُقَاتِلُهُ فِيكَ وَيُقَاتِلُنِي فَيَقْتُلُنِي، ثُمَّ يَأْخُذُنِي فَيَجْدَعُ أَنْفِي وَأُذُنِي، فَإِذَا لَقِيتُكَ قُلْتَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ فِيمَ جُدِعَ أَنْفُكَ وَأُذُنُكَ؟ فَأَقُولُ: فِيكَ وَفِي رَسُولِكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: صَدَقْتَ، قَالَ

[ (1) ] سورة النحل: الآية 126.

[ (2) ] وعند ابن هشام: ثم أتى بالقتلى فيوضعون إلى حمزة.

ص: 30

سَعْد: كَانَتْ دَعْوَةُ عَبْد اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ خَيْرًا مِنْ دَعْوَتِي، لَقَدْ رَأَيْتُهُ آخِرَ النَّهَارِ، وَإِنَّ أُذُنَهُ وَأَنْفَهُ مُعَلَّقَانِ فِي خَيْطٍ.

وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ فِي الْمُوَفَّقِيَّاتِ أَنَّ عَبْد اللَّهِ بْنَ جحش انقطع سفيه يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَعْطَاهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُرْجُون [1] نَخْلَةٍ، فَصَارَ فِي يَدِهِ سَيْفًا، يُقَالُ إِنَّ قَائِمَهُ مِنْهُ، وَكَانَ يُسَمَّى الْعُرْجُونَ، وَلَمْ يَزَلْ يَتَنَاقَلُ حَتَّى بِيعَ مِنْ بَغَا التُّرْكِيّ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ. يُقَالُ إِنَّهُ قَتَلَ يَوْمَئِذٍ عَبْدَ اللَّهِ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثَّقَفِيُّ، وَدُفِنَ هُوَ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ.

قَالَ ابْنُ سَعْد وَدُفِنَ عَبْد اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حزام، وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَدُفِنَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ فِي قبر واحد، ودفن النعمان بن ملك وَعَبْدَةُ بْنُ الْخَشْخَاشِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ النَّاسُ أَوْ عَامَّتُهُمْ قَدْ حَمَلُوا قَتْلاهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَفَنُوهُمْ فِي نَوَاحِيهَا، فَنَادَى مُنَادِي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: رُدُّوا الْقَتْلَى إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، فَأَدْرَكَ الْمُنَادِي رَجُلا وَاحِدًا لَمْ يَكُنْ دُفِنَ فَرُدَّ وَهُوَ شَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ، وَسَيَأْتِي لِوَفَاةِ شَمَّاسٍ ذِكْرٌ فِي أَشْعَارِ أُحُدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا أَبُو عُمَرَ فَقَالَ يَوْمَئِذٍ: احْتَمَلَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَتْلاهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَرَدَّهُمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُدْفَنُوا حَيْثُ قُتِلُوا.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَوَلِيَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرِكَةَ عَبْد اللَّهِ بْن جَحْشٍ، وَاشْتَرَى لابنه مالا بخيبر، وعبد الله لأميمة بنت عبد المطلب بن هاشم عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْقَتْلَى: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاءِ، وَمَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللَّهِ إِلَّا وَاللَّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُدْمَى جُرْحُهُ، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ.

رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ بِالإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ آنفا: فثنا محمد بن علي بن إسماعيل، فثنا قطن، فثنا حفص، فثنا إبراهيم عن عباد بن إسحق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِقَتْلَى أُحُدٍ: «زَمِّلُوهُمْ بِجِرَاحِهِمْ، إِنَّهُ لَيْسَ مَكْلُومٌ يُكْلَمُ فِي اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا وَهُوَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ رِيحُ مِسْكٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَغَيْرُهُ يُخَالِفُهُ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّوَابُ رِوَايَةُ اللَّيْثِ وَمَنْ وَافَقَهُ.

وَرَوَوْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن عبد الرحمن بن

[ (1) ] العرجون: العذق، وهو من النخل كالعنقود من العنب، والجمع: عراجين.

ص: 31

كَعْبٍ عَنْ جَابِرٍ، وَيَوْمَئِذٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ:«ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» .

قُرِئَ عَلَى عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَحْيَى الْمَوْصِلِيِّ وَأَنَا أَسْمَعُ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو عَلِيٍّ حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ سَعَادَةَ الرُّصَافِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنْتَ حَاضِرٌ فِي الْخَامِسَةِ، قَالَ: أَنَا أبو القسم هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُذْهِبِ قَالَ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جعفر بن حمدان بن ملك القطيعي قال:

أنا عبد الله بن أحمد، فثنا أبي، فثنا وكيت، فثنا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدا بأبويه إلا سعد بن ملك، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ:«ارْمِ سَعْدُ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الشُّهَدَاءِ: «انْظُرُوا أَكْثَرَ هَؤُلاءِ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ، فَاجْعَلُوهُ إِمَامَ أَصْحَابِهِ فِي الْقَبْرِ» وَكَانُوا يَدْفِنُونَ الثَّلاثَةَ وَالاثْنَيْنِ فِي الْقَبْرِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْد: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ادْفِنُوا عَبْد اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَعَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ فِي قَبْرٍ واحد» لما كان بينهما من الصفا، قَالَ: فَحُفِرَ عَنْهُمَا وَعَلَيْهِمَا نَمِرَتَانِ [1] وَعَبْد اللَّهِ قَدْ أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي وَجْهِهِ، فَيَدُهُ عَلَى جُرْحِهِ، فَأُمِيطَتْ يَدُهُ عَنْ وَجْهِهِ، فَانْبَعَثَ الدَّمُ، فَرُدَّتْ يَدُهُ إِلَى مَكَانِهَا فَسَكَنَ الدَّمُ.

وَقَالَ: أَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ، فَثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: صَرَخَ بِنَا إِلَى قَتْلانَا يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ أَجْرَى مُعَاوِيَةَ الْعَيْنَ، فَأَخْرَجْنَاهُمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَيِّنَةً أَجْسَادُهُمْ تَنْثَنِي أَطْرَافُهُمْ.

قُرِئَ عَلَى الْحُرَّةِ الأَصِيلَةِ، أُمِّ مُحَمَّدٍ شَامِيَّةُ، بِنْتُ الْحَافِظِ صَدْرِ الدِّينِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَكْرِيِّ، وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ، سنة ثمان وسبعين وستمائة، أخبرنا الشَّيْخُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طبرزد الدارقذي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنْتِ تَسْمَعِينَ فَأَقَرَّتْ بِهِ قَالَ: أَنَا أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أحمد بن الْبَنَّاءِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: أَنَا الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ خَلَفِ بْنِ الْفَرَّاءِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قال: أبو أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مَعْرُوفِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَزَّازُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وثمانين وثلاثمائة قال: أنا أبو إسحق إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُوسَى الْهَاشِمِيُّ، فثنا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ: أَخْبَرَنِي النَّضْرُ بْنُ شميل، فثنا شعبة، فثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: قُتِلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ، فَجِئْتُ إِلَيْهِ وَقَدْ مثل به

[ (1) ] النمرة: كساء فيه خطوط بيض وسود، والجمع: نمار.

ص: 32

وَهُوَ مُغَطَّى الْوَجْهِ، فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِهِ وَجَعَلْتُ أَبْكِي، وَجَعَلَ النَّاسُ يَنْهُونِي، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يَنْهَانِي، وَجَعَلَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عُمَرَ عَمَّتِي تَبْكِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لا تَبْكِيهِ، فَمَا زَالَتِ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ» .

وَقَرَأْتُ على عبد الله بن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ الْحَنْبَلِيِّ الصُّورِيِّ، وَأَبِي الثور إِسْمَاعِيلَ بْنِ نُورِ بْنِ قَمَرٍ الْهِيتِيِّ، قُلْتُ لِلأَوَّلِ: أَخْبَرَكَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ مُلاعِبٍ، وَالثَّانِي: أَخْبَرَكُمْ أَبُو نَصْرٍ مُوسَى بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ قَالا: أَنَا سَعِيدُ بْنُ الْبَنَّاءِ قَالَ: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْبُسْرِيِّ قَالَ: أَنَا أَبُو طاهر المخلص، فثنا يحيى- يعني ابن صاعد- فثنا عبد الله بن محمد بن المسور، فثنا سفيان قال: أنا كوفي لنا قال: أنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَعَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاكَ فَقَالَ لَهُ: تَمَنَّهُ، فَقَالَ: أُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلُ، فَقَالَ: قَدْ قَضَيْتُ أَنَّهُمْ إِلَى الدُّنْيَا لا يَرْجِعُونَ» . كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: أَنَا كُوفِيٌّ لَنَا قَالَ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ فِيهِ: ثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: أَنَا كُوفِيٌّ لنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عُقَيْلٍ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ السُّلَمِيُّ أَبُو عَتَّابٍ الْكُوفِيُّ ابْنُ عَمِّ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَأَخُوهُ لأُمِّهِ رَأَى رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ، رَوَى عَنِ ابْنِ عُقَيْلٍ وَغَيْرِهِ، وَرَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ، وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ: هُوَ مِنَ الشِّيعَةِ، قُلْتُ: مَا حَالُهُ؟ قَالَ: صَدُوقٌ، لا بَأْسَ بِهِ، صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَوَقَعَ فِي تجرمته وَهْمٌ عَنِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، تَبِعَ فِيهِ الْبُخَارِيَّ عَلَى عَادَتِهِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَقَدْ أَثْبَتَهُ هُنَاكَ، وَكَذَا ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ السُّلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد بْنِ عُقَيْلٍ عَنْ جَابِرٍ فَذَكَرَهُ.

وَيَوْمَئِذٍ نَهَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّوْحِ،

قال ابن إسحق: وحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: مَرَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي دِينَارٍ، وَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا وَأَبُوهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأُحُدٍ، فَلَمَّا نُعُوا لَهَا قَالَتْ: فَمَا فَعَلَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أُمَّ فُلانٍ، هُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تُحِبِّينَ، قَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: فَأُشِيرَ لَهَا إِلَيْهِ، حَتَّى إِذَا رَأَتْهُ قَالَتْ:

كُلُّ مصيبة بعدك جلل- تريد صغيرة [1] .

[ (1) ] قال ابن هشام: الجلل يكون من القليل ومن الكثير، وهو هاهنا من القليل، قال امرؤ القيس في الجلل، القليل:

ص: 33

وَكَانَ لِطَلْحَةَ بْنِ عَبْد اللَّهِ يَوْمَئِذٍ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ فِي الذَّبِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ الزُّبَيْرُ وَغَيْرُهُ: وَأَبْلَى طَلْحَةُ بَلاءً حَسَنًا يَوْمَ أُحُدٍ، وَوَقَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ، وَاتَّقَى عَنْهُ النَّبْلَ بِيَدِهِ، حَتَّى شُلَّتْ أُصْبَعُهُ وَضُرِبَ الضَّرْبَةَ فِي رَأْسِهِ، وَحَمَلَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ظَهْرِهِ، حَتَّى اسْتَقَلَّ عَلَى الصَّخْرَةِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أوجب طلحة لي» .

وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيِّ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، أَخْبَرَتْكُمْ أُمُّ الْفَضْلِ زَيْنَبُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُقَيْلٍ الْقَيْسِيَّةُ قِرَاءَةً عَلَيْهِا وَأَنْتَ تَسْمَعُ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّمِائَةٍ قَالَتْ: أَنَا الْفَقِيهُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ اللَّهِ بن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ الْمِصِّيصِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ قَالَ: أَنَا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: أَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الشافعي، فثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ الأَزْدِيُّ، فَثَنَا معاوية بن عمرو عن أبي إسحق- يعني الفزاري- عن حيمد عَنْ أَنَسٍ قَالَ: غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المشركين، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ قِتَالا لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاءِ- لأَصْحَابِهِ- وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلاءِ الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَلَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْدُ: وَاها لِرِيحِ الْجَنَّةِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَهَا دُونَ أُحُدٍ، قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ أَصْنَعُ مَا صَنَعَ مَضَى حَتَّى اسْتُشْهِدَ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: مَا عَرَفْتُهُ إِلَّا بِبَنَانِهِ لأَنَّهُ مُثِّلَ بِهِ، وَجَدْنَا فِيهِ بِضْعَةً وَثَمَانِينَ أَثَرًا مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ وَطَعْنَةٍ بِالرُّمْحِ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ فَكُنَّا، نَتَحَدَّثُ أَنَّ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ نَزَلَتْ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [1] .

وروينا عن ابن إسحق عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ يَوْمَئِذٍ، سَبْعِينَ ضَرْبَةً فَمَا عَرَفَتْهُ إِلَّا أُخْتُهُ عرفته ببنانه.

أخبرتنا السيدة الأصيلة مونسة خَاتُونَ، بِنْتِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ سَيْفِ الدِّينِ

[ () ]

لقتل بني أسد ربهم

ألا كل شيء سواه جلل

قال ابن هشام: وأما قول الشاعر وهو الحارث بن وعلة الحرمي.

ولئن عفوت لأعفون جللا

ولئن سطوت لأوهنن عظمي

فهو من الكثير.

[ (1) ] سورة الأحزاب: الآية 23.

ص: 34

أبي بكر بن أيوب، رحم الله سلفها، فيما قرأته عليها، عن عَفِيفَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَارْقَانِيَّةُ إِجَازَةً قَالَتْ: أَنَا أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الصَّبَّاغِ قَالَ: أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ قَالَ: أَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الصَّوَّافِ، فَثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَضْرٍ- يعني أبا جعفر الصائغ- فثنا إبراهيم- يعني ابن حمزة- فثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ- يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ- عَنْ عُبَيْدِ اللَّه- يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ- عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لأَخِيهِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ يَوْمَ أُحُدٍ: خُذْ درعي هذا يَا أَخِي، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ مِنَ الشَّهَادَةِ مِثْلَ مَا تُرِيدُ، فَتَرَكَاهَا جَمِيعًا.

قَالَ ابن إسحق: ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِهِ نَاوَلَ سَيْفَهُ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ، فَقَالَ:«اغْسِلِي عَنْ هَذَا دَمَهُ يَا بُنَيَّةُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ» وَنَاوَلَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيْفَهُ وَقَالَ: وَهَذَا فَاغْسِلِي عَنْهُ دَمَهُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ الْقِتَالَ لَقَدْ صَدَقَ مَعَكَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَبُو دُجَانَةَ» . وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُقْبَةَ: وَلَمَّا رَأَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَيْفَ عَلِيٍّ مُخْتَضِبًا دَمًا قَالَ: «إِنْ تَكُنْ أَحْسَنْتَ الْقِتَالَ، فَقَدْ أَحْسَنَ عَاصِمُ بْنُ ثابت بن أبي الأقلح، والحرث بْنُ الصِّمَّةِ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ» ، ثُمَّ قَالَ:«أَخْبِرُونِي عَنِ النَّاسِ مَا فَعَلُوا وَأَيْنَ عَامَّتُهُمْ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَنْ يُصِيبُوا مِنَّا مِثْلَهَا حَتَّى نُتِيحَهُمْ» [1] .

وَمَثَّلَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ بِقَتْلَى الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، فَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ مَعَهُمْ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُمَثِّلُوا بِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عُقْبَةَ وَقَالَ: قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ» وَانْهَزَمَ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَسَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَخُوهُ عُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، وَخَارِجَةُ بْنُ عَامِرٍ الأَنْصَارِيُّ، ثُمَّ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ، وَنَزَلَ فِيهِمْ: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا [2] الآيَة، قَالَ ابْنُ عُقْبَةَ: تَوَلَّوْا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى بير جرم.

وَرُوِّينَا عَنْ مُحَمَّد بْنِ سَعْد، قَالَ أَبُو النَّمِرِ الْكِنَانِيُّ، هُوَ جَدُّ شريك بن

[ (1) ]

قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: «لا يصيب المشركون منا مثلها حتى يفتح الله علينا» . (سيرة ابن هشام 3/ 106) .

[ (2) ] سورة آل عمران: الآية 155.

ص: 35