الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي طَلَبِنَا، فَأَتَى بِنَا إِلَيْهِ، فَتَقَدَّمَ صَاحِبُنَا فَبَايَعَهُ عَلَى الإِسْلامِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ أَصْغَرُنَا وَإِنَّهُ خَادِمُنَا، فَقَالَ:«أَصْغَرُ الْقَوْمِ خَادِمُهُمْ، بَارَكَ اللَّه عَلَيْهِ» قَالَ: فَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَنَا وَأَقْرَأَنَا لِلْقُرْآنِ لِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ، ثُمَّ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا،
فَكَانَ يؤمنا. ولما أردنا الانصراف أمر بلالا فأجازوا بِأَوَاقِي مِنْ فِضَّةٍ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا، فَرَجَعْنَا إِلَى قَوْمِنَا، فَرَزَقَهُمُ اللَّهُ الإِسْلامَ.
وَفْدُ بَنِي فَزَارَةَ
قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ بْنُ سَالِمٍ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالاكْتِفَاءِ فِي مَغَازِي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَغَازِي الثَّلاثَةِ الْخُلَفَاءِ: وَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ بَنِي فَزَارَةَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، فِيهِمْ خَارِجَةُ بْنُ حِصْنٍ. وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ ابْنُ أَخِي عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ، فَنَزَلُوا فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ، وَجَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقِرِّينَ بِالإِسْلامِ، وَهُمْ مُسْنَتُّونَ [1] ، عَلَى رِكَابٍ عِجَافٍ [2]
فَسَأَلَهُمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بِلادِهِمْ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْنَتَتْ بِلادُنَا، وَهَلَكَتْ مواشينا، وأجدت جِنَابُنَا، وَغَرِثَ عِيَالُنَا [3] ، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُغِثْنَا، وَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، وَلْيَشْفَعْ لَنَا رَبُّكَ إِلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«سُبْحَانَ اللَّهِ، وَيْلَكَ هَذَا، أَنَا أَشْفَعُ إِلَى رَبِّي عز وجل، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ رَبُّنَا إِلَيْهِ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَهِيَ تَئِطُّ مِنْ عَظَمَتِهِ وَجَلالِهِ كَمَا يَئِطُّ الرَّحْلُ الْجَدِيدُ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَيَضْحَكُ مِنْ شففكم وَأَزْلِكُمْ [4] وَقُرْبِ غِيَاثِكُمْ» فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَيَضْحَكُ رَبُّنَا عز وجل؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ الأَعْرَابِيُّ: لَنْ يَعْدَمَكَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرٌ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَتَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ، وَكَانَ لا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَّا رَفَعَ الاسْتِسْقَاءَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُؤِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، وَكَانَ مِمَّا حُفِظَ مِنْ دُعَائِهِ:«اللهم اسق بلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بَلَدَكَ الْمَيِّتَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُرِيحًا مُرِيعًا طَبَقًا وَاسِعًا عَاجِلا غَيْرَ آجِلٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا رَحْمَةً وَلا تَسْقِنَا عَذَابًا وَلا هَدْمًا وَلا غَرَقًا وَلا مَحْقًا، اللَّهُمَّ اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء» . فقام أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يا رسول
[ (1) ] أي في جدب وقحط.
[ (2) ] أي هزيلة ضعيفة.
[ (3) ] أي جاع عيالنا.
[ (4) ] أي على حالكم التي أنتم عليها.
اللَّهِ، التَّمْرُ فِي الْمَرَابِدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ اسْقِنَا حَتَّى يَقُومُ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ [1] مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ» قَالُوا: لا وَاللَّهِ، مَا فِي السَّمَاءِ سَحَابٌ وَلا قَزَعَةٌ، وَمَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ شَجَرٍ وَلا دَارٍ، فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَاءِ سَلْعٍ سَحَابَةٌ مِثْلُ التِّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءُ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا، وَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ لِئَلَّا يَخْرُجُ التَّمْرُ مِنْهُ، فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ فَدَعَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا حَتَّى رُؤِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ ثُمَّ قَالَ:«اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ [2] وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ»
قَالَ: فَانْجَابَتِ السَّحَابَةُ السحاب عن المدينة انجياب الثوب.
[ (1) ] وهو محرج ماء المطر.
[ (2) ] وهو الجيل المنبسط.