المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب] 1 - قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، - غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر - جـ ١

[أحمد بن محمد الحموي الحنفي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌الْفَنُّ الْأَوَّلُ قَوْلٌ فِي الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ

- ‌ الْقَاعِدَةُ الْأُولَى لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ

- ‌[الْقَاعِدَة الثَّانِيَةُ الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا]

- ‌[حَقِيقَة النِّيَّة]

- ‌[مَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ النِّيَّة]

- ‌ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ وَعَدَمِهِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَنْوِي خِلَافَ مَا يُؤَدِّي]

- ‌ صِفَةِ الْمَنْوِيِّ مِنْ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ

- ‌ بَيَانِ الْإِخْلَاصِ

- ‌[الْجَمْعُ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي النِّيَّةِ]

- ‌[وَقْتُ النِّيَّةِ]

- ‌[بَيَانُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْبَقَاءِ وَحُكْمُهَا مَعَ كُلِّ رُكْنٍ]

- ‌[مَحَلُّ النِّيَّةِ]

- ‌[اخْتِلَافُ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ فِي النِّيَّةِ]

- ‌[لَا يُشْتَرَطُ مَعَ نِيَّةِ الْقَلْبِ التَّلَفُّظُ فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[شُرُوطُ النِّيَّةِ]

- ‌[فَرْعٌ تَقْرُبُ مِنْ نِيَّةِ الْقَطْعِ نِيَّةُ الْقَلْبِ]

- ‌[فَرْعٌ عَقَّبَ النِّيَّةَ بِالْمَشِيئَةِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالنِّيَّةِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ قَاعِدَةُ الْأُمُورِ بِمَقَاصِدِهَا مِنْ قَوَاعِدَ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ يَتَدَرَّجُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوَاعِدُ]

- ‌[قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ]

- ‌ قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ

- ‌[قَاعِدَةٌ مَنْ شَكَّ هَلْ فَعَلَ شَيْئًا أَمْ لَا فَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ]

- ‌ قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ الْعَدَمُ

- ‌[تَنْبِيهٌ لَيْسَ الْأَصْلُ الْعَدَمَ مُطْلَقًا]

- ‌[قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ إضَافَةُ الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ]

- ‌[قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ فِي الْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صَبِيَّةٌ أَرْضَعَهَا قَوْمٌ وَلَمْ يَعْرِفُوا الْمُعْتَقَةَ]

- ‌[قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِيهَا فَوَائِدُ فِي قَاعِدَةِ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ]

- ‌[الأولي يُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَة الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ مَسَائِلُ]

- ‌ الثَّانِيَةُ الشَّكُّ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ

- ‌ الثَّالِثَةُ فِي الِاسْتِصْحَابِ

- ‌الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ)

- ‌(الْفَائِدَةُ) الْأُولَى الْمَشَاقُّ عَلَى قِسْمَيْنِ:

- ‌[خِتَام قَاعِدَة الْمَشَقَّة تجلب التَّيْسِير بِفَوَائِد مُهِمَّة]

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: تَخْفِيفَاتُ الشَّرْعِ أَنْوَاعٌ:

- ‌[الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ الْمَشَقَّةُ وَالْحَرَجُ إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ]

- ‌[الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ وَإِذَا اتَّسَعَ ضَاقَ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ الضَّرَرُ يُزَالُ وَيَتَعَلَّق بِهَا قَوَاعِدُ]

- ‌ الْأُولَى: الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ

- ‌ الثَّانِيَةُ: مَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا

- ‌ تَذْنِيبٌ: يَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: مَا جَازَ لِعُذْرٍ بَطَلَ بِزَوَالِهِ

- ‌[الثَّالِثَةُ الضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ]

- ‌[الرَّابِعَةُ إذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا]

- ‌[الْخَامِسَةُ دَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ]

- ‌السَّادِسَةُ الْحَاجَةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ

- ‌[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ]

- ‌[الثَّانِي تَعْلِيمُ الْكَلْبِ الصَّائِدِ يَتْرُكُ أَكْلَهُ لِلصَّيْدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْعَادَةُ إذَا اطَّرَدَتْ أَوْ غَلَبَتْ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ بِمَاذَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ وَفِي ذَلِكَ فُرُوعٌ] [

- ‌الْأَوَّلُ الْعَادَةُ فِي بَابِ الْحَيْضِ]

- ‌[الثَّالِثُ ثُبُوتُ الْعَادَةُ بِالْإِهْدَاءِ لِلْقَاضِي الْمُقْتَضِيَةُ لِلْقَبُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ الْعُرْفِ مَعَ الشَّرْعِ]

- ‌[مَسَائِلَ يُقَدَّمُ الشَّرْعُ عَلَى الْعُرْفِ]

- ‌[حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا فركب إنْسَان]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ الْعُرْفِ مَعَ اللُّغَةِ]

- ‌[حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكْلِ الْكَبِدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ هَلْ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ خَرَجَتْ عَنْ بِنَاءِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ مَسَائِلُ]

- ‌[حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدْمِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ]

- ‌الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ: الْعُرْفُ الَّذِي تُحْمَلُ عَلَيْهِ الْأَلْفَاظُ

- ‌تَنْبِيهٌ: هَلْ يُعْتَبَرُ فِي بِنَاءِ الْأَحْكَامِ الْعُرْفُ الْعَامُّ أَوْ مُطْلَقُ الْعُرْفِ

- ‌الْقَاعِدَةُ الْأُولَى: الِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ

- ‌[النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الْقَوَاعِدِ] [

- ‌ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي الْقِبْلَةِ

- ‌[فُرُوعٌ عَلَى قَاعِدَةِ الِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌ كَانَ لِرَجُلٍ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا نَجَسٌ، فَتَحَرَّى بِأَحَدِهِمَا، وَصَلَّى ثُمَّ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى طَهَارَةِ الْآخَرِ

- ‌[حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَيْءٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ]

- ‌[حَكَمَ الْقَاضِي بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ ثُمَّ تَابَ فَأَعَادَهَا]

- ‌[يُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَةِ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ مَسْأَلَتَيْنِ]

- ‌[حُكْمُ الْقَاضِي فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ لَا يُنْقَضُ]

- ‌تَنْبِيهَاتٌ

- ‌ الْمُوَثِّقِينَ يَكْتُبُونَ عَقِبَ الْوَاقِعَةِ عِنْدَ الْقَاضِي

- ‌[قَالَ الْمُوَثِّقُ وَحَكَمَ بِمُوجِبِهِ حُكْمًا صَحِيحًا فَهَلْ يَكْتَفِي بِهِ]

- ‌[الثَّالِثُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ]

- ‌[الرَّابِعُ حَكَمَ بِقَوْلٍ ضَعِيفٍ فِي مَذْهَبِهِ أَوْ بِرِوَايَةٍ مَرْجُوعٍ عَنْهَا]

- ‌[السَّادِسُ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ شَرْطِ الْوَاقِفِ]

- ‌[الْخَامِسُ قَضَى بِشَيْءٍ مُخَالِفٍ لِلْإِجْمَاعِ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ غَلَبَ الْحَرَامُ]

- ‌[فُرُوعٌ عَلَى قَاعِدَةِ إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ غَلَبَ الْحَرَامُ] [

- ‌تَعَارَضَ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالْآخَرُ الْإِبَاحَةَ]

- ‌ اشْتَبَهَ مُحَرَّمَةٌ بِأَجْنَبِيَّاتٍ مَحْصُورَاتٍ

- ‌ شَارَكَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمَ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ

- ‌[مَجُوسِيٌّ أَخَذَ بِيَدِ مُسْلِمٍ فَذَبَحَ وَالسِّكِّينُ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ]

- ‌[وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ]

- ‌[بَعْضُ الشَّجَرَةِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ]

- ‌ اخْتَلَطَتْ مَسَالِيخُ الْمُذَكَّاةِ بِمَسَالِيخِ الْمَيْتَةِ

- ‌[اخْتَلَطَتْ زَوْجَتُهُ بِغَيْرِهَا فَهَلْ لَهُ الْوَطْءُ]

- ‌ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ

- ‌ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ

- ‌[الِاجْتِهَادُ فِي الْأَوَانِي إذَا كَانَ بَعْضُهَا طَاهِرًا وَبَعْضُهَا نَجِسًا]

- ‌الثَّالِثَةُ: الِاجْتِهَادُ فِي ثِيَابٍ مُخْتَلِطَةٍ بَعْضُهَا نَجِسٌ وَبَعْضُهَا طَاهِرٌ

- ‌[خَرَجَتْ عَنْ قَاعِدَةِ إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ غَلَبَ الْحَرَامُ مَسَائِلُ] [

- ‌الْأُولَى مَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ مَجُوسِيٌّ]

- ‌[الرَّابِعَةُ سَقَى شَاةً خَمْرًا ثُمَّ ذَبَحَهَا مِنْ سَاعَتِهِ]

- ‌[الْخَامِسَةُ أَكَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا قَدْ اُسْتُهْلِكَ فِيهِ الطِّيبُ]

- ‌[السَّادِسَةُ اخْتَلَطَ مَائِعٌ طَاهِرٌ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ]

- ‌[السَّابِعَةُ اخْتَلَطَ لَبَنُ الْمَرْأَةِ بِمَاءٍ]

- ‌[التَّاسِعَةُ اخْتَلَطَتْ حَمَامَةُ الْمَمْلُوكِ بِغَيْرِ الْمَمْلُوكِ]

- ‌[الْعَاشِرَةُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ أَكْثَرَ بُيُوعَاتِ أَهْلِ السُّوقِ لَا تَخْلُو عَنْ الْفَسَادِ]

- ‌[الثَّامِنَةُ كَانَ غَالِبُ مَالِ الْمُهْدِي حَلَالًا فَمَا حُكْم قَبُولِ هَدِيَّتِهِ]

- ‌[تَتِمَّةٌ عَلَى قَاعِدَةِ إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ غَلَبَ الْحَرَامُ]

- ‌[تَنْبِيهٌ عَلَى قَاعِدَةِ إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ غَلَبَ الْحَرَامُ]

- ‌[خَرَجَتْ عَنْ قَاعِدَةِ إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ غَلَبَ الْحَرَامُ مَسَائِلُ]

- ‌[الْأُولَى لَوْ اُسْتُشْهِدَ الْجُنُبُ]

- ‌ الثَّانِيَةُ: لَوْ اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْكُفَّارِ

- ‌[فَصْلٌ إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ الْإِيثَارُ فِي الْقُرَبِ]

- ‌الْأُولَى: أَنَّهُ لَا يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ

- ‌[الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ التَّابِعُ تَابِعٌ وَتَدْخُلُ فِيهَا قَوَاعِدُ] [

- ‌الثَّانِيَةُ: التَّابِعُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ

- ‌[تَنْبِيهٌ يَسْقُطُ الْفَرْعُ إذَا سَقَطَ الْأَصْلُ]

- ‌[الثَّالِثَةُ التَّابِعُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَتْبُوعِ]

- ‌الرَّابِعَةُ: يُغْتَفَرُ فِي التَّوَابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا

- ‌[فَائِدَةٌ يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ]

- ‌الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ تَصَرُّفُ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ

- ‌[تَنْبِيهٌ كَانَ فِعْلُ الْإِمَامِ مَبْنِيًّا عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْعَامَّةِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ آخَرُ تَصَرُّفُ الْقَاضِي فِيمَا لَهُ فِعْلُهُ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى]

- ‌الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ: «الْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ»

- ‌تَنْبِيهٌ: الْقِصَاصُ كَالْحُدُودِ فِي الدَّفْعِ بِالشُّبْهَةِ

- ‌تَنْبِيهٌ: التَّعْزِيرُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ

- ‌الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ الْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ فَلَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ، وَلَوْ صَبِيًّا

- ‌[فُرُوعٌ عَلَى قَاعِدَةِ الْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ فَلَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَلَوْ صَبِيًّا]

- ‌[وَخَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إذَا تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي امْرَأَةٍ وَكَانَتْ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ إذَا اجْتَمَعَ أَمْرَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَقْصُودُهُمَا دَخَلَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخِرِ غَالِبًا]

- ‌الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ: إعْمَالُ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ مَتَى أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُهْمِلَ

- ‌[مَا تَفَرَّعَ عَلَيَّ قَاعِدَة إعْمَالُ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ مَتَى أَمْكَنَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُهْمِلَ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدًا]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ السُّؤَالُ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ]

- ‌ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ يَكُونُ السُّكُوتُ فِيهَا كَالنُّطْقِ:

- ‌[الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ الْفَرْضُ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ إلَّا فِي مَسَائِلَ] [

- ‌الْأُولَى إبْرَاءُ الْمُعْسِرِ]

- ‌ الثَّانِيَةُ: الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ، سُنَّةٌ أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ الْوَاجِبِ

- ‌ الثَّالِثَةُ: الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ مَنْدُوبٌ، أَفْضَلُ مِنْ الْوُضُوءِ بَعْدَ الْوَقْتِ

- ‌الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: مَا حَرُمَ أَخْذُهُ حَرُمَ إعْطَاؤُهُ

- ‌تَنْبِيهٌ: وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَاعِدَةُ: مَا حَرُمَ فِعْلُهُ حَرُمَ طَلَبُهُ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ:

- ‌الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: مَنْ اسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ

- ‌ قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا

- ‌[مِنْ فُرُوعِهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِلَا رِضَاهَا قَاصِدًا حِرْمَانَهَا مِنْ الْإِرْثِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ]

- ‌[وَخَرَجَتْ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَة مَسَائِلُ]

- ‌ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ

- ‌[قَتَلَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْمَدْيُونَ]

- ‌[أَمْسَكَ زَوْجَتَهُ مُسِيئًا عِشْرَتَهَا لِأَجْلِ إرْثِهَا]

- ‌ بَاعَ مَالَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ فِرَارًا عَنْهَا

- ‌[شَرِبَ شَيْئًا لِيَمْرَضَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَصْبَحَ مَرِيضًا]

- ‌[إذَا شَرِبَتْ دَوَاءً فَحَاضَتْ لَمْ تَقْضِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ]

- ‌[وَخَرَجَتْ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ] [

- ‌الْأُولَى ظَنَّهُ مَصْرِفًا لِلزَّكَاةِ فَدَفَعَ لَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ ابْنُهُ]

- ‌[الثَّانِيَةُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ ذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ]

- ‌[وَخَرَجَتْ عَنْهَا مَسَائِلُ]

- ‌[دَلَّ الْمُودِعُ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَة إذَا اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ وَالْمُتَسَبِّبُ أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَى الْمُبَاشِرِ]

- ‌[قَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ تَزَوَّجْهَا فَإِنَّهَا حُرَّةٌ]

- ‌[دَلَّ مُحْرِمٌ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ]

- ‌ الْإِفْتَاءُ بِتَضْمِينِ السَّاعِي

- ‌ دَفَعَ إلَى صَبِيٍّ سِكِّينًا لِيَمْسِكَهُ لَهُ فَوَقَعَ عَلَيْهِ فَجَرَحَتْهُ

- ‌[فَائِدَةٌ فِي حَفْرِ الْبِئْرِ قَالَ الْوَلِيُّ سَقَطَ وَقَالَ الْحَافِرُ أَسْقَطَ نَفْسَهُ]

الفصل: ‌ ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب] 1 - قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ،

[مُقَدِّمَة الْكتاب]

1 -

قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، 2 - عَلَى مَا أَنْعَمَ.

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ. إخْبَارٌ صِيغَةً، إنْشَاءٌ مَعْنًى. وَلَا مَحْذُورَ فِي عَدَمِ مَحْمُودِيَّتِهِ فِي الْأَزَلِ بِمَا أَنْشَأَهُ الْعِبَادُ مِنْ الْمَحَامِدِ، وَإِنَّمَا الْمَحْذُورُ عَدَمُ اتِّصَافِهِ بِمَا يَحْمَدُونَهُ مِنْ الْكِمَالَاتِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرُ يَسْقُطُ مَا قِيلَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى كَوْنِهِ إنْشَاءً انْتِفَاءَ الِاتِّصَافِ بِالْجَمِيلِ قَبْلَ حَمْدِ الْحَامِدِ ضَرُورَةُ أَنَّ الْإِنْشَاءَ يُقَارِنُ مَعْنَاهُ لَفْظَهُ فِي الْوُجُودِ (انْتَهَى) .

عَلَى أَنَّ اللَّازِمَ مِنْ الْمُقَارَنَةِ انْتِفَاءُ وَصْفِ الْوَاصِفِ الْمُعَيَّنِ لَا الِاتِّصَافُ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ (رحمه الله) الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْإِنْشَاءِ أَقَلَّ مِنْ الْقَلِيلِ لِإِفَادَتِهَا الثَّبَاتَ وَالدَّوَامَ كَمَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ دَوَامُ الْإِنْشَاءِ أَوْ الْمَنْشَأِ كَالثَّنَاءِ فَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ أَوْ مُتَعَلِّقُ إنْشَاءِ الِاتِّصَافِ بِالْجَمِيلِ فَدَوَامُ ذَلِكَ إنَّمَا يُسْتَفَادُ بِطَرِيقِ الْإِخْبَارِ وَالْغَرَضُ الْإِنْشَاءُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ إنْشَاءُ نِسْبَةِ الِاتِّصَافِ بِالْجَمِيلِ عَلَى الدَّوَامِ بِأَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ الِاتِّصَافُ بِذَلِكَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَصْدَ الْإِنْشَاءِ يُنَافِي إفَادَةَ الْجُمْلَةِ الدَّوَامَ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي هَذَا الْمَقَامِ.

(2)

عَلَى مَا أَنْعَمَ: قِيلَ إنْ كَانَتْ جُمْلَةُ الْحَمْدِ خَبَرِيَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: إمَّا بِالْمُبْتَدَأِ وَهُوَ الْحَمْدُ وَالْمَعْنَى كُلُّ حَمْدٍ عَلَى أَنْعَامِهِ وَلِأَجْلِهِ، أَوْ جِنْسِ الْحَمْدِ عَلَى أَنْعَامِهِ وَلِأَجْلِهِ مِلْكٌ أَوْ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ فَإِنَّ ثُبُوتَ كُلِّ حَمْدٍ أَوْ جِنْسِ الْحَمْدِ

ص: 9

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[غمز عيون البصائر]

عَلَى أَنْعَامِ اللَّهِ لِلَّهِ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ (انْتَهَى) .

(أَقُولُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِخْبَارَ بِذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ لِعِلْمِهِ بِذَلِكَ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْذُورٌ مَانِعُ مِنْ كَوْنِ الْجُمْلَةِ حَمْدًا أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ قُلْت اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي أَوْ خَالِقِي أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا لِكُلِّ وَاحِدٍ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ مِنْ حُصُولِ الثَّوَابِ وَكَذَا قَوْلُك أَنْتَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَنَحْوُهُ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ حَمْدًا لَهُ فَإِنْ كَانَ فِيمَا ذُكِرَ خُصُوصِيَّةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْمُقْتَضَى فَلِتَكُنْ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي قَوْلِنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ.

وَكَمْ فِي السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ مِنْ جُمَلٍ مَعْلُومَةٍ لِكُلِّ أَحَدٍ بَلْ بِالضَّرُورَةِ وَأَمَرَ الشَّارِعُ بِهَا لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا مُقْتَضَاهَا (وَالثَّانِي بِالْحَمْدِ اللَّازِمِ لِهَذَا الْخَبَرِ كَأَنَّهُ قِيلَ حَمْدِي اللَّازِمُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ لِأَجْلِ إنْعَامِهِ) .

أَقُولُ: لَك أَنْ تَقُولَ فِيهِ ارْتِكَابُ خِلَافِ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَهُمْ مِنْ أَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لَفْظٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَظَاهِرُ أَنَّ الْحَمْدَ اللَّازِمَ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ لَيْسَ هُوَ بِلَفْظٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ مَعْنًى لَزِمَ مِنْ الْمَعْنَى الْخَبَرِيِّ وَيُفْهَمُ مِنْ قُوَّةِ الْكَلَامِ أَنَّ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ (وَلَك أَنْ تَقُولَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ هُوَ الذَّاتُ أَوْ الصِّفَاتُ الذَّاتِيَّةُ) وَكَأَنَّهُ قَالَ حَمْدِي اللَّازِمُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ لِأَجْلِ الْإِنْعَامِ صَادِرٌ فِي مُقَابِلَةِ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ وَالصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ (وَلَا يُقَالُ أَنَّ صُدُورَهُ لِأَجْلِ الْإِنْعَامِ يُنَافِي أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ الذَّاتِ) لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ لَيْسَ بَاعِثًا حَقِيقِيًّا عَلَى الْحَمْدِ (وَالثَّالِثُ) تَعَلُّقُهُ بِخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ، أَعْنِي لِلَّهِ مَعَ حَمْلِ أَلْ عَلَى الْجِنْسِ، وَأَمَّا تَعَلُّقُهُ بِخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ أَعْنِي لِلَّهِ مَعَ حَمْلِ أَلْ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فَلَا يَنْبَغِي جَوَازُهُ إذْ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَنَّ كُلَّ حَمْدٍ مَمْلُوكٌ أَوْ مُسْتَحَقٌّ لِأَجْلِ إنْعَامِهِ وَقَضِيَّتُهُ انْحِصَارُ عِلَّةِ مَمْلُوكِيَّةِ الْحَمْدِ أَوْ اسْتِحْقَاقِهِ فِي الْإِنْعَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ غَيْرُ الْإِنْعَامِ كَالذَّاتِ وَصِفَاتِهَا الذَّاتِيَّةِ تَكُونُ عِلَّةً أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مَعَ حَمْلِ أَلْ عَلَى الْجِنْسِ، إذْ مِلْكُ جِنْسِ الْحَمْدِ وَاسْتِحْقَاقُهُ لِأَجْلِ الْإِنْعَامِ لَا يُنَافِي مِلْكَهُ وَاسْتِحْقَاقَهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا وَكَذَا تَعَلُّقُهُ بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ.

وَلِلَّهِ صِلَةُ الْمُبْتَدَأِ مَعَ حَمْلِ أَلْ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ أَيْضًا إذْ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ كُلُّ حَمْدٍ لِلَّهِ كَائِنٌ لِأَجْلِ إنْعَامِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ بَعْضُ الْحَمْدِ كَائِنٌ لِأَجْلِ غَيْرِ الْإِنْعَامِ كَالذَّاتِ وَالصِّفَاتِ بِخِلَافِ ذَلِكَ مَعَ حَمْلِ أَلْ عَلَى الْجِنْسِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَتْ إنْشَائِيَّةً يَنْبَغِي تَعَلُّقُ الظَّرْفِ بِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ وَكَأَنَّهُ قِيلَ أَصِفُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِمَالِكِيَّتِهِ كُلَّ وَصْفٍ جَمِيلٍ أَوْ جِنْسَهُ لِأَجْلِ إنْعَامِهِ أَوْ بِاسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ

ص: 10

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ

ــ

[غمز عيون البصائر]

وَالِاخْتِصَاصُ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ بِجَمِيلٍ أَوْ جِنْسَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْإِنْعَامِ أَصِفُهُ تَعَالَى بِمَالِكِيَّتِهِ أَوْ اسْتِحْقَاقِهِ وَالِاخْتِصَاصُ بِهِ لِأَجْلِ إنْعَامِهِ.

وَبِالْمُبْتَدَأِ وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَصِفُهُ بِمَالِكِيَّتِهِ كُلَّ وَصْفٍ بِجَمِيلٍ أَوْ جِنْسَهُ لِأَجْلِ إنْعَامِهِ أَوْ بِاسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ أَوْ لِاخْتِصَاصٍ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ بِجَمِيلٍ أَوْ جِنْسَ ذَلِكَ لِأَجْلِ إنْعَامِهِ أَصِفُهُ تَعَالَى بِمَالِكِيَّتِهِ أَوْ اسْتِحْقَاقِهِ أَوْ الِاخْتِصَاصِ بِهِ وَلَا إشْكَالَ فِي صِحَّتِهِ وَحُسْنِهِ.

(انْتَهَى) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ دَقِيقٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ بِجَمِيلٍ أَوْ جِنْسَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْإِنْعَامِ أَصِفُ اللَّهَ تَعَالَى بِمَالِكِيَّتِهِ إلَى آخِرِهِ.

فَتَأَمَّلْ حَقَّ التَّأَمُّلِ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى تَعَلُّقِهِ بِالْمُبْتَدَأِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمَصْدَرِ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ يَعْنِي يَذْكُرُ مُتَعَلِّقَهُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ.

عَارَضَهُ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْمِفْتَاحِ وَاخْتَارَ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِقْرَارِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْخَبَرُ أَوْ بِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَمْدُ أَيْ نَحْمَدُهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ.

وَفِي حَوَاشِي الْمَوْلَى عَلَاءِ الدِّينِ فِي مُصَنَّفِهِ عَلَى الْمُطَوَّلِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الظَّرْفَ مُسْتَقَرُّ خَبَرٍ بَعْدَ خَبَرٍ لِيَظْهَرَ تَحَقُّقُ الِاسْتِحْقَاقَيْنِ لَا لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَمْدِ فُصِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَامِلِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ الذَّاتِيَّ أَقْدَمُ مِنْ الْوَصْفِيِّ كَمَا قِيلَ فَتَدَبَّرْ.

وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ لَا مَوْصُولٌ اسْمِيٌّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَعَلَى مَا قِيلَ يَجُوزُ جَعْلُهَا تَعْلِيلِيَّةً وَيَجُوزُ جَعْلُهَا لِلْمُصَاحَبَةِ وَبِمَعْنَى فِي وَبِمَعْنَى مَعَ وَيُمْكِنُ جَعْلُهَا لِلِاسْتِعْلَاءِ إشَارَةً إلَى تَفْخِيمِ الْحَمْدِ (انْتَهَى) .

(أَقُولُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَبَعِيدٌ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا مَعْنَى لِجَعْلِ الْحَمْدِ مَظْرُوفًا عَلَى الْإِنْعَامِ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْنَ الثَّانِي فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ وَأَمَّا الْخَامِسُ فَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْحَمْدَ مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ وَبِأَنَّ إرَادَةَ الِاسْتِعْلَاءِ عَلَى الْإِنْعَامِ مُخِلٌّ بِالْبَلَاغَةِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ وَلِهَذَا كَانَتْ النِّعْمَةُ فِي الْغَالِبِ إذَا ذُكِرَتْ مَعَ الْحَمْدِ فِي الْقُرْآنِ لَمْ تَقْتَرِنْ بِعَلَى وَحَيْثُ أُشِيرَ إلَى ذِكْرِ النِّعْمَةِ أُتِيَ بِعَلَى «كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» إشَارَةً إلَى سِتْرِ النِّعْمَةِ وَاسْتِيلَاءِ الْحَمْدِ عَلَيْهَا.

(3)

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ: صَلَّى فِعْلٌ مَاضٍ قِيَاسًا مَصْدَرُهُ التَّصْلِيَةُ وَهُوَ مَهْجُورٌ فَلَا يُقَالُ لِعَدَمِ السَّمَاعِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقِيَاسُ. كَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَفِي الْقَامُوسِ مَا يُؤَيِّدُهُ حَيْثُ قَالَ صَلَّى صَلَاةً لَا تَصْلِيَةً دُعَاءً (انْتَهَى) . أَقُولُ دَعْوَى عَدَمِ السَّمَاعِ مَمْنُوعَةٌ فَقَدْ سُمِعَ فِي الشِّعْرِ الْقَدِيمِ كَمَا فِي الْعِقْدِ لِابْنِ عَبْدِ رَبِّهِ:

ص: 11

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[غمز عيون البصائر]

تَرَكْت الْقِيَانَ وَعَزْفَ الْقَيَانِ

وَأَدْمَنْت تَصْلِيَةً وَابْتِهَالًا

وَهُوَ مِنْ شِعْرٍ أَنْشَدَهُ ثَعْلَبٌ وَلَهُ قِصَّةٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرهَا ثُمَّ قَالَ قَوْلَهُ تَصْلِيَةً وَابْتِهَالًا تَصْلِيَةً مِنْ الصَّلَاةِ وَابْتِهَالًا مِنْ الدُّعَاءِ يُقَالُ صَلَّيْت صَلَاةً وَتَصْلِيَةً (انْتَهَى) . وَقَدْ ذَكَرَهُ الزَّوْزَنِيُّ فِي مَصَادِرِهِ فَقَالَ: التَّصْلِيَةُ " نماز كردن ودروددان "(انْتَهَى) . وَكَأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ قِيَاسِيٌّ وَأَهْلُ اللُّغَةِ عِنَايَتُهُمْ بِالْمَصَادِرِ السَّمَاعِيَّةِ دُونَ الْقِيَاسِيَّةِ فَتَرْكُهُمْ لَهُ وَإِنْ سُمِعَ اتِّكَالًا عَلَى الْقِيَاسِ. وَعَلَى هَذَا فَتَرْكُ اسْتِعْمَالِ التَّصْلِيَةِ فِي الْخُطَبِ إنَّمَا هُوَ لِإِيهَامِ اللَّفْظِ مَا لَيْسَ مُرَادًا وَهُوَ التَّصْلِيَةُ بِمَعْنَى التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ فَإِنَّهُ مُصْدَرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يُقَالُ صَلَاهُ تَصْلِيَةً كَمَا يُقَالُ صَلَّى تَصْلِيَةً لَا لِعَدَمِ السَّمَاعِ. وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدٍ الْقُهُسْتَانِيِّ وَالصَّلَاةُ اسْمٌ مِنْ التَّصْلِيَةِ وَكِلَاهُمَا مُسْتَعْمَلٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ بِمَعْنَى أَدَاءِ الْأَرْكَانِ، فَإِنَّ مَصْدَرَهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَلِفُهَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ الْوَاوِ وَلَمْ يُكْتَبْ بِهَا إلَّا فِي الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ (انْتَهَى) . هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِلَفْظِهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَازِ وَأَمَّا مَعْنَاهَا فَفِي الْكَشَّافِ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [المائدة: 55] أَنَّهَا تَحْرِيكُ الصَّلَاتَيْنِ حَقِيقَةً سُمِّيَتْ بِهَا الْأَرْكَانُ الْمَخْصُوصَةُ لِتَحَرُّكِهِمَا فِيهَا ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا الدُّعَاءُ تَشْبِيهًا لِلدَّاعِي بِالْمُصَلِّي فِي تَخَشُّعِهِ فَهِيَ فِي الدُّعَاءِ اسْتِعَارَةٌ مِنْ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ. وَفِي الْكَشَّافِ أَيْضًا عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الِانْعِطَافِ عَلَى وَجْهِ التَّرَحُّمِ كَانْعِطَافِ عَائِدِ الْمَرِيضِ عَلَيْهِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى وَلَدِهَا لِوُجُودِهِ فِيهَا، ثُمَّ مِنْهُ إلَى الدُّعَاءِ فَيَكُونُ فِي الدُّعَاءِ مَجَازًا عَنْ الِاسْتِعَارَةِ (انْتَهَى) . وَفِي الْفَائِقِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَقْوِيمُ الْعُودِ ثُمَّ قِيلَ لِلرَّحْمَةِ صَلَاةٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَقْوِيمِ الْعَمَلِ ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الدُّعَاءِ فَهِيَ فِي الدُّعَاءِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَنْ الِاسْتِعَارَةِ (انْتَهَى) . وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنهمَا مِنْ الْخِلَافِ وَقَدْ تَعَقَّبَ مَا فِي الْكَشَّافِ الْعَلَّامَةُ سَعْد الدَّيْن فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [البقرة: 3] بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِنْصَافَ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي الدُّعَاءِ مَجَازٌ فِي الْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَحْسَنَ بَيَانٍ. وَهَذَا هُوَ مَا اشْتَهَرَ بَيْنَهُمْ. وَفِي بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ لِابْنِ الْقَيِّمِ قَوْلُهُمْ الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ،

ص: 12

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[غمز عيون البصائر]

بَاطِلٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَايَرَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] وَالثَّانِي أَنَّ سُؤَالَ الرَّحْمَةِ يُشْرَعُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَالصَّلَاةَ تَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِآلِهِ فَهِيَ حَقٌّ لَهُ وَلِآلِهِ وَلِهَذَا مَنَعَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مُعَيَّنٍ غَيْرِهِ وَلَمْ يَمْنَعْ أَحَدٌ مِنْ التَّرَحُّمِ عَلَى مُعَيَّنٍ غَيْرِهِ. الثَّالِثُ أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَامَّةٌ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَصَلَاتَهُ خَاصَّةٌ بِخَوَاصِّ عِبَادِهِ وَقَوْلَهُمْ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ مُشْكِلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الدُّعَاءَ يَكُونُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالصَّلَاةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْخَيْرِ وَالثَّانِي أَنَّ دَعَوْت يَتَعَدَّى بِاللَّامِ وَصَلَّيْت لَا يَتَعَدَّى إلَّا بِعَلَى وَدَعِي الْمُتَعَدِّي بِعَلَى لَيْسَ بِمَعْنَى صَلَّى وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَالثَّالِثُ أَنَّ فِعْلَ الدُّعَاءِ يَقْتَضِي مَدْعُوًّا وَمَدْعُوًّا لَهُ تَقُولُ دَعَوْت اللَّهَ لَك بِخَيْرٍ. وَفِعْلُ الصَّلَاةِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَا تَقُولُ صَلَّيْت اللَّهَ عَلَيْك وَلَا لَك فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَاهُ فَأَيُّ تَبَايُنٍ أَظْهَرُ مِنْ هَذَا؟ ، وَلَكِنَّ التَّقْلِيدَ يُعْمِي عَنْ إدْرَاكِ الْحَقَائِقِ فَإِيَّاكَ وَالْإِخْلَادَ إلَى أَرْضِهِ (انْتَهَى)

قَوْلُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ظَرْفٌ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِصَلَى وَفِي كَلَامِهِ إطْلَاقُ السَّيِّدِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْمُقْتَفَى أَحَدُهَا جَوَازُ إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى غَيْرِهِ الثَّانِي لَا يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ وَعَزَاهُ إلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ.

الثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالُوا لَهُ يَا سَيِّدَنَا قَالَ: إنَّمَا السَّيِّدُ اللَّهُ» .

وَفِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَرُدُّ هَذَا الْقَوْلَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» .

كَذَا فِي التَّعْلِيقِ وَذَكَرَ الشِّهَابُ الْخَفَاجِيُّ أُسْتَاذُنَا عَنْ الْإِنْكَارِ حِكَايَةً عَنْ النَّحَّاسِ أَنَّهُ جَوَّزَ إطْلَاقَهُ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يُعَرَّفَ قَالَ وَالْأَظْهَرُ جَوَازُهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لِغَيْرِهِ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ قَدْ عَرَفْت الْأَقْوَالَ أَرْبَعَةً وَالصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى غَيْرِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ فِي اللَّهِ بِمَعْنَى الْعَظِيمِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَفِي غَيْرِهِ بِمَعْنَى الشَّرِيفِ الْفَاضِلِ الرَّئِيسِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي الْمَحْكِيُّ عَنْ مَالِكٍ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْإِطْلَاقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَجْهُهُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي وَصَلَتْ إلَيْهِ وَلِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ مَنْ يَسُودُ قَوْمَهُ أَيْ يَرْأَسُهُمْ فَعِزُّهُ بِعِزِّهِمْ وَفَخْرُهُ بِكَوْنِهِ مَتْبُوعًا وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِاَللَّهِ الْغَنِيِّ عَنْ

ص: 13

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[غمز عيون البصائر]

الْعَالَمِينَ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ وَهُوَ اخْتِصَاصُهُ تَعَالَى بِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُتَصَرِّفُ فِي أُمُورِ غَيْرِهِ وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ الْقَائِلُ بِالتَّفْصِيلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْأَغْلَبِيِّ وَالْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ هُوَ الْمَعْرُوفُ الْمَعْهُودُ بِالْعَظَمَةِ وَكَوْنُهُ مَلْجَأً أَوْ هُوَ أَيْضًا لَا يَلِيقُ بِغَيْرِهِ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ لِمَا مَرَّ.

1 -

وَمُحَمَّدٌ عَلَمٌ شَخْصِيٌّ لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فِيهِ مَعْنَى اللَّقَبِ مِنْ حَيْثُ إشْعَارِهِ بِالْمَدْحِ ذَكَرَهُ مُلَّا شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَهُوَ أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ الشَّرِيفَةِ وَهِيَ أَلْفٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَقِيلَ ثَلَثُمِائَةٍ وَقِيلَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْفِعْلِ الْمُضَعَّفِ أَيْ الْمُكَرَّرِ الْعَيْنِ وَهُوَ حُمِّدَ بِالتَّشْدِيدِ سَمَّاهُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِمَوْتِ أَبِيهِ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ بِإِلْهَامٍ تَفَاؤُلًا بِأَنْ يَكْثُرَ حَمْدُ الْخَلْقِ لَهُ.

وَفِي السِّيَرِ قِيلَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِمَ سَمَّيْت ابْنَك مُحَمَّدًا وَلَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ آبَائِكَ وَلَا قَوْمِك قَالَ رَجَوْت أَنْ يُحْمَدَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ لِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ.

وَقِيلَ لَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ إلَّا خَمْسَةُ عَشَرَ كَمَا بَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ وَأَمَّا اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ قَبْل وِلَادَتِهِ وَقِيلَ إنَّ اللَّهَ سَمَّاهُ قَبْلَ خَلْقِ الْخَلْقِ بِأَلْفَيْ عَامٍ وَاشْتُقَّ لَهُ مِنْ الْحَمْدِ اسْمَانِ أَحَدُهُمَا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي الْمَحْمُودِيَّةِ وَهُوَ مُحَمَّدٌ وَالْآخَرُ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي الْحَامِدِيَّةِ وَهُوَ أَحْمَدُ، وَاشْتَهَرَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا وَهُوَ الْأَفْضَلُ عَلَى الْأَصَحِّ اشْتِهَارًا أَكْثَرَ وَخَصَّ بِهِ.

كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِمَا لَهُ مِنْ مَقَامِ الْمَحْمُودِيَّةِ وَهَذَا كُلُّهُ مَشْهُورٌ إلَّا التَّصْرِيحُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ فَنَقَلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِ شُيُوخِنَا.

هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ أَحْمَدَ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي الْحَامِدِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَنْقُولٌ مِنْ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَنْقُولٌ مِنْ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ كَمَا قِيلَ بِهِ، فَلَا.

وَقَدْ ادَّعَى السَّخَاوِيُّ فِي سَفَرِ السَّعَادَةِ وَسَفِيرِ الْإِفَادَةِ أَنَّ أَحْمَدَ أَبْلَغُ مِنْ مُحَمَّدٍ كَمَا أَنَّ أَحْمَرَ أَبْلَغُ مِنْ مُحَمَّرٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَيْسَ مَنْقُولًا مِنْ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ وَلَا هُوَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ إنَّمَا مِثَالُ هَذَا أَنْ يُقَالَ لَك أَيْنَ مِنْ كَرَمَ أَفْعَلُ فَتَقُولُ أَكْرَمَ وَمِنْ هَذَا " اللَّهُ أَكْبَرُ ".

وَذَكَرَ الْكَافِيجِيُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ بِأَحْمَدَ قَبْلَ أَنْ سَمَّاهُ بِمُحَمَّدٍ لِلْآيَةِ أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6](انْتَهَى) .

وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَمَا اشْتَهَرَ مِنْ أَنَّ مُحَمَّدًا مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْفِعْلِ الْمُضَعَّفِ كَمَا سَبَقَ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَقِيلَ مَنْقُولٌ مِنْ الْمَصْدَرِ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ كَمَا تَكُونُ اسْمَ مَفْعُولٍ كَمَا هُوَ الْكَثِيرُ تَكُونُ مَصْدَرًا كَمَا فِي

ص: 14

وَسَلَّمَ

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَوْله تَعَالَى {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 19] وَقِيلَ أَنَّهُ مُرْتَجَلٌ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ مُعْطِي بَلْ صَرَّحَ الزَّجَّاجِيُّ بِأَنَّ الْأَعْلَامَ كُلَّهَا مُرْتَجِلَةٌ خِلَافًا لِسِيبَوَيْهِ فِي أَنَّهَا كُلَّهَا مَنْقُولَةٌ لِأَنَّ النَّقْلَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَى قَصْدِ النَّقْلِ إذْ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ مِنْ الْوَاضِعِ.

وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ تَصْرِيحٌ.

أَقُولُ هَذَا لَا يَتِمُّ فِي اسْمِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ تَمَّ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ دَلِيلَ قَصْدِ النَّقْلِ مِنْ الْوَاضِعِ مَوْجُودٌ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْمُتَقَدِّمُ.

وَفِي شَرْحِ الْهَادِي مُحَمَّدٌ مُفَعَّلٌ مِنْ الْحَمِيدِ وَالتَّكْرِيرُ فِيهِ لِلتَّكْثِيرِ مَنْقُولٌ مِنْ الصِّفَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّفَاؤُلِ وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ مُرْتَجَلٌ (انْتَهَى) .

وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْته.

قَالَ أُسْتَاذُنَا كَأَنَّهُ أَيْ الْقَائِلُ بِالِارْتِجَالِ ادَّعَى أَنَّ الْعَرَبَ إنَّمَا قَالَتْ فِي غَيْرِ الْعَلَمِ مَحْمُودٌ لَا مُحَمَّدٌ وَهَذَا مُرَادُ حَسَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدٌ.

فَتَدَبَّرْ (انْتَهَى) .

أَقُولُ وَجْهُ التَّدَبُّرِ أَنَّهُ سُمِعَ فِي الْوَصْفِيَّةِ بِغَيْرِ الْعَلَمِيَّةِ مُحَمَّدٌ قَالَ الْأَعْشَى:

إلَيْك أَبَيْت اللَّعْنَ كَانَ كَلَالَهَا

إلَى الْمَاجِدِ الْفَرْعِ الْجَوَّادِ الْمُحَمَّدِ

(4)

وَسَلَّمَ: أَيْ عَلَيْهِ وَحَذَفَ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَمَصْدَرُ سَلَّمَ التَّسْلِيمُ، وَالسَّلَامُ اسْمٌ مِنْهُ وَمَعْنَاهُ السَّلَامَةُ مِنْ النَّقَائِصِ وَيَكُونُ بِمَعْنَى التَّحِيَّةِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ كَرِهَ إفْرَادَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخِرِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَهَذَا الْخِلَافُ فِي حَقِّ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم.

وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ الْأَفْرَادِ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُورِدَ نَقْلًا صَرِيحًا وَلَا يَجِدُ إلَيْهِ سَبِيلًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

كَذَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ مَيْرَكٍ عَلَى الشَّمَائِلِ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مَعْطُوفَتَانِ عَلَى جُمْلَةِ الْحَمْدِ عَطْفُ فِعْلِيَّةٍ عَلَى اسْمِيَّةٍ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ كَمَا فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ مِنْ الْبَابِ الثَّانِي.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هُمَا مَعْطُوفَتَانِ عَلَى جُمْلَةِ أَنْعَمَ وَالتَّقْدِيرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إنْعَامِهِ وَعَلَى صَلَاتِهِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلَامِهِ.

وَعَلَى هَذَا فَيَكُونَانِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَالصِّنَاعَةِ إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ فَوَاتُ إحْرَازِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ بِالْكِتَابَةِ وَإِنْ حَصَلَتْ بِالنُّطْقِ وَهُوَ خِلَافُ

ص: 15

وَبَعْدُ؛ فَإِنَّ الْفِقْهَ

ــ

[غمز عيون البصائر]

مَا عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي الْخُطَبِ

1 -

بَقِيَ أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله لَمْ يَتَشَهَّدْ فِي خُطْبَتِهِ وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ.

قِيلَ وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَشَهَّدَ بِاللِّسَانِ يَدْفَعُهُ صَرِيحُ لَفْظِ الْحَدِيثِ (انْتَهَى) .

أَقُولُ لَيْسَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ صَرَاحَةٌ بِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالتَّشَهُّدِ فِي الْخُطْبَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْكِتَابَةِ حَتَّى يَكُونَ دَافِعًا لِلْجَوَابِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَمَا قِيلَ فِي الْجَوَابِ بِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ لِينًا غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّهُ بِفَرْضِ ذَلِكَ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْفَضَائِلِ كَيْفَ وَقَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ؟ ، وَمَا قِيلَ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي خُطْبَةِ النِّكَاحِ لَا فِي الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْعَامَّ يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَرِدَ مَا يُخَصِّصُهُ.

وَذِكْرُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ لَا يَصْلُحُ مُخَصِّصًا وَقَوْلُ التُّورْبَشْتِيِّ: الْمُرَادُ بِالتَّشَهُّدِ الْحَمْدُ رُدَّ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى " كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَتَانِ " وَبِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِلتَّشَهُّدِ هُوَ الْإِتْيَانُ بِالشَّهَادَةِ وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ وَالْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ الْحَقِيقَةِ غَيْرُ مَرْضِيٍّ

(5)

وَبَعْدُ فَإِنَّ الْفِقْهَ: بَعْدُ، كَلِمَةٌ يُؤْتَى بِهَا لِلِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إلَى آخَرَ وَهُوَ ظَرْفُ زَمَانٍ بِمَعْنَى كَثِيرًا وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَكَانِ وَيَصِحُّ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا هَاهُنَا وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ، لِحَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةٌ مَعْنَاهُ أَيْ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، قَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ فِي الْإِشَارَاتِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ بَعْدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا الضَّمُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، ثَانِيهَا مَعَ التَّنْوِينِ، ثَالِثهَا: النَّصْبُ وَالتَّنْوِينُ، رَابِعُهَا: فَتْحُ الدَّالِ مَعَ تَقْدِيرِ لَفْظِ الْمُضَافِ إلَيْهِ حَكَاهُ النَّحَّاسُ (انْتَهَى) .

وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ تَأْتِي هُنَا مَا عَدَا النَّصْبَ مَعَ التَّنْوِينِ فَإِنَّهَا لَمْ تُرْسَمْ بِأَلْفٍ وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ هِشَامٍ تِلْكَ الْأَوْجُهَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ إذَا حُذِفَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَنُوِيَ مَعْنَاهُ وَتُعْرَبُ فِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَهِيَ مَا إذَا ذُكِرَ الْمُضَافُ إلَيْهِ أَوْ حُذِفَ وَنُوِيَ لَفْظُهُ أَوْ حُذِفَ وَلَمْ يُنْوَ شَيْءٌ وَلَمْ يُذْكَرْ الضَّمُّ مَعَ التَّنْوِينِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيِّ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهَا فَاعِلٌ لَفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ مَهْمَا يَكُنْ بَعْدُ أَيْ يُوجَدُ.

قَالَ الشِّهَابُ أَحْمَدُ الْغَيْنَمِيُّ وَهُوَ قَرِيبٌ (انْتَهَى) .

(أَقُولُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فَاسِدًا فَهُوَ بَعِيدٌ فَمَا مَعْنَى نِسْبَةُ الْوُجُودِ إلَى بَعْدُ؟ وَكَوْنُ الْمُرَادُ لَفْظَهَا بَعِيدٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي التَّعْلِيقِ وَالْغَرَضِ مِنْهُ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَبَعْدُ قَدْ

ص: 16

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[غمز عيون البصائر]

اخْتَلَفُوا فِيهَا فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهَا عَاطِفَةُ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ، أَيْ عَاطِفَةُ مَضْمُونٍ سِيقَ لِغَرَضِ سَبَبِ التَّصْنِيفِ عَلَى مَضْمُونٍ سِيقَ لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ، وَالْعَامِلُ فِي بَعْدُ عَلَى هَذَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَقُولُ.

وَنَحْوُهُ، وَالْفَاءُ زَائِدَةٌ لِلْإِشْعَارِ بِاللُّزُومِ أَوْ عَاطِفَةٌ.

وَالتَّقْدِيرُ: وَأَقُولُ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ.

كَذَا قِيلَ.

أَقُولُ لَا يَتَأَتَّى الْإِشْعَارُ بِاللُّزُومِ إذَا كَانَتْ الْوَاوُ عَاطِفَةً وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُ الرَّضِيُّ إنَّ الْفَاءَ دَخَلَتْ لِتَوَهُّمِ: إمَّا إجْرَاءً لِلْمُتَوَهَّمِ مَجْرَى الْمُحَقَّقِ أَوْ لِتَقْدِيرِ " أَمَّا " قَبْلَ " بَعْدُ " عَلَى مَا جَوَّزَهُ الْجُرْجَانِيُّ.

وَقَدْ جَوَّزَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدٌ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى النُّقَايَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَبَعْدُ.

فَإِنَّ الْمُتَوَسِّلَ إلَى اللَّهِ بِأَقْوَى الذَّرِيعَةِ، أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ وَالْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ وَبَيَّنَهُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ الْبَعِيدِ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِمَا فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الضَّعْفِ فَإِنَّ تَقْدِيرَ " أَمَّا " مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ الْجَزَاءِ أَمْرًا وَنَهْيًا نَاصِبًا لِمَا قَبْلَهَا أَوْ مُفَسِّرًا لَهُ كَمَا فِي الرَّضِيِّ وَأَمَّا تَوَهُّمُ " أَمَّا " فَلَمْ يَعْتَبِرْهُ أَحَدٌ مِنْ النَّحْوِيِّينَ (انْتَهَى) .

وَقَدْ جَوَّزَ الْفَاضِلُ الدَّمَامِينِيُّ فِي الْمَنْهَلِ الصَّافِي شَرْحِ الْوَافِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَعْدُ فَقَالَ: أَضْعَفُ عِبَادِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ وَالْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ عَاطِفَةً أَوْ زَائِدَةً وَقَرَّرَ ذَلِكَ بِمَا يَطُولُ فَرَاجِعْهُ.

وَقِيلَ الْوَاوُ فِي وَبَعْدُ لَيْسَتْ عَاطِفَةً بَلْ عِوَضًا عَنْ أَمَّا وَالْعَامِلُ فِي بَعْدُ الْفِعْلُ الْمُقَدَّرُ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْعَامِلَ فِي بَعْدُ هَاهُنَا الْوَاوُ النَّائِبَةُ عَنْ أَمَّا الْمُتَضَمِّنَةُ مَعْنَى الشَّرْطِ وَفِعْلِهِ وَالتَّقْدِيرُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ (انْتَهَى) .

وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ بَحَثَ الْمُحَقِّقُ الْفَزِيُّ رحمه الله فِي حَوَاشِي التَّلْوِيحِ فِي جَعْلِ الْوَاوِ عِوَضًا عَنْ أَمَّا بِأَنْ جَعَلَهَا عِوَضًا يَقْتَضِي مُنَاسَبَةً بَيْنَ الْوَاوِ وَأَمَّا مُصَحَّحَةً لِتَعْوِيضِهَا وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا (انْتَهَى) .

وَقَالَ ابْنُ إيَازٍ رحمه الله فِي شَرْحِ الْفُصُولِ وَأَمَّا حَذْفُ أَمَّا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ أَمَّا نَائِبَةٌ عَنْ الْفِعْلِ وَأَدَاةِ الشَّرْطِ مَعًا فَلَوْ حُذِفَ كَانَ فِيهِ حَذْفُ النَّائِبِ وَالْمَنُوبِ وَهَذَا إجْحَافٌ كَثِيرٌ وَقَدْ ارْتَكَبَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ هَذَا الْمَحْظُورَ وَاسْتَسْهَلُوهُ وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ أَمَّا مَعَ بَعْدُ فَيَقُولُونَ فِي أَمَّا بَعْدُ: وَبَعْدُ فَإِنَّ الْأَمْرَ كَذَا.

وَقَدْ صَنَعَ ابْنُ مُعْطِي فِي خُطْبَةِ أَلْفِيَّتِهِ هَذَا فَقَالَ: وَبَعْدُ فَالْعِلْمُ جَلِيلُ الْقَدْرِ.

وَمُرَادُهُ أَمَّا بَعْدُ (انْتَهَى) .

أَقُولُ فِي كَوْنِ مَا صَنَعَهُ ابْنُ مُعْطِي مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْوَاوِ الْعَطْفَ لَا أَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ أَمَّا، وَكَوْنُ مُرَادِهِ أَمَّا بَعْدُ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَقَدْ نَقَلَ الرَّضِيُّ أَنَّ أَمَّا يَجُوزُ حَذْفُهَا إذَا كَانَ الْجَزَاءُ

ص: 17

أَشْرَفُ الْعُلُومِ قَدْرًا، 7 - وَأَعْظَمُهَا أَجْرًا، 8 - وَأَتَمُّهَا عَائِدَةً،

ــ

[غمز عيون البصائر]

أَمْرًا نَهْيًا فَمَنْعُ جَوَازِ حَذْفِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مَمْنُوعٌ فَتَأَمَّلْ وَالْفِقْهُ هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقِهَا بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ لَا الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ كَذَا فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ.

(6)

أَشْرَفُ الْعُلُومِ قَدْرًا: الشَّرَفُ الْعُلُوُّ وَقَدْرًا مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ مَبْلَغُ الشَّيْءِ وَأَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ كَمَا فِي الْمَغْرِبِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمَرْتَبَةُ وَالْمَزِيَّةُ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ عِلْمَ الْفِقْهِ أَشْرَفُ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْعُلُومَ أَشْرَفُ مِنْ الْفِقْهِ لِأَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ بِشَرَفِ مَوْضُوعِهِ وَمَوْضُوعُ هَذِهِ الْعُلُومِ أَشْرَفُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

وَحِينَئِذٍ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ مِنْ أَشْرَفِ الْعُلُومِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الْفِقْهِ مَعْرِفَةُ النَّفْسِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا فَيَدْخُلُ عِلْمُ الْكَلَامِ فِيهِ لَكِنَّ الْمَقَامَ يُنْبِئُ عَنْهُ (انْتَهَى) .

وَفِيهِ أَنَّهُ مَعَ نُبُوءِ الْمَقَامِ عَنْهُ غَيْرُ حَاسِمٍ لِمَادَّةِ الْإِشْكَالِ.

وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ أَنَّ اللَّامَ فِي الْعُلُومِ لَيْسَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ بَلْ لِلْجِنْسِ وَالْحُكْمُ عَلَى الْجِنْسِ لَا يَسْتَدْعِي الْحُكْمَ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ.

بَقِيَ أَنْ يُقَالَ الْفِقْهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعُلُومِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُفَضَّلًا عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ اسْمَ التَّفْضِيلِ إذَا أُضِيفَ وَقُصِدَ بِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا أُضِيفَ إلَيْهِ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ اسْتِعْمَالِهِ أَنْ يَكُونَ بَعْضًا مِمَّا أُضِيفَ إلَيْهِ؛ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ لُغَةً خَارِجٌ عَنْهُ مُرَادًا كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ وَالْمَقْصُودُ تَفْضِيلُهُ عَلَى مَا يُشَارِكُهُ فِي هَذَا الْمَفْهُومِ أَعْنِي مَفْهُومَ الشَّرَفِ فَلَا يَلْزَمُ التَّفْضِيلُ عَلَى نَفْسِهِ كَذَا حَقَّقَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ فَلْيُحْفَظْ.

(7)

وَأَعْظَمُهَا أَجْرًا: الْعِظَمُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ ضِدُّ الصِّغَرِ وَمَتَى وُصِفَ عَبْدٌ بِالْعَظَمَةِ فَهُوَ ذَمٌّ وَالْأَجْرُ الْجَزَاءُ عَلَى الْعَمَلِ كَالْإِجَارَةِ مُثَلَّثَةً وَالْجَمْعُ أُجُورٌ.

(8)

وَأَتَمُّهَا عَائِدَةً: التَّمَامُ ضِدُّ النُّقْصَانِ وَالْعَائِدَةُ الْمَعْرُوفُ وَالصِّلَةُ وَالْعَطْفُ وَالْمَنْفَعَةُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَخِيرُ (أَقُولُ) وَعَلَى كَوْنِ الْعَائِدِ بِمَعْنَى الصِّلَةِ يُعْجِبُنِي قَوْلُ بَعْضِ الْأُدَبَاءِ:

لَقَدْ مَرِضْت وَعَادَنِي

مَنْ لَيْسَ مَعَهُ خَرْدَلَةٌ

تَعْسًا لَهُ مِنْ زَائِرٍ

وَعَائِدٍ بِلَا صِلَةٍ

ص: 18

وَأَعَمُّهَا فَائِدَةً، 10 - وَأَعْلَاهَا مَرْتَبَةً 11 - وَأَسْنَاهَا مَنْقَبَةً، 12 - يَمْلَأُ الْعُيُونَ نُورًا،

ــ

[غمز عيون البصائر]

وَأَعَمُّهَا فَائِدَةً: أَعَمُّ مِنْ الْعُمُومِ وَهُوَ الشُّمُولُ يُقَالُ أَعَمُّهُمْ بِالْعَطِيَّةِ أَيْ أَشْمَلُهُمْ فَلَمْ يَفُتْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالْفَائِدَةُ لُغَةً مِنْ الْفُؤَادِ لِأَنَّهَا تُعْقَلُ بِهِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ أُسْتَاذِي:

مِنْ الْفُؤَادِ اُشْتُقَّتْ الْفَائِدَةُ

وَالنَّفْسُ يَا صَاحِ بِذَا شَاهِدَةٌ

لِذَا تَرَى أَفْئِدَةَ النَّاسِ قَدْ

مَالَتْ لِمَنْ فِي قُرْبِهِ فَائِدَةٌ

أَوْ مِنْ الْفَيْدِ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ عِلْمٍ أَوْ مَالٍ وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِالزِّيَادَةِ تَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ فَادَتْ لَهُ فَائِدَةً وَفَيْدًا وَأَفَدْته أَعْطَيْته وَأَفَدْت مِنْهُ أَخَذَتْ وَعُرْفًا كُلُّ نَافِعٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ أَوْ هِيَ مَا يَكُونُ بِهِ الشَّيْءُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْهُ بِغَيْرِهِ.

(10)

وَأَعْلَاهَا مَرْتَبَةً: أَيْ أَرْفَعُهَا مَنْزِلَةً قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرُّتْبَةُ بِالضَّمِّ وَالْمَرْتَبَةُ الْمَنْزِلَةُ.

(11)

وَأَسْنَاهَا مَنْقَبَةً: السَّنَا ضَوْءُ الْبَرْقِ وَيُمَدُّ.

وَالْمَنْقَبَةُ بِالْفَتْحِ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ وَالْمَعْنَى أَنَّ عِلْمَ الْفِقْهِ أَظْهَرُ الْعُلُومِ طَرِيقًا لِأَنَّ طَرِيقَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ قَوْلِيًّا أَوْ فِعْلِيًّا أَوْ سُكُوتِيًّا وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ.

وَهَذِهِ فِي صِحَّةِ الدَّلَالَةِ وَظُهُورِهَا لَا يُضَاهِيهَا غَيْرُهَا مِنْ الدَّلَالَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالطَّبْعِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ لِاخْتِلَافِهَا وَعَدَمِ انْضِبَاطِهَا لِاخْتِلَافِ الْعُقُولِ وَالطِّبَاعِ وَالْعَادَاتِ وَفَسَّرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْمَنْقَبَةَ هُنَا بِالْفِعْلِ الْكَرِيمِ وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

(12)

يَمْلَأُ الْعُيُونَ نُورًا: يَمْلَأُ مِنْ الْمِلْءِ وَهُوَ مِقْدَارُ مَا يَأْخُذُهُ الْإِنَاءُ إذَا امْتَلَأَ يُقَالُ مَلَأْت الْوِعَاءَ فَهُوَ مَلْءٌ وَامْتَلَأَ بَطْنُهُ وَتَمَلَّأَ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَمَنْ الْمَجَازِ نَظَرْت إلَيْهِ فَمَلَأْت مِنْهُ عَيْنِي وَهُوَ مَلْآنُ مِنْ الْكَرَمِ ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَالْعُيُونُ جَمْعُ عَيْنٍ الْبَاصِرَةُ وَهِيَ مُؤَنَّثٌ وَالْمُرَادُ عَيْنُ الْبَصِيرَةِ لَا الْبَاصِرَةُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ. وَالنُّورُ بِالضَّمِّ قِيلَ أَنَّهُ كَيْفِيَّةٌ عَارِضَةٌ مِنْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنَّارِ عَلَى ظَاهِرِ الْأَجْسَامِ بِعُرُوضِهَا تُصَيِّرُ الْمَرْئِيَّاتِ مُنْكَشِفَةً مُتَجَلِّيَةً؛ وَلِهَذَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ هُوَ الظَّاهِرُ بِنَفْسِهِ الْمُظْهِرُ لِغَيْرِهِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ الثَّانِي مِنْ الْأَضْوَاءِ وَالْأَضْوَاءُ قِيلَ هِيَ أَجْسَامٌ شَفَّافَةٌ تَنْفَصِلُ عَنْ الْمُضِيءِ لِأَنَّهَا مُتَحَرِّكَةٌ بِدَلِيلِ

ص: 19

وَالْقُلُوبَ سُرُورًا،

ــ

[غمز عيون البصائر]

انْحِدَارِهَا عَنْ الْكَوَاكِبِ وَانْعِكَاسِهَا وَكُلُّ مُتَحَرِّكٍ جِسْمٌ. وَرُدَّ بِمَنْعِ حَرَكَتِهَا. وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا مُتَحَرِّكَةٌ وَفِي نُسْخَةٍ مُنْحَدِرَةً وَمُنْعَكِسَةً قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ يُحْدِثُ فِي مُقَابِلَةِ الْمُقَابِلِ دَفَعَهُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ حُدُوثُهُ مِنْ شَيْءٍ عَالٍ فِي مَكَان مُقَابِلٍ سَبَقَ إلَى الْوَهْمِ أَنَّهُ مُنْحَدِرٌ وَمُنْعَكِسٌ فَالْحَقُّ أَنَّهَا كَيْفِيَّاتٌ فَمِنْهَا مَا هُوَ ضَوْءٌ أَوَّلٌ وَهُوَ الْحَاصِلُ فِي الْجِسْمِ مِنْ مُقَابَلَةِ الْمُضِيءِ لِذَاتِهِ كَضَوْءِ وَجْهِ الْأَرْضِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُسَمَّى ضِيَاءٌ إنْ قَوِيَ وَشُعَاعًا إنْ ضَعُفَ وَمِنْهَا مَا هُوَ ثَانٍ وَهُوَ الْحَاصِلُ فِي الْجِسْمِ مِنْ مُقَابَلَةِ الْمُضِيءِ بِالْغَيْرِ كَالضَّوْءِ الْحَاصِلِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَقْتَ الْإِسْفَارِ وَعَقِيبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ صَارَ مُضِيئًا بِالْهَوَى الَّذِي صَارَ مُضِيئًا بِالشَّمْسِ وَكَالضَّوْءِ الْحَاصِلِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَقْتَ الْإِسْفَارِ مِنْ مُقَابَلَةِ الْقَمَرِ وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ نُورًا وَالْكَلَامُ مُشْتَمِلٌ عَلَى تَشْبِيهِ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ بِوَجْهٍ تَخْيِيلِيٍّ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْبِدْعَةُ وَكُلُّ مَا هُوَ جَهْلٌ يَجْعَلُ صَاحِبَهَا كَمَنْ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ فَلَا يَهْتَدِي لِلطَّرِيقِ وَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَنَالَ مَكْرُوهًا شُبِّهَتْ الْبِدْعَةُ بِالظُّلْمَةِ فَلَزِمَ أَنْ يُشَبَّهَ عِلْمُ الشَّرِيعَةِ وَكُلُّ مَا هُوَ عِلْمٌ وَهِدَايَةٌ بِالنُّورِ. وَشَاعَ هَذَا حَتَّى تُخُيِّلَ أَنَّهُ مِمَّا لَهُ بَيَاضٌ وَإِشْرَاقٌ كَذَا فِي التَّقْرِيرِ. أَقُولُ عَلَى هَذَا كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْقُلُوبِ دُونَ الْعُيُونِ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلنُّورِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَأَنْ يُعَبِّرَ فِي الْفِقْرَةِ الَّتِي بَعْدَهَا بِالنُّفُوسِ بَدَلَ الْقُلُوبِ دُونَ الْعُيُونِ وَاعْلَمْ أَنَّ النُّور مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَلَهُ سِرٌّ عَظِيمٌ مَنْ كَتَبَهُ هَكَذَا " ن ور " خَمْسَ مَرَّاتٍ وَعَلَّقَهُ عَلَى مَنْ شَكَا وَجَعَ مَعِدَتِهِ وَخَفَقَانَ قَلْبِهِ أَزَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَشْكُوهُ وَإِذَا وُضِعَ عَلَى مَوْضِعِ أَلَمٍ سَكَنَ.

(13)

وَالْقُلُوبَ سُرُورًا: الْقُلُوبُ جَمْعُ قَلْبٍ وَهُوَ الْفُؤَادُ أَوْ أَخُصُّ مِنْهُ وَالْعَقْلُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ الْقَلْبُ مُضْغَةٌ فِي الْفُؤَادِ مُعَلَّقَةٌ بِالنِّيَاطِ فَهُوَ أَخُصُّ مِنْ الْفُؤَادِ وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ. قَالَ الْبَدْرُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ غَيْرِهِ الْفُؤَادُ غِشَاءُ الْقَلْبِ وَالْقَلْبُ حَبَّةُ سُوَيْدَاهُ وَيُؤَيِّدُ الْفَرْقَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَلْيَنَ قُلُوبًا وَأَرَقَّ أَفْئِدَةً) وَفِي شَرْحِ الشِّفَاءِ لِلسَّيِّدِ عِيسَى الصَّفَوِيِّ أَنَّ الْفُؤَادَ ثَابِتٌ فِي الْجَنْبِ الْأَيْسَرِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَنَّهُ مَحِلُّ الْعِلْمِ، وَالْقُوَّةِ الْمُدْرِكَةِ قَائِمَةٌ بِهِ، لَا بِالدِّمَاغِ (انْتَهَى) . وَهُوَ مَنْبَعُ الْحَيَاةِ وَعُنْصُرٌ لِحَرَارَةِ الْجِسْمِ وَلِتَحْقِيقِ أَنَّهُ سِرٌّ لَطِيفٌ بِهِ يُدْرِكُ الْإِدْرَاكَ وَيُعَبِّرُ عَنْهُ بِهَذِهِ الْجَارِحَةِ تَقْرِيبًا لِلْأَذْهَانِ. قِيلَ وَيُسَمَّى الْقَلْبُ قَلْبًا لِتَقَلُّبِهِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ بَعْضِ الْأُدَبَاءِ:

ص: 20

وَالصُّدُورَ انْشِرَاحًا 15 - وَيُفِيدُ الْأُمُورَ اتِّسَاعًا وَانْفِتَاحًا، 16 - هَذَا لِأَنَّ مَا بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ عَلَى سُنَنِ النِّظَامِ

ــ

[غمز عيون البصائر]

لِلصَّبِّ بَعْدَك حَالَةٌ لَا تُعْجِبُ

وَتَتِيهُ مِنْ صَلَفٍ عَلَيْهِ وَتَعْجَبُ

وَأَقُولُ لِلْقَلْبِ الَّذِي لَا يَنْتَهِي

عَنْ حُبِّهِ أَبَدًا وَلَا يَتَجَنَّبُ

قَدْ كَادَ أَنَّك لَا يُسَمِّيك الْوَرَى

قَلْبًا لِأَنَّك عَنْهُ لَا تَتَقَلَّبُ

وَالسُّرُورُ الْفَرَحُ.

(14)

وَالصُّدُورَ انْشِرَاحًا: الصُّدُورُ جَمْعُ صَدْرٍ أَعْلَى مُقَدِّمِ كُلِّ شَيْءٍ وَالصَّدْرُ مُذَكَّرٌ وَأُنِّثَ فِي قَوْلِ الْأَعْشَى:

وَتَشْرَقُ بِالْقَوْلِ الَّذِي قَدْ أَذَعْته

كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنْ الدَّمِ

لِاكْتِسَابِهِ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَقَدْ تَقَصَّيْت عَمَّا يَكْتَسِبُهُ الْمُضَافُ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَأَوْصَلْت ذَلِكَ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَيْئًا وَلَمْ يَسْبِقنِي أَحَدٌ إلَى ذَلِكَ إذْ غَايَةُ مَا أَوْصَلَهَا الْجَمَالُ بْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي إلَى عَشْرَةٍ وَالْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ النَّحْوِيَّةِ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَقَدْ نَظَمْتهَا فِي أَبْيَاتٍ وَهِيَ:

ثَمَانٌ وَعَشْرٌ يَكْتَسِبُهَا الْمُضَافُ مِنْ

مُضَافٍ إلَيْهِ فَأُسْمِعْتهَا مُفَصِّلًا

فَتَعْرِيفٌ تَخْصِيصٌ وَتَخْفِيفٌ بَعْدَهُ

بِنَاءٌ وَإِعْرَابٌ وَتَصْغِيرٌ قَدْ تَلَا

وَتَذْكِيرٌ تَأْنِيثٌ وَتَصْدِيرٌ بَعْدَهُ

إزَالَةُ قُبْحٍ وَالتَّجَوُّزُ يَا فَلَا

وَظَرْفِيَّةٌ جِنْسِيَّةٌ مَصْدَرِيَّةٌ

وَشَرْطٌ وَتَنْكِيرٌ فَلَا تَكُ مُهْمِلَا

وَتَثْنِيَةٌ جَمْعٌ وَقَدْ تَمَّ جَمْعُنَا

صَحِيحًا مِنْ الْأَدْوَا عَلَى رَغْمِ مَنْ قَلَا

وَالِانْشِرَاحُ مُطَاوِعٌ شَرَحْته فَانْشَرَحَ أَيْ وَسَّعْته فَاتَّسَعَ لَكِنَّ بَابَ الْمُطَاوَعَةِ تَخُصُّ بِكُلِّ فِعْلٍ عِلَاجِيٍّ وَشَرْحُ الصَّدْرِ أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ لَا مُعَالَجَةَ فِيهِ فَتَأَمَّلْ.

(15)

وَيُفِيدُ الْأُمُورَ اتِّسَاعًا وَانْفِتَاحًا: الْإِفَادَةُ بَذْلُ الْفَائِدَةِ وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهَا وَالْأُمُورُ جَمْعُ أَمْرٍ بِمَعْنَى الْحَادِثَةِ قَالَ الرَّضِيُّ فِي شَرْحِ الشَّافِيَةِ يُطْلَقُ الْأَمْرُ عَلَى الشَّيْءِ فَيَشْتَمِلُ الْأَعْيَانَ وَالْمَعَانِيَ.

وَالِاتِّسَاعُ مُطَاوِعٌ وَسَّعَهُ فَاتَّسَعَ مِنْ وَسَّعَهُ تَوْسِيعًا ضِدُّ ضَيَّقَهُ وَالِانْفِتَاحُ مُطَاوِعُ فَتَحَهُ فَانْفَتَحَ ضِدُّ غَلَقَ.

(16)

هَذَا لِأَنَّ مَا بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ عَلَى سُنَنِ النِّظَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى

ص: 21

وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى وَتِيرَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالِالْتِئَامِ،

17 -

إنَّمَا هُوَ بِمَعْرِفَةِ الْحَلَالِ مِنْ الْحَرَامِ،

ــ

[غمز عيون البصائر]

وَتِيرَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالِالْتِئَامِ: كَلِمَةُ هَذَا مُسْتَعْمَلَةٌ هُنَا لِلرَّبْطِ أَيْ لِرَبْطِ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} [ص: 55] وَالْإِشَارَةُ تَعُودُ إلَى اتِّصَافِ الْفِقْهِ بِمَا ذُكِرَ وَالْمَقْصُودُ هُنَا رَبْطُ الْمَعْلُولِ بَعْلَتِهِ وَالْعَامُّ التَّامُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَاسْمُ جَمْعٍ لِلْعَامَّةِ ضِدُّ الْخَاصَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.

وَالْخَاصُّ وَالْخَاصَّةُ ضِدُّ الْعَامِّ وَالْعَامَّةُ وَالْخُوَيْصَةُ تَصْغِيرُ الْخَاصَّةِ يَاؤُهَا سَاكِنَةٌ لِأَنَّ يَاءَ التَّصْغِيرِ لَا يَتَحَرَّكُ وَقَوْلُهُ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ بَيَانٌ لِمَا فِي مَحِلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنْ أَقَرَّهُ فِي مَكَانِهِ فَاسْتَقَرَّ أَيْ ثَبَتَ.

وَقَوْلُهُ عَلَى سُنَنِ انْتِظَامِ ظَرْفٍ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِقْرَارِ.

وَالسُّنَنُ مُثَلَّثَةً وَبِضَمَّتَيْنِ الطَّرِيقُ الْوَاضِحَةُ وَالنِّظَامُ بِالْكَسْرِ كُلُّ خَيْطٍ يُنْظَمُ بِهِ لُؤْلُؤٌ وَنَحْوُهُ وَمَصْدَرٌ لَنَظَمْت الشَّيْءَ فَانْتَظَمَ أَيْ أَقَمْته فَاسْتَقَامَ وَهُوَ عَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ أَيْ نَهْجٍ غَيْرِ مُخْتَلِفٍ.

وَالِاسْتِمْرَارُ هُوَ الْمُضِيُّ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ.

الْوَتِيرَةُ الطَّرِيقَةُ أَوْ طَرِيقٌ تَلَازَقَ الْجَبَلَ وَالِالْتِئَامُ الْمُوَافَقَةُ مِنْ لَائَمَهُ مُلَاءَمَةً أَيْ وَافَقَهُ

(17)

إنَّمَا هُوَ بِمَعْرِفَةِ الْحَلَالِ مِنْ الْحَرَامِ: أَيْ بِتَمْيِيزِ الْحَلَالِ مِنْ الْحَرَامِ وَالْمَعْرِفَةُ الْعِلْمُ لَكِنَّهَا هُنَا مُتَضَمَّنَةٌ لِمَعْنَى التَّمْيِيزِ لَتَعَدِّيهَا بِمِنْ.

وَالْحَلَالُ يُفْتَحُ وَيُكْسَرُ، ضِدُّ الْحَرَام كَالْحِلِّ بِالْكَسْرِ وَالْحَرَامُ كَسَحَابٍ ضِدُّ الْحَلَالِ وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا ثَبَتَ الْمَنْعُ عَنْهُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا مَا ثَبَتَ الْمَنْعُ عَنْهُ بِظَنِّيٍّ وَهُوَ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ بِمَعْنَى أَنَّ فَاعِلَهُ يَسْتَحِقُّ مَحْذُورًا دُونَ الْعُقُوبَةِ بِالنَّارِ كَحِرْمَانِ الشَّفَاعَةِ.

كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَكْرُوهَ تَحْرِيمًا لَيْسَ فَوْقَ الْكَبِيرَةِ وَمُرْتَكِبَهَا لَيْسَ مَحْرُومًا مِنْ الشَّفَاعَةِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ التَّوْبَةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ.

وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» فَكَيْفَ يَصِحُّ تَرَتُّبُ اسْتِحْقَاقِ حِرْمَانِ الشَّفَاعَةِ عَلَى فِعْلِهِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الشَّفَاعَةَ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّخَلُّصِ عَنْ النَّارِ بَلْ قَدْ تَكُونُ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمُرَادُ بِالْحِرْمَانِ حِرْمَانٌ مُؤَقَّتٌ لَا مُؤَبَّدٌ بِأَنْ تَتَأَخَّرَ الشَّفَاعَةُ لِمُرْتَكِبِهِ عَنْ الشَّفَاعَةِ لِمَنْ لَمْ يَرْتَكِبْهُ وَلَوْ سُلِّمَ فَاسْتِحْقَاقُ حِرْمَانِ الشَّفَاعَةِ لَا يُنَافِي وُقُوعَهَا كَمَا لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ عَفْوَهُ

ص: 22

وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الْجَائِزِ وَالْفَاسِدِ فِي وُجُوهِ الْأَحْكَامِ، 19 - بُحُورُهُ زَاخِرَةٌ، 20 - وَرِيَاضُهُ نَاضِرَةٌ، 21 - وَنُجُومُهُ زَاهِرَةٌ 22 - وَأُصُولُهُ ثَابِتَةٌ وَفُرُوعُهُ نَابِتَةٌ،

ــ

[غمز عيون البصائر]

وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الْجَائِزِ وَالْفَاسِدِ فِي وُجُوهِ الْأَحْكَامِ: التَّمْيِيزُ عَزْلُ الشَّيْءِ مِنْ الشَّيْءِ وَإِفْرَازُهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَفِي الْمِصْبَاحِ مَيَّزْت الشَّيْءَ أَيْ عَزَلْته وَفَصَلْته مِنْ غَيْرِهِ وَالتَّفْعِيلُ مُبَالَغَةٌ وَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْمَنْهِيَّاتِ نَحْوَ {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37] وَالْجَائِزُ الْمَاضِي وَالنَّافِذُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُبَاحُ وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْجَائِزِ بِأَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ جَائِزٌ دُونَ الْعَكْسِ لِأَنَّ الْجَوَازَ ضِدُّ الْحُرْمَةِ، وَالْإِبَاحَةَ ضِدُّ الْكَرَاهَةِ فَإِذَا انْتَفَى الْجَوَازُ ثَبَتَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْحُرْمَةُ فَتَنْتَفِي الْإِبَاحَةُ أَيْضًا وَإِذَا انْتَفَتْ الْإِبَاحَةُ ثَبَتَ ضِدُّهَا وَهُوَ الْكَرَاهَةُ وَلَا يَنْتَفِي بِهِ الْجَوَازُ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِ الْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.

وَالْفَاسِدُ مِنْ الْفَسَادِ ضِدُّ الصَّلَاحِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا كُلُّ مَا مُنِعَ عَنْهُ شَرْعًا.

وَوُجُوهُ الْأَحْكَامِ طُرُقُهَا وَالْأَحْكَامُ جَمْعُ حُكْمٍ وَهُوَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ.

(19)

بُحُورُهُ زَاخِرَةٌ: الْبَحْرُ الْمَاءُ الْكَثِيرُ أَوْ الْمِلْحُ فَقَطْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَزَاخِرَةٌ مِنْ زَخَرَ الْبَحْرُ ظَمَأَ وَتَمَلَّأَ وَفِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ مَكِنِيَّةٌ وَتَخْيِيلِيَّةٌ وَمُرَشَّحَةٌ.

(20)

وَرِيَاضُهُ نَاضِرَةٌ: الرِّيَاضُ جَمْعُ رَوْضَةٍ وَيُجْمَعُ عَلَى رَوْضٍ وَالرِّيضَةُ بِالْكَسْرِ مِنْ الرَّمْلِ وَالْعُشْبِ مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ لِاسْتِرَاضَةِ الْمَاءَ فِيهَا أَيْ لِاسْتِنْقَاعِهِ وَالنَّاضِرُ الشَّدِيدُ الْخُضْرَةِ وَيُبَالَغُ بِهِ فِي كُلِّ لَوْنٍ فَيُقَالُ أَخْضَرُ نَاضِرٌ أَوْ أَصْفَرُ أَوْ أَحْمَرُ نَاضِرٌ أَوْ فِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ وَتَخْيِيلِيَّةٌ وَتَرْشِيحِيَّةٌ.

(21)

وَنُجُومُهُ زَاهِرَةٌ: النُّجُومُ جَمْعُ نَجْمٍ وَهُوَ الْكَوْكَبُ وَزَاهِرَةٌ مُنِيرَةٌ مُشْرِقَةٌ مِنْ زَهِرَ زُهُورًا تَلَأْلَأَ.

(22)

وَأُصُولُهُ ثَابِتَةٌ وَفُرُوعُهُ نَابِتَةٌ: الْأُصُولُ جَمْعُ أَصْلٍ وَهُوَ لُغَةً أَسْفَلُ الشَّيْءِ وَفِي الْعُرْفِ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ.

وَالْفُرُوعُ جَمْعُ

ص: 23

لَا يَفْنَى بِكَثْرَةِ الْإِنْفَاقِ كَنْزُهُ، 24 - وَلَا يَبْلَى عَلَى طُولِ الزَّمَانِ عِزُّهُ، 25 -

وَإِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ كُنْهَ صِفَاتِهِ

وَلَوْ أَنَّ أَعْضَائِي جَمِيعًا تَكَلَّمُ

ــ

[غمز عيون البصائر]

فَرْعٍ ضِدُّ الْأَصْلِ وَفِي الْعُرْفِ مَا يُبْتَنَى عَلَى غَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَشْيَاءُ الثَّابِتَةُ أَحْكَامُهَا بِالْأُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالْمَسْنُونِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ كَرَاهَةً تَحْرِيمِيَّةً وَتَنْزِيهِيَّةً.

وَالنَّابِتُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ نَبَتَ الزَّرْعُ إذَا ظَهَرَ مِنْ الْأَرْضِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ظُهُورُ أَحْكَامِ تِلْكَ الْفُرُوعِ.

(23)

لَا يَفْنَى بِكَثْرَةِ الْإِنْفَاقِ كَنْزُهُ: شَبَّهَ مَسَائِلَ الْفِقْهِ بِالشَّيْءِ النَّفِيسِ الْمُكْنَزِ تَحْتَ الْأَرْضِ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ وَأَثْبَتَ لَهُ شَيْئًا مِنْ رَوَادِفِ الْمُشَبَّهِ بِهِ تَخْيِيلًا وَهُوَ الْكَنْزُ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكِنِيَّةِ الْمُسْتَتْبَعَةِ لِلتَّخَيُّلِيَّةِ وَشَبَّهَ تَعَاطِيَ الْمَسَائِلَ الْفِقْهِيَّةَ بِالْإِفَادَةِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ الْمُسْتَتْبَعَةِ لِلتَّخَيُّلِيَّةِ وَشَبَّهَ تَعَاطِيَ الْمَسَائِلَ الْفِقْهِيَّةَ بِالْإِفَادَةِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ الْأَصْلِيَّةِ التَّصْرِيحِيَّةِ وَقَوْلُهُ بِكَثْرَةِ الْإِنْفَاقِ أَيْ بِالْإِنْفَاقِ الْكَثِيرِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى مَوْصُوفِهَا.

(24)

وَلَا يَبْلَى عَلَى طُولِ الزَّمَانِ عِزُّهُ: يَبْلَى مِنْ بَلِيَ الثَّوْبُ يَبْلَى بَلَاءً فَنِيَ وَقَوْلُهُ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ الزَّمَانُ الطَّوِيلُ.

وَعَلَى بِمَعْنَى لَامَ التَّعْلِيلِ أَوْ بِمَعْنَى مِنْ وَالتَّقْدِيرُ لَا يَفْنَى عِزُّ الْعِلْمِ لِأَجْلِ مُضِيِّ الزَّمَانِ الطَّوِيلِ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَبْلَى بَلَاءً نَاشِئًا مِنْ طُولِ الزَّمَانِ وَالْمُرَادُ بِعِزِّ الْعِلْمِ الْجَاهُ وَالشَّرَفُ الْحَاصِلُ بِهِ وَفِي مَنْشُورِ الْحِكَمِ: كُلُّ عِزٍّ فَإِلَى ذُلٍّ مَصِيرُهُ، إلَّا عَنْ الْعِلْمِ.

(25)

وَإِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ كُنْهَ صِفَاتِهِ

وَلَوْ أَنَّ أَعْضَائِي جَمِيعًا تَكَلَّمُ

بَيْتَ شَعْرٍ لَا أَعْلَمُ قَائِلَهُ وَالِاسْتِطَاعَةُ الْقُدْرَةُ عَلَى الشَّيْءِ.

وَالْكُنْهُ بِالضَّمِّ جَوْهَرُ الشَّيْءِ وَقَدْرُهُ وَغَايَتُهُ.

وَالصِّفَاتُ جَمْعُ صِفَةٍ وَهِيَ مَا قَامَ بِالشَّيْءِ كَالْعِلْمِ وَالسِّيَادَةِ وَالْأَعْضَاءُ جَمْعُ عُضْوٍ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ كُلُّ لَحْمٍ وَافِرٍ بِعَظْمِهِ وَتَكَلَّمُ أَصْلِهِ تَتَكَلَّمُ فَحُذِفَتْ إحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا وَالْمَعْنَى أَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِ ذِكْرِ غَايَةِ صِفَاتِهِ أَوْ قَدْرِ صِفَاتِهِ لَوْ فُرِضَ أَنَّ جَمِيعَ أَعْضَائِي تَتَكَلَّمُ بِصِفَاتِهِ فَمَا بَالُك وَلَيْسَ مِنْ أَعْضَائِي يَتَكَلَّمُ إلَّا عُضْوٌ وَاحِدٌ وَهُوَ اللِّسَانُ.

ص: 24

وَأَهْلُهُ قِوَامُ الدِّينِ وَقُوَّامُهُ، 27 - وَبِهِمْ ائْتِلَافُهُ وَانْتِظَامُهُ، 28 - وَإِلَيْهِمْ الْمَفْزَعُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

ــ

[غمز عيون البصائر]

وَأَهْلُهُ قِوَامُ الدِّينِ وَقُوَّامُهُ: أَهْلُ الرَّجُلِ عَشِيرَتُهُ وَقَرَابَتُهُ وَأَهْلُ الْأَمْرِ وُلَاتُهُ وَأَهْلُ الْبَيْتِ سُكَّانُهُ وَأَهْلُ الْمَذْهَبِ مَنْ يَدِينُ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَالْقِوَامُ بِالْكَسْرِ نِظَامُ الْأَمْرِ وَعِمَادُهُ وَمِلَاكُهُ وَالْقُوَّامُ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ جَمْعُ قَيِّمٍ وَهُوَ مَنْ يَنْتَصِبُ لِلشَّيْءِ وَيَقُومُ بِخِدْمَتِهِ وَمِنْهُ قَيِّمُ الْوَقْفِ.

وَفَرَّقَ فِي الْمَبْسُوطِ بَيْنَ الْقَيِّمِ وَالْمُتَوَلِّي فَقَالَ الْقَيِّمُ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ وَالْجَمْعُ وَالتَّفْرِيقُ وَالْقَيِّمُ تَحْتَ يَدِ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ يَفْعَلُ بِإِذْنِهِ.

(27)

وَبِهِمْ ائْتِلَافُهُ وَانْتِظَامُهُ: الِائْتِلَافُ مَصْدَرُ أَلِفَهُ كَعَلِمَهُ بِمَعْنَى الْمُوَافَقَةِ وَالِانْتِظَامُ مُطَاوِعٌ نَظَّمَهُ فَانْتَظَمَ أَيْ أَقَامَهُ فَاسْتَقَامَ وَذَلِكَ الِانْتِظَامُ الْحَاصِلُ بِهِمْ بِإِفَادَتِهِمْ لِمَسَائِلِ الدِّينِ تَقْرِيرًا وَتَحْرِيرًا.

(28)

وَإِلَيْهِمْ الْمَفْزَعُ فِي الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا: الْمَفْزَعُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الِالْتِجَاءِ وَالْآخِرَةُ وَالْأُخْرَى دَارُ الْبَقَاءِ وَالدُّنْيَا نَقِيضُ الْآخِرَةِ وَقَدْ يُنَوَّنُ وَالْجَمْعُ دُنَى كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَفِي تَفْسِيرِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ عَرَفَةَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة: 85] مَا نَصُّهُ دُنْيَا فَعَلَى تَأْنِيثِ الْأَدْنَى مِنْ الدُّنُوِّ وَهُوَ الْقُرْبُ وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ وَلَا تُحْذَفُ مِنْهَا إلَّا ضَرُورَةً كَقَوْلِهِ:

يَوْمَ تَرَى النُّفُوسُ مَا أَعَدَّتْ

فِي سَعْيِ دُنْيَا طَالَمَا مُدَّتْ

وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ وَهِيَ كُلُّ فُعْلَى صِفَةٍ لَامُهَا وَاوٌ تُبْدَلُ يَاءً نَحْوَ الْعُلْيَا وَالدُّنْيَا فَأَمَّا قَوْلُهُمْ " الْقُصْوَى عِنْدَ تَمِيمٍ وَالْحَلْوَى عِنْدَ الْجَمِيعِ " فَشَاذٌّ فَلَوْ كَانَتْ فُعْلَى اسْمًا صَحَّتْ الْوَاوُ كَقَوْلِهِ: إذَا رَأَى بِحُزْوَى هَجَتْ لَعَيْنِ عَبْرَةٍ فَاءَ الْهَوَى يَرْفَضُّ أَوْ يَتَرَقْرَقُ وَقَدْ اُسْتُعْمِلْت اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ فَلَمْ يُذْكَرْ مَوْصُوفُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال: 67] وَقَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ فِي الْمَقْصُورِ وَالْمَمْدُودِ: وَالدُّنْيَا مَقْصُورَةٌ مُؤَنَّثَةٌ تُكْتَبُ

ص: 25

وَالْمَرْجِعُ فِي التَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى، 30 - خُصُوصًا أَنَّ أَصْحَابَنَا رحمهم الله لَهُمْ خُصُوصِيَّةُ السَّبَقِ فِي هَذَا الشَّأْنِ.

ــ

[غمز عيون البصائر]

بِالْأَلِفِ هَذَا لُغَةُ نَجْدٍ وَتَمِيمٍ إلَّا أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ وَبَنِي أَسَدٍ يُلْحِقُونَهَا وَنَظَائِرَهَا بِالْمَصَادِرِ ذَوَاتِ الْوَاوِ وَيَقْلِبُونَ دُنْوَى سُرْوَى وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ بِكُلِّ فُعْلَى مَوْضِعُ لَامِهَا وَاوٌ يَفْتَحُونَ أَوَّلَهَا وَيَقْلِبُونَ يَاءَهَا وَاوًا وَأَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ الْأُولَى فَيَضُمُّونَ الدَّالَ وَيَقْلِبُونَ الْوَاوَ يَاءً لِاسْتِثْقَالِهِمْ الْوَاوَ مَعَ الضَّمَّةِ.

(29)

وَالْمَرْجِعُ فِي التَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى: الْمَرْجِعُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ وَهُوَ الْعُودُ إلَى الشَّيْءِ وَالتَّدْرِيسُ مِنْ دَرَسَ الْكِتَابَ قَرَأَهُ قَالَ الشَّاعِرُ:

هَذَا سُرَاقَةُ لِلْقُرْآنِ يُدَرِّسُهُ

وَالْفُتْيَا وَالْفَتْوَى وَتُفْتَحُ مَا أَفْتَى بِهِ الْفَقِيهُ وَأَفْتَاهُ فِي الْأَمْرِ أَبَانَهُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَفِي حَوَاشِي الْكَشَّافِ لِلسَّيِّدِ السَّنَدِ اشْتِقَاقُ الْفَتْوَى مِنْ الْفَتِيِّ لِأَنَّهَا جَوَابٌ فِي حَادِثَةٍ أَوْ إحْدَاثِ حُكْمٍ أَوْ تَقْوِيَةٍ لِبَيَانٍ مُشْكِلٍ يَعْنِي أَنَّهُ يُلَاحِظُ فِيهَا مَا يُنْبِئُ عَنْهُ الْفَتِيُّ مِنْ الْحُدُوثِ أَوْ الْقُوَّةِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةً الِاشْتِقَاقُ. وَعَرَّفَهَا بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّهَا الْإِخْبَارُ عَنْ الْحُكْمِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْإِلْزَامِ قِيلَ اُحْتُرِزَ بِالْقَيْدِ الْأَخِيرِ عَنْ الْقَضَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْقَضَاءُ إنْشَاءٌ فَلَا يَصْدُقُ مَا قَبْلَ هَذَا الْقَيْدِ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْفَتْوَى مَأْخُوذٌ عَنْ الْفَتَى وَهُوَ الشَّابُّ الْقَوِيُّ سُمِّيَ الْحُكْمُ فَتْوَى لِتَقَوِّي السَّائِلِ بِهِ فِي جَوَابِ الْحَادِثَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْفَتْوَى بَيَانُ حُكْمِ الْحَادِثَةِ وَهُوَ جَوَابُهَا لَا الْحُكْمُ كَمَا ذُكِرَ. قَالَ فِي الْمُجْمَلِ أَفْتَى الْفَقِيهُ فِي الْمَسْأَلَةِ إذَا بَيَّنَ حُكْمَهَا. قَالَ فِي الْبَيَانِ أَفْتُونِي أَجِيبُونِي عَنْ سُؤَالِ رُؤْيَايَ فِي الْمَنَامِ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي أَجِيبُونِي. (30)

خُصُوصًا أَنَّ أَصْحَابَنَا رحمهم الله لَهُمْ خُصُوصِيَّةُ السَّبَقِ فِي هَذَا الشَّأْنِ: خُصُوصًا مَصْدَرُ خَصَّهُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ مَعَ مُلَاحَظَةِ مَفْعُولٍ بِهِ مُقَدَّرٍ فِي نَظْمِ الْكَلَامِ وَالتَّقْدِيرُ أَخُصُّ أَصْحَابَنَا بِالْإِنْصَافِ بِمَا ذُكِرَ خُصُوصًا.

وَقَوْلُهُ إنَّ أَصْحَابَنَا إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلتَّخْصِيصِ بِمَا ذُكِرَ مَعَ مُلَاحَظَةِ لَامِ التَّعْلِيلِ الْمُقَدَّرَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا فُتِحَتْ هَمْزَةُ أَنَّ وَالتَّقْدِيرُ إنَّمَا خَصَّصْت أَصْحَابَنَا بِالِاتِّصَافِ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا لَهُمْ خُصُوصِيَّةُ السَّبَقِ فِي هَذَا الشَّأْنِ وَالْخُصُوصِيَّةُ بِالضَّمِّ وَتُفْتَحُ بِمَعْنَى الِاخْتِصَاصِ وَالْمُرَادُ

ص: 26

وَالنَّاسُ لَهُمْ أَتْبَاعٌ؛ 32 - وَالنَّاسُ فِي الْفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، 33 - وَلَقَدْ أَنْصَفَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله حَيْثُ قَالَ: مِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَحَّرَ فِي الْفِقْهِ فَلْيَنْظُرْ إلَى كُتُبِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، 34 - كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ وَهْبَانَ عَنْ حَرْمَلَةَ،

ــ

[غمز عيون البصائر]

بِأَصْحَابِنَا أَصْحَابُ مَذْهَبِنَا وَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ رحمهم الله.

وَالسَّبَقُ التَّقَدُّمُ وَهَذَا الشَّأْنُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى وَنَحْوِهِمَا.

هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ هَذَا الْمَحِلُّ.

(31)

وَالنَّاسُ لَهُمْ أَتْبَاعٌ: النَّاسُ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى دُخُولِ أَنَّ قَبْلَهُ مَعَ مُلَاحَظَةِ أَدَاةِ التَّعْلِيلِ.

وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا إنَّمَا خَصَّصْت أَصْحَابَنَا بِالِاتِّصَافِ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ النَّاسَ لَهُمْ أَتْبَاعٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِالرَّفْعِ وَتَكُونُ الْوَاوُ لِلْحَالِ وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا لِأَنَّ أَصْحَابَنَا لَهُمْ خُصُوصِيَّةُ السَّبَقِ فِي هَذَا الشَّأْنِ وَالْحَالُ أَنَّ النَّاسَ لَهُمْ أَتْبَاعٌ وَالنَّاسُ الْبَشَرُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهِ فَقِيلَ مِنْ نَاسَ يَنُوسُ إذَا تَحَرَّكَ وَقِيلَ مِنْ الْأُنْسِ وَهُوَ السُّكُونُ وَالْأُلْفَةُ وَقِيلَ مِنْ النِّسْيَانِ وَعَلَى الثَّانِي قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إلَّا لِأُنْسِهِ

وَمَا الْقَلْبُ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ

وَالْأَتْبَاعُ جَمْعُ تَبَعٍ مُحَرَّكَةً وَهُوَ مَنْ يَمْشِي خَلْفَك وَيَأْخُذُ بِقَوْلِك.

(32)

وَالنَّاسُ فِي الْفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله: هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنْ يُقَالَ لِمَ كَانَ النَّاسُ أَتْبَاعًا لِأَصْحَابِك فِيمَا ذُكِرَ؟ فَقَالَ النَّاسُ فِي الْفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ رحمه الله أَيْ كَالْعِيَالِ وَالْعِيَالُ كَكِتَابٍ جَمْعُ عَيِّلٍ وَهُوَ مَنْ يَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ.

(33)

وَلَقَدْ أَنْصَفَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله حَيْثُ قَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَحَّرَ فِي الْفِقْهِ فَلْيَنْظُرْ إلَى كُتُبِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله: أَنْصَفَ مِنْ الْإِنْصَافِ وَهُوَ الْعَدْلُ وَحَيْثُ هُنَا ظَرْفُ زَمَانٍ وَالْمَعْنَى وَلَقَدْ عَدَلَ الشَّافِعِيُّ وَقْتَ قَوْلِهِ هَذَا وَالتَّبَحُّرُ التَّوَسُّعُ يُقَالُ تَبَحَّرَ فِي الْعِلْمِ تَوَسَّعَ وَتَعَمَّقَ وَنَظَرَ الشَّيْءَ وَإِلَيْهِ تَأَمَّلَ بِالْبَصَرِ وَقَوْلُهُ إلَى كُتُبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُصَنَّفَةِ عَلَى مَذْهَبِهِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يُصَنِّفْ شَيْئًا سِوَى الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ عَلَى مَا اشْتَهَرَ.

(34)

كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ وَهْبَانَ عَنْ حَرْمَلَةَ: أَيْ عَلَى مَا نَقَلَهُ وَإِلَّا مَا هُنَا عَيْنُهُ لَا مِثْلُهُ

ص: 27

وَهُوَ كَالصِّدِّيقِ رضي الله عنه،

36 -

وَلَهُ أَجْرُهُ وَأَجْرُ مِنْ دَوَّنَ الْفِقْهَ وَأَلَّفَهُ وَفَرَّعَ أَحْكَامَهُ عَلَى أُصُولِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

ــ

[غمز عيون البصائر]

وَحَرْمَلَةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرْمَلَةَ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالصَّحِيفَةِ فِي مَنَاقِبِ فَقِيهِ الْوَقْتِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُزَنِيّ رَوَى عَنْ الشَّافِعِيِّ (رحمه الله) هَذَا الَّذِي رَوَاهُ حَرْمَلَةُ وَنَقَلَ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الصَّبَّاحِ قَالَ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: قِيلَ لِمَالِكٍ هَلْ رَأَيْت أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ نَعَمْ رَأَيْت رَجُلًا لَوْ كَلَّمَك فِي هَذِهِ السَّارِيَةِ أَنْ يَجْعَلَهَا ذَهَبًا لَقَامَ بِحُجَّتِهِ.

وَنَقَلَ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُفْلِسٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُقَاتِلٌ قَالَ سَمِعْت ابْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ إنَّ الْأَثَرَ قَدْ عُرِفَ وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى الرَّأْيِ فَرَأْيُ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَحْسَنُهُمْ رَأْيًا وَأَدَقُّهُمْ فِطْنَةً وَأَغْوَصُهُمْ عَلَى الْفِقْهِ وَهُوَ أَفْقَهُ الثَّلَاثَةِ.

(35)

وَهُوَ كَالصِّدِّيقِ رضي الله عنه: جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ سِيقَتْ لِبَيَانِ إحْرَازِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله قَصَبَ السَّبَقِ فِي الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَالصِّدِّيقُ كَسِكِّيتٍ لَقَبُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه شَيْخُ الْخُلَفَاءِ وَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ابْتَدَأَ أَمْرًا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله ابْتَدَأَ تَدْوِينَ الْفِقْهِ وَكَانَ قَبْلَهُ مَحْفُوظًا فِي الصُّدُورِ وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ابْتَدَأَ جَمَعَ الْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم بِمَشُورَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَذَا قِيلَ.

وَقِيلَ وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنهمَا أَنَّ الصِّدِّيقَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ مِنْ الرِّجَالِ وَأَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الْفِقْهَ

(36)

وَلَهُ أَجْرُهُ وَأَجْرُ مَنْ دَوَّنَ الْفِقْهَ وَأَلَّفَهُ وَفَرَّعَ أَحْكَامَهُ عَلَى أُصُولِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: أَيْ أَجْرُ تَدْوِينِ الْفِقْهِ فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْفِقْهِ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْمُضَافِ الَّذِي قَدَّرْنَاهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

وَأَجْرُ مَنْ دَوَّنَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا أَنَّ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَجْرُ جَمْعِ الْقُرْآنِ وَأَجْرُ مَنْ جَمَعَهُ بَعْدَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُقَالُ كَمَا أَنَّ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَجْرُ إيمَانِهِ وَأَجْرُ كُلِّ مَنْ آمَنَ بَعْدَهُ مِنْ الرِّجَالِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

قُلْت وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أَيْ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (أَقُولُ) الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ إذْ الْقُرْآنُ بَعْدَ مَا جُمِعَ لَا يُتَصَوَّرُ جَمْعُهُ ثَانِيًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ

ص: 28

وَإِنَّ الْمَشَايِخَ الْكِرَامَ 38 - قَدْ أَلَّفُوا.

ــ

[غمز عيون البصائر]

يُرَادَ مِنْ جَمْعِهِ ثَانِيًا كِتَابَتُهُ مَجْمُوعًا.

وَقِيلَ كَالصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي أَنَّ لَهُ أَجْرَ التَّصْدِيقِ وَأَجْرَ مَنْ صَدَّقَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ فَتَحَ بَابَ التَّصْدِيقِ وَقَوْلُهُ دَوَّنَهُ أَيْ جَعَلَهُ دِيوَانًا وَالدِّيوَانُ - وَيُفْتَحُ - مَجْمَعُ الصُّحُفِ وَالْكِتَابُ يُكْتَبُ فِيهِ أَهْلُ الْجَيْشِ وَأَهْلُ الْعَطِيَّةِ وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَهُ عُمَرُ رضي الله عنه

وَقَوْلُهُ فَرَّعَ أَحْكَامَهُ أَيْ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ أُصُولِهَا بِقَوَاعِدِ الِاسْتِنْبَاطِ

(37)

وَإِنَّ الْمَشَايِخَ الْكِرَامَ: عَطَفَ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَنَا.

وَالْمَشَايِخُ جَمْعُ شَيْخٍ وَهُوَ لُغَةً مَنْ اسْتَبَانَتْ فِيهِ السِّنُّ أَوْ مَنْ بَلَغَ خَمْسِينَ أَوْ إحْدَى وَخَمْسِينَ إلَى آخِرِ عُمُرِهِ أَوْ إلَى الثَّمَانِينَ وَلَهُ جُمُوعٌ خِلَافُ هَذَا ذَكَرَهَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ فِي الْعِلْمِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذَا السِّنَّ.

وَالْكِرَامُ جَمْعُ كَرِيمٍ وَهُوَ الصَّفُوحُ.

(38)

قَدْ أَلَّفُوا: التَّأْلِيفُ جَعْلُ الْأَشْيَاءِ الْكَثِيرَةِ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْوَاحِدِ سَوَاءً كَانَ لِبَعْضِ أَجْزَائِهِ نِسْبَةٌ إلَى الْبَعْضِ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّأْلِيفُ أَعُمَّ مِنْ التَّرْتِيبِ ذَكَرَهُ السَّيِّدُ السَّنَدُ.

قَالَ بَعْضُهُمْ وَأَعَمُّ مِنْ التَّصْنِيفِ وَهُوَ جَعْلُ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:

سُقْيًا لِحُلْوَانَ ذِي الْكُرُومِ

وَمَا صُنِّفَ مِنْ تِينِهِ وَمِنْ عِنَبِهِ

فَالتَّأْلِيفُ لِكَوْنِهِ مُطْلَقَ الضَّمِّ أَعَمُّ مِنْ التَّصْنِيفِ لِكَوْنِهِ جَعَلَ كُلَّ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ التَّأْلِيفُ يَرْجِعُ مَعْنَاهُ إلَى جَمْعِ كَلَامِ الْغَيْرِ وَضَمِّهِ فَحَسْبُ وَالتَّصْنِيفُ إبْرَازُ صِفَاتِ الْمَعَانِي وَإِثْبَاتُ الْأَفْكَارِ الْغَرِيبَةِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ وَالْمُؤَلِّفُ مَنْ يَجْمَعُ كَلَامَ غَيْرِهِ وَيَضُمُّهُ بِإِيقَاعِ الْأُلْفَةِ مِنْ غَيْرِ ابْتِكَارِ مَعْنَى مِنْ عِنْدِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاضِعُ الْعِلْمِ أَوْلَى بِاسْمِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُؤَلِّفِ وَإِنْ صَحَّ أَيْضًا فِيهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ مُطْلَقًا بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ جِنْسٌ وَمَا تَحْتَهُ مِمَّا فِي الظَّنِّ وَالْيَقِينِ نَوْعٌ فَوَاضِعُ الْعِلْمِ لَمَّا لَاحَظَ الْغَايَةَ الْمَقْصُودَةَ لَهُ فَوَجَدَهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَحْوَالِ شَيْءٍ أَوْ أَشْيَاءَ مِنْ جِهَةٍ خَاصَّةٍ وَضَعَهُ لِيَبْحَثَ عَنْهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فَقَيَّدَ ذَلِكَ النَّوْعَ مِنْ الْعِلْمِ بِعَارِضٍ كُلِّيٍّ فَصَارَ صِنْفًا وَقِيلَ لِوَاضِعِهِ صَنَّفَ الْعِلْمَ أَيْ جَعَلَهُ صِنْفًا مُتَنَاسِبًا فَهُوَ بِاسْمِ الْمُصَنِّفِ أُوَفِّقُ.

ص: 29

مَا بَيْنَ مُخْتَصَرٍ وَمُطَوَّلٍ 40 - مِنْ مُتُونٍ وَشُرُوحٍ وَفَتَاوَى، 41 - وَاجْتَهَدُوا فِي الْمَذْهَبِ وَالْفَتْوَى وَحَرَّرُوا وَنَقَّحُوا، شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُمْ،

ــ

[غمز عيون البصائر]

مَا بَيْنَ مُخْتَصَرٍ وَمُطَوَّلٍ: أَيْ أَلَّفُوا تَأْلِيفًا مِنْهَا مُخْتَصَرٌ وَمِنْهَا مُطَوَّلٌ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَالْعِبَارَةُ لَا تُفِيدُهُ.

وَالْمُخْتَصَرُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الِاخْتِصَارِ وَهُوَ تَقْلِيلُ اللَّفْظِ وَتَكْثِيرُ الْمَعْنَى.

وَالْمُطَوَّلُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ التَّطْوِيلِ وَهُوَ زِيَادَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا يُؤَدِّي أَصْلَ الْمُرَادِ مَعَ كَوْنِ الزَّائِدِ غَيْرَ مُتَعَيَّنٍ فَإِنْ تُعُيِّنَ فَهُوَ الْحَشْوُ وَيُوصَفُ الْكَلَامُ بِكَوْنِهِ طَوِيلًا عَرِيضًا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعَارَةِ لِمُشَابِهَتِهِ لِلْجِسْمِ فِي اتِّصَالِ الْأَجْزَاءِ وَتَوَالِيهَا فَطُولُهُ كَثْرَةُ أَلْفَاظِهِ لِكَثْرَةِ مَعَانِيهِ وَعَرْضُهُ كَثْرَةُ أَلْفَاظِهِ لِتَوْضِيحِ مَعَانِيهِ وَالْإِيجَازُ أَدَاءُ الْمَقْصُودِ بِأَقَلَّ مِنْ عِبَارَتِهِ الْمُتَعَارَفَةِ وَالْإِطْنَابُ أَدَاؤُهُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا.

(40)

مِنْ مُتُونٍ وَشُرُوحٍ وَفَتَاوَى: بَيَانٌ لِمَا.

(41)

وَاجْتَهَدُوا فِي الْمَذْهَبِ وَالْفَتْوَى وَحَرَّرُوا وَنَقَّحُوا شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُمْ: أَيْ فِي تَقْرِيرِ مَسَائِلِهِ وَتَحْرِيرِهَا وَالْمَذْهَبُ لُغَةً مَوْضِعُ الذَّهَابِ وَهُوَ الْمُرُورُ فَحَاصِلُهُ الطَّرِيقُ ثُمَّ نَقَلَ مِنْهُ إلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الَّتِي هِيَ طَرَائِقُ الْمُجْتَهِدِينَ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا بِأَقْدَامِ عُقُولِهِمْ الرَّاجِحَةُ لِتَحْصِيلِ الظَّنِّ بِهَا وَأَمَّا مَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ وَهُوَ مَا اُخْتُصَّ بِهِ الْمُجْتَهِدُ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ وَهَذَا يَشْتَمِلُ جَمِيعَ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ. وَالتَّعْرِيفُ الْخَاصُّ لِمَذْهَبِ إمَامِنَا هُوَ مَا اُخْتُصَّ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامِ وَعَرَّفَ بَعْضُهُمْ الْمَذْهَبَ بِأَنَّهُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْفَرْعِيَّةُ الِاجْتِهَادِيَّةُ وَأَسْبَابُهَا وَشُرُوطُهَا وَمَوَانِعُهَا وَالْحِجَجُ الْمُثْبِتَةُ لِلْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ.

وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ نَفْسَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِمَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِ وَإِنَّمَا مَذْهَبُهُ الْمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِيَّةُ الَّتِي يَكُونُ ذَلِكَ الْحُكْمُ مِنْ جُمْلَةِ مَبَادِهَا التَّصَوُّرِيَّةِ.

الثَّانِي: أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ السَّبَبِ وَالشَّرْطِ وَالْمَانِعِ وَالْحَجَّةِ لَيْسَ بِوَظِيفَةِ الْمُجْتَهِدِ أَصَالَةً وَإِنَّمَا وَظِيفَتُهُ قَصْدًا وَأَصَالَةً هُوَ الْبَحْثُ عَنْ الْأَحْكَامِ سَوَاءً كَانَتْ أَحْكَامَ الْأَدِلَّةِ وَالْأَسْبَابِ أَوْ الشُّرُوطِ أَوْ الْمَوَانِعِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَالْكَرَاهِيَةُ.

وَالِاجْتِهَادُ لُغَةً تَحَمُّلُ الْمَشَقَّةِ فِي أَمْرٍ. وَاصْطِلَاحًا اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ الظَّنِّ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ.

ص: 30

إلَّا أَنِّي لَمْ أَرَ لَهُمْ كِتَابًا يَحْكِي كِتَابَ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيّ الشَّافِعِيّ مُشْتَمِلًا عَلَى فُنُونٍ فِي الْفِقْهِ، وَقَدْ كُنْت لَمَّا وَصَلْت فِي شَرْحِ الْكَنْزِ 43 - إلَى تَبْيِيضِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، أَلَّفْت كِتَابًا مُخْتَصَرًا 44 - فِي الضَّوَابِطِ وَالِاسْتِثْنَاءَات مِنْهَا، 45 - سَمَّيْته بِالْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ فِي الْفِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ وَصَلَ إلَى خَمْسِمِائَةِ ضَابِطَةٍ،

ــ

[غمز عيون البصائر]

إلَّا أَنِّي لَمْ أَرَ لَهُمْ كِتَابًا يَحْكِي كِتَابَ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيّ الشَّافِعِيِّ مُشْتَمِلًا عَلَى فُنُونٍ فِي الْفِقْهِ وَقَدْ كُنْت لَمَّا وَصَلْت فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ قَدْ أَلَّفُوا.

وَقَوْلُهُ: يَحْكِي أَيْ يُشَابِهُ وَقَوْلُهُ يَشْتَمِلُ عَلَى فُنُونٍ فِي الْفِقْهِ مِنْ اشْتِمَالِ الْكُلِّ عَلَى أَجْزَائِهِ كَاشْتِمَالِ السَّكَنْجَبِينِ عَلَى الْخَلِّ وَالْعَسَلِ فَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الْمُشْتَمِلِ وَالْمُشْتَمَلِ عَلَيْهِ.

وَالِاشْتِمَالُ عَلَى الشَّيْءِ الْإِحَاطَةُ بِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاشْتِمَالِ وَالشُّمُولِ أَنَّ الشُّمُولَ يُوصَفُ بِهِ الْمَفْهُومُ الْكُلِّيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ وَالِاشْتِمَالُ يُوصَفُ بِهِ الْكُلُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَجْزَائِهِ كَذَا فِي حَوَاشِي الْمَوْلَى؛ زَادَهُ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ.

وَالْفُنُونُ جَمْعُ فَنٍّ وَهُوَ النَّوْعُ وَالضَّرْبُ مِنْ الشَّيْءِ يُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَفْنَانٍ.

(43)

إلَى تَبْيِيضِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَلَّفْت كِتَابًا مُخْتَصَرًا: التَّبْيِيضُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُصَنِّفِينَ عِبَارَةٌ عَنْ كِتَابَةِ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الضَّبْطِ وَالتَّحْرِيرِ مِنْ غَيْرِ شَطْبٍ بَعْدَ كِتَابَتِهِ كَيْفَ مَا اتَّفَقَ.

(44)

فِي الضَّوَابِطِ وَالِاسْتِثْنَاءَات مِنْهَا: الضَّوَابِطُ جَمْعُ ضَابِطَةٍ وَهُوَ عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي دِيبَاجَةِ الْفَنِّ الثَّانِي مَا يَجْمَعُ فُرُوعًا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ مَا يَجْمَعُهَا مِنْ أَبْوَابٍ شَتَّى، وَالِاسْتِثْنَاءَات جَمْعُ اسْتِثْنَاءٍ بِمَعْنَى الْمُسْتَثْنَى وَلِذَا جَمَعَهُ وَإِلَّا فَالْمَصْدَرُ لَا يُثْنَى وَلَا يُجْمَعُ إلَّا إذَا قُصِدَ بِهِ التَّنْوِيعُ أَوْ لَحِقَتْهُ تَاءُ الْوَحْدَةِ.

(45)

سَمَّيْته بِالْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ فِي الْفِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ وَصَلَ إلَى خَمْسِمِائَةِ ضَابِطَةٍ: فِي الصِّحَاحِ سَمَّيْت فُلَانًا زَيْدًا وَسَمَّيْته بِزَيْدٍ بِمَعْنًى وَأَسْمَيْته مِثْلَهُ فَتَسَمَّى بِهِ وَتَقُولُ هُوَ سَمِيُّ فُلَانٍ إذَا وَافَقَ اسْمُهُ اسْمَهُ كَمَا تَقُولُ هُوَ كَنِيُّهُ (انْتَهَى) .

وَالِاسْمُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ

ص: 31

فَأُلْهِمْت أَنْ أَصْنَعَ كِتَابًا عَلَى النَّمَطِ السَّابِقِ مُشْتَمِلًا عَلَى سَبْعَةِ فُنُونٍ. 47 - يَكُونُ هَذَا الْمُؤَلَّفُ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْهَا: 48 - الْأَوَّلُ: مَعْرِفَةُ الْقَوَاعِدِ الَّتِي تُرَدُّ إلَيْهَا وَفَرَّعُوا الْأَحْكَامَ عَلَيْهَا

ــ

[غمز عيون البصائر]

عَلَى الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ لِلتَّمْيِيزِ وَهَلْ أَسْمَاءُ الْكُتُبِ مِنْ قَبِيلِ عَلَمِ الْجِنْسِ أَوْ اسْمِ الْجِنْسِ؟ قِيلَ بِهَذَا وَقِيلَ بِهَذَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ عَلَمِ الْجِنْسِ كَمَا حَقَّقَهُ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ وَأَمَّا مُسَمَّاهَا فَالْمُخْتَارُ.

أَنَّهَا الْأَلْفَاظُ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي.

وَالزَّيْنِيَّةُ نِسْبَةٌ إلَى زَيْنِ الدِّينِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي النِّسْبَةِ إلَى صَدْرِ الْمُرَكَّبِ الْإِضَافِيِّ وَأَمَّا الْبَكْرِيُّ وَالزُّبَيْرِيُّ فِي النِّسْبَةِ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ فَمُسْتَثْنَيَانِ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحِلِّهِ.

(46)

فَأُلْهِمْت أَنْ أَضَعَ كِتَابًا عَلَى النَّمَطِ السَّابِقِ مُشْتَمِلًا عَلَى سَبْعَةِ فُنُونٍ: الْإِلْهَامُ تَلْقِينُ الْخَبَرِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8] لِأَنَّ الْإِلْهَامَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى التَّعْلِيمِ وَالتَّبْيِينِ كَمَا فِي تَفْسِيرِ الْمُحَقِّقِ السَّيِّدِ مُعِينِ الدِّينِ الصَّفَوِيِّ وَالْمُرَادُ بِالْوَضْعِ التَّأْلِيفُ، وَالنَّمَطُ الطَّرِيقُ وَالنَّوْعُ وَالْمُرَادُ تَصْنِيفُ كِتَابٍ يَحْكِي كِتَابَ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيّ الشَّافِعِيِّ.

(47)

يَكُونُ هَذَا الْمُؤَلَّفُ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْهَا: أَيْ بِمَنْزِلَتِهِ لَا أَنْ يَكُونَ عَيْنَهُ فَإِنَّ فِيهِ فَوَائِدُ وَضَوَابِطُ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْفَنِّ الثَّانِي.

وَفِي الْفَنِّ الثَّانِي فَوَائِدُ وَضَوَابِطُ لَمْ تُذْكَرْ فِيهِ وَحِينَئِذٍ لَا يُسْتَغْنَى بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

(48)

الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ الْقَوَاعِدِ الَّتِي تُرَدُّ إلَيْهَا وَفَرَّعُوا الْأَحْكَامَ عَلَيْهَا: أَيْ تُرَدُّ الْفُرُوعُ إلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِرَدِّ الْفُرُوعِ إلَيْهَا اسْتِخْرَاجُهَا مِنْهَا وَطَرِيقُ الِاسْتِخْرَاجِ أَنْ تُضَمَّ كُبْرَى إلَى الصُّغْرَى سَهْلَةَ الْحُصُولِ كَأَنْ يُقَالَ مَثَلًا هَذَا الثَّوْبُ طَاهِرٌ يَقِينًا وَكُلُّ طَاهِرٍ يَقِينًا لَا تَزُولُ طَهَارَتُهُ بِالشَّكِّ.

يَنْتُجُ بَعْدَ إسْقَاطِ الْمُكَرَّرِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ: هَذَا الثَّوْبُ لَا تَزُولُ طَهَارَتُهُ بِالشَّكْلِ.

وَبِهَذَا التَّقْرِيرُ يَظْهَرُ أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ: وَفَرَّعُوا الْأَحْكَامَ عَلَيْهَا.

وَالْمَعْرِفَةُ الْعِلْمُ وَقَدْ فَرَّقَ الْأَكْثَرُونَ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ

ص: 32

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[غمز عيون البصائر]

بِالنِّسَبِ أَيْ وُضِعَ لِنِسْبَةِ شَيْءٍ إلَى آخَرَ وَلِهَذَا يَتَعَدَّى إلَى الْمَفْعُولَيْنِ بِخِلَافِ " عَرَفَ " فَإِنَّهُ وُضِعَ لِلْمُفْرَدَاتِ تَقُولُ عَرَفْت زَيْدًا.

الثَّانِي أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَسْتَدْعِي سَبْقَ جَهْلٍ بِخِلَافِ الْمَعْرِفَةِ وَلِهَذَا لَا يُقَالُ.

اللَّهُ تَعَالَى عَارِفٌ.

وَيُقَالُ لَهُ عَالَمٌ وَقَدْ نَصَّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَيْضًا وَمِنْهُمْ الْآمِدِيُّ فِي إبْكَارِ الْأَفْكَارِ عَلَى نَحْوِهِ فَقَالَ إنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تُطْلَقُ عَلَى الْعِلْمِ الْقَدِيمِ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِمَادٍ الْأَفْقَهِيِّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ لِلْعَلَّامَةِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيِّ: فِي كَلَامِ الْفَرِيقَيْنِ نَظَرٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْعِلْمَ إلَى مُفْرَدٍ وَإِلَى مُرَكَّبٍ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْعِلْمُ ضَرْبَانِ عِلْمٌ بِمُفْرَدٍ ثُمَّ قَالَ وَعِلْمٌ بِمَرْكَبٍ وَأَمَّا الْفَرْقُ الثَّانِي فَلِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ غَيْرَ الْمَأْذُونِ فِيهِ عَلَيْهِ وَقَدْ رَدَّهُ " تَعَرَّفْ إلَى اللَّهِ فِي الرَّخَا يَعْرِفْك فِي الشِّدَّةِ " وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة: 65] إنَّ عَلِمْتُمْ بِمَعْنَى عَرَفْتُمْ أَعْيَانَهُمْ وَقِيلَ عَلِمْتُمْ أَحْكَامَهُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَعْرِفَةَ مُتَوَجِّهَةٌ إلَى ذَاتِ الشَّيْءِ وَالْعِلْمُ مُتَوَجِّهٌ إلَى أَحْوَالِ الشَّيْءِ فَإِذَا قُلْت عَرَفْت زَيْدًا فَالْمُرَادُ شَخْصُهُ وَإِذَا قُلْت عَلِمْت زَيْدًا فَالْمُرَادُ الْعِلْمُ بِأَحْوَالِهِ مِنْ فَضْلٍ وَنَقْصٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَعَدَّى الْفِعْلُ إلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ عَلِمْتُمْ بِمَعْنَى عَرَفْتُمْ وَعَلَى الثَّانِي إلَى مَفْعُولَيْنِ.

وَحَكَى الْأَخْفَشُ وَلَقَدْ عَلِمْت زَيْدًا وَلَمْ يَكُنْ أَعْلَمُهُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ {لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60] كُلُّ هَذَا بِمَعْنَى الْمَعْرِفَةِ فَاعْلَمْهُ.

انْتَهَى كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْعِمَادِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ أَيْضًا تَسْتَدْعِي سَبْقَ عِلْمٍ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ مَلَكًا يَأْتِي النَّاسَ وَهُمْ فِي الْمَوْقِفِ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك لَسْت رَبَّنَا وَنَحْنُ فِي مَكَانِنَا هَذَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا وَيَقَعُوا سَاجِدِينَ» فَلَوْلَا تَقَدَّمَ عِلْمٌ لَهُمْ لَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم «فَيَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ» ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَعْرِفَتُهُمْ لَهُ أَنَّهُمْ عَرَفُوهُ بِأَوْصَافِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَبْلَ ذَلِكَ إمَّا فِي الْبَرْزَخِ وَإِمَّا عِنْدَ الْمَوْتِ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا» وَقَالَ تَعَالَى {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] فَلَوْلَا تَقَدَّمَ عِلْمٌ لَمَا تَعَارَفُوا

ص: 33

وَهِيَ أُصُولُ الْفِقْهِ فِي الْحَقِيقَةِ، 50 - وَبِهَا يَرْتَقِي الْفَقِيهُ إلَى دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ وَلَوْ فِي الْفَتْوَى، 51 - وَأَكْثَرُ فُرُوعِهَا ظَفِرْت بِهِ فِي كُتُبٍ غَرِيبَةٍ أَوْ عَثَرْت بِهِ فِي غَيْرِ مَظِنَّةٍ 52 - إلَّا أَنِّي بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ لَا أَنْقُلُ إلَّا الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ فِي

ــ

[غمز عيون البصائر]

فَطَاحَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَعْرِفَةَ تَسْتَدْعِي سَبْقَ الْجَهْلِ بِخِلَافِ الْعِلْمِ بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ (انْتَهَى) .

فَلْيُحْفَظْ.

(49)

وَهِيَ أُصُولُ الْفِقْهِ فِي الْحَقِيقَةِ: أَيْ كَأُصُولِ الْفِقْهِ وَإِلَّا فَلَيْسَتْ أُصُولٌ لِفِقْهٍ؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ فَتَأَمَّلْ.

(50)

وَبِهَا يَرْتَقِي الْفَقِيهُ إلَى دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ وَلَوْ فِي الْفَتْوَى: عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ هِيَ أُصُولُ الْفِقْهِ.

وَقَوْلُهُ بِهَا مُتَعَلِّقُ يَرْتَقِي.

قُدِّمَ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ بِمُزَاوَلَةِ التَّخْرِيجِ عَلَى تِلْكَ الْقَوَاعِدِ يَبْلُغُ الْفَقِيهُ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ وَالْمُرَادُ بِالْفَقِيهِ الْمُقَلِّدُ فِي الْفِقْهِ وَالدَّرَجَةُ الْمَرْقَاةُ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمَرْتَبَةُ وَالِاجْتِهَادُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَلَكَةِ الَّتِي تَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْفَتْوَى أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الِاجْتِهَادُ الْحَاصِلُ مِنْ مُزَاوَلَةِ الْقَوَاعِدِ كَائِنًا فِي الْفَتْوَى وَمُجْتَهِدُ الْفَتْوَى هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ الَّتِي لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا الْإِمَامُ وَلَا أَصْحَابُهُ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ وَأُصُولِهِمْ كَنُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى وَالْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَغَيْرِهِمْ.

(51)

وَأَكْثَرُ فُرُوعِهَا ظَفِرْتُ بِهِ فِي كُتُبٍ غَرِيبَةٍ: الظَّفَرُ هُوَ الْفَوْزُ بِالْمَطْلُوبِ وَالْمُرَادُ الْغَرِيبَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ النَّاسِ، لِعَدَمِ عِنَايَتِهِ بِتَحْصِيلِ تِلْكَ الْكُتُبِ، لَا مُطْلَقًا، وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ هُوَ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّقْلُ مِنْ الْكُتُبِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي لَمْ تَشْتَهِرْ - أَوْ عَثَرْت بِهِ فِي غَيْرِ مَظِنَّةٍ - عَثَرَ كَنَصَرَ مِنْ الْعُثُورِ وَهُوَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الشَّيْءِ وَيَتَعَدَّى بِعَلَى لَا بِالْبَاءِ إلَّا أَنَّهُ هُنَا ضُمِّنَ مَعْنَى الظَّفَرِ وَحِينَئِذٍ يُشَكَّلُ عَطْفُهُ عَلَى الظَّفَرِ بِأَوْ، وَالْمَظِنَّةُ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مَوْضِعُ الشَّيْءِ وَمَعْدِنُهُ، مَفْعِلَةٌ مِنْ الظَّنِّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَكَانَ الْقِيَاسُ فَتْحَ الظَّاءِ وَإِنَّمَا كُسِرَ لِأَجْلِ الْهَاءِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ ابْنُ هِشَامٍ اللَّخْمِيُّ فِي شَرْحِ شَوَاهِدِ كِتَابِ الْجُمَلِ.

وَفِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ.

(52)

إلَّا أَنِّي بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ لَا أَنْقُلُ إلَّا الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ

ص: 34

الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ أَوْ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ نَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا. 53 -

وَحُكِيَ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا طَاهِرٍ الدَّبَّاسَ جَمَعَ قَوَاعِدَ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله سَبْعَ عَشْرَةَ قَاعِدَةً 54 - وَرَدَّهُ إلَيْهَا. 55 -

وَلَهُ حِكَايَةٌ مَعَ أَبِي سَعِيدٍ الْهَرَوِيِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ سَافَرَ إلَيْهِ وَكَانَ أَبُو طَاهِرٍ ضَرِيرًا، يُكَرِّرُ كُلَّ لَيْلَةٍ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ بِمَسْجِدِهِ بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ النَّاسُ مِنْهُ، فَالْتَفَّ الْهَرَوِيُّ بِحَصِيرٍ وَخَرَجَ النَّاسُ وَأَغْلَقَ أَبُو طَاهِرٍ بَابَ الْمَسْجِدِ

ــ

[غمز عيون البصائر]

مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ أَوْ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ نَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا: اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ ظَفِرْت إلَى آخِرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا فِي غَيْرِ الْمَظِنَّةِ وَالْكُتُبِ الْغَرِيبَةِ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا فَرُفِعَ هَذَا التَّوَهُّمُ بِالِاسْتِدْرَاكِ.

وَالْحَوْلُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَالتَّنْبِيهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ إعْلَامُ مَا فِي ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ لِلْمُخَاطِبِ وَفِي الصِّحَاحِ نَبَّهْت عَلَى الشَّيْءِ وَقَّفْته عَلَيْهِ فَتَنَبَّهَ هُوَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ غَالِبًا قَيْدٌ فِي التَّنْبِيهِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِالْفِعْلِ بِسَبَبِ إسْقَاطِ الْخَافِضِ لَا أَنَّ نَزْعَ الْخَافِضِ عَامِلٌ كَمَا حَقَّقَهُ الرَّضِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةَ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ فِي شَرْحِ الْعَضُدِيِّ وَهُوَ أَوْلَى.

(53)

وَحُكِيَ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا طَاهِرٍ الدَّبَّاسَ جَمَعَ قَوَاعِدَ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله سَبْعَ عَشْرَةَ قَاعِدَةً: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ مَنْسُوبٌ إلَى الدَّبْسِ الْمَأْكُولِ وَمِنْ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ:

وَإِذَا طَلَبْت الْعِلْمَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ

حِمْلٌ فَأَبْصِرْ أَيَّ شَيْءٍ تَحْمِلُ

وَإِذَا عَلِمْت بِأَنَّهُ مُتَفَاضِلٌ

فَاشْغَلْ فُؤَادَك بِاَلَّذِي هُوَ أَفْضَلُ

(54)

وَرَدَّهُ إلَيْهَا: يَعْنِي بِتَعَسُّفٍ وَتَكَلُّفٍ وَقَوْلٍ جُمَلِيٍّ.

وَأَمَّا رَدَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُضُوحِ فَيَرْبُو عَلَى الْخَمْسِينَ بَلْ الْمِائَتَيْنِ كَذَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ.

(55)

وَلَهُ حِكَايَةٌ مَعَ أَبِي سَعِيدٍ الْهَرَوِيِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ سَافَرَ إلَيْهِ وَكَانَ أَبُو طَاهِرٍ ضَرِيرًا يُكَرِّرُ كُلَّ لَيْلَةٍ تِلْكَ الْقَوَاعِدَ بِمَسْجِدِهِ بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ النَّاسُ مِنْهُ فَالْتَفَّ الْهَرَوِيُّ بِحَصِيرَةٍ وَخَرَجَ النَّاسُ وَأَغْلَقَ أَبُو طَاهِرٍ بَابَ الْمَسْجِدِ: الْمَقْصُودُ مِنْ

ص: 35

وَسَرَدَ مِنْهَا سَبْعَةً 57 - فَحَصَلَتْ لِلْهَرَوِيِّ سَعْلَةٌ فَأَحَسَّ بِهِ أَبُو طَاهِرٍ 58 - فَضَرَبَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، 59 - ثُمَّ لَمْ يُكَرِّرْهَا فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ،

ــ

[غمز عيون البصائر]

سَوْقِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ التَّنْوِيهُ بِشَرَفِ الْقَوَاعِدِ حَيْثُ سَافَرَ مِثْلُ هَذَا الْإِمَامِ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ وَهَذَا لَيْسَ أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ الشَّافِعِيُّ هُوَ صَاحِبُ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ مَعَ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ وَإِنَّمَا هُوَ نَاقِلٌ لِلْحِكَايَةِ عَنْهُ مَعَ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ بِهَرَاةَ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(56)

وَسَرَدَ مِنْهَا سَبْعَةً: شَبَّهَ قِرَاءَتَهَا مُنْتَظِمَةً مُتَّسِقَةً بِسَرْدِ الدَّرْعِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ وَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ سَبْعًا لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُؤَنَّثٌ عَلَى مَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْمَشْهُورَةُ (لَا يُقَالُ الْقَاعِدَةُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُمَيَّزُ مَذْكُورًا بَعْدَ الْعَدَدِ وَأَمَّا إذَا حُذِفَ أَوْ قُدِّرَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ فِي اسْمِ الْعَدَدِ إلْحَاقُ التَّاءِ وَحَذْفُهَا) لِأَنَّا نَقُولُ مَا ذُكِرَ مِنْ جَوَازِ التَّاءِ وَعَدَمِهَا إذَا كَانَ الْمُمَيَّزُ الْأَيَّامُ وَحْدَهَا وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرُ الْأَيَّامِ فَالْوَجْهُ مُطَابَقَةُ الْقَاعِدَةِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ إثْبَاتِ التَّاءِ فِي الْمُذَكَّرِ وَحَذْفِهَا فِي الْمُؤَنَّثِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَيَّامُ مَعَ اللَّيَالِي فَالْمَسْمُوعُ حَذْفُ التَّاءِ تَغْلِيبًا لِلَّيَالِيِ.

كَذَا قَرَّرَهُ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ فِي رِسَالَةِ إبْرَازِ الْحُكْمِ قَالَ وَفِي كَلَامِ سِيبَوَيْهِ وَابْنِ مَالِكٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ.

(57)

فَحَصَلَتْ لِلْهَرَوِيِّ سَعْلَةٌ فَأَحَسَّ بِهِ أَبُو طَاهِرٍ: السَّعْلَةُ وَالسُّعَالُ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا حَرَكَةٌ تَدْفَعُ بِهَا الطَّبِيعَةُ الْأَذَى عَنْ الرِّئَةِ وَالْأَعْضَاءِ الَّتِي تَتَّصِلُ بِهَا وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْأَطِبَّاءِ عَدَّهُ فِي الْأَمْرَاضِ لِأَنَّ الْأُمُورَ الطَّبِيعِيَّةَ الْعَارِضَةَ لِلْإِنْسَانِ لَا تُعَدُّ مَرَضًا وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ عَدَّهُ مَرَضًا بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ عُرُوضِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ لَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ عُرُوضِهِ.

(58)

فَضَرَبَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ: فِيهِ أَنَّهُ كَيْفَ يَصْدُرُ هَذَا مِنْ مِثْلِ هَذَا الْعَالَمِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ضَرْبُهُ وَلَا إخْرَاجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ.

(59)

ثُمَّ لَمْ يُكَرِّرْهَا فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ: عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ أَخْرَجَهُ.

أَقُولُ فِيهِ إنَّ فِي عَدَمِ تَكْرِيرِهَا بَعْدَ ذَلِكَ خَشْيَةَ مَنْ يَسْمَعُهَا وَيَسْتَفِيدُهَا كَتْمًا لِلْعِلْمِ وَهُوَ مَذْمُومٌ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ النَّارِ» .

ص: 36

فَرَجَعَ الْهَرَوِيُّ إلَى أَصْحَابِهِ وَتَلَاهَا عَلَيْهِمْ 61 -

الثَّانِي: الضَّوَابِطُ وَمَا دَخَلَ فِيهَا وَمَا خَرَجَ عَنْهَا وَهُوَ أَنْفَعُ الْأَقْسَامِ لِلْمُدَرِّسِ وَالْمُفْتِي وَالْقَاضِي، فَإِنَّ بَعْضَ الْمُؤَلَّفِينَ يَذْكُرُ ضَابِطَهُ 62 - وَيَسْتَثْنِي مِنْهُ أَشْيَاءَ، فَأَذْكُرُ فِيهَا أَنِّي زِدْت عَلَيْهِ أَشْيَاءَ أُخَرَ، فَمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمَزِيدِ 63 - ظَنَّ الدُّخُولَ وَهِيَ خَارِجَةٌ كَمَا سَتَرَاهُ 64 - وَلِهَذَا وَقَعَ مَوْقِعًا حَسَنًا عِنْدَ ذَوِي الْإِنْصَافِ، وَابْتَهَجَ بِهِ مَنْ هُوَ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ

ــ

[غمز عيون البصائر]

فَرَجَعَ الْهَرَوِيُّ إلَى أَصْحَابِهِ وَتَلَاهَا عَلَيْهِمْ: أَيْ الْقَوَاعِدَ السَّبْعَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ الدَّبَّاسِ قِيلَ مِنْهَا - الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ - وَالثَّانِيَةُ الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ - وَالثَّالِثَةُ - الضَّرَرُ يُزَالُ - وَالرَّابِعَةُ الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ - وَالْخَامِسَةُ الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا - كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(61)

الثَّانِي الضَّوَابِطُ وَمَا دَخَلَ فِيهَا وَمَا خَرَجَ عَنْهَا وَهُوَ أَنْفَعُ الْأَقْسَامِ لِلْمُدَرِّسِ وَالْمُفْتِي وَالْقَاضِي فَإِنَّ بَعْضَ الْمُؤَلِّفِينَ يَذْكُرُ ضَابِطَهُ: أَيْ الْفَنُّ الثَّانِي مِنْ الْفُنُونِ السَّبْعَةِ وَقَوْلُهُ مَا خَرَجَ عَنْهَا أَيْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى.

(62)

وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَشْيَاءُ فَأَذْكُرُ فِيهِ أَنِّي زِدْت عَلَيْهِ أَشْيَاءَ أُخَرَ فَمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمَزِيدِ: الْأَشْيَاءُ جَمْعُ شَيْءٍ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ حِسًّا كَالْأَجْسَامِ أَوْ حُكْمًا كَالْأَقْوَالِ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ مَا يَصِحُّ أَنْ يُعْلَمَ بِهِ وَيُخْبِرَ عَنْهُ.

(63)

ظَنَّ الدُّخُولَ وَهِيَ خَارِجَةٌ كَمَا سَتَرَاهُ: أَيْ اعْتَقَدَهُ وَغَيْرُ خَافٍ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْخَطَأِ وَالْفَسَادِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفَتْوَى بِمَا تَقْتَضِيه الضَّوَابِطُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كُلِّيَّةً بَلْ أَغْلَبِيَّةً خُصُوصًا وَهِيَ لَمْ تَثْبُتْ عَنْ الْإِمَامِ بَلْ اسْتَخْرَجَهَا الْمَشَايِخُ مِنْ كَلَامِهِ.

(64)

وَلِهَذَا وَقَعَ مَوْقِعًا حَسَنًا عِنْدَ ذَوِي الْإِنْصَافِ وَابْتَهَجَ بِهِ مَنْ هُوَ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ: كِنَايَةً عَنْ تَلَقِّي الْفُضَلَاءِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَالْإِنْصَافِ وَالْعَدْلِ، وَالِابْتِهَاجُ السُّرُورُ بِالشَّيْءِ.

ص: 37

الثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ 66 -

الرَّابِعُ: مَعْرِفَةُ الْأَلْغَازِ. 67 -

الْخَامِسُ: الْحِيَلُ 68 - السَّادِسُ: الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ 69 - السَّابِعُ: مَا حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَصَاحِبِيهِ وَالْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُطَارَحَاتِ وَالْمُكَاتَبَاتِ وَالْمُرَاسَلَاتِ وَالْغَرِيبَاتِ

ــ

[غمز عيون البصائر]

الثَّالِثُ مَعْرِفَةُ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ: أَيْ الْفَنُّ الثَّالِثُ مِنْ الْفُنُونِ السَّبْعَةِ مَعْرِفَةُ مَا يَجْتَمِعُ مَعَ آخَرَ فِي حُكْمٍ فَأَكْثَرَ وَيَفْتَرِقُ مِنْهُ فِي حُكْمٍ آخَرَ فَأَكْثَرَ كَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْلِمِ بِأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَحْكَامٍ وَيَفْتَرِقَانِ فِي أَحْكَامٍ كَمَا سَيَتَّضِحُ لَك ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ.

(66)

الرَّابِعُ الْأَلْغَازُ: أَيْ الْفَنُّ الرَّابِعُ مِنْ الْفُنُونِ السَّبْعَةِ فِي الْأَلْغَازِ وَالْأَلْغَازُ جَمْعُ لُغْزٍ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ وَبِالتَّحْرِيكِ وَكَصُرَدٍ وَكَالْحُمَيْرَاءِ وَكَالسُّمَيْهِيِّ وَالْأُلْغُوزَةُ مَا يُعْمَى بِهِ وَأَلْغَزَ كَلَامَهُ وَفِيهِ عَمَّى مُرَادَهُ.

كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُرَادُ الْمَسَائِلُ الَّتِي قَصَدَ إخْفَاءَ وَجْهِ الْحُكْمِ فِيهَا لِأَجْلِ الِامْتِحَانِ.

(67)

الْخَامِسُ الْحِيَلُ: أَيْ الْفَنُّ الْخَامِسُ مَسَائِلُ الْحِيَلِ.

الْحِيَلُ جَمْعُ حِيلَةٍ وَهِيَ الْحِذْقُ وَجَوْدَةُ النَّظَرِ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا يَكُونُ مُخَلِّصًا شَرْعِيًّا لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِحَادِثَةِ دِينِيَّةٍ وَلِكَوْنِ الْمُخَلِّصِ مِنْ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إلَّا بِالْحِذْقِ وَجَوْدَةِ النَّظَرِ أَطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظَ الْحِيلَةِ.

(68)

السَّادِسُ الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ: أَيْ الْفَنُّ السَّادِسُ الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ مِنْ الْمَسَائِلِ وَالْأَشْبَاهِ جَمْعُ شَبَهٍ وَالشَّبَهُ وَالشَّبِيهُ الْمِثْلُ وَالنَّظَائِرُ جَمْعُ نَظِيرٍ وَهُوَ الْمُنَاظِرُ وَالْمِثْلُ وَالْمُرَادُ بِهَا الْمَسَائِلُ الَّتِي تُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا مَعَ اخْتِلَافِهَا فِي الْحُكْمِ لِأُمُورٍ خَفِيَّةٍ أَدْرَكَهَا الْفُقَهَاءُ بِدِقَّةِ أَنْظَارِهِمْ وَقَدْ صَنَّفُوا لِبَيَانِهَا كُتُبًا كَفُرُوقِ الْمَحْبُوبِيِّ وَالْكَرَابِيسِيِّ وَهُمَا عِنْدِي وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

(69)

السَّابِعُ مَا حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَصَاحِبِيهِ وَالْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُطَارَحَاتِ وَالْمُكَاتَبَاتِ وَالْمُرَاسَلَاتِ وَالْغَرِيبَاتِ: أَيْ الْفَنُّ السَّابِعُ الْحِكَايَاتُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِهِ وَلَا كُنْيَتِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِيهَامِ وَهُوَ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْبَلَاغَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ

ص: 38

وَأَرْجُو مِنْ كَرَمِ اللَّهِ الْفَتَّاحِ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ إذَا تَمَّ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ

71 -

يَصِيرُ نُزْهَةً لِلنَّاظِرِينَ، 72 - وَمَرْجِعًا لَلْمُدَرِّسِينَ،

ــ

[غمز عيون البصائر]

شَارَةً إلَى عُلُوِّ شَأْنِهِ وَرِفْعَةِ قَدْرِهِ وَمَكَانِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمَشْهُورُ الَّذِي لَا يُشْتَبَهُ وَالْبَيِّنُ الَّذِي لَا يَلْتَبِسُ قَالَ الشَّاعِرُ:

لَسْنَا نُسَمِّيك إجْلَالًا وَتَكْرِمَةً

وَقَدْرُك الْمُعْتَلِي عَنْ ذَاكَ يَكْفِينَا

وَقَوْلُهُ: مِنْ الْمُطَارَحَاتِ وَالْمُرَاسَلَاتِ وَالْمُكَاتَبَاتِ بَيَانٌ لِمَا.

وَالْمُطَارَحَاتُ جَمْعُ مُطَارَحَةٍ وَهِيَ أَنْ يَطْرَحَ أَحَدُ الْعَالِمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مَسْأَلَةً فَيَتَكَلَّمَانِ فِيهَا أَشْفَاهًا.

وَالْمُرَاسَلَاتُ جَمْعُ مُرَاسَلَةٍ وَهِيَ أَنْ يُرَاسِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَالِمَيْنِ إلَى الْآخَرِ بِمَسْأَلَةٍ يَسْأَلُهُ عَنْهَا سَوَاءً كَانَ بِمُكَاتَبَةٍ أَوْ رَسُولٍ وَعَلَى هَذَا فَعَطْفُ الْمُكَاتَبَاتِ عَلَى الْمُرَاسَلَاتِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ

(70)

فَأَرْجُو مِنْ كَرَمِ الْفَتَّاحِ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ إذَا تَمَّ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ: الرَّجَاءُ اعْتِقَادُ حُصُولِ الْخَيْرِ الْمُمْكِنِ، وَتَفْسِيرُهُ بِطَلَبِ الْمَحْبُوبِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ وَيُرَادِفُهُ الْأَمَلُ (وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالتَّمَنِّي) أَنَّ الرَّجَاءَ يَكُونُ فِي الْمُمْكِنِ فَقَطْ وَالتَّمَنِّي فِيهِ وَفِي الْمُسْتَحِيلِ أَيْضًا وَالْكَرَمُ الْفَضْلُ وَالْإِحْسَانُ وَالْفَتَّاحُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى

(71)

يَصِيرُ نُزْهَةً لِلنَّاظِرِينَ: النُّزْهَةُ اسْمٌ مِنْ التَّنَزُّهِ وَهُوَ التَّبَاعُدُ، وَمَكَانٌ نَزِهٌ كَكَتِفٍ وَنَزِيهٌ وَأَرْضٌ نَزِهَةٌ بِكَسْرِ الزَّايِ وَنَزِيهَةٌ بَعِيدَةٌ عَنْ الرِّيفِ وَعُمْقِ الْمِيَاهِ وَذِبَّانِ الْقُرَى وَمَدِّ الْبِحَارِ وَفَسَادِ الْهَوَى، وَتَنَزَّهَ الرَّجُلُ تَبَاعَدَ عَنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ فَهُوَ نَزِيهٌ وَاسْتِعْمَالُ التَّنَزُّهِ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْبَسَاتِينِ وَالْخُضَرِ وَالرِّيَاضِ غَلَطٌ قَبِيحٌ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَدْ يُقَالُ اسْتِعْمَالُ التَّنَزُّهِ بِهَذَا الْمَعْنَى مَجَازِيٌّ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ غَلَطًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ لَا يَشْتَرِطُ اسْتِعْمَالَ الْعَرَبِ لَهُ لِأَنَّ الْمَجَازَ مَوْضُوعٌ بِالْوَضْعِ النَّوْعِيِّ لَا الشَّخْصِيِّ كَمَا حُقِّقَ فِي مَحِلِّهِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ وُجُودُ عَلَاقَةٍ مِنْ الْعَلَاقَاتِ الَّتِي اعْتَبَرَتْهَا الْعَرَبُ فِي الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هُنَا وَهِيَ اللُّزُومُ إذْ مِنْ لَازِمِ الْخُرُوجِ إلَى الْبَسَاتِينِ الْبُعْدُ عَنْ الرِّيفِ وَالْقُرَى وَمَدِّ الْبِحَارِ وَالنَّاظِرِينَ جَمْعُ نَاظِرٍ مِنْ نَظَرَ فِي الشَّيْءِ إذَا فَكَّرَ فِيهِ وَتَأَمَّلَهُ.

(72)

وَمَرْجِعًا لِلْمُدْرَسِينَ: الْمَرْجِعُ مَكَانُ الرُّجُوعِ الْمُدَرِّسِينَ جَمْعُ مُدَرِّسٍ مِنْ دَرَسَ الْكِتَابَ قَرَأَهُ.

ص: 39

وَمَطْلَبًا لِلْمُحَقِّقِينَ، 74 - وَمُعْتَمَدًا لِلْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ، 75 - لِلْمُحَصِّلِينَ 76 - وَكَشْفًا لِكَرْبِ الْمَلْهُوفِينَ 77 -

هَذَا لِأَنَّ الْفِقْهَ أَوَّلُ فُنُونِي، 78 - طَالَ مَا أَسْهَرْتُ فِيهِ عُيُونِي

ــ

[غمز عيون البصائر]

وَمَطْلَبًا لِلْمُحَقِّقِينَ: الْمَطْلَبُ مَوْضِعُ الطَّلَبِ وَالْمُحَقِّقِينَ جَمْعُ مُحَقِّقٍ وَالتَّحْقِيقُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إثْبَاتُ الْمَسْأَلَةِ بِدَلِيلِهَا وَالتَّدْقِيقُ إثْبَاتُ دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِدَلِيلٍ آخَرَ فَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ.

قَالَ الْكَمَالُ الْمَقْدِسِيُّ يَصِحُّ كَوْنُ التَّدْقِيقِ أَخَصَّ بِأَنْ يُقَالَ التَّحْقِيقُ تَفْعِيلٌ مِنْ حَقَّ ثَبَتَ فَهُوَ إثْبَاتُ الْمَسْأَلَةِ بِدَلِيلِهَا، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ دِقَّةٌ أَوْ لَا وَالتَّدْقِيقُ إثْبَاتُهَا بِدَلِيلِ دَلِيلِهَا عَلَى وَجْهٍ فِيهِ دِقَّةٌ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الدِّقَّةُ لِإِثْبَاتِ دَلِيلَ الْمَسْأَلَةِ بِدَلِيلٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ دِقَّةٌ.

(74)

وَمُعْتَمَدًا لِلْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ: أَيْ مُعْتَمَدًا عَلَيْهِ مِنْ الِاعْتِمَادِ وَالِاتِّكَاءِ وَالِاتِّكَالِ وَالْعُمْدَةُ بِالضَّمِّ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ.

(75)

وَغَنِيمَةً لِلْمُحَصِّلِينَ: الْمُرَادُ بِالْغَنِيمَةِ هُنَا الْفَوْزُ بِالشَّيْءِ بِلَا مَشَقَّةٍ وَالْمُحَصِّلِينَ جَمْعُ مُحَصِّلٍ مِنْ التَّحْصِيلِ جَمْعُ الشَّيْءِ وَتَمْيِيزُهُ وَأَصْلُهُ اسْتِخْرَاجُ الذَّهَبِ مِنْ حَجَرِ الْمَعْدِنِ.

(76)

وَكَشْفًا لِكُرُوبِ الْمَلْهُوفِينَ: أَيْ كَاشِفًا لِحُزْنِ الْمَلْهُوفِينَ الَّذِي يَأْخُذُ بِالنَّفْسِ وَالْمَلْهُوفِينَ جَمْعُ مَلْهُوفٍ وَهُوَ الْمَظْلُومُ الْمُضْطَرُّ يَسْتَغِيثُ وَيَتَحَسَّرُ.

(77)

هَذَا لِأَنَّ الْفِقْهَ أَوَّلُ فَنُونِي: كَلِمَةُ هَذَا يُؤْتَى بِهَا أَثْنَاءَ الْكَلَامِ لِرَبْطِ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} [ص: 55] وَالْفُنُونُ جَمْعُ فَنٍّ وَهُوَ النَّوْعُ مِنْ الشَّيْءِ، وَأَضَافَ الْفُنُونَ إلَى نَفْسِهِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْفِقْهَ أَوَّلُ فَنٍّ اشْتَغَلَ بِهِ.، (78)

طَالَ مَا أَسْهَرْت فِيهِ عُيُونِي: قَالَ امْتَدَّ.

وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالسَّهَرُ عَدَمُ النَّوْمِ لَيْلًا وَالْمَعْنَى امْتَدَّ إسْهَارِي عَيْنِي فِي طَلَبِ تَحْصِيلِ الْفِقْهِ وَاسْتِعْمَالُ الْجَمْعِ مَوْضِعَ الْمُثَنَّى وَكَذَا

ص: 40

وَأَعْمَلْت بَدَنِي إعْمَالَ الْجِدِّ 80 - مَا بَيْنَ بَصَرِي وَيَدِي وَظُنُونِي، 81 - وَلَمْ أَزَلْ مُنْذُ زَمَنِ الطَّلَبِ 82 - أَعْتَنِي 83 - بِكُتُبِهِ 84 - قَدِيمًا وَحَدِيثًا،

ــ

[غمز عيون البصائر]

اسْتِعْمَالُ الْمُفْرَدِ مَوْضِعَ الْمُثَنَّى عَرَبِيٌّ شَائِعٌ سَائِغٌ؛ تَقُولُ رَجُلٌ ذُو مَنَاكِبَ وَإِنَّمَا لَهُ مَنْكِبَانِ وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:

فَالْعَيْنُ بَعْدَهُمْ كَأَنَّ حِدَاقَهَا

سُمِلَتْ بِشَوْكٍ فَهِيَ عُورٌ تَدْمَعُ

وَكِتَابَةُ طَالَمَا وَقَلَّمَا مَوْصُولَةٌ بِمَا، عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمُطَرِّزِيُّ عَنْ ابْنِ جِنِّي وَلَكِنَّ ابْنَ دُرُسْتَوَيْهِ لَمْ يُجِزْ أَنْ يُوصَلَ شَيْءٌ مِنْ الْأَفْعَالِ بِمَا، سِوَى نِعْمَ وَبِئْسَ وَهَذَا إذَا كَانَتْ مَا كَافَّةً فَإِنْ كَانَتْ مَصْدَرِيَّةً فَلَيْسَ إلَّا الْفَصْلَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مِنْ بَابِ مَا يُقْطَعُ وَمَا لَا يُقْطَعُ فَاحْفَظْهُ.

(79)

وَأَعْمَلْت بَدَنِي إعْمَالَ الْجِدِّ: أَعْمَلْت مِنْ الْإِعْمَالِ اسْتِعْمَالُ الْعَيْنِ وَالْبَدَنِ مِنْ الْجَسَدِ.

مَا سِوَى الرَّأْسِ.

وَالْجِدُّ بِالْكَسْرِ الِاجْتِهَادُ.

(80)

مَا بَيْنَ بَصَرِي وَيَدْي وَظُنُونِي: أَيْ عَمَلًا مُفَرِّقًا بَيْنَ مَا ذَكَرَ.

فَلِلْبَصَرِ مِنْ ذَلِكَ النَّظَرُ فِي كُتُبِهِ، وَلِلْيَدِ كِتَابَةُ مَسَائِلِهِ وَالظَّنُّ بِمَعْنَى مَحِلَّهُ وَهُوَ الْعَقْلُ وَالتَّدَبُّرُ وَالتَّفَكُّرُ فِي مَسَائِلِهِ وَأَطْلَقَ الْيَدَ وَأَرَادَ الْيَدَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الشَّيْئَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ خَلْقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَ مِنْ ذِكْرِهِمَا ذِكْرُ أَحَدِهَا كَالْعَيْنِ تَقُولُ كَحَّلْت عَيْنِي وَأَنْتَ تُرِيدُ عَيْنَيْك وَمِثْلُ الْعَيْنَيْنِ الْمَنْخِرَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْخُفَّانِ وَالنَّعْلَانِ تَقُولُ لَبِسْت خُفِّي تُرِيدُ خُفَّيْك كَذَا فِي شَرْحِ الْحَمَاسَةِ.

(81)

وَلَمْ أَزَلْ مُنْذُ زَمَنِ الطَّلَبِ: أَيْ لَمْ أَنْفَكُّ مِنْ ابْتِدَاءِ زَمَنِ الطَّلَبِ أَيْ طَلَبِ الْفِقْهِ أَيْ مُحَاوِلَةِ تَحْصِيلِهِ.

(82)

أَعْتَنِي: أَيْ أَهْتَمُّ.

(83)

بِكُتُبِهِ: أَيْ مَا صُنِّفَ فِيهِ مِنْ الْكُتُبِ.

(84)

قَدِيمًا وَحَدِيثًا: أَيْ فِي الزَّمَنِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ.

ص: 41

وَأَسْعَى فِي تَحْصِيلِ مَا هُجِرَ مِنْهَا سَعْيًا حَثِيثًا، 86 - إلَى أَنْ وَقَفْت مِنْهَا عَلَى الْجَمِّ الْغَفِيرِ، 87 - وَأَحَطْتُ بِغَالِبِ الْمَوْجُودِ 88 - فِي بَلَدِنَا (الْقَاهِرَةِ) 89 - مُطَالَعَةً وَتَأَمُّلًا 90 - بِحَيْثُ لَمْ يَفُتْنِي مِنْهَا 91 - إلَّا النَّزْرُ الْيَسِيرُ، كَمَا سَتَرَاهُ عِنْدَ سَرْدِهَا، مَعَ ضَمِّ الِاشْتِغَالِ وَالْمُطَالَعَةِ لَكُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ ابْتِدَاءِ أَمْرِي، كَكِتَابِ الْبَزْدَوِيِّ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ، وَالتَّقْوِيمُ لِأَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ، وَالتَّنْقِيحُ

ــ

[غمز عيون البصائر]

وَأَسْعَى فِي تَحْصِيلِ مَا هُجِرَ مِنْهَا سَعْيًا حَثِيثًا: السَّعْيُ الْمَشْيُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الِاهْتِمَامُ.

وَالتَّحْصِيلُ الْجَمْعُ.

وَمَا هُجِرَ مِنْهَا أَيْ تُرِك كَشُرُوحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالزِّيَادَاتِ وَالسِّيَرِ الْكَبِيرِ وَالْحَثِيثُ السَّرِيعُ.

(86)

إلَى أَنْ وَقَفْت مِنْهَا عَلَى الْجَمِّ الْغَفِيرِ: الْوُقُوفُ عَلَى الشَّيْءِ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَالْجَمُّ الْكَثِيرُ وَالْغَفِيرُ مِنْ الْغَفْرِ وَهُوَ السِّتْرُ.

وَالْمَعْنَى أَنَّ الْكُتُبَ الْفِقْهِيَّةَ الَّتِي اطَّلَعَ عَلَيْهَا لِعَظْمِ كَثْرَتِهَا تَسْتُرُ وَجْهَ الْأَرْضِ.

(87)

وَأَحَطْت بِغَالِبِ الْمَوْجُودِ: مِنْ أَحَاطَ بِالشَّيْءِ عِلْمًا إذَا بَلَغَ أَقْصَاهُ.

(88)

فِي بَلَدِنَا الْقَاهِرَةِ: أَيْ الْمُسَمَّاةُ بِالْقَاهِرَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَاهِرَةِ قَاعِدَةُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ.

(89)

وَمُطَالَعَةً وَتَأَمُّلًا: مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُطَالَعَةُ مِنْ اطَّلَعَ عَلَى أَمْرٍ عَلِمَهُ، وَالتَّأَمُّلُ التَّشَبُّثُ فِي الْأَمْرِ.

(90)

بِحَيْثُ لَمْ يَفُتْنِي مِنْهَا: أَيْ أَحَطْت بِغَالِبِ الْمَوْجُودِ مُطَالَعَةً وَتَأَمُّلًا إحَاطَةً مُتَلَبِّسَةً بِحَيْثُ إنِّي لَمْ يَفُتْنِي شَيْءٌ فَوَاتًا نَاشِئًا مِنْهَا أَيْ مِنْ تَرْكِ مُطَالَعَتِهَا وَتَأَمُّلِهَا.

فَكُلٌّ مِنْ الْجَارَّيْنِ وَالْمَجْرُورَيْنِ وَقَعَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَالْفَوَاتُ الْإِعْوَازُ يُقَالُ فَاتَهُ الشَّيْءُ أَعْوَزَهُ وَقَالَ الرَّاغِبُ الْفَوْتُ بُعْدُ الشَّيْءِ عَنْ الْإِنْسَانِ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إدْرَاكُهُ. (91) إلَّا النَّزْرَ الْيَسِيرَ كَمَا سَتَرَاهُ عِنْدَ سَرْدِهَا مَعَ ضَمِّ الِاشْتِغَالِ وَالْمُطَالَعَةِ لِكُتُبِ

ص: 42

وَشَرْحُهُ وَشَرْحُ شَرْحِهِ وَحَوَاشِيهِ، وَشُرُوحُ الْبَزْدَوِيِّ مِنْ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَالتَّقْرِيرُ، 92 - حَتَّى اخْتَصَرْتُ تَحْرِيرَ الْمُحَقِّقِ ابْنَ الْهُمَامِ وَسَمَّيْته لُبَّ الْأُصُولِ.

ثُمَّ شَرَحْت الْمَنَارَ 93 - شَرْحًا جَاءَ، بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ، فَائِقًا عَلَى نَوْعِهِ 94 -

فَنَشْرَعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، فِيمَا قَصَدْنَاهُ 95 - مِنْ هَذَا التَّأْلِيفِ

ــ

[غمز عيون البصائر]

الْأُصُولِ مِنْ ابْتِدَاءِ أَمْرِي كَكِتَابِ الْبَزْدَوِيِّ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَالتَّقْوِيمُ لِأَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ وَالتَّنْقِيحُ وَشَرْحِهِ وَشَرْحِ شَرْحِهِ وَحَوَاشِيهِ وَشُرُوحُ الْبَزْدَوِيِّ مِنْ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَالتَّقْرِيرِ: اسْتِثْنَاءٌ مُفْرَغٌ وَالنَّزْرُ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ وَالْيَسِيرُ مُرَادِفٌ لَهُ فَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ.

(92)

حَتَّى اخْتَصَرْت تَحْرِيرَ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ وَسَمَّيْته لُبَّ الْأُصُولِ ثُمَّ شَرَحْت الْمَنَارَ: أَيْ كِتَابُهُ الْمُسَمَّى بِالتَّحْرِيرِ قَوْلُهُ ابْنِ الْهُمَامِ أَيْ هُمَامِ الدِّينِ فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْوَاقِعِ جُزْءَ عَلَمٍ.

نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ جِنِّي فِي شَرْحِ دِيوَانِ الْمُتَنَبِّي عَنْ قَوْلِهِ:

وُقِينَا السَّيْفُ حَمْلَتُهُ صَدُوقٌ

إذَا لَاقَى وَغَارَتُهُ لَجُوجٌ

قَالَ أَرَادَ سَيْفَ الدَّوْلَةِ فَعَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لَمَّا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْإِضَافَةِ (انْتَهَى) .

وَقَدْ جَعَلَ الْمُؤَلِّفُ اخْتِصَارَهُ غَايَةً لِمُطَالَعَةِ كُتُبِ الْأُصُولِ لِأَنَّهُ كِتَابٌ فِي غَايَةِ الْوَجَازَةِ وَالدِّقَّةِ فَلَا يُقْدِمُ عَلَى اخْتِصَارِهِ إلَّا مَنْ بَلَغَ النِّهَايَةَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ كَمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ لِمَنْ طَالَعَهُ.

(93)

شَرْحًا جَاءَ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ فَائِقًا عَلَى نَوْعِهِ: مِنْ فَاقَ الرَّجُلُ أَصْحَابَهُ يَفُوقُهُمْ عَلَاهُمْ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ لَفْظِ الْفَوْقِ الْمُسْتَعْمَلِ لِلْفَضِيلَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الأنعام: 165] .

(94)

فَنَشْرَعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ فِيمَا قَصَدْنَاهُ: الْفَاءُ فَصِيحَةٌ لَا اسْتِئْنَافِيَّةٌ وَالشُّرُوعُ فِي الشَّيْءِ الْأَخْذُ فِيهِ.

(95)

مِنْ هَذَا التَّأْلِيفِ: يَعْنِي الْحَاضِرَ ذِهْنًا وَإِنْ تَأَخَّرَ وَضْعُ الْخُطْبَةِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْفَاضِلُ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ.

ص: 43

بَعْدَ تَسْمِيَتِهِ (بِالْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ) تَسْمِيَةً لَهُ بِاسْمِ بَعْضِ فُنُونِهِ، 97 - سَائِلًا اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ مُؤَلِّفَهُ 98 - وَمَنْ نَظَرَ فِيهِ 99 - إنَّهُ خَيْرُ مَأْمُولٍ 100 - وَإِنَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُ كَيْدَ الْحَاسِدِينَ

ــ

[غمز عيون البصائر]

بَعْدَ تَسْمِيَتِهِ بِالْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ تَسْمِيَةً لَهُ بِاسْمِ بَعْضِ فَنُونِهِ: يَعْنِي أَنَّ التَّسْمِيَةَ بِهَذَا الِاسْمِ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْكُلِّيَّةُ وَالْجُزْئِيَّةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ بَعْضٌ مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ فَأُطْلِقَ عَلَى كُلِّهِ.

(97)

سَائِلًا اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ مُؤَلِّفَهُ: سَائِلًا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ نَشْرَعُ وَكَانَ الْأَوْلَى عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ سَائِلِينَ لِوُجُوبِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الْحَالِ وَصَاحِبِهَا.

وَالْقَبُولُ الرِّضَاءُ وَالنَّفْعُ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الْخَيْرِ. (98) وَمَنْ نَظَرَ فِيهِ: أَيْ وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ مَنْ نَظَرَ فِيهِ أَيْ تَأَمَّلَ.

قَالَ الرَّاغِبُ النَّظَرَ قَدْ يُرَادُ بِهِ التَّأَمُّلُ وَالتَّفَحُّصُ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَعْرِفَةُ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ الْفَحْصِ وَاسْتِعْمَالُ النَّظَرِ فِي الْبَصِيرَةِ أَكْثَرُ عِنْدَ الْخَاصَّةِ، وَالْعَامَّةُ بِالْعَكْسِ (انْتَهَى) .

وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ النَّظَرُ يَجِيءُ لُغَةً بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ وَيَسْتَعْمِلُ بِغَيْرِ صِلَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] وَبِمَعْنَى الْفِكْرِ وَيُسْتَعْمَلُ بِفِي يُقَالُ نَظَرَ فِي كَذَا وَبِمَعْنَى الرَّأْفَةِ وَيُسْتَعْمَلُ بِاللَّامِ يُقَالُ نَظَرَ الْأَمِيرُ لِفُلَانٍ وَبِمَعْنَى الرُّؤْيَةَ وَيُسْتَعْمَلُ بِإِلَى قَالَ الشَّاعِرُ:

نَظَرْت إلَى مَنْ حَسَّنَ اللَّهُ وَجْهَهُ

فَيَا نَظْرَةً كَادَتْ عَلَى وَامِقٍ تَقْضِي

ثُمَّ قَالَ وَلَا يَمْتَنِعُ حَمْلُ النَّظَرِ الْمُطْلَقِ يَعْنِي عَنْ الصِّلَةِ عَلَى الرُّؤْيَةِ يَعْنِي بِطَرِيقِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، إنَّمَا الْمُمْتَنِعُ حَمْلُ الْمَوْصُولِ بِإِلَى عَلَى غَيْرِهَا وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ وَهِمَ أَنَّ النَّظَرَ مُطْلَقًا مَوْصُولًا بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ فَقَدْ وَهِمَ، (99)

إنَّهُ خَيْرُ مَأْمُولٍ: أَيْ إنَّمَا سَأَلْته مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مَرْجُوٍّ.

(100)

وَأَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ كَيْدَ الْحَاسِدِينَ: عَطَفَ عَلَى يَنْفَعَ.

وَالدَّفْعُ الْمَنْعُ وَهُوَ لَا يَعْتَمِدُ سَبْقَ الثُّبُوتِ بِخِلَافِ الرَّفْعِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْفُقَهَاءُ الرَّفْعُ أَقْوَى مِنْ الدَّفْعِ كَمَا فِي

ص: 44

وَافْتِرَاءَ الْمُتَعَصِّبِينَ. 102 -

وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا الْفَنَّ لَا يُدْرَكُ بِالتَّمَنِّي، 103 - وَلَا يُنَالُ، بِسَوْفَ 104 - وَلَعَلَّ، 105 - وَلَوْ أَنِّي، 106 - وَلَا يَنَالُهُ إلَّا مَنْ كَشَفَ عَنْ سَاعِدِ الْجِدِّ، وَشَمَّرَ

ــ

[غمز عيون البصائر]

الْمُسْتَصْفَى وَالْكَيْدُ الْمَكْرُ وَالْخُبْثُ وَالْحَاسِدِينَ جَمْعُ حَاسِدٍ وَهُوَ تَمَنِّي تَحَوُّلِ النِّعْمَةِ مِنْ غَيْرِهِ إلَيْهِ.

(101)

وَافْتِرَاءَ الْمُتَعَصِّبِينَ: الِافْتِرَاءُ الْكَذِبُ وَالْمُتَعَصِّبِينَ جَمْعُ مُتَعَصِّبٍ مِنْ تَعَصَّبَ أَتَى بِالْعُصْبَةِ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ.

(102)

وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا الْفَنَّ لَا يُدْرَكُ بِالتَّمَنِّي: الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ وَلَعَمْرِي قَسَمٌ وَاللَّامُ لَامُ الِابْتِدَاءِ وَعَمْرِي مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا تَقْدِيرُهُ مَا أُقْسِمُ بِهِ. وَجَوَابُ الْقَسَمِ قَوْلُهُ إنَّ هَذَا الْفَنَّ إلَى آخِرِهِ سَادٌّ مَسَدَّ الْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ. وَفِي الْقَامُوسِ وَعَمْرُك اللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا وَعَمْرُك اللَّهِ، أَصْلُهُ عَمَّرَك اللَّهُ تَعْمِيرًا وَأَعْمَرَك اللَّهُ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا تُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ وَتَسْأَلُهُ بِطُولِ عُمُرِهِ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ قَوْلِ لَعَمْرُ اللَّهِ (انْتَهَى) .

(أَقُولُ فَعَلَى هَذَا مَا كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا الْقَسَمِ الْجَاهِلِيِّ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ.

وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْفَنِّ الْفِقْهُ.

وَقَوْلُهُ لَا يُدْرَكُ أَيْ لَا يُلْحَقُ. مِنْ الدَّرَكِ مُحَرَّكَةً اللِّحَاقُ وَالتَّمَنِّي وَهُوَ طَلَبُ الشَّيْءِ الْمَحْبُوبِ وَلَوْ مُسْتَحِيلًا) .

(103)

وَلَا يُنَالُ بِسَوْفَ: أَيْ بِلَفْظِ سَوْفَ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا سَوْفَ أَقْرَأُ كَذَا وَأَكْتُب كَذَا.

(104)

وَلَعَلَّ: أَيْ وَلَا بِلَفْظِ لَعَلَّ كَأَنْ يَقُولَ لِعَلِّي أَقْرَأُ كَذَا.

(105)

وَلَوْ أَنِّي: أَيْ وَلَا بِلَفْظِ لَوْ أَنِّي كَأَنْ يَقُولَ لَوْ أَنِّي فَعَلْت كَذَا.

وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «إيَّاكَ وَاللَّوْ فَإِنَّ اللَّوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» . وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَلَسْت بِمُدْرِكٍ مَا فَاتَ عَنِّي

بِلَهَفٍ وَلَا بِلَيْتَ وَلَا لَوْ أَنِّي

(106)

وَلَا يَنَالُهُ إلَّا مَنْ كَشَفَ عَنْ سَاعِدِ الْجِدِّ وَشَمَّرَ: النَّوَالُ الْعَطَاءُ وَالْكَشْفُ رَفْعُ الْغِطَاءِ عَنْ الشَّيْءِ وَالسَّاعِدُ مِنْ إنْسَانٍ ذِرَاعُهُ وَمِنْ الطَّائِرِ جَنَاحُهُ وَالْجِدُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ

ص: 45

وَاعْتَزَلَ أَهْلَهُ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ، 108 - وَخَاضَ الْبِحَارَ، وَخَالَطَ الْعَجَاجَ، 109 - يَدْأَبُ فِي التَّكْرَارِ وَالْمُطَالَعَةِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، 110 - وَيُنَصِّبُ نَفْسَهُ لِلتَّأْلِيفِ وَالتَّحْرِيرِ بَيَانًا وَمَقِيلًا،

ــ

[غمز عيون البصائر]

الِاجْتِهَادُ.

الْمُرَادُ بِالتَّشْمِيرِ التَّهَيُّؤُ لِلْأَمْرِ وَفِي قَوْلِهِ سَاعِدُ الْجِدِّ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ وَتَخْيِيلِيَّةٌ وَتَرْشِيحِيَّةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ شَبَّهَ الْجِدَّ بِإِنْسَانٍ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ ثُمَّ أَثْبَتَ لِلْمُشَبَّهِ شَيْئًا مِنْ لَوَازِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ السَّاعِدُ ثُمَّ أَثْبَتَ لِلسَّاعِدِ الْكَشْفَ وَالتَّشْمِيرَ عَلَى طَرِيقِ التَّرْشِيحِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْكَلَامَ كِنَايَةٌ عَنْ الِاهْتِمَامِ وَالِاعْتِنَاءِ بِأَمْرِ الْفِقْهِ. وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْكِنَايَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ فَتَأَمَّلْ.

(107)

وَاعْتَزَلَ أَهْلَهُ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ: الِاعْتِزَالُ مُطَاوِعٌ عَزَلْته فَاعْتَزَلَ أَيْ نَحَّيْته فَتَنَحَّى وَأَهْلُ الرَّجُلِ عَشِيرَتُهُ وَالشَّدُّ التَّقْوِيَةُ لِلْإِيثَاقِ.

(108)

وَخَاضَ الْبِحَارَ وَخَالَطَ الْعَجَاجَ: الْخَوْضُ الدُّخُولُ فِي الْمَاءِ وَخَالَطَ مِنْ الْخَلْطِ وَهُوَ الْمَزْجُ مِنْ خَلَطَهُ فَأَخْلَطَهُ.

وَالْعَجَاجُ الْغُبَارُ وَالْإِبِلُ الْكَثِيرُ وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَنَالُ الْفِقْهَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْعُلُومِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ إلَّا مَنْ رَحَلَ فِي تَحْصِيلِهِ بَرًّا وَبَحْرًا.

(109)

يَدْأَبُ فِي التَّكْرَارِ وَالْمُطَالَعَةِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا: جُمْلَةُ يَدْأَبُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَنَالُ، وَالدَّءُوبُ الْجِدُّ فِي الْعَمَلِ وَالتَّعَبُ.

وَالتَّكْرَارُ قِرَاءَةُ الْمَسَائِلِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِأَجْلِ الْحِفْظِ.

وَالْمُطَالَعَةُ مِنْ اطَّلَعَ عَلَى الْأَمْرِ عَلِمَهُ وَالْبُكْرَةُ بِالضَّمِّ الْغُدُوُّ وَالْأَصِيلُ الْعَشِيُّ وَالْجَمْعُ أُصُلٌ بِضَمَّتَيْنِ وَأُصْلَانٌ وَآصَالٌ وَأَصَائِلُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ بَلْ هَذَا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ ضَرَبْتُهُ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ أَيْ ضَرَبْت جَمِيعَهُ وَإِنَّمَا خَصَّ الْبُكْرَةَ وَالْأَصِيلَ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَطَايِبِ الْأَوْقَاتِ لِلِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَلِكَوْنِهِمَا مِنْ أَطَايِبِ الْأَوْقَاتِ خَصَّتْهُمَا الْخَنْسَاءُ بِتَذَكُّرِ أَخِيهَا فِيهَا حَيْثُ قَالَتْ:

يُذَكِّرُنِي طُلُوعُ الشَّمْسِ صَخْرًا

وَأَذْكُرُهُ لِكُلِّ مَغِيبِ شَمْسٍ

(110)

وَيُنَصِّبُ نَفْسَهُ لِلتَّأْلِيفِ وَالتَّحْرِيرِ بَيَاتًا وَمَقِيلًا: عَطَفَ عَلَى جُمْلَةِ يَدْأَبُ وَنَصَبَ الشَّيْءَ رَفَعَهُ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ الَّتِي يُعَبِّرُ عَنْهَا كُلُّ أَحَدٍ بِأَنَا.

وَالتَّأْلِيفُ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ وَتَحْرِيرُ الْكَلَامِ بَيَانُهُ بِالْكِتَابَةِ وَتَقْرِيرُهُ بَيَانُهُ بِالْعِبَارَةِ كَمَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ إلَّا أَنَّهُ فَسَّرَهُ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْمِفْتَاحِ بِتَهْذِيبِ

ص: 46

لَيْسَ لَهُ هِمَّةٌ إلَّا مُعْضِلَةً وَبِحِلِّهَا، 112 - أَوْ مُسْتَصْعَبَةً عَزَّتْ عَلَى الْقَاصِرِينَ إلَّا وَيَرْتَقِي إلَيْهَا وَيَحِلُّهَا، 113 - عَلَى أَنَّ ذَلِكَ 114 - لَيْسَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاءُ 115 - وَهَأَنَذَا 116 - أَذْكُرُ

ــ

[غمز عيون البصائر]

الْكَلَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَالْبَيَاتُ:

فِعْلُ الشَّيْءِ لَيْلًا وَالْمَقِيلُ نِصْفُ النَّهَارِ.

(111)

لَيْسَ لَهُ هِمَّةٌ إلَّا مُعْضِلَةً بِحَلِّهَا: الْهِمَّةُ الْأَمْرُ الدَّاعِي إلَى الْفَلَاحِ مِنْ الْهَمِّ وَهُوَ الْقَصْدُ وَالْمُعْضِلَةُ مِنْ أَعْضَلَ الْأَمْرُ إذَا اشْتَدَّ صُعُوبَةً.

وَالْمُرَادُ بِحَلِّهَا بَيَانُهَا بِمَا يُزِيلُ إعْضَالَهَا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ شَبَّهَ الْبَيَانَ الْمُزِيلَ لِلصُّعُوبَةِ بِحَلِّ الرِّبَاطِ ثُمَّ اشْتَقَّ مِنْ الْمَصْدَرِ الْمُشَبَّهِ بِهِ الْفِعْلُ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ.

(112)

أَوْ مُسْتَصْعَبَةٌ عَزَّتْ عَلَى الْقَاصِرِينَ فَيَرْتَقِي إلَيْهَا وَيَحِلُّهَا: الْمُسْتَصْعَبَةُ الصَّعْبَةُ مِنْ صَعُبَ الْأَمْرُ صُعُوبَةً صَارَ صَعْبًا فَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالصَّعْبُ نَقِيضُ الذَّلُولِ.

وَعَزَّ الشَّيْءُ صَارَ عَزِيزًا لَا يُوصَلُ إلَيْهِ لِعِزَّتِهِ.

وَالْقَاصِرِينَ جَمْعُ قَاصِرٍ وَالْمُرَادُ الْعَاجِزُ عَنْ إدْرَاكِ الْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ.

وَقَوْلُهُ يَحِلُّهَا فِيهِ عَيْبٌ مِنْ عُيُوبِ السَّجْعِ وَهُوَ الْإِيطَاءُ وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ وَيُذِلُّهَا أَيْ يَجْعَلُهَا ذَلُولًا.

وَيَحِلُّهَا أَيْ يُنَزِّلُهَا مِنْ حَلَّ بِهِ حُلُولًا إذَا نَزَلَ عَلَى طَرِيقِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ فَمِنْ ضِيقِ الْعَطَنِ وَضَعْفِ الْفِطَنِ.

(113)

عَلَى أَنَّ ذَلِكَ: أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ حَلِّ الْمُعْضِلَةِ وَالْمُسْتَصْعَبَةِ.

(114)

لَيْسَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ: أَيْ مِمَّا يَكْتَسِبُهُ بِالتَّعْلِيمِ بَلْ هُوَ بِالْإِلْهَامِ الَّذِي هُوَ إلْقَاءُ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ بِطَرِيقِ الْفَيْضِ وَالتَّفْضِيلِ.

(115)

وَهَأَنَذَا: يُرْسَمُ بِدُونِ أَلِفٍ قَبْلَ نَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كُتُبِ الرَّسْمِ وَهَا حَرْفُ تَنْبِيهٍ وَأَنَا ضَمِيرٌ مُنْفَصِلٌ مُبْتَدَأٌ.

(116)

أَذْكُرُ: خَبَرَهُ.

وَفِيهِ إدْخَالُ حَرْفِ التَّنْبِيهِ عَلَى ضَمِيرِ الرَّفْعِ الَّذِي لَمْ يُخْبِرْ عَنْهُ بِاسْمِ إشَارَةٍ وَهُوَ شَاذٌّ كَمَا فِي حَوَاشِي التَّسْهِيلِ لِابْنِ هِشَامٍ حَيْثُ صَرَّحَ بِشُذُوذِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

أَنَا حَكَمٌ هَا أَنْتَ نَجْمٌ مُجَالِدٌ

وَالذِّكْرُ بِالْكَسْرِ التَّذْكَارُ وَالشَّيْءُ الَّذِي يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ.

ص: 47

الْكُتُبَ الَّتِي نَقَلْت مِنْهَا 118 - مُؤَلَّفَاتِي الْفِقْهِيَّةَ الَّتِي اجْتَمَعَتْ عِنْدِي 119 - فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَةٍ.

فَمِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ: النِّهَايَةُ وَغَايَةُ الْبَيَانِ، وَالْعِنَايَةُ، وَمِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ وَالْبِنَايَةُ، وَالْغَايَةُ، وَفَتْحُ الْقَدِيرِ.

وَمِنْ شُرُوحِ الْكَنْزِ: الزَّيْلَعِيُّ وَالْعَيْنِيُّ وَمِسْكِينٌ.

وَمِنْ شُرُوحِ الْقُدُورِيِّ: السِّرَاجُ الْوَهَّاجُ، وَالْجَوْهَرَةُ، وَالْمُجْتَبَى وَالْأَقْطَعُ.

وَمِنْ شُرُوحِ الْمَجْمَعِ:

ــ

[غمز عيون البصائر]

الْكُتُبَ الَّتِي نَقَلْت مِنْهَا: النَّقْلُ التَّحْوِيلُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْأَخْذُ.

(118)

مُؤَلَّفَاتِي الْفِقْهِيَّةَ الَّتِي اجْتَمَعَتْ عِنْدِي: أَيْ حُصِّلَتْ بَعْدَ مَا كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً سَوَاءٌ كَانَتْ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ وَالْعَارِيَّةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

(119)

فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَةٍ فَمِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةُ وَمِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ وَالْبِنَايَةُ وَفَتْحُ الْقَدِيرِ وَمِنْ شُرُوحِ الْكَنْزِ الزَّيْلَعِيُّ وَالْعَيْنِيُّ وَمِسْكِينٌ وَمَنْ شُرُوحِ الْقُدُورِيِّ السِّرَاجُ الْوَهَّاجُ وَالْجَوْهَرَةُ وَالْمُجْتَبَى وَالْأَقْطَعُ وَمِنْ شُرُوحِ الْجَمْعِ لِلْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْمَلَكِ وَرَأَيْت شَرْحًا لِلْعَيْنِيِّ وَقْفًا وَشَرْحِ مُنْيَةَ الْمُصَلِّي لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَشَرْحُ الْوَافِي لِلْكَافِي وَشَرْحُ الْوُقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَإِيضَاحُ الْإِصْلَاحِ وَشَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْعَلَّامَةِ الْفَارِسِيِّ وَتَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْبَدَائِعُ لِلْكَاسَانِيِّ وَشَرْحُ التُّحْفَةِ وَالْمَبْسُوطِ شَرْحُ الْكَافِي: قَالَ فِي أَعْلَامِ الْأَخْبَارِ حِينَ ذُكِرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ صَنَّفَ الْكَثِيرَ الْمُخْتَصَرَ وَالْمُنْتَقَى وَالْكَافِي وَالْإِشَارَاتِ وَغَيْرَهَا ثُمَّ قَالَ أَمَّا الْكَافِي فَقَدْ شَرَحَهُ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ بِالْمَبْسُوطِ (انْتَهَى) .

وَهُوَ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فَرَأَيْت الصَّوَابَ فِي تَأْلِيفِ شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ كَمَا تَرَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ شَرْحُ الْمُخْتَصَرِ لَا شَرْحُ الْكَافِي كَذَا قِيلَ. أَقُولُ لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ السَّرَخْسِيِّ أَطْلَقَ عَلَى الْكَافِي مُخْتَصَرًا وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ بِالْمُخْتَصَرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ جَمَعَ كُتُبَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّتِي صَنَّفَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ بِحَذْفِ الْمُكَرَّرِ وَذِكْرِ الْمُقَرَّرِ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ مُخْتَصَرًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.

ص: 48

لِلْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْمَلِكِ، وَرَأَيْت شَرْحًا لِلْعَيْنِيِّ وَقْفًا، وَشَرْحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ، وَشَرْحُ الْوَافِي لِلْكَافِي، وَشَرْحُ الْوُقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ، وَإِيضَاحُ الْإِصْلَاحِ، وَشَرْحُ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْعَلَّامَةِ الْفَارِسِيِّ، وَتَلْخِيصُ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْبَدَائِعُ لِلْكَاسَانِيِّ، وَشَرْحُ التُّحْفَةِ وَالْمَبْسُوطُ شَرْحُ الْكَافِي، 120 - وَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَشَرْحُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ لِمُلَّا خُسْرو وَالْهِدَايَةُ، وَشَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، وَشَرْحُ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَالِاخْتِيَارُ. وَمِنْ الْفَتَاوَى: الْخَانِيَّةُ، وَالْخُلَاصَةُ، وَالْبَزَّازِيَّةُ، وَالظَّهِيرِيَّةُ، وَالْوَلْوالِجِيَّة، وَالْعُمْدَةُ، وَالْعُدَّةُ، وَالصُّغْرَى، وَالْوَاقِعَاتُ لِلْحُسَامِ الشَّهِيدِ، وَالْقُنْيَةُ، وَالْمُنْيَةُ وَالْغُنْيَةُ، وَمَآلُ الْفَتَاوَى، وَالتَّلْقِيحُ لِلْمَحْبُوبِيِّ، وَالتَّهْذِيبُ لِلْقَلَانِسِيِّ، وَفَتَاوَى قَارِي الْهِدَايَةِ، وَالْقَاسِمِيَّةُ وَالْعِمَادِيَّةُ، وَجَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَالْخَرَاجُ لِأَبِي يُوسُفَ، وَأَوْقَافُ الْخَصَّافِ، وَالْإِسْعَافُ

ــ

[غمز عيون البصائر]

وَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَشَرْحُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ لِمُلَّا خُسْرو وَالْهِدَايَةُ وَشَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانَ وَشَرْحُ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَالِاخْتِيَارُ وَمِنْ الْفَتَاوَى الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةُ وَالْبَزَّازِيَّةُ وَالظَّهِيرِيَّةُ وَالْوَلْوالِجِيَّة وَالْعُمْدَةُ وَالصُّغْرَى وَالْوَاقِعَاتُ لِلْحُسَامِ الشَّهِيدِ وَالْقُنْيَةُ وَالْمُنْيَةُ وَالْغُنْيَةُ وَمَآلُ الْفَتَاوَى وَالتَّلْقِيحُ لِلْمَحْبُوبِيِّ وَالتَّهْذِيبُ لِلْقَلَانِسِيِّ وَفَتَاوَى قَارِي الْهِدَايَةِ وَالْقَاسِمِيَّةُ وَالْعِمَادِيَّةُ وَجَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَالْخَرَاجُ لِأَبِي يُوسُفَ وَأَوْقَافُ الْخَصَّافِ وَالْإِسْعَافُ: قِيلَ لَمْ يَذْكُرْ أَوْقَافَ هِلَالٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ كَثِيرٌ شَائِعٌ وَيَنْقُلُ عَنْهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَشْيَاءَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَيِّ شَيْءٍ تَرَكَهُ أَقُولُ دَعْوَى أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْكُتُبِ الَّتِي اجْتَمَعَتْ عِنْدَهُ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ نَقْلُهُ عَنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بِالْوَاسِطَةِ.

ص: 49

وَالْحَاوِي الْقُدْسِيُّ، 122 - وَالْيَتِيمَةُ وَالْمُحِيطُ الرَّضَوِيُّ، 123 - وَالذَّخِيرَةُ وَشَرْحُ مَنْظُومَةِ النَّسَفِيِّ، وَشَرْحُ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لَهُ وَلِابْنِ الشِّحْنَةِ، وَالصَّيْرَفِيَّةُ، وَخِزَانَةُ الْفَتَاوَى، وَبَعْضُ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَبَعْضُ السِّرَاجِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّة، وَالتَّجْنِيسُ، وَخِزَانَةُ الْفِقْهِ، وَحَيْرَةُ الْفُقَهَاءِ، وَمَنَاقِبُ الْكَرْدَرِيِّ، وَطَبَقَاتُ عَبْدِ الْقَادِرِ

ــ

[غمز عيون البصائر]

وَالْحَاوِي الْقُدْسِيُّ: قِيلَ وَالْحَاوِي لِأَصْحَابِنَا اثْنَانِ الْحَاوِي الْقُدْسِيُّ وَأَظُنُّهُ لِرَجُلٍ مُتَأَخِّرٍ كَانَ يُسَمَّى قَاضِيَ الْقُدْسِ وَلَا أَعْرِفُ تَفْصِيلَ تَرْجَمَتِهِ وَالْحَاوِي الْحَصِيرِيُّ وَهُوَ لِلشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ أَنْوَشَ الْحَصِيرِيِّ كَانَ مِنْ تَلَامِذَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَتَرْجَمَتُهُ بِذَيْلِ تَارِيخِ بَغْدَادَ لِلسَّمْعَانِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي طَبَقَاتِهِ وَلَا الشَّيْخُ قَاسِمُ بْنُ قُطُلُوبُغَا (انْتَهَى)

أَقُولُ بَقِيَ حَاوٍ ثَالِثٌ وَهُوَ حَاوِي الزَّاهِدِي مُؤَلِّفُهُ صَاحِبُ الْقَنِيَّةِ وَهُوَ عَزِيزُ الْوُجُودِ وَرَأَيْتُ عِنْدَ بَعْضِ شُيُوخِنَا مِنْهُ نُسْخَةً (122)

وَالْيَتِيمَةُ وَالْمُحِيطُ الرَّضَوِيُّ قِيلَ لَمْ يَقِفْ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَلَا عَلَى الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ مُخْتَصَرُ الْمُحِيطِ وَهُمَا لِمُصَنِّفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْإِمَامُ بُرْهَانُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ تَاجِ الدِّينِ بْنِ مَاذَةْ وَهُوَ ابْنُ أَخِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ عَمْرِو بْنِ بُرْهَانِ الدِّينِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَاذَهْ وَأَبُوهُ أَيْضًا إمَامٌ كَبِيرٌ يُعْرَفُ بِتَاجِ السَّعِيدِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُؤَلَّفٌ مَشْهُورٌ وَكَثِيرًا مَا يَغْلُطُ الطَّلَبَةُ فَيَظُنُّونَ أَنَّهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ الْكَبِيرِ أَعْنِي بُرْهَانَ الدِّينِ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ السَّرَخْسِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (انْتَهَى) .

أَقُولُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ النَّقَلُ عَنْ الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ يَكُونُ نَقْلُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِالْوَاسِطَةِ (123)

وَالذَّخِيرَةِ وَشَرْحُ مَنْظُومَةِ النَّسَفِيِّ لِلْمُصَفَّى وَشَرْحَيْ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لَهُ وَلِابْنِ الشِّحْنَةِ وَالصَّيْرَفِيَّةُ وَخِزَانَةُ الْفَتَاوَى وَبَعْضِ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَبَعْضِ السِّرَاجِيَّةِ والتتارخانية وَالتَّجْنِيسِ وَخِزَانَةُ الْفِقْهِ وَحَيْرَةُ الْفُقَهَاءِ وَمَنَاقِبُ الْكَرْدَرِيِّ وَطَبَقَاتُ عَبْدِ الْقَادِرِ

ص: 50