الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَقِيمَةُ الدُّرَّةِ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا لَا يَجِبُ شَيْءٌ (انْتَهَى) .
34 -
وَمِنْهَا طَلَبُ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ الْقِسْمَةَ، وَشَرِيكُهُ يَتَضَرَّرُ؛ فَإِنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يُجَابُ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ فِي عَدَمِ الْقِسْمَةِ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ شَرِيكِهِ بِهَا
نَشَأَتْ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَاعِدَةٌ رَابِعَةٌ، وَهِيَ مَا 35 - إذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ: ثُمَّ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ، وَهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ يَأْخُذُ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا يَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْحَرَامِ لَا تَجُوزُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ.
مِثَالُهُ: رَجُلٌ عَلَيْهِ جُرْحٌ لَوْ سَجَدَ سَالَ جُرْحُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسِلْ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَمِنْهُ طَلَبُ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ الْقِسْمَةَ إلَخْ.
هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ.
وَجْهُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْأَكْثَرِ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَيَمْنَعَ غَيْرَهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَهَذَا مِنْهُ طَلَبُ الْحَقِّ وَالْإِنْصَافِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ الْقَاضِي لِإِيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا وَدَفْعِ الْمَظَالِمِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَضَرُّرُ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رحمه الله حُكْمَ مَا لَوْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ؛ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ فَقِيلَ: لَا يُقَسَّمُ بِطَلَبِهِ وَقِيلَ: يُقَسَّمُ.
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدْ صَحَّ الْأَوَّلُ أَيْضًا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ.
قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ: وَعَلَيْهِ مَشَى الْأَئِمَّةُ: الْبُرْهَانِيُّ وَالنَّسَفِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُمْ
[الرَّابِعَةُ إذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا]
(35)
قَوْلُهُ: إذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَتَانِ إلَخْ: فِيهِ أَنَّ هَذَا عَيْنُ السَّابِقَةِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَاخْتَلَفَ الْعُنْوَانُ لَا غَيْرُ فَتَأَمَّلْ
يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ جَائِزٌ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّابَّةِ 36 -، وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ.
وَكَذَا شَيْخٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَائِمًا وَيَقْدِرُ عَلَيْهَا قَاعِدًا، يُصَلِّي قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي النَّفْلِ 37 - وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِحَالٍ، وَلَوْ صَلَّى فِي الْفَصْلَيْنِ قَائِمًا مَعَ الْحَدَثِ، وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ نَجَاسَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، يَتَخَيَّرُ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَحَدُهُمَا قَدْرَ رُبُعِ الثَّوْبِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَنْعِ، وَلَوْ كَانَ دَمُ أَحَدِهِمَا قَدْرَ الرُّبُعِ، وَدَمُ الْآخَرِ أَقَلَّ يُصَلِّي فِي أَقَلِّهِمَا دَمًا، وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ لِلرُّبُعِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ الرُّبُعِ أَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ 38 - لَكِنْ لَا يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ، وَفِي الْآخَرِ قَدْرُ الرُّبُعِ، صَلَّى فِي أَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَقَلِّهِمَا نَجَاسَةً.
وَلَوْ كَانَ رُبُعُ أَحَدِهِمَا طَاهِرًا، وَالْآخَرِ أَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ يُصَلِّي فِي الَّذِي رُبُعُهُ طَاهِرٌ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْعَكْسِ.
وَلَوْ أَنَّ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ، لَا يُقَالُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ لِصَاحِبِ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ عَدَمُ جَوَازِهَا مَعَهُ لِغَيْرِ صَاحِبِ الْعُذْرِ.
(37)
قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِحَالٍ، يَعْنِي لِغَيْرِ الْأَخْرَسِ وَالْأُمِّيِّ (38) قَوْلُهُ: لَكِنْ لَا يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ الرُّبُعِ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ يَقْتَضِي التَّسَاوِيَ، وَإِنْ بَلَغَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ حِينَئِذٍ أَيْضًا فَلَا يَكُونُ لِلتَّقْيِيدِ فَائِدَةٌ
امْرَأَةً لَوْ صَلَّتْ قَائِمَةً يَنْكَشِفُ مِنْ عَوْرَتِهَا مَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ صَلَّتْ قَاعِدَةً لَا يَنْكَشِفُ مِنْهَا شَيْءٌ؛ فَإِنَّهَا تُصَلِّي قَاعِدَةً؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ أَهْوَنُ.
وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ يُغَطِّي جَسَدَهَا، وَرُبُعَ رَأْسِهَا وَتَرَكَتْ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ يُغَطِّي أَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ لَا يَضُرُّهَا تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ لِلرُّبُعِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَمَا دُونَهُ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ تَقْلِيلًا لِلِانْكِشَافِ (انْتَهَى)
39 -
وَمَنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ؛ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إذَا خَرَجَ لِلْجَمَاعَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ، وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ قَائِمًا، يَخْرُجُ إلَيْهَا 40 - وَيُصَلِّي قَاعِدًا وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَنَقَلَ عَنْ شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي تَصْحِيحًا آخَرَ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَائِمًا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ؛ لَوْ اُضْطُرَّ، وَعِنْدَهُ مَيْتَةٌ، وَمَالُ الْغَيْرِ 41 - فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ.
42 -
وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رحمهم الله: مَنْ وَجَدَ طَعَامَ الْغَيْرِ لَا يُبَاحُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَدْ تَتَبَّعْت خُلَاصَةَ الْفَتَاوَى فَلَمْ أَرَ مَا ذَكَرَهُ بَلْ رَأَيْته فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى صَحَّحَ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَائِمًا، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ خُلَاصَةَ الْعَنْبَرِيِّ وَقَدْ نَقَلَ عَنْ خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فِي الْبَحْرِ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا (40) قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي قَاعِدًا؛ لَكِنْ يُكَبِّرُ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ عِنْدَ الرُّكُوعِ كَمَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيّ
(41)
قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ.
الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ رِضَى الْمَالِكِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ (42) .
قَوْلُهُ: وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رحمه الله مَنْ وَجَدَ طَعَامَ الْغَيْرِ لَا يُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ
لَهُ الْمَيْتَةُ، وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ الْغَصْبُ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ.
وَبِهِ أَخَذَ الطَّحْطَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَخَيَّرَهُ الْكَرْخِيُّ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
وَلَوْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ، وَعِنْدَهُ مَيْتَةٌ وَصَيْدٌ أَكَلَهَا دُونَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ كَانَ الصَّيْدُ مَذْبُوحًا فَالصَّيْدُ أَوْلَى وِفَاقًا.
وَلَوْ 43 - اُضْطُرَّ، وَعِنْدَهُ صَيْدٌ وَمَالُ الْغَيْرِ فَالصَّيْدُ أَوْلَى، وَكَذَا الصَّيْدُ أَوْلَى مِنْ لَحْمِ الْإِنْسَانِ، 44 - وَعَنْ مُحَمَّدٍ؛ الصَّيْدُ أَوْلَى مِنْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ (انْتَهَى) .
وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِكْرَاهِ
لَوْ قَالَ لَهُ لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَك فِي النَّارِ أَوْ مِنْ الْجَبَلِ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ؛ وَكَانَ الْإِلْقَاءُ بِحَيْثُ لَا يَنْجُو مِنْهُ، وَلَكِنْ فِيهِ نَوْعُ خِفَّةٍ فَلَهُ الْخِيَارُ؟ إنْ شَاءَ فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ وَصَبَرَ حَتَّى يُقْتَلَ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ فَيَخْتَارُ مَا هُوَ الْأَهْوَنُ فِي زَعْمِهِ.
وَعِنْدَهُمَا يَصْبِرُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
يَعْنِي، وَيُبَاحُ لَهُ طَعَامُ الْغَيْرِ.
قَالَ فِي سِيَرِ الْفَتْحِ: إنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا فِي الْمُضْطَرِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ الضَّمَانِ فَلَمْ يَكُنْ فَرْضًا فَهُوَ كَالْمُبَاحِ بِتَقْدِيرِ شَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ
(43)
. قَوْلُهُ: وَلَوْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إلَخْ، يُقَاسُ عَلَيْهِ الْحَلَالُ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَيْدِ الْحَرَمِ (44) قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ الصَّيْدُ أَوْلَى مِنْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ (انْتَهَى) .
فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: مُحْرِمٌ مُضْطَرٌّ وَجَدَ صَيْدًا وَكَلْبًا فَالْكَلْبُ أَوْلَى مِنْ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ فِي الصَّيْدِ ارْتِكَابَ مَحْظُورَيْنِ وَلَوْ وَجَدَ صَيْدًا، وَمَالَ الْغَيْرِ يَذْبَحُ الصَّيْدَ، وَلَا يَأْكُلُ مَالَ الْغَيْرِ عِنْدَ الْكُلِّ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الصَّيْدِ وَالْخِنْزِيرِ كَالْحُكْمِ فِي الصَّيْدِ وَالْكَلْبِ؛ لِأَنَّ فِي أَكْلِ الْخِنْزِيرِ ارْتِكَابَ مَحْظُورٍ وَاحِدٍ كَالْكَلْبِ وَالْكَلْبُ كَالْخِنْزِيرِ فِي نَجَاسَةِ عَيْنِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَكْلَ الْخِنْزِيرِ أَشْنَعُ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ نَجِسُ الْعَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ فَافْتَرَقَا
وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ سَعْيٌ فِي إهْلَاكِ نَفْسِهِ فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ.
وَأَصْلُهُ أَنَّ الْحَرِيقَ إذَا وَقَعَ فِي سَفِينَةٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ فِيهَا يَحْتَرِقُ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ يَغْرَقُ؛ 45 - فَعِنْدَهُ يَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ.
وَعِنْدَهُمَا يَصْبِرُ، ثُمَّ إذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فِي النَّارِ فَاحْتَرَقَ 46 - فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ: لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَك مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ بِالسَّيْفِ فَأَلْقَى نَفْسَهُ فَمَاتَ 47 - فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله تَجِبُ الدِّيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ (انْتَهَى) .
الْخَامِسَةُ: وَنَظِيرُ الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ قَاعِدَةٌ خَامِسَةٌ؛ وَهِيَ دَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ.
فَإِذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَةٌ وَمَصْلَحَةٌ قُدِّمَ دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِالْمَنْهِيَّاتِ أَشَدُّ مِنْ اعْتِنَائِهِ بِالْمَأْمُورَاتِ، وَلِذَا قَالَ عليه السلام «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ» ، وَرَوَى فِي الْكَشْفِ حَدِيثًا «لَتَرْكُ ذَرَّةٍ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ» وَمِنْ ثَمَّ جَازَ تَرْكُ الْوَاجِبِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ، وَلَمْ يُسَامَحْ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَنْهِيَّاتِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَعِنْدَهُ يَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَعِنْدَهُمَا يَصْبِرُ.
جَعَلَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ الْإِمَامِ فِي التَّخْيِيرِ، وَكَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ مَذْهَبِ الْإِمَامِ.
(46)
قَوْلُهُ: فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالنَّارِ كَالْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ.
(47)
قَوْلُهُ: فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ الدِّيَةُ أَيْ: عَلَى عَاقِلَتِهِ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُمَا، وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ