الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ 179 - وَنَقَلَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ التِّلَاوَةَ وَالْأَذْكَارَ وَالْآذَانَ لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ
الثَّالِثُ فِي بَيَانِ
تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ وَعَدَمِهِ
،
الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَنْوِيَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ عِبَادَةً فَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا ظَرْفًا لِلْمُؤَدِّي بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسَعَهُ وَغَيْرَهُ 180 - فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ 181 - كَالصَّلَاةِ كَأَنْ يَنْوِيَ الظُّهْرَ فَإِنْ قَرَنَهُ بِالْيَوْمِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ.
قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: إنَّمَا لَمْ تَحْتَجْ النِّيَّةُ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهَا مُنْصَرِفَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِصُورَتِهَا فَلَا جَرَمَ لَا تَفْتَقِرُ النِّيَّةُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْلِيلِ بِأَنَّهَا لَوْ افْتَقَرَتْ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى لَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وَلِذَلِكَ يُثَابُ الْإِنْسَانُ عَلَى نِيَّةٍ مُنْفَرِدَةً وَلَا يُثَابُ عَلَى الْفِعْلِ مُنْفَرِدًا لِانْصِرَافِهَا بِصُورَتِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْفِعْلُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ مَا لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا لِغَيْرِهِ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْإِنْسَانِ يُثَابُ عَلَى النِّيَّةِ حَسَنَةً وَعَلَى الْفِعْلِ عَشْرًا، إذَا نَوَى فَلِأَنَّ الْأَفْعَالَ هِيَ الْمَقَاصِدُ وَالنِّيَّاتُ وَسَائِلٌ.
(179)
قَوْلُهُ: وَنَقَلَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الْإِجْمَاعَ إلَخْ.
هَذَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُولَى مِنْ أَنَّ الْأَذَانَ تُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ
[تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ وَعَدَمِهِ]
(180)
قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ.
كَالصَّلَاةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَدَلِيلُ اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فِي الْفَرَائِضِ لِتَسَاوِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ صُورَةً وَفِعْلًا فَلَا يُمَيَّزُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالتَّعْيِينِ.
(181)
قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ إلَخْ.
تَمْثِيلٌ لِمَا وَقْتُهُ ظَرْفٌ لَهُ، وَقَوْلُهُ كَأَنْ يَنْوِيَ، تَصْوِيرٌ لِلتَّعْيِينِ وَفِي الْعِبَارَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَوْجَبَ الرَّكَاكَةَ وَكَانَ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ: فَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا ظَرْفًا لِلْمُؤَدِّي بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسَعُهُ وَغَيْرَهُ كَالصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ كَأَنْ يَنْوِيَ الظُّهْرَ مَثَلًا.
كَظُهْرِ الْيَوْمِ صَحَّ 183 - وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ 184 - أَوْ بِالْوَقْتِ وَلَمْ يَكُنْ خَرَجَ الْوَقْتُ.
فَإِنْ خَرَجَ وَنَسِيَهُ لَا يُجْزِيهِ فِي الصَّحِيحِ وَفَرْضُ الْوَقْتِ كَظُهْرِ الْوَقْتِ 185 - إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا بَدَلٌ لَا أَصْلٌ 186 - إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادَهُ أَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ فَإِنْ نَوَى الظُّهْرَ لَا غَيْرَ اُخْتُلِفَ فِيهِ.
وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ قَالُوا وَعَلَامَةُ التَّعْيِينِ لِلصَّلَاةِ أَنْ نَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ أَيُّ صَلَاةٍ تُصَلِّي يُمْكِنُهُ أَنْ يُجِيبَ بِلَا تَأَمُّلٍ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: كَظُهْرِ الْيَوْمِ.
الْإِضَافَةُ لَامِيَّةٌ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَكَوْنُهَا عَلَى مَعْنَى فِي تَدْرِيسٌ لَا تَحْقِيقٌ كَمَا حَقَّقَهُ الرَّضِيُّ.
(183)
قَوْلُهُ: وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَاصَلَ بِمَا قَبْلَهُ.
(184)
قَوْلُهُ: أَوْ بِالْوَقْتِ.
عَطْفٌ عَلَى (بِالْيَوْمِ) .
(185)
قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا بَدَلٌ لِلْأَصْلِ إلَخْ.
أَقُولُ فِيهِ: إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ الْوَقْتِ وَلَيْسَتْ بَدَلًا كَمَا صَرَّحَ هُوَ بِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَحِينَئِذٍ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعْفِ.
أَقُولُ: فِيهِ: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَنْزِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ ابْتِدَاءِ نِسْبَتِهَا النِّصْفُ مِنْ الظُّهْرِ وَإِنْ كَانَ فَرْضُ الْوَقْتِ هُوَ الظُّهْرُ عِنْدَنَا بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ يُصَلِّي الظُّهْرَ قَضَاءً وَحِينَئِذٍ كَانَ الصَّوَابُ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ بِنِيَّةِ فَرْضِ الْوَقْتِ فِي الْجُمُعَةِ بِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ هُوَ الظُّهْرُ وَإِنْ كُنَّا مَأْمُورِينَ بِأَدَائِهِ بِالْجُمُعَةِ.
(186)
قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادَهُ أَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ يَعْنِي بِأَنْ كَانَ يَرَى رَأْيَ زُفَرَ إنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ هُوَ الْجُمُعَةُ لَا الظُّهْرِ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ نِيَّةُ فَرْضِ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ هُوَ الظُّهْرُ.
هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ وَفِيهِ شَيْءٌ فَتَدَبَّرْهُ
وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا مِعْيَارًا لَهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَّسِعُ غَيْرَهَا كَالصَّوْمِ فِي يَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ إنْ كَانَ الصَّائِمُ صَحِيحًا مُقِيمًا فَيَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ وَوَاجِبٌ آخَرُ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْمُتَعَيَّنِ لَغْوٌ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ سَوَاءٌ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ أَوْ نَفْلًا
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا مِعْيَارًا.
الْمُرَادُ مِنْ الْمِعْيَارِ الْمُثْبِتُ بِقَدْرِ الْفِعْلِ حَيْثُ يَطُولُ بِطُولِهِ وَيَقْصُرُ بِقِصَرِهِ، وَوَقْتُ الصَّوْمِ مِعْيَارٌ، لَا ظَرْفٌ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ.
قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ لَمَّا صَامَ الْتَحَقَ بِالصَّحِيحِ؛ وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمَعِ؛ وَقِيلَ: يَقَعُ عَمَّا نَوَى كَالْمُسَافِرِ؛ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ.
وَقِيلَ: إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَمِنْ ثَمَّ اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَضُرَّهُ الصَّوْمُ فَيَتَعَلَّقُ بِخَوْفِ الزِّيَادَةِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَضُرَّهُ الصَّوْمُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرَضَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَا لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ.
مَعَهُ كَالْأَمْرَاضِ الرُّطُوبِيَّةِ وَفَسَادِ الْهَضْمِ بَلْ يُفِيدُهُ فَلَا رُخْصَةَ فِيهِ، وَمَا يَضُرُّهُ كَالْحُمَّيَاتِ الْمُطْبِقَةِ وَوَجَعِ الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ فَفِيهَا الرُّخْصَةُ.
وَأَمَّا بِالْعَجْزِ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ خَوْفِ الِازْدِيَادِ، فَفِي صُورَةِ خَوْفِ الِازْدِيَادِ لَوْ صَامَ فَهُوَ كَالْمُسَافِرِ وَفِي صُورَةِ الْعَجْزِ فَكَالصَّحِيحِ.
كَذَا فِي شَرْحِ الْغَابِيّ عَلَى الْمُغْنِي، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رحمه الله مَا إذَا أَطْلَقَ النِّيَّةَ عَنْ صِفَةِ النَّفْلِ، وَالْوَاجِبُ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهَا بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفَهْمُهُمَا مِنْ اللَّتَيْنِ فِي النَّفْلِ، فَمَنْ قَالَ بِوُقُوعِهَا عَنْ النَّفْلِ قَالَ بِعَدَمِ وُقُوعِهَا عَنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ رَمَضَانُ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ شَعْبَانَ حَتَّى قِيلَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لِيَنْصَرِفَ صَوْمُهُ إلَيْهِ، وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ بِوُقُوعِ النَّفْلِ عَنْ رَمَضَانَ فَلَا أَشُكُّ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَرْضَ، فَبِالنِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي تَحْتَمِلُهُ أَوْلَى أَنْ يَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ إطْلَاقَ النِّيَّةِ بِوُقُوعِ صَوْمِهِ عَنْ رَمَضَانَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ.
وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَإِنْ نَوَى عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَقَعَ عَمَّا نَوَاهُ لَا عَنْ رَمَضَانَ. 189 -
وَفِي النَّفْلِ رِوَايَتَانِ.
وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ
وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا مُشْكِلًا كَوَقْتِ الْحَجِّ يُشْبِهُ الْمِعْيَارَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي السَّنَةِ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً.
وَالظَّرْفُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَفْعَالَهُ لَا تَسْتَغْرِقُ وَقْتَهُ فَيُصَابُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ نَظَرًا إلَى الْمِعْيَارِيَّةِ.
وَإِنْ نَوَى نَفْلًا وَقَعَ عَمَّا نَوَى نَظَرًا إلَى الظَّرْفِيَّةِ
وَلَا يَسْقُطُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَإِنْ نَوَى عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَقَعَ عَمَّا نَوَاهُ.
لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَصُومَ فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى مَا نَوَى؛ وَقَالَ لَا يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ يُفَارِقُ الْمُقِيمَ فِي رُخْصَتِهِ التَّرْكُ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ صَارَ كَالْمُقِيمِ.
كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ قِيلَ: الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ إذَا صَامَا رَمَضَانَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَيْلًا، عَلَى قَوْلِهِمَا.
قَالَ الْقَاضِي خَانْ مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يُجْزِيهِ.
وَبِهِ أَخَذَ الْحَسَنُ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ رحمه الله (انْتَهَى) .
أَقُولُ قَدْ نَبَّهَ فِي الْبَحْرِ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ، وَصَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَالنَّظَرُ الْمُعَيَّنُ بِالنِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، حَيْثُ قَالَ: فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ.
وَقَالَ: زُفَرُ لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا فَصَارَ كَالْقَضَاءِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ؛ وَالْمُنَاسِبُ لَهُمَا التَّخْفِيفُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِيهِمَا (انْتَهَى) .
وَبِهِ أَخَذَ الْحَسَنُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ: فَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُجْزِيهِمَا (انْتَهَى) .
وَهَذِهِ الْإِشَارَةُ مَدْفُوعَةٌ بِصَرِيحِ الْمَنْقُولِ مِنْ أَنَّ عِنْدَنَا لَا فَرْقَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالنِّهَايَةِ والولوالجية وَغَيْرِهِ (189)
قَوْلُهُ: وَفِي النَّفْلِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ.
وَفِي شَرْحِ
التَّعْيِينُ فِي الصَّلَاةِ لِضِيقِ الْوَقْتِ لِأَنَّ السَّعَةَ بَاقِيَةٌ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ مُتَنَفِّلًا صَحَّ. 190 - وَإِنْ كَانَ حَرَامًا
وَلَا يَتَعَيَّنُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ قَوْلًا وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِفِعْلِهِ كَالْحَانِثِ فِي الْيَمِينِ لَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ إلَّا فِي ضِمْنِ فِعْلِهِ هَذَا فِي الْأَدَاءِ؛ 191 - وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ صَلَاةً وَصَوْمًا 192 - أَوْ حَجًّا
وَأَمَّا إنْ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ فَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِتَمْيِيزِ الْفُرُوضِ الْمُتَّحِدَةِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَصَامَ يَوْمًا نَاوِيًا
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ: وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ عَنْ النَّفْلِ فَهُوَ عَنْ رَمَضَانَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ لِأَنَّ الْأَهَمَّ هَذَا.
وَالْمَرِيضُ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ عَلَى هَذَا.
وَقِيلَ: يَجْعَلُ عَنْ رَمَضَانَ، كَيْفَ نَوَى بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الْمُبِيحَ فِي حَقِّهِ الْعَجْزُ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا عَجْزَ؛ وَفِي حَقِّ الْمُسَافِرِ الْمُبِيحُ السَّفَرُ وَهُوَ بِهِ قَائِمٌ (انْتَهَى) .
وَفِيهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله: نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ يَقَعُ عَنْ النَّذْرِ، وَإِنْ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى، لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَهُ، وَالْفَرْضُ مَشْرُوعٌ عَلَيْهِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَ الْوَقْتِ فِيمَا عَلَيْهِ
(190)
قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ حَرَامًا.
قِيلَ عَلَيْهِ: لَيْسَتْ الْحُرْمَةُ لِلشُّرُوعِ وَإِنَّمَا هِيَ لِتَأْخِيرِ الْمَكْتُوبَةِ عَنْ وَقْتِهَا (انْتَهَى) .
وَفِيهِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّفْلِ لَمَّا لَزِمَ مِنْهُ تَأْخِيرُ الْمَكْتُوبَةِ عَنْ وَقْتِهَا نَسَبَ الْحُرْمَةَ إلَيْهِ
قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ حَجًّا.
أَقُولُ فِيهِ أَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعْيِينِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْيِينِ هُنَا الزِّيَادَةُ فِي التَّعْيِينِ لَا أَصْلُ التَّعْيِينِ، إذْ فِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ يَكْفِيهِ فِي التَّعْيِينِ أَنْ يَنْوِيَ الظُّهْرَ مَثَلًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ الْيَوْمِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ.
(192)
قَوْلُهُ: أَوْ حَجًّا.
قِيلَ: فِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِي الْأَدَاءِ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فَكَيْفَ شُرِطَ فِي الْقَضَاءِ
عَنْهُ وَلَكِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ عَنْ يَوْمِ كَذَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ، 193 - وَلَا يَجُوزُ فِي رَمَضَانَيْنِ مَا لَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا وَأَمَّا قَضَاءُ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا 194 - بِأَنْ يُعَيِّنَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا 195 - وَلَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ جَازَ وَهَذَا هُوَ الْمَخْلَصُ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوْقَاتَ الْفَائِتَةَ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ 196 - أَوْ أَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُشْتَرَطْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَاجِبَ مُخْتَلِفٌ مُتَعَدِّدٌ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ إلَّا بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ فِي رَمَضَانَيْنِ مَا لَمْ يُعَيِّنْ إلَخْ.
قِيلَ عَلَيْهِ: هَذَا خِلَافُ الْمُخْتَارِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ عَلَى الْمُخْتَارِ وَالْأَفْضَلُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ سَيَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ فَالْمُصَنِّفُ رحمه الله لَمْ يَفُتْهُ بَيَانُ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ؛ عَلَى أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ صَحَّحَ عَدَمَ الْجَوَازِ.
قِيلَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمُوَافَقَةِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ.
(194)
قَوْلُهُ: بِأَنْ يُعَيِّنَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا.
أَقُولُ: هَذَا عِنْدَ وُجُودِ الْمُزَاحِمِ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِهِ فَلَا، كَمَا لَوْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ ظُهْرٌ وَاحِدٌ فَائِتٌ، فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الظُّهْرِ الْفَائِتِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ يَوْمٍ وَإِنَّ أَدْنَى التَّعْيِينِ كَافٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ الْحَلَبِيِّ.
(195)
قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ إلَخْ: قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ: فَإِذَا نَوَى الْأَوَّلَ وَصَلَّى فَمَا يَلِيهِ يَصِيرُ أَوَّلًا وَكَذَا لَوْ نَوَى آخَرُ عَلَيْهِ وَصَلَّى فَمَا قَبْلَهَا يَصِيرُ آخِرًا.
(196)
قَوْلُهُ: أَوْ أَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ.
كَذَا فِي النَّسْخِ.
وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ جَازَ وَإِنْ عَلِمَ الْأَوْقَاتَ وَلَمْ تُشْبِهُ عَلَيْهِ.
تَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ لَا غَيْرُ 197 - وَهَذَا مُشْكِلٌ وَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا كَقَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ خِلَافَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
كَذَا فِي التَّبْيِينِ
198 -
وَقَالُوا فِي التَّيَمُّمِ لَا يَجُوزُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ يُرِيدُ بِهِ الْوُضُوءَ جَازَ خِلَافًا لِلْخَصَّافِ لِكَوْنِهِ يَقَعُ لَهُمَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُمَيَّزُ بِالنِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ.
قَالُوا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا لِيَقَعَ طَهَارَةً وَإِذَا وَقَعَ طَهَارَةً جَازَ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ مَا شَاءَ لِأَنَّ الشُّرُوطَ يُرَاعَى وُجُودُهَا لَا غَيْرُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْعَصْرِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ غَيْرُهُ.
الضَّابِطُ فِي هَذَا الْبَحْثِ التَّعْيِينُ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ 199 - فَنِيَّةُ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ.
وَالتَّصَرُّفُ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ كَانَ لَغْوًا
200 -
وَيُعْرَفُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ وَالصَّلَاةُ كُلُّهَا مِنْ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَهَذَا مُشْكِلٌ.
أَقُولُ: وَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّهُ يَهْدِمُ قَاعِدَتَهُمْ الَّتِي تَوَاطَئُوا عَلَيْهَا وَهِيَ أَنَّ التَّعْيِينَ يَكُونُ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ وَالصَّلَوَاتُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ مُخْتَلَفِ الْجِنْسِ لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا
(198)
قَوْلُهُ: وَقَالُوا فِي التَّيَمُّمِ إلَخْ.
أَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهَا هُنَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَكُونُ مَنْوِيًّا مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مَنْوِيًّا مِنْ غَيْرِهَا فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ قُبَيْلَ: الْمَبْحَثِ الرَّابِعِ بِأَسْطُرٍ (199)
قَوْلُهُ: فَنِيَّةُ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ.
وَالْجِنْسُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ كُلِّيٌّ مَقُولٌ عَلَى أَفْرَادٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ حَيْثُ الْمَقَاصِدِ وَالْأَحْكَامِ؛ وَالنَّوْعُ الْكُلِّيُّ مَقُولٌ عَلَى أَفْرَادٍ مُتَّفِقَةٍ مِنْ حَيْثُ الْمَقَاصِدِ وَالْأَحْكَامِ.
كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ
(200)
قَوْلُهُ: وَيُعْرَفُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ.
وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَكُونُ طَرِيقًا لِلْوُصُولِ إلَى الْحُكْمِ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ فِيهِ.
قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ أَوْ الْعَصْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ بِخِلَافِ أَيَّامِ رَمَضَانَ 201 - فَإِنَّهُ يَجْمَعُهَا شُهُودُ الشَّهْرِ فَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ 202 - فَصَامَ بِنِيَّةِ يَوْمٍ آخَرَ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَصَامَ يَوْمًا 203 - عَنْ قَضَاءِ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ كَمَا إذَا نَوَى ظُهْرَيْنِ أَوْ ظُهْرًا عَنْ عَصْرٍ أَوْ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِ السَّبْتِ وَعَلَيْهِ ظُهْرُ يَوْمِ الْخَمِيسِ
204 -
وَعَلَى هَذَا أَدَاءُ الْكَفَّارَاتِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّعْيِينِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَوْ عَيَّنَ لُغِيَ.
وَفِي الْأَجْنَاسِ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجْمَعُهَا شُهُودُ الشَّهْرِ.
اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ فَقِيلَ سَبَبُهُ الْأَيَّامُ دُونَ اللَّيَالِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِوُجُوبِ صَوْمِهِ؛ وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ السَّبَبَ مُطْلَقُ شُهُودِ الشَّهْرِ يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي، وَقَدْ جَمَعَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَشُهُودُ جُزْءٍ مِنْهُ سَبَبٌ لِكُلِّهِ؛ ثُمَّ كُلُّ يَوْمٍ سَبَبُ وُجُودِ أَدَائِهِ.
غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ تَكَرَّرَ سَبَبُ وُجُوبِ صَوْمِ الْيَوْمِ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِيَّتِهِ وَدُخُولِهِ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِ.
كَذَا فِي الْفَتْحِ (202) قَوْلُهُ: فَصَامَ بِنِيَّةِ يَوْمٍ آخَرَ.
مِثَالُهُ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ خَامِسٍ مِنْ رَمَضَانَ لِمُعَيَّنٍ فَصَامَ يَوْمًا بِنِيَّةِ قَضَاءِ عَاشِرِ رَمَضَانَ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ.
(203)
قَوْلُهُ: عَنْ قَضَاءِ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ.
أَيْ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ الْيَوْمَيْنِ
(204)
قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا أَدَاءُ الْكَفَّارَاتِ إلَخْ.
الْمُشَارُ إلَيْهِ وُجُوبُ التَّعْيِينِ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَلُغَوِيَّتِهِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ
الظِّهَارِ مِنْ كِتَابِنَا شَرْحِ الْكَنْزِ
وَأَمَّا فِي الزَّكَاةِ فَقَالُوا لَوْ عَجَّلَ خَمْسَةَ سُودٍ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ سُودٍ فَهَلَكَتْ السُّودُ قَبْلَ الْحَوْلِ 205 - وَعِنْدَهُ نِصَابٌ آخَرُ كَانَ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْبَاقِي.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي الصَّوْمِ: وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّمَضَانِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّن جَازَ 206 - وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ 207 - حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ فِطْرٍ 208 - فَصَامَ وَاحِدًا وَسِتِّينَ يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يُعَيَّنْ يَوْمَ الْقَضَاءِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُ نِصَابٌ آخَرُ.
أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ السُّودِ لِيَتَحَقَّقَ بِهِ اتِّحَادُ الْجِنْسِ فَيَكُونُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بِلَا تَعْيِينٍ
(206)
قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ.
وَجْهُهُ أَنَّ التَّعْيِينَ حَاصِلٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَى قَضَاءٍ لِانْصِرَافِهِ إلَى الْيَوْمِ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ.
(207)
قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ.
قِيلَ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قِيلَ.
قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ، وَعَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَشْبِيهِ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ بِيَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فِي كَوْنِ النِّيَّةِ نِيَّةَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَى الْقَضَاءِ تَشْبِيهًا بِهَا فِي الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ لَا غَيْرُ، فَلَا يُرَدُّ أَنَّ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يَدْفَعُ مَا مَهَّدَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله (انْتَهَى) .
أَقُولُ فِيهِ إنَّ مَا هُنَا لَا يَدْفَعُ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ مَا هُنَا عَلَى الْمُخْتَارِ وَذَلِكَ عَلَى خِلَافِهِ وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى مَا تَكَلَّفَهُ؛ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ قَدْ صُحِّحَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ سَابِقًا.
(208)
قَوْلُهُ: فَصَامَ أَحَدَ وَسِتِّينَ يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ.
قِيلَ: ظَاهِرٌ أَنَّهُ فِي
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ عَنْ أَحَدِ الْمَالَيْنِ فَاسْتُحِقَّ مَا عَجَّلَ عَنْهُ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يَكُنْ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْبَاقِي وَكَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْحَوْلِ. 210 -
لِأَنَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ عَجَّلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ مِلْكَهُ فَبَطَلَ التَّعْجِيلُ
وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ الْحَوَامِلِ يَعْنِي الْحَبَالَى فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ عَنْهَا وَعَمَّا فِي بُطُونِهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ خَمْسٌ قَبْلَ الْحَوْلِ أَجْزَأَهُ عَمَّا عَجَّلَ وَإِنْ عَجَّلَ عَمَّا تَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
كُلِّ لَيْلَةٍ يَنْوِي الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ مَعًا إلَى آخِرِ الْأَيَّامِ فَيَجْزِي ذَلِكَ عَنْهُمَا وَذَلِكَ بِأَنْ يُلْغِيَ الْقَضَاءَ فِي سِتِّينَ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَيُلْغِيَ نِيَّةَ الْكَفَّارَةِ فِي الْوَاحِدَةِ فَيَجْزِيَ عَنْ الْقَضَاءِ، فَإِنْ أَرَادَ هَذَا، فَذَاكَ، وَإِلَّا لَمْ يَتَشَخَّصْ الْمُرَادُ؛ فَإِنْ قُلْت قَدْ تَمَهَّدَ أَنَّ التَّعْيِينَ وَاجِبٌ عِنْدَ تَغَايُرِ الْجِنْسَيْنِ وَلَا تَعْيِينَ عِنْدَ نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مَعًا، فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّعْيِينَ حَاصِلٌ عِنْدَ إلْغَاءِ الْآخَرِ كَمَا يُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: هَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مَعْزِيًّا لِأَبِي اللَّيْثِ وَقَيَّدَهُ بِالْفَقِيرِ.
قَالَ كَأَنَّهُ نَوَى الْقَضَاءَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَسِتِّينَ عَنْ الْكَفَّارَةِ (انْتَهَى)
(209)
قَوْلُهُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ عَنْ أَحَدِ الْمَالَيْنِ.
أَيْ الْمُخْتَلِفَيْنِ.
بَقِيَ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا عَجَّلَ زَكَاةَ أَحَدِ النِّصَابَيْنِ الْمُتَّفِقَيْنِ كَمَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ فَعَجَّلَ زَكَاةَ وَاحِدٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إنْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ بِأَنْ اُسْتُحِقَّ عِشْرُونَ مِثْقَالًا مِنْ الْأَرْبَعِينَ فَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ الْمُعَجَّلَ يَكُونُ عَنْ الْبَاقِي، أَمَّا إذَا كَانَ كُلُّ نِصَابٍ مُفْرَزًا عَنْ الْآخَرِ وَعَجَّلَ مِنْ عَيْنِ أَحَدِهِمَا عَنْهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمُعَجَّلُ عَنْهُ بِعَيْنِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَجَّلَ لَا يُجْزِي عَنْ النِّصَابِ الْبَاقِي وَيَكُونَانِ كَالْمُخْتَلِفِينَ لِانْتِهَاضِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ كَوْنُهُ لَمْ يَمْلِكْ الْمُعَجَّلَ.
(210)
قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ عَجَّلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ مِلْكَهُ.
إنْ أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِالضَّمَانِ يَصِيرُ مِلْكَهُ أَمْكَنَ الْجَوَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُهُ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ التَّعْجِيلِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَتَأَمَّلْ
لَا يَجُوزُ.
هَذَا كُلُّهُ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ كَالْمَنْذُورِ وَالْوِتْرِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَالْعِيدِ عَلَى الصَّحِيحِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَيَنْوِي الْوِتْرَ لَا الْوِتْرَ الْوَاجِبَ 211 - لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ
212 -
وَلَا يَلْزَمُهُ التَّعْيِينُ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ لِأَيِّ تِلَاوَةٍ سَجَدَ لَهَا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَأَمَّا النَّوَافِلُ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّهَا تَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ
213 -
وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ تَعْيِينِهَا.
وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ
214 -
وَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَلَى ظَنٍّ أَنَّهَا تَهَجُّدٌ بِظَنِّ بَقَاءِ اللَّيْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَتْ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَهُ لِلْكَرَاهَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ.
قَدْ يُقَالُ لِمَ لَا يَنْوِي الْوِتْرَ الْوَاجِبَ مَنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَهُ تَقْلِيدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، إذْ السُّنِّيَّةُ عِنْدَهُ مَرْجُوحَةٌ فَيَنْبَغِي كَوْنُ النِّيَّةِ عَلَى طِبْقِ الِاعْتِقَادِ
(212)
قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ التَّعْيِينُ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ.
قِيلَ: كَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّحَادِ الْجِنْسِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ التِّلَاوَةَ الَّتِي هِيَ السَّبَبُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ أَفْرَادُهَا
(213)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ تَعَيُّنِهَا إلَخْ.
قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ تَعْيِينِهَا بِعَيْنِهَا بِإِضَافَتِهَا إلَى الظُّهْرِ مَثَلًا وَكَوْنِهَا الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا
(214)
قَوْلُهُ: وَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ إلَخْ.
هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ التَّجْنِيسِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ تَطَوُّعٌ فَتُؤَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ، لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْمَزِيدِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُمَا لَا يَنُوبَانِ عَنْ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ إذَا صَلَّى رَكْعَةً قَبْلَ الطُّلُوعِ وَأُخْرَى بَعْدَهُ كَانَتَا عَنْ السُّنَّةِ فَبَعِيدٌ 216 - لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا بُدَّ مِنْ الشُّرُوعِ فِيهَا فِي الْوَقْتِ؛ وَلَمْ يُوجَدْ.
وَقَالُوا لَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فِي الظُّهْرِ سَاهِيًا بَعْدَ مَا قَعَدَ لِلْأَخِيرَةِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ سَادِسَةً وَتَكُونُ الرَّكْعَتَانِ نَفْلًا 217 - وَلَا تَكُونَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ لِكَوْنِ السُّنَّةِ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا بِتَحْرِيمِهِ مُبْتَدَئِهِ وَلَمْ تُوجَدْ
وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي التَّرَاوِيحِ هَلْ تَقَعُ التَّرَاوِيحُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ؟ فَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ الِاشْتِرَاطَ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، كَمَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ سِتًّا وَقَدْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ؛ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ لِأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمُوَاظَبَتُهُ كَانَتْ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ.
لَا يُقَالُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِكَرَاهَةِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ الْفَجْرِ، بِخِلَافِهِ بَعْدَ الظُّهْرِ، لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي التَّطَوُّعِ الْقَصْدِيُّ، وَأَمَّا هَذَا فَغَيْرُ قَصْدِيٍّ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ.
قِيلَ: وَعَلَى التَّصْحِيحِ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الشَّرْعِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
(215)
قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا بُدَّ مِنْ الشُّرُوعِ فِيهَا فِي الْوَقْتِ إلَخْ.
قِيلَ وَإِذَا لَمْ يَكُونَا عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ هَلْ يَقْطَعُ؟ قَالَ الْكَمَالُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ: وَإِذَا تَطَوَّعَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْفِلْ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَصْدًا.
(216)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَنْ قَالَ إذَا صَلَّى رَكْعَةً إلَى قَوْلِهِ بَعِيدٍ.
أَقُولُ كَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فَخَطَأٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(217)
قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى.
قَوْلُهُ: أَوْ أَوَّلَ مَا أَدْرَكَ وَقْتَهُ.
قِيلَ: لَفْظُ أَوَّلِ حَشْوٌ مُفْسِدٌ (انْتَهَى) .
قُلْت وَلَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْهُمَامِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ
وَتَفَرَّعَ أَيْضًا عَلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِلسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَعَدَمِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى هِيَ: لَوْ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا فِي مَوْضِعٍ يَشُكُّ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ نَاوِيًا آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ أَوَّلَ. أَدْرَكَ وَقْتَهُ وَلَمْ يُؤَدِّهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ صِحَّةَ الْجُمُعَةِ.
فَعَلَى الصَّحِيحِ الْمُعْتَمَدِ تَنُوبُ عَنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظُهْرٌ فَائِتٌ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا؛ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ وَهُوَ أَيْضًا يَتَفَرَّعُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ إذَا بَطَلَ وَصْفُهَا لَا يَبْطُلُ أَصْلُهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. 219 -
خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رحمه الله فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيهَا إنَّهَا تَكُونُ عَنْ السُّنَّةِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَهُوَ يَتَفَرَّعُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ إلَخْ.
قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهَذَا مَنْ شَرَعَ مَعَ إمَامٍ فَأَدَّيَا الظُّهْرَ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ إمَامَهُ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَقَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ فَسَدَ فَرْضُهُ وَفَرْضُ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ الْمَأْمُومُ صَلَّى سُنَّةَ الظُّهْرِ قَبْلَهُ، يَنُوبُ هَذَا لِأَرْبَعٍ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ لِأَئِمَّتِنَا.
(219)
قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.
أَقُولُ: فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ؛ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ سَمِعْت وَالِدِي يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا مَذْهَبًا لِمُحَمَّدٍ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ بَلْ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْمُضِيِّ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ صَلَّى رَكْعَةً عَنْ الظُّهْرِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ ثُمَّ إنَّهُ أَضَافَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ قَطَعَ ثُمَّ شَرَعَ مَعَ الْإِمَامِ إحْرَازًا لِلنَّفْلِ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّقَصِّي عَنْ الْعَهْدِ بِالْمُضِيِّ فِيهَا، بِخِلَافِ، الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَهُمَا لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ رَكْعَةٍ مِنْ الْفَجْرِ (انْتَهَى) .
وَاعْلَمْ أَنَّ خِلَافَ مُحَمَّدٍ فِي الصَّلَاةِ دُونَ الْحَجِّ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا فِيمَا لَوْ حَجّ عَنْهُ - وَهُوَ صَحِيحٌ - حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ كَانَ مَرِيضًا ثُمَّ صَحَّ بَطَلَ وَصْفُ الْفَرِيضَةِ لِفَقْدِ شَرْطٍ وَهُوَ الْعَجْزُ وَبَقِيَ أَصْلُ الْحَجِّ - تَطَوُّعًا لِلْأَمْرِ وَلِهَذَا يَمْضِي فِي صَحِيحِهِ كَمَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ.
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ
وَيَنْبَغِي أَنْ تُلْحَقَ الصِّيَامَاتُ الْمَسْنُونَةُ بِالصَّلَاةِ الْمَسْنُونَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا التَّعْيِينُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ
تَكْمِيلُ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً. 221 - رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ قَبْلَهَا وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا
وَالتَّرَاوِيحُ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ 222 - بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحِقَ الصِّيَامَاتِ الْمَسْنُونَةَ بِالصَّلَاةِ إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ.
قِيلَ عَلَيْهِ: أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله: وَالنَّفَلُ بِنِيَّتِهِ أَيْ يَصِحُّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ؛ وَبِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السُّنَّةَ غَيْرُ النَّفْلِ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَ النَّفَلَ قَلِيلًا فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ
(221)
قَوْلُهُ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: أَجْمَعُوا أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ، وَغَيْرُهُ مِنْ السُّنَنِ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى التَّرَاوِيحِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ.
قِيلَ: إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا وَلَمْ يَقُلْ فِي غَيْرِهَا؛ وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِ عُلَمَائِنَا أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ لَا يَجُوزُ قَاعِدًا، أَيْ لَا يَحِلُّ أَدَاؤُهَا قَاعِدًا وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا قُلْنَا مِنْ مُرَاعَاةٍ لِلْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا، كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: مِنْ أَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ اخْتَصَّتْ بِزِيَادَةِ تَأْكِيدٍ وَتَرْغِيبٍ وَتَرْهِيبٍ وَوَعِيدٍ، فَالْتَحَقَتْ بِالْوَاجِبَاتِ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَعْنَى لَا يَجُوزُ لَا يَصِحُّ (انْتَهَى) .
أَقُولُ لَا صَرَاحَةَ فِي هَذَا فَتَدَبَّرْ
(222)
قَوْلُهُ: بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ.
فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ وَقْتَ التَّرَاوِيحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَأَشَرْتُ إلَى أَنَّهُ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَقِيلَ اللَّيْلُ كُلُّهُ وَقِيلَ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ؛ وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله مِنْ أَنَّ التَّرَاوِيحَ سُنَّةٌ هُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ لَا تُقْضَى عَلَى الْأَصَحِّ
وَصَلَاةُ الْوِتْرِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ وَاجِبَةٌ وَصَلَاةُ الْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ عَلَى قَوْلٍ
وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ فَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ 224 - وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدِهَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَقِيلَ تُقْضَى مَا لَمْ يَمْضِ رَمَضَانُ وَقِيلَ: مَا لَمْ تَأْتِ تَرَاوِيحُ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ.
(223)
قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الْوِتْرِ.
عَلَى قَوْلِهِمَا وَلَا يَجُوزُ مِنْ قُعُودٍ عَلَى قَوْلِهِمَا مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ وَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُصَلِّ مِنْ قُعُودٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ الْمُصَنِّفُ رحمه الله وَمِنْهُ يُعْلَمُ خَطَأُ مَا وَقَعَ الْآنَ عَنْ شِرْذِمَةٍ مِنْ طَلَبَةِ الْأَرْوَامِ الْوَاقِعِينَ فِي الْأَوْهَامِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ صَلَاةُ الْوِتْرِ مِنْ قُعُودٍ عَلَى قَوْلِهِمَا، لِكَوْنِهِ سُنَّةً وَالْعَمَلُ أَنَّ صَلَاةَ الْوِتْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ وَفِي النِّهَايَةِ اخْتَارَ عُلَمَاؤُنَا أَنْ يُوتِرَ فِي مَنْزِلِهِ لَا بِجَمَاعَةٍ، وَرَجَّحَ ابْنُ الْهُمَامِ الْأَوَّلِ وَلَوْ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي أَمَّا لَوْ اقْتَدَى وَاحِدٌ بِوَاحِدٍ أَوْ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ لَا يُكْرَهُ وَإِذَا اقْتَدَى ثَلَاثَةٌ بِوَاحِدٍ اُخْتُلِفَ وَإِنْ اقْتَدَى أَرْبَعَةٌ بِوَاحِدٍ كُرِهَ اتِّفَاقًا
(244)
قَوْلُهُ: وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا.
أَيْ وَأَرْبَعُ بَعْدَهَا قَالَ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ: وَإِذْ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُؤَكَّدَ بَعْدَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ وَتُسْتَحَبُّ، الْأَرْبَعُ، وَكَذَا بَعْدَ الْعِشَاءِ.
فَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ كَمَالَ الدِّينِ رحمه الله قَالَ قَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَصْرِ هَلْ تُعْتَبَرُ الْأَرْبَعُ غَيْرُ رَكْعَتَيْ الْمُؤَكَّدَةِ أَوْ بِهِمَا، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي: هَلْ تُؤَدَّى تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ لَا قَالَ جَمَاعَةٌ: لَا، لِأَنَّهُ إنْ نَوَى عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ السُّنَّةَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَالْمُسْتَحَبُّ لَمْ يُصَدَّقْ فِي السُّنَّةِ.
قَالَ: وَوَقَعَ عِنْدِي أَنَّهُ إذَا صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ الظُّهْرِ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ يَقَعُ عَنْ السُّنَّةِ وَالنَّدْبِ سَوَاءٌ احْتَسَبَ الْمُؤَكَّدَ مِنْهَا أَوْ لَا.
لِأَنَّ الْمُفَادَ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا كَانَ كَأَنَّمَا تَهَجَّدَ لَيْلَةً، وَمَنْ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَانَ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» .
أَنَّهُ إذَا أَوْقَعَ أَرْبَعًا الظُّهْرَ مُطْلَقًا، حَصَلَ الْوَعْدُ الْمَذْكُورُ وَذَلِكَ صَادِقٌ مَعَ كَوْنِ الرَّاتِبَةِ مِنْهَا، وَكَوْنِهَا بِتَسْلِيمَةٍ فِيهِمَا وَكَوْنُ الرَّكْعَتَيْنِ لَيْسَتَا بِتَسْلِيمَةٍ عَلَى حِدَةٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهَا سُنَّةً وَإِنْ كَانَ عَدَمُ
وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْعِشَاءِ وَسِتٌّ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ
226 -
وَسُنَّةُ الْوُضُوءِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
كَوْنِهِمَا بِتَحْرِيمَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ يَمْنَعُ مِنْهُ لِثُبُوتِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُحَلِّلِ وَالتَّحْرِيمَةِ؛ فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ إلَّا لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهٍ حَسَنٍ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَا مَانِعَ مِنْ جِهَتِهَا، سَوَاءٌ نَوَى أَرْبَعًا لِلَّهِ تَعَالَى فَقَطْ أَوْ نَوَى الْمَنْدُوبَ بِالْأَرْبَعِ أَوْ لِسُنَّةٍ بِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وُقُوعُ السُّنَّةِ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ سُنَّةً كَوْنُهُ مَفْعُولًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْمُ السُّنَّةِ حَادِثٌ مِنَّا، وَأَمَّا هُوَ عليه الصلاة والسلام فَإِنَّمَا كَانَ يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَطْ لَا السُّنَّةَ فَلَمَّا وَاظَبَ عليه السلام عَلَى الْفِعْلِ لِذَلِكَ سَمَّيْنَاهُ سُنَّةً، فَمَنْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي وَقْتِهِ فَقَدْ فَعَلَ مَا يُسَمَّى بِلَفْظِ السُّنَّةِ، وَحِينَئِذٍ تَقَعُ الْأُولَيَانِ سُنَّةً لِوُجُودِ تَمَامِ عِلَّتِهَا، وَالْأُخْرَيَانِ نَفْلًا مَنْدُوبًا، فَهَذَا الْقِسْمُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نِيَّةُ الصَّلَاةِ وَزِيَادَةً فَعِنْدَ عَدَمِ مُطَابِقَةِ الْوَصْفِ لِلْوَاقِعِ يَلْغُو فَبَقِيَ نِيَّةُ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَبِهَا يَتَأَدَّى كُلٌّ مِنْ السُّنَّةِ وَالْمَنْدُوبِ.
ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا فِي الْهِدَايَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا وَهُوَ قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ يَعْنِي بَعْدَ الْعِشَاءِ، خُصُوصًا عِنْدَ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي النَّوَافِلِ مُطْلَقًا أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَإِذَا جَعَلَ الْمُصَلِّي مَا بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا أَدَّاهَا بِتَسْلِيمَةٍ فَتَثْبُتُ الْأَفْضَلِيَّةُ مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ جِهَةِ زِيَادَةِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَمَنْ جِهَةِ كَوْنِهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْنًى، لِأَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ كَلَامُ الْكُلِّ فِي هَذَا الْمَقَامِ يُفِيدُ مَا قُلْنَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الرَّاتِبَةَ بَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَانِ وَالْأَرْبَعُ أَفْضَلُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا تُؤَدَّى بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا الرَّاتِبَةَ فَيُصَلِّي سِتًّا فَالنِّيَّةُ حِينَئِذٍ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ نِيَّةَ السُّنَّةِ أَوْ الْمَنْدُوبِ وَقَدْ أَهْدَرَ ذَلِكَ وَأَجْزَأَتْ عَنْ السُّنَّةِ.
وَالْحَالُ فِي السُّنَّةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ كَالْحَالِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ فَلَوْ احْتَسَبَ الرَّاتِبَةَ انْتَهَضَ سَبَبًا لِلْوَعْدِ (انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ) .
(225)
قَوْلُهُ: وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ.
وَقِيلَ: أَرْبَعٌ
(226)
قَوْلُهُ: سُنَّةُ الْوُضُوءِ.
كَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ وَرَكْعَتَا الْوُضُوءِ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُسْتَحَبَّاتِ لَا فِي السُّنَّةِ.
وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ 228 - وَيَنُوبُ عَنْهَا كُلُّ صَلَاةٍ أَدَّاهَا عِنْدَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ بَعْدَ الْقُعُودِ
229 -
وَرَكْعَتَا الْإِحْرَامِ، 230 - كَذَلِكَ تَنُوبُ عَنْهَا كُلُّ صَلَاةٍ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا. 231 - وَصَلَاةُ الضُّحَى
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ.
جَعَلَهَا مُسْتَحَبَّةً مَعَ أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ الْحَدِيثِ مُوَاظَبَتُهُ صلى الله عليه وسلم الْمُقْتَضِيَةُ لِلسُّنِّيَّةِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي صَلَاةِ التَّحِيَّةِ أَنَّهُ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ أَوْ يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ.
وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا إنَّهُ يُصَلِّي كَمَا دَخَلَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
(228)
قَوْلُهُ: وَيَنُوبُ عَنْهَا كُلُّ صَلَاةٍ أَدَّاهَا عِنْدَ الدُّخُولِ إلَخْ.
فِي الْقُنْيَةِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ، أَوْ لِلِاقْتِدَاءِ يَنُوبُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؛ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إذَا دَخَلَهُ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ
(229)
قَوْلُهُ: وَرَكْعَتَا الْإِحْرَامِ ذَكَرَهُمَا مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ، وَالْمَذْكُورُ فِي أَكْثَرَ الْمَنَاسِكِ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ (230)
قَوْلُهُ: كَذَلِكَ يَنُوبُ عَنْهَا كُلُّ صَلَاةٍ إلَخْ.
قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَغَيْرِهَا، مِمَّا لَا تَنُوبُ الْفَرِيضَةُ مَقَامَهَا بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَشُكْرِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا حَقَّقَهُ فِي فَتَاوَى الْحُجَّةِ.
فَقَوْلُهُ: كَذَلِكَ يَنُوبُ عَنْهَا كُلُّ صَلَاةٍ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، كَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ شَرْحِ مَنَاسِكِ السِّنْدِيِّ لِمُلَّا عَلِيٍّ الْقَارِيّ (231)
قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الضُّحَى إلَخْ.
وَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ، قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي: وَوَقْتُهَا الْمُخْتَارُ، إذَا مَضَى رُبْعُ النَّهَارِ؛ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَتَرْمَضُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْمِيمِ أَيْ تُتْرَكُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي إخْفَاقِهَا.
كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْبُرْهَانِ الْحَلَبِيِّ وَفِي الْبَدَائِعِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الضُّحَى: إنَّهُ مِنْ
وَأَقَلُّهَا أَرْبَعٌ وَأَكْثَرُهَا ثِنْتَا عَشَرَ رَكْعَةٍ 233 - وَصَلَاةُ الْحَاجَةِ وَصَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ كَمَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَتَمَامِهَا مَعَ الْكَلَامِ عَلَى صَلَاةِ الرَّغَائِبِ وَلَيْلَةُ الْبَرَاءَةِ مَذْكُورَةٌ فِيهِ لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ الْحَلَبِيِّ
ضَابِطُهُ فِيمَا إذَا عَيَّنَ وَأَخْطَأَ الْخَطَأَ فِيمَا لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ لَهُ لَا يَضُرُّ كَتَعْيِينِ مَكَانِ الصَّلَاةِ وَزَمَانِهَا وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَلَوْ عَيَّنَ عَدَدَ رَكَعَاتٍ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا صَحَّ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَالْخَطَأُ فِيهِ لَا يَضُرُّهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَنِيَّةُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالسَّجَدَاتِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ ثَلَاثًا وَخَمْسًا صَحَّتْ وَتَلْغُو نِيَّةُ التَّعْيِينِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
السَّاعَةِ الَّتِي تَحِلُّ فِيهَا الصَّلَاةُ إلَى الزَّوَالِ.
وَهُوَ وَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى (انْتَهَى) .
وَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ وَلَمْ يَرَ عَلَى نَصٍّ لِمَشَايِخِنَا عَلَى أَوَّلِ وَقْتِهَا وَآخِرِهِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ.
قُلْت: وَقَدْ عَلِمَ مِمَّا نَقَلْنَاهُ أَوَّلَ وَقْتِ صَلَاةِ الضُّحَى وَآخِرَهُ.
(232)
قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهَا أَرْبَعٌ إلَخْ.
عِبَارَةُ ابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ تُفِيدُ أَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ، وَهُوَ يُخَالِفُ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعِبَارَتُهُ: وَأَمَّا سَجْدَةُ الضُّحَى فَقَدْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ فِي قَدْرِهَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ رَكْعَةً.
(233)
قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الْحَاجَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى حَاجَةٌ أَوْ إلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ، ثُمَّ لِيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْأَلُك مُوجِبَاتِ رَحْمَتِك وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِك، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ، لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إلَّا غَفَرْته وَلَا هَمًّا إلَّا فَرَّجْته، وَلَا حَاجَةً هِيَ لَك رِضًى إلَّا قَضَيْتهَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ.
وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ «أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ عليه السلام فَقَالَ اُدْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يُعَافِيَنِي قَالَ: إنْ شِئْت دَعَوْت وَإِنْ
وَكَمَا إذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ مَنْ يُصَلِّي بِهِ فَبَانَ غَيْرُهُ وَمِنْهُ مَا إذَا عَيَّنَ الْأَدَاءَ فَبَانَ أَنَّ الْوَقْتَ خَرَجَ أَوْ الْقَضَاءَ فَبَانَ أَنَّهُ بَاقٍ وَعَلَى هَذَا الشَّاهِدِ إذَا ذَكَرَ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَالْخَطَأُ فِيهِ لَا يَضُرُّهُ وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ سَأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ لَوْنِ الدَّابَّةِ فَذَكَرُوا لَوْنًا 235 - ثُمَّ شَهِدُوا عِنْدَ الدَّعْوَى وَذَكَرُوا لَوْنًا آخَرَ تُقْبَلُ.
وَالتَّنَاقُضُ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَا يَضُرُّ.
وَأَمَّا فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ كَالْخَطَأِ مِنْ الصَّوْمِ إلَى الصَّلَاةِ وَعَكْسِهِ وَمَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ. 236 - وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو، الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُعَيَّنَ الْإِمَامُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ كَيْ لَا يَظْهَرَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
شِئْت صَبَرْت فَهُوَ خَيْرٌ لَك قَالَ فَادْعُهُ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ. اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إنِّي تَوَجَّهْت بِك إلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتَقْضِيَ لِي اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِي» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْبُرْهَانِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ
(234)
قَوْلُهُ: وَكَمَا إذَا عَيَّنَ الْإِمَامَ مَنْ يُصَلِّي بِهِ: أَقُولُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَقْرَأَ (الْإِمَامُ بِالرَّفْعِ) عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولِ (مِنْ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ وَالْفَاعِلُ (مِنْ) لِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو وَكَانَ الْخَطَأُ مُضِرًّا.
(235)
قَوْلُهُ: ثُمَّ شَهِدُوا عِنْدَ الدَّعْوَى.
يُفِيدُ أَنَّ ذِكْرَهُمْ أَوَّلًا كَانَ قَبْلَ الشَّهَادَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ.
كَذَا قِيلَ.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بُعْدَ لِجَوَازِ أَنْ يَذْكُرَ الشَّاهِدَانِ اللَّوْنَ عَلَى طَرِيقِ الْأَخْبَارِ لَا الشَّهَادَةِ
(236)
قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ إلَخْ.
أَقُولُ فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْخَطَأِ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ، وَتَعْيِينُ الْإِمَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا
كَوْنُهُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَجُوزُ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الْقَائِمَ فِي الْمِحْرَابِ 237 - كَائِنًا مَنْ كَانَ وَلَوْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ أَنَّهُ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو 238 - جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ عَمْرٌو صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا نَوَى لَا لِمَا رَأَى.
وَهُوَ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: 239 - صَلَّى الظُّهْرَ وَنَوَى أَنَّ هَذَا ظُهْرُ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ جَازَ ظُهْرُهُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ.
وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُعَيَّنَ الْإِمَامُ بَلْ يَكْفِي نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ الْحَاضِرِ وَإِمَامِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ مَعَهُ فَإِنْ عَيَّنَهُ بِاسْمِ الْعِلْمِ وَأَخْطَأَ، كَأَنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَبَانَ أَنَّهُ عَمْرٌو بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
وَحِينَئِذٍ كَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ، فَلَا يَضُرُّ فِيهِ الْخَطَأُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فَيَضُرُّ فِيهِ الْخَطَأُ.
(237)
قَوْلُهُ: كَائِنًا مَنْ كَانَ.
اُخْتُلِفَ فِي كَانَ وَكَائِنٍ فِي مِثْلِ هَذَا.
فَقَالَ الْفَارِسِيُّ هُمَا نَاقِصَانِ وَفِي " كَائِنًا " ضَمِيرٌ هُوَ اسْمُهُ، وَخَبَرُهُ مَنْ، وَهُوَ مَوْصُولٌ وَصِلَتُهُ كَانَ وَاسْمُهَا ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهَا وَخَبَرُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ إيَّاهُ، وَالضَّمِيرَانِ عَائِدَانِ إلَى الشَّخْصِ الْمَنْوِيِّ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: حِينَئِذٍ يَنْوِي الْقَائِمُ كَائِنًا الَّذِي كَانَ إيَّاهُ، وَكَائِنًا حَالٌ مِنْ الْقَائِمِ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ (مَنْ) نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَهَذَا الْكَلَامُ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ بَيَانٍ.
(238)
قَوْلُهُ: جَازَ الِاقْتِدَاءُ إلَخْ.
لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْوَصْلَيَّ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ.
قَوْلُهُ: صَلَّى الظُّهْرَ وَنَوَى أَنَّ هَذَا ظُهْرُ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ إلَخْ.
مِثْلُهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي قَالَ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهَا: إنْ نَوَى ظُهْرَ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَنَوَى أَنَّ هَذَا ظُهْرُ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ، أَيْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ، وَأَنَّ الظُّهْرَ مِنْهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ أَيْ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ، وَأَنَّ الظُّهْرَ مِنْهُ، جَازَ ظُهْرُهُ، وَالْغَلَطُ إنَّمَا هُوَ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ إذَا حَصَلَ تَعْيِينُ الْفَرْضِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ
فَالْغَلَطُ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ لَا يَضُرُّ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
نَوْعِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرَانِ مَثَلًا، وَنَوَى الظُّهْرَ وَلَمْ يُعَيَّنْ أَحَدَهُمَا أَنَّهُ ظُهْرُ أَيُّ يَوْمٍ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ (انْتَهَى) .
وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ نَوَى ظُهْرَ هَذَا الْيَوْمِ، الْيَوْمُ الَّذِي هُوَ فِيهِ كَائِنًا مَا كَانَ، أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ هُوَ فِي الْوَاقِعِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ أَوْ الْأَرْبِعَاءِ أَوْ الِاثْنَيْنِ، لِأَنَّهُ قَدْ عَرَّفَهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ.
وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْجَوَازِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَوْ يَكُونُ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ أَيْ ظُهْرَ وَقْتِ الْمُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي هُوَ فِيهِ غَيْرِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ فَلَا يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي ظُهْرِ يَوْمِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، لِعَدَمِ مُطَابِقَةِ هَذَا الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ لَهُ (انْتَهَى) .
هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَبِهِ وَضَحَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ.
(240)
قَوْلُهُ: فَالْغَلَطُ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ لَا يَضُرُّ.
قَالَ الزَّاهِدِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْوَقْتِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْأَدَاءِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ صَلَّى الظُّهْرَ وَنَوَى أَنَّ هَذَا مِنْ ظُهْرِ يَوْمِهِ وَهُوَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ جَازَ ظُهْرُهُ.
وَتَعْيِينُ الْوَقْتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ (انْتَهَى) .
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَعْيِينَ الْوَقْتِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُزَاحِمِ لِذَلِكَ الْمُؤَدِّي ضَرُورَةَ وُجُوبِ تَعْيِينِهِ أَدَاءً كَانَ أَوْ قَضَاءً، لِأَنَّ تَعْيِينَ الْوَقْتِ لَازِمٌ غَيْرُ مُنْفَكٍّ لِتَعْيِينِ الْمُؤَدَّى عِنْدَ وُجُودِ الْمُزَاحِمِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ تَعْلِيلَاتُ فُرُوعِ الْبَابِ؛ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا قُلْت عِنْدَ وُجُودِ الْمُزَاحِمِ لِأَنَّ عِنْدَ عَدَمِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ لِأَنَّ عَدَمَهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ تَعْيِينِهِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ ظُهْرٌ وَاحِدٌ فَائِتَةٌ كَفَاهُ أَنْ يَنْوِيَ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الظُّهْرِ لِفَائِتٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ يَوْمٍ فَإِنَّ أَدْنَى التَّعْيِينِ كَافٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ وَتَعْيِينُ الْوَقْتِ لَيْسَ بِشَرْطِ تَعْيِينِ الْيَوْمِ بِاسْمِهِ الْمُطَابِقِ لَهُ بَعْدَ تَعْيِينِهِ بِإِضَافَةٍ أَوْ إشَارَةٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَاعْلَمْهُ.
أَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْأَدَاءِ دُونَ الْقَضَاءِ، وَلَا يُلَائِمُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَمِثْلُهُ فِي الصَّوْمِ إلَخْ (انْتَهَى) وَقِيلَ عَلَيْهِ أَيْضًا: هَذَا النَّقْلُ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ فِي بَيَانِ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ وَعَدَمِهِ، حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا قَضَاءُ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ إلَخْ.
وَيُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الضَّابِطَةِ حَيْثُ ذَكَرَ فِي عِنْوَانِهِ أَنَّ التَّعْيِينَ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ فَتَأَمَّلْ.
وَمِثْلُهُ فِي الصَّوْمِ لَوْ نَوَى قَضَاءَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَإِذَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ 242 - لَا يَجُوزُ،
243 -
وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ وَهُوَ يَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ فِي الصَّوْمِ.
قِيلَ عَلَيْهِ: لَا يُخْفِي أَنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُ الْمُرَادِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ الْأَدَاءَ وَقَدْ صَرَّحَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ بِإِرَادَةِ الْقَضَاءِ مَعَ اخْتِلَافِ حُكْمِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَكَيْفَ يَسُوغُ إطْلَاقُ مُمَاثِلِهِ؟ أَقُولُ: فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَوْ وَقَعَ الْخَطَأُ فِي الِاعْتِقَادِ دُونَ التَّعْيِينِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، كَأَنْ يَنْوِيَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ صَوْمَ غَدٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ الثُّلَاثَاءَ وَنَظِيرُهُ فِي الِاقْتِدَاءِ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ بِالْحَاضِرِ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ عَمْرٌو فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا فِي الصَّلَاةِ لَوْ أَدَّى الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَكَانَ الثُّلَاثَاءَ وَلَوْ طَافَ الْمُحْرِمُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ طَافَ لِعُمْرَةٍ أَوْ عَكْسِهِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ تَيَمَّمَ مُعْتَقِدًا أَنَّ حَدَثَهُ أَصْغَرُ فَبَانَ أَنَّهُ أَكْبَرُ أَوْ عَكْسُهُ صَحَّ (انْتَهَى) وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ التَّأَمُّلِ.
(242)
قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ.
يَعْنِي لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى قَضَاءَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ الْيَوْمِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَ الْيَوْمَ بِكَوْنِهِ الْخَمِيسَ، وَكَانَ الَّذِي عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ غَيْرُ الْخَمِيسِ لَمْ يُجِزْ، وَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ الْيَوْمِ فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ كُلَّهَا مِنْ قَبِيلِ مُخْتَلِفِ السَّبَبِ، حَتَّى الظُّهْرَ مِنْ يَوْمَيْنِ لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ غَيْرِ وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ حَقِيقِيَّةً وَحُكْمًا، أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ.
وَكَذَا حُكْمًا لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِوَقْتٍ يَجْمَعهُمَا بَلْ بِدُلُوكِ الشَّمْسِ وَالدُّلُوكُ فِي يَوْمٍ غَيْرِ الدُّلُوكِ فِي يَوْمٍ آخَرَ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِشُهُودِ الشَّهْرِ وَهُوَ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَعْيِينِ صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ مَثَلًا أَوْ يَوْمِ الْأَحَدِ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ عَنْ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَجَعَلَ هَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ نَظِيرَ مَا لَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا نَوَى وَهُوَ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ؛ وَجْهُ عَدَمِ الْجَوَازِ أَنَّ الْقَضَاءَ يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ وَقَدْ أَخْطَأَ فِي التَّعْيِينِ فَلَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَهُ بِنِيَّةِ يَوْمٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْيَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ جِنْسٌ وَاحِدٌ.
(243)
قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ وَهُوَ يَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ إلَخْ.
قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ.
وَهُوَ غَيْرُهُ جَازَ، وَلَوْ كَانَ يَرَى شَخْصَهُ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ خِلَافُهُ جَازَ لِأَنَّهُ عَرِفَهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ. 244 - وَكَذَا لَوْ كَانَ آخِرُ الصُّفُوفِ لَا يَرَى شَخْصَهُ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ فِي الْمِحْرَابِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ جَازَ أَيْضًا.
وَمِثْلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَطَأِ فِي تَعْيِينِ الْمَيِّتِ فَعِنْدَ الْكَثْرَةِ يَنْوِي الْمَيِّتَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ.
كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعُمَدِ لَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِهَذَا الشَّابِّ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِهَذَا الشَّيْخِ 245 - فَإِذَا هُوَ شَابٌّ صَحَّ 246 - لِأَنَّ الشَّابَّ يُدْعَى شَيْخًا لِعِلْمِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ إلَخْ.
قِيلَ عَلَيْهِ: هَذَا يُخَالِفُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله سَابِقًا مِنْ قَوْلِهِ: لَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو (انْتَهَى) .
وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ إذْ هُنَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ فِي الْمِحْرَابِ فَعَرَّفَهُ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ، كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَيْهِ وَسَمَّاهُ فَظَهَرَ خِلَافُهُ، فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ تَلْغُو بِخِلَافِ مَا نَقَلَهُ سَابِقًا (انْتَهَى) .
وَقِيلَ عَلَيْهِ أَيْضًا: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَيْنُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ مَا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْقَائِمِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ زَيْدٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ السَّابِقَةَ لَمْ يَزِدْ فِيهَا عَلَى نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْقَائِمِ فِي الْمِحْرَابِ، لَكِنْ ظَنَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ زَيْدًا وَفِي هَذِهِ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْقَائِمِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ بِحَيْثُ تَقَيَّدَ الْقَائِمُ بِالْمَوْصُولِ مَعَ صِلَتِهِ وَبِهَذَا الْقَدْرِ يَتَحَقَّقُ الْمُغَايِرَةُ بَيْنَهُمَا.
(245)
قَوْلُهُ: فَإِذَا هُوَ شَابٌّ صَحَّ.
قِيلَ عَلَيْهِ: يُخَالِفُ لِمَا سَبَقَ فَتَأَمَّلْهُ.
(246)
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشَّابَّ يُدْعَى شَيْخًا.
قِيلَ عَلَيْهِ: قَدْ يُقَالُ ذَكَرْتُمْ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى أَنَّ التَّسْمِيَةَ تَلْغُو مَعَ الْإِشَارَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا، وَقَضِيَّةِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَعَدَمِ النَّظَرِ إلَى كَوْنِ الشَّابِّ يُدْعَى شَيْخًا دُونَ عَكْسِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَتَّجِهُ قَوْلُهُ وَالْإِشَارَةُ هُنَا لَا تَكْفِي لِأَنَّ لَازِمَ إلْغَاءِ التَّسْمِيَةِ، كَوْنُ الْإِشَارَةِ إلَى الْإِمَامِ لِظُهُورِ أَنَّ كَوْنَهَا إلَى