الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَنُّ الْأَوَّلُ قَوْلٌ فِي الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ
1 -
الْقَاعِدَةُ الْأُولَى لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ
2 - صَرَّحَ بِهِ الْمَشَايِخُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْفِقْهِ أَوَّلُهَا فِي الْوُضُوءِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
[الْفَنُّ الْأَوَّلُ قَوْلٌ فِي الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ][الْقَاعِدَةُ الْأُولَى لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ]
الْمُرَادُ بِالْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الْقَوَاعِدُ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْ قَاعِدَةٌ مِنْهَا تَحْتَ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا بَعْضُ الْأَفْرَادِ.
قِيلَ الْقَوَاعِدُ جَمْعُ قَاعِدَةٍ وَهِيَ لُغَةً الْأَسَاسُ وَاصْطِلَاحًا حُكْمٌ كُلِّيٌّ يَنْطَبِقُ عَلَى جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ لِتُعْرَفَ أَحْكَامُهَا مِنْهُ.
قَالَهُ فِي شَرْحِ التَّوْضِيحِ النَّحْوِيِّ وَمِثْلَهُ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ الْأُصُولِيِّ وَكَانَ حَقَّ الْمُصَنِّفِ بَيَانُهَا وَلَاءَمَ الْخَوْضُ فِيهَا لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا فَسَّرَ بِهِ الْقَاعِدَةَ نَقْلًا مِنْ شَرْحِ التَّوْضِيحِ وَشَرْحِ التَّنْقِيحِ غَيْرُ صَحِيحٍ هُنَا لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ غَيْرُهَا عِنْدَ النُّحَاةِ وَالْأُصُولِيِّينَ إذْ هِيَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حُكْمٌ أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ يَنْطَبِقُ عَلَى أَكْثَرِ جُزْئِيَّاتِهِ لِتُعْرَفَ أَحْكَامُهَا مِنْهُ وَأَمَانًا لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ حَقَّ الْمُصَنِّفِ بَيَانُهَا مِمَّا يُتِمُّ لَوْ كَانَ هَذَا التَّأْلِيفُ مَوْضُوعًا لِلْمُبْتَدِئِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى تَصَوُّرِهِ فِي الْقَاعِدَةِ وَلَيْسَ الْكِتَابُ مَوْضُوعًا لَهُ بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِمَنْ يَعْرِفُ مَعْنَى الْقَاعِدَةِ وَيَحْتَاجُ إلَى فُرُوعِهَا كَفُضَلَاءِ الْمُدَرِّسِينَ وَالْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ وَأَرْجُو مِنْ كَرَمِ الْفَتَّاحِ إلَى آخِرِهِ.
(1)
الْأُولَى لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ: هِيَ بِالتَّشْدِيدِ، وَقَدْ تُخَفَّفُ. لُغَةً عَزْمُ الْقَلْبِ عَلَى الشَّيْءِ، وَاصْطِلَاحًا قَصْدُ الطَّاعَةِ وَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إيجَادِ فِعْلٍ. وَفِيهِ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي عِبَادَةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابٌ، وَالْمَنْهِيَّاتُ الْمُتَرَتَّبُ عَلَيْهَا عِقَابٌ فَالصَّوَابُ تَفْسِيرُهَا بِتَوَجُّهِ الْقَلْبِ نَحْوَ إيجَادِ فِعْلٍ أَوْ تَرْكِهِ، مُوَافِقٌ لِغَرَضِ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ، حَالًا أَوْ مَآلًا؛ وَالْمُرَادُ مِنْ الْعَزْمِ إرَادَةُ الْفِعْلِ.
(2)
صَرَّحَ بِهِ الْمَشَايِخُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْفِقْهِ أَوَّلُهَا فِي الْوُضُوءِ: يَعْنِي بِغَيْرِ نَبِيذِ التَّمْرِ وَسُؤْرِ الْحِمَارِ. أَمَّا فِيهِمَا فَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ، كَمَا فِي الْبَحْرِ لِلْمُصَنِّفِ وَكَلَامُهُ فِيهِ مُقَيَّدٌ لِإِطْلَاقِهِ هُنَا.
سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا شَرْطُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ أَوْ لَا كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. 4 -
وَعَلَى هَذَا 5 - قَرَّرُوا حَدِيثَ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى،
ــ
[غمز عيون البصائر]
سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ: شَرَطَ الصِّحَّةَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجَمْعِ.
أَوْ لَا كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ: تَعْمِيمٌ فِي قَوْلِهِ: صَرَّحُوا بِهِ الْمَشَايِخُ.
(4)
وَعَلَى هَذَا: أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهُ وَقُدِّمَ عَلَيْهِ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ.
(5)
قَرَّرُوا حَدِيثَ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى: أَيْ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ فِيهِ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ لَا بِعِبَارَتِهِ وَالْمُقْتَضَى بِفَتْحِ الضَّادِ اللَّازِمُ الْمُتَقَدِّمُ الَّذِي اقْتَضَى النَّصُّ تَقْدِيرَهُ، لِتَوَقُّفِ صِدْقِ الْمَنْطُوقِ عَلَيْهِ وَصِحَّتِهِ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَمَّا عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ، فَمِنْ بَابِ الْمُضْمَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُقْتَضَى عِنْدَهُمْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمَنْطُوقُ شَرْعًا فَقَطْ؛ وَالْمُتَوَقَّف عَلَيْهِ هُنَا إنَّمَا هُوَ صِدْقُ الْمُتَكَلِّمِ لَا الصِّحَّةُ الشَّرْعِيَّةُ، فَيَكُونَ مُضْمَرًا لَا مُقْتَضًى.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُقْتَضَى ثَابِتٌ شَرْعًا وَالْمُضْمَرُ ثَابِتٌ لُغَةً.
وَفَرْقٌ آخَرُ هُوَ أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا وَالْمُضْمَرُ لَهُ عُمُومٌ بِالْإِجْمَاعِ، يَعْنِي مَا عَدَا صَدْرَ الْإِسْلَامِ.
وَثَمَّ فُرُوقٌ أُخَرُ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.
لَا يُقَالُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَعُمَّ ذَلِكَ الْمُقَدَّرُ عَلَى جِهَةِ الْإِضْمَارِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَلَمَّا لَمْ يَعُمَّ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضَى لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ عَدَمَ الْعُمُومِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ لِأَجْلِ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضَى، بَلْ لِأَنَّ الْمُضْمَرَ وَإِنْ جَازَ عُمُومُهُ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ الْأَعْمَالَ لَمَّا أُضِيفَتْ إلَى غَيْرِ مَحِلِّهَا، وَهُوَ النِّيَّةُ لِتَحَقُّقِ الْأَعْمَالِ بِدُونِهَا كَثِيرًا؛ فَاحْتِيجَ إلَى إضْمَارِ مَحِلٍّ يَحْتَمِلُ النِّيَّةَ.
وَمَا أُضْمِرَ هُنَا هُوَ الْحُكْمُ فَإِنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْحُكْمَ الدُّنْيَوِيَّ وَهُوَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَالْأُخْرَوِيَّ وَهُوَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ فَلَمَّا كَانَ مُحْتَمِلًا لَهُمَا لَمْ يَكُنْ إطْلَاقُهُ دَالًّا عَلَى أَحَدِهِمَا عَلَى التَّعْيِينِ فَكَانَ مُشْتَرِكًا وَالْمُشْتَرِكُ لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا بَلْ حُكْمُهُ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ لَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ هُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الْحُكْمُ الْأُخْرَوِيُّ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْعَجَبُ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يُخْرِجْهُ
إذْ لَا يَصِحُّ بِدُونِ التَّقْدِيرِ لِكَثْرَةِ وُجُودِ الْأَعْمَالِ بِدُونِهَا، فَقَدَّرُوا مُضَافًا أَيْ حُكْمَ الْأَعْمَالِ. 7 - وَهُوَ نَوْعَانِ 8 - أُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ الثَّوَابُ وَاسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ، وَدُنْيَوِيٌّ، وَهُوَ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ. 9 -
وَقَدْ أُرِيدَ الْأُخْرَوِيُّ بِالْإِجْمَاعِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
فِي الْمُوَطَّإِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى رَأْيِ مَنْ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْمُضْمَرِ وَالْمُقْتَضَى بَلْ جَعَلَ الْمُضْمَرَ قِسْمًا مِنْهُ كَعَامَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ عَلَى قَوْلِهِ.
(6)
إذْ لَا يَصِحُّ بِدُونِ التَّقْدِيرِ لِكَثْرَةِ وُجُودِ الْأَعْمَالِ بِدُونِهَا فَقَدَّرُوا مُضَافًا أَيْ حُكْمُ الْأَعْمَالِ: يَعْنِي أَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا التَّرْكِيبِ مَتْرُوكَةٌ، بِدَلَالَةِ مَحِلِّ الْكَلَامِ لِأَنَّ كَلِمَةَ إنَّمَا لِلْحَصْرِ وَقَدْ دَخَلَتْ عَلَى الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الِاسْتِغْرَاقِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُوجَدَ عَمَلٌ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَعْمَالِ تُوجَدُ بِلَا نِيَّةٍ فَصَارَ مَجَازًا عَنْ حُكْمِهِ، فَالتَّقْدِيرُ حُكْمُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ أَوْ مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ.
(7)
وَهُوَ نَوْعَانِ: أَقُولُ فِي الْمُسْتَصْفَى وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْحُكْمِ إمَّا جَوَازُ الْأَعْمَالِ أَوْ فَضِيلَتُهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ مُرَادًا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى نَسْخِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ مُطْلَقًا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ الْوُضُوءَ وَلَمْ يَذْكُرْ النِّيَّةَ فَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِلْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ لَبَيَّنَهَا، فَتَعِينَ الثَّانِي.
(8)
أُخْرَوِيٌّ وَهُوَ الثَّوَابُ وَاسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ وَدُنْيَوِيٌّ وَهُوَ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ: قِيلَ أَقْحَمَ لَفْظَ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَمْ يَقُلْ وَالْعِقَابُ كَمَا فِي الثَّوَابِ لِأَنَّ الْعِقَابَ مَوْكُولٌ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْمُخَالَفَةِ لِلنَّهْيِ.
وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا عَلَى أَنَّهُ إنْ فَعَلَ بِنِيَّةِ الْمُخَالَفَةِ وَقَصَدَهَا يُكَفَّرُ فَإِنْ ارْتَكَبَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمُخَالَفَةَ لِلنَّهْيِ يَكُونُ آثِمًا.
(9)
وَقَدْ أُرِيدَ الْأُخْرَوِيُّ بِالْإِجْمَاعِ: يَعْنِي لَمَّا اخْتَلَفَ الْحُكْمَانِ صَارَ الِاسْمُ بَعْدَ كَوْنِهِ مَجَازًا مُشْتَرَكًا.
وَيَكْفِي فِي تَصْحِيحِهِ مَا هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْأُخْرَوِيُّ.
وَلَا
لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، فَانْتَفَى الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا، 11 - إمَّا لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا عُمُومَ لَهُ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
دَلِيلَ عَلَى مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَلَا يَصْلُحُ تَقْدِيرُهُ حُجَّةً عَلَيْنَا وَقَدْ انْدَفَعَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْكَشْفِ وَشَرْحِ الْمُغْنِي وَشَرْحِ الْمَنَارِ: أَنَّ قَوْلَهُمْ الْحُكْمُ مُشْتَرَكٌ وَلَا عُمُومَ لَهُ مَمْنُوعٌ، بَلْ هَذَا فِي الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ أَمَّا الْمُشْتَرَكُ الْمَعْنَوِيُّ فَلَهُ عُمُومٌ كَالشَّيْءِ، وَالْحُكْمُ مِنْهُ، فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْأَعَمَّ إذْ تَفْسِيرُ الْحُكْمِ: الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِالشَّيْءِ مَعَ أَنَّ الْأَكْمَلَ فِي تَقْرِيرِهِ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْحُكْمُ مَقُولًا عَلَيْهِمَا بِالتَّوَاطُؤِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْجَوَازَ وَالْفَسَادَ وَإِنْ كَانَا أَثَرَيْنِ ثَابِتَيْنِ بِالْأَعْمَالِ مُوجِبَيْنِ لَهُمَا، لَكِنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ لَيْسَا كَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ (انْتَهَى) .
يَعْنِي لِتَخَلُّفِهِمَا فِي الْأَوَّلِ بِعَدَمِ الْقَبُولِ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَفِي الثَّانِي بِالْعَفْوِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ كَوْنُ الْأُخْرَوِيِّ مُرَادًا بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّ النِّزَاعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ إلَّا فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنْ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالْحُكْمِ الْمُقَدَّرِ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْحُكْمُ الْأُخْرَوِيُّ عَلَى أَنْ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالْحُكْمِ الْمُقَدَّرِ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْحُكْمُ الْأُخْرَوِيُّ الَّذِي هُوَ الثَّوَابُ.
(10)
لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَانْتَفَى الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا: أَقُولُ فِيهِ إنَّهُ ذَكَرَ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ نَقْلًا عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ الْوُضُوءَ غَيْرَ الْمَنْوِيِّ مُثَابٌ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ غَيْرُ مُثَابٍ عَلَيْهِ؛ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ كَمَا فِي الْبَحْرِ لِلْمُصَنِّفِ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ هُنَا لِلْإِجْمَاعِ أَيْ إجْمَاعُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا الْإِجْمَاعُ مُطْلَقًا.
(11)
أَمَّا لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا عُمُومَ لَهُ: قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: أَوْ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِهَذَا الطَّرِيقِ يَكُونُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ، إذْ هُوَ جَعَلَ غَيْرَ الْمَذْكُورِ مَذْكُورًا تَصْحِيحًا لِلْمَذْكُورِ وَلَا عُمُومَ لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ النَّظْمِ، وَهُوَ غَيْرُ مَنْظُومٍ، وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ الثَّوَابُ إجْمَاعًا فَيَنْتِجُ الْآخَرُ.
وَإِذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْجَوَازِ بَلْ هُوَ مُتَعَرِّضٌ لِلثَّوَابِ، ثَبَتَ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ إنَّمَا ثَوَابُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ (انْتَهَى) .
وَفِي حَوَاشِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمِ بْنِ قُطْلُوبُغَا: يُمْكِنُ أَنْ يُقَرِّرَ الْحَدِيثُ بِوَجْهٍ غَيْرِ هَذَا
أَوْ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ مِنْ صِحَّةِ الْكَلَامِ بِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْآخَرِ. 13 -
وَالثَّانِي أَوْجَهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُسَلِّمُهُ الْخَصْمُ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَهُوَ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْأَعْمَالِ الْعِبَادَاتُ، وَبِهِ نَقُولُ أَنَّهُ لَا عِبَادَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَمَّا إذَا أَتَى بِالْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِغَيْرِ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فَالْحَدِيثُ سَاكِتٌ عَنْهُ.
(12)
أَوْ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ مِنْ صِحَّةِ الْكَلَامِ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْآخَرِ: يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي قُدِّرَ فِي الْحَدِيثِ بِدَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا فَالْمُشْتَرَكُ اللَّفْظِيُّ لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا، أَوْ مَعْنَوِيًّا، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَهُ عُمُومٌ، لَكِنَّ الضَّرُورَةَ الَّتِي أَوْجَبَتْ تَقْدِيرَ الْحُكْمِ تَنْدَفِعُ بِإِرَادَةِ أَحَدِ فَرْدَيْهِ وَهُوَ الْأُخْرَوِيُّ.
هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَالثَّانِي أَوْجُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُسَلِّمُهُ الْخَصْمُ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ؛ لَكِنَّ فِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَكْمَلِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكًا مَعْنَوِيًّا أَنْ لَوْ كَانَ مَقُولًا عَلَيْهِمَا بِالتَّوَاطُؤِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ.
(13)
وَالثَّانِي أَوْجُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُسَلِّمُهُ الْخَصْمُ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ: قِيلَ وَإِنَّمَا جَازَ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَوْجُهَ لِأَنَّ بِنَاءَ الْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ جَائِزٌ فِي التَّحْقِيقِ، بِنَاءً عَلَى مَا أَثْبَتَ الْمَعْنَى كَمَا فِي كِتَابِ الْأُصُولِ (انْتَهَى) .
قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى شَرْحِ النَّافِعِ فِي آخِرِ بَابِ جِنَايَاتِ الْحَجِّ: يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِلْإِيضَاحِ.
وَقَالَ الْفَاضِلُ حَسَنُ جَلَبِي فِي حَوَاشِيهِ عَلَى التَّلْوِيحِ فِي بَحْثِ الْمُطْلَقِ: أَنَّهُ يَجُوزُ رَدُّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلَفِ فِي طَرِيقِ الِاحْتِجَاجِ إذَا كَانَ الْخَصْمُ مُلْزَمًا (انْتَهَى) .
بَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اشْتَرَكَ مُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى إحْرَامِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْإِتْلَافِ فَوْقَ الدَّلَالَةِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى الصَّيْدِ تُوجِبُ الْجَزَاءَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِمَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ.
وَحَاصِلُ الْخِلَافِ يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ الصَّيْدِ بَدَلٌ مَحْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْكَفَّارَةِ. وَعِنْدَنَا كَفَّارَةٌ وَبَدَلٌ.
وَإِذَا كَانَ بَدَلًا مَحْضًا عِنْدَهُ يَتَّحِدُ بِاتِّحَادِ الْمَحِلِّ وَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِ وَلَا اعْتِبَارَ لِتَعَدُّدِ الْفَاعِلِ وَلَا لِاتِّحَادِهِ.
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا الِاسْتِدْلَال عَلَى الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الدَّالِ؟ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِلْإِيضَاحِ فَإِنَّ الشَّرِكَةَ لِمَا
فَحِينَئِذٍ 15 - لَا يَدُلُّ 16 - عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي الْوَسَائِلِ لِلصِّحَّةِ 17 - وَلَا عَلَى الْمَقَاصِدِ أَيْضًا
18 -
وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ الْوُضُوءَ الَّذِي لَيْسَ بِمَنْوِيٍّ، لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهِ وَلَكِنَّهُ مِفْتَاحٌ لِلصَّلَاةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
كَانَ أَحَقَّ لِوُجُوبِ الْجَزَاءِ مِنْ الدَّلَالَةِ، وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ فِي الدَّلَالَةِ، فَيَجِبُ فِي الشَّرِكَةِ.
وَهَذَا لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا: عَلَى الدَّالِ الْجَزَاءُ.
وَقَالَ عَطَاءٌ رحمه الله أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى الدَّالِ.
فَكَأَنَّهُ عَدَّ مَسْأَلَةَ الدَّلَالَةِ كَالْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا وَلَمْ يَعْتَبِرْ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ (انْتَهَى) .
(14)
فَحِينَئِذٍ: أَيْ حِينَ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ الدُّنْيَوِيُّ مُرَادًا لِمَا ذَكَرَ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنْ لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ.
(15)
لَا يَدُلُّ: قِيلَ: أَيْ انْدِفَاعُ الضَّرُورَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَدُلُّ يَرْجِعُ إلَى الْحَدِيثِ.
(16)
عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي الْوَسَائِلِ لِلصِّحَّةِ: أَيْ وَلَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي الْمَقَاصِدِ لِلصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا أُخِذَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ.
وَالْمُرَادُ بِالْمَقَاصِدِ مَا لَا يَكُونُ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ.
قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَمَنْ هُنَا نَشَأَ إشْكَالٌ عَلَى مَنْ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي الْعِبَادَاتِ، كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ مَعَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» مِنْ قَبِيلِ ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ.
وَهُوَ يُفِيدُ السُّنِّيَّةَ وَالِاسْتِحْبَابَ دُونَ الْوُجُوبِ وَالِافْتِرَاضِ (انْتَهَى) .
قِيلَ: كَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَلَا فِي الْمَقَاصِدِ (انْتَهَى) .
يَعْنِي لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ اشْتَرَطَ عَلَى كَذَا بَلْ فِي كَذَا وَجَعَلَ عَلَى بِمَعْنَى فِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} [القصص: 15] خِلَافُ الظَّاهِرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ
(18)
وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ الْوُضُوءَ الَّذِي لَيْسَ بِمَنْوِيٍّ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهِ وَلَكِنَّهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[غمز عيون البصائر]
مِفْتَاحٌ لِلصَّلَاةِ: قِيلَ عَلَيْهِ أَنَّ كَوْنَهُ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ كَيْفَ ثَبَتَ بِغَيْرِ الْأَمْرِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (انْتَهَى) .
وَالْجَوَابُ إنَّهُ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ» وَكَوْنُهُ مِفْتَاحًا لَهَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ طَهَارَةً عَلَى مَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي آخِرِ آيَةِ الْوُضُوءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] فَإِنَّهُ وَإِنْ ذُكِرَ لِبَيَانِ حَالِ التَّيَمُّمِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْإِشَارَةِ إلَى حَالِ الْوُضُوءِ كَمَا لَا يَخْفَى.
لَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ يَتَأَدَّى بِغَيْرِ النِّيَّةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ رحمه الله وَمَنْ وَافَقَهُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ.
لِأَنَّ مَعْنَاهُ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ لِلصَّلَاةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} [النور: 2]{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] أَيْ لِلزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَكَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ الشِّتَاءُ فَتَأَهَّبْ أَيْ لِلشِّتَاءِ وَهَذَا لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَزَاءِ لِلشَّرْطِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ. وَهَذَا مَعْنَى النِّيَّةِ؛ فَلَوْ تَوَضَّأَ لِلتَّبَرُّدِ وَغَيْرِهِ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَصَارَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّحْرِيرُ بِنِيَّةِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ وَلَا يَجُوزُ بِدُونِهَا لِتَعَلُّقِ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ فَكَذَا هُنَا وَجَوَابُنَا عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ النَّقْضُ وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مَنْقُوضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] أَيْ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ السَّعْيَ وَوُجُوبَ أَخْذِ الزِّينَةِ أَيْ سِتْرِ الْعَوْرَةِ لِلصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَةَ إلَى الْقِبْلَةِ وَتَطْهِيرَ الثَّوْبِ لَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ النِّيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ.
فَكَذَا فِي الْوُضُوءِ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيهَا فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنْهَا؟ فَهَلْ جَوَابُنَا عَنْ الْوُضُوءِ عَلَى أَنَّهُمْ تَرَكُوا مَفْهُومَ الْآيَةِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ نَوَى كُلَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الطَّهَارَةِ غَيْرَ
وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِبَادَاتِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِآيَةِ {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] 20 - وَالْأَوَّلُ أَوْجُهُ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
الصَّلَاةِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَتَمَّ وُضُوءُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الصَّلَاةَ وَالثَّانِي الْحِلُّ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ مَا ذُكِرَ فَهُوَ فِيمَا إذَا كَانَ حُكْمًا غَيْرَ شَرْطٍ لِحُكْمٍ آخَرَ.
أَمَّا إذَا كَانَ شَرْطًا لِحُكْمٍ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ.
وَهُنَا شَرْطٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ يُرَاعَى وُجُودُهُ مُطْلَقًا لَا وُجُودُهُ قَصْدًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: 9] الْآيَةَ.
لَمَّا كَانَ السَّعْيُ شَرْطًا لِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الْجُمُعَةِ حَتَّى إذَا سَعَى لِغَيْرِ قَصْدِ الْجُمُعَةِ، لِقَصْدِ حَاجَةٍ أَوْ لِزِيَارَةِ إنْسَانٍ وَحَضَرَتْ الْجُمُعَةُ فَأَدَّى، يَجُوزُ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَصْدِ لِلْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ وَفِعْلُ الْعَبْدِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْبَابِ، لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ سَالَ عَلَيْهِ الْمَطَرُ فَغَسَلَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ أَوْ جَمِيعَ الْبَدَنِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ.
فَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَا أَوْضَحْنَاهُ لَك أَنَّ مَا قِيلَ لَا نِزَاعَ لِأَصْحَابِنَا فِي أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي النَّصِّ الْمَذْكُورِ لَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ وَأَنَّ مَا يَظُنُّهُ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ يَتَأَدَّى بِغَيْرِ نِيَّةٍ غَلَطٌ لَيْسَ كَذَلِكَ يَعْنِي بَلْ يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ الظَّنُّ الَّذِي يَظُنُّهُ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا غَلَطًا كَذَا حَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْكَمَالِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ تَحْقِيقٌ وَبِالْقَبُولِ حَقِيقٌ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَلَا يُورَدُ عَلَيْهِ فِي مَنْهَلٍ غَيْرِ مَنَاهِلِهِ الْعِذَابِ
(19)
قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ إلَخْ.
جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: إذَا لَمْ يَدُلَّ الْحَدِيثُ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي الْمَقَاصِدِ لِلصِّحَّةِ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ.
إلَى آخِرِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَقْوَالَ تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: أَحَدُهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِرَارًا مِنْ الرِّيَاءِ، الثَّانِي التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمَلَةِ لِغَيْرِ الْمَقْصُودِ، وَالثَّالِثُ قَصْدُ الْإِنْشَاءِ لِيَخْرُجَ سَبْقُ اللِّسَانِ.
يَعْنِي فِي غَيْرِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ.
(20)
قَوْلُهُ: أَوْجُهُ إلَى آخِرِهِ.
قِيلَ لِأَنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ وَالِاهْتِمَامِ جَائِزٌ وَاقِعٌ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ؛ أَعْنِي الْعِبَادَةَ إنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى الْعَمَلِ لَا الْعِلْمِ (انْتَهَى) .
وَفِيهِ تَأَمَّلْ.
لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهَا بِمَعْنَى التَّوْحِيدِ بِقَرِينَةِ عَطْفِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ،
22 -
فَلَا تُشْتَرَطُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَمَسْحِ الْخُفَّيْنِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ عَنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ وَالْأَوَانِي لِلصِّحَّةِ. 23 -
وَأَمَّا اشْتِرَاطُهَا فِي التَّيَمُّمِ فَلِدَلَالَةِ آيَتِهِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ الْقَصْدُ،
24 -
وَأَمَّا غَسْلُ الْمَيِّتِ، فَقَالُوا لَا تُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَحْصِيلِ طَهَارَتِهِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعِبَادَةَ إلَى آخِرِهِ.
أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَالثَّانِي أَوْجُهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ عَلَى شَرْطِيَّةِ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ الْعِبَادَاتِ.
وَقَوْلُهُ فِي تَعْلِيلِ الْأَوْجُهِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهَا بِمَعْنَى التَّوْحِيدِ يَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ عَلَى تَسْلِيمِ بَقَاءِ الْعِبَادَةِ عَلَى مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُخْلِصِينَ بِمَعْنَى النَّاوِينَ، وَنَوَى يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ لَا بِحَرْفِ الْجَرِّ.
إلَّا أَنْ يُقَالَ اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ وَلَيْسَ مُتَعَدِّيَةً. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ (أُمِرُوا) الْأَمْرُ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ فِي كُتُبِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَيْضَاوِيُّ.
عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ فَتَأَمَّلْ
(22)
قَوْلُهُ: فَلَا تُشْتَرَطُ إلَخْ أَيْ النِّيَّةَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَدُلُّ.
(23)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا اشْتِرَاطُهَا إلَخْ.
جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ الْوُضُوءَ عَلَى التَّيَمُّمِ بِإِبْدَاءِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ.
وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ فَفِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فَشَرَطْنَاهَا فِيهِ. وَلَا كَذَلِكَ الْوُضُوءُ فَإِنَّهُ غَسْلٌ وَمَسْحٌ وَذَا يَتَحَقَّقُ بِلَا نِيَّةٍ، فَاشْتِرَاطُهَا فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَهِيَ نَسْخٌ؛ وَإِنَّمَا قَالَ يُنْبِئُ دُونَ يَدُلُّ وَلَا دَلَالَتَهُ عَلَى الْقَصْدِ اللُّغَوِيِّ وَالِانْتِقَالُ مِنْهُ إلَى الْقَصْدِ الْخَاصِّ وَهُوَ قَصْدُ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ الْمُعْتَبَرُ هُنَا بِقَرِينَةِ أَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْإِنْبَاءِ
(24)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَسْلُ الْمَيِّتِ إلَخْ.
قَالَ فِي الْأَكْمَلِ قِيلَ النِّيَّةُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي غَسْلِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ أُخْرِجَ الْغَرِيقُ وَجَبَ غَسْلُهُ.
إلَّا إذَا حُرِّكَ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْغُسْلِ تَوَجَّهَ عَلَى بَنِي آدَمَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ شَيْءٌ عِنْدَ عَدَمِ التَّحْرِيكِ.
وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمَاءَ مُزِيلٌ بِطَبْعِهِ.
فَكَمَا لَا تَجِبُ النِّيَّةُ فِي غَسْلِ الْحَيِّ فَكَذَا لَا تَجِبُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا قَالَ قَاضِي خَانَ فِي فَتَاوَاهُ: مَيِّتٌ غَسَّلَهُ أَهْلُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِينَ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ: أَنَّ الْغَرِيقَ 26 - يُغَسَّلُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ نُوِيَ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْمَاءِ يُغَسَّلْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُنْوَ فَثَلَاثًا، وَعَنْهُ يُغَسَّلُ مَرَّةً وَاحِدَةً، كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هِيَ إلَخْ قِيلَ يُشَكَّلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانَ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ: مَيِّتٌ غَسَّلَهُ أَهْلُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْغُسْلِ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ (انْتَهَى) .
فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِي كَوْنِهِ مُجْزِيًا عَنْهُمْ النِّيَّةَ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَالنِّيَّةُ فِي غَسْلِهِ أَيْ الْمَيِّتَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ (انْتَهَى) .
أَقُولُ لَا صَرَاحَةَ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ قَاضِي خَانْ وَعَنْ التَّتَارْخَانِيَّة لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ قَاضِي خَانْ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ فِي حَقِّ طَهَارَتِهِ، بِمَعْنَى أَنَّ الطَّهَارَةَ وَقَعَتْ صَحِيحَةً حَتَّى تَصِحَّ فِي أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ.
وَمَعْنَى قَوْلِ التَّتَارْخَانِيَّة لَيْسَتْ بِشَرْطٍ أَيْ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ وَهَذَا لَا يُنَافِي بَقَاءَ الْفَرْضِ فِي ذِمَّتِهِمْ مِنْ حَيْثُ عَدَمِ النِّيَّةِ؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُ فِي الْفَتْحِ الظَّاهِرِ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِيهِ لِإِسْقَاطِ وُجُوبِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لَا لِتَحْصِيلِ طَهَارَتِهِ؛ وَهِيَ شَرْطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (انْتَهَى) .
قِيلَ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْغُسْلِ بِخُصُوصِهِ أَوْ يَكْفِي صُدُورُهَا مِنْ أَحَدِ الْمُكَلَّفِينَ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي.
قَوْلُهُ: وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ إلَخْ.
قِيلَ إذَا كَانَ ظَاهِرًا لِوُقُوعِهِ فِي الْمَاءِ لَا تَشْتَغِلُ ذِمَّةُ الْمُكَلَّفِينَ بِغُسْلِهِ؛ كَمَا لَوْ وَقَعَ جُنُبٌ فِي الْمَاءِ وَخَرَجَ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ: يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْ ذِمَّتِهِ بِالْغُسْلِ بَعْدَ مَا وَقَعَ لِخُرُوجِهِ طَاهِرًا (انْتَهَى) .
قِيلَ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنهمَا بِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ جَانِبِ الشَّارِعِ وَلَمْ يُوجَدْ.
وَأَمَّا وُقُوعُ الْجُنُبِ فَبِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ (انْتَهَى) .
وَفِيهِ تَأَمَّلْ.
(26)
قَوْلُهُ: يُغَسَّلُ ثَلَاثًا إلَخْ. يَعْنِي قِيَاسًا عَلَى الْغِسْلَاتِ الثَّلَاثِ الْمُزِيلَةِ لِلْمُحْدَثِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ. وَوَجْهُ غَسْلِهِ مَرَّتَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الثَّوْبِ النَّجِسِ بِالنَّجَاسَةِ غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ. إذَا غُسِلَ مَرَّةً ثُمَّ أُضِيفَ إلَيْهِ ثَوْبٌ آخَرُ طَاهِرٌ، فَإِنَّهُ يُغْسَلُ مَا بَقِيَ.
وَوَجْهُ غَسْلِهِ مَرَّةً قِيَاسًا عَلَى إزَالَةِ الْحَدَثِ بِمَرَّةٍ.
كَذَا قِيلَ.
وَقِيلَ يُغْسَلُ ثَلَاثًا لِيَكُونَ مُؤَدًّى عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَرْضًا وَسُنَّةً فَالْأُولَى فَرْضٌ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ سُنَّةٌ، أَوْ الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ وَالثَّالِثَةُ تَكْمِيلٌ لَهَا، أَوْ الثَّالِثَةُ تَقَعُ فَرْضًا عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فَلْيُتَأَمَّلْ
وَأَمَّا فِي الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا فَهِيَ شَرْطُ صِحَّتِهَا إلَّا الْإِسْلَامَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهَا 28 - بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: إنَّ إسْلَامَ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ.
29 -
وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ الْإِسْلَامِ 30 - بِخِلَافِ الْكُفْرِ، 31 - كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي بَحْثِ التُّرُوكِ
32 -
وَأَمَّا الْكُفْرُ فَيُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ كُفْرَ الْمُكْرَهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ هَازِلًا
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي الْعِبَادَاتِ إلَخْ أَقُولُ: وَكَذَا الِانْتِقَالُ مِنْ عِبَادَةٍ إلَى غَيْرِهَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ السَّادِسِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ.
(28)
قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ إلَخْ أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِالْحَرْبِيِّ نَقْلًا عَنْ سِيَرِ الْخَانِيَّةِ.
وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْحَرْبِيِّ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا مَذْهَبُنَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَشْفِ وَالتَّلْوِيحِ وَالِاخْتِيَارِ وَحِينَئِذٍ فَالْإِطْلَاقُ هُنَا فِي مَحِلِّهِ
(29)
قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا إلَخْ.
اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ وَلَيْسَ مِنْ تَتِمَّةِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ " وَلَا يَكُونُ " يَرْجِعُ لِلْكَافِرِ الْمَعْلُومِ مِنْ مَسَاقِ الْكَلَامِ، لَا لِلْمُكْرَهِ.
بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ الْإِسْلَامِ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا فِيهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الِانْقِيَادُ لِلْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَهُوَ فِعْلٌ وَالْفِعْلُ لَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ دُونَ فِعْلٍ.
(30)
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْكُفْرِ إلَخْ.
فَإِنَّهُ تُرِكَ.
فَإِذَا حُكِمَ بِإِسْلَامِ الْمُكْرَهِ بِدُونِهَا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ، إذْ لَا وُجُودَ لِلْمَشْرُوطِ بِدُونِ الشَّرْطِ.
(31)
قَوْلُهُ: كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إلَخْ.
فِي آخِرِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ
(32)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْكُفْرُ إلَخْ.
لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ مُفَادَهُ.
يُكَفَّرُ.
إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عَيْنَهُ كُفْرٌ، كَمَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ مِنْ بَحْثِ الْهَزْلِ.
34 -
فَلَا تَصِحُّ صَلَاةٌ مُطْلَقًا، وَلَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ، إلَّا بِهَا، فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا.
وَإِذَا نَوَى قَطَعَهَا لَا يَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا بِمُنَافٍ، وَلَوْ نَوَى الِانْتِقَالَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى وَشَرَعَ بِالتَّكْبِيرِ، صَارَ مُنْتَقِلًا وَإِلَّا فَلَا 35 -
وَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامٍ إلَّا بِنِيَّةٍ وَتَصِحُّ الْإِمَامَةُ بِدُونِ نِيَّتِهَا خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ، كَمَا فِي الْبِنَايَةِ 36 -
إلَّا إذَا صَلَّى خَلْفَهُ نِسَاءٌ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ إلَخْ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْهَزْلُ بِالرِّدَّةِ كُفْرٌ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ فَيَكُونَ مُرْتَدًّا بِعَيْنِ الْهَزْلِ، لَا بِمَا هَزَلَ بِهِ أَيْ لَيْسَ كُفْرُهُ بِمَا هَزَلَ بِهِ، وَهُوَ اعْتِقَادُ مَعْنَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا هَازِلًا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدِ مَعْنَاهَا بَلْ كُفْرُهُ بِعَيْنِ الْهَزْلِ فَإِنَّهُ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ فَهُوَ كُفْرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66](انْتَهَى) .
وَبِهِ يَظْهَرُ فَسَادُ مَا قِيلَ أَنَّ عَيْنَهُ كُفْرٌ، أَيْ عَيْنَ الْهَزْلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَصَدَ الْهَزْلَ فَتَحْصُلُ النِّيَّةُ بِهَذَا الْقَصْدِ.
(34)
قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ إلَخْ.
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَأَمَّا فِي الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا (35) قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ إلَخْ.
الِاقْتِدَاءُ رَبْطُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي بِصَلَاةِ إمَامِهِ وَقَدْ وَهِمَ الْمُصَنَّفُ فِي الْبَحْرِ فَجَعَلَهُ تَعْرِيفًا لِلْإِمَامَةِ وَقَدْ عَرَّفَ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ الْإِمَامَةَ فِي حُدُودٍ بِأَنَّهَا اتِّبَاعُ الْمُصَلِّي فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ (انْتَهَى) .
وَالِاتِّبَاعُ فِي التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ مَصْدَرُ الْفِعْلِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ لَا الْمَعْلُومِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَتَصِحُّ الْإِمَامَةُ إلَخْ.
إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُثَابًا عَلَيْهَا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ.
(36)
قَوْلُهُ: إلَّا إذَا صَلَّى إلَخْ.
اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَتَصِحُّ الْإِمَامَةُ بِدُونِ نِيَّتِهَا.
فَإِنَّ اقْتِدَاءَهُنَّ بِهِ بِلَا نِيَّةِ الْإِمَامِ لِلْإِمَامَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ. 38 -
وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ
39 -
صَحَّ الِاقْتِدَاءُ. وَهَلْ يَحْنَثُ؟ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: 40 - يَحْنَثُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَإِنَّ اقْتِدَاءَهُنَّ إلَخْ قِيلَ هَذَا بِنَاءٌ عَلَى الرَّاجِحِ إلَّا أَنَّ عُمُومَ كَلَامِهِ مُتَنَاوِلٌ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَعَ أَنَّ نِيَّةَ إمَامَتِهَا فِيهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ اقْتِدَائِهَا إجْمَاعًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ الصَّلَاةُ الْكَامِلَةُ وَهِيَ ذَاتُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَخْذًا مِنْ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْفَرْدِ الْكَامِلِ. (38) قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ إلَخْ.
أَقُولُ: فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا فِي إمَامَةِ النِّسَاءِ لِقِلَّةِ الْفِتْنَةِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْجَمْعِ.
وَقَالَ فِي السِّرَاجِ وَأَمَّا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ قَالُوا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إمَامَتَهَا كَسَائِرِ الصَّلَاةِ.
وَقَوْلُ مِنْ قَالَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ اعْتِمَادٌ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ.
قَالَ فِي جَامِعِ الْمُضْمَرَاتِ وَالْمُشْكَلَاتِ وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمَرْأَةِ بِالرَّجُلِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا وَكَذَلِكَ الْعِيدَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ فِتْنَةَ الْمَرْأَةِ تَقِلُّ عِنْدَ كَثْرَةِ الْجَمْعِ (انْتَهَى) .
وَفِيهِ بَحْثٌ لِنَقْلِ الْمُصَنِّفِ تَصْحِيحَ مَا اسْتَثْنَاهُ بَعْضُهُمْ وَإِنَّ فَهْمَ ذَلِكَ مِنْ التَّصْحِيحِ الثَّانِي الْمَذْكُورِ فِي جَامِعِ الْمُضْمَرَاتِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ بِعَيْنِهِ تَصْحِيحُ مَا اسْتَثْنَاهُ بَعْضُهُمْ.
أَقُولُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ نُسْخَةَ الْقَائِلِ سَقَطَ مِنْهَا لَفْظُ " وَصُحِّحَ " الْمَوْجُودُ فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلَّفِ الْمُتَدَاوَلَةِ عِنْدَنَا فَذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ اعْتِمَادُ قَوْلِ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ: أَوَّلًا أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا وَبَعْضُهُمْ اسْتَثْنَى الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ فَحَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ الصَّحِيحَ دَلَّ عَلَى الِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ سُقُوطِهَا لَكِنْ سَقَطَ مِنْ كَلَامِ الْقَائِلِ لَفْظُ عَدَمِ قَبْلَ قَوْلِهِ اعْتِمَادَ
(39)
قَوْلُهُ: صَحَّ الِاقْتِدَاءُ إلَخْ.
قَالَ الْحَصِيرِيُّ فِي الْحَاوِي عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.
(40)
قَوْلُهُ: يَحْنَثُ قَضَاءً إلَخْ.
يَعْنِي إذَا رَكَعَ وَسَجَدَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي نُسْخَةٍ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ لِأَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِيهِ نَاوِيًا أَنْ لَا يَؤُمَّ
إلَّا إنْ أَشْهَدَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَا يَحْنَثُ قَضَاءً، وَكَذَا لَوْ أَمَّ النَّاسَ هَذَا الْحَالِفُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ صَحَّتْ وَحَنِثَ قَضَاءً، 42 - وَلَا يَحْنَثُ أَصْلًا إذَا أَمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ
وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ فُلَانًا فَأَمَّ النَّاسَ 43 - نَاوِيًا أَنْ لَا يَؤُمَّهُ وَيَؤُمَّ غَيْرَهُ 44 - فَاقْتَدَى بِهِ فُلَانٌ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ (انْتَهَى) .
وَلَكِنْ 45 - لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى الْإِمَامَةِ.
46 -
وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ كَالصَّلَاةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَشْهَدَ إلَخْ بِأَنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يُصَلِّي صَلَاةَ نَفْسِهِ وَلَا يَؤُمُّ أَحَدًا
(42)
قَوْلُهُ: وَلَا يَحْنَثُ أَصْلًا إلَخْ.
قَالَ قَاضِي خَانَ فِي فَتَاوِيهِ: لِأَنَّ يَمِينَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الْمَكْتُوبَةُ وَالنَّافِلَةُ.
وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ (انْتَهَى) .
وَأَصْلًا مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ لِانْتِفَاءِ الْحِنْثِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْفِعْلِ أَيْ انْتَفَى الْحِنْثُ انْتِفَاءً كُلِّيًّا أَوْ انْتِفَاءً مُتَلَبِّسًا بِالْكُلِّيَّةِ.
كَذَا قَرَّرَهُ السَّيِّدُ السَّنَدُ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ.
(43)
قَوْلُهُ: نَاوِيًا أَنْ لَا يَؤُمَّهُ بِتَعْيِينِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَيَؤُمَّ مَعْطُوفًا عَلَى النَّفْيِ لَا عَلَى الْمَنْفِيِّ: قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ فُلَانًا بِعَيْنِهِ فَصَلَّى وَنَوَى أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ فَصَلَّى ذَلِكَ الرَّجُلُ مَعَ النَّاسِ خَلْفَهُ حَنِثَ الْحَالِفُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ دَخَلَ فِيهِمْ هَذَا الْوَاحِدُ (انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَيَؤُمَّ مَعْطُوفٌ عَلَى النَّفْيِ لَا عَلَى الْمَنْفِيِّ.
(44)
قَوْلُهُ: فَاقْتَدَى بِهِ فُلَانٌ إلَخْ.
لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ دَخَلَ فِيهِمْ فُلَانٌ وَغَيْرُهُ، فَإِذَا اقْتَدَى بِهِ فُلَانٌ حَنِثَ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ.
(45)
قَوْلُهُ: لَا ثَوَابَ لَهُ إلَخْ.
أَيْ عَلَى إمَامَةِ مَنْ لَمْ يَنْوِ الصَّلَاةَ بِهِ أَمَّا مَنْ نَوَى الصَّلَاةَ بِهِمْ فَيُثَابُ عَلَى إمَامَتِهِمْ
(46)
قَوْلُهُ: وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ كَالصَّلَاةِ، أَيْ مِنْ جِهَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ
وَكَذَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ عَلَى قَوْلِ مِنْ يَرَاهَا 48 - مَشْرُوعَةً. 49 -
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي نِيَّتِهَا لَا فِي الْجَوَازِ
50 -
وَكَذَا سُجُودُ السَّهْوِ، 51 - وَلَا تَضُرُّهُ نِيَّةُ عَدَمِهِ وَقْتَ السَّلَامِ.
52 -
وَأَمَّا النِّيَّةُ لِلْخُطْبَةِ فِي الْجُمُعَةِ فَشَرْطٌ لِصِحَّتِهَا، حَتَّى لَوْ عَطَسَ بَعْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لِلْعُطَاسِ غَيْرُ قَاصِدٍ لَهَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
مَقْصُودَةٌ، فَسَقَطَ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ نَظَرٌ.
لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لِتَخَالُفِهِمَا فِي لُزُومِ الْحِنْثِ، كَمَا مَرَّ قَرِيبًا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِثْلُهَا فِي اشْتِرَاطِ مَا يُشْتَرَطُ لَهَا مِنْ الْوُضُوءِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهِمَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ أَجْنَبِيَّةً عَنْ الْمَقَامِ
(47)
قَوْلُهُ: وَكَذَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ إلَخْ.
يَعْنِي لَا بُدَّ فِي صِحَّتهَا مِنْ النِّيَّةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ.
(48)
قَوْلُهُ: مَشْرُوعَةً أَيْ جَائِزَةً كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَنِّ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ سَجْدَةَ الشُّكْرِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا وَاجِبَةٌ وَهُوَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً أَيْ وُجُوبًا (انْتَهَى) .
(49)
قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ إلَخْ.
أَقُولُ فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَنِّ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ خِلَافَ الْمُعْتَمَدِ
(50)
قَوْلُهُ: وَكَذَا سُجُودُ السَّهْوِ يَعْنِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْ النِّيَّةِ.
(51)
قَوْلُهُ: وَلَا تَضُرُّهُ إلَخْ أَيْ لَا تَضُرُّ مَرِيدَ السُّجُودِ نِيَّةُ عَدَمِ السُّجُودِ وَقْتَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ أَيْ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِتْيَانِ بِهِ.
قِيلَ يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِذَا نَوَى قَطَعَهَا لَا يَخْرُجُ عَنْهَا (انْتَهَى)
(52)
قَوْلُهُ: أَمَّا النِّيَّةُ إلَخْ.
فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَأَمَّا خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ فَفِي اشْتِرَاطِ نِيَّتِهَا خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا بِمَثَابَةِ رَكْعَتَيْنِ؛ وَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ غَيْرَهَا (انْتَهَى) .
أَقُولُ: ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا.
وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ.
لَمْ تَصِحُّ، كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ
54 -
وَخُطْبَةُ الْعِيدَيْنِ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ: يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، 55 - سِوَى تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: لَمْ تَصِحَّ إلَخْ.
قِيلَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ.
وَفِي رِوَايَةٍ يُجْزِيه ذَلِكَ
1 -
وَفِي الْخَانِيَّة وَلَوْ عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ التَّحْمِيدَ عَلَى الْعُطَاسِ، فَذَبَحَ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى الذَّبْحِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْقَصْدِ بِخِلَافِ الْخَطِيبِ إذَا عَطَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِهِ الْجُمُعَةُ (انْتَهَى) .
لَكِنَّ الْمَذْهَبَ مَا تَقَدَّمَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالذَّبْحِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ بِالْإِجْزَاءِ فِي الْخُطْبَةِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْخُطْبَةِ الذِّكْرُ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَقَدْ وُجِدَ.
وَفِي الذَّبِيحَةِ الْمَأْمُورُ بِهِ الذِّكْرُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ بِأَنْ يَقْصِدَهُ (انْتَهَى) .
قُلْت هَذَا الْفَرْقُ يُومِئُ إلَيْهِ كَلَامُ قَاضِي خَانْ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي فُرُوقِ الْمَحْبُوبِي وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ آخِرُ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ: تَكْمِيلٌ
(54)
قَوْلُهُ: خُطْبَةُ الْعِيدَيْنِ إلَخْ.
يُنْظَرُ حُكْمُ بَاقِي الْخُطَبِ، وَهِيَ خُطْبَةُ النِّكَاحِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ وَالْخُطَبِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَوْسِمِ هَلْ هِيَ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ؟ هَكَذَا تَوَقَّفْت ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْعَلَّامَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ: وَيُنْصِتُ الْمُؤْتَمُّ. وَكَذَا فِي الْخُطْبَةِ مَا نَصَّهُ: وَالْخُطْبَةُ شَامِلَةٌ لِخُطْبَةِ النِّكَاحِ وَالْمَوْسِمِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا مَرَّ.
وَاَلَّذِي مَرَّ فِي بَحْثِ الْأَوْقَاتِ، عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ، وَيُكْرَهُ إذَا خَرَجَ لِلْخُطْبَةِ النَّفَلُ مَا نَصُّهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْخُطْبَةِ النَّفَلُ لِيَشْتَمِلَ خُطْبَةَ النِّكَاحِ وَالْخُطَبَ الثَّلَاثَةَ فِي الْمَوْسِمِ؛ فَإِنَّ الِاسْتِمَاعَ وَاجِبٌ فِيهَا كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ (انْتَهَى) .
أَقُولُ وَيُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ نَقْلًا عَنْ الْمُنْيَةِ أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكْرَهُ فِيهِ كَمَا يَكْرَهُ فِي الْجُمُعَةِ (انْتَهَى) .
وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَكْرَهُ فِيهِ إلَى آخِرِهِ أَيْ كَرَاهَةٌ كَالْكَرَاهَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَنْتَفِي أَصْلُ الْكَرَاهَةِ (55)
قَوْلُهُ: سِوَى تَقْدِيمِ إلَخْ قِيلَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ شَرْطٌ.
لَكِنَّ تَقْدِيمَهَا لَيْسَ
وَأَمَّا الْأَذَانُ فَلَا تُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ 57 - وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ لِلثَّوَابِ عَلَيْهِ
58 -
وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، فَشَرْطُ الْجُرْجَانِيِّ لِصِحَّتِهِ النِّيَّةَ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَانَ يُصَلِّي إلَى مِحْرَابٍ، كَذَا فِي الْبِنَايَةِ.
وَأَمَّا سِتْرُ الْعَوْرَةِ فَلَا تُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا.
59 -
وَلَا تُشْتَرَطُ لِلثَّوَابِ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ، بَلْ يُثَابُ عَلَى نِيَّتِهِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
بِشَرْطٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخُطْبَةُ نَفْسُهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِمَا أَصْلًا
(56)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْآذَانُ إلَى آخِرِهِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَأَمَّا الْآذَانُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ (انْتَهَى) .
وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ يُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ.
(57)
قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ إلَخْ.
أَقُولُ: يُخَالِفُ هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ حَيْثُ نُقِلَ عَنْ الْعَيْنِيِّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ فَإِنَّ النِّيَّةَ فِي كَلَامِهِ نَكِرَةٌ وَقَعَتْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ فَتَعُمَّ النَّفْيَ النِّيَّةُ لِلصِّحَّةِ وَالثَّوَابِ؛ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تُخَصَّ بِنَفْيِ النِّيَّةِ لِلصِّحَّةِ
(58)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ إلَخْ.
قِيلَ: عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ تُفِيدُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ.
وَفِي الْقَرْمَانِيِّ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا نِيَّةُ الْكَعْبَةِ بَعْدَ مَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا هَلْ تُشْتَرَط أَوْ لَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ تُشْتَرَطُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَامِدٍ لَا تُشْتَرَطُ، وَقَالَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي تَجْنِيسِهِ لَا تُشْتَرَطُ فِي الصَّحِيحِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنْ كَانَ يُصَلِّي إلَى الْمَحَارِيبِ فَكَمَا قَالَ الْحَامِدِيُّ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ فَكَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ (انْتَهَى) .
وَفِيهِ تَأَمَّلْ
(59)
قَوْلُهُ: وَلَا تُشْتَرَطُ إلَخْ.
لِأَنَّهُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ تَكُونُ بِوُجُودِ شَرَائِطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَالثَّوَابُ عَلَيْهَا بِوُجُودِ الْعَزِيمَةِ وَهُوَ الْإِخْلَاصُ فَإِنَّ مِنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجَسٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى صَلَّى، وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا.
لَمْ يَجُزْ فِي الْحُكْمِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَيَسْتَحِقُّ
وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِغَيْرِ تَعَمُّدِهِ كَمَا لَوْ صَلَّى مُحْدِثًا عَلَى ظَنِّ طَهَارَتِهِ، 61 - وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ
وَأَمَّا الزَّكَاةُ؛ فَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ: أَنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ كَرْهًا وَوَضَعَهَا فِي أَهْلِهَا، وَتُجْزِيهِ لِأَنَّهُ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ أَخْذِهَا، فَقَامَ أَخْذُهُ مَقَامَ دَفْعِ الْمَالِكِ بِاخْتِيَارِهِ. 62 -
فَهُوَ ضَعِيفٌ. 63 -
وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ كَرْهًا.
قَالَ فِي الْمُحِيطِ:
ــ
[غمز عيون البصائر]
الثَّوَابَ لِصِحَّةِ عَزِيمَتِهِ.
وَإِذَا صَلَّى رِيَاءً وَسُمْعَةً تَصِحُّ فِي الْحُكْمِ يَعْنِي لِوُجُودِ شَرَائِطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الثَّوَابَ لِفَقْدِ الْإِخْلَاصِ.
يَعْنِي لِعَدَمِ صِحَّةِ عَزِيمَتِهِ.
كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى شَرْحِ النَّافِعِ (60) قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً إلَخْ.
أَيْ الْعِبَادَةُ لَا النِّيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ أَقْرَبَ مَذْكُورًا وَلَوْ أَظْهَرَ الضَّمِيرَ لَكَانَ أُولَى.
(61)
قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ حِوَالَةٌ غَيْرُ رَائِجَةٍ وَإِنَّا لَمْ نَعْثِرْ فِيمَا سَيَأْتِي عَلَى تَحْقِيقِ مَا ذَكَرَهُ هُنَا
(62)
قَوْلُهُ: ضَعِيفٌ إلَخْ.
قِيلَ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا نَوَى عِنْدَ أَخْذِهِ مِنْهُ أَوْ عَقِبَهُ، لِأَنَّ دِينَهُ وَنَتِيجَةَ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ كَيْ لَا يَضِيعُ مَالُهُ مَجَّانًا مَعَ إمْكَانِ تَحْصِيلِ الثَّوَابِ.
فَتَدَبَّرْ (انْتَهَى) .
وَقِيلَ عَلَيْهِ: الْمُصَرَّحُ بِهِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ؛ وَإِنْ نَوَى قَالَ فِي الصُّوفِيَّةِ: إذَا أَخَذَ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَنَوَى أَدَاءَ الزَّكَاةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
وَفِي الْوَاقِعَاتِ: السُّلْطَانُ إذَا أَخَذَ الصَّدَقَاتِ وَنَوَى بِأَدَائِهَا إلَيْهِ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ، الْأَحْوَطُ أَنْ يُفْتَى بِالْأَدَاءِ.
ثَانِيًا كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ لِانْعِدَامِ الْفَقِيرِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ الصَّحِيحُ (انْتَهَى) .
عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ عَقِبَهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْبَحْثِ السَّابِعِ مِنْ النِّيَّةِ: أَنَّهُ هَلْ تَجُوزُ الزَّكَاةُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ الْأَدَاءِ؟ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ دَفَعَهَا بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا فِي يَدِ الْفَقِيرِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا.
(63)
قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْأَخْذِ كَرْهًا، أَيْ عَدَمُ إجْزَاءِ الزَّكَاةِ
وَمَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَالسَّاعِي لَا يَأْخُذُ مِنْهُ الزَّكَاةَ كَرْهًا، وَلَوْ أَخَذَ لَا يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ لِكَوْنِهَا بِلَا اخْتِيَارٍ، 64 - وَلَكِنْ يُجْبِرُهُ بِالْحَبْسِ لِيُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ (انْتَهَى) وَخَرَجَ عَنْ اشْتِرَاطِهَا لَهَا.
، 65 - مَا إذَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ النِّصَابِ بِلَا نِيَّةٍ فَإِنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ عَنْهُ.
66 -
وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ زَكَاةِ الْبَعْضِ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ، وَقَالُوا وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فِي الْعُرُوضِ
67 -
وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلتِّجَارَةِ، فَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لِلْقَنِيَّةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
كَرْهًا أَقُولُ.
كَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ.
فَإِنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي الْبَاطِنَةِ دُونَ الظَّاهِرَةِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُضْمَرَاتِ.
وَحَمْلُهُ عَلَى زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ يَمْنَعُ مِنْهُ قَوْلُهُ: وَمَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَالسَّاعِي لَا يَأْخُذُهَا مِنْهُ كَرْهًا.
فَإِنَّ السَّاعِيَ لَا يَأْخُذُ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ لِأَنَّ الدَّفْعَ فِيهَا إلَى الْفُقَرَاءِ مُفَوَّضٌ إلَى أَرْبَابِهَا.
(64)
قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يَجْبُرُهُ إلَخْ.
قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: ثُمَّ الزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي فِي رِوَايَةِ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله عَلَى الْفَوْرِ، وَعَنْهُ إذَا حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ وَلَمْ يُؤَدِّ أَثِمَ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ.
وَإِذَا وَقَفَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ عَزَّرَهُ وَحَبَسَهُ وَطَالَبَهُ (انْتَهَى) .
وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا أَعْنِي التَّعْزِيرَ وَالْحَبْسَ فِي زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ لَا الْبَاطِنَةِ، إذْ الدَّفْعُ فِيهَا إلَى الْفُقَرَاءِ مُفَوَّضٌ إلَى أَرْبَابِهَا فَلَا مُطَالَبَةَ لِلْإِمَامِ فِيهَا
(65)
قَوْلُهُ: مَا إذَا تَصَدَّقَ إلَخْ: قِيلَ لَفْظُ التَّصَدُّقِ يُشْعِرُ بِأَنَّ نِيَّةَ أَصْلِ الْعِبَادَةِ وُجِدَتْ، وَهِيَ كَافِيَةٌ، وَنِيَّةُ الْفَرْضِ إنَّمَا تُشْتَرَطُ لِلْمُزَاحَمَةِ بَيْنَ الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ.
وَفِي أَدَاءِ الْكُلِّ تَحَقُّقُ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ لِصَيْرُورَةِ الْوَاجِبِ مُتَعَيَّنًا بِدَفْعِهِ بِخِلَافِ التَّصَدُّقِ بِالْبَعْضِ
(66)
قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا إلَخْ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْقُطُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ وَمُحَمَّدٌ رحمه الله اعْتَبَرَ الْجُزْءَ بِالْكُلِّ
(67)
قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ إلَخْ: لَكِنْ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا إذَا اتَّجَرَ لِأَنَّ التِّجَارَةَ
نَاوِيًا أَنَّهُ إنْ وَجَدَ رِبْحًا بَاعَهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ.
وَلَوْ نَوَى التِّجَارَةَ فِيمَا خَرَجَ مِنْ أَرْضِهِ الْعُشْرِيَّةُ أَوْ الْخَرَاجِيَّةُ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةُ أَوْ الْمُسْتَعَارَةُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
فِعْلٌ لَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ اُعْتُبِرَ فِي نِصَابِهَا النَّمَاءُ وَالنَّمَاءُ عَلَى قِسْمَيْنِ: خِلْقِيٌّ وَفِعْلِيٌّ.
فَالْأَوَّلُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالثَّانِي مَا يَكُونُ بِإِعْدَادِ الْعَبْدِ كَالْعُرُوضِ.
فَالْأَوَّلُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التِّجَارَةِ وَالثَّانِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا.
غَيْرَ أَنَّ التِّجَارَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهَا بِعَمَلٍ هُوَ تِجَارَةٌ.
حَتَّى لَوْ اشْتَرَى ثِيَابًا لِلْبِذْلَةِ ثُمَّ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ لَا تَكُونُ لَهَا مَا لَمْ يَبِعْهَا لِيَكُونَ بَذْلُهَا لِلتِّجَارَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى فِيمَا هُوَ لِلتِّجَارَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْخِدْمَةِ حَيْثُ يَصِحُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّ التُّرُوكَ يُكْتَفَى فِيهَا بِمُجَرَّدِهَا.
وَنَظِيرُهَا السَّفَرُ وَالْفِطْرُ وَالْإِسْلَامُ.
زَادَ الشَّارِحُ وَكَوْنُهُ عَلُوفَةً لَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهَا إلَّا بِالْعَمَلِ، وَتَثْبُتُ أَضْدَادُهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ.
وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ السَّائِمَةَ تَصِيرُ عَلُوفَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ.
وَوَقَفَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَحْرِ بِحَمْلِ مَا فِي الشَّرْحِ عَلَى مَا إذَا وَقَعَتْ النِّيَّةُ وَهِيَ فِي الْمَرْعَى، وَمَا فِي الْفَتْحِ عَلَى مَا إذَا وَقَعَتْ النِّيَّةُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الدِّرَايَةِ مَا يُخَالِفُهُمَا ثُمَّ نِيَّةُ التِّجَارَةِ قَدْ تَكُونُ صَرِيحَةً وَقَدْ تَكُونُ دَلَالَةً.
فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ عَقْدِ التِّجَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَمْلُوكُ بِهِ لِلتِّجَارَةِ، سَوَاءً كَانَ الْعَقْدُ شِرَاءً أَوْ إجَارَةً لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الثَّمَنِ نَقْدًا أَوْ عَرْضًا.
أَمَّا الْعَرْضُ الْمَمْلُوكُ بِالْإِرْثِ فَلَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ إجْمَاعًا إلَّا إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ؛ يَعْنِي وَنَوَى وَقْتَ التَّصَرُّفِ أَنْ يَكُونَ بَذْلَةً لِلتِّجَارَةِ، وَلَا تَكْفِيهِ النِّيَّةُ السَّابِقَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ وَرِثَ سَائِمَةً كَانَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ.
وَيَلْحَقُ بِالْإِرْثِ مَا دَخَلَهُ مِنْ حُبُوبِ أَرْضِهِ فَنَوَى إمْسَاكَهَا لِلتِّجَارَةِ فَلَا تَجِبُ لَوْ بَاعَهَا بَعْدَ حَوْلٍ.
وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَهِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ بِغَرَضِ التِّجَارَةِ أَوْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ بِعَرْضٍ مِنْ الْعُرُوضِ فَتَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ صَرِيحًا.
لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ: الِاخْتِلَافُ فِي بَدَلِ مَنَافِعِ عَيْنٍ مُعَدٍّ لِلتِّجَارَةِ فَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ لِلتِّجَارَةِ بِلَا نِيَّةٍ.
وَفِي الْجَامِعِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَمَشَايِخُ بَلْخِي كَانُوا
وَلَوْ قَارَنَتْ مَا لَيْسَ بَدَلَ مَالٍ بِمَالِ، كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْخَلْعِ وَالْمَهْرِ وَالْوَصِيَّةِ، 69 - لَا تَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَفِي السَّائِمَةِ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ إسَامَتِهَا لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ أَكْثَرُ الْحَوْلِ، فَإِنْ قُصِدَ بِهِ التِّجَارَةُ فَفِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ إنْ قَارَنَتْ الشِّرَاءَ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ الْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ أَوْ الْأَكْلُ فَلَا زَكَاةَ أَصْلًا.
وَأَمَّا النِّيَّةُ فِي الصَّوْمِ فَشَرْطُ صِحَّتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ 70 - وَلَوْ عَلَّقَهَا بِالْمَشِيئَةِ صَحَّتْ 71 - لِأَنَّهَا إنَّمَا تُبْطِلُ الْأَقْوَالَ، وَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ مِنْهَا، وَالْفَرْضُ وَالسُّنَّةُ وَالنَّفَلُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
يُصَحِّحُونَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ
(68)
قَوْلُهُ: وَلَوْ قَارَنَتْ مَا لَيْسَ إلَخْ.
قِيلَ: لَكِنْ إذَا اتَّجَرَ فِيهَا هَلْ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ نِيَّةِ التِّجَارَةِ؟ أَوْ مِنْ وَقْتِ التِّجَارَةِ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ تَعَلُّقِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِالذِّمَّةِ.
(69)
قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِحُّ؛ وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ وَرَجَّحَ الصِّحَّةَ فِي الْفَتْحِ، وَصَحَّحَ عَدَمَهَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِيهَا: لَوْ اسْتَقْرَضَ عَرَضًا وَنَوَى أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ.
وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْجَامِعِ.
كَذَا فِي النَّهْرِ
(70)
قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَّقَهَا بِالْمَشِيئَةِ صَحَّتْ إلَخْ. أَيْ وَلَوْ عَلَّقَ النِّيَّةَ بِالْمَشِيئَةِ صَحَّتْ، سَوَاءٌ كَانَتْ نِيَّةَ صَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَا نِيَّةَ الصَّوْمِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ.
فَإِنَّ التَّعْلِيلَ يَدْفَعُهُ وَمَسْأَلَةُ صِحَّةِ تَعْلِيقِ النِّيَّةِ بِالْمَشِيئَةِ صَرَّحَ بِهَا فِي الْخُلَاصَةِ وَصَحَّحَهَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ (71) قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا إنَّمَا تُبْطِلُ.
قِيلَ: يُشَكَّلُ عَلَى هَذَا مَا فِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ: لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ التَّوْكِيلُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ.
وَلَوْ قَالَ أَمْرُكِ بِيَدِك إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ (انْتَهَى) .
فِي أَصْلِهَا سَوَاءٌ.
وَأَمَّا النِّيَّةُ فِي الْحَجِّ فَهِيَ شَرْطُ صِحَّتِهِ أَيْضًا فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا وَالْعُمْرَةُ كَذَلِكَ، 73 - وَلَا تَكُونُ إلَّا سُنَّةً
74 -
وَالْمَنْذُورُ كَالْفَرْضِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَقْوَالِ يَشْتَمِلُ الْأَوَامِرَ.
وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ.
قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ: الِاسْتِثْنَاءُ هَلْ يُعْمَلُ فِي الْأَوَامِرِ؟ قِيلَ: يُعْمَلُ وَقِيلَ: لَا.
وَصَرَّحَ بِأَنَّ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الصَّوْمِ لِطَلَبِ التَّوْفِيقِ.
فَظَهَرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِيهِ لِلِاسْتِثْنَاءِ حَتَّى يُقَالُ أَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَقْوَالِ فَلَا تَبْطُلُ بِالِاسْتِثْنَاءِ (72)
قَوْلُهُ: فِي أَصْلِهَا سَوَاءٌ
أَيْ النِّيَّةُ فَتَكُونَ شَرْطًا لِصِحَّةِ مَا ذَكَرَهُ عَلَى السَّوَاءِ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ التَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ فَتَخْتَلِفُ وَكَذَا النِّيَّةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى فَرْضِ الصَّلَاةِ وَوَاجِبِهَا وَسُنَّتِهَا وَنَفْلِهَا.
سَوَاءٌ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ.
وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِنْ جِهَةِ التَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ.
(73)
قَوْلُهُ: وَلَا تَكُونُ إلَّا سُنَّةً.
يَعْنِي مُؤَكَّدَةً وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ بَلْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ يَعْنِي بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً بِالنَّذْرِ.
وَقَدْ حَكَى ابْن وَهْبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَنْظُومَتِهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ فَقَالَ
وَمِنْ اعْتِمَارٍ وَافْتَرَضَهُ كِفَايَةً
…
وَأَكَّدُوا وَجَبَ وَالْجَمِيعُ مُقَرَّرٌ
(74)
قَوْلُهُ: وَالْمَنْذُورُ كَالْفَرْضِ. يَعْنِي فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى النِّيَّةِ لِلصِّحَّةِ، وَفِي التَّعْيِينِ وَالتَّشْبِيهِ مَبْنِيٌّ أَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ.
وَفِيهِ كَلَامٌ يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةٍ إلَى فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كِتَابِ الصَّوْمِ.
قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كِتَابِ الصَّوْمِ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ قِيلَ لِمَ كَانَ الْمَنْذُورُ وَاجِبًا مَعَ أَنَّ ثُبُوتَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ عَامٌّ دَخَلَهُ الْخُصُوصُ فَإِنَّهُ خَصَّ مِنْهُ النَّذْرَ بِالْمَعْصِيَةِ، وَبِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ لَوْ كَانَ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَلْزَمْ.
فَصَارَتْ النِّيَّةُ كَالْآيَةِ الْمُؤَوَّلَةِ فَيُفِيدُ الْوُجُوبَ
وَلَوْ نَذَرَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ نَذَرَ الْأُضْحِيَّةَ.
وَالْقَضَاءُ فِي الْكُلِّ كَالْأَدَاءِ مِنْ جِهَةِ أَصْلِ النِّيَّةِ.
76 -
وَأَمَّا الِاعْتِكَافُ فَهِيَ شَرْطُ صِحَّتِهِ وَاجِبًا كَانَ أَوْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا.
77 -
أَمَّا الْكَفَّارَاتُ فَالنِّيَّةُ شَرْطُ صِحَّتِهَا عِتْقًا أَوْ صِيَامًا أَوْ إطْعَامًا.
78 -
وَأَمَّا الضَّحَايَا فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ، لَكِنْ عِنْدَ الشِّرَاءِ لَا عِنْدَ الذَّبْحِ.
وَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِلَا إذْنٍ، فَإِنْ أَخَذَهَا مَذْبُوحَةً وَلَمْ يَضْمَنْهُ أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ ضَمِنَهُ لَا تُجْزِيهِ كَمَا فِي أُضْحِيَّةِ الذَّخِيرَةِ، وَهَذَا إذَا ذَبَحَهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا ذَبَحَهَا عَنْ مَالِكِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. .
وَهَلْ تَتَعَيَّنُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَلَوْ نَذَرَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ إلَخْ.
يَعْنِي لِعَدَمِ صِحَّةِ النَّذْرِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَنْذُورُ وَاجِبًا.
وَفِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ إنْ عَافَانِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَرَضِي هَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ، فَبَرَأَ فَلَزِمَتْهُ حَجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ لِأَنَّ الْحَجَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ وَلَوْ بَرَأَ وَحَجَّ جَازَ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ.
يَعْنِي وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى لِلنَّذْرِ.
وَلَوْ نَوَى غَيْرَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ (انْتَهَى) .
قَوْلُهُ: مِنْ جِهَةِ أَصْلِ النِّيَّةِ وَالتَّعْيِينِ إلَّا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي أَدَائِهِ
(76)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِاعْتِكَافُ إلَخْ.
فِيهِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ لَا يَكُونُ إلَّا سُنَّةً أَوْ نَفْلًا.
فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا إلَّا أَنْ يُرَادَ الْوُجُوبُ بِطَرِيقِ النَّذْرِ لَا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى
(77)
قَوْلُهُ: أَمَّا الْكَفَّارَاتُ إلَخْ.
لَكِنَّ الْكَفَّارَاتِ إذَا كَانَتْ بِالصَّوْمِ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُبَيَّتَةً
(78)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الضَّحَايَا إلَخْ.
قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ قَدْ تَكْفِي النِّيَّةُ عِنْدَ الشِّرَاءِ عَنْ النِّيَّةِ وَقْتَ الذَّبْحِ.
وَكَوْنُهَا شَرْطًا عِنْدَ الشِّرَاءِ مَمْنُوعٌ، لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ مَثَلًا فِي يَوْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَذَبَحَهَا وَنَوَى الْأُضْحِيَّةَ تُجْزِيهِ بِلَا شَكٍّ.
وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا عِنْدَ الذَّبْحِ، لَا عَلَى اشْتِرَاطِهَا عِنْدَ الشِّرَاءِ
الْأُضْحِيَّةُ بِالنِّيَّةِ؟ قَالُوا: إنْ كَانَ فَقِيرًا وَقَدْ اشْتَرَاهَا بِنِيَّتِهَا 79 - تَعَيَّنَتْ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ تَتَعَيَّنْ. 80 -
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ مُطْلَقًا فَيَتَصَدَّقُ بِهَا الْغَنِيُّ بَعْدَ أَيَّامِهَا حَيَّةً. 81 -
وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ. قَالُوا: وَالْهَدَايَا كَالضَّحَايَا
82 -
وَأَمَّا الْعِتْقُ فَعِنْدَنَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَضْعًا بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ وَلَا عِبَادَةَ لَهُ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: تَعَيَّنَتْ إلَخْ.
بِشَرْطِ أَنْ يَتَلَفَّظَ الْفَقِيرُ بِلِسَانٍ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ فَلَا تَتَعَيَّنُ.
(80)
قَوْلُهُ: وَلِلصَّحِيحِ إلَخْ.
قِيلَ لَا يَلْزَمُ إذَا نَوَى بِهِ أَنْ يُضَحِّيَ. وَلَمْ يَتَلَفَّظْ وَقْتَ شِرَائِهَا.
لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَنِيًّا لَا تَجِبُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ فَلَهُ بَيْعُهَا وَإِنْ فَقِيرًا، ذَكَرَ فِي الشَّافِي أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالنِّيَّةِ وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا.
إلَّا أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا.
(81)
قَوْلُهُ: وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا إلَخْ.
كَذَا فِي النُّسَخِ وَقِيلَ: عَلَيْهِ يَتَأَمَّلُ فِي هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ فَإِنَّهُ مُنَافٍ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إذَا هَلَكَتْ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: فَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ الْإِقَامَةُ عَلَى الْغَنِيِّ إذَا هَلَكَتْ لَيْسَ بِوَاجِبَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعَيْنِيِّ وَغَيْرُهُ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ.
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ اللَّامُ فِي لِقَوْلِهِ لَهُ بِمَعْنَى " عَلَى " عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]
(82)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْعِتْقُ.
فَعِنْدَنَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَضْعًا، يَعْنِي وَإِنْ كَانَ قُرْبَةً، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ مَا تَعَبَّدَ بِهِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ، وَالْقُرْبَةُ مَا تَقَرَّبَ بِهِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَهِيَ تُوجَدُ بِدُونِ الْعِبَادَةِ فِي الْقُرْبَةِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ مِنْ الْقُرُبَاتِ
فَإِنْ نَوَى وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ عِبَادَةً مُثَابًا عَلَيْهَا، وَإِنْ أَعْتَقَ بِلَا نِيَّةٍ صَحَّ وَلَا ثَوَابَ لَهُ 84 - إنْ كَانَ صَرِيحًا.
85 -
وَأَمَّا الْكِنَايَاتُ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ النِّيَّةِ 86 - فَإِنْ أَعْتَقَ لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ صَحَّ وَأَثِمَ.
وَإِنْ أَعْتَقَ لِأَجْلِ مَخْلُوقٍ صَحَّ، وَكَانَ مُبَاحًا لَا ثَوَابَ وَلَا إثْمَ. 87 -
وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّصَ الْإِعْتَاقُ لِلصَّنَمِ بِمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ كَافِرًا، أَمَّا الْمُسْلِمُ إذَا أَعْتَقَ لَهُ قَاصِدًا تَعْظِيمَهُ كَفَرَ، كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ لِمَخْلُوقٍ مَكْرُوهًا.
وَالتَّدْبِيرُ وَالْكِنَايَةُ كَالْعِتْقِ.
وَأَمَّا الْجِهَادُ، فَمِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ، 88 - فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ خُلُوصِ النِّيَّةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَإِنْ نَوَى إلَخْ.
أَيْ الْمُعْتِقُ الْمُسْلِمُ وَلَا يَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْكَافِرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ.
(84)
قَوْلُهُ: إنْ كَانَ صَرِيحًا قُيِّدَ فِي قَوْلِهِ صَحَّ.
وَلَوْ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ لَكَانَ أَوْلَى.
وَمِمَّا أُلْحِقَ بِالصَّرِيحِ: وَهَبْت لَك نَفْسَك أَوْ نَفْسُك مِنْك، فَيُعْتَقُ.
قِيلَ أَوْ لَمْ يُقْبَلُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَلَوْ تَلَفَّظَ بِالْعِتْقِ مُهَجِّيًا بِأَنْ قَالَ أَنْتَ حِينَئِذٍ وَكَانَ كِنَايَةً يَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ تَأَمَّلْ
(85)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْكِنَايَةُ أَيْ كِنَايَةُ الْعِتْقِ.
(86)
قَوْلُهُ: وَإِنْ أَعْتَقَ لِلصَّنَمِ إلَخْ وَإِنَّمَا صَحَّ الْإِعْتَاقُ لِوُجُودِ رُكْنِهِ الْمُؤَثِّرِ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ وَصِفَةُ الْقُرْبَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا.
(87)
قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّصَ إلَخْ.
مِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ لِلْمُصَنِّفِ.
قِيلَ لَيْسَ لَفْظُ يَنْبَغِي هُنَا لِلْحَثِّ بَلْ بِمَعْنَى يَجِبُ؛ كَمَا فِي قَوْلِ الْقُدُورِيِّ: وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَلْتَمِسُوا الْهِلَالَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ
(88)
قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ خُلُوصِ النِّيَّةِ، أَيْ النِّيَّةِ الْخَالِصَةِ ظَاهِرَةً فِي حُصُولِ
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَكَالْعِتْقِ إنْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ فَلَهُ الثَّوَابُ، وَإِلَّا فَهِيَ صَحِيحَةٌ فَقَطْ.
وَأَمَّا الْوَقْفُ فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَضْعًا بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ، 90 - فَإِنْ نَوَى الْقُرْبَةَ فَلَهُ الثَّوَابُ، وَإِلَّا فَلَا
91 -
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَقَالُوا إنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعِبَادَاتِ حَتَّى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِمَحْضِ الْعِبَادَةِ، وَهُوَ عِنْدَ الِاعْتِدَالِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ 92 - لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ؛ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ إعْفَافَ نَفْسِهِ وَتُحْصِينَهَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
الثَّوَابِ لَا الصِّحَّةِ، لِأَنَّ الثَّوَابَ بُنِيَ عَلَى وُجُودِ الْعَزِيمَةِ وَهُوَ الْإِخْلَاصُ وَأَمَّا الصِّحَّةُ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِخْلَاصِ، بَلْ عَلَى أَصْلِ النِّيَّةِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّى رِيَاءً صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَكَانَ غَيْرَ مُثَابٍ عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ الْجِهَادُ
(89)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَكَالْعِتْقِ إلَخْ.
يَعْنِي فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى النِّيَّةِ لِحُصُولِ الثَّوَابِ.
قَوْلُهُ: فَإِنْ نَوَى الْقُرْبَةَ يَعْنِي الْوَاقِفُ الْمُسْلِمُ لَا الْكَافِرُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلنِّيَّةِ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا الْإِسْلَامَ
(91)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا النِّكَاحُ.
الْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ هُنَا الْوَطْءُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْعَقْدِ الصَّحِيحِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: حَتَّى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِمَحْضِ الْعِبَادَةِ.
وَقَدْ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ السُّنَنَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى النَّوَافِلِ بِالْإِجْمَاعِ، الثَّانِي أَنَّهُ أَوْعَدَ عَلَى تَرْكِ السَّنَةِ وَلَا وَعِيدَ عَلَى تَرْكِ النَّافِلَةِ، الثَّالِثُ أَنَّهُ فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم وَوَاظَبَ عَلَيْهِ وَثَبَتَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَمْ يَتَخَلَّ عَنْهُ بَلْ كَانَ يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ أَفْضَلَ لَفَعَلَهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَفْضَلِيَّةٌ فِي حَقِّهِ ثَبَتَ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرَائِعِ هُوَ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ سَبَبٌ مُوَصِّلٌ إلَى مَا هُوَ مُفَضَّلٌ عَلَى النَّوَافِلِ، لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِصِيَانَةِ النَّفْسِ عَنْ الْفَاحِشَةِ وَلِصِيَانَةِ نَفْسِهَا عَنْ الْهَلَاكِ بِالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَاللِّبَاسِ وَلِحُصُولِ الْوَلَدِ الْمُوَحِّدِ.
وَأَمَّا مَدْحُهُ يَحْيَى عليه الصلاة والسلام بِكَوْنِهِ سَيِّدًا وَحَصُورًا وَهُوَ مَنْ لَا يَأْتِي النِّسَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ فَهُوَ مِنْ شَرِيعَتِهِمْ لَا فِي شَرِيعَتِنَا.
(92)
قَوْلُهُ: لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ يَعْنِي لَا لِلصِّحَّةِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ قَرِيبًا لِأَنَّهُ لَيْسَ
وَحُصُولَ وَلَدٍ.
وَفَسَّرْنَا الِاعْتِدَالَ 93 - فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ شَرْحِ الْكَنْزِ، لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ فِيهِ شَرْطُ صِحَّتِهِ،
قَالُوا: يَصِحُّ النِّكَاحُ مَعَ الْهَزْلِ، لَكِنْ 94 - قَالُوا حَتَّى لَوْ عَقَدَ بِلَفْظٍ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ فَفِيهِ خِلَافٌ.
وَالْفَتْوَى عَلَى صِحَّتِهِ، 95 - عَلِمَ الشُّهُودُ أَوْ لَا، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. 96 -
وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْقُرُبِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ، بِمَعْنَى تَوَقُّفِ حُصُولِ الثَّوَابِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَشْرِ الْعِلْمِ تَعْلِيمًا وَإِفْتَاءً وَتَصْنِيفًا.
ــ
[غمز عيون البصائر]
عِبَادَةً بَلْ قَرِيبًا مِنْهَا وَإِنَّمَا يَصِيرُ عِبَادَةً بِالنِّيَّةِ (93)
قَوْلُهُ: فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ إلَخْ.
وَصَفَ الشَّرْحَ بِكَوْنِهِ كَبِيرًا لِلْكَشْفِ وَبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلِاحْتِرَازِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرْحٌ صَغِيرٌ وَعِبَارَتُهُ فِي الشَّرْحِ الَّتِي أَحَالَ عَلَيْهَا نَصَّهَا حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَالْمُرَادُ بِهِ حَالَةُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَطْءِ وَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ مِنْ الزِّنَا وَالْجَوْرِ وَتَرْكِ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ.
فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَوْ خَافَ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ فَلَيْسَ مُعْتَدِلًا فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً فِي حَقِّهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَدَائِعِ.
(94)
قَوْلُهُ: قَالُوا: لَوْ عَقَدَ بِلَفْظٍ إلَخْ.
أَقُولُ: هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَهْمَ الشَّاهِدَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ.
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ شَرْطٌ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُمَا مَعًا مَعَ الْفَهْمِ.
(95)
قَوْلُهُ: عَلِمَ الشُّهُودُ أَوْ لَا إلَخْ.
أَقُولُ: فِيهِ إيذَانٌ بِأَنَّ فَهْمَ الشَّاهِدَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ: يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ وَالْفَهْمُ وَهُوَ الصَّحِيحُ (انْتَهَى) .
فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي ذَلِكَ.
(96)
قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْقُرَبِ إلَخْ: أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِتَحْصِيلِ ثَوَابِ بَاقِي الْقُرَبِ، الْقُرَبُ جَمْعُ قُرْبَةٍ وَهِيَ مَا كَانَ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ رَجَاءَ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ الْقُرْبَةُ مَا يَصِيرُ بِهِ الْمُتَقَرِّبُ مَثُوبًا وَقِيلَ هِيَ الطَّاعَةُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ طَاعَةً وَلَا يَكُونُ قُرْبَةً، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقُرْبَةِ
وَأَمَّا الْقَضَاءُ، فَقَالُوا إنَّهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ، فَالثَّوَابُ عَلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا
98 -
وَكَذَلِكَ إقَامَةُ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ، وَكُلِّ مَا يَتَعَاطَاهُ الْحُكَّامُ وَالْوُلَاةُ، وَكَذَا تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا
99 -
وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ صِفَتُهَا بِاعْتِبَارِ مَا قُصِدَتْ لِأَجْلِهِ.
فَإِذَا قُصِدَ بِهَا التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَاتِ أَوْ التَّوَصُّلُ إلَيْهَا كَانَتْ عِبَادَةً، كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَاكْتِسَابِ الْمَالِ وَالْوَطْءِ
وَأَمَّا
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْعِلْمَ بِالْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ، فَمُحَالٌ وُجُودُ الْقُرْبَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْمَعْبُودِ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ الْمُؤَدِّيَيْنِ إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى. فَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي إطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ. فَكُلُّ قُرْبَةٍ طَاعَةٌ وَلَا تَنْعَكِسُ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَاجِبَةٌ وَطَاعَةٌ وَلَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ.
كَذَا فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ.
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا أَنَّ الطَّاعَةَ فِعْلُ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ نِيَّةٌ أَوْ لَا عَرَفَ مَا يَفْعَلُهُ لِأَجْلِهِ أَوْ لَا. وَالْقُرْبَةُ فِعْلُ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى نِيَّةٍ.
وَالْعِبَادَةُ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَمَا يُتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ فَنَحْوُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ مِنْ كُلِّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ وَعِبَادَةٌ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَالْوَقْفُ وَالْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ لَا عِبَادَةٌ.
وَالنَّظَرُ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى طَاعَةٌ لَا قِرْبَةٌ وَلَا عِبَادَةٌ (انْتَهَى) .
وَقَوَاعِدُ مَذْهَبِنَا لَا تَأْبَاهُ
(97)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَقَالُوا إنَّهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالْقَضَاءُ بِالْحَقِّ مِنْ أَقْوَى الْفَرَائِضِ وَأَشْرَفِ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، أَمَرَ اللَّهُ بِهِ كُلَّ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ
(98)
قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إقَامَةُ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ إلَخْ: يَعْنِي الثَّوَابَ عَلَيْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ كَالْقَضَاءِ
(99)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ إلَخْ أَقُولُ: حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ إلَّا إذَا أُرِيدَ الثَّوَابُ عَلَيْهَا فَتَفْتَقِرُ إلَيْهَا وَأَمَّا الْمَسْنُونَاتُ وَالْمَنْدُوبَاتُ فَتَفْتَقِرُ إلَيْهَا فِي إيقَاعِهَا طَاعَةً لِيُثَابَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْوَاجِبَاتُ فَمَا كَانَ مِنْهَا عِبَادَةً يَفْتَقِرُ إلَيْهَا وَمَا لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا، كَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا وَمِنْ سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ إيصَالُ النَّفْعِ إلَى الْآدَمِيِّ
الْمُعَامَلَاتُ فَأَنْوَاعٌ: فَالْبَيْعُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا، وَكَذَا الْإِقَالَةُ وَالْإِجَارَةُ، لَكِنْ قَالُوا: إنْ عَقَدَ بِمُضَارِعٍ لَمْ يُصَدَّرْ بِسَوْفَ أَوْ السِّينِ تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ 100 - فَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِيجَابَ لِلْحَالِ كَانَ بَيْعًا، 101 - وَإِلَّا لَا.
بِخِلَافِ صِيغَةِ الْمَاضِي فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ،
102 -
وَأَمَّا الْمُضَارِعُ الْمُتَمَحِّضُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ كَالْأَمْرِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِيجَابَ لِلْحَالِ كَانَ بَيْعًا فِي الْكِفَايَةِ نَقْلًا عَنْ الطَّحَاوِيِّ إذَا قَالَ أَبِيعُ مِنْك أَوْ أَشْتَرِي مِنْك وَأَرَادَ الْحَالَ يَصِحُّ الْبَيْعُ، هُوَ الصَّحِيحُ (انْتَهَى) .
فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا تَرَكَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله بَيَانَهُ، فَإِنْ قُلْتَ النِّيَّةُ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلَاتِ لَا فِي الْمَوْضُوعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْفِعْلُ الْمُضَارِعُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ عَلَى مَا عُرِفَ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْأَثَرُ وَهُوَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اُسْتُعْمِلَ فِيهِ لَفْظُ الْمَاضِي الَّذِي يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ وُجُودِهِ فَكَانَ الِانْعِقَادُ مُفْتَقِرًا إلَيْهِ.
وَلِأَنَّ لَفْظَ الْمُضَارِعِ إنْ كَانَ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ كَانَ عِدَةً لَا بَيْعًا وَإِنْ كَانَ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي كَانَ مُسَاوَمَةً.
لَا يُقَالُ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ، لَكِنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا هِيَ لِدَفْعِ الْمُحْتَمَلِ وَهُوَ الْعِدَةُ لَا الْإِرَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ أَنَّ الْمَجَازَ يَحْتَاجُ إلَى مَا يَنْفِي إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ لَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ تَحْتَاجُ إلَى مَا يَنْفِي إرَادَةَ الْمَجَازِ عَلَى أَنَّهُ دَافِعٌ لِلْمَعْقُولِ دُونَ الْأَثَرِ فَإِنْ قِيلَ مَا وَجْهُ مَا نُقِلَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُضَارِعَ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ فِي غَيْرِ الْبُيُوعِ وَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِيهَا هُوَ لَفْظُ الْمَاضِي، وَالْمُضَارِعُ فِيهَا مَجَازٌ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ.
فَعَلَى هَذَا ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله وَفِي الْقُنْيَةِ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلُ الْبَلَدِ يَسْتَعْمِلُونَ الْمُضَارِعَ لِلْحَالِ لَا لِلْوَعْدِ وَالِاسْتِقْبَالِ فَإِنْ كَانَ كَأَهْلِ خَوَارِزْمَ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا.
(101)
قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا.
أَيْ وَأَنْ لَا يُنْوَى بِهِ الْحَالُ بِأَنْ نَوَى الِاسْتِقْبَالَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَا يَصِحُّ
(102)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُضَارِعُ الْمُتَمَحِّضُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ كَالْأَمْرِ إلَخْ.
مِثْلُ سَأَبِيعُك أَوْ سَوْفَ أَبِيعُك.
وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا تَمَحَّضَ لِلْحَالِ " كَأَبِيعُكَ " الْآنَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ.
وَلَا بِالنِّيَّةِ.
وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ.
وَقَالُوا لَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ لِعَدَمِ الرِّضَى بِحُكْمِهِ مَعَهُ.
104 -
وَأَمَّا الْهِبَةُ، فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ.
قَالُوا لَوْ وَهَبَ مُمَازِحًا صَحَّتْ، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَكِنْ لَوْ لُقِّنَ الْهِبَةَ وَلَمْ يَعْرِفْهَا لَمْ تَصِحَّ، لَا لِأَجْلِ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطُهَا،
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَلَا بِالنِّيَّةِ.
أَيْ نِيَّةِ الْحَالِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَصِحُّ نِيَّةُ الْحَالِ وَهُوَ مُخَالِفٌ، لِمَا يُفْهَمُ مِنْ التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا إذَا كَانَا بِلَفْظَيْنِ يُعَبِّرُ بِهِمَا عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، إمَّا عَلَى سَبِيلِ الْأَمْرِ أَوْ الْخَبَرِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْحَالِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ؛ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ اشْتَرِ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت (انْتَهَى) .
وَقَدْ أَفْهَمَ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْحَالِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْأَمْرِ إذَا نَوَى الْحَالَ.
وَفِي النَّهْرِ: أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ إلَّا إذَا دَلَّ عَلَى الْمَاضِي: كَخُذْهُ بِكَذَا فَقَالَ أَخَذْته.
فَإِنَّهُ كَالْمَاضِي.
إلَّا أَنَّ اسْتِدْعَاءَ الْمَاضِي الْبَيْعَ بِالْوَضْعِ وَهَذَا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ
(104)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْهِبَةُ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ.
قَالُوا لَوْ وَهَبَ مَازِحًا لَصَحَّتْ.
كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
قِيلَ لَيْسَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا ذَكَرَ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ قَالَ هَبْ لِي عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ، فَوَهَبَ.
وَقِيلَ: وَسَلَّمَ جَازَ إذْ الْمِزَاحُ إنَّمَا وَقَعَ فِي طَلَبِ الْهِبَةِ ثُمَّ وَقَعَتْ هِيَ بِلَا مِزَاحٍ ظَاهِرٍ، أَوْ مُسْتَجْمِعَةٍ لِشَرَائِطِهَا؛ وَالظَّاهِرُ يَكْفِي فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ بَلْ لَوْ صَدَّقَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا تَصِحُّ.
فَتَأَمَّلْ.
ثُمَّ إنَّ الْمُؤَلِّفَ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ كَمَا هُنَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِيهِ: أَطْلَقَهَا، أَيْ الْهِبَةَ، فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ فَإِنَّ الْهِبَةَ صَحِيحَةٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَاعْتَرَضَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ الرَّمْزِ شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا يُفِيدُ دَعْوَاهُ إلَخْ.
إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ طَلَبَ الْهِبَةَ مَزْحًا لَا جِدًّا فَوَهَبَهُ جِدًّا وَسَلَّمَهُ صَحَّتْ الْهِبَةُ.
لِأَنَّ الْوَاهِبَ غَيْرُ مَازِحٍ، وَقَدْ قَبِلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبُولًا صَحِيحًا.
وَقَدْ وَقَعَ لِلْمُؤَلِّفِ مِثْلُ هَذَا فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ.
وَأَزَلْنَا هَذَا الِاشْتِبَاهَ فِي حَاشِيَته.
لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ مَا يُؤَيِّدُ مَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ حِكَايَةَ الشَّيْخِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، لَمَّا مَرَّ بِقَوْمٍ يَضْرِبُونَ الطُّنْبُورَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ هَبُوهُ مِنِّي حَتَّى تَرَوْا كَيْفَ أَضْرِبُ فَدَفَعُوهُ إلَيْهِ فَضَرَبَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَكَسَرَهُ وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ كَيْفَ أَضْرِبُ؟ قَالُوا: أَيُّهَا الشَّيْخُ خَدَعْتَنَا.
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ
وَإِنَّمَا هُوَ لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَهُوَ الرِّضَى.
وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهَا لَمْ تَصِحَّ،
106 -
بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ فَإِنَّهُمَا يَقَعَانِ بِالتَّلْقِينِ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهُمَا، لِأَنَّ الرِّضَى لَيْسَ شَرْطَهُمَا وَلِذَا 107 - لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِمَا يَقَعَانِ.
وَأَمَّا الطَّلَاقُ، فَصَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي كَسْرِ الْمَلَاهِي، أَنَّهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَهَذَا دَلِيلُ مَا مَرَّ أَنَّ هِبَةَ الْمَازِحِ جَائِزَةٌ (انْتَهَى) .
قِيلَ وَفِيهِ بَحْثٌ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُمْ مَزَحُوا بِالْهِبَةِ بَلْ ظَاهِرُ طَلَبِهِ الْهِبَةُ الْجَدِّيَّةُ فَأَجَابُوهُ بِهَا.
غَايَتُهُ أَنَّهُ وَعَدَهُمْ أَنْ يَضْرِبَ وَأَرَادَ الْكَسْرَ وَأَفْهَمهُمْ أَنَّهُ أَرَادَ مِثْلَ ضَرْبِهِمْ فَلَمَّا وَهَبُوهُ وَمَلَك تَصَرَّفَ بِمَا أَرَادَ مِنْ ضَرْبِهَا عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ إمَامٌ جَلِيلُ الْقَدْرِ فِي الزُّهْدِ وَالْعِلْمِ، لَهُ فِي ذَلِكَ مُؤَلَّفَاتٌ مَا يُظَنُّ بِهِ الِاكْتِفَاءُ بِالْمِزَاحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم.
وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْهِبَةَ جِدِّيَّةٌ قَوْلُ صَاحِبِ الْخِزَانَةِ فِيهَا: جَازَتْ الْهِبَةُ لِاسْتِجْمَاعِ الشَّرَائِطِ.
وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ دَلِيلَ الْهِبَةِ الْمَقَامَ هِيَ هِبَةُ الْمُلَاهِي لِلْمَشْهُورِ بِالْعِلْمِ وَالزُّهْدِ كَمَا ذَكَرَتْ غَيْرُ مُنَاسَبَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ مَزْحًا وَنَقْلُهُ عَنْ الْخِزَانَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعِي إذْ الْمُرَادُ بِالشَّرَائِطِ التَّكْلِيفُ (105)
قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ لِفَقْدِ شَرْطِهَا.
قِيلَ: فِيهِ أَنَّ الْهِبَةَ مَعَ الْهَزْلِ تَصِحُّ وَرَضِيَ مَعَهُ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ مَعَ الْهَزْلِ بِعَدَمِ الرِّضَى مَعَهُ وَهَذَا تَدَافُعٌ
(106)
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُمَا يَقَعَانِ إلَخْ.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَقَّنَهُ الطَّلَاقَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ الْعَتَاقَ أَوْ التَّدْبِيرَ أَوْ لَقَّنَهَا الزَّوْجُ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ.
قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: لَا تَقَعُ دِيَانَةً وَقَالَ مَشَايِخُ أُوزْجَنْدَ لَا تَقَعُ أَصْلًا صِيَانَةً لِأَمْلَاكِ النَّاسِ عَنْ الْإِبْطَالِ بِالتَّلْبِيسِ.
وَكَمَا لَوْ بَاعَ وَاشْتَرَى بِالْعَرَبِيِّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ.
وَالْبَعْضُ فَرَّقُوا بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْهِبَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لِلرِّضَى أَثَرًا فِي وُجُودِ الْبَيْعِ لَا الطَّلَاقِ وَالْهِبَةِ وَتَمَامُهَا بِالْقَبْضِ.
وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَكَذَا لَوْ لُقِّنَتْ الْخُلْعَ، وَهِيَ لَا تَعْلَمُ.
وَقِيلَ: يَصِحُّ الْخُلْعُ بِقَبُولِهَا.
وَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرْنَا (انْتَهَى) .
فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلَّفُ.
(107)
قَوْلُهُ: وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِمَا يَقَعَانِ.
أَقُولُ: الْمُرَادُ الْإِكْرَاهُ عَلَى إنْشَاءِ لَفْظِ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ لِمَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: الطَّلَاقُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَالْعَتَاقُ وَالْيَمِينُ» وَلَا يَصِيرُ بِهَذَا الطَّلَاقُ
فَلَا تَرِثُ مِنْهُ.
كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ لَا يَقَعُ قَضَاءً وَدِيَانَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ هَازِلًا أَوْ كَاذِبًا حَيْثُ يَقَعُ قَضَاءً إلَّا إذَا أُشْهِدَ قَبْلَ ذَلِكَ، لِزَوَالِ التُّهْمَةِ بِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَقَيَّدَهُ الْبَزَّازِيُّ بِالْمَظْلُومِ.
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى كِتَابَةٍ فَكَتَبَ: فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانَةِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ.
وَعَلَّلَهُ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْعِبَارَةِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ.
هُنَا وَحَصَرَ بَعْضُهُمْ مَا يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ فِي عَشَرَةٍ فَقَالَ:
يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِتْقٌ وَرَجْعَةُ
…
نِكَاحٍ وَإِيلَاءُ طَلَاقِ مُفَارِقٍ
وَفَيْءِ ظِهَارٍ وَالْيَمِينِ وَنَذْرِهِ
…
وَعَفْوٍ لِقَتْلِ شَابٍّ مِنْهُ مُفَارِقِي
وَحَصَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْخِزَانَةِ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَيْءَ، فَصَارَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ وَزَادَ الْمُصَنِّفُ فِي بَحْرِهِ الْإِكْرَاهَ عَلَى قَبُولِ الْوَدِيعَةِ.
قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: أُكْرِهَ عَلَى قَبُولِ الْوَدِيعَةِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ فَلِمُسْتَحِقِّهَا تَضْمِينُ الْمُودَعِ إنْ كَانَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَهِيَ عِشْرُونَ نَظَمَهَا أَخُو الْمُصَنِّفِ فِي أَبْيَاتٍ ذَكَرَهَا فِي النَّهْرِ فَقَالَ:
طَلَاقٌ وَإِيلَاءٌ ظِهَارٌ وَرَجْعَةٌ
…
نِكَاحٌ مَعَ اسْتِيلَادٍ عَفْوٌ عَنْ الْعَمْدِ
رَضَاعٌ وَأَيْمَانٌ وَفَيْءٌ وَنَذْرُهُ
…
قَبُولُ الْإِيدَاعِ كَذَا الصُّلْحُ عَنْ عَمْدِ
طَلَاقٌ عَلَى جُعْلٍ يَمِينٌ بِهِ أَتَتْ
…
كَذَا الْعِتْقُ وَالْإِسْلَامُ تَدْبِيرٌ لِلْعَبْدِ
وَإِيجَابٌ إحْسَانٌ وَعِتْقٌ فَهَذِهِ
…
تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِشْرُونَ فِي عَدِّ
ثُمَّ قَالَ: ظَهَرَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ لَا بِالْفَتْحِ، فَلَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ فِي شَيْءٍ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ: أُكْرِهَ بِالْحَبْسِ عَلَى إيدَاعِ مَالِهِ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ وَأُكْرِهَ الْمُودَعُ أَيْضًا عَلَى قَبُولِهِ فَضَاعَ.
لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْقَابِضِ، لِأَنَّهُ مَا قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَأَلْقَته فِي حِجْرِهِ فَأَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ لَا يُضْمَنُ (انْتَهَى) .
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ: وَجَدْنَا نُسْخَةً صَحِيحَةً مِنْ الْقُنْيَةِ بِكَسْرِ الدَّالِ.
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذِهِ شَخْصٌ أَوْدَعَ عِنْدَهُ رَجُلٌ شَيْئًا مُكْرَهًا عَلَى قَبُولِهِ فَاسْتَحَقَّهُ آخَرُ، فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْمُودِعَ الْمُكْرِهَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَالرَّاءِ، فَانْحَزَمَ الْحِسَابُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
أَقُولُ: قَالَ فِي الْمُحِيطِ: مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالسَّرِقَةِ مُكْرَهًا (انْتَهَى) .
وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْعَلَّامَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ كِتَابِ الْإِكْرَاهِ: يَصِحُّ إقْرَارُهَا بِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ مُكْرَهَةً.
إنْ أُكْرِهَتْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالضَّرْبِ، عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَصَارَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً
فَالْأَوَّلُ لَا يَحْتَاجُ فِي وُقُوعِهِ إلَيْهَا؛ فَلَوْ طَلَّقَ 109 - غَافِلًا أَوْ سَاهِيًا
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ لَا يَحْتَاجُ فِي وُقُوعِهِ عَلَيْهَا إلَيْهَا.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ.
أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَيَحْتَاجُ لَكِنَّ وُقُوعَهُ فِي الْقَضَاءِ بِلَا نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْصِدَهَا بِالْخِطَابِ، بِدَلِيلِ مَا قَالُوا: لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ وَيَقُول أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ، لَا تَطْلُقُ.
وَفِي مُتَعَلِّمٍ يَكْتُبُ نَاقِلًا كِتَابَ رَجُلٍ. قَالَ: ثُمَّ يَقِفُ وَيَكْتُبُ امْرَأَتِي طَالِقٌ.
وَكَمَا كَتَبَ قَرَنَ الْكِتَابَةَ بِالتَّلَفُّظِ بِقَصْدِ الْحِكَايَةِ، لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ.
وَفِي الْقُنْيَةِ امْرَأَةٌ كَتَبَتْ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اقْرَأْ عَلَيَّ هَذَا، فَقَرَأَ لَا تَطْلُقُ.
وَمَا فِي الْفَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ بِالْخِطَابِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَالَمًا بِمَعْنَاهُ أَوْ النِّيَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ فُرُوعٌ.
وَذَكَرَ مَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ.
لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْوُقُوعِ قَضَاءً فِيمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِلْوُقُوعِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فَكَذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُقُوعَ قَضَاءً فِيمَا لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَتِهَا.
وَفِي الْمُتَعَلِّمِ: فَالْحَقُّ مَا اقْتَصَرْنَا عَلَيْهِ (انْتَهَى كَلَامُهُ) .
قِيلَ وَهَذَا وَهْمٌ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ شَرْطُ الْوُقُوعِ قَضَاءً وَدِيَانَةً فَخَرَجَ مَا لَا يَقَعُ فِيهِ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً.
كَمَنْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ وَمَا يَقَعُ فِيهِ قَضَاءً فَقَطْ كَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ.
وَبِهِ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ فِيهِ دِيَانَةً كَمَا أَفْصَحَ بِهِ ابْنُ الْهُمَامِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ، حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ يُشِيرُ إلَيْهِ، أَيْ إلَى الْوُقُوعِ قَضَاءً فَقَطْ.
أَقُول: فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا لَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يَدِينُ (انْتَهَى) .
يَعْنِي لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ: أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْقَضَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ خِطَابَهَا الظُّهُورُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالْخِطَابِ لَمْ يَقْصِدْهُ خِطَابَهَا.
(109)
قَوْلُهُ: غَافِلًا أَوْ سَاهِيًا.
الْغَفْلَةُ سَهْوٌ يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ مِنْ قِلَّةِ التَّحَفُّظِ وَالتَّيَقُّظِ كَمَا فِي عُمْدَةِ الْحُفَّاظِ فِي تَفْسِيرِ أَشْرَفِ الْأَلْفَاظِ، لِلْعَلَّامَةِ الشِّهَابِ السَّمِينِ؛ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ السَّهْوَ مُرَادِفٌ لِلْغَفْلَةِ وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ عَطْفُهُ بِأَوْ.
وَفِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ أَنَّ النِّسْيَانَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ التَّرْكِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النِّسْيَانُ تَرْكُ الْإِنْسَانِ ضَبْطَ مَا اسْتَوْدَعَ عَلَى حِفْظِهِ إمَّا لِضَعْفِ قَلْبِهِ وَإِمَّا عَنْ غَفْلَةٍ وَإِمَّا عَنْ قَصْدٍ، حَتَّى يَنْحَذِفَ عَنْ قَلْبِهِ ذِكْرُهُ (انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ النِّسْيَانَ غَيْرُ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ.
أَوْ مُخْطِئًا وَقَعَ، 111 - حَتَّى قَالُوا.
إنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ قَضَاءً، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَهَا بِاللَّفْظِ.
قَالُوا لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَتِهَا وَيَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ يَقَعْ وَلَوْ كَتَبْت امْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَتْ لَهُ اقْرَأْ عَلَيَّ فَقَرَأَ عَلَيْهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا 112 - لِعَدَمِ قَصْدِهَا بِاللَّفْظِ. 113 -
وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ: إنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: أَوْ مُخْطِئًا.
وَقَعَ شَرْحُ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِ: إنَّمَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُخْطِئِ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ، لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ الدَّالِ، وَهُوَ أَهْلِيَّةُ الْقَصْدِ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ فَإِنْ قِيلَ: عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ طَلَاقُ النَّائِمِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ النَّوْمَ يُنَافِي أَصْلَ الْعَمَلِ بِالْعَقْلِ لِأَنَّ النَّوْمَ مَانِعٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ نُورِ الْعَقْلِ فَكَانَتْ أَهْلِيَّةُ الْقَصْدِ مَعْدُومَةً بِيَقِينٍ، فَافْهَمْ.
(111)
قَوْلُهُ: حَتَّى قَالُوا إنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ قَضَاءً.
الْأَلْفَاظُ الْمُصَحَّفَةُ خَمْسٌ: تَلَاقٌ وَتَلَاغٌ وَطَلَاغٌ وَتَلَاكٌ وَطَلَاكٌ فَيَقَعُ قَضَاءً، وَلَا يَصْدُقُ إلَّا إذَا أُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ التَّكَلُّمِ، بِأَنْ قَالَ: امْرَأَتِي قَبِلَتْ مِنِّي الطَّلَاقَ وَأَنَا لَا أُطَلِّقُ فَأَقُولُ هَذَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
كَذَا فِي الْبَحْرِ.
وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ يَشْتَمِلُ مَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَلْثَغَ وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الْحِيَلِ وَالتَّعْرِيضِ فِي الْخَلْفِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَارِقٌ. وَأَدْغَمَ الرَّاءَ وَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا يَفْهَمَ ذَلِكَ مَنْ يَسْمَعُ خَلْفَهُ، لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ شَيْءٌ فَلَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ طَارِقًا لَيْسَ بِطَالِقٍ (انْتَهَى) .
وَفِيهِ تَأَمَّلْ.
(112)
قَوْلُهُ: لِعَدَمِ قَصْدِهَا قِيلَ صَوَابُهُ.
قَصْدِهِ لِأَنَّ قَصْدَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ قَصْدِهَا مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْمَفْعُولِ لَا الْفَاعِلِ كَمَا فَهِمَ الْمُصَنِّفُ.
(113)
قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ أَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ قِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ فِي الصَّرِيحِ مَعَ ظُهُورِ الْمُرَادِ بِهِ، حَتَّى يَخْرُجَ مَا لَوْ كَانَ يُكَرِّرُ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَتِهَا كَمَا مَرَّ
وَقَالُوا: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ؛ نَاوِيًا الطَّلَاقَ مِنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ دِيَانَةً وَوَقَعَ قَضَاءً، وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ طَلَاقَ الْمُخْطِئِ وَاقِعٌ قَضَاءً لَا دِيَانَةً، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا قَضَاءً وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا دِيَانَةً، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا هَازِلًا يَقَعُ قَضَاءً وَدِيَانَةً، 115 - لِأَنَّ الشَّارِعَ، جَعَلَ هَزْلَهُ بِهِ جِدًّا.
وَقَالُوا 116 - لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَا نِيَّةُ الْبَائِنِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَقَالُوا: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نَاوِيًا الطَّلَاقَ مِنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ دِيَانَةً وَلَوْ نَوَى عَنْ الْعَمَلِ لَمْ يَصْدُقْ أَصْلًا، وَعَنْهُ صَدَقَ دِيَانَةً كَمَا فِي التُّحْفَةِ.
وَلَوْ نَوَى الْإِخْبَارَ كَذِبًا لَمْ يَصْدُقْ قَضَاءً، كَمَا فِي الْمَشَارِعِ.
كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقُهُسْتَانِيِّ وَالْوَثَاقُ بِفَتْحِ الْوَاو وَكَسَرَهَا الْقَيْدُ.
وَمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تَبَعًا لِبَعْضِهِمْ قَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ بِمَا إذَا لَمْ يُقْرِنْهُ بِالثَّلَاثِ أَمَّا لَوْ قَرَنَهُ لَمْ يَصْدُقْ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُ الْقَيْدِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَانْصَرَفَ إلَى قَيْدِ النِّكَاحِ كَيْ لَا يَلْغُوَ (انْتَهَى) .
وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ اتِّحَادَ الْحُكْمِ فِيمَا لَوْ قَالَ مَرَّتَيْنِ.
(115)
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ هَزْلَهُ جِدًّا قَالَ عليه الصلاة والسلام «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ»
(116)
قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إلَخْ.
أَقُولُ: حَقُّ الْعِبَارَةِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْبَائِنِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، بَلْ يَقَعُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ الْإِبَانَةِ قَصَدَ تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
فَيُرَدُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ وَاحِدَةً لَا أَكْثَرَ، لِأَنَّهُ لَفْظٌ فَرْدٌ حَتَّى قِيلَ لِلْمَثْنَى طَالِقَانِ وَلِلثَّلَاثِ طَوَالِقُ فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ.
وَذِكْرُ الطَّالِقِ ذِكْرَ الطَّلَاقِ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ.
لَا الطَّلَاقُ هُوَ تَطْلِيقٌ وَالْعَدَدُ الَّذِي يَقْتَرِنُ بِهِ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا كَقَوْلِك أَعْطَيْته جَزِيلًا.
كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَنَّ ذِكْرَ طَالِقٍ ذَكَرَ الطَّلَاقِ، هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ مَا بَيَّنَهُ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيِّ فِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ طَالِقٌ لُغَةً، صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَدِّدٍ فِي ذَاتِهِ بَلْ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ مَلْزُومِهِ أَعْنِي التَّطْلِيقَ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الرَّجُلِ.
وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِي الْمَصْدَرِ؛ أَنْتِ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةً، 118 - وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَهُوَ هُنَا غَيْرُ ثَابِتٍ لُغَةً بَلْ اقْتِضَاءً؛ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ فِيمَا تُبْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْوَجْهُ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ.
وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ ذِكْرَ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ لُغَةً.
كَذَلِكَ ذِكْرُ الْعَالِمِ ذِكْرٌ لِلْعِلْمِ.
فَقَالَ ذِكْرُ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ، لَا لِلطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ تَطْلِيقٌ (انْتَهَى) .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَتَضَمَّنُ مَصْدَرًا هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ.
وَغَيْرُ مُتَعَدِّدٍ لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ مَلْزُومِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الرَّجُلِ، أَعْنِي التَّطْلِيقَ فَيَكُونُ ثَابِتًا اقْتِضَاءً، فَلَا يَعُمُّ إذْ لَا عُمُومَ لِلْمُقْتَضَى عِنْدَنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْوَحْدَةُ الِاعْتِبَارِيَّةُ كَمَا يُرَادُ مِنْ الصَّرِيحِ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ بِأَنْ يُرَادَ مَجْمُوعُ أَفْرَادِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَجْمُوعٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ وَالْمَجَازُ صِفَةُ اللَّفْظِ وَالْمُقْتَضَى لَيْسَ بِلَفْظٍ.
هَذَا مُرَادُ الْعَلَّامَةِ التَّفْتَازَانِيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ
(117)
قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِي أَنْتِ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ حَيْثُ يُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ كَانَ الْغَالِبُ إرَادَةُ الِاسْمِ بِهِ، كَرَجُلٍ عَدْلٍ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ صَرِيحًا فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ أَنْتِ ذَاتُ طَلَاقٍ، أَوْ أَنَّهُ جَعَلَهَا عَنْيَهُ ادِّعَاءَ مُبَالَغَةٍ وَبِتَقْدِيرِهَا تَصِحُّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ.
وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ مِنْ أَنَّهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الِاسْمُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَصْدَرًا لِأَنَّ الْإِرَادَةَ بِاللَّفْظِ لَيْسَتْ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ إلَّا مَا تَصْلُحُ إرَادَتُهُ مَعَهُ فَكَيْفَ يُرَادُ بِهِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ.
كَذَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا.
هَذَا وَنِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ الثِّنْتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ.
وَأَلْفَاظُ الْوُحْدَانِ لَا يُرَاعَى فِيهَا الْعَدَدُ الْمَحْضُ بَلْ التَّوْحِيدُ وَهُوَ بِالْفَرْدِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ الْجِنْسِيَّةِ وَالْمَثْنَى بِمَعْزِلٍ عَنْهُمَا.
(118)
قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ.
قِيلَ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَاحِدَةً وَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً قَبْلَ ذَلِكَ يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ فَرْدٌ حَقِيقَةً وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ
وَأَمَّا كِنَايَاتُهُ 120 - فَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَةِ دِيَانَةً، سَوَاءً كَانَ مَعَهَا مُذَاكَرَةُ الطَّلَاقِ أَوْ لَا.
وَالْمُذَاكَرَةُ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ فِي الْقَضَاءِ 121 - إلَّا فِي لَفْظِ الْحَرَامِ، فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَيَنْصَرِفُ إلَى الطَّلَاقِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مِنْ قَوْمٍ يُرِيدُونَ بِالْحَرَامِ الطَّلَاقَ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَأَمَّا كِنَايَاتُهُ.
الْكِنَايَةُ لُغَةً شَيْءٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ يُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ وَشَرِيعَةً مَا اُعْتُبِرَ فِي نَفْسِهِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْمَجَازِيُّ؛ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ الْمَهْجُورَةَ كِنَايَةٌ كَالْمَجَازِ غَيْرِ الْغَالِبِ الِاسْتِعْمَالِ.
وَكِنَايَةُ الطَّلَاقِ مَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فَيَسْتَتِرُ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي نَفْسِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْكِنَايَةِ هُنَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَيَانِيُّونَ مِمَّا اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ لِيَنْتَقِلَ بِقَرِينَتِهِ إلَى مَلْزُومِهِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ، فَإِنَّ الْبَائِنَ مَثَلًا مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ لِيَنْتَقِلَ بِقَرِينَتِهِ إلَى مَلْزُومِهِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ فَتَطْلُقُ بِصِفَةِ الْبَيْنُونَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
وَرَدَّ بِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا فِي الْوَاقِعِ فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِصِفَةِ الْبَيْنُونَةِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ لَكِنْ بِمُلَاحَظَةِ لَازِمِهِ فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُكَنَّى عَنْهُ طُولُ الْقَامَةِ إذَا لُوحِظَ اتِّصَافَةٌ بِطُولِ النِّجَادِ.
وَلَوْ فَرَضْنَا عَلَى أَنَّ الْبَائِنَ إنَّمَا يَكُونُ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ الْمَلْزُومِ لِلْبَيْنُونَةِ لَا عَنْ مُطْلَقِ الطَّلَاقِ فَيَسْتَلْزِمُ الْبَيْنُونَةَ لِاسْتِتْبَاعِهِ لَهَا، فَثَبَتَ الطَّلَاقُ بِصِفَةِ الْبَيْنُونَةِ.
(120)
قَوْلُهُ: فَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ إلَخْ.
فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَقَعُ لِاحْتِمَالِهِ غَيْرَ الطَّلَاقِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي تَرْكِهِ النِّيَّةَ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقُهُسْتَانِيِّ وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ دِيَانَةً لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ قَضَاءً وَإِنَّمَا نَوَى وَفِيهِ نَظَرٌ.
(121)
قَوْلُهُ: إلَّا فِي لَفْظِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّرِيحِ فَيَقَعَ رَجْعِيًّا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ إنَّمَا هُوَ إيقَاعُ الْبَائِنِ بِهِ لَا الرَّجْعِيِّ، وَالْجَوَابُ مُتَهَافِتٌ.
هَذَا، وَلَوْ قَالَ وَهَبْتُكِ طَلَاقَكِ وَقَعَ قَضَاءً بِلَا نِيَّتِهِ.
وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّ لَفْظَ الصَّرِيحِ يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ بِلَا نِيَّةٍ.
بِهِ أَفْتَى مَشَايِخُ خَوَارِزْمَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ.
وَلَوْ قَالَ اذْهَبِي فَتَزَوَّجِي وَقَالَ: لَمْ أَنْوِ، لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ أَمْكَنَك.
قَالَهُ قَاضِي خَانْ.
وَفِي الْحَافِظِيَّةِ وُقُوعُهُ بِالْوَاوِ بِلَا نِيَّةٍ (انْتَهَى) .
وَأَمَّا تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ، فَمَا كَانَ مِنْهُ صَرِيحًا لَا تُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ، وَمَا كَانَ كِنَايَةً اُشْتُرِطَتْ لَهُ.
وَأَمَّا الرَّجْعَةُ فَكَالنِّكَاحِ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَتُهُ، لَكِنْ مَا كَانَ مِنْهَا صَرِيحًا 123 - لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، وَكِنَايَتُهَا تَحْتَاجُ إلَيْهَا
124 -
وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ؛ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَيَنْعَقِدُ إذَا حَلَفَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ مُخْطِيًا أَوْ مُكْرَهًا.
وَكَذَا إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَبِهِ يُعْلَمُ عَدَمُ صِحَّةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي لَفْظِ الْحَرَامِ.
وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْفَضْلِ وَالْإِنْعَامِ
(122)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ إلَخْ.
هُوَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى شَخْصٍ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ أَوْ إلَيْهَا نَفْسَهَا وَالْخُلْعُ هُوَ أَنْ يَخْلَعَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ عَلَى مَالٍ بِأَنْ يَقُولَ خَلَعْتُك عَلَى كَذَا وَالْإِيلَاءُ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ زَوْجَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَالظِّهَارُ هُوَ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي.
مِثَالُهُ فِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ أَنْ يَقُولَ لَهَا اخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك وَفِي الْخُلْعِ خَالَعْتُكَ أَوْ بَارَأْتُك.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ لِأَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ وَفِي الْإِيلَاءِ: لَا أَبِيت مَعَكِ عَلَى فِرَاشٍ وَلَا أَقْرَبُ فِرَاشَكِ، أَوْ لَا يَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَكِ وِسَادَةٌ فَهَذَا كِنَايَةٌ وَفِي الظِّهَارِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي.
فَكَمَا نَوَى لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ (انْتَهَى) .
(123)
قَوْلُهُ: تَحْتَاجُ إلَيْهَا أَيْ إلَى النِّيَّةِ إلَخْ.
كَقَوْلِهِ أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْت أَوْ أَنْتِ امْرَأَتِي فَهَذَا كِنَايَةٌ
(124)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ إلَى قَوْلِهِ أَوْ نَاسِيًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سَاهِيًا.
قِيلَ الْمُرَادُ بِالنَّاسِي الْمُخْطِئُ كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي الْمَاءَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ وَقِيلَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالْيَمِينِ ذَاهِلًا عَنْهُ وَالْمُلْجِئُ إلَى ذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ النِّسْيَانِ فِي الْيَمِينِ لَا يُتَصَوَّرُ. كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ.
قَالَ الْعَيْنِيُّ وَتَبِعَهُ الشُّمُنِّيُّ بَلْ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ نَسِيَ الْحَلِفَ السَّابِقَ فَحَلَفَ.
وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا لَا أَنَّهُ حَلَفَ نَاسِيًا انْتَهَى.
وَأَقُولُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَاسِيًا فِي التَّصْوِيرِ الْمَذْكُورِ وَجُودُ الْحَلِفِ نَاسِيًا حَيْثُ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْحَلِفَ
وَأَمَّا نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ فِي الْيَمِينِ فَمَقْبُولَةٌ دِيَانَةً اتِّفَاقًا، وَقَضَاءً عِنْدَ الْخَصَّافِ، 126 - وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا.
وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ هَلْ الِاعْتِبَارُ لِنِيَّةِ الْحَالِفِ أَوْ لِنِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفْ؟
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَأَمَّا نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ فِي الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ فَمَقْبُولَةٌ دِيَانَةً اتِّفَاقًا.
ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْحَلِفُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ.
وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا: رَجُلُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَعْطَيْت مِنْ حِنْطَتِي أَحَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ نَوَيْت بِذَلِكَ أُمَّهَا صُدِّقَ دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْعَامِّ وَذَلِكَ جَائِزٌ دَيَّانَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَعَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ فِي مِثْلِ هَذَا مُطْلَقًا.
قَالُوا هَذَا إذَا قَالَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرِقَّ بَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ (126) قَوْلُهُ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ.
نَقَلَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ أَنَّ نِيَّةَ تَخْصِيصِ الْعَامِّ لَا تَصِحُّ وَعِنْدَ الْخَصَّافِ تَصِحُّ حَتَّى أَنَّ مَنْ حَلَفَ وَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ نَوَيْت مِنْ بَلَدِ كَذَا لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
وَقَالَ الْخَصَّافُ تَصِحُّ وَكَذَا مِنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ إنْسَانٍ وَوَقَّتَ الْخَصْمُ عَمَّا نَوَى خَاصًّا لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
وَقَالَ الْخَصَّافُ تَصِحُّ وَلَكِنَّ هَذَا فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَنِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ مُخَلَّصٌ لِمَنْ حَلِفُهُ ظَالِمٌ وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
فَمَنْ وَقَعَ فِي أَيْدِي الظَّلَمَةِ وَأَخَذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ لَا بَأْسَ بِهِ (انْتَهَى) .
وَفِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا يُفْتَى بِقَوْلِ الْخَصَّافِ (انْتَهَى) .
وَفَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِ الشَّيْخِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ وَقَوْلِ الْوَلْوَالِجيَّةِ فَمَتَى وَقَعَ فِي أَيْدِي الظَّلَمَةِ وَأَخَذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا قَوْلُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ يُفْتَى بِقَوْلِ الْخَصَّافِ فَتَأَمَّلْ.
قِيلَ لَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَالَ لَا أَشْتَرِي جَارِيَةً وَنَوَى مُوَلِّدَةً فَإِنَّ نِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الصِّفَةِ فَأَشْبَهَ الْبَصْرِيَّةَ وَالْكُوفِيَّةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى مِنْ بَلْدَةِ كَذَا كَذَا فِي الْوُصُولِ إلَى تَحْرِيرِ الْوُصُولِ وَكَمَا يُخَصَّصُ الْعَامُّ بِالنِّيَّةِ يُخَصَّصُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ وَمِنْهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ يَقَعُ عَلَى
وَالْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْحَالِفِ إنْ كَانَ مَظْلُومًا خُصُوصًا، لَا إنْ كَانَ ظَالِمًا، كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ.
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ وَالْوَكَالَةُ فَيَصِحَّانِ بِدُونِهَا، وَكَذَا الْإِيدَاعُ وَالْإِعَارَةُ وَالْإِجَازَةُ وَكَذَا الْقَذْفُ وَالسَّرِقَةُ
. وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَمُتَوَقِّفٌ عَلَى قَصْدِ الْقَاتِلِ الْقَتْلَ، قَالُوا: لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ أَمْرًا بَاطِنِيًّا أُقِيمَتْ الْآلَةُ مَقَامَهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ بِمَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ عَادَةً كَانَ عَمْدًا وَوَجَبَ الْقِصَاصُ، وَإِلَّا فَإِنْ قَتَلَهُ بِمَا لَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ عَادَةً، لَكِنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ.
وَأَمَّا الْخَطَأُ بِأَنْ يَقْصِدَ مُبَاحًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا كَمَا عُلِمَ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
كُلِّ قَتِيلٍ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ مَا لَمْ يَرْجِعُوا وَإِنْ قَالَ حَالَ الْقِتَالِ يُقَيَّدُ بِذَلِكَ الْقِتَالِ.
وَفِي التَّلْوِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَصِيرِيِّ مَا جَازَ تَخْصِيصُهُ بِالنِّيَّةِ جَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْعُرْفِ لِأَنَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ النَّاسِ فَلَمَّا جَازَ تَخْصِيصُهُ بِإِرَادَتِهِ وَحْدَهُ جَازَ تَخْصِيصُهُ بِإِرَادَةِ جَمِيعِ النَّاسِ كَيْفَ وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَتِهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِفْهَامُ وَتَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْكَلَامِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَلِهَذَا حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ (انْتَهَى) .
(127)
قَوْلُهُ: وَالْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْحَالِفِ إنْ كَانَ مَظْلُومًا.
قَيَّدَهُ بَعْضُ أَرْبَابِ الْفَتْوَى بِمَا إذَا كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى؛ أَمَّا إذَا كَانَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ فَالِاعْتِبَارُ بِنِيَّةِ الْحَالِفِ مُطْلَقًا.
قَالَ فِي مَآلِ الْفَتَاوَى: إذَا اسْتَحْلَفَهُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ ظُلْمٌ.
وَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الْحَالِفِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحْلِفُ مُحِقًّا وَفِيهَا أَيْضًا الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ إنْ كَانَ مَظْلُومًا وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا فَعَلَى نِيَّتِهِ وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ: الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إنْ كَانَ مَظْلُومًا وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا فَعَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ.
وَهَذَا عَلَى أَمْرٍ فِي الْمَاضِي أَمَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَعَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ.
لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَحْلِفِ الِاسْتِحْلَافُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
فَلَمْ يَكُنْ الْحَالِفُ ظَالِمًا (انْتَهَى) .
وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْيَمِينُ إذَا كَانَتْ بِالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ أَوْ مَا
وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، قَالُوا: إنَّ الْقُرْآنَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ بِالْقَصْدِ، فَجَوَّزُوا لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَةَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَذْكَارِ بِقَصْدِ الذِّكْرِ، وَالْأَدْعِيَةِ بِقَصْدِ الدُّعَاءِ، لَكِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: لَوْ قَرَأَ بِقَصْدِ الذِّكْرِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
شَاكَلَ ذَلِكَ. النِّيَّةُ نِيَّةُ الْحَالِفِ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا (انْتَهَى) . وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ حَلَّفَ رَجُلًا فَحَلَفَ وَنَوَى غَيْرَ مَا أَرَادَ الْمُسْتَحْلِفُ إنْ كَانَ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُحَلِّفِ ظَالِمًا كَانَ أَوْ مَظْلُومًا. وَإِنْ كَانَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ عز وجل فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ ظَالِمًا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُحَلِّفِ (انْتَهَى) . فَظَهَرَ بِمَا نَقْلنَا أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ رحمه الله مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَبِمَا إذَا كَانَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمَاضِي. ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَيْك مُخَالَفَةُ عِبَارَةِ مَآلِ الْفَتَاوَى لِلْأُخْرَى وَمُخَالَفَتُهُ لِتَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ لَهَا. فَتَأَمَّلْ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: فِي الْأَيْمَانِ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ حَلَّفَ سُلْطَانٌ رَجُلًا لِيَأْخُذَ بِالتُّهْمَةِ غُرَمَاءَ الْمُتَوَارِي وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُمْ وَهُوَ يَعْلَمُهُمْ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ الرَّجُلِ الَّذِي تَوَارَى وَيُرِيدُ غَيْرَهُ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى سَبِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ مُحَمَّدًا لَيْسَ بِرَسُولٍ. وَلَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ الْخَصَّافِ وَيُفْتَى بِقَوْلِهِ فِي الْمَظْلُومِ وَمِثْلِهِ فِي الْخَانِيَّةِ هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الْمُعْتَبَرَاتِ فَاغْتَنِمْهُ
(128)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. قَالُوا إنَّ الْقُرْآنَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا بِالْقَصْدِ إلَخْ. الْمُرَادُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي كَلَامِهِ مَا يَشْمَلُ عَلَى دُعَاءٍ وَذِكْرٍ بِدَلِيلِ آخِرِ كَلَامِهِ حَيْثُ قَالَ فَجَوَّزُوا لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَةَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَذْكَارِ بِقَصْدِ الذِّكْرِ وَالْأَدْعِيَةِ بِقَصْدِ الدُّعَاءِ فَعَلَى هَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ أَحَدَهُمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَرَجَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَسَبَهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى الْعَامَّةِ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ: «لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَشَيْئًا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ وَأَبَاحَ الطَّحَاوِيُّ مَا دُونَ الْآيَةِ وَرَجَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّصْحِيحَ قَدْ اخْتَلَفَ فِيمَا دُونَ الْآيَةِ، وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ أَوْلَى لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ مُطْلَقَةٌ وَالتَّعْلِيلُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ مَرْدُودٌ. هَذَا وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي تَعْلِيمِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ يُلَقَّنُ كَلِمَةً كَلِمَةً وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً تَامَّةً. كَذَا فِي
وَأَجَبْنَا عَنْهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بِأَنَّهُ فِي مَحِلِّهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ.
وَقَالُوا: إنَّ الْمَأْمُومَ إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِنِيَّةِ الذِّكْرِ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْخُلَاصَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ.
أَمَّا عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَتَعْلِيمُ نِصْفِ الْآيَةِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ.
عَلَى أَنَّ فِي تَخْرِيجِ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِاسْتِوَاءِ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا فِي الْمَنْعِ، إذَا كَانَ ذَلِكَ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ.
وَلَا شَكَّ فِي صِدْقِ مَا دُونَ الْآيَةِ عَلَى الْكَلِمَةِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى قَصْدِ التَّعْلِيمِ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْكَلِمَةِ وَأَقُولُ: بَلْ التَّرْجِيحُ صَحِيحٌ إذْ الْكَرْخِيُّ وَإِنْ مَنَعَ مَا دُونَ الْآيَةِ لَكِنْ بِهِ يُسَمَّى قَارِيًا.
وَلِهَذَا قَالُوا يُكْرَهُ التَّهَجِّي بِالْقِرَاءَةِ.
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ بِالتَّعْلِيمِ كَلِمَةً كَلِمَةً لَا يُعَدُّ قَارِئًا فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ، إذْ الذِّكْرُ لَا يُبْطِلُهَا وَالصَّوَابُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقُرْآنَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا بِالْقَصْدِ إلَّا إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ فَالنِّيَّةُ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِيهَا.
فَتَأَمَّلْ (129) قَوْلُهُ: وَأَجَبْنَا عَنْهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بِأَنَّهُ فِي مَحِلِّهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ.
حَاصِلُ الْجَوَابِ تَقْيِيدُ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْقُرْآنَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا بِالنِّيَّةِ، بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي مَحِلِّهِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرُ سَقَطَ مَا قِيلَ إذَا كَانَ الْإِشْكَالُ نَقَضًا لِقَوْلِك الْقُرْآنُ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا بِالنِّيَّةِ فَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ تَقْرِيرٌ لِلْإِشْكَالِ (انْتَهَى) .
يَعْنِي لِأَنَّ غَايَةَ مَا أَفَادَهُ أَنَّ الْقُرْآنَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا بِالنِّيَّةِ لِكَوْنِهِ فِي مَحِلِّهِ فَتَدَبَّرْ.
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ نَسَبَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله الْجَوَابَ هُنَا إلَى نَفْسِهِ وَنَسَبَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَلَّامَةِ الْخَاصِّيِّ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا هُنَا، وَفِي بَابِ مَا يَقْصِدُ، الصَّلَاةَ إنَّ الْقُرْآنَ يَتَغَيَّرُ بِالْعَزِيمَةِ فَأَوْرَدَ الْخَاصِّيُّ بِأَنَّ الْعَزِيمَةَ لَوْ كَانَتْ مُغَيِّرَةً لِلْقُرْآنِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ لَا تَكُونُ مُجْزِيَةً.
وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهَا مُجْزِيَةٌ وَأَجَابَ بِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي مَحِلِّهَا لَا تَتَغَيَّرُ بِالْعَزِيمَةِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ فَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ لَا يُجْزِيهِ (انْتَهَى)
مَعَ أَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا الضَّمَانُ؛ فَهَلْ يَتَرَتَّبُ فِي شَيْءٍ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ؟ 131 - فَقَالُوا فِي الْمُحْرِمِ: إذَا لَبِسَ ثَوْبًا ثُمَّ نَزَعَهُ وَمِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ قَصَدَ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ بِلُبْسِهِ.
وَقَالُوا فِي الْمُودَعِ إذَا لَبِسَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ نَزَعَهُ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَعُودَ إلَى لُبْسِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ.
وَأَمَّا التُّرُوكُ؛ كَتَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَذَكَرُوهُ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ، مَا تُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهَذَا الْكَلَامِ إبْدَاءُ الْإِشْكَالِ عَلَى عَدَمِ حُرْمَةِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ إذَا قَصَدَ بِهَا الذِّكْرَ؛ وَفِيهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالصَّلَاةِ مُطْلَقَ الصَّلَاةِ الشَّامِلَةِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَمُسَلَّمٌ لِتَصْرِيحِهِمْ، بَلْ تَصْرِيحُهُ بِعَدَمِ حُرْمَتِهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إنْ قَصَدَ بِهَا الذِّكْرَ وَإِنْ أَرَادَ بِالصَّلَاةِ ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَمُسَلَّمٌ أَيْضًا لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ مَمْنُوعٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ خَلْفَ الْإِمَامِ، سَوَاءٌ قَصَدَ الذِّكْرَ أَوْ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لِمَطْلُوبِيَّةِ الْإِنْصَاتِ فِيهَا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، فَلِأَنَّهَا مَحِلُّ الدُّعَاءِ وَلَيْسَتْ مَحِلًّا لِلْقِرَاءَةِ.
وَإِنْ جَازَتْ الْقِرَاءَةُ فِيهَا خَلْفَ الْإِمَامِ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ.
فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: مَنْ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، إنْ قَرَأَهَا بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ قَرَأَهَا بِنِيَّةِ الْقِرَاءَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ مَحِلُّ الدُّعَاءِ وَلَيْسَ بِمَحِلِّ الْقِرَاءَةِ (انْتَهَى) .
وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ سَقَطَ مَا قِيلَ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا فَمَمْنُوعٌ بِدَلِيلِ نَقْلِهِ عَدَمَ حُرْمَتِهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَإِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ ذَاتَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ يَتِمَّ الْإِشْكَالُ (انْتَهَى)
(131)
قَوْلُهُ: فَقَالُوا فِي الْمُحْرِمِ إذَا لَبِسَ ثَوْبًا إلَخْ.
أَقُولُ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ وَقَالَ فِي النَّهْرِ: أَوْ نَزَعَ الثَّوْبَ لَيْلًا وَعَاوَدَ لُبْسَهُ نَهَارًا أَوْ عَكْسَهُ، تَجِبُ شَاةٌ إلَّا أَنْ يَعْزِمَ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ الْخَلْعِ، فَإِنْ عَزَمَ ثُمَّ لَبِسَ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ إنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ اتِّفَاقًا
عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَذَكَرُوهُ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ؛ 133 - وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَرْكَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ، 134 - وَأَمَّا لِحُصُولِ الثَّوَابِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَإِلَّا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (انْتَهَى) .
وَفِي الْبَحْرِ لِلْمُصَنِّفِ رحمه الله: لَوْ كَانَ يَنْزِعُهُ لَيْلًا وَيُعَاوِدُهُ نَهَارًا أَوْ عَكْسَهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ، مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ النَّزْعِ، فَإِنْ عَزَمَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَمْ لَا وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ لِمُحَمَّدٍ
(132)
قَوْلُهُ: عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» حَيْثُ قَالُوا الْمُرَادُ بِالْأَعْمَالِ مَا يَشْتَمِلُ عَمَلَ الْقَلْبِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كَفُّ النَّفْسِ فِي النَّهْيِ فَإِنَّهُ عَمَلٌ، لَكِنَّ اعْتِبَارَ النِّيَّةِ فِي التُّرُوكِ إنَّمَا هُوَ لِحُصُولِ الثَّوَابِ لَا لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ، لِأَنَّ مَنَاطَ الْوَعِيدِ بِالْعِقَابِ فِي النَّهْي هُوَ فِعْلُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَمُجَرَّدُ تَرْكِهِ كَافٍ فِي انْتِفَاءِ الْوَعِيدِ.
وَمَنَاطُ الثَّوَابِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَفُّ النَّفْسِ عَنْهُ وَهُوَ عَمَلٌ مُنْدَرِجٌ فِي الْحَدِيثِ.
وَعَلَى هَذَا فَفَرْقُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله بَيْنَ الْوُضُوءِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، بِأَنَّ الْوُضُوءَ فِعْلٌ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، كَتَرْكِ الزِّنَا ضَعِيفٌ.
فَإِنَّ التَّكْلِيفَ أَبَدًا لَا يَقَعُ إلَّا بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مَقْدُورُ الْمُكَلَّفِ لَا لِعَدَمِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَقْدُورِ وُجُودِهِ قَبْلَ التَّكْلِيفِ كَمَا عُرِفَ فِي مُقْتَضَى النَّهْيِ أَنَّهُ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْفِعْلِ لَا عَدَمِ الْفِعْلِ فَلِهَذَا لَا يُثَابُ الْمُكَلَّفُ عَلَى التُّرُوكِ إلَّا إذَا تَرَكَ قَاصِدًا، فَلَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِ الزِّنَا إلَّا إذَا كَفَّ نَفْسَهُ عَنْهُ قَصْدًا أَمَّا إذَا اشْتَغَلَ عَنْهُ بِالنَّوْمِ وَالْعِبَادَةِ وَتَرَكَهُ بِلَا قَصْدٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ الْمُوجِبَيْنِ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
(133)
قَوْلُهُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَرْكَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ إلَخْ.
لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي النَّهْيِ الْكَفُّ أَيْ الِانْتِهَاءُ، وَالتَّرْكُ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ وَالتَّكْلِيفُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الَّذِي تَتَنَاوَلُهُ الْقُدْرَةُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا بِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ.
(134)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا لِحُصُولِ الثَّوَابِ يَعْنِي فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ
فَإِنْ كَانَ كَفًّا، وَهُوَ أَنْ تَدْعُوَهُ النَّفْسُ إلَيْهِ قَادِرًا عَلَى فِعْلِهِ فَيَكُفَّ نَفْسَهُ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ رَبِّهِ فَهُوَ مُثَابٌ، 136 - وَإِلَّا فَلَا ثَوَابَ عَلَى تَرْكِهِ، فَلَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِ الزِّنَا وَهُوَ يُصَلِّي، 137 - وَلَا يُثَابُ الْعِنِّينُ عَلَى تَرْكِ الزِّنَا، وَلَا الْأَعْمَى عَلَى تَرْكِ النَّظَرَ إلَى الْمُحَرَّمِ.
وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي الزَّكَاةِ: لَوْ نَوَى مَا لِلتِّجَارَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْخِدْمَةِ كَانَ لِلْخِدْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، وَهُوَ مَا إذَا نَوَى فِيمَا كَانَ لِلْخِدْمَةِ أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ لَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
جَوَابُ أَمَّا مَحْذُوفًا لِدَلَالَةِ سِيَاقِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (135)
قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ كَفًّا: أَقُولُ حَيْثُ أَوَّلَ التَّرْكَ بِالْكَفِّ فَالثَّوَابُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ إلَّا عَلَى الْفِعْلِ؛ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْكَفَّ فِعْلُ النَّفْسِ فَإِنَّ الْفِعْلَ كَمَا يُنْسَبُ إلَى الْجَوَارِحِ يُنْسَبُ إلَى النَّفْسِ، وَحِينَئِذٍ فَالتَّرْكُ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُثَابًا عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكَفَّ فِعْلٌ بَلْ هُوَ تَرْكُهُ وَتَرْكُهُ غَيْرُهُ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ فِعْلٌ لِلنَّفْسِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ أَبِي حُذَيْفَةَ النَّسَوَائِيِّ «أَيُّ الْأَعْمَالِ خَيْرٌ؟ فَسَكَتُوا فَقَالَ: حِفْظُ اللِّسَانِ» .
(136)
قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا ثَوَابَ عَلَى تَرْكِ الزِّنَا إلَخْ.
تَحْقِيقُهُ كَمَا فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ لِلشَّمْسِ الْفَنَارِيِّ: إنَّ التَّرْكَ بِمَعْنَى عَدَمِ الْفِعْلِ لَا يَصِحُّ طَلَبُهُ، إمَّا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَطْلُوبًا لَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الثَّوَابُ، فَيَكُونَ كُلُّ مُكَلَّفٍ مُثَابًا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ فِعْلِ الْمَنْهِيَّاتِ الَّتِي لَا تُحْصَى.
وَلَا قَائِلَ بِهِ وَالْمَطْلُوبُ الْفِعْلِ كَفًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (137)
قَوْلُهُ: وَلَا يُثَابُ الْعِنِّينُ عَلَى تَرْكِ الزِّنَا إلَخْ.
قِيلَ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْعُنَّةَ لَا تُنَافِي حُصُولَ الشَّهْوَةِ فَإِذَا اشْتَهَرَ الْمُبَاشَرَةُ وَلَوْ بِلَا إيلَاجٍ فَلِمَ لَا يُثَابُ عَلَى التَّرْكِ وَالْكَفِّ فَتَأَمَّلْ وَقِيلَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَالَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَذُكِرَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْكَلَامِ أَنَّ تَوْبَةَ الْيَائِسِ هَلْ تُعْتَبَرُ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُعْتَبَرُ، حَتَّى إنَّ مَنْ تَابَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ،