الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، وَيُرَدُّ بَدَلُ الصُّلْحِ، وَالْعَطَاءِ لِلَّذِي جَعَلَ الْإِمَامُ الْعَطَاءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْعَطَاءِ بِإِثْبَاتِ الْإِمَامِ لَا دَخْلَ لَهُ لِرِضَاءِ الْغَيْرِ وَجُعْلِهِ غَيْرَ أَنَّ السُّلْطَانَ إنْ مَنَعَ الْمُسْتَحِقَّ فَقَدْ ظَلَمَ مَرَّتَيْنِ فِي قَضِيَّةِ حِرْمَانِ الْمُسْتَحِقِّ، وَإِثْبَاتِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ مَقَامَهُ (انْتَهَى) .
[تَنْبِيهٌ آخَرُ تَصَرُّفُ الْقَاضِي فِيمَا لَهُ فِعْلُهُ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى]
(تَنْبِيهٌ آخَرُ) : تَصَرُّفُ الْقَاضِي فِيمَا لَهُ فِعْلُهُ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَالتَّرِكَاتِ، وَالْأَوْقَافِ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ، وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا: أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِالثُّلُثِ قِنًّا، وَيَعْتِقَهُ؛ فَبَانَ بَعْدَ الِائْتِمَارِ، وَالْإِيصَاءِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِالثُّلُثَيْنِ فَشِرَاءُ الْقَاضِي عَنْ الْمُوصِي كَيْ لَا يَصِيرَ خَصْمًا بِالْعُهْدَةِ، وَإِعْتَاقُهُ لَغْوٌ لِتَعَدِّي الْوَصِيَّةِ، وَهِيَ الثُّلُثُ بَعْدَ الدَّيْنِ.
قَالَ الْفَارِسِيُّ شَارِحُهُ: وَأَمَّا إعْتَاقُهُ فَهُوَ لَغْوٌ 11 -؛ لِتَعَذُّرِ تَنْفِيذِهِ بِاعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي مُقَيَّدَةٌ بِالنَّظَرِ، وَلَمْ يُوجَدْ النَّظَرُ فَيَلْغُو (انْتَهَى) .
وَفِي قَضَاءِ الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى فُقَرَاءِ بَلْدَةِ كَذَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانَ الْوَصِيُّ بَعِيدًا مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ، وَلَهُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ غَرِيمٌ لَهُ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمُ، وَلَمْ يَجِدْ الْوَصِيُّ إلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ سَبِيلًا، فَأَمَرَ الْقَاضِي الْغَرِيمَ بِصَرْفِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ تَنْفِيذِهِ بِاعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ: فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِالثُّلُثَيْنِ لَا غَيْرُ فَلِمَ لَا يَصِحُّ الْعِتْقُ، وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِيمَا يَبْقَى عَلَيْهِ إنْ بَقِيَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ إلْغَاءَ الْعِتْقِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ كَوْنِ الْمُتَصَرِّفِ هُوَ الْقَاضِيَ لِكَوْنِ تَصَرُّفِهِ مَشْرُوطًا بِالنَّظَرِ، وَالْمَصْلَحَةِ كَمَا يُشِيرُ قَوْلُهُ آنِفًا، كَيْ لَا يَصِيرَ خَصْمًا بِالْعُهْدَةِ، حَتَّى لَوْ وَقَعَ شِرَاءُ الْعَبْدِ، وَإِعْتَاقُهُ مِنْ، وَصِيٍّ فَالظَّاهِرُ نُفُوذُ الْعِتْقِ، وَاسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ.
إلَى الْفُقَرَاءِ، فَالدَّيْنُ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي ذَلِكَ، وَوَصِيَّةُ الْمَيِّتِ قَائِمَةٌ (انْتَهَى) .
وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ إلَّا إذَا وَافَقَ الشَّرْعَ.
12 -
وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَالْوَلْوالِجِيَّة، وَغَيْرِهِمَا بِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَرَّرَ فَرَّاشًا لِلْمَسْجِدِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ لَمْ يَحِلَّ لِلْقَاضِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَحِلَّ لِلْفَرَّاشِ تَنَاوُلُ الْمَعْلُومِ (انْتَهَى) .
13 -
وَبِهِ عُلِمَ حُرْمَةُ إحْدَاثِ الْوَظَائِفِ بِالْأَوْقَافِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَعَ احْتِيَاجِهِ لِلْفَرَّاشِ لَمْ يَجُزْ تَقْرِيرُهُ؛ لِإِمْكَانِ اسْتِئْجَارِ فَرَّاشٍ بِلَا تَقْرِيرِ، فَتَقْرِيرُ غَيْرِهِ مِنْ الْوَظَائِفِ لَا يَحِلُّ بِالْأَوْلَى.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَالْوَلْوالِجِيَّة إلَخْ: عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ فِيمَا يَجُوزُ لِقَيِّمِ الْوَاقِفِ، وَلَوْ نَصَّبَ خَادِمًا لِمَسْجِدٍ، وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا إنْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ ذَلِكَ فِي وَقْفِهِ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي وَقْفِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ فِعْلُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ (13) قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ حُرْمَةُ إحْدَاثِ الْوَظَائِفِ إلَخْ: شَمِلَ بِإِطْلَاقِهِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْفِ فَائِضٌ، وَسَيُصَرِّحُ بِهِ بَعْدُ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَهَلْ يُصْرَفُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْمَسْجِدِ وَقْفًا مُطْلَقًا أَوْ عَلَى عِمَارَتِهِ كَمُؤَذِّنٍ، وَإِمَامٍ، لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ لَهُمَا شَيْئًا.
الظَّاهِرُ مِمَّا هُنَا لَا يُصْرَفُ إلَّا إذَا شَرَطَ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ صُرِفَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَصَالِحِهِ.
ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رَأَيْت الشَّافِعِيَّةَ قَدْ نَصَّتْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَمَا ذَكَرَهُ: أَيْ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ لِلْمُؤَذِّنِ، وَالْإِمَامِ فِي الْوَقْفِ الْمُطْلَقِ هُوَ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ فِي الْأَصْلِ عَنْ الْبَغَوِيِّ لَكِنَّهُ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يُصْرَفُ لَهُمَا، وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى مَصَالِحِهِ، وَكَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْمَسْجِدِ (انْتَهَى) .
وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ أَيْضًا، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، وَيَتَّجِهُ إلْحَاقُ الْحَصِيرِ، وَالدُّهْنِ بِهِمَا فِي ذَلِكَ.
وَبِهِ عُلِمَ أَيْضًا حُرْمَةُ إحْدَاثِ الْمُرَتَّبَاتِ بِالْأَوْقَافِ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ تَقْرِيرِ الْقَاضِي الْمُرَتَّبَاتِ بِالْأَوْقَافِ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ وَقْفٍ مَشْرُوطٍ لِلْفُقَرَاءِ 15 - فَالتَّقْرِيرُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَلِلنَّاظِرِ الصَّرْفُ إلَى غَيْرِهِ، وَقَطْعُ الْأَوَّلِ إلَّا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِعَدَمِ تَقْرِيرِ غَيْرِهِ؛ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ.
16 -
وَهِيَ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ، وَغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَحِلَّ، 17 - وَكَذَا إنْ كَانَ مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ، وَقَرَّرَهُ لِمَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا.
ثُمَّ سُئِلْت: لَوْ قُرِّرَ مِنْ فَائِضِ وَقْفٍ سَكَتَ الْوَاقِفُ عَنْ مَصْرِفِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ أَيْضًا إحْدَاثُ الْمُرَتَّبَاتِ إلَخْ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: بَلِيَّةُ إحْدَاثِ الْمُرَتَّبَاتِ حَدَثَتْ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ، جَاءَ قَاضٍ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ بَلَدِ السُّلْطَانِ، وَمَدّ يَدَهُ، وَأَطْلَقَ عَنَانَ قَلَمِهِ، وَلَمْ يُبْقِ وَقْفًا إلَّا، وَقَرَّرَ فِيهِ إلَّا مَا شَذَّ، وَجَاءَ قَاضٍ بَعْدَهُ، وَفَعَلَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ دُونَهُ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَدَمَّرَ الْأَوْقَافَ.
(15)
قَوْلُهُ: فَالتَّقْرِيرُ صَحِيحٌ: يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُقَرِّرُ فَقِيرًا كَمَا يُفِيدُهُ مَا بَعْدَهُ.
(16)
قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ، وَغَيْرِهِ: أَيْ فِي بَابِ: الرَّجُلُ يَقِفُ الْأَرْضَ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ أَوْ فِي الْحَجِّ أَوْ فِي ابْنِ السَّبِيلِ، فَهَذَا جَائِزٌ إذَا كَانَ قَدْ حَكَمَ بِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله قَدْ ذَكَرَ فَرْعًا عَنْ الْقُنْيَةِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ قَبْلَ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ طَالَبَ الْقَيِّمُ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ أَنْ يُفْرَضَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ لِلْإِمَامِ فَأَبَى فَأَمَرَهُ الْقَاضِي فَأَقْرَضَهُ ثُمَّ مَاتَ الْإِمَامُ مُفْلِسًا لَا يُضَمَّنُ (انْتَهَى) .
مَعَ أَنَّ الْقَيِّمَ لَيْسَ لَهُ إقْرَاضُ مَالِ الْمَسْجِدِ، وَلَكِنْ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ لَا يُنَافِي مَا هُنَا عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ لَا يَضْمَنُ مَا أَقْرَضَهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي فَلْيُرَاجَعْ.
(17)
قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ كَانَ مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ: قِيلَ عَلَيْهِ: الَّذِي ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا فَقَطْ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا الْحُرْمَةُ.
فَائِضِهِ فَهَلْ يَصِحُّ؟ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا 18 -؛ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: إنَّ فَائِضَ الْوَقْفِ لَا يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِي بِهِ الْمُتَوَلِّي مُسْتَغَلَّا.
وَصَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ 19 - وَتَبِعَهُ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بِأَنَّهُ لَا يُصْرَفُ فَائِضُ، وَقْفٍ لِوَقْفٍ آخَرَ اتَّحَدَ، وَاقِفُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ (انْتَهَى) .
وَكَتَبْنَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَخْ: قَالَ بَعْضُهُمْ: الَّذِي، وَقَفْت عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفِ الْقَيِّمِ هَكَذَا الْقِيَاسُ إذَا اجْتَمَعَتْ الْغَلَّةُ فَاشْتَرَى بِهَا بُيُوتًا لِلْغَلَّةِ جَازَ.
وَهَلْ تُعْتَبَرُ وَقْفًا؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا إنْ احْتَاجُوا إلَيْهَا، قَالَ الْفَقِيهُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، وَبِمَعْنَى ذَلِكَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي آخَرِ الثَّانِي فِي نَصْبِ الْمُتَوَلِّي (انْتَهَى) .
وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الَّذِي فِيهَا لَا يَصْرِفُ الْقَاضِي الْفَاضِلَ مِنْ وَقْفِ الْمَسْجِدِ إلَخْ
ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لِجَوَازِ احْتِيَاجِ الْمَسْجِدِ إلَى عِمَارَةٍ كَثِيرَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ لَهَا مَا صَرَفَ إلَيْهَا بِشِرَاءِ مُسْتَغَلٍّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوْقَافُ الْمَدَارِسِ، وَالرِّبَاطِ فِي حُكْمِهِ بِخِلَافِ مَا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مِنْ الْأَوْقَافِ (انْتَهَى) .
وَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فَعَلَى هَذَا يَكُونُ صَاحِبُ التَّتَارْخَانِيَّة ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
قِيلَ: وَيُعَارِضُهُ مَا فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي أَنَّ النَّاظِرَ لَهُ صَرْفُ فَائِضِ الْوَقْفِ إلَى جِهَاتِ بِرٍّ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ.
(19)
قَوْلُهُ: وَتَبِعَهُ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بِأَنَّهُ لَا يَصْرِفُ فَائِضَ وَقْفِ إلَخْ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْمَفْهُومُ مِنْ الدُّرَرِ، وَالْغُرَرِ أَنَّهُ إذَا اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَنَوْعُ الْمَصْرِفِ بِأَنْ بَنَى رَجُلٌ مَسْجِدَيْنِ، وَوَقَفَ لَهُمَا أَوْقَافًا مُسْتَقِلَّةً أَوْ مَدْرَسَتَيْنِ، يَجُوزُ صَرْفُ زَائِدِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْوَاقِفُ بِأَنْ يَقِفَ رَجُلٌ مَسْجِدًا، وَيَقِفَ رَجُلٌ آخَرُ مَسْجِدًا آخَرَ، وَيَخْتَلِفُ الْمَصْرِفُ بِأَنْ بَنَى رَجُلٌ مَسْجِدًا، وَمَدْرَسَةً فَلَا.
ثُمَّ قَالَ: وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ، وَالْغُرَرِ هَكَذَا إذَا اتَّحَدَ الْوَاقِفُ، وَالْجِهَةُ بِأَنْ بَنَى رَجُلٌ مَسْجِدَيْنِ، وَعَيَّنَ لِمَصَالِحِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقْفًا، وَقَلَّ مَرْسُومُ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ انْتَقَضَ مَرْسُومُ إمَامِ أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ أَوْ مُؤَذِّنِهِ بِسَبَبِ كَوْنِهِ وَقَفَهُ خَرَابًا جَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ فَاضِلِ الْوَقْفِ الْآخَرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ أَحَدُهُمَا بِأَنْ بَنَى رَجُلَانِ مَسْجِدَيْنِ أَوْ رَجُلٌ مَسْجِدًا
كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّ مِنْ الْقَضَاءِ الْبَاطِلِ الْقَضَاءَ بِخِلَافِ شَرْطِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ كَمُخَالَفَةِ النَّصِّ، وَفِي الْمُلْتَقَطِ: الْقَاضِي إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَمْ يَجُزْ (انْتَهَى) .
فَعُلِمَ أَنَّ فِعْلَهُ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ، وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّ الْحَائِطَ إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فَأَشْهَدُوا وَاحِدًا عَلَى مَالِكِهَا ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْقَاضِي لَمْ يَصِحَّ، كَمَا فِي التَّهْذِيبِ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لَهُ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَمَدْرَسَةً، وَوَقَفَ لَهُمَا أَوْقَافًا فَلَا انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فِي الْكِتَابِ أَعَمُّ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ إذَا بَنَى رَجُلٌ مَسْجِدَيْنِ، وَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَقْفًا مُسْتَقِلًّا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ وَقْفٌ آخَرُ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ فَائِضِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: لَا يَجُوزُ صَرْفُ فَائِضِ وَقْفٍ اتَّحَدَ، وَاقِفُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ، وَهُوَ يُضَادُّهُ فَقَدْ أَسَاءَ فِي النَّقْلِ (انْتَهَى) .
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ الدُّرَرِ، وَالْغُرَرِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اتَّحَدَ الْوَاقِفُ، وَالْجِهَةُ جَازَ لِلْحَاكِمِ صَرْفُ فَاضِلِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ، وَقَدْ أَطْلَقَ صَاحِبُ هَذَا الْكِتَابِ الْمَنْعَ نَقْلًا عَنْ الدُّرَرِ، وَالْغُرَرِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ
وَالْحَالُ أَنَّ مَا فِي الدُّرَرِ، وَالْغُرَرِ نَقْلًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ إنَّمَا هُوَ التَّفْصِيلُ (انْتَهَى)