الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ]
ِ» 1 - هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ ذِكْرُ السَّبَبِ؛ وَهُوَ «أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ عَبْدًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ اسْتَعْمَلَ غُلَامِي. فَقَالَ: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْخَرَاجُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَلَّةُ الْعَبْدِ؛ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ فَيَسْتَعْمِلُهُ زَمَانًا ثُمَّ يَعْثُرُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ دَلَّسَهُ الْبَائِعُ فَيَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَيَفُوزُ بِغَلَّتِهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ضَمَانِهِ، وَلَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ (انْتَهَى) . وَفِي الْفَائِقِ: كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ خَرَاجُهُ؛ فَخَرَاجُ الشَّجَرَةِ ثَمَرُهُ، وَخَرَاجُ الْحَيَوَانِ دَرُّهُ وَنَسْلُهُ (انْتَهَى) .
وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ إلَخْ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَفْظُ الْحَدِيثِ مُبْهَمٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إنَّ مِلْكَ الْخَرَاجِ بِضَمَانِ الْأَصْلِ وَاقْتِضَاءُ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمُبْهَمِ لَيْسَ بِالْمُهِينِ الْجَوَازَ. وَالْحَدِيثُ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ قَدْ اسْتَعْمَلُوهُ فِي الْبُيُوعِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يُتَوَقَّفَ عَنْهُ فِيمَا سِوَاهُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَلَا أَعْرِفُ لِمَخْلَدِ بْنِ خُفَافٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ يَعْنِي صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَالْمُنْذِرِيُّ وَالذَّهَبِيُّ، وَالْبُخَارِيُّ وَإِنْ ضَعَّفَهُ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَدِيٍّ قَالَ: كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مَخْلَدٍ
أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ، لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ: إنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ غَيْرَ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ، كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ، وَتُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَضُرُّ حُصُولُهَا لَهُ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ جُزْءًا مِنْ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَمْلِكْهَا بِالثَّمَنِ، وَإِنَّمَا مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ وَبِمِثْلِهِ يَطِيبُ الرِّبْحُ لِلْحَدِيثِ. وَهُنَا سُؤَالَانِ لَمْ أَرَهُمَا لِأَصْحَابِنَا. رحمهم الله: أَحَدُهُمَا: لَوْ كَانَ الْخَرَاجُ فِي مُقَابَلَةِ الضَّمَانِ لَكَانَتْ الزَّوَائِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ، تَمَّ الْعَقْدُ أَوْ انْفَسَخَ، لِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِهِ وَلَا قَائِلَ بِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْخَرَاجَ يُعَلَّلُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْمِلْكِ وَبَعْدَهُ بِهِ وَبِالضَّمَانِ مَعًا. 3 -
وَاقْتَصَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَأَقْطَعُ لِطَلَبِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
إلَّا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِيمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ حَتَّى وَجَدْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ مَخْلَدٍ. هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ شَرْحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ.
(2)
قَوْلُهُ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى إلَخْ. إذْ يَعْجِزُ غَيْرُهُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا قُدْرَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، فَإِذَا نُقِلَ وَبُدِّلَ خَرَجَ عَنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ إذْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِهِ، وَمِثْلُ مَا كَانَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ مَا تُعُبِّدَ بِأَلْفَاظِهِ كَالْأَذَانِ وَالتَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى. وَالْخِلَافُ فِي نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَيْنِ.
(3)
قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالضَّمَانِ إلَخْ. فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَدَاةُ تَعْلِيلٍ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْبَاءُ فِي الْحَدِيثِ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالسَّبَبُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً مَجَازًا.
وَاسْتِبْعَادِهِ أَنَّ الْخَرَاجَ لِلْمُشْتَرِي. الثَّانِي: لَوْ كَانَتْ الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الزَّوَائِدُ لِلْغَاصِبِ، لِأَنَّ ضَمَانَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَمَانِ غَيْرِهِ. وَبِهَذَا اُحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي قَوْلِهِ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَضْمَنُ مَنَافِعَ الْغَصْبِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم
5 -
قَضَى بِذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْمِلْكِ وَجَعَلَ الْخَرَاجَ لِمَنْ هُوَ مَالِكُهُ إذَا تَلِفَ تَلِفَ عَلَى مِلْكِهِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي. وَالْغَاصِبُ لَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ، 6 -
وَبِأَنَّ الْخَرَاجَ هُوَ الْمَنَافِعُ جَعَلَهَا لِمَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ، بَلْ إذَا أَتْلَفَهَا فَالْخِلَافُ فِي ضَمَانِهَا عَلَيْهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ، ذَكَرَهُ الْأَسْيُوطِيُّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيمَا إذَا دَفَعَ الْأَصِيلُ الدَّيْنَ إلَى الْكَفِيلِ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَنْهُ، فَرَبِحَ الْكَفِيلُ فِيهِ وَكَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ، أَنَّ الرِّبْحَ يَطِيبُ لَهُ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْحَدِيثِ؛ وَقَالَ الْإِمَامُ يَرُدُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ فِي رِوَايَةٍ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ فِي رِوَايَةٍ. وَقَالُوا فِي
ــ
[غمز عيون البصائر]
(4) قَوْلُهُ: وَاسْتِبْعَادِهِ أَنَّ إلَخْ. عَطْفٌ عَلَى طَلَبِهِ وَالضَّمِيرُ لِلْبَائِعِ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ، وَقَوْلُهُ: إنَّ الْخَرَاجَ لِلْمُشْتَرِي مَفْعُولُ الِاسْتِبْعَادِ.
(5)
قَوْلُهُ: قَضَى بِذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْمِلْكِ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّمَانِ ضَمَانٌ خَاصٌّ فَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ كَمَا تَقَرَّرَ.
(6)
قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ الْخَرَاجَ هُوَ الْمَنَافِعُ إلَخْ. جَوَابٌ آخَرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْأَوَّلِ فِي جَانِبِ الضَّمَانِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ ضَمَانٌ خَاصٌّ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الثَّانِي فِي جَانِبِ الْخَارِجِ يَجْعَلُهُ عَيْنَ الْمَنَافِعِ لَكِنْ مَعَ تَقْرِيرِ التَّصَرُّفِ فِي جَانِبِ الضَّمَانِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ ضَمَانُ الْمِلْكِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَلَا مِلْكَ لِلْغَاصِبِ فَتَدَبَّرْ.