الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ)
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] 1 - (وَفِي حَدِيثِ «أَحَبُّ الدِّينِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ» ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ جَمِيعُ رُخَصِ الشَّرْعِ وَتَخْفِيفَاتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ التَّخْفِيفِ فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا سَبْعَةٌ: 2 - الْأَوَّلُ السَّفَرُ، وَهُوَ نَوْعَانِ: 3 - مِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا، وَهُوَ الْقَصْرُ، وَالْفِطْرُ، وَالْمَسْحُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ 4 - وَسُقُوطُ الْأُضْحِيَّةُ عَلَى مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
وَالثَّانِي مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ، مُطْلَقُ الْخُرُوجِ عَنْ الْمِصْرِ، وَهُوَ تَرْكُ الْجُمُعَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
[الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ]
قَوْلُهُ: وَفِي الْحَدِيثِ «أَحَبُّ الدِّينِ» الْحَدِيثَ إلَخْ. هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ. (2)
قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ السَّفَرُ، قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَقَعَتْ حَادِثَةٌ فِي عَهْدِنَا، وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا حَلَفَ لَيُسَافِرَنَّ، فَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ خُرُوجُهُ بِالنِّيَّةِ، أَوْ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْخُرُوجِ مِنْ مِصْرِهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَتَى خَرَجَ قَاصِدًا لِلسَّفَرِ وَجَاوَزَ عِمْرَانَ مِصْرِهِ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ حَتَّى جَازَ لَهُ قَصْرُ الصَّلَاةِ، كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ.
(3)
قَوْلُهُ: مِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ إلَخْ. الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: الْأَوَّلُ مِنْهُ حَتَّى يُحْسِنَ مُقَابَلَتَهُ لِقَوْلِهِ، وَالثَّانِي مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ. (4) قَوْلُهُ: وَسُقُوطُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِثْلُهُ فِي السِّرَاجِ وَالنِّهَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ، قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلَكِنْ قَدْ حَمَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلَهُ عليه السلام -
وَالْعِيدَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ، وَالنَّفَلُ عَلَى الدَّابَّةِ، وَجَوَازُ التَّيَمُّمِ، وَاسْتِحْبَابُ الْقُرْعَةِ بَيْنَ نِسَائِهِ، وَالْقَصْرُ لِلْمُسَافِرِ عِنْدَنَا رُخْصَةُ إسْقَاطٍ بِمَعْنَى الْعَزِيمَةِ، بِمَعْنَى أَنَّ الْإِتْمَامَ لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا حَتَّى أَثِمَ بِهِ وَفَسَدَتْ لَوْ أَتَمَّ وَلَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ إنْ لَمْ يَنْوِ إقَامَتَهُ قُبَيْلَ سُجُودِ الثَّالِثَةِ.
5 -
الثَّانِي: الْمَرَضُ؛ وَرُخَصُهُ كَثِيرَةٌ: التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ عَلَى عُضْوِهِ، أَوْ مِنْ زِيَادَةِ الْمَرَضِ، أَوْ بُطْئِهِ، 6 -، وَالْقُعُودُ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالِاضْطِجَاعُ فِيهَا، وَالْإِيمَاءُ، وَالتَّخَلُّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ مَعَ حُصُولِ الْفَضِيلَةِ، وَالْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ لِلشَّيْخِ الْفَانِي مَعَ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ، وَالْخُرُوجُ مِنْ الْمُعْتَكَفِ، وَالِاسْتِنَابَةُ فِي الْحَجِّ وَفِي رَمْيِ الْجِمَارِ وَإِبَاحَةُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: الثَّانِي الْمَرَضُ إلَخْ. الْمَرَضُ: حَالَةٌ لِلْبَدَنِ يَزُولُ بِهَا اعْتِدَالُ الطَّبِيعَةِ، وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْحُكْمِ، أَيْ أَهْلِيَّةَ وُجُوبِ الْحُكْمِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُخِلُّ بِالْعَقْلِ وَلَا يَمْنَعُهُ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ؛ فَلِذَا صَحَّ نِكَاحُ الْمَرِيضِ، وَالْمَرَضُ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ صِيَانَةً لِحَقِّ الْوَارِثِ، وَهُوَ الثُّلُثَانِ، وَحَقِّ الْغَرِيمِ، وَهُوَ قَدْرُ الدَّيْنِ إذَا اتَّصَلَ الْمَرَضُ بِالْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِهِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِوَارِثِهِ وَلَا وَصِيَّتُهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَيُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ عَلَى دَيْنٍ أَقَرَّ بِهِ فِيهِ.
(6)
قَوْلُهُ: وَالْقُعُودُ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ إلَخْ. فِي التُّمُرْتَاشِيِّ نَقْلًا عَنْ الْإِيضَاحِ: لَوْ قَضَى فِي الصِّحَّةِ فَعَلَ كَمَا يَفْعَلُهُ الْأَصِحَّاءُ، وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ: لَوْ قَضَى فِي الْمَرَضِ فَائِتَةً فِي الصِّحَّةِ بِالتَّيَمُّمِ، أَوْ بِالْإِيمَاءِ جَازَ.
مَعَ الْفِدْيَةِ، وَالتَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ وَبِالْخَمْرِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَاخْتَارَ قَاضِي خَانْ عَدَمَهُ وَإِسَاغَةُ اللُّقْمَةِ إذَا غَصَّ بِهَا اتِّفَاقًا، وَإِبَاحَةُ النَّظَرِ لِلطَّبِيبِ حَتَّى الْعَوْرَةِ وَالسَّوْأَتَيْنِ، الثَّالِثُ: الْإِكْرَاهُ.
7 -
الرَّابِعُ: النِّسْيَانُ. الْخَامِسُ الْجَهْلُ وَسَيَأْتِي لَهَا مَبَاحِثُ
السَّادِسُ: الْعُسْرُ وَعُمُومُ الْبَلْوَى؛ كَالصَّلَاةِ مَعَ النَّجَاسَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا كَمَا دُونَ رُبْعِ الثَّوْبِ مِنْ مُخَفَّفَةٍ 8 - وَقَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ، وَنَجَاسَةُ الْمَعْذُورِ الَّتِي تُصِيبُ ثِيَابَهُ وَكَانَ كُلَّمَا غَسَلَهُ خَرَجَتْ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: الرَّابِعُ النِّسْيَانُ وَهُوَ عَدَمُ اسْتِحْضَارِ الشَّيْءِ وَقْتَ الْحَاجَةِ، فَيَشْمَلُ السَّهْوَ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ، فَإِنَّ اللُّغَةَ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ لِكَمَالِ الْعَقْلِ وَلَيْسَ عُذْرًا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَفِي حُقُوقِهِ تَعَالَى عُذْرٌ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ، أَمَّا الْحُكْمُ فَإِنْ كَانَ مَعَ مُذَكِّرٍ وَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ كَأَكْلِ الْمُصَلِّي فَلَا يَسْقُطُ الْحُكْمُ لِتَقْصِيرِهِ، بِخِلَافِ سَلَامِهِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ، أَوْ لَا مُذَكِّرَ مَعَ دَاعٍ كَأَكْلِ الصَّائِمِ فَيَسْقُطُ الْحُكْمُ، وَكَالتَّسْمِيَةِ فِي الذَّبِيحَةِ فَإِنَّ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ يُوجِبُ هَيْبَةً وَخَوْفًا لِنُفُورِ الطَّبْعِ، فَتَكْثُرُ الْغَفْلَةُ عَنْ التَّسْمِيَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِاشْتِغَالِ قَلْبِهِ بِالْخَوْفِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ غَيْرُ عَفْوٍ فِي مَسَائِلَ: مِنْهَا: لَوْ نَسِيَ الْمُحْدِثُ غَسْلَ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ، وَمِنْهَا لَوْ صَلَّى قَاعِدًا مُتَوَهِّمًا عَجْزَهُ عَنْ الْقِيَامِ نَاسِيًا قُدْرَتَهُ عَلَى الْقِيَامِ وَمِنْهَا إذَا حَكَمَ الْحَكَمَ بِالْقِيَاسِ نَاسِيًا النَّصَّ، وَمِنْهَا لَوْ نَسِيَ الرَّقَبَةَ فِي الْكَفَّارَةِ فَصَامَ، وَمِنْهَا لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ نَاسِيًا، وَمِنْهَا لَوْ فَعَلَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ نَاسِيًا.
(8)
قَوْلُهُ: وَقَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ، الْمُرَادُ بِالدِّرْهَمِ الْمِثْقَالُ وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ دِرْهَمٌ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَقِيلَ: قَدْرُ الدِّرْهَمِ كَعَرْضِ الْكَفِّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، أَيْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَسْطُ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ، وَهُوَ قَدْرُ عُرْضِ الْكَفِّ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ وَوَفَّقَ الْهِنْدُوَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ رِوَايَةَ الْمِسَاحَةِ فِي الرَّقِيقِ كَالْبَوْلِ، وَرِوَايَةَ الْوَزْنِ فِي الثَّخِينِ وَاخْتَارَ هَذَا التَّوْفِيقَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ لِأَنَّ إعْمَالَ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَمْكَنَ، أَوْلَى
وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ، وَالْبَقِّ فِي الثَّوْبِ، وَإِنْ كَثُرَ، وَبَوْلٌ تَرَشَّشَ عَلَى الثَّوْبِ قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ
10 -
وَطِينُ الشَّوَارِعِ وَأَثَرُ نَجَاسَةٍ عَسُرَ زَوَالُهُ
11 -
وَبَوْلُ سِنَّوْرٍ فِي غَيْرِ أَوَانِي الْمَاءِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى 12 -، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ فِي الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَخُرْءِ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ، وَإِنْ كَثُرَ، وَخُرْءِ الطُّيُورِ الْمُحَرَّمَةِ فِي رِوَايَةٍ، وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً
13 -
وَرِيقُ النَّائِمِ مُطْلَقًا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَأَفْوَاهُ الصِّبْيَانِ وَغُبَارُ السِّرْقِينِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
خُصُوصًا مَعَ مُنَاسَبَةِ هَذَا التَّوْزِيعِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ وَقْتُ الْإِصَابَةِ فَلَوْ كَانَ دُهْنًا نَجِسًا قُدِّرَ الدِّرْهَمُ وَقْتَ الْإِصَابَةِ فَانْبَسَطَ فَصَارَ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ فِي اخْتِيَارِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَمُخْتَارُ غَيْرِهِمْ الْمَنْعُ، وَلَوْ صَلَّى قَبْلَ انْبِسَاطِهِ جَازَتْ، وَبَعْدَهُ لَا، وَبِهِ أَخَذَ الْأَكْثَرُونَ كَمَا فِي السِّرَاجِ.
(9)
قَوْلُهُ: وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ، فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ نَجِسَةً مَعْفُوًّ عَنْهَا، وَإِنَّمَا هِيَ طَاهِرَةٌ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقَعْ الِاتِّفَاقُ عَلَى طَهَارَتِهَا كَمَا يَعْرِفُهُ مَنْ اطَّلَعَ عَلَى كَلَامِهِمْ فِي الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ ذَكَرَهَا بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ تَبَعًا لِمَا هُوَ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ.
(10)
قَوْلُهُ: وَطِينُ الشَّوَارِعِ أَطْلَقَهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: مَشَى فِي الطِّينِ فَأَصَابَهُ، لَا يَجِبُ فِي الْحُكْمِ غَسْلُهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَثَرَ النَّجَاسَةِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي الصَّلَاةِ غَسْلُهُ.
(11)
قَوْلُهُ: وَبَوْلُ سِنَّوْرٍ فِي الْقَامُوسِ: الْهِرَّةُ السِّنَّوْرُ وَفِي مُخْتَصَرِ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ السِّنَّوْرُ وَاحِدٌ، وَالْجَمْعُ السَّنَانِيرُ، حَيَوَانٌ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِدَفْعِ الْفَأْرَةِ. (12)
قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ فِي الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ إلَخْ أَيْ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْعَفْوَ عَنْ بَوْلِهَا بِالْأَوَانِي، وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْعَفْوَ عَنْ بَوْلِ الْفَأْرَةِ أَصْلًا حَتَّى يَسُوغَ نَقْلُ الْإِطْلَاقِ فِيهِ.
(13)
قَوْلُهُ: وَرِيقُ النَّائِمِ مُطْلَقًا، هَذَا الْإِطْلَاقُ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ تَفْصِيلٍ سَابِقٍ وَلَا
وَقَلِيلُ الدُّخَانِ النَّجِسِ، وَمَنْفَذُ الْحَيَوَانِ،
، 15 - وَالْعَفْوُ عَنْ الرِّيحِ، وَالْفُسَاءِ، إذَا أَصَابَ السَّرَاوِيلَ الْمُبْتَلَّةَ، وَالْمَقْعَدَةَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَكَانَ الْحَلْوَانِيُّ لَا يُصَلِّي فِي سَرَاوِيلِهِ، وَلَا تَأْوِيلَ لِفِعْلِهِ إلَّا التَّحَرُّزُ مِنْ الْخِلَافِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُنَا بِأَنَّ النَّارَ مُطَهِّرَةٌ لِلرَّوْثِ، وَالْعَذِرَةِ، فَقُلْنَا بِطَهَارَةِ رَمَادِهِمَا تَيْسِيرًا، وَإِلَّا لَزِمَتْ نَجَاسَةُ الْخُبْزِ فِي غَالِبِ الْأَمْصَارِ،
16 -
وَمِنْ ذَلِكَ طَهَارَةُ بَوْلِ الْخُفَّاشِ وَخُرْئِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
لَاحِقٍ، حَتَّى قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْبُرْهَانِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ: الْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ فَمِ النَّائِمِ طَاهِرٌ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ جَفَّ وَبَقِيَ لَهُ أَثَرٌ أَيْ رِيحٌ، أَوْ لَوْنٌ بِأَنْ كَانَ مُنْتِنًا، أَوْ أَصْفَرَ فَهُوَ نَجِسٌ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُهُ مِنْ الْبَلْغَمِ، وَهُوَ طَاهِرٌ مُطْلَقًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ مَا كَانَ مُتَغَيِّرًا، فَالظَّاهِرُ كَوْنُهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَمَا خَرَجَ مِنْهَا نَجِسٌ، وَاسْتَثْنَاهُمَا الْبَلْغَمُ لِلزَّوْجَةِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قُرْحَةٍ وَنَحْوِهَا أَيْضًا، وَقَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ: هُوَ طَاهِرٌ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ الْجَوْفِ، وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا فِي الْمُحِيطِ، فَإِنَّ تَغَيُّرَ اللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْجَوْفِ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ قُرْحَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا فَلَا خَفَاءَ فِي نَجَاسَتِهِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ
(14)
قَوْلُهُ: وَقَلِيلُ الدُّخَانِ النَّجِسِ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ دُخَانَ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ.
(15)
قَوْلُهُ: وَالْعَفْوُ عَنْ الرِّيحِ وَالْفُسَاءِ عَطْفٌ عَلَى الرِّيحِ، عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْعَفْوِ الْمُقْتَضِي لِلنَّجَاسَةِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ، وَالصَّحِيحُ طَهَارَةُ عَيْنِهَا. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: عَفَى عَنْ كَذَا، وَكَذَا أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ مَعَ أَنَّ مَظِنَّةَ النَّجَاسَةِ لِانْتِفَائِهِ عَنْهَا.
(16)
قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ طَهَارَةُ بَوْلِ الْخُفَّاشِ هُوَ كَرُمَّانِ الْوَطْوَاطِ سُمِّيَ بِهِ لِصِغَرِ عَيْنِهِ وَضَعْفِ بَصَرِهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَيُقَالُ لَهُ الْخَطَّافُ لِأَنَّهُ يَخْطَفُ الْبَعُوضَ، وَهُوَ طَعَامُهُ كَمَا قَالَ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ.
فِيهِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ. قَالَ: وَلَا بَوْلَ لِغَيْرِهَا مِنْ
، وَالْبَعْرُ إذَا وَقَعَ فِي الْمِحْلَبِ وَرُمِيَ قَبْلَ التَّفَتُّتِ، وَتَخْفِيفُ نَجَاسَةِ الْأَرْوَاثِ عِنْدَهُمَا، وَمَا يُصِيبَ الثَّوْبَ مِنْ بُخَارَاتِ النَّجَاسَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَا يُصِيبُهُ مِمَّا سَالَ مِنْ الْكَنِيفِ، مَا لَمْ يَكُنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ النَّجَاسَةَ
وَمَاءُ الطَّابَقِ اسْتِحْسَانًا، وَصُورَتُهُ: أُحْرِقَتْ الْعَذِرَةُ فِي بَيْتٍ فَأَصَابَ مَاءُ الطَّابَقِ ثَوْبَ 18 - إنْسَانٍ، وَكَذَا الْإِصْطَبْلُ إذَا كَانَ حَارًّا، أَوْ عَلَى كُوَّتِهِ طَابَقٌ، أَوْ بَيْتُ بَالُوعَةٍ إذَا كَانَ عَلَيْهِ طَابَقٌ وَتَقَاطَرَ مِنْهُ، وَكَذَا الْحَمَّامُ إذَا أُهْرِيقَ فِيهِ النَّجَاسَةُ فَعَرِقَ حِيطَانُهَا وَكُوَّتُهَا وَتَقَاطَرَ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْإِصْطَبْلِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ فِيهِ مَاءٌ فَتَرَشَّحَ فِي أَسْفَلِ الْكُوزِ.
19 -
وَالْقَوْلُ بِطَهَارَةِ الْمِسْكِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ دَمًا،
ــ
[غمز عيون البصائر]
الطُّيُورِ، وَبَوْلُ سَائِرِ الطُّيُورِ الْبِلَّةُ الَّتِي تَكُونُ مَعَ خَرْئِهَا (انْتَهَى) . قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى مَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى لِمَا إذَا يُعْتَبَرُ الْخُرْءُ فَتَأَمَّلْ
(17)
. قَوْلُهُ: وَالْبَعْرُ إذَا وَقَعَ فِي الْمِحْلَبِ فَدُفِعَ فِي الْحَالِ، يَعْنِي إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ اللَّبَنُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلَ التَّفَتُّتِ.
(18)
قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْإِصْطَبْلِ كُوزٌ إلَخْ، فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ الْحَلَبِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْإِصْطَبْلِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ فِيهِ مَاءٌ فَرَشَحَ مِنْ أَسْفَلِ الْكُوزِ، فِي الْقِيَاسِ يَكُونُ نَجِسًا؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ فِي أَسْفَلِ الْكُوزِ صَارَ نَجِسًا بِبُخَارِ الْإِصْطَبْلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَتَنَجَّسُ؛ لِأَنَّ الْكُوزَ طَاهِرٌ، وَالْمَاءَ الَّذِي فِيهِ طَاهِرٌ فَمَا تَرَشَّحَ مِنْهُ يَكُونُ طَاهِرًا
(19)
قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ بِطَهَارَةِ الْمِسْكِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: قَوْلُنَا بِأَنَّ النَّارَ مُطَهِّرَةٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَيْنُ الْمِسْكِ قَالُوا: يَجُوزُ أَكْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ دَمٌ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ تَعْلِيلًا (انْتَهَى) . وَقِيلَ عَلَيْهِ: إنَّ الْمَسْأَلَةَ مُعَلَّلَةٌ، فَقَدْ قَالَ فِي النَّجَاتِيَّةِ
وَالزَّبَادِ، وَإِنْ كَانَ عَرَقَ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ، وَالتُّرَابِ الطَّاهِرِ إذَا جُعِلَ طِينًا بِالْمَاءِ النَّجِسِ، أَوْ عَكْسُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلطَّاهِرِ أَيُّهُمَا كَانَ
21 -
وَمَا تَرَشَّشَ عَلَى الْغَاسِلِ مِنْ غُسَالَةِ الْمَيِّتِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَمَا رُشَّ بِهِ السُّوقُ إذَا ابْتَلَّ بِهِ قَدَمَاهُ، وَمَوَاطِئِ الْكِلَابِ وَالطِّينِ الْمُسَرْقَنِ وَرَدْغَةِ الطَّرِيقِ، وَمَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُزِيلٍ، حَتَّى لَوْ نَزَلَ الْمُسْتَنْجِي بِهِ فِي مَاءٍ نَجِسَةٍ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ كُلَّ مَائِعٍ قَالِعٍ يُزِيلُ النَّجَاسَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ لِلصِّبْيَانِ لِلتَّعَلُّمِ، وَمَسْحِ الْخُفِّ فِي الْحَضَرِ لِمَشَقَّةِ نَزْعِهِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ، وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ نَزْعُهُ لِلْغَسْلِ لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ
22 -
، وَأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَى الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ وَلَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَالْمِسْكُ حَلَالٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ يُؤْكَلُ فِي الطَّعَامِ وَيُجْعَلُ فِي الْأَدْوِيَةِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمِسْكَ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ دَمًا فَقَدْ تَغَيَّرَ فَيَصِيرُ طَاهِرًا كَرَمَادِ الْعَذِرَةِ (انْتَهَى) .
وَالْمُرَادُ بِالتَّغَيُّرِ الِاسْتِحَالَةُ إلَى طِيبٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُطَهِّرَاتِ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا قَالَ: حَلَالٌ دُونَ طَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الطَّهَارَةِ الْحِلُّ كَمَا فِي التُّرَابِ بِخِلَافِ الْكَعْسِ، وَبِمَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ عُلِمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُعَلَّلَةٌ (20)
قَوْلُهُ: وَالزَّبَادِ عَطْفٌ عَلَى الْمِسْكِ، وَإِنَّمَا كَانَ طَاهِرًا لِاسْتِحَالَتِهِ إلَى الطِّبِّ
(21)
قَوْله: وَمَا تَرَشَّشَ عَلَى الْغَاسِلِ إلَخْ. فِي السِّرَاجِ: الْمَيِّتُ إنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ طَاهِرَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ
(22)
قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَى الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا انْفَصَلَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَقِيلَ: الْمُسْتَعْمَلُ مَا زَالَ عَنْ الْبَدَنِ وَاسْتَقَرَّ فِي مَكَان مِنْ أَرْضٍ، أَوْ إنَاءٍ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ
بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ إذَا لَاقَى الْمُتَنَجِّسَ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّغَيُّرُ بِالْمُكْثِ وَالطِّينِ
23 -
وَالطُّحْلُبِ وَكُلِّ مَا يَعْسُرُ صَوْنُهُ عَنْهُ وَإِبَاحَةُ الْمَشْيِ وَالِاسْتِدْبَارِ عِنْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ وَإِبَاحَتُهُمَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ
24 -
وَإِبَاحَةُ النَّافِلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ خَارِجَ الْمِصْرِ بِالْإِيمَاءِ. 25 - وَفِيهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَإِبَاحَةُ الْقُعُودِ فِيهَا بِلَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَالطُّحْلُبُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَاللَّامُ مَفْتُوحَةً وَمَضْمُومَةً الْأَخْضَرُ الَّذِي يَعْلُو عَلَى الْمَاءِ، كَذَا فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ
(24)
قَوْلُهُ: وَإِبَاحَةُ النَّافِلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ لَفْظُ النَّافِلَةِ يَتَنَاوَلُ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ، فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ عَلَى الدَّابَّةِ. أَطْلَقَ إبَاحَةَ النَّافِلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا، أَوْ مُقِيمًا خَارِجًا إلَى بَعْضِ النَّوَاحِي لِحَاجَةٍ. وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ: وَيَشْمَلُ مَا إذَا قَدَرَ عَلَى النُّزُولِ أَوْ لَا وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ خَارِجِ الْمِصْرِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا يَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ فِيهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ تُشْتَرَطْ طَهَارَةُ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْكَافِي.
وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَيْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى السِّرَاجِ، أَوْ الرِّكَابَيْنِ وَالدَّابَّةِ، لِأَنَّ فِيهَا ضَرُورَةٌ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَقَيَّدَ بِالنَّافِلَةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ، وَالْوَاجِبَ بِأَنْوَاعِهِ مِنْ الْوِتْرِ، وَالْمَنْذُورِ وَمَا لَزِمَهُ بِالشُّرُوعِ وَالْإِفْسَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالسَّجْدَةِ الَّتِي تُلِيَتْ لَا تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِعَدَمِ لُزُومِ الْحَرَجِ فِي النُّزُولِ، وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يَخَافَ اللِّصَّ، أَوْ السَّبُعَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ أَوْ لَمْ يَقِفْ لَهُ رُفَقَاؤُهُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ جَمُوحًا لَا يَقْدِرُ عَلَى رُكُوبِهَا إلَّا بِمُعِينٍ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَجِدُ مِنْ يُرْكِبُهُ، وَمِنْ الْأَعْذَارِ الطِّينُ وَالْمَطَرُ بِأَنْ يَكُونَ بِحَالٍ يَغِيبُ وَجْهُهُ فِي الطِّينِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَالْأَرْضُ نَدِيَّةٌ فَإِنَّهُ يُصَلِّي، كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ الرَّجُلُ حَمَلَ امْرَأَتَهُ مِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمِصْرِ كَانَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ إذَا كَانَتْ لَا تَقْدِرُ عَلَى النُّزُولِ.
(25)
قَوْلُهُ: وَفِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، أَيْ: إبَاحَةُ النَّافِلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْمِصْرِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: يَجُوزُ وَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ
عُذْرٍ
وَوَسَّعَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا 26 - فَلَمْ يَقُلْ: إنَّ مَسَّ الْمَرْأَةِ وَالذَّكَرِ نَاقِضٌ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ فِي الطَّهَارَةِ وَلَا الدَّلْكَ، وَوَسَّعَ فِي الْمِيَاهِ فَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ مُقَارَنَةَ النِّيَّةِ لِلتَّكْبِيرِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا حَتَّى الْفَاتِحَةَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالتَّعْيِينُ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ عُسْرٌ، وَأَسْقَطَ الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ، بَلْ مَنَعَهُ مِنْهَا شَفَقَةً عَلَى الْإِمَامِ دَفْعًا لِلتَّخْلِيطِ عَنْهُ كَمَا يُشَاهَدُ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ، وَلَمْ يَخُصَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ بِلَفْظٍ، وَإِنَّمَا جَوَّزَهَا بِكُلِّ مَا يُفِيدُ التَّعْظِيمَ وَأَسْقَطَ نَظْمَ الْقُرْآنِ عَنْ الْمُصَلِّي؛ فَجَوَّزَهُ بِالْفَارِسِيِّ تَيْسِيرًا عَلَى الْخَاشِعِينَ. 27 -
وَرُوِيَ رُجُوعُهُ عَنْهُ
28 -
وَأَسْقَطَ فَرْضَ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ تَيْسِيرًا، وَأَسْقَطَ لُزُومَ التَّفْرِيقِ عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ فِي الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَجَوَّزَ تَأْخِيرَ النِّيَّةِ فِي الصَّوْم وَعَدَمَ التَّعْيِينِ لِصَوْمِ رَمَضَانَ، وَلَمْ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَلَمْ يَقُلْ: إنَّ مَسَّ الْمَرْأَةِ الذَّكَرَ إلَخْ. فِيهِ أَنَّ أَصْحَابَهُ يَقُولُونَ بِذَلِكَ أَيْضًا. (27) قَوْلُهُ: وَرُوِيَ رُجُوعُهُ. قِيلَ عَلَيْهِ: إنَّ رِوَايَةَ الرُّجُوعِ مَشْهُورَةٌ عَنْهُ، فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ
(28)
قَوْلُهُ: وَأَسْقَطَ فَرْضَ الطُّمَأْنِينَةِ إلَخْ. قِيلَ عَلَيْهِ: إنَّمَا ذُكِرَ عِنْدَ الْكُلِّ فَلَا وَجْهَ لِإِضَافَةِ الْإِسْقَاطِ إلَى الْإِمَامِ وَقَدْ يُقَالُ: الْإِضَافَةُ إلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْحَابِهِ فَتَأَمَّلْ
يَجْعَلْ لِلْحَجِّ إلَّا رُكْنَيْنِ؛ الْوُقُوفَ وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الطَّهَارَةَ لَهُ وَلَا السِّتْرَ وَلَمْ يَجْعَلْ السَّبْعَةَ كُلَّهَا أَرْكَانًا بَلْ الْأَكْثَرَ، وَلَمْ يُوجِبْ الْعُمْرَةَ فِي الْعُمْرِ، كُلُّ ذَلِكَ لِلتَّيْسِيرِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
29 -
، وَمِنْ ذَلِكَ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمِنْ ثَمَّ لَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ فِي الْجُمُعَةِ لِاسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ إلَيْهَا عَلَى مَا قِيلَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ 30 - إنَّهَا كَالظُّهْرِ فِي الزَّمَانَيْنِ وَتَرْكِ الْجَمَاعَةِ لِلْمَطَرِ وَالْجُمُعَةِ بِالْأَعْذَارِ الْمَعْرُوفَةِ، وَكَذَا أَسْقَطَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله عَنْ الْأَعْمَى الْجُمُعَةَ، وَالْحَجَّ 31 -، وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ عَنْهُ
32 -
وَعَدَمُ وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْحَائِضِ لِتَكَرُّرِهَا، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَبِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِنُدُورِ ذَلِكَ، وَسُقُوطُ الْقَضَاءِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ 33 - وَعَنْ الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ، كَذَلِكَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ. لَيْسَ شِدَّةُ الْحَرِّ قَيْدًا مُعْتَبَرًا فِي اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ، بَلْ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ مُسْتَحَبٌّ فِي الصَّيْفِ سَوَاءُ كَانَ الْحَرُّ شَدِيدًا، أَوْ لَا.
(30)
قَوْلُهُ: كَالظُّهْرِ فِي زَمَانَيْنِ.
أَيْ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ. (31) قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا؛ لِأَنَّ الْقَادِرَ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ لَا يُعَدُّ قَادِرًا عِنْدَهُ
(32)
قَوْلُهُ: وَعَدَمُ وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَائِضِ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا لَا يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ، إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا. (33) قَوْلُهُ: وَعَنْ الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الْإِيمَاءِ. مَعْطُوفُ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ
عَلَى الصَّحِيحِ
35 -
وَجَوَازُ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لِخَوْفِ دَوَرَانِ الرَّأْسِ. وَكَانَ الصَّوْمُ فِي السَّنَةِ شَهْرًا، وَالْحَجُّ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً، وَالزَّكَاةُ رُبْعَ الْعَشْرِ، تَيْسِيرًا
36 -
وَلِذَا قُلْنَا إنَّهَا وَجَبَتْ بِقُدْرَةٍ مُيَسَّرَةٍ حَتَّى سَقَطَتْ بِهَلَاكِ الْمَالِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَأَكْلُ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ ضَمَانِ الْبَدَلِ، إذَا اُضْطُرَّ، وَأَكْلُ الْوَلِيِّ، وَالْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ
(35)
قَوْلُهُ: وَجَوَازُ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي السَّفِينَةِ. مَسْأَلَةُ السَّفِينَةِ فِيهَا تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّ السَّفِينَةَ إمَّا سَائِرَةٌ، أَوْ مَرْبُوطَةٍ، وَالْمَرْبُوطَةُ إمَّا فِي الشَّطِّ وَإِمَّا فِي اللُّجَّةِ، وَالْمَرْبُوطَةُ فِي اللُّجَّةِ إمَّا شَدِيدَةُ الِاضْطِرَابِ، أَوْ لَا. فَالسَّائِرَةُ، وَالْمَرْبُوطَةُ فِي اللُّجَّةِ شَدِيدَةُ الِاضْطِرَابِ تَجُوزُ صَلَاةُ الْفَرْضِ فِيهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ الْإِمَامِ مَعَ الْإِسَاءَةِ.
قَالَا: لَا تَجُوزُ إلَّا بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مِنْ الْأَرْكَانِ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِعُذْرٍ وَلَهُ أَنَّ دَوَرَانَ الرَّأْسِ فِيهَا بِالْقِيَامِ غَالِبٌ، وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ. وَأَمَّا الْمَرْبُوطَةُ بِالشَّطِّ، وَهِيَ مُسْتَقِرَّةٌ غَيْرُ مُضْطَرِبَةٍ فَقِيلَ: عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْجَوَازِ اتِّفَاقًا وَأَمَّا غَيْرُ الْمُسْتَقِرَّةِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا أَصْلًا
(36)
قَوْلُهُ: وَلِذَا قُلْنَا فِيهَا وَجَبَتْ بِقُدْرَةٍ مُيَسَّرَةٍ، أَيْ بِالْقُدْرَةِ الْمُوجِبَةِ لِتَيْسِيرِ الْأَدَاءِ عَلَى الْعَبْدِ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: إذَا هَلَكَ النِّصَابُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَلَمْ يُؤَدِّ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ عِنْدَنَا لِعَدَمِ بَقَاءِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ الَّتِي هِيَ وَصْفُ النَّمَاءِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُمْكِنَةً بِدُونِهِ، فَشُرِطَ النَّمَاءُ لِيَكُونَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ. وَالْوَاجِبُ إذَا وَجَبَ بِصِفَةِ الْيُسْرِ لَا يَبْقَى عِنْدَ انْتِفَائِهَا، وَإِلَّا لَانْقَلَبَ الْيُسْرُ عُسْرًا.
وَقَيَّدَ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُسْتُهْلِكَ الْمَالُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْقَطَ الْوَاجِبَ عَنْ نَفْسِهِ بِالتَّعَدِّي خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلنَّظَرِ فَجُعِلَتْ الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ بَاقِيَةً فِيهِ تَقْدِيرًا، زَجْرًا لَهُ وَنَظَرًا لِلْفَقِيرِ
وَجَوَازُ تَقَدُّمِ النِّيَّةِ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَفْصِلْ أَجْنَبِيٌّ، وَتَقَدُّمِ النِّيَّةِ عَلَى الصَّوْمِ مِنْ اللَّيْلِ، وَتَأَخُّرُهَا عَنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ عَنْ جِنْسِ الصَّائِمِينَ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ تَطْهُرُ بَعْدَهُ، وَالْكَافِرَ يُسْلِمُ وَالصَّغِيرَ يَبْلُغُ كَذَلِكَ
38 -
وَإِبَاحَةُ التَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ بِالْإِحْصَارِ، وَالْفَوَاتِ
39 -
وَإِبَاحَةُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله رَعْيَ حَشِيشِ الْحَرَمِ لِلْحَاجِّ فِي الْمَوْسِمِ تَيْسِيرًا
40 -
وَلُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْحَكَّةِ، وَالْقِتَالِ وَبَيْعُ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ، جُوِّزَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْمَفَالِيسِ وَالِاكْتِفَاءُ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِ الصُّبْرَةِ وَالْأُنْمُوذَجِ وَمَشْرُوعِيَّةُ خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي دَفْعًا لِلنَّدَمِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَجَوَازُ تَقَدُّمِ النِّيَّةِ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَفْصِلْ أَجْنَبِيٌّ يَعْنِي غَيْرَ الْمَشْيِ لِلْفَقِيرِ
(38)
قَوْلُهُ: وَإِبَاحَةُ التَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ بِالْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ يَعْنِي يُبَاحُ التَّحَلُّلُ مِنْ الْحَجِّ بِسَبَبِ الْإِحْصَارِ بِسَرَقِ الْهَدْيِ وَبِسَبَبِ الْفَوَاتِ بِالْعُمْرَةِ، هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَالْعِبَارَةُ لَا تُفِيدُهُ
(29)
قَوْلُهُ: وَإِبَاحَةُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله رَعْيَ حَشِيشِ الْحَرَمِ إلَخْ. سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفِيًا فِي أَحْكَامِ الْحَرَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(40)
قَوْلُهُ: وَلُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْحَكَّةِ، وَالْقِتَالِ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْحَظْرِ، وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لُبْسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ فِي الْحَرْبِ، وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْكَرَاهَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَصَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ بِذَلِكَ (انْتَهَى) . يَعْنِي فَلَا يَجُوزُ لُبْسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ لِغَيْرِهِمَا
وَخِيَارُ نَقْدِ الثَّمَنِ دَفْعًا لِلْمُمَاطَلَةِ. 42 - وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَيْعُ الْأَمَانَةِ الْمُسَمَّى بِبَيْعِ الْوَفَاءِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخِ بُخَارَى تَوْسِعَةً، وَبَيَانُهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ
43 -
، وَمِنْ ذَلِكَ أَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالرَّدِّ لِخِيَارِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ، إمَّا مُطْلَقًا أَوْ إذَا كَانَ فِيهِ غُرُورُ رَحْمَةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي.
وَمِنْهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَالتَّحَالُفِ، وَالْإِقَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالرَّهْنِ وَالضَّمَانِ، وَالْإِبْرَاءُ وَالْقَرْضِ وَالشَّرِكَةِ وَالصُّلْحِ، وَالْحَجْرِ، وَالْوَكَالَةِ وَالْإِجَارَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَخِيَارُ نَقْدِ الثَّمَنِ بِأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي: إنْ لَمْ أُنْقِدِ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا. (42) قَوْلُهُ: وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَيْعُ الْأَمَانَةِ الْمُسَمَّى بِبَيْعِ الْوَفَاءِ. صُورَتُهُ كَمَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى أَنْ يَقُولَ: بِعْته مِنْك عَلَى أَنْ تَبِيعَهُ مِنِّي مَتَى جِئْت بِالثَّمَنِ. وَفِي الْبَحْرِ لِلْمُصَنِّفِ: وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي: بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ بِدَيْنِك عَلَى أَبِي، إنْ قَضَيْت الدَّيْنَ فَهُوَ لِي، أَوْ يَقُولَ الْبَائِعُ: بِعْت مِنْك هَذَا بِكَذَا عَلَى أَنِّي إنْ دَفَعْتُ لَك الثَّمَنَ تَدْفَعُ الْعَيْنَ لِي. وَفِيهِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ بَلْ تِسْعَةٌ كُلُّهَا مَرْجُوحَةٌ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ: أَنَّ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الرَّهْنِ. وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ بَاطِلٌ، وَهُوَ رَهْنٌ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الرَّهْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْته شِرَاءً بَاتًّا، وَقَالَ الْبَائِعُ بَيْعُ الْوَفَاءِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي زَوَالَ عَيْنِهِ بِالْبَتَاتِ، وَمُدَّعِي الْوَفَاءِ يُنْكِرُ الزَّوَالَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَمَنْ أَرَادَ زِيَادَةَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْوَفَاءِ فَلْيَرْجِعْ إلَى الْبَزَّازِيَّةِ وَفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ
(43)
قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ أَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالرَّدِّ بِخِيَارِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فِي التَّنْوِيرِ لَا رَدَّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَيُفْتَى بِالرَّدِّ إنْ غَرَّهُ، وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: قِيمَتُهُ كَذَا فَاشْتَرَاهُ فَظَهَرَ أَقَلَّ فَلَهُ الرَّدُّ لِحُكْمِ أَنَّهُ غَرَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ فَلَا، وَبِهِ أَفْتَى الصَّدْرُ الشَّهِيدُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مَعَ التَّغْرِيرِ لِلْبَائِعِ
وَالْمُزَارِعَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ، عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ لِلْحَاجَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْعَارِيَّةِ، الْوَدِيعَةِ، لِلْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَنْتَفِعُ إلَّا بِمَا هُوَ مِلْكُهُ وَلَا يَسْتَوْفِي إلَّا مَنْ عَلَيْهِ حَقُّهُ، وَلَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِكَمَالِهِ وَلَا يَتَعَاطَى أُمُورَهُ إلَّا بِنَفْسِهِ
44 -
فَسَهُلَ الْأَمْرُ بِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ، وَالْإِعَارَةِ وَالْقَرْضِ، وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَكَالَةً وَإِيدَاعًا وَشَرِكَةً وَمُضَارَبَةً وَمُسَاقَاةً، وَبِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ غَيْرِ الْمَدْيُونِ حَوَالَةً،
ــ
[غمز عيون البصائر]
أَوْ الْمُشْتَرِي كَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ كَثِيرٍ، ثُمَّ مَاتَ مَنْ لَهُ ذَلِكَ هَلْ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ وَيَمْلِكُ الرَّدَّ بِهِ بِوَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ كَمَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَمْ أَرَهُ. وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الرَّدِّ بِالْغَبْنِ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الرَّدَّ لِلْمُشْتَرِي إذَا حَصَلَ التَّغْرِيرُ مِنْ الْبَائِعِ عَكْسُهُ، وَغَايَتُهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الرَّدِّ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ فَلَا. فَلْيَكُنْ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ وَنَحْوِهِمَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ، وَمُوجِبُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةً وَإِرَادَةً فَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَارِثِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِمْ. وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ نُورُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ غَانِمٍ الْمَقْدِسِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقِرِّينَ فَيَسِيرٌ، وَمَا لَا، فَفَاحِشٌ كَمَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ، وَكَمَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مَغْبُونًا يَكُونُ الْبَائِعُ كَذَلِكَ كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِي الْهِدَايَةِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ: الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيُّ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ عَدَمُ الرَّدِّ، يُعَارِضُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَحْرِ عَنْ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى أَنَّ الْمَذْهَبَ الرَّدُّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَذْهَبِ وَظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
(44)
قَوْلُهُ: فَسَهُلَ الْأَمْرُ بِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ إلَى قَوْلِهِ، وَالْقَرْضِ، قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِي قَوْلِهِ: وَالْقَرْضِ. نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِالْقَرْضِ، وَهُوَ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ، وَهُوَ الْمُقْرِضُ بَلْ يَمْلِكُهُ الْمُسْتَقْرِضُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ، وَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقَرْضَ وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله أَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ أُبِيحَ تَمْلِيكُهُ، فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْقَرْضِ فَالْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ كَذَلِكَ فَأَوْجُهُ تَخْصِيصِ الْقَرْضِ بِالذِّكْرِ
وَبِالتَّوْثِيقِ عَلَى الدَّيْنِ بِرِهَانٍ وَكَفِيلٍ، وَلَوْ بِالنَّفْسِ وَبِإِسْقَاطِ بَعْضِ الدَّيْنِ صُلْحًا، أَوْ كُلَّهُ إبْرَاءٌ، وَلِحَاجَةِ افْتِدَاءِ يَمِينِهِ؛ جَوَّزْنَا الصُّلْحَ عَنْ إنْكَارِ وَلِفَقْدِ مَا شُرِعَتْ الْإِجَارَةُ لَهُ لَوْ جُعِلَتْ الْمَنَافِعُ أُجْرَةً عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، قُلْنَا: لَا يَجُوزُ
45 -
وَقُلْنَا: الْإِجَارَةُ عَلَى مَنْفَعَةٍ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ مِنْ الْعَيْنِ لَا تَجُوزُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِالْعَارِيَّةِ كَمَا عُلِمَ فِي إجَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ، وَمِنْ التَّخْفِيفِ جَوَازُ الْعُقُودِ الْحَائِزَةِ؛ لِأَنَّ لُزُومَهَا شَاقٌّ فَتَكُونُ سَبَبًا لِعَدَمِ تَعَاطِيهَا
46 -
وَلُزُومُ اللَّازِمَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَقِرَّ بَيْعٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَوَقَفْنَا عَزْلَ الْوَكِيلِ عَلَى عِلْمِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْهُ، وَكَذَا عَزْلُ الْقَاضِي وَصَاحِبُ وَظِيفَتِهِ.
وَمِنْهُ إبَاحَةُ النَّظَرِ لِلطَّبِيبِ وَالشَّاهِدِ، وَعِنْدَ الْخِطْبَةِ 47 - وَلِلسَّيِّدِ. وَمِنْهُ جَوَازُ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِمَا فِي اشْتِرَاطِهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا يَتَحَمَّلُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي بَنَاتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ، مِنْ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَقُلْنَا: الْإِجَارَةُ عَلَى مَنْفَعَةٍ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ مِنْ الْعَيْنِ لَا تَجُوزُ، وَذَلِكَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ ثِيَابًا لِيَبْسُطَهَا فِي بَيْتِهِ وَلَا يَجْلِسَ عَلَيْهَا، أَوْ دَابَّةً لِيَرْبِطَهَا فِي فِنَائِهِ لِيَظُنَّ النَّاسُ أَنَّهَا لَهُ، أَوْ لِيَجْعَلَهَا جَنِيبَةً بَيْنَ يَدَيْهِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ مِنْ الْعَيْنِ
(46)
قَوْلُهُ: وَلُزُومُ اللَّازِمَةِ، أَيْ: وَمِنْ التَّخْفِيفِ لُزُومُ اللَّازِمَةِ
(47)
قَوْلُهُ: وَلِلسَّيِّدِ، أَيْ: إبَاحَةُ النَّظَرِ لِلسَّيِّدِ. قِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّ إبَاحَةَ نَظَرِ السَّيِّدِ لِعَدَمِ كَوْنِ وَجْهِ الْقَيْنَةِ مِنْ الْعَوْرَةِ، وَرُبَّمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْ. أَقُولُ: لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْقَيْنَةِ فَإِنَّ وَجْهَ الْحُرَّةِ أَيْضًا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلسَّيِّدِ أَيْضًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالسَّيِّدِ مَرِيدُ شِرَاءِ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ الشَّهْوَةَ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ بِاعْتِبَارِ مَجَازِ الْأَوَّلِ
نَظَرِ كُلِّ خَاطِبٍ؛ فَنَاسَبَ التَّيَسُّرُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَلَهُ الْخِيَارُ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ
48 -
، وَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا: إنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَمِنْ هُنَا وَسَّعَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فَجَوَّزَهُ بِلَا وَلِيٍّ وَمِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ، وَلَمْ يُفْسِدْهُ بِالشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ، وَلَمْ يَخُصَّهُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، بَلْ قَالَ 49 -: يَنْعَقِدُ بِمَا يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ لِلْحَالِ، وَصَحَّحَهُ بِحُضُورِ ابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ وَنَاعِسِينَ وَسُكَارَى يَذْكُرُونَهُ بَعْدَ الصَّحْوِ، وَبِعِبَارَةِ النِّسَاءِ وَجَوَّزَ شَهَادَتَهُنَّ فِيهِ، فَانْعَقَدَ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، كُلُّ ذَلِكَ دَفْعًا لِمَشَقَّةِ الزِّنَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ.
وَمِنْ هُنَا قِيلَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا أَيْ مِنْ هَاهُنَا، أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِي النِّكَاحِ دُونَ الْبَيْعِ. قُلْنَا: الْأَمْرُ إيجَابٌ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ: زَوِّجْنِي تَوْكِيلٌ، وَقَوْلَهُ: زَوَّجْتُك قَائِمٌ مَقَامَ الطَّرَفَيْنِ، بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْوَاحِدَ فِي النِّكَاحِ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَلَمْ يَطَّلِعْ صَاحِبُ الدُّرَرِ، وَالْغُرَرِ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ فَاعْتَرَضَ عَلَى الْكَنْزِ بِأَنَّهُ خَالَفَ الْقَوْمَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هُنَا ثَمَانِيَةَ مَوَاطِنَ يَكُونُ الْأَمْرُ إيجَابًا فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ: مِنْهَا الْبَيْعُ، وَالْإِقَالَةُ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِمَا إيجَابًا، وَالنِّكَاحُ، وَالْخُلْعُ هُوَ فِيهِمَا إيجَابٌ هَذِهِ أَرْبَعَةٌ، وَالْخَامِسُ لَوْ قَالَ لِعَبْدٍ: اشْتَرِ نَفْسَك مِنِّي بِكَذَا فَقَالَ: فَعَلْتُ عَتَقَ وَالسَّادِسُ لَوْ قَالَ: هَبْ لِي هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ: وَهَبْت مِنْك تَمَّ. وَالسَّابِعُ قَالَ لِصَاحِبِ دَيْنٍ: أَبْرِئْنِي فَقَالَ: أَبْرَأْتُك يَتِمُّ. وَالثَّامِنُ قَالَ: اُكْفُلْ نَفْسَ فُلَانٍ لِفُلَانٍ فَقَالَ: كَفَلْت يَتِمُّ. فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَقَدِمَ وَأَجَازَ جَازَ.
(49)
قَوْلُهُ: يَنْعَقِدُ بِمَا يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ لِلْحَالِ، فَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَالْعَطِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّمْلِيكِ، وَالْجُعْلِ، وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَمَّا بِلَفْظِ السَّلَمِ فَإِنْ جَعَلَ الْمَرْأَةَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا، وَإِنْ جَعَلَهَا مُسَلَّمًا فِيهَا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ. بَقِيَ الْكَلَامُ فِي
عَجِبْتُ لِحَنَفِيٍّ يَزْنِي. وَمِنْهُ إبَاحَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ؛ فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى وَاحِدَةٍ تَيْسِيرًا عَلَى الرَّجُلِ وَعَلَى النِّسَاءِ أَيْضًا لِكَثْرَتِهِنَّ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى الرَّجُلِ فِي الْقَسْمِ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ الطَّلَاقِ لِمَا فِي الْبَقَاءِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عِنْدَ التَّنَافُرِ
، وَكَذَا 50 - مَشْرُوعِيَّةُ الْخُلْعِ وَالِافْتِدَاءِ وَالرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ الثَّلَاثِ، 51 - وَلَمْ يُشْرَعْ دَائِمًا
ــ
[غمز عيون البصائر]
لَفْظِ التَّجْوِيزِ، هَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ اتِّصَالٌ حَتَّى تَصِحَّ اسْتِعَارَتُهُ كَمَا اُسْتُعِيرَ لَفْظُ الْهِبَةِ، وَالْبَيْعِ لَهُ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا اتِّصَالَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّجْوِيزَ مَصْدَرُ جَوَّزَ الْفَقِيهُ؛ كَذَا إذَا قَالَ بِحِلِّهِ، أَوْ بِمَعْنَى الْمُرُورِ، وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مَا يَصْلُحُ عَلَاقَةً لِلِاسْتِعَارَةِ.
وَلِلْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ تِلْمِيذِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله رِسَالَةٌ فِي ذَلِكَ وَحَاصِلُهَا عَدَمُ صِحَّةِ الْعَقْدِ بِهَذَا اللَّفْظِ الْوَاقِعِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْفَلَّاحِينَ.
(50)
قَوْلُهُ: مَشْرُوعِيَّةُ الْخُلْعِ وَالِافْتِدَاءِ. عَطَفَ الِافْتِدَاءَ عَلَى الْخُلْعِ عَطْفَ تَفْسِيرٍ. قَالَ فِي الْمَجْمَعِ إذَا افْتَدَتْ الْمَرْأَةُ بِمَالِ يَخْلَعُهَا عَلَيْهِ فَفَعَلَ وَقَعَ طَلْقَةً بَائِنَةً وَلَزِمَهَا الْمَالُ.
(51)
قَوْلُهُ: وَلَمْ يُشْرَعْ دَائِمًا، بَلْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مَحْظُورٌ لَا لِحَاجَةٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَيُحْمَلُ لَفْظُ الْمُبَاحِ عَلَى مَا أُبِيحَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَعْنِي أَوْقَاتَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ كَكِبَرٍ وَرِيبَةٍ لَكِنْ فِي الْعِنَايَةِ تَبَعًا لِلدِّرَايَةِ ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُبَاحٍ إلَّا لِلضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ» ، وَالْعَامَّةُ عَلَى إبَاحَتِهِ بِالنُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ وَهَذَا خِلَافُ مَا رَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ الْحَقُّ إذْ لَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ الْمَسْنُونِ مِنْهُ، يَعْنِي الْمُبَاحَ، وَلَا يُنَافِيه قَوْلُهُمْ: الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرُ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّارِعَ تَرَكَ هَذَا الْأَصْلَ فَأَبَاحَهُ كَقَوْلِهِمْ: الْأَصْلُ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ، وَالْإِبَاحَةُ لِلْحَاجَةِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عُرِفَ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ بَيْنَ حُكْمِهِمْ بِالْإِبَاحَةِ وَتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ مَحْظُورٌ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ مَا ذَكَرْنَا فِي بَيَانِ سَبَبِهِ تَدَافُعًا مَمْنُوعٌ بَلْ الْحَاجَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي النَّهْرِ.
لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى الزَّوْجَةِ.
، وَمِنْهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى الْمَوْلَى بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، وَمِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ الْكَفَّارَةِ فِي الظِّهَارِ، وَالْيَمِينِ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَكَذَا التَّخْيِيرُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِتَكَرُّرِهَا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ لِنُدْرَةِ وُقُوعِهَا، وَمَشْرُوعِيَّةُ التَّخْيِيرِ فِي نَذْرٍ مُعَلَّقٍ 53 - بِشَرْطٍ لَا يُرَادُ كَوْنُهُ بَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالْوَفَاءِ بِالْمَنْذُورِ 54 - عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَمِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ الْكِتَابَةِ لِيَتَخَلَّصَ الْعَبْدُ مِنْ دَوَامِ الرِّقِّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ، وَلَمْ يُبْطِلْهَا بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ تَوْسِعَةً.
وَمِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ لِيَتَدَارَكَ الْإِنْسَانُ مَا فَرَطَ مِنْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَصَحَّ لَهُ فِي الثُّلُثِ دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْوَرَثَةِ حَتَّى أَجَزْنَاهَا بِالْجَمِيعِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ، وَأَوْقَفْنَاهَا عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَتْ لِوَارِثٍ وَأَبْقَيْنَا التَّرِكَةَ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حُكْمًا حَتَّى تُقْضَى حَوَائِجُهُ مِنْهَا رَحْمَةً عَلَيْهِ، وَوَسَّعْنَا الْأَمْرَ فِي الْوَصِيَّةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى الزَّوْجَةِ بِالْمُفَارَقَةِ بَعْدَ كَمَالِ الِازْدِوَاجِ، وَالِائْتِلَافِ.
(53)
قَوْلُهُ: بِشَرْطٍ لَا يُرَادُ كَوْنُهُ إلَخْ. فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ: إنْ كَانَ الشَّرْطُ أَمْرًا حَرَامًا كَأَنْ زَنَيْت مَثَلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَخَيَّرَ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ تَخْفِيفٌ وَالْحَرَامُ لَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ (54) قَوْلُهُ: عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى التَّخْيِيرِ مُطْلَقًا.
فَجَوَّزْنَاهَا بِالْمَعْدُومِ وَلَمْ نُبْطِلْهَا بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ.
، وَمِنْهُ إسْقَاطُ الْإِثْمِ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْخَطَأِ وَالتَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ بِالِاكْتِفَاءِ بِالظَّنِّ وَلَوْ كُلِّفُوا الْأَخْذَ بِالْيَقِينِ لَشَقَّ وَعَسُرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَوَسَّعَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي بَابِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ تَيْسِيرًا، فَصَحَّحَ تَوْلِيَةَ الْفَاسِقِ، 56 - وَقَالَ: إنَّ فِسْقَهُ لَا يَعْزِلُهُ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَجَوَّزْنَاهَا بِالْمَعْدُومِ قِيلَ: إطْلَاقُهُ فِي الْمَعْدُومِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ هُوَ فِي مَعْدُومٍ خَاصٍّ وَهُوَ الثَّمَرَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ، أَمَّا لَوْ، أَوْصَى بِمَا تَلِدُ أَغْنَامُهُ لَا يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ اللَّامَ فِي الْمَعْدُومِ لِلْعَهْدِ، وَالْمَعْهُودُ مَا ذَكَرْنَا.
قَوْلُهُ: وَقَالَ إنَّ فِسْقَهُ لَا يَعْزِلُهُ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَ الْفِسْقَ فَشَمِلَ الْفِسْقَ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ، أَوْ قَضَى فِيمَا ارْتَشَى. نَقَلَ فِي الْخَانِيَّةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى وَنَقَلَ فِي الْعِمَادِيَّةِ خِلَافًا فِيهِ وَيَنْفُذُ فِيمَا سِوَاهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَقِيلَ: يَنْفُذُ فِيهَا وَحُجَّتُهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ حَاصِلَ أَمْرِ الرِّشْوَةِ فِيمَا إذْ قَضَى بِحَقِّ إيجَابِهَا فِسْقُهُ وَقَدْ فَرَضَ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يُوجِبُ الْعَزْلَ، فَوَلَائِيَّتُهُ وَقَضَاؤُهُ بِحَقِّ فَلِمَ لَا يَنْفُذُ وَخُصُوصُ هَذَا الْفِسْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَغَايَةُ مَا وُجِّهَ بِهِ أَنَّهُ إذْ ارْتَشَى عَامِلٌ لِنَفْسِهِ يَعْنِي وَالْقَضَاءُ عَمَلٌ لِلَّهِ تَعَالَى (انْتَهَى) .
وَبَحَثَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ بِأَنْ لَيْسَ هَذَا مُرَادَهُمْ بَلْ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ قَضَى لِنَفْسِهِ يَعْنِي وَالْقَضَاءُ لِنَفْسِهِ بَاطِلٌ (انْتَهَى) .
وَقِيلَ عَلَيْهِ: كَيْفَ يُجْعَلُ قَضَاءُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَاءً لِنَفْسِهِ، وَهُوَ إنَّمَا قَضَى لِبَكْرٍ مَثَلًا عَلَى عُمَرَ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَخَذَ عَلَى قَضَائِهِ بِالْحَقِّ مَالًا فَصَارَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَالْقَضَاءُ عَمَلٌ لِلَّهِ تَعَالَى.
فَبَحْثُ صَاحِبِ الْفَتْحِ مُتَّجَهٌ لَكِنْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ: أَنَّهُ لَوْ ارْتَشَى وَقَضَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى، وَفِي السِّرَاجِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: لَوْ قَضَى الْقَاضِي زَمَانًا بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ عُلِمَ أَنَّهُ مُرْتَشٍ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الَّذِي يَخْتَصِمُونَ إلَيْهِ أَنْ يُبْطِلَ كُلَّ قَضَايَاهُ (انْتَهَى) .
وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ: أَخَذَ الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ أَوْ ارْتَشَى وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمْ
لَمْ يُوجِبْ تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ
58 -
وَلَمْ يُقْبَلْ الْجَرْحُ الْمُجَرَّدُ فِي الشَّاهِدِ.
وَوَسَّعَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله فِي الْقَضَاءِ، وَالْوَقْفِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا، فَجَوَّزَ لِلْقَاضِي تَلْقِينُ الشَّاهِدِ
59 -
وَجَوَّزَ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ شَيْئًا مِمَّا شَرَطَهُ الْإِمَامُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
يَصِرْ قَاضِيًا وَفِي الثَّانِي صَارَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَالْقَضَاءُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَمَنْ أَخَذَ الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا وَلَوْ قَضَى لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَبِهِ يُفْتَى
(57)
قَوْلُهُ: وَلَمْ يُوجِبْ تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ، أَيْ لَمْ يُوجِبْ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ بَلْ يَقْتَصِرُ الْحَاكِمُ بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الْمُسْلِمِ إلَّا فِي الْحُدُود، وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْهُمْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله وَمُحَمَّدٌ رحمه الله: لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ فِي السِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْقَاضِي عَلَى الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْعَدْلِ، فَإِنْ طَعَنَ الْخَصْمُ يَسْأَلُ عَنْهُمْ اتِّفَاقًا وَأَلَّا يَسْأَلَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَفِي غَيْرِهِمَا الِاخْتِلَافُ قَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ فِي الْكُبْرَى: وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَفِي الْحَقَائِقِ: وَمَحَلُّ السُّؤَالِ عَلَى قَوْلِهِمَا عِنْدَ جَهْلِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَفِيهِ يَكْفِي فِي التَّزْكِيَةِ قَوْلُ الْمُزَكِّي، وَهُوَ عَدْلٌ فِي الْأَصَحِّ وَفِي الْبَحْرِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَسْأَلُ فِي السِّرِّ وَقَدْ تَرَكَ التَّزْكِيَةَ فِي الْعَلَانِيَةِ فِي زَمَانِنَا كَيْ لَا يُخْدَعَ الْمُزَكِّي، أَوْ يُخَوَّفَ (انْتَهَى) ، وَلَوْ عَرَفَهُمْ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ وَطَعَنَ فِيهِمْ الْخَصْمُ لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِمَعْرِفَتِهِ إيَّاهُمْ
(58)
قَوْلُهُ: وَلَمْ يُقْبَلْ الْجَرْحُ الْمُجَرَّدُ عَلَى الشَّاهِدِ، أَيْ الْمُجَرَّدُ عَنْ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ حُقُوقِ الْعِبَادِ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ
(59)
قَوْلُهُ: وَجَوَّزَ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ. أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ ذَهَبَ إلَى الْقَاضِي لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى مَنْزِلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ، أَوْ لَا،، وَالْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِي يَوْمِهِ، كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ، وَإِنَّمَا جَوَّزَهُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله بِشُرُوطِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ رحمه الله؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ سَرْدُ
وَصَحَّحَ الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ 61 - وَعَلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ
62 -
وَوَقْفَ الْمَشَاعَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي وَلَا حُكْمَ الْقَاضِي، وَجَوَّزَ اسْتِبْدَالَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِلَا شَرْطٍ، وَجَوَّزَهُ مَعَ الشَّرْطِ تَرْغِيبًا فِي الْوَقْفِ وَتَيْسِيرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. فَقَدْ بَانَ بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ يَرْجِعُ إلَيْهَا غَالِبُ أَبْوَابِ الْفِقْهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
تَيْسِيرَاتِ الشَّرْعِ وَمُرَادَهُ كِتَابُ الْقَاضِي الْمَعْهُودِ بِشُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِهِ، وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقٍ إلَى قَاضِي مِصْرٍ كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كِتَابَةِ عِنْوَانِهِ فِي بَاطِنِهِ، هِيَ أَنْ يُكْتَبَ فِيهَا اسْمُهُ وَاسْمُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ حَتَّى لَوْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ، وَأَنْ تَكُونَ كِتَابَةُ الْعِنْوَانِ مِنْ دَاخِلِ الْكِتَابِ فَلَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يُقْبَلْ. قِيلَ: هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا: الْعِنْوَانُ يُكْتَبُ عَلَى الظَّاهِرِ فَيُعْمَلُ بِهِ. كَذَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَعَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ لَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ فِي الْمَنْقُولَاتِ بِأَسْرِهَا، وَعَنْ الثَّانِي تَجْوِيزُهُ فِي الْعَبْدِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ إلَّا فِي الْأَمَةِ، وَعَنْهُ الْجَوَازُ فِي الْكُلِّ، وَعَمَلُ الْفُقَهَاءِ الْيَوْمَ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ، وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْخَانِيَّةِ.
(61)
قَوْلُهُ: وَعَلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ، لَمْ يُبَيِّنْ بَعْدَ انْقِطَاعِهَا لِمَنْ يَكُونُ الْوَقْفُ، لِلْفُقَرَاءِ، أَوْ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ لِلِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَفِي الْأَجْنَاسِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله: إذَا وُقِفَ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ جَازَ، وَإِذَا مَاتَ رَجَعَ عَلَى وَرَثَتِهِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ: وَفِي جَامِعِ الْبَرَامِكَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله: إذَا انْقَرَضَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ يُصْرَفُ إلَى الْمَسَاكِينِ فَحَصَلَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ
(62)
قَوْلُهُ: وَوَقْفَ الْمَشَاعِ، أَيْ وَجَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله وَقْفَ الْمَشَاعِ قَالَ فِي الْمُضْمَرَاتِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: لَا يَجُوزُ. وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْخِلَافُ فِي مَشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، لَكِنْ لَوْ قَضَى بِجَوَازِهِ صَحَّ إجْمَاعًا.
السَّبَبُ السَّابِعُ: النَّقْصُ؛ فَإِنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْمَشَقَّةِ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفَ؛ فَمِنْ ذَلِكَ عَدَمُ تَكْلِيفِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَفَوَّضَ أَمْرَ أَمْوَالِهِمَا إلَى الْوَلِيِّ، وَتَرْبِيَتَهُ وَحَضَانَتَهُ إلَى النِّسَاءِ رَحْمَةً عَلَيْهِ، وَلَمْ يُجْبِرْهُنَّ عَلَى الْحَضَانَةِ تَيْسِيرًا عَلَيْهِنَّ، وَعَدَمُ تَكْلِيفِ النِّسَاء بِكَثِيرٍ 64 - مِمَّا وَجَبَ عَلَى الرِّجَالِ؛ كَالْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ 65 - وَالْجِهَادِ وَالْجِزْيَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَفِي الْكَنْزِ وَمَشَاعٌ قَضَى بِجَوَازِهِ أَيْ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَطْلَقَ فِي الْقَضَاءِ فَشَمِلَ الْقَضَاءَ مِنْ الْحَنَفِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالْمُرَادُ بِالشُّيُوعِ هُنَا الْمُقَارِنُ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا مُشْكِلٌ إذْ قَضِيَّةُ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْأَوْصَافَ الرَّاجِعَةَ إلَى الْمَحَالِّ يَسْتَوِي فِيهَا الِابْتِدَاءُ، وَالْبَقَاءُ أَنْ يَكُونَ الشُّيُوعُ الطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ فِي مَنْعِ الصِّحَّةِ كَمَا قَالُوهُ فِي الرَّهْنِ مِنْ أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ مُفْسِدٌ لِلرَّهْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ (انْتَهَى) .
وَأَقُولُ: هَذَا الْأَصْلُ لَيْسَ كُلِّيًّا إذْ قَدْ خَرَجَ عَنْهُ بِالنَّصِّ بَقَاءُ الصَّلَاةِ عِنْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ، حَتَّى جَازَ الْبِنَاءُ فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْأَصْلِ بِنَصٍّ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامَيْهِمْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ صَنْعَةٍ مُنَافِيَةٍ لِحُكْمٍ يَسْتَوِي فِيهَا الِابْتِدَاءُ، وَالْبَقَاءُ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ شَيْءٌ بِنَصٍّ وَقَدْ يُقَالُ: الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ خَاصٌّ بِالْأَمَانَاتِ فَإِنَّ لِبَقَائِهَا حُكْمَ ابْتِدَائِهَا أَمَّا الْوَقْفُ وَنَحْوُهُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَمَانَاتِ، وَالرَّهْنُ عَيْنًا أَمَانَةٌ، بِدَلِيلِ وُجُوبِ كَفَنِ عَبْدِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمَضْمُونُ إنَّمَا هُوَ الْمَالِيَّةُ
(63)
قَوْلُهُ: السَّبَبُ السَّابِعُ النَّقْصُ: بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَإِنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْمَشَقَّةِ إذْ النُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ الْكَمَالِ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفَ فِي التَّكْلِيفَاتِ.
(64)
قَوْلُهُ: مِمَّا وَجَبَ عَلَى الرِّجَالِ كَالْجَمَاعَةِ: صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: نَفْيُ تَكْلِيفِهِمْ بِمَا وَجَبَ عَلَى الرِّجَالِ لَا يُنَافِي الِاسْتِحْبَابَ مَعَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي حَقِّهِنَّ مَكْرُوهَةٌ.
(65)
قَوْلُهُ: وَالْجِهَادُ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ الْغَيْرُ عَامًّا إذْ لَوْ كَانَ عَامًّا وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا.