الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (إنما كان يكفيه
…
) فهي منكرة، ووجه الإستدلال بهذا الحديث بدون هذه الزيادة أن إنكار النبي صلى الله عليه وسلم عليهم يفهم منه جواز تيممه، وقد جاء موقوفا على ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال "إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله، أو القروح، أو الجدري، فيجنب، فيخاف إن اغتسل أن يموت، فليتيمم"، وصححه موقوفا ابن أبي حاتم والألباني، وقال: له حكم الرفع.
فائدة:
في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه في غزوة ذات السلاسل فائدة، وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم:«يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟» فسماه النبي صلى الله عليه وسلم جنبا بعد تيممه، وهو من أدلة من قال أن التيمم مبيح ولا رافع للحدث.
ويجاب عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمه جنبا، وإنما سأله استفهاما واستعلاما فأخبره عمرو بعذره، وأنه تيمم لحاجة خوفا من أن يقتله البرد فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم يقل شيئًا (1).
قال الشنقيطي في "أضواء البيان"(1/ 367): (ويمكن الجواب عن هذا من وجهين:
الأول: أنه صلى الله عليه وسلم قال له: " وأنت جنب "، قبل أن يعلم عذره بخوفه الموت إن اغتسل. والمتيمم من غير عذر مبيح جنب قطعا، وبعد أن علم عذره المبيح للتيمم الذي هو خوف الموت أقره وضحك، ولم يأمره بالإعادة، فدل على أنه صلى بأصحابه وهو غير جنب، وهذا ظاهر الوجه الثاني: أنه أطلق عليه اسم الجنابة نظرا إلى أنها لم ترتفع بالكلية، ولو كان في وقت صلاته غير جنب، كإطلاق اسم الخمر على العصير في وقت هو فيه ليس بخمر في قوله:{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36]، نظرا إلى مآله في ثاني حال، والعلم عند الله تعالى).
مسألة - يجب بذله لعطشان من آدمي أو بهيمة محترمين
.
وعلله ابن ضويان بقوله (1/ 46): (لأن الله تعالى غفر لبغي بسقي كلب،
(1) اختيارات شيخ افسلام ابن تيمية (1/ 612).
فالآدمي أولى. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسافر إذا كان معه ماء فخشي العطش أنه يبقي ماءه للشرب ويتيمم).
والمحترم من الآدمي هو: هو المسلم، والذمي، والمعاهد، والمستأمن، بخلاف الحربي وهو من بيننا وبينه حرب.
والمحترم من البهائم هي التي يحرم قتلها إلا لغرض كالشاة، والحمارة، والسنور، وكلب الصيد، ونحوه، بخلاف ما لا يحرم قتله كالكلب الأسود البهيم والعقور، والخنزير ونحوهما. فلا يجب بذل الماء لها.
وهذا الذي قرره الماتن من عدم بذل الماء لغير المحترم متجاذب بين الأدلة فمما يدل بعمومه على بذل الماء للحي من الحيوان سواء أكان محترم أم غير محترم قوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «في كل ذات كبد رطبة أجر» .
ومما يدل على قتل غير المحترم قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها عند الشيخين مرفوعا: " خمس فواسق، يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، وَالحُدَيَّا ".
ووجه ما قرره الماتن أن الحربي، أو الحيوان غير المحترم المقصود إتلاف نفسه لا إبقاؤه، وبذل الماء له يحفظ نفسه فحينئذ يكون مخالفا لمقصود الشارع.
وذهل البعض إلى أنه لا منفافة بين بذل الماء له وبين الأمر بقتله، فيحمل الأمر بالإحسان إليه ما لم يقتل فإذا قتل أحسن قتله فليس مقصود الشارع تعذيبه وتجويعه وتعطيشه وإساءة قتلته بالعبث به (1).
الترجيح:
والراجح هو ما ذهب إليه الماتن من عدم الإحسان إلى المحارب أو غيره من غير المحترمين فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتلوهم، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة، عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح» لا يحسن معه الإحسان إليهم وكذا إن كان كلبا
(1) انظر "إكمال المعلم"(7/ 182) للقاضي عياض.