الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا يدل على العفو عنه؛ لأن الريق لا يطهر به ويتنجس به ظفرها، وهو إخبار عن دوام الفعل، ومثل هذا لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصدر إلا عن أمره، ولأنه قول من سمينا من الصحابة، ولا مخالف لهم في عصرهم، فيكون إجماعا. وما حكي عن ابن عمر فقد روي عنه خلافه، فروى الأثرم بإسناده، عن نافع، أن ابن عمر كان يسجد، فيخرج يديه، فيضعهما بالأرض، وهما يقطران دما، من شقاق كان في يديه، وعصر بثرة فخرج منها شيء من دم وقيح، فمسحه بيده وصلى، ولم يتوضأ. وانصرافه منه في بعض الحالات لا ينافي ما رويناه عنه، فقد يتورع الإنسان عن بعض ما يرى جوازه، ولأنه يشق التحرز منه، فعفي عنه كأثر الاستنجاء).
فائدتان:
الأولى - يفهم أيضا من قوله: (في الصلاة) أنه لا يعفى في المائع والمطعوم عن شيء منه.
قال المرداوي في "الإنصاف"(1/ 326): (حيث قلنا بالعفو عن اليسير: فمحله في باب الطهارة دون المائعات).
قال ابن قاسم في " حاشيته"(1/ 357): (ظاهره أنه لا يعفى عنه في المائع والمطعوم ولو كثر وهو المذهب ومذهب مالك والشافعي، وعنه: يعفى عنه وفاقا لأبي حنيفة وغيره من السلف، وهو نص القرآن واختاره الناظم (1) والشيخ وغيرهما، واختار العفو عن يسير النجاسات مطلقا في الأطعمة وغيرها، حتى بعر الفأر، وقال: إذا استهلكت فيه واستحالت فلا وجه لإفساده، ولا دليل على نجاسته، لا في كتاب الله تعالى ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مجمع البحرين: الأولى العفو عنه لعظم المشقة ولا يرتاب ذو عقل في عموم البلوى به).
• الترجيح:
قال الشيخ العثيمين رحمه الله في " الشرح الممتع"(1/ 439): (أما المائع
(1) هو محمد بن عبد القوي بن بدران المقدسي الحنبلي، له النظم المشهور نحو ستة آلاف بيت، والآداب وغيرهما توفي سنة ستمائة وتسع وتسعين.
والمطعوم؛ فلا يعفى عن يسيره فيهما، هذا هو المذهب، والراجح: العفو عن يسيره فيهما كغيرهما ما لم يتغير أحد أوصافهما بالدم).
الثانية - قوله: (إذا كان من حيوان طاهر في الحياة) يشمل الآدمي وغيره. وغير الآدمي يدخل فيه ما يؤكل لحمه كالإبل والبقر، وما لا يؤكل كالهر (1). ويفهم من كلامه أنه لا تصح الصلاة حتى مع اليسير من هذه النجاسات إن كانت من حيوان غير طاهر في الحياة كالكلب والخنزير والسباع والحمار الأهلي ونحوهم.
قال المرداوي في "الإنصاف"(1/ 326): (دم الحيوان النجس. كالكلب والخنزير ونحوهما، فالصحيح من المذهب: أنه لا يعفى عن يسيره. وعليه الأصحاب. وفي الفروع احتمال بالعفو عنه كغيره. وقال في الفائق: في العفو عن دم الخنزير وجهان).
وقد سبق اختيار أن سؤر وقئ ولبن ما لا يؤكل لحمه، مما كان فوق الهرة خلقة، ولا يشق التحرز منه: نجس، فدمه أولى.
قال ابن قدامة في "المغني"(2/ 60): (فأما دم الكلب والخنزير فلا يعفى عن يسيره؛ لأن رطوباته الطاهرة
من غيره لا يعفى عن شيء منها، فدمه أولى، ولأنه أصاب جسم الكلب فلم يعف عنه، كالماء إذا أصابه. وهكذا كل دم أصاب نجاسة غير معفو عنها، لم يعف عن شيء منه لذلك).
وأما قوله: (لأنه أصاب جسم الكلب فلم يعف عنه) وهذا بناء على الرواية المشهورة في المذهب من نجاسة شعر الكلب والخنزير، وقد سبق ترجيح أن شعر الكلب والخنزير طاهران بخلاف ريقه.
قال تقي الدين في "مجموع الفتاوي"(21/ 616): (في الشعور النابتة على محل نجس ثلاث روايات: إحداها: أن جميعها طاهر حتى شعر الكلب والخنزير وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز. والثانية: أن جميعها نجس كقول الشافعي. والثالثة: أن
(1) انظر: نيل المآرب (1/ 27).