الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء في التوسل
باب ما جاء في التوسل
38 -
بيان معنى التوسل والوسيلة
س: حدثونا عن التوسل والوسيلة، ووضحوا لنا الشبه والرد عليها، ولا سيما أن هناك من يستدل بمثل قوله تعالى:{وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (1) ويستدلون أيضا بالتوسل بالعباس رضي الله عنه، وما الفرق بين التوسل بالأنبياء والصالحين، والتوسل بالأعمال الصالحة؟ جزاكم الله خيرا (2).
ج: هذا السؤال سؤال مهم، وجدير بالعناية، لأنه يشتبه الموضوع فيه على كثير من الناس، فالوسيلة وسيلتان: وسيلة جائزة، بل مشروعة مأمور بها، ووسيلة ممنوعة، أما الوسيلة المشروعة، فهي التوسل إلى الله بالإيمان، والعمل الصالح، وسائر ما شرعه الله جل وعلا، وهي المراد في قوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (3) يعني: القربة إليه بطاعته، كالصلاة والصوم والصدقة، والحج، وإخلاص
(1) سورة المائدة الآية 35
(2)
السؤال الثالث عشر من الشريط، رقم 266.
(3)
سورة المائدة الآية 35
العبادة لله ونحو ذلك، فقوله سبحانه:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} (1) يعني: من دون الله، من أصنام ومن أشجار، وأحجار، وأنبياء وغير ذلك، {فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} (2)، يعني: أولئك المدعوون لا يملكون كشف الضر عن داعيهم من مرض أو جنون أو غير ذلك، {وَلَا تَحْوِيلًا} (3) يعني: ولا تحويلا من حال إلى حال، ومن شدة إلى سهولة، أو من عضو إلى عضو، لا يملكون ذلك، بل هم عاجزون عن ذلك، وإنما هو بيد الله سبحانه وتعالى، ثم قال:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} (4)، يعني: أولئك الذين يدعوهم هؤلاء المشركون، من أنبياء وصالحين أو ملائكة:{يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} (5)، يعني: هم يبتغون يطلبون من الله الوسيلة، وهي القربة إليه بطاعته من صلاة وصوم وصدقات وغير ذلك، ويرجون رحمته، لهذا عملوا واجتهدوا بطاعته، ويخافون عذابه سبحانه وتعالى، فهذه الوسيلة هي القيام بحقه من توحيده وطاعته، بفعل الأوامر وترك النواهي، وهي الإيمان والهدى والتقوى، وهي ما بعث الله به الرسل، عليهم الصلاة والسلام، من قول وعمل، فهذه الوسيلة واجبة من الواجبات، ومستحبة من المستحبات، فالتوسل إليه بتوحيده، والإخلاص له وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت، هذا أمر لازم، وفريضة، في الحجة الأولى من العمر، وكذلك التوسل إليه بترك المعاصي أمر لازم،
(1) سورة الإسراء الآية 56
(2)
سورة الإسراء الآية 56
(3)
سورة الإسراء الآية 56
(4)
سورة الإسراء الآية 57
(5)
سورة الإسراء الآية 57
فريضة، والتوسل إليه، بالنوافل من صلاة النافلة، وصوم النافلة وصدقة النافلة، والإكثار من ذكر الله، أيضا مستحب، وقربة وطاعة، وذلك جعله الله من أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار، أما الوسيلة الأخرى التي لا تجوز، فهي التوسل إليه بدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، هذه وسائل شركية، يسميها المشركون وسيلة، وهي شرك أكبر وهي المراد في قوله سبحانه:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (1)، ويقول جل وعلا:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (2)، يعني يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فاتخذوهم وسيلة بهذا المعنى، يعني بدعائهم وسؤالهم، وطلب الشفاعة منهم، والنصر على الأعداء وشفاء المرضى ونحو ذلك، وزعموا أنهم بهذا يكونون لهم وسيلة، وهذا هو الشرك الأكبر، وهذا هو دين المشركين، نسأل الله العافية، فإن المشركين يزعمون: أن عبادتهم للأنبياء، والملائكة والصالحين والجن، وسيلة إلى مقاصدهم، وأن هذه المعبودات تشفع لهم عند الله، وتقربهم من الله زلفى، فأبطل الله ذلك، وأكذبهم بذلك، قال تعالى في حقهم:{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (3)، بعد قوله سبحانه:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (4).
(1) سورة يونس الآية 18
(2)
سورة الزمر الآية 3
(3)
سورة يونس الآية 18
(4)
سورة يونس الآية 18
وقال في آية الزمر: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (1)؛ فأكذبهم الله سبحانه وتعالى، بقوله:{إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (2)، فسماهم كذبة في قولهم: إنها تقربنا إلى الله زلفى، كفرة بهذا العمل، بدعائهم إياهم واستغاثتهم بهم ونذرهم لهم ونحو ذلك، فالواجب على جميع المكلفين بل على جميع الناس، الحذر من هذه الوسيلة، فلا يفعلها المكلف ولا غير المكلف، يجب على المكلف أن يحذرها، وعليه أن يحذر غير المكلفين، من أولاده أن يفعلها أيضا، فالله هو الذي يعبد سبحانه وتعالى، وهو الذي يدعى، وهو الذي يرجى وهو الذي يسأل النصر على الأعداء، والشفاء للمرضى، وغير ذلك من حاجات العباد، يقول سبحانه وتعالى في كتابه العظيم:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (3){مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} (4){إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (5)، ويقول سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (6)، ويقول عن نبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (7). ونذير وبشير، ليس بمعبود من دون الله، وليس بإله مع الله، سبحانه وتعالى، وقال
(1) سورة الزمر الآية 3
(2)
سورة الزمر الآية 3
(3)
سورة الذاريات الآية 56
(4)
سورة الذاريات الآية 57
(5)
سورة الذاريات الآية 58
(6)
سورة البقرة الآية 21
(7)
سورة الأعراف الآية 188
جل وعلا: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1)، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} (2) قل يا محمد للناس:{إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} (3)، {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (4){قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} (5){إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} (6) بل ذلك بيده سبحانه وتعالى، هو الذي يملك النفع والضر، والعطاء والمنع والشفاء من الأمراض، والنصر على الأعداء، بيده سبحانه وتعالى، وهناك نوع ثان: من الوسيلة الممنوعة، هو التوسل بجاه فلان، وحق فلان، هذه الوسيلة ممنوعة، لكنها ليست شركا أكبر، بل هي من وسائل الشرك، كأن يقول: اللهم إني أسألك بجاه محمد، بجاه فلان وحق أنبيائك، هذا لا يجوز، هذه بدعة ليس عليها دليل، الله يقول:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (7) يدعى بأسمائه وصفاته، وما كان يتوسل إلا بالأعمال الصالحة، بالصلاة والصوم، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والعفة عن الفواحش، هذه وسائل شرعية، كما في قصة أصحاب الغار، الذين آواهم المبيت والمطر إلى غار فدخلوا فيه، فانطبقت عليهم صخرة، سدت عليهم فم الغار، فقالوا فيما بينهم: لا ينجيكم من هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فاسألوا الله وتوجهوا إليه بصالح أعمالكم، فأحدهم: دعا وسأل ربه ببره لوالديه، والآخر توسل إلى الله بعفته عن الزنا بعد قدرته على المرأة، والثالث توسل إلى الله
(1) سورة الجن الآية 18
(2)
سورة الجن الآية 19
(3)
سورة الجن الآية 20
(4)
سورة الجن الآية 21
(5)
سورة الجن الآية 22
(6)
سورة الجن الآية 23
(7)
سورة الأعراف الآية 180
بأداء الأمانة، بأجير كان له أجر عنده، نمى أجره، فلما جاء أعطاه إياه كاملا فانفرجت عنهم الصخرة، بهذه الوسيلة الصالحة، العملية، وهذا من لطف الله وإحسانه، وآياته العظيمة، أن فرج عنهم وجعل انطباق هذه الصخرة، سببا لتوسلهم بهذه الأعمال، وليعلم الناس فضل الأعمال الصالحة، وأنها من أسباب تفريج الكروب وتيسير الأمور، وأن الواجب على العبد، أن يحذر غضب الله، وأسباب عقابه، متى أقام على المعصية فليحذر، وليبتعد عنها، ومتى قدر على البر والخير فليفعل، أما توسل عمر رضي الله عنه بالعباس، فهذا توسل بدعاء العباس، فإنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أجدب الناس كان يسأل الله عز وجل الغيث، وكان الناس يفزعون إليه ويقولون: يا رسول الله استغث لنا، هلكت الأموال وانقطعت السبل، يعني بسبب الجدب فيستغيث الله، ويسأله سبحانه أن يغيث العباد، فيغيثهم سبحانه وتعالى، فلما أجدبوا في عهد عمر، قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا حين كان بين أيدنا، فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قم يا عباس فادع الله لنا، فقام العباس ودعا لهم واستغاث فسقاهم الله، والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، هذا توسل بدعاء العباس، مثلما كان يتوسل بدعاء النبي في حياته، صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أنه بعد وفاته، لا يستغاث به ولا يطلب منه الغوث، عليه الصلاة والسلام، لأنه لا يستطيع ذلك، انقطع عمله المتعلق بالدنيا، ولهذا طلب عمر رضي الله عنه من العباس، أن يدعو الله أن يغيث الناس، فقام العباس ودعا الله فأغاث الله الناس، وهكذا فعل معاوية رضي الله عنه في الشام طلب من يزيد بن
الأسود، الصحابي الجليل أن يسأل الله الغوث، فقام يزيد وسأل الله، فأغاث الناس، هذا لا بأس به شرعي، أن يقول ولي الأمر، أو خطيب المسجد لعالم من العلماء، أو بعض الأخيار: ادع الله يا فلان للمسلمين، أن الله يغيثهم فلا بأس، كما فعل عمر مع العباس، وكما فعل معاوية مع يزيد بن الأسود، وهكذا الإنسان يقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا، أن تغيثنا وأن ترحمنا، وأن تغفر لنا، الله يقول سبحانه:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1) فأنت تسأل، وهكذا غيرك يسأل يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، ويدعو الله للمسلمين، في الجدب وفي غيره، وبهذا يتضح أن الوسيلة: ثلاثة أقسام: قسم مشروع، وهو التوسل إلى الله بتوحيده، والإيمان به وبالأعمال الصالحة، وبأسمائه وصفاته، وقسم شرك، وهو التوسل إلى الله بدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم، والذبح لهم، والتوسل بالأصنام، أو بالأشجار والأحجار، أو بالجن هذا شرك أكبر، القسم الثالث بدعة لا يجوز، وليس بشرك، وليس مشروعا، بل هو بدعة، وهو التوسل بحق فلان، أو بجاه فلان، أو حق الأنبياء، هذا منكر وبدعة، ومن وسائل الشرك، أما الوسائل الشرعية، فكما تقدم: التوسل بالأعمال الصالحات، وبأسماء الله وصفاته، هذا كله من التوسل الشرعي.
(1) سورة الأعراف الآية 180