المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حكم من يسأل أصحاب القبور الرحمة والخير - فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر - جـ ٢

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ حكم الذبح عند قبور الأولياء

- ‌ حكم الدعاء والصدقة عن الميت إذا شك في صلاح عقيدته

- ‌ حكم أكل الذبائح التي تذبح عند القبور

- ‌ حكم البقاء بين من يذبح لغير الله لقصد دعوتهم لتوحيد الله تعالى

- ‌ حكم الادعاء بمعرفة قبور الأنبياء عليهم السلام

- ‌ حكم التقرب للأولياء والطواف حول قبورهم

- ‌ حكم تسييب البهائم للقربى للزار أو غيره

- ‌ حكم تلطيخ الرأس بدم الدجاجة أو نحوها

- ‌ حكم الذبح لله في أماكن مخصوصة

- ‌ حكم الدوران بالدواب حول الجبال والوديان وذبحها للاستسقاء

- ‌ حكم الذبح لأجل بناء المنزل

- ‌ حكم من أظهر الإسلام ويذبح لغير الله

- ‌ حكم الذبح عند المنزل بعد الانتهاء من بنائه

- ‌باب ما جاء في النذر لغير الله

- ‌ بيان حكم النذر للأولياء والصالحين

- ‌ حكم نذر الذبائح للأئمة والصحابة

- ‌ حكم الأموال التي تنذر للأولياء

- ‌ بيان حكم النذر

- ‌ حكم التبرع للمساجد التي حولها قبور

- ‌ حكم الأموال التي يتبرع بها للقبور

- ‌ حكم النذر لأصحاب القبور ودعائهم من دون الله

- ‌ حكم النذر بالذبح عند القبر

- ‌ حكم أكل الذبيحة التي تذبح لغير الله

- ‌ حكم النذر بذبح الدجاج بناء على نصائح المشعوذين

- ‌باب ما جاء في دعاء غير الله تعالى

- ‌ حكم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به

- ‌ بيان أن قبر الخضر عليه السلام لا يعرف مكانه

- ‌ حكم دعاء غير الله تعالى

- ‌ حكم دعاء الأولياء

- ‌ حكم من يدعو أصحاب القبور

- ‌ حكم الاستعانة والاستغاثة بالأموات

- ‌ حكم كتابة أسماء بعض الأولياء على السيارة لقصد سلامة الرحلة

- ‌ حكم التلفظ بكلمة (أرجو منك)

- ‌ حكم الغلو في محبة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ما جاء في الشفاعة

- ‌ حكم طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره

- ‌باب ما جاء في التوسل

- ‌ بيان بعض شبه المتوسلين بالمخلوقين والرد عليها

- ‌ حكم قول: (بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) في الدعاء

- ‌ بيان أقسام التوسل الجائز والممنوع

- ‌ حكم التوسل بحق الأنبياء وذوات الملائكة

- ‌ بيان الفرق بين التوسل والوسيلة

- ‌ حكم التوسل بصفة من صفات الله تعالى

- ‌ بيان ما يجوز من التوسل وما لا يجوز

- ‌ حكم طلب الإنسان من شخص أن يدعو له

- ‌ حكم التوسل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ حكم التوسل بحق فلان

- ‌ حكم التوسل بشرف فلان

- ‌ حكم التوسل ببركة رمضان

- ‌ حكم التوسل بالقرآن الكريم

- ‌ حكم التوجه إلى الله بالدعاء عند قبور الصالحين

- ‌ حكم الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ما جاء في التبرك

- ‌ حكم التبرك بتراب قبور الأولياء

- ‌ التعريف بأولياء الله تعالى

- ‌ حكم الطواف بالقبور

- ‌ حكم التبرك بقبور الأولياء

- ‌ حكم الدعاء ببركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ حكم سؤال الأشخاص الذين يتنبئون بأشياء مستقبلية

- ‌باب ما جاء في الغلو في قبور الصالحين

- ‌ مذهب أهل السنة والجماعة في كرامات الأولياء

- ‌ أولياء الله هم أهل التقوى

- ‌ حكم التقرب للأولياء بالذبائح

- ‌ حكم التقرب للأولياء بالهدايا

- ‌ تحريم أجساد الأنبياء على الأرض خاص بهم دون غيرهم من الصالحين

- ‌ حكم مدح الرسول عليه الصلاة والسلام بشعر فيه غلو

- ‌ حكم تقبيل القبور والاستغاثة بها

- ‌ حكم التبرع بالأموال لقبور الأولياء

- ‌ حكم الاعتكاف وإقامة حلقات الذكر عند القبور

- ‌ الصلاة في المساجد التي فيها قبور

- ‌ حكم الصلاة عند القبور

- ‌ الرد على شبهة جواز الاستغاثة من الأموات

- ‌ حكم شد الرحال لزيارة قبور الصالحين

- ‌ حكم غسل قبور الأولياء والتمسح بها

- ‌ حكم نصب القباب على قبور الصالحين

- ‌ حكم ذبح الذبائح عند القبور وأكل لحمها

- ‌ حكم زيارة قبور الصالحين لجلب النفع ودفع الضر

- ‌ حكم الصلاة إلى القبور والتبرك بها

- ‌ حكم من يعتقد النفع والضر في أهل القبور

- ‌ حكم الاستغفار لمن مات وهو يدعو أصحاب القبور

- ‌ حكم من مات وهو يسأل أصحاب القبور شفاء المرضى وتفريج الكرب

- ‌ حكم من يسأل أصحاب القبور الرحمة والخير

- ‌ التفصيل بين زيارة القبور الشرعية والزيارة الشركية

- ‌ حكم زيارة الأضرحة في الإسلام

- ‌ حكم شد الرحال إلى قبور الأولياء والصالحين

- ‌ حكم توزيع الأطعمة عند الأضرحة وسؤالها قضاء الحوائج

- ‌ الرد على شبهة من أجاز دفن الميت في المسجد بحجة دفنه عليه الصلاة والسلام في مسجده

- ‌ بيان الحكم في القبة الخضراء على قبره عليه الصلاة والسلام

- ‌ بيان مكان قبر الحسين رضي الله عنه

- ‌ حكم الاحتفال والذبح عند القبور

- ‌ حكم الطواف بالقبور

- ‌ حكم إيقاد السرج على القبور وذبح النذور لها

- ‌ حكم قطع الأشجار التي على القبور

- ‌ حكم اعتقاد النفع والضر في الأولياء

- ‌ حكم تقديم النذور لمزارات الأولياء

- ‌ حكم الأكل من الذبائح التي يتقرب بها إلى أصحاب القبور

- ‌ حكم اتخاذ قبور الأولياء أعيادا

- ‌ جميع قبور الأنبياء لا تعرف سوى قبري نبينا وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام

- ‌ التحذير ممن يغالون في الأولياء

- ‌ حكم العذر بالجهل في عباد القبور والأضرحة

الفصل: ‌ حكم من يسأل أصحاب القبور الرحمة والخير

ما عذرهم بالجهل لتساهلهم وعدم عنايتهم بطلب الحق، قال سبحانه:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (1)، وقال عليه الصلاة والسلام:«والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار (2)» . رواه مسلم في صحيحه، ولم يقل:" وفهم عني " أو " تبصر " أو " علم " بل علق بالسماع.

(1) سورة الأنعام الآية 19

(2)

أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم برقم 153.

ص: 289

86 -

‌ حكم من يسأل أصحاب القبور الرحمة والخير

س: يقول السائل: رأيت بعض الناس يزورون القبب التي فيها مقابر الأولياء ويطلبون منهم الرحمة والخير والعافية، ما حكم الإسلام في هؤلاء؟ (1)

ج: إن الله جل وعلا شرع لعباده ما فيه صلاحهم وما فيه نجاتهم في الدنيا والآخرة، ونهاهم عن كل ما يضرهم في الدنيا والآخرة وبعث الرسل مبشرين ومنذرين عليهم الصلاة والسلام مبشرين من أطاعهم واستقام على ما دعوا إليه بالجنة والسعادة والنصر في الدنيا والنجاة في

(1) السؤال الأول من الشريط، رقم 234.

ص: 289

الآخرة، ومنذرين من عصاهم بالذل في الدنيا والشقاء في الآخرة وأعظم ما بعث الله به الرسل وأهمه وأفرضه توحيد الله والإخلاص في العبادة له صرف العبادة له وحده جل وعلا، هذا أهم دعوة الرسل، هذا زبدتها إخلاص العبادة لله وحده كما قال جل وعلا:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (1)، وقال سبحانه:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (2) فهذه أعظم دعوة الرسل وأهمها، وهذا أساسها توحيد الله والإخلاص له وألا يعبد معه سواه لا نبي ولا ملك ولا شجر ولا حجر ولا صنم ولا غير ذلك، واتخاذ القباب على القبور والمساجد على القبور من وسائل الشرك، لأن هذا من تعظيم القبور، فإذا بني عليها القباب وبني عليها المساجد قصدها العامة ودعوها من دون الله، واستغاثوا بها ونذروا لها وهذا هو الشرك الأكبر، فدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم هذا هو الشرك الأكبر هذا ضد دعوة الرسل، ضد التوحيد الذي بعث الله به الرسل فلما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم قال لقومه:«يا قومي قولوا لا إله إلا الله تفلحوا (3)» نهاهم أن يعبدوا مع الله سواه نهاهم أن يعبدوا مع الله العزى أو مناة أو

(1) سورة الأنبياء الآية 25

(2)

سورة النحل الآية 36

(3)

أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، من حديث ربيعة بن عبادة الديلي رضي الله عنه، رقم 15593.

ص: 290

اللات أو غير ذلك وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده، قال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1)، {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (2){أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (3){وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (4)، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5).

فالواجب إخلاص العبادة لله وحده ولا يجوز اتخاذ القباب على القبور ولا المساجد عليها بل يدفن الميت ويرفع قبره قدر شبر عن الأرض حتى يعرف أنه قبر ميت حتى لا يمتهن، ولا يجوز أن يدعى من دون الله ولا أن يبنى عليه قبة ولا مسجد ولكن يترك ضاحيا بارزا كما كانت قبور الصحابة في المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ولا يجوز أن يدعى الميت مع الله ولا يستغاث به، ولا يقال يا سيدي يا فلان أغثني أو انصرني أو أنا في حسبك وجوارك أو يطلب منه الرحمة أو المغفرة أو شيئا من أمور الخير كالرزق أو الزواج أو النجاة من النار أو دخول الجنة أو ما أشبه ذلك كل هذا كفر بالله من الشرك الأكبر، قال الله جل وعلا:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (6) معنى يعبدون أي: يوحدوني بالعبادة يقصدونه بالعبادة وحده سبحانه وتعالى، وقال سبحانه:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (7) أي: أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وقال سبحانه:

(1) سورة الإسراء الآية 23

(2)

سورة الزمر الآية 2

(3)

سورة الزمر الآية 3

(4)

سورة البينة الآية 5

(5)

سورة الفاتحة الآية 5

(6)

سورة الذاريات الآية 56

(7)

سورة الإسراء الآية 23

ص: 291

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (1)، وقال سبحانه:{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (2) يعني المشركين، وقال سبحانه:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3) سماهم كفارا، وقال عز وجل:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4){أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (5)، فأمر الله سبحانه بعبادته وحده جل وعلا وإخلاص العبادة له وحده سبحانه وتعالى، وأخبر أن المشركين اتخذوا من دونه أولياء يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، هم يعبدون اللات والعزى والأصنام ويدعونها ويستغيثون بها ويقولون: ما نقصد إلا أنهم يقربونا إلى الله زلفى، يشفعون لنا عند الله كما في آية يونس، ويقول سبحانه:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (6) فكذبهم الله سبحانه، بقوله:{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (7) وفي آية الزمر يقول جل وعلا: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ} (8) أي:

(1) سورة النساء الآية 36

(2)

سورة يونس الآية 106

(3)

سورة المؤمنون الآية 117

(4)

سورة الزمر الآية 2

(5)

سورة الزمر الآية 3

(6)

سورة يونس الآية 18

(7)

سورة يونس الآية 18

(8)

سورة الزمر الآية 3

ص: 292

يقولون: ما نعبدهم {إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (1) فكذبهم الله سبحانه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (2)، فبين أنهم لا يقربون إلى الله، بل هم كفار بهذا كاذبون، القرب من الله بدعوته سبحانه وعبادته وحده وسؤاله، هذا هو الذي يقربهم إلى الله، وينجيهم بفضله سبحانه، يا رب أغثني يا رب يسر لي الزواج بالمرأة الصالحة يا رب اقض ديني، يا رب أدخلني الجنة يا رب اغفر لي يا رب ارحمني هذا هو الذي شرعه الله، وهذا هو العبادة لله والتوحيد، أما تقول: يا سيدي البدوي ارحمني أو أنا في جوارك أو أغثني هذا هو الشرك الأكبر أو يا سيدي الحسين أو يا سيدي علي بن أبي طالب أو يا سيدي الحسن أو يا فاطمة أو ما أشبه ذلك، هذا هو الشرك الأكبر، هذا عبادة غير الله التي أنكرها الرسل وأنكرها نبينا محمد عليه السلام.

ولما خطبهم محمد صلى الله عليه وسلم في مكة في بعض الأيام قال: «يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب أنقذ نفسك فإني لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا (3)» . فأخبرهم

(1) سورة الزمر الآية 3

(2)

سورة الزمر الآية 3

(3)

أخرجه الإمام البخاري في كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب برقم 2753، ومسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى:(وأنذر عشيرتك الأقربين) برقم 206

ص: 293

عليه الصلاة والسلام أنه لا يغني عنهم من الله شيئا بل لا بد من شراء أنفسهم من الله بالتوحيد والإيمان والطاعة هؤلاء أقرب الناس إليه بنته وعمه وعمته وأخبرهم أنه لا يخلصهم من الله ولا ينجيهم من عذاب الله ولا يغني عنهم من الله شيئا إلا أن يوحدوا الله ويعبدوه وحده حتى فاطمة بنته قال: «سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا (1)» .

فالواجب على الجميع عبادة الله وحده وسؤاله وحده سبحانه والاستغاثة به وحده وأداء حقه في صلاة وزكاة وصيام وحج وبر الوالدين وصلة الرحم وترك ما حرم الله من سائر المعاصي من جنس الزنا وشرب الخمر واللواط وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وشهادة الزور إلى غير هذا من المعاصي، يجب تركها طاعة لله وتعظيما لله وتقربا له سبحانه هذا هو الدين، وهذا الذي بعث الله به الرسل وأنزل به من الكتب، وبعث به خاتم الرسل محمدا عليه الصلاة والسلام بعثه يدعو الناس إلى توحيد الله والإخلاص له وإلى طاعة أوامره التي أمر بها عباده من صلاة وصوم وزكاة وحج وغير ذلك، ونهاهم عما حرم الله عليهم، ولهذا صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:«كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: يا رسول الله من يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى (2)» من أطاع الرسول واتبع الشريعة فله الجنة ومن عصاه فله النار نسأل الله العافية.

(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب برقم 2753، ومسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى:(وأنذر عشيرتك الأقربين) برقم 206

(2)

أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم 7280.

ص: 294

فنصيحتي لكل من يخاف الله، لكل من يرجو الله: أن يعبد الله وحده، وأن يخصه بدعائه واستغاثته ونذره وذبحه وغير ذلك، كما يخصه بصلاته وصومه وسائر عباداته، لله وحده، هذا هو التوحيد، وهذا هو الإيمان، وهذا معنى قوله جل وعلا:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1)، ومعنى قوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (2) أي وحدوه أي خصوه بالعبادة بدعائكم وخوفكم ورجائكم وذبحكم ونذركم وصلاتكم وصومكم.

أما من يأتي أصحاب القباب ويدعوهم مع الله فعمله هذا هو الشرك الأكبر سواء كانوا أنبياء أو غيرهم، إذا قالوا: يا رسول الله أغثني؛ هذا شرك أكبر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، أما في حياته يقول: أعطني كذا، أعطني من مال الله الذي عندك ساعدني من كذا لا بأس في حياته صلى الله عليه وسلم كما يقال للملوك وغيرهم: ساعدونا، في حياتهم، لكن بعد وفاته يقول: أغثنا يا رسول الله انصرنا أو اشفع لنا هذا لا يجوز بل يطلب من الله يقول: يا رب اشفع في نبيك يا رب أغثني يا رب أنجني من النار، وهكذا لا يدعى عمر ولا الصديق ولا عثمان ولا علي ولا غيرهم، وهذا من بعد الصحابة من باب أولى لا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم هذا حق الله، الأموات يترضى عنهم ويدعى لهم والأنبياء يتبعون ويدعى لهم لا يدعون

(1) سورة الذاريات الآية 56

(2)

سورة البقرة الآية 21

ص: 295

مع الله بل العبادة حق الله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1)؛ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2)؛ {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3)؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار (4)» ؛ نده شبيهه أي نظيره يدعوه مع الله، يستغيث به وينذر له، ويقول صلى الله عليه وسلم:«من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار (5)» .

فالواجب الحذر من هذا الشرك والواجب البصيرة والتفقه في الدين هذا الواجب على جميع المسلمين في كل مكان وعلى جميع المكلفين في كل مكان في البلاد العربية وغيرها في أوربا في أمريكا في أفريقيا في آسيا في كل مكان يجب على المكلفين أن يعبدوا الله وحده، يجب أن يخصوه بدعائهم ونذرهم واستغاثتهم ونحو ذلك؛ لأنهم لهذا خلقوا، خلقهم ليعبدوه ويعظموه ويخصوه بالعبادة وبه أمروا، وبهذا تعرف أيها السائل أن اتخاذ القباب منكر ومن وسائل الشرك وهكذا بناء المساجد على القبور، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى

(1) سورة الفاتحة الآية 5

(2)

سورة الإسراء الآية 23

(3)

سورة البينة الآية 5

(4)

أخرجه الإمام البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى:(ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا) برقم 4497.

(5)

أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. برقم 92.

ص: 296

اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1)»، يحذر ما صنعوا، متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث جندب بن عبد الله البجلي:«ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوها مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2)» رواه مسلم في الصحيح فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس السابقين يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد يعظمونها يصلون عندها يدعون عندها يقرأون عندها فنهاهم عن هذا، نهاهم أن يفعلوا هذا الفعل، فوجب على العباد أن يتركوا هذا الفعل؛ لأنه وسيلة إلى الشرك إذا بني عليه المسجد أو القبة جاء الجاهل والعامي قال: هذا ولي، هذا ينفع، هذا يشفع؛ يدعوه من دون الله يستغيث به، وهذا هو الشرك الأكبر نعوذ بالله، وهكذا البناء على القبور حتى غير المساجد؛ يقول جابر رضي الله عنه:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه (3)» رواه مسلم في الصحيح زاد الترمذي وغيره وأن يكتب عليه، فالرسول نهى عن تجصيص القبر، وأن يبنى عليها وهذا يشمل القباب وغير القباب لا يبنى عليها شيء، نهى أن يجلس عليها؛ لأنه امتهان له فلا يجلس عليه لأنه امتهان ولا يبنى عليه ولا يجصص؛ لأن التجصيص والبناء عليه من وسائل التعظيم، فإذا جصص وبني عليه عظمه الناس حتى يقع الشرك ويدعونه من دون الله ويعظمونه.

(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.

(2)

أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 532.

(3)

أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه برقم 970.

ص: 297

فالواجب أن يكون مكشوفا كسائر القبور ولو كان قبر نبي أو صالح حتى لا يدعى من دون الله أو يخص بشيء من العبادة لكن لما خاف الصحابة أن يدعى وأن يعبد دفنوه في حجرة عائشة لئلا يعبد من دون الله ولكن أهل الغلو ما تركوا ذلك، عبدوه خارج الحجرة وفي كل مكان يستغيثون به، وينذرون له عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الشرك الأكبر الذي نهى عنه وحذر منه وقال:«لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله (1)» لا يجوز لأحد أن يغلو فيه بالدعاء ويدعوه من دون الله أو ينذر له أو يستغيث به أو يذبح له كل هذا شرك أكبر. وهكذا غيره من الأنبياء والصالحين لا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم؛ لأن ذلك مما حرم الله سبحانه وتعالى.

فينبغي لك يا عبد الله أن تكون على غاية من الحذر من هذا الشرك دقيقه وجليله قد عمت به البلوى في بلدان كثيرة في البلاد العربية وغيرها كما لا يخفى، على من له أدنى دراية بأحوال الناس ما يقع عند قبر البدوي والحسين والست زينب ونفيسة في مصر، وعند العيدروس في الجنوب اليمني وعند غيرها من القبور وعند قبور كثيرة، عند قبر ابن عربي في الشام وعند قبور كثيرة في العراق وغيرها، تدعى من دون الله ويستغاث بها، يجب الحذر، وهكذا من يأتي من الحجاج عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم

(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:(واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت.)

ص: 298

أو عند قبور البقيع أو الصحابة يدعوهم من دون الله هذا منكر، وشرك أكبر، يجب الحذر من ذلك ويجب على أهل العلم أن يبينوا ما يجب، على العلماء في كل مكان وفقهم الله، أن يبينوا للناس؛ لأن الناس قد يغلب عليهم الجهل يحسبونه دينا.

فالواجب على العلماء أن يوضحوا للناس أن الواجب عبادة الله وحده إخلاص العبادة لله وحد وأن أصحاب القبور لا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم ولا ينذر لهم ولا يذبح لهم ولا يبنى على قبورهم ولا يتخذ عليها مساجد، فالناس في ذمة العلماء يجب على العلماء أن يبينوا وأن يوضحوا للناس شرع الله ولا سيما ما يتعلق بالتوحيد، فهو أعظم الأمور وأهمها، كما أن الشرك أعظم الذنوب، وعلى العلماء البلاغ، مثل ما على الرسل، والله يهدي من يشاء، وعلى ولاة الأمور التنفيذ، على الحكام والرؤساء والملوك ورؤساء الجمهوريات ومن له قدرة التنفيذ أن يمنع العامة من الشرك بالله ويدعوهم إلى توحيد الله والإخلاص له ويبين لهم أن هذا لا يجوز وأن الواجب عبادة الله وحده والاستغاثة بالله وحده لا بالقبور، النذر لله وحده لا لأهل القبور، فأهل القبور الدعاء لهم هم محتاجون للدعاء، يزورهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين يدعو لهم؛ كان النبي يزور القبور ويدعو لهم عليه الصلاة والسلام وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور

ص: 299

يقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (1)» ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبور المدينة، فقال:«السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر (2)» ، وكان يعلم أصحابه هذا عليه الصلاة والسلام، رواه مسلم في الصحيح. كان يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا:«السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية (3)» ، وفي الحديث الآخر:«يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (4)» .

فالواجب على أهل الإسلام التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسير عليه في زيارة القبور وفي غيرها في جميع الأمور، كما قال الله سبحانه:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (5)، وقال سبحانه:{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (6).

فلذلك تجب طاعته عليه الصلاة والسلام، وما على الرسول إلا البلاغ المبين، وقال سبحانه:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (7)

(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم 974.

(2)

أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر، برقم 1053

(3)

أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.

(4)

أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 974.

(5)

سورة الحشر الآية 7

(6)

سورة النور الآية 54

(7)

سورة النساء الآية 80

ص: 300

وقال عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1) فالخير كله في طاعة المصطفى عليه الصلاة والسلام واتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه، وذلك بتعظيم كتاب الله القرآن والتمسك به والأخذ بما فيه، وتعظيم السنة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الله أعطاه القرآن ومثله معه السنة.

فالواجب على أهل الإسلام التفقه في كتاب الله والتفقه في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والعمل بهما في جميع الأحوال ولا سيما في أصل التوحيد وأصل الدين وأساسه وأعظم الأمور وهو رأس المال، نسأل الله لجميع المسلمين ولنا التوفيق والهداية والفقه في الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

(1) سورة النور الآية 63

ص: 301