الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
41 -
بيان أقسام التوسل الجائز والممنوع
س: السائل من السودان ع. م. ط. يقول في هذا السؤال: سماحة الشيخ ما هو التوسل، وهل يصح العمل به عندما يقول العبد طالبا من ربه: اللهم ارحمني وارزقني بجاه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وربما البعض من الإخوة في الإسلام يذهب للشيخ يقول له مثلا: اسأل لنا الله عز وجل في بعض الأمور، فما حكم الشرع في نظركم سماحة الشيخ في هذه القضية؟ (1)
ج: التوسل أقسام: منها أقسام ممنوعة، وأقسام جائزة، فالأقسام الممنوعة: التوسل الذي هو الشرك يسميه المسؤول توسلا وهو دعوة الأموات، والاستغاثة بالأموات والنذر لهم، هذا يسميه المسؤول توسلا وهو الشرك الأكبر، فالواجب الحذر منه، دعوة الميت والاستغاثة به، والنذر له ونحو ذلك، هذا كله من الشرك الأكبر، وإن سماه توسلا، قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (2) ويقول سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (3).
والنوع الثاني: شرك أصغر وهو التوسل بجاه فلان وبفلان، كأسألك بجاه نبيي محمد أو بجاه الأنبياء أو بجاه الشيخ عبد القادر
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط، رقم 400.
(2)
سورة يونس الآية 18
(3)
سورة الزمر الآية 3
أو بجاه أبي بكر أو عمر أو بذواتهم، أسألك بعمر أو عثمان هذه من التوسل الذي هو منكر ويسمى شركا أصغر وهو من وسائل الشرك الأكبر، هذا من وسائل الشرك الأكبر.
وهناك توسل ثالث جائز: وهو التوسل بدعاء الحي والاستغاثة وطلب أن يدعو لك، مثلما قال الرجل لرسول الله: يا رسول الله ادع الله لي أن يرد علي بصري، تقول لأخيك ادع الله لي أن يشفيني، هذا توسل بدعائه هو، ما هو بدعائك أنت، بدعائه هو لك، وهو حي موجود، جائز، توسل جائز، تقول: يا أخي ادع الله لي أن يشفيني، ادع الله يرزقني ولدا، ادع الله أن يغنيني من الفقر، مثلما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر لما ذهب إلى العمرة:«لا تنسنا من دعائك (1)» رواه الترمذي والجماعة وفي سنده ضعف، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم للصحابة:«إنه يقدم عليكم رجل من اليمن يقال له أويس القرني، كان بارا بأمه، فمن لقيه منكم فليطلب منه أن يستغفر له (2)» .
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 196 واللفظ له، والترمذي في كتاب الدعوات، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 3562، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم 1498، وابن ماجه في كتاب المناسك، باب فضل دعاء الحاج، برقم 2894.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أويس القرني رضي الله عنه، برقم 2542.
أما التوسل الشرعي فهو التوسل بأسماء الله وصفاته وتوحيده والإيمان به، هذا توسل شرعي، تقول: اللهم إني أتوسل بتوحيدك واتباع نبيك وطاعتي لك أن تغفر لي، اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا، اللهم إني أسألك بأنك الرحمن الرحيم، بأنك رب كريم، بأنك خالق كل شيء، فالتوسل بالله وبأسمائه وصفاته هذا مشروع، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:«اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد (1)» ، هذا كله من التوسل الشرعي، اللهم إني أسألك بإيماني بك، وبمحبة نبيك أن تغفر لي، ومن هذا قوله عليه الصلاة والسلام في تعليمه لبعض الصحابة، لما علمهم أن يتوسلوا، علمهم أن يقولوا:«اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت (2)» ، وفي لفظ آخر:«اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم (3)» . كل هذا توسل بأسمائه وصفاته، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على ذلك، وذكر أن هذه توسلات من أسباب الإجابة في بعضها:«لقد سأل الله باسمه الأعظم (4)» . . فالتوسل بتوحيد الله، والإيمان بالله، وبأسماء الله، وبصفات الله توسل شرعي من أسباب الإجابة.
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، برقم 22442، والترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 3475.
(2)
الترمذي الدعوات (3475)، أبو داود الصلاة (1493)، ابن ماجه الدعاء (3857)، أحمد (5/ 349).
(3)
النسائي السهو (1300)، أبو داود الصلاة (1495).
(4)
أخرجه النسائي في كتاب السهو، باب الدعاء بعد الذكر، برقم 1300.
س: هل يجوز للإنسان يا سماحة الشيخ أن يدعو في دعائه اللهم بحق محمد عندك، لأني سمعت بعض الناس يقولون بأن آدم عليه السلام عندما أذنب دعا وقال لربه بجاه محمد عندك اغفر لي؟ (1)
ج: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
التوسل لا يجوز لأن المسائل توقيفية عبادة لا يجوز منها إلا ما أجازه الشرع والله يقول سبحانه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (2)، فلا يدعى إلا بأسمائه وصفاته والإيمان به وتوحيده جل وعلا ولا يدعى بما يراه الإنسان من توسلات ولا بجاه فلان ولا بحق فلان ولا بحق محمد ولا بجاه محمد ولا بجاه الأنبياء ولا بحق الأنبياء أو الملائكة، كل هذا لا يجوز هذا هو الصواب؛ لأن التوسل عبادة والعبادة توقيفية لا تثبت بالرأي المجرد والاختيار. لا، لا بد من الدليل على ذلك قال جل وعلا:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (3) أنكر عليهم الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} (4). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس
(1) السؤال الأول من الشريط، رقم 359.
(2)
سورة الأعراف الآية 180
(3)
سورة الشورى الآية 21
(4)
سورة الجاثية الآية 18
عليه أمرنا فهو رد (1)»؛ وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد (2)» ؛ والشريعة جاءت بالتوسل بأسماء الله وصفاته والإيمان به وتوحيده: اللهم إني أشهد بإيماني بأني أؤمن بك، بتوحيدي لك بإخلاص عبادتك إلى غير ذلك بأسمائك وصفاتك وبصلاتي وبصومي وبحجي ببري والدي إلى غير ذلك، فالتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته والإيمان به أو بالأعمال الصالحات كل هذا لا بأس به فهو وسيلة شرعية.
ومن هذا حديث الغار أن أصحاب الغار الثلاثة كانوا في سفر فيمن قبلنا فأخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم فآواهم "المبيت" إلى غار، وفي رواية " المطر"، فلما دخلوا الغار انحدرت الصخرة فسدت عليهم الغار وكانت عظيمة لم يستطيعوا دفعها، فقالوا فيما بينهم: إنه لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم ففرج الله عنهم الصخرة، الأول توسل ببر والديه، والثاني توسل بعفته عن الزنا، والثالث توسل بأدائه الأمانة، ففرج الله عنهم، هذه وسيلة شرعية، أسماء الله وصفاته وتوحيده والإيمان به وعمل الصالحات.
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم 2697، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ومحدثات الأمور، برقم 1718.