المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ التعريف بأولياء الله تعالى - فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر - جـ ٢

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ حكم الذبح عند قبور الأولياء

- ‌ حكم الدعاء والصدقة عن الميت إذا شك في صلاح عقيدته

- ‌ حكم أكل الذبائح التي تذبح عند القبور

- ‌ حكم البقاء بين من يذبح لغير الله لقصد دعوتهم لتوحيد الله تعالى

- ‌ حكم الادعاء بمعرفة قبور الأنبياء عليهم السلام

- ‌ حكم التقرب للأولياء والطواف حول قبورهم

- ‌ حكم تسييب البهائم للقربى للزار أو غيره

- ‌ حكم تلطيخ الرأس بدم الدجاجة أو نحوها

- ‌ حكم الذبح لله في أماكن مخصوصة

- ‌ حكم الدوران بالدواب حول الجبال والوديان وذبحها للاستسقاء

- ‌ حكم الذبح لأجل بناء المنزل

- ‌ حكم من أظهر الإسلام ويذبح لغير الله

- ‌ حكم الذبح عند المنزل بعد الانتهاء من بنائه

- ‌باب ما جاء في النذر لغير الله

- ‌ بيان حكم النذر للأولياء والصالحين

- ‌ حكم نذر الذبائح للأئمة والصحابة

- ‌ حكم الأموال التي تنذر للأولياء

- ‌ بيان حكم النذر

- ‌ حكم التبرع للمساجد التي حولها قبور

- ‌ حكم الأموال التي يتبرع بها للقبور

- ‌ حكم النذر لأصحاب القبور ودعائهم من دون الله

- ‌ حكم النذر بالذبح عند القبر

- ‌ حكم أكل الذبيحة التي تذبح لغير الله

- ‌ حكم النذر بذبح الدجاج بناء على نصائح المشعوذين

- ‌باب ما جاء في دعاء غير الله تعالى

- ‌ حكم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به

- ‌ بيان أن قبر الخضر عليه السلام لا يعرف مكانه

- ‌ حكم دعاء غير الله تعالى

- ‌ حكم دعاء الأولياء

- ‌ حكم من يدعو أصحاب القبور

- ‌ حكم الاستعانة والاستغاثة بالأموات

- ‌ حكم كتابة أسماء بعض الأولياء على السيارة لقصد سلامة الرحلة

- ‌ حكم التلفظ بكلمة (أرجو منك)

- ‌ حكم الغلو في محبة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ما جاء في الشفاعة

- ‌ حكم طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره

- ‌باب ما جاء في التوسل

- ‌ بيان بعض شبه المتوسلين بالمخلوقين والرد عليها

- ‌ حكم قول: (بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) في الدعاء

- ‌ بيان أقسام التوسل الجائز والممنوع

- ‌ حكم التوسل بحق الأنبياء وذوات الملائكة

- ‌ بيان الفرق بين التوسل والوسيلة

- ‌ حكم التوسل بصفة من صفات الله تعالى

- ‌ بيان ما يجوز من التوسل وما لا يجوز

- ‌ حكم طلب الإنسان من شخص أن يدعو له

- ‌ حكم التوسل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ حكم التوسل بحق فلان

- ‌ حكم التوسل بشرف فلان

- ‌ حكم التوسل ببركة رمضان

- ‌ حكم التوسل بالقرآن الكريم

- ‌ حكم التوجه إلى الله بالدعاء عند قبور الصالحين

- ‌ حكم الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ما جاء في التبرك

- ‌ حكم التبرك بتراب قبور الأولياء

- ‌ التعريف بأولياء الله تعالى

- ‌ حكم الطواف بالقبور

- ‌ حكم التبرك بقبور الأولياء

- ‌ حكم الدعاء ببركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ حكم سؤال الأشخاص الذين يتنبئون بأشياء مستقبلية

- ‌باب ما جاء في الغلو في قبور الصالحين

- ‌ مذهب أهل السنة والجماعة في كرامات الأولياء

- ‌ أولياء الله هم أهل التقوى

- ‌ حكم التقرب للأولياء بالذبائح

- ‌ حكم التقرب للأولياء بالهدايا

- ‌ تحريم أجساد الأنبياء على الأرض خاص بهم دون غيرهم من الصالحين

- ‌ حكم مدح الرسول عليه الصلاة والسلام بشعر فيه غلو

- ‌ حكم تقبيل القبور والاستغاثة بها

- ‌ حكم التبرع بالأموال لقبور الأولياء

- ‌ حكم الاعتكاف وإقامة حلقات الذكر عند القبور

- ‌ الصلاة في المساجد التي فيها قبور

- ‌ حكم الصلاة عند القبور

- ‌ الرد على شبهة جواز الاستغاثة من الأموات

- ‌ حكم شد الرحال لزيارة قبور الصالحين

- ‌ حكم غسل قبور الأولياء والتمسح بها

- ‌ حكم نصب القباب على قبور الصالحين

- ‌ حكم ذبح الذبائح عند القبور وأكل لحمها

- ‌ حكم زيارة قبور الصالحين لجلب النفع ودفع الضر

- ‌ حكم الصلاة إلى القبور والتبرك بها

- ‌ حكم من يعتقد النفع والضر في أهل القبور

- ‌ حكم الاستغفار لمن مات وهو يدعو أصحاب القبور

- ‌ حكم من مات وهو يسأل أصحاب القبور شفاء المرضى وتفريج الكرب

- ‌ حكم من يسأل أصحاب القبور الرحمة والخير

- ‌ التفصيل بين زيارة القبور الشرعية والزيارة الشركية

- ‌ حكم زيارة الأضرحة في الإسلام

- ‌ حكم شد الرحال إلى قبور الأولياء والصالحين

- ‌ حكم توزيع الأطعمة عند الأضرحة وسؤالها قضاء الحوائج

- ‌ الرد على شبهة من أجاز دفن الميت في المسجد بحجة دفنه عليه الصلاة والسلام في مسجده

- ‌ بيان الحكم في القبة الخضراء على قبره عليه الصلاة والسلام

- ‌ بيان مكان قبر الحسين رضي الله عنه

- ‌ حكم الاحتفال والذبح عند القبور

- ‌ حكم الطواف بالقبور

- ‌ حكم إيقاد السرج على القبور وذبح النذور لها

- ‌ حكم قطع الأشجار التي على القبور

- ‌ حكم اعتقاد النفع والضر في الأولياء

- ‌ حكم تقديم النذور لمزارات الأولياء

- ‌ حكم الأكل من الذبائح التي يتقرب بها إلى أصحاب القبور

- ‌ حكم اتخاذ قبور الأولياء أعيادا

- ‌ جميع قبور الأنبياء لا تعرف سوى قبري نبينا وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام

- ‌ التحذير ممن يغالون في الأولياء

- ‌ حكم العذر بالجهل في عباد القبور والأضرحة

الفصل: ‌ التعريف بأولياء الله تعالى

58 -

‌ التعريف بأولياء الله تعالى

س: أرجو تعريفا كاملا لأولياء الله، ومن هم؟ وهل عندهم علامات مميزة؟ وهل تصح زيارتهم للتبرك، وقضاء الحوائج سواء كانوا أحياء أم أمواتا؟ جزاكم الله خيرا؟ (1)

ج: أولياء الله هم أهل التقوى والإيمان هم أهل الصلاح والاستقامة على دين الله، وعلى ما جاء به رسوله عليه الصلاة والسلام، هؤلاء هم أولياء الله، وهم أهل التقوى، وهم أهل الإيمان، كما قال الله سبحانه:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2)، ثم فسرهم فقال:{الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (3)، هؤلاء هم أولياء الله، هكذا في سورة يونس. وقال في سورة الأنفال:{وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} (4)، فأولياء الله هم أهل التقوى، هم أهل الإيمان، هم الذين أطاعوا الله ورسوله، واستقاموا على دين الله وتركوا الشرك والمعاصي، هؤلاء هم أولياء الله، يجب حبهم في الله، ولكن لا يجوز دعاؤهم من دون الله، ولا الاستغاثة بهم، ولا البناء على قبورهم، هذا منكر، ولا البناء على قبور الأنبياء أيضا، يقول

(1) السؤال السابع عشر من الشريط، رقم 197.

(2)

سورة يونس الآية 62

(3)

سورة يونس الآية 63

(4)

سورة الأنفال الآية 34

ص: 166

النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1)» ، وقال عليه الصلاة والسلام:«ألا وإن من كان قبلكم - يعني: من الأمم - كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2)» رواه مسلم في الصحيح فنهى الناس عن اتخاذ المساجد على قبور الأنبياء والصالحين، وحذرهم من ذلك، ولعن من فعل هذا.

وروى مسلم في الصحيح، عن جابر رضي الله عنه، قال:«نهى رسول الله أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه، (3)» فلا يبنى عليه قبة ولا غرفة ولا مسجد، بل يجب الحذر من ذلك، بل تترك القبور بارزة شامسة، كما كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع وفي غيره، في الأرض الواضحة التي ليس فيها بناء، يكون القبر بارزا عن الأرض قدر شبر ونحوه، حتى يعرف أنه قبر، ولا يبنى عليه، ولا يجصص، ولا يبنى عليه قبة ولا مسجد، كل هذا لا يجوز وهذه القباب والمساجد التي توضع على القبور من أسباب الشرك، إذا رآها العامي معظمة بالقباب والمساجد، وربما فرشوها، وربما طيبوها صار هذا من أسباب الشرك، بدعة يترتب عليها شرك أكبر، نسأل الله العافية، فإن العامة إذا رأوا هذا العمل، دعوها من دون الله واستغاثوا بها، وتمسحوا بها إلى غير ذلك؛ أما زيارة

(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد، برقم 532.

(2)

أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 532.

(3)

مسلم الجنائز (970)، الترمذي الجنائز (1052)، النسائي الجنائز (2027)، أبو داود الجنائز (3225)، أحمد (3/ 339).

ص: 167

المؤمن، أن يسلم على أخيه، يعني على قبره، إذا كان ظاهرا، بارزا، ليس فيه قبة ولا مسجد، فلا بأس، بل سنة النبي عليه السلام قال:«زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (1)» ، فإذا زار القبور ليسلم عليهم، ويدعو لهم، فهذا مشروع، وهذا سنة؛ أما أن يزورهم ليدعوهم من دون الله، أو يستغيث بهم، أو يطلبهم المدد، فهذا شرك أكبر، لا يجوز، فالذي يقول لصاحب القبر: المدد المدد، أو يا سيدي فلان أغثني، أو انصرني، أو اشف مريضي، أو أنا في جوارك، أو أنا في حمايتك، هذا دعاء لغير الله، وشرك بالله سبحانه وتعالى هذا من جنس عمل الجاهلية الأولى، أبي جهل وأشباهه.

الواجب على المسلمين أن يحذروا هذه الأمور، وأن يتواصوا ويتناصحوا بتركها أينما كانوا، وأما الأحياء منهم إذا زارهم يسلم عليهم لحبهم في الله، فلا بأس يزورهم لحبهم في الله، لا للتبرك بهم، والذي يزورهم يسلم عليهم ويعرف أحوالهم، ويتذاكر معهم في الخير، أو في العلم، كل هذا طيب، أو ليدعوا ويستغفروا له، لا بأس، إذا قال: ادعوا لي أو استغفروا لي، لا بأس أما أن يزوره لأجل الاعتقاد فيه، أنه يدعى من دون الله، أو أنه يصلح أن يعبد من دون الله حيا أو ميتا، لأنه ينفع أو يضر، أو أنه يتصرف في الكون، أو ما أشبه هذا من اعتقاد الجهلة، فهذا لا يجوز يقول الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم:

(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.

ص: 168

{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (1)، فإذا كان صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم، وأفضل الخلق، لا يملك لغيره نفعا ولا ضرا، ولا يعلم الغيب، فكيف بغيره من الناس، فعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى، هو النافع الضار، المعطي المانع، جل وعلا، فليس لأحد أن يدعو غير الله من الأموات أو الغائبين، أو الأشجار أو الأحجار أو الجن، أو الملائكة، بل هذا من الشرك بالله سبحانه وتعالى، وليس له أن يعتقد في أحد من أنه ينفع ويضر دون الله، أو أنه يصلح أن يعبد من دون الله، ويدعى من دون الله، كل هذا اعتقاد باطل وكفر، نسأل الله العافية؛ أما الحي الحاضر، القادر، يقول: يا أخي أعني على كذا، لا بأس. الحي الحاضر، تقول له: ساعدني على إصلاح سيارتي، على عمارة بيتي، على مزرعتي، وهو قادر يسمعك ويستطيع أن يساعدك بما يسر الله، لا بأس. هذه أمور جائزة فيما بين الناس، قال تعالى في قصة موسى:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (2)؛ لأنه حي يسمع كلامه، وموسى يقدر أن يغيثه، فلا بأس بهذا أما دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، أو الغائبين يعتقد فيهم أنهم يسمعون دعاءه وينفعون ويضرون، هذا هو الشرك الأكبر، هذا عمل الجاهلية الأولى، نسأل الله العافية ولو قال: إني ما قصدت أنهم ينفعون ويضرون، ولو قال: أقصد أنهم شفعاء عند

(1) سورة الأعراف الآية 188

(2)

سورة القصص الآية 15

ص: 169

الله، هذا شرك المشركين، المشركون ما قصدوا أنهم ينفعون ويضرون، بل أرادوهم شفعاء عند الله، وأرادوهم أن يقربوهم إلى الله، كما قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (1)، قال الله سبحانه:{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2)، فسمى عملهم هذا شركا، وقال سبحانه وتعالى في سورة الزمر:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (3) ما قالوا لأنهم ينفعون ويضرون، لا، قالوا: يقربونا إلى الله زلفى، هذه عقيدتهم، يعلمون أن النافع الضار هو الله وحده، ولكنهم يطلبون من الأولياء أو من الأنبياء، أو من الملائكة الشفاعة إلى الله، ليعطيهم مطالبهم، ويزعمون أنهم شفعاء وأنهم يقربون إلى الله، ولا يعتقدون أنهم يتصرفون في الكون، أو ينفعون أو يضرون، لا، ليس هذا من اعتقاد الجاهلية، ومع هذا كفرهم الله وقاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم على شركهم هذا، فالواجب على كل من يدعي الإسلام أن يتبصر ويتفقه في دينه، وأن يحذر التعلق بأهل القبور ودعائهم من دون الله، والاستغاثة بهم والنذر لهم والذبح لهم، وأن هذا هو شرك الجاهلية، كما يفعل هذا بعض الناس عند قبر السيد البدوي، أو السيد الحسين، أو الشيخ عبد القادر في العراق، أو غيرهم كل هذا شرك بالله لا يجوز لا مع الحسين، ولا مع البدوي، ولا مع

(1) سورة يونس الآية 18

(2)

سورة يونس الآية 18

(3)

سورة الزمر الآية 3

ص: 170

الشيخ عبد القادر الجيلاني، ولا مع غيرهم من الناس، ولا مع ابن عربي في الشام، ولا مع غيرهم؛ الواجب الإخلاص لله في العبادة؛ لأنه حقه سبحانه وتعالى، قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (1)، وقال سبحانه:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2)، يعني أمر وأوصى ألا تعبدوا إلا إياه، وقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (3)، وقال جل وعلا:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4) هذا أصل الدين وأساس الملة، وهذا أعظم واجب وأهم واجب، أن تعبد الله وحده، بدعائك ونذرك وذبحك وصلاتك وصومك وغير ذلك، وقال تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5){لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (6)، والنسك يطلق على الذبح وعلى العبادة، فكما أن الصلاة لله، هكذا الذبح لله، فالذي يذبح للجن، أو يتقرب لأصحاب القبور، أو الأشجار والأصنام بالذبائح، هذا شرك بالله عز وجل. وهكذا دعاؤهم والاستغاثة بهم وطلبهم المدد، الذي يقف على قبر ويقول: المدد، أو يدعوهم من قريب، يا سيدي البدوي، أو يا سيدي الحسين المدد المدد، أو يا سيدي عبد القادر المدد المدد، هذا الشرك الأكبر، هذا شرك بالله عز وجل وعبادة لغيره. قال سبحانه وتعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (7)،

(1) سورة البينة الآية 5

(2)

سورة الإسراء الآية 23

(3)

سورة البقرة الآية 21

(4)

سورة الذاريات الآية 56

(5)

سورة الأنعام الآية 162

(6)

سورة الأنعام الآية 163

(7)

سورة الجن الآية 18

ص: 171

(أحدا) عام يعم الأنبياء وغيرهم، نكرة في سياق النهي تعم الأنبياء والملائكة والجن والإنس، وقال سبحانه وتعالى:{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (1)، يعني: المشركين، وقال سبحانه:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2)، فسمى دعاة غير الله: كفارا، ولو قالوا: ما نسميه إلها، ولو قالوا: نسميهم سادة، أو نسميهم أولياء، متى دعوهم واستغاثوا بهم، فقد جعلوهم آلهة، وإن لم يسموهم آلهة، فلا عبرة بالأسماء، العبرة بالحقائق، فالذي يعبده من دون الله ويستغيث به، قد جعله إلها، وإن لم يسمه إلها، وإن قال: هو السيد، أو هو الولي، أو هو كذا، أو كذا بأسماء أخرى، الاعتبار في الأمور بالحقائق، والمعاني، لا بالألفاظ. نسأل الله أن يهدي إخواننا جميعا المسلمين، ونسأل الله أن يرشد الجاهل للحق على الهدى، وأن يكثر في المسلمين علماء الحق، وعلماء الهدى، حتى يبصروا الناس، وحتى يرشدوهم إلى توحيد الله، وإلى الحق الذي بعث الله به نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام، ونسأل الله أن يهدي الجاهل إلى أن يتعلم، ويسأل، ويتبصر، ولا يرضى بالتقليد الأعمى، ونصيحتي لجميع من يتصل بالقبور، أو يدعو القبور، أو يجهل أحكام الله، نصيحتي

(1) سورة يونس الآية 106

(2)

سورة المؤمنون الآية 117

ص: 172

للجميع أن يسألوا العلماء، علماء الحق، علماء السنة، أهل البصيرة، يسألوهم، مثل أنصار السنة في مصر، مثل علماء السنة في الشام، في الأردن، في أي مكان، علماء الحق المعروفين بالسنة والتوحيد، والإخلاص، والبصيرة، وهكذا في كل مكان، في إفريقيا، وفي أوروبا، وفي أمريكا، في كل مكان. الواجب على من جهل الحكم أن يسأل، ولا يقدم على شيء على غير بصيرة، والله يقول سبحانه في كتابه العظيم:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1).

وروي عنه عليه السلام أنه قال لقوم أفتوا من غير علم: «ألا سألوا إذا لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال (2)» وكان الصحابة يسألونه عليه الصلاة والسلام، ويعلمهم ويجيبهم، حتى النساء يسألونه ويجيبهم. وقال له بعض النساء: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا يوما نسألك ونتحدث إليك، فوعدهن وجمعهن في مكان، وأتاهن وسألنه عن حاجاتهن، عليه الصلاة والسلام. فالواجب على العلماء أن ينبسطوا للجهلة حتى يعلموهم، وأن يعتنوا بالكتاب والسنة، وأن تكون الفتاوى من الكتاب والسنة، لا من التقليد الأعمى، بل من كتاب الله العظيم، وسنة رسوله

(1) سورة النحل الآية 43

(2)

أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم، مسند ابن عباس رضي الله عنهما، برقم 3048، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب: في المجروح يتيمم، واللفظ له، برقم 337، وابن ماجه في كتاب الطهارة، باب: في المجروح تصيبه الجنابة فيخاف على نفسه، برقم 572.

ص: 173