الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء في التبرك
باب ما جاء في التبرك
55 -
تبرك الصحابة بآثاره عليه الصلاة والسلام من خصائصه
س: رأيت في بعض الكتب المنتشرة عندنا في الصومال أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يزدحمون على ماء وضوء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، يتبركون به، وإذا تنخم أو بصق يأخذون ذلك ويتمسحون به، وازدحموا على الحلاق عند حلق رأسه صلى الله عليه وسلم، واقتسموا شعره يتبركون به، وشرب عبد الله بن الزبير دمه صلى الله عليه وسلم لما احتجم، وشربت أم أيمن بوله فقال لها: صحة يا أم أيمن، فما صحة ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا، وهل يجوز أن يقيس الناس على مثل هذه الأحوال، إن كان ما ورد صحيحا؟ (1)
ج: لا ريب أنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بماء وضوئه، وبشعره عليه الصلاة والسلام، وببصاقه عليه الصلاة والسلام وبنخامته، كل هذا ثابت عنه عليه الصلاة والسلام،
(1) السؤال الثامن من الشريط، رقم 120.
وعن الصحابة، وقد ثبت في حديث أبي جحيفة في الصحيحين، في حجة الوداع، أنه لما خرج بلال بوضوئه صلى الله عليه وسلم، كان الصحابة يتناولون منه ما تيسر، هذا يأخذ قليلا وهذا يأخذ كثيرا من وضوئه عليه الصلاة والسلام، وثبت في صلح الحديبية، أنه إذا تنخع نخاعة أو بصق تلقاها الصحابة وجعلوا يدلكون بها أجسادهم، لما جعل الله فيها من البركة، ولما حلق في حجة الوداع، قسم نصف الشعر بين الصحابة، والنصف الثاني أعطاه أبا طلحة رضي الله عنه، كل هذا ثابت عنه صلى الله عليه وسلم، وليس هناك شك عند أهل العلم في بركة جسمه صلى الله عليه وسلم، وشعره وما مس جسمه ووضوئه، وعرقه عليه الصلاة والسلام.
لكن لا يقاس عليه غيره، إذ إن الصحابة رضي الله عنهم، ما فعلوا هذا مع الصديق ولا مع عمر، ولا مع عثمان، ولا مع علي، وهم أفضل الصحابة هم أفضل الناس بعد الأنبياء، فلو كان هذا مشروعا أو جائزا، مع غير النبي صلى الله عليه وسلم لفعله المسلمون، مع هؤلاء الأخيار، ولأن ذلك قد يكون وسيلة للشرك والغلو، فلهذا منعه أهل العلم في الصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا يقاس على الرسول صلى الله عليه وسلم أحد بل خاص به صلى الله عليه وسلم، لما ثبت وعلم من بركته صلى الله عليه وسلم، في جسمه وعرقه وشعره، وسائر أجزائه عليه الصلاة والسلام، ولأنه أقر الصحابة على ذلك، فلولا أنه جائز لما أقرهم، فلا يقاس عليه غيره لأمور كثيرة، أما التبرك بالعلماء والعباد، الذي يفعله بعض الناس، فهذا غلط ولا يجوز، لأنه خالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يفعله المسلمون مع فضلائهم ولا كبارهم، كالخلفاء الراشدين ولم يفعله مع بقية الصحابة،
ولو كان خيرا لسبقونا إليه، ولأن العبادات توقيفية، ولأن هذا قد يفضي إلى الشرك والغلو، ولهذا رجح المحققون من أهل العلم منعه مع غير النبي عليه الصلاة والسلام، أما شرب ابن الزبير دمه، وأم أيمن بوله، فهذا محل نظر، وقد ورد هذا ولكن في صحته نظر، فهو يحتاج إلى تمحيص ونظر في أسانيد القصة، والأصل تحريم الدم وتحريم البول، الله حرم علينا البول لأنه نجس، وحرم الدم لأنه من الخبائث، وهو نجس، فإن صح فهذا يستثنى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم له خصائص، كما قلنا في العرق ومسألة الشعر، ومسألة البصاق هذا خاص به، فهكذا إذا صح حديث أم أيمن، وصح حديث ابن الزبير، صار من الخصائص، وسوف نبحثه إن شاء الله، ونعتني به ويكون في حلقة أخرى إن شاء الله.
56 -
قياس التبرك بآثار الصالحين بما فعله الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم باطل ولا يصح
س: يقيس الذين يرون التبرك بالصالحين، يقيسون عملهم بما كان يفعله الصحابة رضي الله عنهم من التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وشعره وملابسه، وفضلات جسمه، فبينوا لنا المعتقد الصحيح، في هذا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذا القياس باطل، النبي صلى الله عليه وسلم شرع الله لنا أن نقتدي به ونتأسى
(1) السؤال السادس عشر من الشريط، رقم 266.
به صلى الله عليه وسلم، وشرع الله جل وعلا التبرك بما مس جسده من شعر وعرق ونحو ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه في حجة الوداع، وزعه على الصحابة، هذا يدل على أنه هذا جائز بالنسبة إليه، عليه الصلاة والسلام، وهكذا ملابسه التي تلي جسده، فيها بركة، لأن الله جعله مباركا وجعل ما أصاب جسده فيه بركة، أما غيره فلا يقاس عليه، ولا يدعى من دون الله، ولكن نفس العرق، أو نفس الشعر من النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، لا بأس أن يجعل في طيب الإنسان، أو يلبسه على جسده، يرجو أن الله يجعل فيه بركة له، كما جعل ماء زمزم مباركا، سبحانه وتعالى، هذا فضل منه جل وعلا.
وكما جعل في الأطعمة واللحوم بركة للمسلمين، فليس هذا بمستنكر أما أن يتبرك بفلان، أو شعر فلان، أو عرق فلان فلا، لأنه لا يقاس عليه غيره، عليه الصلاة والسلام، القياس لا بد أن يكون الفرع مساويا للأصل، وليس أحد يساوي النبي صلى الله عليه وسلم، هو أفضل الخلق وسيد الخلق، وله خصائص، ولهذا لم يفعل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم هذا التبرك مع الصديق ولا مع عمر ولا مع عثمان، ولا مع علي، ولا مع غيرهم من سادات الصحابة وكبارهم لعلمهم أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، لا بغيره صلى الله عليه وسلم، وهم القدوة والأسوة، وهم أعلم الناس، بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم.