الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
89 -
حكم شد الرحال إلى قبور الأولياء والصالحين
س: إن كثيرا من الناس يشدون الرحال إلى قبور الأولياء والصالحين، سائلين أهلها من الأموات شفاء مرضاهم، أو قضاء حوائجهم، ويقدمون لأصحاب هذه الأضرحة النذور والذبائح، ويدعونهم ويستغيثون بهم، وما شابه ذلك من أعمال، وهذه القضية اختلفت فيها الآراء، فالذين يقومون بهذا العمل يقولون: إن لله في الأرض عبادا يستجيب الله الدعاء من أجلهم، والذين يعارضون هذا العمل قالوا: إن هذا شرك صريح، ومخرج لصاحبه من الملة، نرجو أن تلقوا مزيدا من الضوء على جوانب وزوايا هذا الموضوع، مع بيان هل يجوز الصلاة خلف مرتكبيه أو لا يجوز؟ وفقكم الله (1).
ج: إن هذا السؤال مهم جدا وعظيم جدا، وهو شد الرحال إلى الأضرحة لطلب الحاجات وشفاء المرضى من أصحاب القبور، لدعائهم والاستغاثة بهم، والنذر لهم وتقديم الذبائح ونحو ذلك، أما شد الرحال لمجرد الزيارة للقبور، فهذا لا يجوز على الصحيح من أقوال العلماء؛ لأنه منهي عنه؛ ولأنه وسيلة إلى الشرك، والأصل في هذا قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «لا تشد الرحال
(1) السؤال السابع عشر من الشريط، رقم 5.
إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا - يعني مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة - والمسجد الأقصى (1)» هذه الثلاثة تشد لها الرحال للعبادة فيها، بنص النبي عليه الصلاة والسلام، وما سواها لا تشد إليه الرحال للعبادة فيها، فيدخل في ذلك بقية المساجد، ويدخل في ذلك أيضا الأضرحة من باب أولى؛ فإنه إذا كان لا تشد الرحال إلى المساجد غير الثلاثة، وهي أفضل البقاع، فغيرها من البقاع التي تشد لها الرحال، من أجل فضل المدفون بها، أو نحو ذلك المنع من ذلك من باب أولى، ولهذا أصح أقوال العلماء في هذا الباب تحريم شد الرحال لزيارة القبور، وإنما تزار من دون شد الرحال، فزيارتها سنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2)» . فالسنة زيارة القبور، والدعاء لأهلها بالمغفرة والرحمة، للرجال خاصة دون النساء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور، وقال إنها تذكر الموت، تذكر الآخرة، وكان يعلم أصحابه ذلك، يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا:«السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية (3)» وكان يزور البقيع عليه الصلاة والسلام، ويترحم عليهم
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة. برقم 1189، ومسلم في كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره .. برقم 837.
(2)
أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.
ويدعو لهم بالمغفرة، أما بشد الرحال فلا، لا تشد الرحال لزيارة القبور، كما لا تشد لأجل زيارة المساجد الأخرى غير الثلاثة، أما إذا قصد بشد الرحال دعاء الميت، والاستغاثة بالميت فهذا منكر وحرام بالإجماع إجماع المسلمين ولو فعل هذا من دون شد الرحال، لو أتى القبور التي في بلده من دون شد رحل، يستغيث بها أو ينذر لها أو يذبح لها، أو يسألها قضاء الحاجات، شفاء المرضى، تفريج الكروب، كان هذا منكرا عظيما وشركا ظاهرا، وهذا هو شرك الأولين من الجاهلية كانوا يفعلون هذا مع الأموات، كانت الجاهلية، تشرك بالأموات، وتستغيث بهم وتنذر لهم:{وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (1) ويقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (2) كما حكى الله عنهم ذلك سبحانه وتعالى، فإنه سبحانه قال:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (3)، فرد الله عليهم بقوله:{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (4)، وقال سبحانه:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (5){أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (6) يعني يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى،
(1) سورة يونس الآية 18
(2)
سورة الزمر الآية 3
(3)
سورة يونس الآية 18
(4)
سورة يونس الآية 18
(5)
سورة الزمر الآية 2
(6)
سورة الزمر الآية 3
فرد الله عليهم بقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (1) فبين سبحانه وتعالى أن عبادتهم إياهم بالدعاء والضراعة والاستغاثة، والذبح والنذر والسجود على القبور أو نحو ذلك أن هذا هو الشرك بالله، وأن هو الكفر والضلال، وأن هذا لا ينفعهم بل يضرهم وإن زعموا أنهم شفعاء عند الله وإن زعموا أنهم يقربون إلى الله زلفى، فهو زعم باطل؛ لأن دعاء الأموات، أو الاستغاثة بالأموات، أو الأصنام أو الأشجار لا يقرب إلى الله ولا يدني من رضاه، بل يباعد من رحمته، ويوجب غضبه، ويوجب النار، وحرمان الجنة كما قال الله في كتابه الكريم:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (2)، وقال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (3) فبين سبحانه أنه لا يغفر الشرك، ولكن ما دونه لمن يشاء، فما دون الشرك معلق بمشيئة الله سبحانه وتعالى إن شاء غفر، وإن شاء عذب أصحابه إن ماتوا قبل التوبة، وأما الشرك فلا يغفر، إذا مات عليه صاحبه، وكذلك الشرك يحبط الأعمال، كما قال الله سبحانه:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4)، والشرك معناه صرف بعض العبادة لغير الله، من دعاء أو خوف أو رجاء، أو توكل أو ذبح أو نذر، أو صلاة أو صوم أو نحو ذلك، فالذي يدعو الأموات
(1) سورة الزمر الآية 3
(2)
سورة المائدة الآية 72
(3)
سورة النساء الآية 48
(4)
سورة الأنعام الآية 88
ويستغيث بهم، وينذر لهم ويزعم أنهم يشفعون له، أو يقربونه إلى الله زلفى، قد فعل فعل المشركين الأولين سواء بسواء، وهكذا إذا تقرب إليهم بالذبائح والنذور، فهذا كله شرك بالله عز وجل، ومنكر يجب على أهل العلم إنكاره، وبيان بطلانه، وتحذير العامة من ذلك، وهذا هو نفس الشرك الذي فعله أبو جهل وأشباهه، في الجاهلية مع اللات والعزى ومناة، وهذا هو شرك الأولين مع أصنامهم وأوثانهم في كل مكان، ومن المصائب أن يظن العامة أن هذا دين وأن هذا قربة ويسكت على ذلك من ينسب إلى العلم، ويتساهل في هذا الأمر، فإن هذا يضر العامة ضررا عظيما، إذا سكت من ينسب إلى العلم، ولم ينكروا هذا الشرك، فيظن العامة أنه جائز وأنه دين وأنه قربة فبقوا عليه واستمروا عليه.
فالواجب على أهل العلم إنكار الشرك بالله، وإنكار البدع، وإنكار المعاصي والتحذير من ذلك، وتنبيه العامة على كل ما حرم الله عليهم، حتى يحذروه من الشرك فما دونه، ولا شك ولا ريب أن دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، وطلب شفاء المرضى وطلب المدد أن هذا شرك بالله عز وجل، وهذا يفعله كثير من الناس عند بعض القبور، كما يفعله بعض الناس عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أيام الحج من بعض الجهلة، وكما يفعله كثير من الناس عند قبر السيد البدوي في مصر، وعند قبر الحسين في مصر وعند قبور أخرى، وهكذا يفعل عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني، ويفعله بعض الناس وهم بعيدون عن هذه القبور، يدعونها من بعيد، ويسألونها قضاء الحاجات،
وشفاء المرضى من بعيد، وهكذا يفعل عند قبور أهل البيت من بعض من يزورها من الشيعة وغير الشيعة وهكذا عند قبر ابن عربي في الشام، وهكذا عند قبور أخرى في بلدان لا يحصيها إلا الله عز وجل، وهذه بلية عمت وطم شرها وعظم ضررها؛ لأسباب قلة العلم وقلة من ينبه على هذا الأمر الخطير، وإني أهيب بجميع أهل العلم في كل مكان أن يتقوا الله، وأن ينذروا الناس من هذا الشرك، وأن يحذروهم منه، وأن يبينوا لهم أن العبادة حق الله وحده، كما قال سبحانه:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1)، وقال عز جل:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2)، قال سبحانه وتعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (3) وقال عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4){أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (5)؛ قال سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (6)، في آيات كثيرات تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده، وأنه لا يجوز أبدا أن يعبد أحد من دونه، من الأشجار أو الأحجار أو الأموات أو الأصنام، أو الكواكب أو غير ذلك، فالعبادة حق الله وحده ليس لأحد فيها حق، لا الملائكة ولا الأنبياء، ولا الصالحون ولا غيرهم، أما العبادة فهي حق الله وحده، الرسل بعثوا ليعلموا الناس دينهم، ولينذروهم من الشرك بالله، وليوجهوهم إلى عبادة الله وحده،
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2)
سورة الإسراء الآية 23
(3)
سورة النساء الآية 36
(4)
سورة الزمر الآية 2
(5)
سورة الزمر الآية 3
(6)
سورة الجن الآية 18
كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (1)، وقال عز وجل:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2)، في آيات كثيرة أخرى، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ:«أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم؛ قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا (3)» ، فهنا حقان: حق الله على عباده، وحق العباد على الله، أما حق الله على عباده فهو مفترض، حق عظيم، وعليهم أن يؤدوه وقد خلقوا من أجله، كما قال سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4) والله أرسل الرسل من أجله كما تقدم فوجب على العباد أن يعبدوا الله وحده هذا حقه عليهم، حق فرضه عليهم، فعليهم أداؤه، وعليهم أن يؤدوا كل ما أمرهم به الله ورسوله وأن ينتهوا عن كل ما نهاهم عنه الله ورسوله، كل هذا من عبادته سبحانه وتعالى، أداء الفرائض وترك المحارم، ابتغاء وجه الله وإخلاصا له سبحانه، كل ذلك
(1) سورة النحل الآية 36
(2)
سورة الأنبياء الآية 25
(3)
أخرجه الإمام البخاري في كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم برقم 7373، ومسلم في كتاب التوحيد، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة برقم 30.
(4)
سورة الذاريات الآية 56
من عبادته ومن طاعته وتعظيمه، أما حق العباد على الله فهو حق تفضل، وإحسان وجود وكرم، فمن جوده وكرمه وإحسانه، أن من لقيه بالتوحيد والإيمان والهدى، فإن الله يدخله الجنة ولا يعذبه في النار، هذا فضله وإحسانه جل وعلا، كما يقول سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} (1)، وقال:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} (2)، وقال:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (3).
فالواجب على أهل الإسلام أن يعبدوا الله وحده، وأن يخلصوه بالعبادة، وأن يتفقهوا في دين الله، وأن يحذروا الشرك بالله عز وجل، فإن دعوى الإسلام مع وجود الشرك، لا تنفع، بل ينتقض إسلامه بشركه بالله، فالشرك ينقض الإسلام ويبطله، فوجب على من ينتسب للإسلام أن يحقق إسلامه وأن يتفقه في دين الله، وأن يحفظ دينه من أنواع الشرك بالله عز وجل، حتى يبقى له إسلامه، وحتى يبقى له دينه، وهكذا يجب على كل أهل الأرض من المكلفين من جن وإنس، وعرب وعجم يجب عليهم جميعا أن يعبدوا الله وحده، وأن ينقادوا بما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، فهو رسول الله حقا، وهو خاتم الأنبياء؛ لأن الله بعثه إلى أهل الأرض جميعا، من الجن والإنس، ومن العرب
(1) سورة لقمان الآية 8
(2)
سورة الطور الآية 17
(3)
سورة الحجر الآية 45
والعجم، ومن سائر الأمم، يجب عليهم أن يعبدوا الله وأن ينقادوا لما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، كما قال الله سبحانه آمرا نبيه عليه الصلاة والسلام، أن يبلغ الناس:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (1)، وقال سبحانه:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (2)، وقال عز وجل:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (3)، فهو رسول الله إلى الجميع، إلى الجن والإنس، إلى العرب والعجم، إلى اليهود والنصارى والفرس، وجميع أهل الأرض من الجن والإنس، عليهم جميعا أن يعبدوا الله ويوحدوه، ويخصوه بالعبادة وألا يعبدوا معه لا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، ولا شجرا ولا ميتا ولا صنما ولا وثنا ولا غير ذلك، بل عليهم أن يخصوا الله بالعبادة دون كل ما سواه، وعليهم أيضا أن ينقادوا لما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، وأن يحكموه بينهم وألا يخرجوا عن هديه وطريقه، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه العظيم:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (4)، وقال سبحانه:{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (5)، ويقول
(1) سورة الأعراف الآية 158
(2)
سورة سبأ الآية 28
(3)
سورة الأنبياء الآية 107
(4)
سورة النساء الآية 65
(5)
سورة النور الآية 54
عز وجل: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1)، المفلحون: هم هؤلاء، هم أتباع النبي محمد عليه الصلاة والسلام، أما الذين خرجوا عن دين محمد صلى الله عليه وسلم ولم ينقادوا لشرعه، ولم يصدقوه فهؤلاء هم الخاسرون هم الهالكون هم الضالون هم الكافرون من أي جنس كانوا، وقال سبحانه:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (2)، فجعل الهداية في اتباعه فدل ذلك على أن من خرج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو الخاسر وهو الضال غير المهتدي، فالهداية والفلاح والنجاة في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إخلاص العبادة لله وحده وبتحكيم شريعة الله التي جاء بها رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وبهذا يعلم أن الواجب على جميع الأمم توحيد الله والإخلاص له، وعلى جميع الدول أن تعبد الله وأن تلزم شعوبها بعبادة الله وأن تدع ما هي عليه من الشرك والباطل، هذا عام لجميع الدول، لجميع الناس، ولكن المسلمين المنتسبين للإسلام الواجب عليهم أخص وأكبر؛ لأنهم انتسبوا إلى دين الله فوجب عليهم أن يحققوا دين الله وأن يعظموا دين الله وأن يصونوه عما حرم الله وأن يخلصوا
(1) سورة الأعراف الآية 157
(2)
سورة الأعراف الآية 158
العبادة لله وحده حتى يتحقق إسلامهم، وحتى يكونوا مسلمين حقا لا بالانتساب، فالانتساب لا يفيد ولا ينفع بل يجب أن يكون إسلامهم حقا بعبادة الله وحده والإخلاص له، وتعظيم أمره ونهيه واتباع رسوله محمد عليه الصلاة والسلام. ويجب على الأمم الأخرى التي لا تنتسب للإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من جميع الأمم التي لا تتبع محمدا عليه الصلاة والسلام، عليهم جميعا أن يعبدوا الله وحده، وعليهم جميعا أن ينقادوا للشرع الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، عليهم جميعا ذلك؛ لأنهم مأمورون بذلك مخلوقون لذلك، فالله بعث محمدا إلى الجميع عليه الصلاة والسلام إلى جميع أهل الأرض من الجن والإنس، فلا يجوز لأحد منهم أن يخرج عن شريعة محمد عليه الصلاة والسلام كائنا من كان، فنسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والفقه في الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن عرف أنه من عباد الأضرحة، من عرف بأنه يأتي القبور ويستغيث بأهلها ويسألهم شفاء المرضى ونحو ذلك، فهذا لا يصلى خلفه؛ لأن ظاهره الشرك، والمشرك لا يصلى خلفه، والصلاة خلفه باطلة، فلا يجوز أن يصلى خلف هؤلاء، بل يجب أن ينبهوا وأن يحذروا من الشرك وأن ينصحوا، فإذا تابوا ورجعوا عن الباطل ووحدوا الله سبحانه وتعالى وقبلوا النصيحة يصلى خلفهم، أما ما داموا يعبدون غير الله، ما داموا يتعلقون بالقبور ويسألونها شفاء المرضى والمدد
وقضاء الحاجات، فهؤلاء لا يصلى خلفهم، بل شركهم ظاهر وكفرهم ظاهر، وإن كان بعضهم قد غره الجهل وغره سكوت العلماء فإن هذا لا يعذره، بل يجب عليه أن يسأل وأن يتفقه في دين الله وأن يسأل أهل العلم ويتبصر في ذلك ولا يتساهل.
س: ما حكم أولئك الذين يسافرون إلى القبور، وللطواف بها ويعملون الاحتفالات وما شابه ذلك؟ (1)
ج: هؤلاء الذين يتوجهون إلى القبور، سواء كانت القبور في بلادهم، أو كانت في بلاد أخرى يسافرون إليها لسؤالها أو الاستغاثة بها، أو الطواف في قبورهم يدعوهم ويسألهم حاجاته، كل هذا من الشرك الأكبر وإن كانوا سافروا إليها لعبادة عندها، فقد شبهوا قبورهم بالكعبة المشرفة التي أمر الله بالسفر إليها لعبادته عندها، وهؤلاء صرفوا عباداتهم لهم دون الله عز وجل، والله يقول سبحانه في كتابه العظيم:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (2) ويقول سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3)، ويقول عز وجل:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4){أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (5)، ويقول سبحانه:
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط، رقم 144.
(2)
سورة البينة الآية 5
(3)
سورة الفاتحة الآية 5
(4)
سورة الزمر الآية 2
(5)
سورة الزمر الآية 3
{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (1)، ويقول عز وجل:{فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2)، إلى أمثال هذه الآيات الكريمات، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:«الدعاء هو العبادة (3)» ، فالذي يدعو الأموات أو الأشجار أو الأحجار أو القبور، قد أشرك بالله سبحانه وتعالى، وهكذا إذا استغاث بهم، أو طاف في قبورهم يسألهم حاجته أو ما أشبه ذلك، أو يتعبد بالطواف ويتقرب به إليهم، كل هذا من الشرك الأكبر، نسأل الله العافية.
س: هل يجوز أن يذهب الفرد من بلد إلى بلد ليصلي صلاة الجمعة في مسجد يقال له مسجد الشيخ فلان (4)
ج: إذا كانت الصلاة لأجل أنه يقال مسجد فلان، فلا يشد الرحل لأجل مسجد فلان، ولا لأجل أنه ينسب إلى الشيخ فلان، وإن كان يقصد الصلاة خلف إمام ذلك المسجد الذي في بلده، فالعمدة على الإمام الحاضر، إذا كان إماما طيبا والصلاة خلفه جيدة، لأجل خشوعه، وحسن تلاوته، هذا إذا قصده من شأن أن يصلي خلفه، من أجل حسن تلاوته، ومن أجل إقامته للصلاة، هذا حسن، أما شد الرحل لأجل فضل
(1) سورة غافر الآية 14
(2)
سورة الجن الآية 18
(3)
أخرجه الإمام أحمد في مسند الكوفيين، حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
برقم 17888.
(4)
السؤال، رقم 32 من الشريط، رقم 220.