المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الرد على شبهة جواز الاستغاثة من الأموات - فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر - جـ ٢

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ حكم الذبح عند قبور الأولياء

- ‌ حكم الدعاء والصدقة عن الميت إذا شك في صلاح عقيدته

- ‌ حكم أكل الذبائح التي تذبح عند القبور

- ‌ حكم البقاء بين من يذبح لغير الله لقصد دعوتهم لتوحيد الله تعالى

- ‌ حكم الادعاء بمعرفة قبور الأنبياء عليهم السلام

- ‌ حكم التقرب للأولياء والطواف حول قبورهم

- ‌ حكم تسييب البهائم للقربى للزار أو غيره

- ‌ حكم تلطيخ الرأس بدم الدجاجة أو نحوها

- ‌ حكم الذبح لله في أماكن مخصوصة

- ‌ حكم الدوران بالدواب حول الجبال والوديان وذبحها للاستسقاء

- ‌ حكم الذبح لأجل بناء المنزل

- ‌ حكم من أظهر الإسلام ويذبح لغير الله

- ‌ حكم الذبح عند المنزل بعد الانتهاء من بنائه

- ‌باب ما جاء في النذر لغير الله

- ‌ بيان حكم النذر للأولياء والصالحين

- ‌ حكم نذر الذبائح للأئمة والصحابة

- ‌ حكم الأموال التي تنذر للأولياء

- ‌ بيان حكم النذر

- ‌ حكم التبرع للمساجد التي حولها قبور

- ‌ حكم الأموال التي يتبرع بها للقبور

- ‌ حكم النذر لأصحاب القبور ودعائهم من دون الله

- ‌ حكم النذر بالذبح عند القبر

- ‌ حكم أكل الذبيحة التي تذبح لغير الله

- ‌ حكم النذر بذبح الدجاج بناء على نصائح المشعوذين

- ‌باب ما جاء في دعاء غير الله تعالى

- ‌ حكم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به

- ‌ بيان أن قبر الخضر عليه السلام لا يعرف مكانه

- ‌ حكم دعاء غير الله تعالى

- ‌ حكم دعاء الأولياء

- ‌ حكم من يدعو أصحاب القبور

- ‌ حكم الاستعانة والاستغاثة بالأموات

- ‌ حكم كتابة أسماء بعض الأولياء على السيارة لقصد سلامة الرحلة

- ‌ حكم التلفظ بكلمة (أرجو منك)

- ‌ حكم الغلو في محبة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ما جاء في الشفاعة

- ‌ حكم طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره

- ‌باب ما جاء في التوسل

- ‌ بيان بعض شبه المتوسلين بالمخلوقين والرد عليها

- ‌ حكم قول: (بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) في الدعاء

- ‌ بيان أقسام التوسل الجائز والممنوع

- ‌ حكم التوسل بحق الأنبياء وذوات الملائكة

- ‌ بيان الفرق بين التوسل والوسيلة

- ‌ حكم التوسل بصفة من صفات الله تعالى

- ‌ بيان ما يجوز من التوسل وما لا يجوز

- ‌ حكم طلب الإنسان من شخص أن يدعو له

- ‌ حكم التوسل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ حكم التوسل بحق فلان

- ‌ حكم التوسل بشرف فلان

- ‌ حكم التوسل ببركة رمضان

- ‌ حكم التوسل بالقرآن الكريم

- ‌ حكم التوجه إلى الله بالدعاء عند قبور الصالحين

- ‌ حكم الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ما جاء في التبرك

- ‌ حكم التبرك بتراب قبور الأولياء

- ‌ التعريف بأولياء الله تعالى

- ‌ حكم الطواف بالقبور

- ‌ حكم التبرك بقبور الأولياء

- ‌ حكم الدعاء ببركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ حكم سؤال الأشخاص الذين يتنبئون بأشياء مستقبلية

- ‌باب ما جاء في الغلو في قبور الصالحين

- ‌ مذهب أهل السنة والجماعة في كرامات الأولياء

- ‌ أولياء الله هم أهل التقوى

- ‌ حكم التقرب للأولياء بالذبائح

- ‌ حكم التقرب للأولياء بالهدايا

- ‌ تحريم أجساد الأنبياء على الأرض خاص بهم دون غيرهم من الصالحين

- ‌ حكم مدح الرسول عليه الصلاة والسلام بشعر فيه غلو

- ‌ حكم تقبيل القبور والاستغاثة بها

- ‌ حكم التبرع بالأموال لقبور الأولياء

- ‌ حكم الاعتكاف وإقامة حلقات الذكر عند القبور

- ‌ الصلاة في المساجد التي فيها قبور

- ‌ حكم الصلاة عند القبور

- ‌ الرد على شبهة جواز الاستغاثة من الأموات

- ‌ حكم شد الرحال لزيارة قبور الصالحين

- ‌ حكم غسل قبور الأولياء والتمسح بها

- ‌ حكم نصب القباب على قبور الصالحين

- ‌ حكم ذبح الذبائح عند القبور وأكل لحمها

- ‌ حكم زيارة قبور الصالحين لجلب النفع ودفع الضر

- ‌ حكم الصلاة إلى القبور والتبرك بها

- ‌ حكم من يعتقد النفع والضر في أهل القبور

- ‌ حكم الاستغفار لمن مات وهو يدعو أصحاب القبور

- ‌ حكم من مات وهو يسأل أصحاب القبور شفاء المرضى وتفريج الكرب

- ‌ حكم من يسأل أصحاب القبور الرحمة والخير

- ‌ التفصيل بين زيارة القبور الشرعية والزيارة الشركية

- ‌ حكم زيارة الأضرحة في الإسلام

- ‌ حكم شد الرحال إلى قبور الأولياء والصالحين

- ‌ حكم توزيع الأطعمة عند الأضرحة وسؤالها قضاء الحوائج

- ‌ الرد على شبهة من أجاز دفن الميت في المسجد بحجة دفنه عليه الصلاة والسلام في مسجده

- ‌ بيان الحكم في القبة الخضراء على قبره عليه الصلاة والسلام

- ‌ بيان مكان قبر الحسين رضي الله عنه

- ‌ حكم الاحتفال والذبح عند القبور

- ‌ حكم الطواف بالقبور

- ‌ حكم إيقاد السرج على القبور وذبح النذور لها

- ‌ حكم قطع الأشجار التي على القبور

- ‌ حكم اعتقاد النفع والضر في الأولياء

- ‌ حكم تقديم النذور لمزارات الأولياء

- ‌ حكم الأكل من الذبائح التي يتقرب بها إلى أصحاب القبور

- ‌ حكم اتخاذ قبور الأولياء أعيادا

- ‌ جميع قبور الأنبياء لا تعرف سوى قبري نبينا وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام

- ‌ التحذير ممن يغالون في الأولياء

- ‌ حكم العذر بالجهل في عباد القبور والأضرحة

الفصل: ‌ الرد على شبهة جواز الاستغاثة من الأموات

76 -

‌ الرد على شبهة جواز الاستغاثة من الأموات

س: لقد استمعنا إلى برنامجكم في السعودية كثيرا والبرنامج هو نور على الدرب وأحسسنا على تركيزكم الكبير على زيارة القبور، والتبرك بما فيها من أهل الخير وهم بلا شك فيهم الخير الكثير، وخاصة أنهم يعيشون في كنف الله سبحانه وتعالى، وهم أقرب إليه من غيرهم؛ لأنهم في حضرته، لكن كثرة كلامكم عن عدم جدواهم، جعلتنا نضع عدة أسئلة عندما نريد أن نقوم بزيارة هؤلاء، نرجو منكم أن تصدقونا القول، وفقنا الله وإياكم؛ لأننا نريد إذا لم نكن على صواب، أن نتجنب ما نحن عليه؟ (1)

ج: السائل مشكور في طلبه الحق، وهذا هو الذي ينبغي لكل مؤمن أن يسأل عما أشكل عليه، وأن لا يبقى على الجهل؛ لأن الله يقول سبحانه:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2)، والموتى في القبور أقسام: منهم ما هو قريب من الله، وفي كنف الله ومرحوم ومن أهل التقوى والإيمان، ومنهم معذب لما غلب عليه من الكفر، والفسق فليسوا على حد سواء، المؤمن الطيب الذي مات على طاعة الله ورسوله على خير عظيم، وموعود بالجنة، وقبره روضة من رياض

(1) السؤال الثامن عشر من الشريط، رقم 23.

(2)

سورة النحل الآية 43

ص: 241

الجنة، أما الذي مات على الكفر بالله، كالذين يدعون الأموات، ويستغيثون بالأموات، ويطلبونهم المدد، فهذا كفر يبطل الأعمال، هذا على خطر عظيم، وهو متوعد بالنار والعذاب الأليم لكفره بالله وشركه بالله، وهكذا من مات على المعاصي غير تائب، كالذي يموت على الزنا، وعقوق الوالدين أو على أكل الربا، أو على شهادة الزور، أو على شرب الخمور، وسرقة أموال الناس ونحوها، هؤلاء على خطر عظيم من دخول النار، وعلى خطر أن تكون قبورهم حفرة من حفر النار، نعوذ بالله، فليسوا الموتى على حد سواء.

فينبغي أن تعلم أيها السائل أن الأموات أقسام: منهم المرضي عنه، المستقيم الذي مات على تقوى وإيمان، فله الجنة والكرامة، وقبره روضة من رياض الجنة، ومنهم من مات على الكفر والضلال، كالذي يستهزئ بالدين، ويسب الدين، أو يدع الصلاة، أو يسأل الموتى ويستغيث بهم، وينذر لهم ويطلبهم المدد، وما أشبه ذلك، هذا هو الكفر بالله عز وجل، وهم متوعدون بالنار، إذا ماتوا على كفرهم، ومنهم مسلم، لكن مات على المعاصي، مات على شرب الخمر، مات على الربا، مات على الزنا، مات على السرقة، مات عاقا لوالديه، هذا على خطر من دخول النار وإن كان لا يخلد في النار إذا دخلها، لكن على خطر من العذاب في قبره، بسبب معاصيه. فينبغي لك أن تحذر، وأن تكون على بينة، أما زيارة القبور فهي أقسام: إن كانوا مسلمين يزارون للدعاء لهم، والترحم عليهم والاستغفار لهم، ويتذكر الزائر الآخرة والزهد في الدنيا، وقد

ص: 242

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه، إذا زاروا القبور أن يقولوا:«السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (1)» ، وكان يقول:«اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (2)» ، فأنت تسأل الله لهم المغفرة والرحمة والعافية، إذا زرتهم، أما دعاؤهم، فتقول: يا سيدي فلان، اقض حاجتي، اشف مريضي، المدد المدد، فهذا شرك بالله، ولا يجوز هذا من عمل الجاهلية، من عمل أبي جهل وأشباهه من كفار الجاهلية كفار قريش وأشباههم، وأنت لا تطلب منهم شيئا فلا يقال لهم المدد، ولا يسألون ولا يطلبون الشفاء، هذا يطلب من الله سبحانه وتعالى، لا منهم، هو القادر على كل شيء جل وعلا، أو يقال: ألا تشفعون لنا، لا يطلب منهم هذا، أيضا، وإنما يستغفر لهم، يدعى لهم بالرحمة والمغفرة، فينبغي أن تعلم ذلك، وأن تكون على بينة، أما الكفار فلا يزارون مثل قبور اليهود، وقبور النصارى، وقبور المشركين الذين يعبدون غير الله ويستغيثون بالأموات، وينذرون لهم، هؤلاء لا تزار قبورهم، ومن زارها لقصد الاعتبار فلا بأس، مثل زيارة النبي للاعتبار، يعتبر، يتذكر الآخرة، لكن لا يدعى لهم، ولا يترحم عليهم، فقد زار النبي قبر أمه التي ماتت على الجاهلية، واستأذن أن يستغفر لها، فلم يؤذن له أن يستغفر لها عليه الصلاة والسلام، لكن

(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.

(2)

أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 974.

ص: 243

زارها للاعتبار للذكرى فقط، فإن زيارة القبور، قبور الكفار، من النصارى وغيرهم للذكرى والاعتبار، والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، فلا بأس لكن لا تسلم عليهم ولا تدعو لهم؛ أما المسلمون فتزار قبورهم، ويدعى لهم بالمغفرة والرحمة، ولا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم، ولا ينذر لهم ولا يسألون عن الشفاعة، ولا يذبح لهم ولا يطلب منهم النصر ولا المدد كل هذا لا يجوز، كل هذا من الشرك الذي حرمه الله، وهو من عمل أهل الجاهلية.

فينبغي لك أيها السائل أن تحفظ هذا، وأن تبلغه لمن وراءك من الإخوان، ينبغي لك أن تحفظ هذا جيدا، وأن تبلغه من حولك، من جيرانك ومن أصحابك وجلسائك، حتى تكونوا على بينة وعلى بصيرة، لأن الله يقول:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) سبحانه وتعالى، فالموتى لا يدعون، وهكذا الملائكة، وهكذا الأنبياء بعد موتهم، وهكذا الكواكب وهكذا الأشجار والأحجار، وهكذا الأصنام كلها لا تدعى من دون الله، ولا يستغاث بها ولا ينذر لها، ولا يتمسح بها، أما النبي الحي، والصالح الحي، الذي يسمع كلامك لا بأس أن تقول له: اشفع لي ادع الله لي، كان الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يدعونه، يقولون: اشفع لنا يا رسول الله، هذا في حياته صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت، كان الصحابة يطلبونه الدعاء والشفاعة صلى الله عليه وسلم، ولا بأس بذلك؛ لأنه في حياته، أما بعد موته فلا، وهكذا إخوانك

(1) سورة الجن الآية 18

ص: 244

إذا كان فيهم رجل صالح، صاحب صلاة وصاحب تقوى، تقول: ادع الله لي يا أخي، وهو يسمع كلامك، حي، يطلب الله لك أن يصلح حالك، يصلح ذريتك لا بأس، المقصود أن الحي الحاضر القادر، لا بأس أن تطلبه بما يستطيعه، كأن يدعو لك، كأن يقرضك شيئا من ماله لحاجتك، كأن تعامله في شيء، لا بأس بهذه الأمور التي بينك وبين الحي الحاضر القادر، أما الموتى، فلا، الموتى لا يطلب منهم شيء ولا يسألون ولا يستغاث بهم، وهكذا الجمادات كالأزلام والأصنام، وكالكواكب وأشباه ذلك، لا تسأل ولا يستغاث بها، وهكذا الغائبون من الجن والملائكة، لا يسألون ولا يستغاث بهم، كل هذا من الشرك بالله عز وجل، لا يجوز فعله مع الملائكة، ولا مع الجن ولا مع الأموات ولا مع الجمادات ولكن تطلب ربك حاجتك، تسأله سبحانه وتعالى أن يشفي مريضك، وأن ينصرك على عدوك، وتسأله المدد من فضله، والعون والتوفيق والهداية، كل هذا يطلب من الله سبحانه وتعالى، وفقنا الله وإياك إلى الاستقامة والبصيرة.

ص: 245

س: سؤال عن أولئك الذين يزورون القباب وقبور بعض الصالحين كما يسميهم، ما هو توجيهكم شيخ عبد العزيز ? (1)

ج: يعلمون الزيارة الشرعية، يعلمون زيارة القبور الزيارة الشرعية، كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور، أن يقولوا:«السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية (2)» ، وفي حديث آخر قال:«السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (3)» ، وفي حديث آخر عليه الصلاة والسلام:«يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر (4)» ، هذا وأشباهه يدعى به للموتى، أما وضع القباب على القبور أو بناء المساجد عليها، فهذا لا يجوز، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (5)» ، ويقول صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: «لا تدع صورة

(1) السؤال الثاني من الشريط، رقم 151.

(2)

أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 974.

(3)

مسلم الجنائز (974)، أحمد (6/ 180).

(4)

أخرجه الإمام الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر برقم 1053.

(5)

أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.

ص: 246

إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته (1)»، وصح عنه عليه الصلاة والسلام من حديث جابر عند مسلم في صحيحه، أنه نهى عليه الصلاة والسلام عن تجصيص القبور والقعود عليها، والبناء عليها. فالقبور لا يبنى عليها بنص النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يتخذ عليها مساجد ولا قباب، ولا تجصص ولا يقعد عليها ولا تمتهن، كل هذا ممنوع ولا تكسى بالستور، كل هذا ممنوع؛ وإنما يرفع القبر عن الأرض قدر شبر تقريبا، ليعرف أنه قبر حتى لا يمتهن ولا يوطأ.

فالمؤمن يبلغ إخوانه ويعلمهم، وهكذا طالب العلم وهكذا العلماء، يعلمون الناس ما شرعه الله، والمؤمن يتعلم من العلماء ويعلم من يأتي القبور، يقول لهم: إن الزيارة الشرعية كذا وكذا، أما البناء على القبور، أو سؤال الميت، والتبرك بتراب القبر، أو تقبيل القبر، أو الصلاة عنده كل هذه بدع، لا يصلى عند القبور ولا تتخذ محلا للدعاء، تقصد للدعاء عندها، ولا القراءة عندها، كل هذا من البدع كذلك طلب البركة، منها أو الشفاعة منها أو الشفاء، هذا من أنواع الشرك الأكبر، إذا قال: يا سيدي فلان اشفع لي إلى الله، ويقول للميت: انصرني أو اشف مريضي، هذا لا يجوز؛ لأن الميت انقطع عمله بعد موته إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له، أما أنه يطلب منهم شفاء المرضى، أو النصر على الأعداء أو الشفاعة إلى الله

(1) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر برقم 969.

ص: 247

في كذا، أعماله قد انقطعت فلا يجوز طلبهم، بل يطلب من الله سبحانه وتعالى، يقول: اللهم اشفني، اللهم أعطني كذا، اللهم شفع في أنبياءك، اللهم شفع في نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم اللهم شفع في أفراطي، اللهم شفع في الملائكة والمؤمنين، هذا لا بأس به، تطلب من الله جل وعلا.

فالخلاصة أن المسلمين ينصح بعضهم بعضا، ويعلم بعضهم بعضا بأمر الشرع، والعلماء عليهم بيان ذلك وتوجيه العامة، لما شرع الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك أن يعلموا الزيارة الشرعية للقبور، التي جاءت في الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام والتي تقدم بيانها ويعلمون أنه لا يجوز البناء على القبور، لا قباب ولا مساجد ولا أبنية أخرى، ولا تجصص ولا يقعد عليها، ولا تتخذ محلا للدعاء عندها، أو الصلاة عندها، والقعود عندها للدعاء أو القراءة، هذا من وسائل الشرك من البدع، أما دعاء الميت والاستغاثة بالميت والنذر له والذبح له، هذا من الشرك الأكبر، نعوذ بالله من عمل الجاهلية.

ص: 248

س: السائل من أديس أبابا، إريتريا يقول: التعلق بقبور الصالحين، وتعظيمها وزيارتها ما حكمه في الشرع جزاكم الله خيرا؟ (1)

ج: هذا فيه تفصيل، أما زيارة القبور فمشروعة، للدعاء لأهلها والترحم عليهم، والاستغفار لهم، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:«زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2)» ، زيارة قبور الصالحين والأخيار والأقارب والدعاء لهم، والاستغفار لهم هذا قربة وطاعة. أما التعلق بالقبور ودعاء أهلها، والاستغاثة بها، هذا شرك أكبر، كونه يدعوهم يا سيدي أغثني، انصرني أنا في جوارك، أنا في حسبك، اقض ديني، أو أصلح ذريتي، أو اشف مريضي، كل هذا من الشرك الأكبر، هذا من دعاء غير الله، فإذا فعل هذا مع قبور الصالحين، أو مع الجن، أو مع الغائبين، أو مع الملائكة، فإن هذا الشرك الأكبر، نسأل الله العافية؛ لقوله جل وعلا:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3)، وقوله جل وعلا:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (4)، وقوله سبحانه:

(1) السؤال العشرون من الشريط، رقم 416.

(2)

أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.

(3)

سورة الزمر الآية 65

(4)

سورة المائدة الآية 72

ص: 249

{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (1){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (2) فسمى دعاءهم شركا، قال سبحانه:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3)، هذا محل إجماع بين أهل السنة والجماعة، ليس فيه نزاع، الذي يدعو الأموات، ويستغيث بالأموات، أو بالجن أو بالملائكة، أو بالأنبياء أو ما أشبه ذلك، هذا كله شرك أكبر؛ لأن الأنبياء كلهم قد ماتوا، ولم يبق منهم إلا عيسى، مرفوع غائب في السماء والملائكة غائبون، فلا يجوز دعاؤهم ولا الاستغاثة بهم، وهكذا الغائبون من الناس لا يدعون ولا يستغاث بهم، إلا من طريق حسي، كالمكاتبة، أو التليفون وهو في بلد أخرى، يقول: أقرضني كذا، أو أرسل لي كذا، لا بأس مثل الحاضر، إذا كلمه بالتليفون أو بالمكاتبة، لا بأس كالحاضر.

أما من يعتقد أن هذا الغائب له سر وأنه يعلم الغيب فيخاطبه من بعيد، اقض حاجتي، انصرني يعتقد فيه أنه يعلم الغيب، ويسمع دعاءه أو يدعو الملائكة، أو يدعو الأموات، ويستغيث بالأموات، كل هذا شرك أكبر، نسأل الله العافية.

(1) سورة فاطر الآية 13

(2)

سورة فاطر الآية 14

(3)

سورة المؤمنون الآية 117

ص: 250