الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
45 -
بيان ما يجوز من التوسل وما لا يجوز
س: أرجو أن تفيدنا كثيرا عن حقيقة التوسل، وما يجوز وما لا يجوز، لأن عندنا أكثر الدعاء بالتوسل، إما بالأنبياء، أو بالأولياء، أو أهل بدر، وأنا بنفسي لست أحبها، فأنا بحاجة إلى المساعدة والإرشاد؟ أرجو الإجابة جزاكم الله خيرا (1)
ج: التوسل قسمان: قسم شرعي مأمور به، وقسم منكر منهي عنه. فأما التوسل الشرعي فهو أنواع أربعة:
النوع الأول: التوسل بتوحيد الله والشهادة له بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة كما في حديث بريدة، عند أهل السنن بإسناد صحيح، «أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو، ويقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد بأنك أنت الله، لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. فقال عليه الصلاة والسلام: لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب (2)» ، هذا أفضل التوسل، تسأله بتوحيدك إياه، تقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، اللهم إني أسألك بإيماني بك، وتوحيدي لك وشهادتي، بأنك الواحد الأحد، وبأنك المستحق
(1) السؤال الثالث من الشريط، رقم 184.
(2)
الترمذي الدعوات (3475)، أبو داود الصلاة (1493)، ابن ماجه الدعاء (3857)، أحمد (5/ 349).
للعبادة، اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك، اللهم إني أسألك بإيماني بك وإيماني بجميع المرسلين، أن تغفر لي وأن ترحمني أو ترزقني، كذا أو تمنحني العلم النافع والعمل الصالح، أو ترزقني زوجة صالحة، أو ذرية طيبة أو ما أشبه ذلك.
النوع الثاني: التوسل بالعمل الصالح، بأن تسأل الله بصلاتك وصيامك وبر والديك، وصلة أرحامك كفعل أهل الغار، الذين آواهم المبيت والمطر إلى غار، فلما دخلوه قدر الله عليهم بصخرة فانحدرت عليهم، فسدت عليهم باب الغار، فلم يستطيعوا الخروج، فقالوا فيما بينهم لن ينجيكم من هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم.
النوع الثالث: التوسل إلى الله سبحانه بحبه له وحبه لأنبيائه، وحبه لعباده الصالحين، وهو نوع من العمل الصالح، فإن الحب عمل صالح، فالتوسل إلى الله بقولك: اللهم إني أسألك بحبي لك، وحبي لأنبيائك، أن تفعل بي كذا وكذا، فهذا أيضا توسل شرعي من جنس التوسل بالتوحيد والعمل الصالح.
النوع الرابع: التوسل بالدعاء، دعاء الحي كأن تقول: يا عبد الله ادع الله لي، بأن الله يشفيني، بأن الله يصلحني، كما كان الصحابة يقولون: يا رسول الله ادع الله لنا، ادع الله أن يغيثنا، ادع الله أن يصلحنا، هذا أيضا توسل شرعي، تقول لأخيك: ادع الله لي أن
يشفيني، ادع الله أن يغفر لي أن يهب لي ذرية صالحة، ومن هذا استغاثة المسلمين بالرسول، في حال حياته لما أجدبوا، خطب الناس يوم الجمعة، واستسقى ومرة خرج إلى الصحراء، وصلى ركعتين واستسقى عليه الصلاة والسلام، فهذا توسل شرعي، بدعاء أخيك الحي الحاضر، يطلب الله لك شيئا معينا.
أما القسم الثاني: التوسل المنكر البدعي، فهذا توسل بجاه الناس، وأسمائهم، تقول: اللهم إني أسألك بجاه محمد، عليه الصلاة والسلام أو بجاه آل البيت، أو بجاه فلان، هذا لا يجوز، فهو بدعة، أو اللهم إني أسألك بحق فلان، هذا بدعة وأعظم من ذلك أن نسأله بدعاء الأموات، أو بالاستغاثة بالأموات، هذا من الشرك الأكبر كما فعله المشركون، فإنهم يسمونه توسلا وتشفعا، فيقولون: يا فلان أغثنا، يا فلان انصرنا، اشف مرضانا، المدد المدد، وهذا من الشرك الأكبر وإن سموه توسلا، هذا من الشرك الأكبر؛ والتوسل بالجاه والحظ من البدع ومن وسائل الشرك وليس من الشرك، لكن من وسائل الشرك، وبهذا تعلم الفرق بين التوسل الشرعي، والتوسل البدعي المنكر. فالتوسل الشرعي أقسام وأنواع، أعظمه التوسل بتوحيد الله، الذي هو دين الله، التوسل بتوحيد الله والإخلاص له، والإيمان به وبرسله ثم التوسل بالأعمال الصالحات ثم التوسل بحبك لأنبيائه ورسله، وعباده الصالحين كحب آل البيت المؤمنين، وحب الرسل وحب الصحابة كل هذا من الوسائل الشرعية؛ الرابع: التوسل بدعاء أخيك لك، أن تقول
له: ادع الله لي يا أخي، ومنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للناس واستسقاؤه بالناس واستغاثته عليه الصلاة والسلام للناس لما أجدبوا.
أما القسم الثاني: المنكر فهو، التوسل بالشرك، ودعاء الأموات والاستغاثة بالأصنام، هذا شرك أكبر، وهذا معنى قوله جل وعلا في حق المشركين:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (1)، ومعنى قوله سبحانه:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (2). هذا توسل بالشرك وعبادة غير الله، نعوذ بالله، وهذا شرك أكبر، ومنه التوسل البدعي وهو التوسل بجاه الأنبياء أو جاه الصالحين، أو حق الأنبياء أو حق الصالحين، أو ذوات الأنبياء أو ذوات الصالحين، اللهم إني أسألك بنبينا، أو بعمر أو بأبي بكر، هذا من البدع وفق الله الجميع وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(1) سورة يونس الآية 18
(2)
سورة الزمر الآية 3
س: السائل من جمهورية مصر العربية يقول: اختلط على كثير من الناس مفهوم التوسل الجائز والتوسل الممنوع، نرجو من سماحة الشيخ أن يبين لنا ما هو التوسل، وما هو الجائز منه، وما هو الممنوع، وأمثلة على ذلك مأجورين؟ (1)
ج: التوسل كما ذكر ابن القيم وغيره رحمة الله عليه، بأن التوسل أقسام ثلاث: توسل هو الشرك الأكبر، كدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والذبح لهم والنذر لهم، هذا هو الشرك الأكبر، يقول المشركون:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (2)، ويقولون:{هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (3)، يتوسلون بدعائهم واستغاثتهم بهم، وهذا هو الشرك الأكبر.
التوسل الثاني: التوسل بذواتهم، تقول: اللهم إني أسألك بذات فلان، أسألك بنبيك فلان، اللهم إني أسألك بعبادك الصالحين، اللهم إني أسألك بمحمد، بموسى، هذا توسل ممنوع، بدعة، لأنه وسيلة للغلو والشرك.
التوسل الثالث: الجائز المشروع: وهو التوسل بأسماء الله وصفاته، التوسل بأعمالك الصالحة بإيمانك، هذا التوسل المشروع،
(1) السؤال الثاني من الشريط، رقم 412.
(2)
سورة الزمر الآية 3
(3)
سورة يونس الآية 18
مثل ما قاله الله جل وعلا: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1)، ومثل ما كان النبي يدعو الله بأسمائه وصفاته، هذا يقال له التوسل المشروع، مثل ما في الحديث:«أعوذ بعزتك أن تضلني (2)» ، فالتوسل بصفات الله أمر مشروع، أسألك برحمتك، أسألك بعلمك، أسألك بإحسانك، أسألك بقدرتك أن تغفر لي، ومنه حديث الدعاء الذي سأله عثمان بن أبي العاص واشتكى إليه مرضا، قال:«ضع يدك على ما تشتكي، وقل: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر (3)» ، فتوسل بعزة الله وقدرته من شر ما يجد ويحاذر، استعاذ بذلك، ومنه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أما التوسل بالإيمان والأعمال الصالحة والتقوى لله، فهذا هو التوسل الشرعي، فالتوسل بصفات الله وبأسماء الله، وبإيمانك وتقواك هذا التوسل الشرعي.
أما التوسل بالذوات، ذات فلان، وذات فلان، أو جاه فلان، أو حق فلان، هذا توسل بدعي، ولا يتوسل بجاه فلان، ولا بحق فلان، ولا بالنبي فلان، ولا بذات فلان، هذا توسل بدعي.
(1) سورة الأعراف الآية 180
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، برقم 2717، والإمام أحمد في مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس، برقم 3743.
(3)
أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء، برقم 2202.
أما التوسل بعلم الله، بطاعة الله، باتباع شرع الله، هذا كله لا بأس به، توسل بصفات الله، وتوسل بأسماء الله وصفاته:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1).
ومنه التوسل بالأعمال الصالحة، كأن يقول: اللهم إني أسألك بإيماني بك، وبتوكلي عليك، وبثقتي بك، وببري لوالدي، وبأدائي الأمانة، وما أشبه ذلك، هذا توسل شرعي، ومنه حديث أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة فقالوا فيما بينهم: لن ينجيكم من هذا البلاء إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم، فسألوا الله بصالح أعمالهم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فنأى بي في طلب شيء ذات ليلة، فلم أرح عليهما إلا وقد ناما، فوقفت على رؤوسهما، والقدح في يدي أنتظر استيقاظهما، ولم أستحسن استيقاظهما حتى برق الصبح، فلما استيقظا شربا غبوقهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئا لا يستطيعون الخروج منه، وقال آخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني راودتها على نفسها فأبت، فألمت بها سنة - يعني حاجة شديدة - فجاءت إلي تقول يا ابن العم أعني، فقال: لا حتى تمكينيني من نفسك، فطاوعته من أجل حاجتها، فلما جلس بين رجليها قالت له: يا عبد الله اتق الله
(1) سورة الأعراف الآية 180
ولا تفض الخاتم إلا بحقه، قال: فقمت عنها خوفا منك، وهي أحب الناس إلي، وتركت لها المال، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، لكنهم لا يستطيعون الخروج، ثم قال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيت كل أجير حقه، إلا واحدا ترك أجره، فنميته له وثمرته له، حتى صار منه إبل وبقر وغنم وعبيد، فجاء إلي بعد ذلك وقال: يا عبد الله أعطني أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجرك، من الإبل والبقر، والغنم، والعبيد، قال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، قلت: إني لا أستهزئ بك إنه من أجرك نميته لك فخذه فاستاقه كله، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة حتى خرجوا. (1) هذا توسل من هؤلاء الثلاثة بأعمالهم الطيبة التي فعلوها لله عز وجل، فنفعهم الله بها عند الشدة.
س: السائل عبد الرءوف من الجزائر يقول: ما هو التوسل، وأيهما الجائز، وأيهما الممنوع، وما حكم الشرع في نظركم سماحة الشيخ في التوسل ببركة رمضان؟ (2)
ج: التوسل أقسام، توسل كفري، وهو أن يتوسل بدعاء الأموات،
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإجارة، باب من استأجر أجيرا برقم 2272.
(2)
السؤال التاسع والعشرون من الشريط، رقم 405.
والاستغاثة بالأموات، كونه يأتي الميت يسأله أن يغيثه، أو أن ينصره، أو أن يقضي حاجته، أو يفرج كربته، هذا شرك، ويسميه بعض الناس توسلا، يسمون شركهم توسلا، هذا شرك أكبر، إذا دعا الأموات أو استغاث بالجن، أو بالأموات، أو بالغائبين يطلبهم الغوث، أو العون، أو النصر على الأعداء، هذا الشرك الأكبر، والتوسل الثاني: التوسل بجاههم وحقهم، يقول: اللهم إني أسألك بجاه فلان، أو بحق فلان، أو بفلان، هذا بدعة، من وسائل الشرك، لا يجوز.
التوسل الثالث: التوسل بالإيمان، أو بالعمل الصالح أو بالأسماء والصفات، هذا سنة، مطلوب، اللهم إني أسألك بأنك الرحمن الرحيم، اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى أن تغفر لي، اللهم إني أسألك بإيماني بك ومحبتي لك أن تغفر لي، اللهم إني أسألك ببر والدي وصلة رحمي أن تغفر لي، كل هذا وسيلة شرعية، هذا توسل بالإيمان، والتوحيد، أو بالأعمال الصالحات، كله طيب، كله مشروع، ومن هذا الحديث:«اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت (1)» توسل شرعي. ومن هذا توسل أصحاب الغار لما انطبقت عليهم الصخرة توسلوا إلى الله بأعمالهم الطيبة، أحدهم توسل ببره لوالديه، والثاني توسل بعفته عن الزنا، والثالث توسل بأدائه الأمانة، ففرج الله عنهم الصخرة.
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، برقم 22442، والترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 3475.
46 -
الصحابة كانوا يتوسلون به صلى الله عليه وسلم لنزول الغيث، وبعد وفاته توسلوا بعمه العباس أن يستغيث لهم
س: يوجد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصحابة كانت تتوسل به لنزول الغيث، وعندما مات صلى الله عليه وسلم كانت الصحابة تتوسل بالعباس رضي الله عنه، لنزول الغيث، فلماذا لا يجوز لنا التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ليشفع لنا وغير ذلك من الأمور؟ (1)
ج: كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون به في حياته، يعني بدعائه وشفاعته، لا بالذات، يتوسلون بدعائه وشفاعته إلى الله عز وجل، فكان يخطب ويدعو ويستغيث، فيغيث الله المسلمين أو يدعو للشخص بدعوات صالحة ينفعه الله بها، وهكذا يوم القيامة يطلب الناس منه الشفاعة فيشفع لهم في الموقف حتى يريحهم الله من هول الموقف ويشفع في أهل الجنة، حتى يدخلوا الجنة، بعدما يتقدم الناس إلى آدم، ثم إلى نوح ثم إلى إبراهيم، ثم إلى موسى، ثم إلى عيسى، كلهم يعتذرون كل واحد يقول: اذهبوا إلى غيري لست لها، حتى يقول لهم عيسى وهو الأخير منهم: اذهبوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام، عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: فيأتوني يعني يأتيه الناس، يأتيه المؤمنون فيقول: أنا لها أنا لها، عليه الصلاة والسلام، ثم يتقدم إلى ربه فيسجد بين يديه، ويحمده بمحامد عظيمة يفتحها الله
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط، رقم 333.
عليه، ثم يقول له الرب جل وعلا: ارفع رأسك فقل يسمع واسأل تعط، واشفع تشفع، فبعد الإذن يشفع عليه الصلاة والسلام، في أهل الموقف حتى يقضى بينهم، ثم يشفع في أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة، وفي حياته صلى الله عليه وسلم، يطلب منه المسلمون أن يستغيث لهم، أن يدعو لهم، وأن يستشفعوا بدعائه، لا بذاته؛ فلهذا لما توفي صلى الله عليه وسلم تركوا ذلك واستسقى عمر بالعباس وقال: عمر رضي الله عنه: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل بعم نبينا فاسقنا.
ولو كان التوسل بذاته جائزا لتوسلوا به بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، ولم يحتاجوا إلى العباس، فلما عدل عمر والصحابة إلى العباس، ليدعو لهم دل على أن التوسل بالدعاء والشفاعة لا بالذوات، فالمسلمون اليوم يتوسلون إلى الله بالدعاء يسألون الله ويدعونه، أن يسقيهم وأن يرحمهم وأن يغفر لهم، لا بذات النبي صلى الله عليه وسلم ولا بغير ذات النبي، وإذا رأى المسلمون أن يدعو لهم فلان أو فلان، لما فيه من الصلاح والخير، فقالوا له: تقدم فادع الله لنا، أو وجدوا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من هو معروف بالخير والفضل والعلم، وطلبوا منه أن يدعو الله لهم، كله طيب كما فعله عمر مع العباس.