الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْاسْتِفْهَامُ بِقَوْلِهِمْ: مَتى هذَا الْوَعْدُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهَكُّمِ لِأَنَّ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ يَسْتَهْزِئُواْ بِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ [الْإِسْرَاء: 51] وَأَتَوْا بِلَفْظِ الْوَعْدُ اسْتِنْجَازًا لَهُ لِأَنَّ شَأْنَ الْوَعْدِ الْوَفَاءُ.
وَضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يَلْهَجُونَ بِإِنْذَارِهِمْ بِيَوْمِ الْحَشْرِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ سَبَإٍ.
وَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَنْ يُجِيبَ سُؤَالَهُمْ بِجُمْلَةٍ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِمْ بَلْ عَلَى ظَاهِرِ الْاسْتِفْهَامِ عَنْ وَقْتِ الْوَعْدِ عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، بِأَنَّ وَقْتَ هَذَا الْوَعْدِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، فَقَوْلُهُ: قُلْ هُنَا أَمْرٌ بِقَوْلٍ يَخْتَصُّ بِجَوَابِ كَلَامِهِمْ وَفُصِلَ دون عطف بجريان الْمَقُولَ فِي سِيَاقِ الْمُحَاوَرَةِ، وَلَمْ يُعْطَفْ فِعْلُ قُلْ بِالْفَاءِ جَرْيًا عَلَى سُنَنِ أَمْثَالِهِ الْوَاقِعَةِ فِي الْمُجَاوَبَةِ وَالْمُحَاوَرَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهِ الْكَثِيرَةِ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [30] .
وَلَامُ التَّعْرِيفِ فِي الْعِلْمُ لِلْعَهْدِ، أَيِ الْعِلْمُ بِوَقْتِ هَذَا الْوَعْدِ. وَهَذِهِ هِيَ الْلَّامُ الَّتِي تُسَمَّى عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَهَذَا قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ.
وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ، أَيْ مَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ بِوُقُوعِ هَذَا الْوَعْدِ لَا أَتَجَاوَزُ ذَلِكَ إِلَى كَوْنِي عَالِمًا بِوَقْتِهِ.
وَالْمُبِينُ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَانَ الْمُتَعَدِّي، أَيْ مُبَيِّنٌ لِمَا أمرت بتبليغه.
[27]
[سُورَة الْملك (67) : آيَة 27]
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
(لَمَّا) حَرْفُ تَوْقِيتٍ، أَيْ سِيئَتْ وُجُوهُهُمْ فِي وَقْتِ رُؤْيَتِهِمُ الْوَعْدَ.
وَالْفَاءُ فَصِيحَةٌ لِأَنَّهَا اقْتَضَتْ جُمْلَةً مَحْذُوفَةً تَقْدِيرُهَا: فَحَلَّ بِهِمُ الْوَعْدُ فَلَمَّا رَأَوْهُ إِلَخْ، أَي رَأَوْا الْمَوْعُود بِهِ.
وَفُعِلَ رَأَوْهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَجِيءَ بِهِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِشَبَهِهِ بِالْمَاضِي فِي تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ مِثْلُ أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: 1] لِأَنَّهُ صَادِرٌ عَمَّنْ لَا إِخْلَافَ فِي أَخْبَارِهِ فَإِنَّ
هَذَا الْوَعْدَ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَصَلَ حِينَ نُزُولِ الْآيَةِ بِمَكَّةَ سَوَاءٌ أُرِيدَ بِالْوَعْدِ الْوَعْدُ بِالْبَعْثِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى السِّيَاقِ أَمْ أُرِيدَ بِهِ وَعْدُ النَّصْرِ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ [الْملك: 25] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَهُ فِي الْحَالِ وَأَنَّ الْوَعْدَ غَيْرُ حَاصِلٍ حِينَ قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ عَنْهُ بِ مَتى.
وَنَظِيرُ هَذَا الْاسْتِعْمَالِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [41] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [89] إِذْ جَمَعَ فِي الْآيَتَيْنِ بَيْنَ فِعْلِ نَبْعَثُ مُضَارِعًا وَفِعْلِ جِئْنا مَاضِيًا.
وَأَصْلُ الْمَعْنَى: فَإِذَا يَرَوْنَهُ تُسَاءُ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَخْ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى صَوْغِ الْوَعِيدِ فِي صُورَةِ الْإِخْبَارِ عَنْ أَمْرٍ وَقَعَ فَجِيءَ بِالْأَفْعَالِ الْمَاضِيَةِ.
وَضَمِيرُ رَأَوْهُ عَائِدٌ إِلَى الْوَعْدُ [الْملك: 25] بِمَعْنَى: رَأَوُا الْمَوْعُودَ بِهِ.
وَالزُّلْفَةُ بِضَمِّ الزَّايِ: اسْمُ مَصْدَرِ زَلَفَ إِذَا قَرُبَ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَعِبَ. وَهَذَا إِخْبَارٌ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ رَأَوْهُ شَدِيدَ الْقُرْبِ مِنْهُمْ، أَيْ أَخَذَ يَنَالُهُمْ.
وسِيئَتْ بُنِيَ لِلنَّائِبِ، أَيْ سَاءَ وُجُوهَهُمْ ذَلِكَ الْوَعْدُ بِمَعْنَى الْمَوْعُودِ. وَأُسْنِدَ حُصُولُ السُّوءِ إِلَى الْوُجُوهِ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى كلحت، أَي لِأَنَّهُ سُوءٍ شَدِيدٍ تَظْهَرُ آثَارُ الْانْفِعَالِ مِنْهُ عَلَى الْوُجُوهِ، كَمَا أُسْنِدَ الْخَوْفُ إِلَى الْأَعْيُنِ فِي قَوْلِ الْأَعْشَى:
وَأَقْدِمُ إِذَا مَا أَعْيُنُ النَّاسِ تَفْرَقُ وَقِيلَ أَيْ لَهُمْ.
وتَدَّعُونَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ مُضَارِعُ ادَّعَى. وَقَدْ حُذِفَ مَفْعُولُهُ لِظُهُورِهِ مِنْ قَوْلِهِ:
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [الْملك: 25] ، أَيْ تَدَّعُونَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ.
وبِهِ مُتَعَلِّقٌ بِ تَدَّعُونَ لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى «تُكَذِّبُونَ» فَإِنَّهُ إِذَا ضُمِّنَ عَامِلٌ مَعْنَى عَامِلٍ آخَرَ يُحْذَفُ مَعْمُولُ الْعَامِلِ الْمَذْكُورِ وَيُذْكَرُ مَعْمُولُ ضِمْنِهِ لِيَدُلَّ الْمَذْكُورُ عَلَى الْمَحْذُوفِ. وَذَلِكَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِيجَازِ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى الْعَامِلِ لِلْاهْتِمَامِ بِإِخْطَارِهِ وَلِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ. وَالْقَائِلُ لَهُمْ