المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المعارج (70) : الآيات 36 الى 41] - التحرير والتنوير - جـ ٢٩

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌67- سُورَةُ الْمُلْكِ

- ‌أَغْرَاضُ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : الْآيَات 3 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : الْآيَات 7 الى 9]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْملك (67) : آيَة 30]

- ‌68- سُورَةُ الْقَلَمِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 1 الى 4]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 17 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 26 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 37 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 42 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 44 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌69- سُورَةُ الْحَاقَّةِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : الْآيَات 13 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : الْآيَات 19 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : الْآيَات 25 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : الْآيَات 30 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : الْآيَات 38 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : الْآيَات 44 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الحاقة (69) : آيَة 52]

- ‌70- سُورَةُ الْمَعَارِجِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة المعارج (70) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة المعارج (70) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المعارج (70) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المعارج (70) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة المعارج (70) : الْآيَات 8 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة المعارج (70) : الْآيَات 19 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة المعارج (70) : الْآيَات 22 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة المعارج (70) : الْآيَات 36 الى 41]

- ‌[سُورَة المعارج (70) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌71- سُورَةُ نُوحٍ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة نوح (71) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة نوح (71) : الْآيَات 2 الى 4]

- ‌[سُورَة نوح (71) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة نوح (71) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة نوح (71) : الْآيَات 8 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة نوح (71) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة نوح (71) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة نوح (71) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة نوح (71) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة نوح (71) : الْآيَات 21 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة نوح (71) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة نوح (71) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة نوح (71) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة نوح (71) : آيَة 28]

- ‌72- سُورَةُ الْجِنِّ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : الْآيَات 14 الى 15]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : الْآيَات 21 الى 23]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْجِنّ (72) : الْآيَات 25 الى 28]

- ‌73- سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة المزمل (73) : الْآيَات 1 الى 4]

- ‌[سُورَة المزمل (73) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المزمل (73) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المزمل (73) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المزمل (73) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة المزمل (73) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المزمل (73) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة المزمل (73) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة المزمل (73) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة المزمل (73) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة المزمل (73) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة المزمل (73) : آيَة 20]

- ‌74- سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة المدثر (74) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : الْآيَات 11 الى 16]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : الْآيَات 17 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : الْآيَات 26 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : الْآيَات 32 الى 37]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : الْآيَات 38 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : الْآيَات 49 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة المدثر (74) : الْآيَات 54 إِلَى 56]

- ‌75- سُورَةُ الْقِيَامَةِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْقِيَامَة (75) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الْقِيَامَة (75) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْقِيَامَة (75) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْقِيَامَة (75) : الْآيَات 7 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْقِيَامَة (75) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الْقِيَامَة (75) : الْآيَات 16 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْقِيَامَة (75) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة الْقِيَامَة (75) : الْآيَات 22 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْقِيَامَة (75) : الْآيَات 26 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة الْقِيَامَة (75) : الْآيَات 31 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الْقِيَامَة (75) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْقِيَامَة (75) : الْآيَات 37 إِلَى 40]

- ‌76- سُورَةُ الْإِنْسَانِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : الْآيَات 11 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 31]

- ‌77- سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : الْآيَات 1 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : الْآيَات 8 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : الْآيَات 20 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : الْآيَات 25 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : الْآيَات 29 إِلَى 31]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : الْآيَات 41 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 50]

الفصل: ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 36 الى 41]

الذُّنُوبَ كَحَدِيثِ «مَا يُدْرِيكُمْ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلَاتُهُ» .

وَقَدْ حَصَلَ بَيْنَ أُخْرَى هَذِهِ الصِّلَاتِ وَبَيْنَ أُولَاهَا مُحَسِّنُ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ.

وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ يُفِيدُ تَقْوِيَةَ الْخَبَرِ مَعَ إِفَادَةِ التَّجَدُّدِ مِنَ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ.

وَلَمَّا أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الصِّفَاتُ الْجَلِيلَةُ أُخْبِرَ عَنْ جَزَائِهِمْ عَلَيْهَا بِأَنَّهُمْ مُكَرَّمُونَ فِي الْجَنَّةِ.

وَجِيءَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا مَا بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ أَجْلِ مَا سَبَقَ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [5] .

وَالْإِكْرَامُ: التَّعْظِيمُ وَحُسْنُ اللِّقَاءِ، أَيْ هُمْ مَعَ جَزَائِهِمْ بِنَعِيمِ الْجَنَّاتِ يُكْرَمُونَ بِحُسْنِ اللِّقَاءِ وَالثَّنَاءِ، قَالَ تَعَالَى: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرَّعْد: 23، 24] وَقَالَ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التَّوْبَة: 72] .

وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فِي جَنَّاتٍ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ وَقَوْلُهُ مُكْرَمُونَ خَبَرًا ثَانِيًا.

[36- 41]

[سُورَة المعارج (70) : الْآيَات 36 الى 41]

فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَاّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40)

عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)

فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا فُرِّعَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ وَتَعْجِيبِيٌّ مِنْ تَجَمُّعِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَهْزِئِينَ بِمَا يَسْمَعُونَ مِنْ وَعْدِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ وَوَعِيدِ الْمُشْرِكِينَ بِعَذَابِ جَهَنَّمَ.

فُرِّعَ ذَلِكَ عَلَى مَا أَفَادَهُ فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج: 35] .

وَالْمَعْنَى: أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا مَطْمَعَ لَهُمْ فِي دُخُول الْجنَّة فَمَاذَا يُحَاوِلُونَ بِتَجَمُّعِهِمْ حَوْلَكَ بِمَلَامِحِ اسْتِهْزَائِهِمْ.

وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم فَالْمَقْصُودُ بِهِ إِبْلَاغُهُ إِلَيْهِمْ فِيمَا يَتْلُو عَلَيْهِمْ

ص: 175

مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ مُوَجَّهٌ إِلَيْهِمْ فِي الْمَعْنَى كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَنْهِيَتُهُ بِحَرْفِ الرَّدْعِ فَهُوَ لَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ إِعْلَامًا لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم لِذَلِكَ لِأَنَّهُ شَيْءٌ مُقَرَّرٌ فِي علمه.

وَمعنى فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا: أَيُّ شَيْءٍ ثَبَتَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا فِي حَالِ كَوْنِهِمْ عِنْدَكَ، أَوْ فِي حَالِ إِهْطَاعِهِمْ إِلَيْكَ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [246] . وَتَرْكِيبُ «مَا لَهُ» لَا يَخْلُو مِنْ حَالٍ مُفْرَدَةٍ، أَوْ جُمْلَةٍ بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ تَكُونُ هِيَ مَصَبُّ الِاسْتِفْهَامِ. فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحَالُ الْمُتَوَجِّهُ إِلَيْهَا الِاسْتِفْهَامُ هُنَا الظَّرْفَ، أَيْ قِبَلَكَ فَيَكُونُ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا وَصَاحِبُ الْحَال هُوَ لِ الَّذِينَ كَفَرُوا. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُهْطِعِينَ، فَيَكُونُ قِبَلَكَ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِ مُهْطِعِينَ. وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ هُمَا مَثَارِ التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِهِمْ فَأَيُّهُمَا جُعِلَ مَحَلَّ التَّعْجِيبِ أُجْرِيَ الْآخَرُ الْمُجْرَى اللَّائِقَ بِهِ فِي التَّرْكِيبِ. وَكُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ اللَّامُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الَّذِينَ مَفْصُولَةً عَنْ مَدْخُولِهَا وَهُوَ رَسْمٌ نَادِرٌ.

وَالْإِهْطَاعُ: مَدُّ الْعُنُقِ عِنْدَ السَّيْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ فِي سُورَةِ الْقَمَرِ [8] .

قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَصَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجْتَمِعُونَ

حَوْلَ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَيَسْتَمِعُونَ كَلَامَهُ وَيُكَذِّبُونَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَيَقُولُونَ: لَئِنْ دَخَلَ هَؤُلَاءِ الْجَنَّةَ كَمَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ فَلَنَدْخُلَنَّهَا قَبْلَهُمْ وَلَيَكُونَنَّ لَنَا فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا لَهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَقِبَلَ: اسْمٌ بِمَعْنَى (عِنْدَ) .

وَتَقْدِيمُ الظَّرْفِ عَلَى مُهْطِعِينَ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ لِأَنَّ التَّعْجِيبَ مِنْ حَالِهِمْ فِي حَضْرَةِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم أَقْوَى لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْوَقَاحَةِ.

وَمَوْقِعُ قَوْلِهِ: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ مِثْلُ مَوْقِعِ قِبَلَكَ وَمَوْقِعُ مُهْطِعِينَ.

وَالْمَقْصُودُ: كَثْرَةُ الْجِهَاتِ، أَيْ وَارِدِينَ إِلَيْكَ.

ص: 176

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْيَمِينِ والشِّمالِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ أَوِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ: الْإِحَاطَةُ بِالْجِهَاتِ فَاكْتُفِيَ بِذِكْرِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ، لِأَنَّهُمَا الْجِهَتَانِ اللَّتَان يغلب حلولهما، وَمِثْلُهُ قَوْلُ قَطَرِيُّ بْنُ الْفُجَاءَةِ:

فَلَقَدْ أَرَانِي لِلرِّمَاحِ دَرِيئَةً

مِنْ عَنْ يَمِينِي مَرَّةً وَأَمَامِي

يُرِيدُ: مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.

وعِزِينَ حَالٌ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا. وعِزِينَ: جَمَعُ عِزَةٍ بِتَخْفِيفِ الزَّايِ، وَهِيَ الْفِرْقَةُ مِنَ النَّاسِ، اسْمٌ بِوَزْنِ فِعْلَةٍ. وَأَصْلُهُ عِزْوَةٌ بِوَزْنِ كِسْوَةٍ، وَلَيْسَتْ بِوَزْنِ عِدَةٍ. وَجَرَى جَمْعُ عِزَةٍ عَلَى الْإِلْحَاقِ بِجَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَهُوَ مِنْ بَابِ سِنَةٍ مِنْ كُلِّ اسْمٍ ثُلَاثِيٍّ حُذِفَتْ لَامَهُ وَعُوِّضَ عَنْهَا هَاءَ التَّأْنِيثِ وَلَمْ يُكْسَرْ مِثْلَ عِضَةٍ (لِلْقِطْعَةِ) .

وَهَذَا التَّرْكِيبُ فِي قَوْله تَعَالَى: فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ إِلَى قَوْلِهِ جَنَّةَ نَعِيمٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً تَمْثِيلِيَّةً شُبِّهَ حَالُهُمْ فِي إِسْرَاعِهِمْ إِلَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِحَالِ مَنْ يُظَنُّ بِهِمُ الِاجْتِمَاعُ لِطَلَبِ الْهُدَى وَالتَّحْصِيلِ عَلَى الْمَغْفِرَةِ لِيَدْخُلُوا الْجَنَّةَ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنْ لَا يَلْتَفَّ حَوْلَ النبيء صلى الله عليه وسلم إلّا طالبوا الِاهْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ عَلَى هَذَا مُسْتَعْمَلٌ فِي أَصْلِ مَعْنَاهُ لِأَنَّ التَّمْثِيلِيَّةَ تَجْرِي فِي مَجْمُوعِ الْكَلَامِ مَعَ بَقَاءِ كَلِمَاتِهِ عَلَى حَقَائِقِهَا.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ اسْتِفْهَامًا مُسْتَعْمَلًا فِي التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِ إِسْرَاعِهِمْ ثُمَّ

تَكْذِيبِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ.

وَجُمْلَةُ أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ بَدَلُ اشْتِمَالٍ عَنْ جُمْلَةِ فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ الْآيَةَ، لِأَنَّ الْتِفَافَهُمْ حَوْلَ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ لِطَلَبِ الْهُدَى وَالنَّجَاةِ فَشُبِّهَ حَالُهُمْ بِحَالِ طَالِبِي النَّجَاةِ وَالْهُدَى فَأُورِدَ اسْتِفْهَامٌ عَلَيْهِ.

وَحَكَى الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا مُسْتَهْزِئِينَ: نَحْنُ نَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْمُسْلِمِينَ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارًا لِتَظَاهُرِهِمْ بِالطَّمَعِ فِي الْجَنَّةِ بِحَمْلِ اسْتِهْزَائِهِمْ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِمْ عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، أَوْ بِالتَّعْبِيرِ بِفِعْلِ

ص: 177

يَطْمَعُ عَنِ التَّظَاهُرِ بِالطَّمَعِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ [التَّوْبَة: 64] أَيْ يَتَظَاهَرُونَ بِأَنَّهُمْ يَحْذَرُونَ.

وَأُسْنِدَ الطَّمَعُ إِلَى كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ دُونَ أَنْ يُقَالَ: أَيَطْمَعُونَ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، تَصْوِيرًا لِحَالِهِمْ بِأَنَّهَا حَالُ جَمَاعَةٍ يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لِتَسَاوِيهِمْ، يَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ سَوَاءً فِي ذَلِكَ، فَفِي قَوْلِهِ: كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ تَقْوِيَةُ التَّهَكُّمِ بِهِمْ.

ثُمَّ بُنِيَ عَلَى التَّهَكُّمِ مَا يُبْطِلُ مَا فُرِضَ لِحَالِهِمْ بِمَا بُنِيَ عَلَيْهِ التَّمْثِيلُ التَّهَكُّمِيُّ بِكَلِمَةِ الرَّدْعِ وَهِيَ كَلَّا أَيْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ. وَذَلِكَ انْتِقَالٌ مِنَ الْمَجَازِ إِلَى الْحَقِيقَةِ وَمِنَ التَّهَكُّمِ بِهِمْ إِلَى تَوْبِيخِهِمْ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ لَمْ يَكُنْ تَهَكُّمًا.

وَهُنَا تَمَّ الْكَلَامُ عَلَى إِثْبَاتِ الْجَزَاءِ.

إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) .

كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِلِانْتِقَالِ مِنْ إِثْبَاتِ الْجَزَاءِ إِلَى الِاحْتِجَاجِ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ إِبْطَالًا لِشُبْهَتِهِمُ الْبَاعِثَةِ عَلَى إِنْكَارِهِ، وَهُوَ الْإِنْكَارُ الَّذِي ذُكِرَ إِجْمَالًا بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً [المعارج: 6، 7] فَاحْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِالنَّشْأَةِ الْأُولَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ [الْوَاقِعَة: 62] فَالْخَبَرُ بِقَوْلِهِ: إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ وَهُوَ إِثْبَاتُ إِعَادَةِ خَلْقِهِمْ بَعْدَ فَنَائِهِمْ.

فَهَذَا مِنْ تَمَامِ الْخِطَابِ الْمُوَجَّهِ إِلَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم. وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنْ يَبْلُغَ إِلَى أَسْمَاعِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.

وَالْمَعْنَى: أَنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ حَتَّى صَارَتْ إِنْسَانًا عَاقِلًا مُنَاظِرًا فَكَذَلِكَ نُعِيدُ خَلْقَهُ بِكَيْفِيَّةٍ لَا يعلمونها.

فَمَا صدق (مَا يَعْلَمُونَ) هُوَ مَا يَعْلَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَنَّهُ كُوِّنَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِنْ نُطْفَةٍ وَعَلَقَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ عَلِمُوا هَذِهِ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَأَلْهَاهُمُ التَّعَوُّدُ بِهَا عَنِ التَّدَبُّرِ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى إِمْكَانِ إِعَادَةِ الْمُكَوَّنِ مِنْهَا بِتَكْوِينٍ آخَرَ.

ص: 178

وَعُدِلَ عَنْ أَنْ يُقَالَ: إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ نُطْفَةٍ، كَمَا قَالَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ [الْإِنْسَان: 2] وَقَالَ: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس: 77، 78] وَغَيْرُهَا مِنْ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، عُدِلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى الْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ: مِمَّا يَعْلَمُونَ تَوْجِيهًا لِلتَّهَكُّمِ بِهِمْ إِذْ جَادَلُوا وَعَانَدُوا، وَعِلْمُ مَا جَادَلُوا فِيهِ قَائِمٌ بِأَنْفُسِهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ [الْوَاقِعَة: 62] . وَكَانَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِمَّا يَعْلَمُونَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ يُخْلَقُونَ الْخَلْقَ الثَّانِيَ مِمَّا لَا يَعْلَمُونَ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةَ الْأُخْرَى سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [يس: 36] وَقَالَ: وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ

[الْوَاقِعَة: 61] فَكَانَ فِي الْخَلْقِ الْأَوَّلِ سِرٌّ لَا يَعْلَمُونَهُ.

وَمَجِيءُ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مُوَكَّدًا بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِتَنْزِيلِهِمْ فِيمَا صَدَرَ مِنْهُمْ مِنَ الشُّبْهَةِ الْبَاطِلَةِ مَنْزِلَةَ مَنْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ خُلِقُوا مِنْ نُطْفَةٍ وَكَانُوا مَعْدُومِينَ، فَكَيْفَ أَحَالُوا إِعَادَةَ خَلْقِهِمْ بَعْدَ أَنْ عدم بعض أجزائهم وَبَقِيَ بَعْضُهَا ثُمَّ أَتْبَعَ هَذِهِ الْكِنَايَةَ عَنْ إِمْكَانِ إِعَادَةِ الْخَلْقِ بِالتَّصْرِيحِ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ وَالتَّقْدِيرُ: فَإِنَّا لَقَادِرُونَ الْآيَة.

وَجُمْلَة (لَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ) إِلَخْ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْفَاءِ وَمَا عَطَفَتْهُ.

وَالْقَسَمُ بِاللَّهِ بِعُنْوَانِ رُبُوبِيَّتِهِ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ مَعْنَاهُ: رُبُوبِيَّتُهُ الْعَالَمَ كُلَّهُ لِأَنَّ الْعَالَمَ مُنْحَصِرٌ فِي جِهَاتِ شُرُوقِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا.

وَجَمْعُ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ مَطَالِعِ الشَّمْسِ وَمَغَارِبِهَا فِي فُصُولِ السَّنَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَظْهَرٌ عَجِيبٌ مِنْ مَظَاهِرِ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْحِكْمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى عَظِيمِ صُنْعِ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ دَالٌّ عَلَى الْحَرَكَاتِ الْحَافَّةِ بِالشَّمْسِ الَّتِي هِيَ مِنْ عَظِيمِ الْمَخْلُوقَاتِ،

وَلِذَلِكَ لَمْ يُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ قَسَمٌ بِجِهَةٍ غَيْرِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ دُونَ الشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ مَعَ أَنَّ الشَّمَالَ وَالْجَنُوبَ جِهَتَانِ مَشْهُورَتَانِ عِنْدَ الْعَرَبِ، أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى سُنَّةِ أَقْسَامِ الْقُرْآنِ.

وَفِي إِيثَارِ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ بِالْقَسَمِ بِرَبِّهَا رَعْيٌ لِمُنَاسَبَةِ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَعْدَ غُرُوبِهَا لِتَمْثِيلِ الْإِحْيَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ.

ص: 179

وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي دُخُولِ حَرْفِ النَّفْيِ مَعَ (لَا أُقْسِمُ) عِنْدَ قَوْلِهِ: فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لَا تُبْصِرُونَ فِي سُورَةِ الْحَاقَّةِ [38، 39]، وَقَوْلِهِ: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ [75] .

وَقَوْلُهُ: عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَوَّلَهُمَا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلسِّيَاقِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى أَنْ نُبَدِّلَهُمْ خَيْرًا مِنْهُمْ، أَيْ نُبَدِّلُ ذَوَاتَهُمْ خَلْقًا خَيْرًا مِنْ خَلْقِهِمُ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ الْيَوْمَ. وَالْخَيْرِيَّةُ فِي الْإِتْقَانِ وَالسُّرْعَةِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنَّمَا كَانَ خَلْقًا أُتْقِنَ مِنَ النَّشْأَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ خَلْقٌ مُنَاسِبٌ لِعَالَمِ الْخُلُودِ، وَكَانَ الْخَلْقُ الْأَوَّلُ مُنَاسِبًا لِعَالَمِ التَّغَيُّرِ وَالْفَنَاءِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ نُبَدِّلَ مُضَمَّنًا مَعْنَى: نُعَوِّضُ، وَيَكُونُ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ لِ نُبَدِّلَ ضَمِيرًا مِثْلَ ضَمِيرِ مِنْهُمْ أَيْ نُبَدِّلُهُمْ وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي خَيْراً مِنْهُمْ.

وَ (مِنْ) تَفْضِيلِيَّةٌ، أَيْ خَيْرًا فِي الْخِلْقَةِ، وَالتَّفْضِيلُ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ زَمَانَيِ الْخَلْقِ الْأَوَّلِ وَالْخَلْقِ الثَّانِي، أَوِ اخْتِلَافِ عَالَمَيْهِمَا.

وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنْ نُبَدِّلَ هَؤُلَاءِ بِخَيْرٍ مِنْهُمْ، أَيْ بِأُمَّةٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَالْخَيْرِيَّةُ فِي الْإِيمَانِ، فَيَكُونُ نُبَدِّلَ عَلَى أَصْلِ مَعْنَاهُ، وَيَكُونُ مَفْعُولُهُ مَحْذُوفًا مِثْلَ مَا فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ خَيْراً مَنْصُوبًا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَهُوَ بَاءُ الْبَدَلِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [الْبَقَرَة: 61]، وَيَكُونُ هَذَا تَهْدِيدًا لَهُمْ بِأَنْ سَيَسْتَأْصِلُهُمْ وَيَأْتِي بِقَوْمٍ آخَرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [فاطر: 16] وَقَوْلُهُ: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ [مُحَمَّد: 38] .

وَفِي هَذَا تَثْبِيتٌ لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَتَذْكِيرٌ بِأَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِحَالِهِمْ.

وَذُيِّلَ بِقَوْلِهِ: وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ، وَالْمَسْبُوقُ مُسْتَعَارٌ لِلْمَغْلُوبِ عَنْ أَمْرِهِ، شُبِّهَ بِالْمَسْبُوقِ فِي الْحَلْبَةِ، أَوْ بِالْمَسْبُوقِ فِي السَّيْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ مَا يَحْكُمُونَ [العنكبوت: 4]، وَمِنْهُ قَوْلُ مُرَّةَ بْنِ عَدَّاءِ الْفَقْعَسِيِّ:

كَأَنَّكَ لَمْ تُسْبَقْ مِنَ الدَّهْرِ مَرَّةً

إِذَا أَنْتَ أَدْرَكْتَ الَّذِي كُنْتَ تَطْلُبُ

يُرِيدُ: كَأَنَّكَ لَمْ تُغْلَبْ إِذَا تَدَارَكْتَ أَمْرَكَ وَأَدْرَكْتَ طِلْبَتَكَ.

ص: 180