الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَكُونَ لَوْ حَرْفًا مَصْدَرِيًّا عَلَى رَأْيِ طَائِفَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ لَوْ يَأْتِي حَرْفًا مَصْدَرِيًّا مِثْلُ (أَنْ) فَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ الْفَرَّاءُ وَالْفَارِسِيُّ وَالتِّبْرِيزِيُّ وَابْنُ مَالِكٍ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: وَدُّوا إِدْهَانَكَ.
وَمَفْعُولُ وَدُّوا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ لَوْ تُدْهِنُ، أَوْ هُوَ الْمَصْدَرُ بِنَاءً عَلَى أَنْ لَوْ تَقَعُ حَرْفًا مَصْدَرِيًّا، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ فِي سُورَةِ
الْبَقَرَةِ [96] . وَقَدْ يُفِيدُ مَوْقِعُ الْفَاءِ تَعْلِيلًا لِمَوَدَّتِهِمْ مِنْهُ أَنْ يُدْهِنَ، أَيْ وَدُّوا ذَلِكَ مِنْكَ لِأَنَّهُمْ مُدْهِنُونَ، وَصَاحِبُ النِّيَّةِ السَّيِّئَةِ يَوَدُّ أَنْ يَكُونَ النَّاس مثله.
[10]
[سُورَة الْقَلَم (68) : آيَة 10]
وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَاّفٍ مَهِينٍ (10)
وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ إِعَادَةُ فِعْلِ النَّهْيِ عَنِ الطَّاعَةِ لِمَنْ هَذِهِ صِفَاتِهِمْ لِلْاهْتِمَامِ بِهَذَا الْأَدَبِ فَلَمْ يَكْتَفِ بِدُخُولِ أَصْحَابِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي عُمُومِ الْمُكَذِّبِينَ، وَلَا بِتَخْصِيصِهِمْ بِالذِّكْرِ بِمُجَرَّدِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَنْ يُقَالَ: وَلَا كلّ خلاف، بَلْ جِيءَ فِي جَانِبِهِمْ بِصِيغَةِ نَهْيٍ أُخْرَى مُمَاثِلَةٍ لِلْأُولَى.
وَلِيُفِيدَ تَسْلِيطَ الْوَعِيدِ الْخَاصِّ وَهُوَ فِي مَضْمُونِ قَوْلِهِ: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [الْقَلَم:
16] عَلَى أَصْحَابِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْخَاصَّةِ زِيَادَةً عَلَى وَعِيدِ الْمُكَذِّبِينَ.
وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ الْحَارِثِ بْنِ هَمَّامٍ الشَّيْبَانِيِّ:
أَيَا ابْنَ زَيَّابَةَ إِنْ تَلْقَنِي
…
لَا تَلْقَنِي فِي النَّعَمِ الْعَازِبِ
وَتَلْقَنِي يَشْتَدُّ بِي أَجْرَدٌ
…
مُسْتَقْدِمُ الْبِرْكَةِ كَالرَّاكِبِ
فَلَمْ يَكْتَفِ بِعَطْفٍ: بِ (بَلْ) أَوْ (لَكِنْ) بِأَنْ يَقُولَ: بَلْ تَلْقَنِي يَشْتَدُّ بِي أَجْرَدٌ، أَوْ لَكِنْ تَلْقَنِي يَشْتَدُّ بِي أَجْرَدُ، وَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَعَادَ فِعْلَ (تَلْقَنِي) .
وَكَلِمَةُ كُلَّ مَوْضُوعَةٌ لِإِفَادَةِ الشُّمُولِ وَالْإِحَاطَةِ لِأَفْرَادِ الْاسْمِ الَّذِي تُضَافُ هِيَ إِلَيْهِ، فَهِيَ هُنَا تُفِيدُ النَّهْيَ الْعَامَّ عَنْ طَاعَةِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ أَصْحَابِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي أُضِيفَ إِلَيْهَا كُلَّ بِالْمُبَاشِرَةِ وَبِالنُّعُوتِ.
وَقَدْ وَقَعَتْ كَلِمَةُ كُلَّ مَعْمُولَةٌ لِلْفِعْلِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهِ أَدَاةُ النَّهْيِ وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ النَّهْيَ مُنْصَبٌّ إِلَى طَاعَةِ مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الصِّفَاتُ بِحَيْثُ لَوْ أَطَاعَ بَعْضَ أَصْحَابِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلنَّهْيِ إِذْ لَا يَخْطُرُ ذَلِكَ بِالْبَالِ وَلَا يَجْرِي عَلَىِِ
أَسَالِيبِ الْاسْتِعْمَالِ، بَلِ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ طَاعَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ بِخَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ بَلْهَ مَنِ اجْتَمَعَ لَهُ عِدَّةٌ مِنْهَا.
وَفِي هَذَا مَا يُبْطِلُ مَا أَصَّلَهُ الشَّيْخ عبد القاهر فِي «دَلَائِلَ الْإِعْجَازِ» مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ
تَقَعَ كُلَّ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ، أَيْ أَوِ النَّهْيِ فَتُفِيدُ ثُبُوتَ الْفِعْلِ أَوِ الْوَصْفِ لبَعض مِمَّا أضيفت إِلَيْهِ كُلَّ إِنْ كَانَتْ كُلَّ مُسْنَدًا إِلَيْهَا، أَوْ تُفِيدُ تَعَلُّقَ الْفِعْلِ أَوِ الْوَصْفِ بِبَعْض مَا أضيفت إِلَيْهِ كُلَّ إِنْ كَانَتْ مَعْمُولَةً لِلْمَنْفِيِّ أَوِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَبَيْنَ أَنْ تَقَعَ كُلَّ فِي غَيْرِ حَيِّزِ النَّفْيِ، وَجَعَلَ رَفْعَ لَفْظِ (كُلُّهُ) فِي قَوْلِ أَبِي النَّجْمِ:
قَدْ أَصْبَحَتْ أُمُّ الْخِيَارِ تَدَّعِي
…
عَلَيَّ ذَنْبًا كُلُّهُ لَمْ أَصْنَعِ
مُتَعَيِّنًا، لِأَنَّهُ لَوْ نَصَبَهُ لَأَفَادَ تَنَصُّلَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَنَعَ مَجْمُوعَ مَا ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ مِنَ الذُّنُوبِ، فَيُصَدَّقُ بِأَنَّهُ صَنَعَ بَعْضَ تِلْكَ الذُّنُوبِ وَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِإِبْطَالِهِ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي «الْمُطَوَّلِ» ، وَاسْتَشْهَدَ لِلْإِبْطَالِ بُقُولِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [الْبَقَرَة: 276] وَقَوْلِهِ: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ.
وَأُجْرِيَتْ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنِ الْإِطَاعَةِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ، لِأَنَّ أَصْحَابَهَا لَيْسُوا أَهْلًا لِأَنْ يُطَاعُوا إِذْ لَا ثِقَةَ بِهِمْ وَلَا يَأْمُرُونَ إِلَّا بِسُوءٍ.
قَالَ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الْمُرَادُ بِالْحَلَّافِ الْمَهِينِ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، وَقَالَ آخَرُونَ: الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثٍ، وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ:
أَبُو جَهْلٍ، وَإِنَّمَا عَنَوْا أَنَّ الْمُرَادَ التَّعْرِيضُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَإِلَّا فَإِنَّ لَفْظَ كُلَّ الْمُفِيدَ لِلْعُمُومِ لَا يَسْمَحُ بِأَنْ يُرَادَ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، أما هَؤُلَاءِ فَلَعَلَّ أَرْبَعَتَهُمُ اشْتَرَكُوا فِي مُعْظَمِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فَهُمْ مِمَّنْ أُرِيدُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِطَاعَتِهِ وَمَنْ كَانَ عَلَى شَاكِلَتِهِمْ مِنْ أَمْثَالِهِمْ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْخِلَالَ بَلْ مَنْ كَانَتْ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، وَالصِّفَةُ الْكَبِيرَةُ مِنْهَا هِيَ التَّكْذِيب بِالْقُرْآنِ الَّتِي خُتِمَ بِهَا قَوْلُهُ: إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الْقَلَم:
15] ، لَكِنَّ الَّذِي قَالَ فِي الْقُرْآنِ إِنَّهُ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الْقَلَم: 15] هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَهُوَ الَّذِي اخْتَلَقَ هَذَا الْبُهْتَانَ فِي قِصَّةٍ مَعْلُومَةٍ، فَلَمَّا تَلَقَّفَ الْآخَرُونَ مِنْهُ هَذَا الْبُهْتَانَ وَأُعْجِبُوا بِهِ أَخَذُوا يَقُولُونَهُ فَكَانَ جَمِيعُهُمْ مِمَّنْ يَقُولُهُ وَلِذَلِكَ أَسْنَدَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ هَذَا الْقَوْلَ فِي آيَةِ وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الْفرْقَان: 5] .