الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجْهِهِ، وَثَبَاتِهِ، وَحُكْمِهِ، وَحَرَكَتِهِ وَسُكُونِهِ، وَطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَتَأْدِيبِ أَهْلِهِ وَمَنْ لِنَظِرِهِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حُرْمَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالسُّمْعَةِ.
وَأَمَّا مَظَاهِرُهَا فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَفِي ذَلِكَ كُله وَفِي سياسته أُمَّتِهِ، وَفِيمَا خُصَّ بِهِ مِنْ فَصَاحَةِ كَلَامِهِ وجوامع كَلمه.
[5- 6]
[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 5 إِلَى 6]
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6)
الْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِهِ: مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [الْقَلَم: 2] بِاعْتِبَارِ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ [الْقَلَم: 2] مِنْ إِبْطَالِ مَقَالَةٍ قِيلَتْ فِي شَأْنِهِ قَالَهَا أَعْدَاؤُهُ فِي الدِّينِ، ابْتَدَأَ بِإِبْطَالِ بُهْتَانِهِمْ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ إِذَا نَظَرُوا الدَّلَائِلَ وَتَوَسَّمُوا الشَّمَائِلَ عَلِمُوا أَيَّ الْفَرِيقَيْنِ الْمَفْتُونَ أَهُمْ مَفْتُونُونَ بِالْانْصِرَافِ عَنِ الْحَقِّ وَالرُّشْدِ، أَمْ هُوَ بِاخْتِلَالِ الْعَقْلِ كَمَا اخْتَلَقُوا.
وَالْمَقْصُودُ هُوَ مَا فِي قَوْلِهِ: وَيُبْصِرُونَ وَلَكِنْ أُدْمِجَ فِيهِ قَوْلُهُ: فَسَتُبْصِرُ لِيَتَأَتَّى بِذِكْرِ الْجَانِبَيْنِ إِيقَاعُ كَلَامٍ مُنْصِفٍ (أَيْ دَاعٍ إِلَى الْإِنْصَافِ) عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: 24] لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَبْلُغُ مَسَامِعَهُمْ وَيُتْلَى عَلَيْهِمْ.
وَفِعْلَا (تُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) ، بِمَعْنَى الْبَصَرِ الْحِسِّيِّ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مَعْنَاهُ فَسَتَعْلَمُ وَيَعْلَمُونَ، فَجَعَلَهُ مِثْلَ اسْتِعْمَالِ فِعْلِ الرُّؤْيَةِ فِي مَعْنَى الظَّنِّ، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ تَفْسِيرَ حَاصِلِ الْمَعْنَى إِذْ قَدْ قِيلَ إِنَّ الْفِعْلَ الْمُشْتَقَّ مِنْ (أَبْصَرَ) لَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الظَّنِّ وَالْاعْتِقَادُ عِنْدَ جُمْهُورِ اللُّغَوِيِّينَ وَالنُّحَاةِ خِلَافًا لِهِشَامٍ كَذَا فِي «التَّسْهِيلِ» (1) فَالْمَعْنَى: سَتَرَى وَيَرَوْنَ رَأْيَ الْعَيْنِ أَيَّكُمُ الْمفْتُون فَإِن كَانَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ فَإِنَّ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَأَى ذَلِكَ فَالسِّينُ فِي قَوْلِهِ: فَسَتُبْصِرُ لِلتَّأْكِيدِ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَسَيَرَوْنَ ذَلِكَ، أَيْ يَعْلَمُونَ آثَارَ فُتُونِهِمْ وَذَلِكَ
فِيمَا يَرَوْنَهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ الْفَتْحِ.
وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْبَصَرِ الْحِسِّيِّ فَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِي كِلَا الْفِعْلَيْنِ لِلْاسْتِقْبَالِ.
وَضَمِيرُ يُبْصِرُونَ عَائِدٌ إِلَى مَعْلُومٍ مُقَدَّرٍ عِنْدَ السَّامِعِ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ الْقَائِلُونَ: هُوَ مَجْنُونٌ.
(1) هُوَ هِشَام بن مُعَاوِيَة الْكُوفِي من أَصْحَاب الْكسَائي توفّي سنة 209.
وَ (أَيِّ) اسْمٌ مُبْهَمٌ يَتَعَرَّفُ بِمَا يُضَافُ هُوَ إِلَيْهِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مَدْلُولَ (أَيِّ) فَرْدٌ أَوْ طَائِفَةٌ مُتَمَيِّزٌ عَنْ مُشَارِكٍ فِي طَائِفَتِهِ مِنْ جَنْسٍ أَو وصف بمميّز وَاقِعِيٍّ أَوْ جَعْلِيٍّ، فَهَذَا مَدْلُولُ (أَيِّ) فِي جَمِيعِ مَوَاقِعِهِ، وَلَهُ مَوَاقِعُ كَثِيرَةٌ فِي الْكَلَامِ، فَقَدْ يُشْرِبُ (أَيِّ) مَعْنَى الْمَوْصُولِ، وَمَعْنَى الشَّرْطِ، وَمَعْنَى الْاسْتِفْهَامِ، وَمَعْنَى التَّنْوِيهِ بِكَامِلٍ، وَمَعْنَى الْمُعَرَّفِ بِ (أَلْ) إِذَا وَصَلَ بِنِدَائِهِ.
وَهُوَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ يُفِيدُ شَيْئًا مُتَمَيِّزًا عَمَّا يُشَارِكُهُ فِي طَائِفَتِهِ الْمَدْلُولَةِ بِمَا أُضِيفَ هُوَ إِلَيْهِ، فَقَوله تَعَالَى: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ مَعْنَاهُ: أَيُّ رَجُلٍ، أَوْ أَيُّ فَرِيقٍ مِنْكُمُ الْمَفْتُونُ، فَ (أَيِّ) فِي مَوْقِعِهِ هُنَا اسْمٌ فِي مَوْقِعِ الْمَفْعُولِ لِ (تُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِهِ تَعَلُّقَ الْمَجْرُورِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ اسْتِعْمَالُ (أَيِّ) فِي الْاسْتِفْهَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [185] .
والْمَفْتُونُ: اسْمُ مَفْعُولٍ وَهُوَ الَّذِي أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يُرَاد بهَا هُنَا الْجُنُونُ فَإِنَّ الْجُنُونَ يُعَدُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ قَبِيلِ الْفِتْنَةِ (يَقُولُونَ لِلْمَجْنُونِ: فَتَنَتْهُ الْجِنُّ) وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مَا يَصْدُقُ عَلَى الْمُضْطَرِبِ فِي أَمْرِهِ الْمَفْتُونِ فِي عَقْلِهِ حَيْرَةً وَتَقَلْقُلًا، بِإِيثَارِ هَذَا اللَّفْظِ، دُونَ لَفْظِ الْمَجْنُونِ مِنَ الْكَلَامِ الْمُوَجَّهِ أَوِ التَّوْرِيَةِ لِيَصِحَّ فَرْضُهُ لِلْجَانِبَيْنِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَانِينِ الَّذِينَ يَنْدَفِعُونَ إِلَى مُقَاوَمَةِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِدُونِ تَبَصُّرٍ يَكُنْ فِي فِتْنَةِ اضْطِرَابِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ كَأَبِي جَهْلٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَضْرَابِهِمَا الَّذِينَ أَغْرَوُا الْعَامَّةَ بِالطَّعْنِ فِي النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِأَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ.
وَالْبَاءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَزِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ تَعَلُّقِ الْفِعْلِ بمفعوله، وَالْأَصْل: أيّكم الْمَفْتُونُ فَهِيَ كَالْبَاءِ فِي قَوْله: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: 6] . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلظَّرْفِيَّةِ وَالْمَعْنَى: فِي أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ مِنْكُمْ يُوجَدُ الْمَجْنُونُ، أَيْ مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا الْوَصْفُ فَيَكُونُ تَعْرِيضًا بِأَبِي جَهْلٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مُدَبِّرِي السُّوءِ عَلَى دَهْمَاءَ قُرَيْشٍ بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ الشَّبِيهَةِ بِأَقْوَالِ الْمَجَانِينِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ وَصَفُوا رَجُلًا مَعْرُوفًا بَيْنَ الْعُقَلَاءِ مَذْكُورًا بِرَجَاحَةِ الْعَقْلِ وَالْأَمَانَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَوَصَفُوهُ بِأَنَّهُ مَجْنُونٌ فَكَانُوا كَمَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّهَارَ لَيْلٌ
وَمَنْ وَصَفَ الْيَوْمَ الشَّدِيدَ الْبَرْدِ بِالْحَرَارَةِ، فَهَذَا شُبِّهَ بِالْمَجْنُونِ وَلِذَلِكَ يُجْعَلُ الْمَفْتُونُ فِي الْآيَةِ وَصْفًا ادِّعَائِيًّا عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ كَمَا