الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة آل عمران (3) : الآيات 96 الى 97]
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97)
هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شَيْءٍ آخَرَ مِمَّا جَادَلَتْ فِيهِ الْيَهُودُ بِالْبَاطِلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَفْضَلُ وَأَعْظَمُ مِنَ الْكَعْبَةِ، لِكَوْنِهِ: مُهَاجَرَ الْأَنْبِيَاءِ، وَفِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ. فَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ الْآيَةَ، فَقَوْلُهُ: وُضِعَ صِفَةٌ لِبَيْتٍ، وَخَبَرُ إِنَّ: قَوْلُهُ: لَلَّذِي بِبَكَّةَ فَنَبَّهَ تَعَالَى بِكَوْنِهِ: أَوَّلَ مُتَعَبِّدٍ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غيره، وقد اختلف في الباني فِي الِابْتِدَاءِ: فَقِيلَ: الْمَلَائِكَةُ، وَقِيلَ: آدَمُ، وَقِيلَ: إِبْرَاهِيمُ، وَيُجْمَعُ بَيْنَ ذَلِكَ: بِأَوَّلِ مَنْ بَنَاهُ الملائكة، جَدَّدَهُ آدَمُ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ. وَبَكَّةُ: عَلَمٌ لِلْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَكَذَا مَكَّةُ، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَقِيلَ: إِنَّ بَكَّةَ: اسْمٌ لِمَوْضِعِ الْبَيْتِ، وَمَكَّةُ: اسْمٌ لِلْبَلَدِ الْحَرَامِ وَقِيلَ: بَكَّةُ:
لِلْمَسْجِدِ، وَمَكَّةُ: لِلْحَرَمِ كُلِّهِ قِيلَ: سُمِّيَتْ بَكَّةُ لِازْدِحَامِ النَّاسِ فِي الطَّوَافِ، يُقَالُ: بَكَّ الْقَوْمُ: ازْدَحَمُوا وَقِيلَ: الْبَكُّ: دَقُّ الْعُنُقِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَدُقُّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ. وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا: بِمَكَّةَ، فَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ: لقلة ما بها وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تَمُكُّ الْمُخَّ مِنَ الْعَظْمِ، بِمَا يَنَالُ سَاكِنَهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ، وَمِنْهُ مَكَكْتُ الْعَظْمَ:
إذا أخرجت ما فيه، وأمكته: إِذَا امْتَصَّهُ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ: لِأَنَّهَا تَمُكُّ مِنْ ظَلَمَ فِيهَا، أَيْ: تُهْلِكُهُ. قَوْلُهُ:
مُبارَكاً حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي وُضِعَ، أَوْ مِنْ مُتَعَلِّقِ الظَّرْفِ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: لَلَّذِي اسْتَقَرَّ بِبَكَّةَ مُبَارَكًا، وَالْبَرَكَةُ: كَثْرَةُ الْخَيْرِ الْحَاصِلِ لِمَنْ يَسْتَقِرُّ فِيهِ أَوْ يَقْصِدُهُ، أَيِ: الثَّوَابُ الْمُتَضَاعِفُ. وَالْآيَاتُ البينات:
الواضحات، مِنْهَا: الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ، وَمِنْهَا: أَثَرُ الْقَدَمِ فِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْغَيْثَ إِذَا كَانَ بِنَاحِيَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ كَانَ الْخِصْبُ فِي الْيَمَنِ، وَإِنْ كَانَ بِنَاحِيَةِ الشَّامِيِّ كَانَ الْخِصْبُ بِالشَّامِ، وَإِذَا عَمَّ الْبَيْتَ كَانَ الْخِصْبُ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ، وَمِنْهَا: انْحِرَافُ الطُّيُورِ عَنْ أَنْ تَمُرَّ عَلَى هَوَائِهِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ، وَمِنْهَا: هَلَاكُ مَنْ يَقْصِدُهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: مَقامُ إِبْراهِيمَ بَدَلٌ مِنْ آيَاتٌ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ. وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ: إِنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: إِنَّهُ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ: مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: مِنْهَا مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَقِيلَ: هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هِيَ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ بَيَانَ الْآيَاتِ- وَهِيَ جَمْعٌ-: بِالْمَقَامِ- وَهُوَ فَرْدٌ- وَأَجَابَ: بِأَنَّ الْمَقَامَ جُعِلَ وَحْدَهُ بِمَنْزِلَةِ آيَاتٍ، لِقُوَّةِ شَأْنِهِ، أَوْ: بِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى آيَاتٍ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَمْنُ مَنْ دَخْلَهُ، لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ نَوْعٌ مِنَ الْجَمْعِ. قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، لِبَيَانِ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْحَرَمِ، وَهُوَ: أَنَّ مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا. وَبِهِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَنْ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ مِنَ الْحُدُودِ فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ، وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ، فَقَالُوا: تُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ فِي الْحَرَمِ. وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ: إِنَّ الْآيَةَ خَبَرٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ، أَيْ: وَمَنْ دَخَلَهُ فَأَمِّنُوهُ كَقَوْلِهِ: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ «1» أَيْ: لَا تَرْفُثُوا، وَلَا تَفْسُقُوا، وَلَا تُجَادِلُوا. قَوْلُهُ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِلَّهِ هِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: لَامُ الْإِيجَابِ وَالْإِلْزَامِ، ثُمَّ زَادَ هَذَا الْمَعْنَى تَأْكِيدًا حَرْفُ عَلَى، فَإِنَّهُ مِنْ أَوْضَحِ الدَّلَالَاتِ على الوجوب
(1) . البقرة: 197. [.....]
عِنْدَ الْعَرَبِ، كَمَا إِذَا قَالَ الْقَائِلُ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا، فَذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْحَجَّ بِأَبْلَغِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، تَأْكِيدًا لِحَقِّهِ وَتَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ، وَهَذَا الْخِطَابُ شَامِلٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إِلَّا مَنْ خَصَّصَهُ الدَّلِيلُ، كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ.
وَقَوْلُهُ: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فِي مَحَلِّ جَرٍّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ بَعْضٍ مِنَ النَّاسِ. وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ.
وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِحِجٍّ. وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ يَحُجَّ الْبَيْتَ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَقِيلَ:
إِنَّ: مَنْ، حَرْفُ شَرْطٍ، وَالْجَزَاءُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الِاسْتِطَاعَةِ مَاذَا هِيَ؟ فَقِيلَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ الْحَقُّ. قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا وَثِقَ بِقُوَّتِهِ لَزِمَهُ الْحَجُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ، إِذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّكَسُّبِ، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِنْ كَانَ شَابًّا قَوِيًّا صَحِيحًا وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَدْخُلُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا: أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ إِلَى الْحَجِّ آمِنَةً، بِحَيْثُ يَأْمَنُ الْحَاجُّ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ الَّذِي لَا يَجِدُ زَادًا غَيْرَهُ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ آمِنَةٍ فَلَا اسْتِطَاعَةَ، لَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَهَذَا الْخَائِفُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لَمْ يَسْتَطِعْ إِلَيْهِ سَبِيلًا بِلَا شَكٍّ وَلَا شُبْهَةٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ إِذَا كَانَ فِي الطَّرِيقِ مِنَ الظَّلَمَةِ من يأخذ بعض الأموال على وجه لا يجحف بزاد الحاج فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُعْطِي حَبَّةً، وَيَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْحَجِّ، وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ، وَخَالَفَهُ آخَرُونَ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَكَانَتِ الطَّرِيقُ آمِنَةً، بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُرُورِهَا، وَلَوْ بِمُصَانَعَةِ بَعْضِ الظَّلَمَةِ لِدَفْعِ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ، يتمكن منه الْحَاجُّ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ زَادِهِ وَلَا يُجْحِفُ بِهِ، فَالْحَجُّ غَيْرُ سَاقِطٍ عَنْهُ، بَلْ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَطَاعَ السَّبِيلَ بِدَفْعِ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ هَذَا الْمَالُ الْمَدْفُوعُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الِاسْتِطَاعَةُ، فَلَوْ وَجَدَ الرَّجُلُ زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَمْ يَجِدْ مَا يَدْفَعُهُ لِمَنْ يَأْخُذُ الْمَكْسَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا يُنَافِي تَفْسِيرَ الِاسْتِطَاعَةِ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ الْمُرُورُ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ لِمَنْ وَجَدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ إِلَّا بِذَلِكَ الْقَدْرِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمَكَّاسُونَ، وَلَعَلَّ وَجْهَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ سَقَطَ الْحَجُّ: أَنَّ أَخْذَ هَذَا الْمَكْسِ مُنْكَرٌ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ أَنْ يَدْخُلَ فِي مُنْكَرٍ، وَأَنَّهُ بِذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَدْخُلُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ: أَنْ يَكُونَ الْحَاجُّ صَحِيحَ الْبَدَنِ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ الرُّكُوبُ، فَلَوْ كَانَ زَمِنًا بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ، وَلَا عَلَى الرُّكُوبِ، فَهَذَا وَإِنْ وَجَدَ الزَّادَ والراحلة فهو لم يستطيع السَّبِيلَ. قَوْلُهُ: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ قِيلَ: إِنَّهُ عَبَّرَ بِلَفْظِ الْكُفْرِ عَنْ تَرْكِ الْحَجِّ، تَأْكِيدًا لِوُجُوبِهِ، وَتَشْدِيدًا عَلَى تَارِكِهِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَمَنْ كَفَرَ بِفَرْضِ الْحَجِّ وَلَمْ يَرَهُ وَاجِبًا، وَقِيلَ: إِنَّ مَنْ تَرَكَ الْحَجَّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَفِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى مَقْتِ تَارِكِ الْحَجِّ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ، وَخِذْلَانِهِ، وَبُعْدِهِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، مَا يَتَعَاظَمُهُ سَامِعُهُ، وَيَرْجُفُ لَهُ قَلْبُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا شَرَعَ لِعِبَادِهِ هَذِهِ الشَّرَائِعَ لِنَفْعِهِمْ وَمَصْلَحَتِهِمْ، وَهُوَ تَعَالَى شَأْنُهُ، وَتَقَدَّسَ سُلْطَانُهُ، غَنِيٌّ لَا تَعُودُ إِلَيْهِ طَاعَاتُ عِبَادِهِ بِأَسْرِهَا بِنَفْعٍ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ الْآيَةَ، قَالَ:
كَانَتِ الْبُيُوتُ قَبْلَهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ:
الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:«خَلَقَ اللَّهُ الْبَيْتَ قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ، وَكَانَ إِذْ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ زُبْدَةً بَيْضَاءَ، وَكَانَتِ الأرض تحته كأنّها حشفة دحيت الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِهِ» . وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْأَزْرَقِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: بَلَغْنَا أَنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ أَعْظَمُ مِنَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ مُهَاجَرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلِأَنَّهُ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: بَلِ الْكَعْبَةُ أَعْظَمُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ:
إِنَّمَا سُمِّيَتْ: بَكَّةُ، لِأَنَّ النَّاسَ يَجِيئُونَ إِلَيْهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حُجَّاجًا. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ: بَكَّةُ، لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَاكَوْنَ فِيهَا، أَيْ: يَزْدَحِمُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فِي قَوْلِهِ: مُبارَكاً قَالَ: جُعِلَ فِيهِ الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ: وَهُدىً لِلْعالَمِينَ يَعْنِي: بِالْهُدَى قِبْلَتَهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ فَمِنْهُنَّ:
مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَالْمَشْعَرُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ قَالَ:
مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ. وَأَخْرَجَ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ نَحْوَهُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً قَالَ: كَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ لَوْ جَرَّ كُلَّ جَرِيرَةٍ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ لَمْ يُتَنَاوَلْ وَلَمْ يُطْلَبْ، فَأَمَّا فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ سَرَقَ فِيهِ قُطِعَ، وَمَنْ زَنَى فِيهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَمَنْ قَتَلَ فِيهِ قُتِلَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْأَزْرَقِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ وَجَدْتُ فِيهِ قَاتِلَ الْخَطَّابِ مَا مَسِسْتُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً قَالَ: مَنْ عَاذَ بِالْبَيْتِ أَعَاذَهُ الْبَيْتُ، وَلَكِنْ لَا يُؤْوَى، وَلَا يُطْعَمُ، وَلَا يُسْقَى، فَإِذَا خَرَجَ أُخِذَ بِذَنْبِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ طُرُقٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ: لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ لَمْ أَعْرِضْ لَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ مَا هِجْتُهُ. وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ: قَامَ النبي صلى الله عليه وسلم الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ فَقَالَ: «إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يُعْضَدَ بِهَا شَجَرَةٌ، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً من نهار ثم عادت حرمتها كَحُرْمَتِهَا أَمْسِ» . وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَقِيلَ: مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» .
وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: أَنَّهُ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا السَّبِيلُ؟ فَقَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا السَّبِيلُ إِلَى الْحَجِّ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» . وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا لِغَيْرِهِ، فَلَا يَضُرُّهُ مَا وَقَعَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى بَعْضِ طُرُقِهِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا فِي الْآيَةِ:
«أَنَّهُ سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: تَجِدُ ظَهْرَ بَعِيرٍ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ. وَأَخْرَجَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا ابْنُ مَاجَهْ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قَالَ: السَّبِيلُ: أَنْ يَصِحَّ بَدَنُ الْعَبْدِ، وَيَكُونَ لَهُ ثَمَنُ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْحِفَ بِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ قَالَ:
سَبِيلًا مَنْ وَجَدَ إِلَيْهِ سَعَةً، وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: الِاسْتِطَاعَةُ: الْقُوَّةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ: إِنَّ الْمُحْرِمَ لِلْمَرْأَةِ مِنَ السَّبِيلِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم: النَّهْيُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ.
وَاخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ فَفِي لَفْظٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَفِي لَفْظٍ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَفِي لَفْظٍ بَرِيدٌ.
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي تَشْدِيدِ الْوَعِيدِ عَلَى مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَمْ يَحُجَّ. فَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ بَيْتَ اللَّهِ فَلَا عَلَيْهِ بِأَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ.
وَفِي إِسْنَادِهِ هِلَالُ الْخُرَاسَانِيُّ، أو هَاشِمٍ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَقِيلَ مَجْهُولٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ:
هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ وَفِيهِ ضَعْفٌ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَمْنَعْهُ مَرَضٌ حَابِسٌ أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ أَوْ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ مَرْفُوعًا مُرْسَلًا مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ السُّيُوطِيُّ:
بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ رِجَالًا إِلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ، فَلْيَنْظُرُوا كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ جِدَةٌ وَلَمْ يَحُجَّ فَيَضْرِبُوا عَلَيْهِمِ الْجِزْيَةَ مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ. وَأَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عنه يقول:
«من أطاق الحجّ، فَسَوَاءٌ عَلَيْهِ يَهُودِيًّا مَاتَ أَوْ نَصْرَانِيًّا» قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ أَنْ سَاقَ إِسْنَادَهُ: وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:«مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُوسِرٌ، وَلَمْ يَحُجَّ، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ مكتوب كافر» .