الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة النساء (4) : الآيات 77 الى 81]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81)
قَوْلُهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ الْآيَةَ، قِيلَ: هُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أُمِرُوا بِتَرْكِ الْقِتَالِ فِي مَكَّةَ بَعْدَ أَنْ تَسَرَّعُوا إِلَيْهِ. فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ بِالْمَدِينَةِ تَثَبَّطُوا عَنِ الْقِتَالِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِي الدِّينِ، بَلْ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ، وَفَرَقًا مِنْ هَوْلِ الْقَتْلِ وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَقِيلَ: فِي الْمُنَافِقِينَ، أَسْلَمُوا قَبْلَ فَرْضِ الْقِتَالِ، فَلَمَّا فُرِضَ كَرِهُوهُ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالسِّيَاقِ لِقَوْلِهِ: وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ وَقَوْلِهِ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ الْآيَةَ، وَيَبْعُدُ صُدُورُ مِثْلِ هَذَا مِنَ الصَّحَابَةِ. قَوْلُهُ:
كَخَشْيَةِ اللَّهِ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: خَشْيَةٌ كَخَشْيَةِ اللَّهِ، أَوْ حَالٌ، أَيْ: تَخْشَوْنَهُمْ مُشْبِهِينَ أَهْلَ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ، أَيْ: كَخَشْيَتِهِمُ اللَّهَ. وَقَوْلُهُ: أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً مَعْطُوفٌ عَلَى كَخَشْيَةِ اللَّهِ، فِي مَحَلِّ جَرٍّ، أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ جَمِيعًا، فَيَكُونُ: في محل الحال، كالمعطوف عليه، وأو: لِلتَّنْوِيعِ، عَلَى مَعْنَى: أَنَّ خَشْيَةَ بَعْضِهِمْ كَخَشْيَةِ اللَّهِ، وَخَشْيَةُ بَعْضِهِمْ أَشَدُّ مِنْهَا. قَوْلُهُ: وَقالُوا عَطْفٌ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ أَيْ: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ فَاجَأَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ خَشْيَةَ النَّاسِ وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا أَيْ: هَلَّا أَخَّرْتَنَا، يُرِيدُونَ الْمُهْلَةَ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ قَرِيبٍ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فِيهِ القتال، فَأَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يُجِيبَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ:
سَرِيعُ الْفَنَاءِ لَا يَدُومُ لِصَاحِبِهِ، وَثَوَابُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْمَتَاعِ الْقَلِيلِ لِمَنِ اتَّقى مِنْكُمْ، وَرَغِبَ فِي الثَّوَابِ الدَّائِمِ وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا أَيْ: شَيْئًا حَقِيرًا يَسِيرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْفَتِيلِ قَرِيبًا، وَإِذَا كُنْتُمْ تُوَفَّرُونَ أُجُورَكُمْ وَلَا تُنْقَصُونَ شَيْئًا مِنْهَا، فَكَيْفَ ترغبون عن ذلك وتشغلون بِمَتَاعِ الدُّنْيَا مَعَ قِلَّتِهِ وَانْقِطَاعِهِ؟
وَقَوْلُهُ: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، وَفِيهِ حَثٌّ لِمَنْ قَعَدَ عَنِ الْقِتَالِ خَشْيَةَ الْمَوْتِ. وَبَيَانٌ لفساد ما خالطه من الجبن، وَخَامَرَهُ مِنَ الْخَشْيَةِ، فَإِنَّ الْمَوْتَ إِذَا كَانَ كائنا لا محالة، وَالْبُرُوجُ: جَمْعُ بُرْجٍ:
وَهُوَ الْبِنَاءُ الْمُرْتَفِعُ، وَالْمُشَيَّدَةُ: الْمُرَفَّعَةُ، مِنْ شَادَ الْقَصْرَ: إِذَا رَفَعَهُ وَطَلَاهُ بِالشَّيْدِ وَهُوَ الْجِصُّ. وَجَوَابُ لَوْلَا:
مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ:
فمن لم يمت بالسّيف مات بغيره «1»
.......
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْبُرُوجِ مَا هِيَ؟ فَقِيلَ: الْحُصُونُ الَّتِي فِي الْأَرْضِ. وَقِيلَ: هِيَ القصور. قال الزجاج والقتبي: وَمَعْنَى مُشَيَّدَةٍ: مُطَوَّلَةٌ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: مَطْلِيَّةٌ بِالشَّيْدِ وَهُوَ الْجِصُّ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْبُرُوجِ: بُرُوجٌ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا مَبْنِيَّةٌ، حَكَاهُ مَكِّيٌّ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ «2»
(1) . وعجزه: تعددت الأسباب والموت واحد.
(2)
. البروج: 1. [.....]
جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً «1» وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً «2» وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْبُرُوجِ الْمُشَيَّدَةِ هُنَا: قُصُورٌ مِنْ حَدِيدٍ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ: يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ: بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ:
وَقَالَ رَائِدُهُمْ أَرْسُوا نُزَاوِلُهَا قَوْلُهُ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مُخْتَصٌّ بِالْمُنَافِقِينَ، أَيْ: إِنْ تُصِبْهُمْ نِعْمَةٌ نَسَبُوهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ تُصِبْهُمْ بَلِيَّةٌ وَنِقْمَةٌ نَسَبُوهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَيْسَ كَمَا تَزْعُمُونَ، ثُمَّ نَسَبَهُمْ إِلَى الْجَهْلِ وَعَدَمِ الْفَهْمِ فَقَالَ: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً أَيْ: مَا بَالُهُمْ هَكَذَا. قَوْلُهُ: مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ هَذَا الْخِطَابُ إِمَّا لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ مِنَ النَّاسِ، أَوْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعْرِيضًا لِأُمَّتِهِ، أَيْ: مَا أَصَابَكَ مِنْ خَصْبٍ وَرَخَاءٍ وَصِحَّةٍ وَسَلَامَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ جَهْدٍ وَبَلَاءٍ وَشِدَّةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ، بِذَنْبٍ أَتَيْتَهُ فَعُوقِبْتَ عَلَيْهِ وَقِيلَ:
إِنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ الَّذِينَ لَا يَفْقَهُونَ حَدِيثًا، أَيْ: فَيَقُولُونَ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، وَقِيلَ: إِنَّ أَلْفَ الِاسْتِفْهَامِ مُضْمَرَةٌ، أَيْ: أَفَمِنْ نَفْسِكَ؟ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ
«3» والمعنى: أو تلك نِعْمَةٌ؟ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هَذَا رَبِّي «4» أَيْ: أَهَذَا رَبِّي، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيِّ:
رَمَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِدُ لَمْ تُرَعْ
…
فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتُ الْوُجُوهَ هُمُ هُمُ
أَيْ: أَهُمُ أهم؟ وَهَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مَا يُفِيدُ مُفَادَ هَذِهِ الْآيَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ «5» ، وَقَوْلِهِ: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ «6» . وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ قَوْلَهُ: وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَلِقَوْلِهِ: وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ «7» ، وقوله: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَقَوْلِهِ: وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ «8» وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوَاطِنِهِ. قَوْلُهُ: وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا فِيهِ الْبَيَانُ لِعُمُومِ رِسَالَتِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْجَمِيعِ، كَمَا يُفِيدُهُ التَّأْكِيدُ بِالْمَصْدَرِ، وَالْعُمُومِ فِي النَّاسِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ «9» ، وقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً «10» وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً «11» عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ فِيهِ: أَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ طَاعَةٌ لِلَّهِ، وَفِي هَذَا مِنَ النِّدَاءِ بِشَرَفِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَعُلُوِّ شَانِهِ وَارْتِفَاعِ مَرْتَبَتِهِ مَا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ، وَلَا يُبْلَغُ مَدَاهُ، وَوَجْهُهُ: أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَلَا يَنْهَى إِلَّا عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. وَمَنْ تَوَلَّى أَيْ:
أَعْرَضَ فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً أَيْ: حَافِظًا لِأَعْمَالِهِمْ، إِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ، وَقَدْ نُسِخَ هَذَا بِآيَةِ السَّيْفِ وَيَقُولُونَ طاعَةٌ بِالرَّفْعِ، عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: أَمْرُنَا طَاعَةٌ، أَوْ شَأْنُنَا طَاعَةٌ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَالْجَحْدَرِيُّ، وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ: أَيْ: نُطِيعُ طَاعَةً، وَهَذِهِ فِي الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، أَيْ: يَقُولُونَ إِذَا كَانُوا عِنْدَكَ طَاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ أي: خرجوا من عندك
(1) . الفرقان: 61.
(2)
. الحجر: 16.
(3)
. الشعراء: 22.
(4)
. الأنعام: 77.
(5)
. الشورى: 30.
(6)
. آل عمران: 165.
(7)
. آل عمران: 166.
(8)
. الرعد: 11.
(9)
. سبأ: 28.
(10)
. الأعراف: 158.
(11)
الفتح: 28.
بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ «1» أَيْ: زَوَّرَتْ طَائِفَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ لَهُمْ أَنْتَ وَتَأْمُرُهُمْ بِهِ، أَوْ: غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ لَكَ هِيَ مِنَ الطَّاعَةِ لَكَ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: غَيَّرُوا وَبَدَّلُوا وَحَرَّفُوا قَوْلَكَ فِيمَا عَهِدْتَ إِلَيْهِمْ، وَالتَّبْيِيتُ:
التَّبْدِيلُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَتَوْنِي فَلَمْ أَرْضَ مَا بَيَّتُوا
…
وَكَانُوا أَتَوْنِي بِأَمْرٍ نُكُرْ
يُقَالُ: بيت الرجل الأمر: إذا دبره لَيْلًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ
وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ أَيْ: يُثْبِتُهُ فِي صَحَائِفِ أَعْمَالِهِمْ لِيُجَازِيَهُمْ عَلَيْهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى: يُنْزِلُهُ عَلَيْكَ فِي الْكِتَابِ، قَوْلُهُ: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أَيْ: دَعْهُمْ وَشَأْنَهُمْ، حَتَّى يُمْكِنَ الِانْتِقَامُ مِنْهُمْ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا تُخْبِرْ بِأَسْمَائِهِمْ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا تُعَاقِبْهُمْ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالثِّقَةِ بِهِ فِي النَّصْرِ عَلَى عَدُوِّهِ، قِيلَ: وَهَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَصْحَابًا لَهُ أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! كُنَّا فِي عِزَّةٍ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً؟ فَقَالَ: إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلَا تُقَاتِلُوا الْقَوْمَ، فَلَمَّا حَوَّلَهُ اللَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَهُ بِالْقِتَالِ فَكَفُّوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ المنذر عن قَتَادَةَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ الْآيَةَ، قَالَ: نَهَى اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَنْ يَصْنَعُوا صَنِيعَهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قَالَ: هُوَ الْمَوْتُ. وَأَخْرَجَا نَحْوَهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ: فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ قَالَ: فِي قُصُورٍ مُحَصَّنَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: هِيَ قُصُورٌ فِي السَّمَاءِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سُفْيَانَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُ: نِعْمَةٌ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ قَالَ: مُصِيبَةٌ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ: النِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ:
وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ قَالَ: هَذِهِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَفِي قَوْلِهِ: مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ قَالَ: هَذِهِ فِي الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَمَّا الْحَسَنَةُ: فَأَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكَ، وَأَمَّا السَّيِّئَةُ: فَابْتَلَاكَ بِهَا، وَفِي قَوْلِهِ: وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ قَالَ: مَا أَصَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ: أَنْ شُجَّ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ قَالَ: هَذَا يَوْمُ أُحُدٍ، يَقُولُ: مَا كَانَتْ مِنْ نَكْبَةٍ فَبِذَنْبِكَ، وَأَنَا قَدَّرْتُ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْرَأُ: وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَنَا كَتَبْتُهَا عَلَيْكَ قَالَ مُجَاهِدٌ: وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ أبيّ وابن
(1) . النساء: 108.