الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ، قَالَ: بِمُوَالَاتِهِمْ مَنْ قَتَلَ الْأَنْبِيَاءَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ قَالَ: مَا أَنَا بِمُعَذِّبٍ مَنْ لَمْ يَجْتَرِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قَالَ: يَتَصَدَّقُ الرَّجُلُ مِنَّا، فَإِذَا تُقُبِّلَ مِنْهُ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ النَّارُ مِنَ السَّمَاءِ فَأَكَلَتْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا قَالَ: كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: بِالْبَيِّناتِ قَالَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَالزُّبُرِ قَالَ: كُتُبُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ قال: هو القرآن.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 185 الى 189]
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَاّ مَتاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)
قَوْلُهُ: ذائِقَةُ مِنَ الذَّوْقِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبْطَةً «1» يَمُتْ هَرِمًا
…
الْمَوْتُ كَأْسٌ وَالْمَرْءُ ذَائِقُهَا
وَهَذِهِ الْآيَةُ تَتَضَمَّنُ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ لِلْمُصَدِّقِ وَالْمُكَذِّبِ بَعْدَ إِخْبَارِهِ عَنِ الْبَاخِلِينَ الْقَائِلِينَ: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ، وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ، وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: ذائِقَةُ الْمَوْتِ بِالتَّنْوِينِ وَنَصْبِ الْمَوْتِ. وقرأ الجهور بالإضافة. قوله: إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَجْرُ الْمُؤْمِنِ: الثَّوَابُ، وَأَجْرُ الْكَافِرِ: الْعِقَابُ، أَيْ: أَنَّ تَوْفِيَةَ الْأُجُورِ وَتَكْمِيلَهَا إِنَّمَا تَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَمَا يَقَعُ مِنَ الْأُجُورِ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْبَرْزَخِ فَإِنَّمَا هُوَ بَعْضُ الْأُجُورِ. وَالزَّحْزَحَةُ: التَّنْحِيَةُ، وَالْإِبْعَادُ: تَكْرِيرُ الزَّحِّ وَهُوَ الْجَذْبُ بِعَجَلَةٍ، قَالَهُ فِي الْكَشَّافِ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، أَيْ: فَمَنْ بَعُدَ عَنِ النَّارِ يَوْمَئِذٍ وَنُحِّيَ فَقَدْ فَازَ، أَيْ ظَفَرَ بِمَا يُرِيدُ وَنَجَا مِمَّا يَخَافُ، وَهَذَا هُوَ الْفَوْزُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي لَا فَوْزَ يُقَارِبُهُ، فَإِنَّ كُلَّ فَوْزٍ وَإِنْ كَانَ بِجَمِيعِ الْمَطَالِبِ دُونَ الْجَنَّةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا. اللَّهُمَّ لَا فَوْزَ إِلَّا فَوْزُ الْآخِرَةِ، وَلَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُهَا، وَلَا نَعِيمَ إِلَّا نَعِيمُهَا، فَاغْفِرْ ذُنُوبَنَا، وَاسْتُرْ عُيُوبَنَا، وَارْضَ عَنَّا رِضًا لَا سُخْطَ بَعْدَهُ، وَاجْمَعْ لَنَا بَيْنَ الرِّضَا مِنْكَ عَلَيْنَا وَالْجَنَّةِ. وَالْمَتَاعُ: مَا يَتَمَتَّعُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ ثُمَّ يَزُولُ وَلَا يَبْقَى، كَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ. الْغُرُورُ: الشَّيْطَانُ يغرّ الناس بالأماني الباطلة
(1) . «مات عبطة» : أي شابا صحيحا.
وَالْمَوَاعِيدِ الْكَاذِبَةِ، شَبَّهَ سُبْحَانَهُ الدُّنْيَا بِالْمَتَاعِ الَّذِي يُدَلَّسُ بِهِ عَلَى مَنْ يُرِيدُهُ، وَلَهُ ظَاهِرٌ مَحْبُوبٌ وَبَاطِنٌ مَكْرُوهٌ.
قَوْلُهُ: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ هَذَا الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتِهِ تَسْلِيَةً لَهُمْ عَمَّا سَيَلْقَوْنَهُ مِنَ الْكَفَرَةِ وَالْفَسَقَةِ، لِيُوَطِّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الثَّبَاتِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَكَارِهِ. وَالِابْتِلَاءُ: الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ، وَالْمَعْنَى:
لَتُمْتَحَنُنَّ، وَلَتُخْتَبَرُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ بِالْمَصَائِبِ، وَالْإِنْفَاقَاتِ الْوَاجِبَةِ، وَسَائِرِ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَمْوَالِ.
وَالِابْتِلَاءُ فِي الْأَنْفُسِ: بِالْمَوْتِ وَالْأَمْرَاضِ، وَفَقْدِ الْأَحْبَابِ، وَالْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، دَلَّتْ عَلَيْهِ اللَّامُ الْمُوطِئَةُ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا وَهُمْ سَائِرُ الطَّوَائِفِ الْكُفْرِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَذىً كَثِيراً مِنَ الطَّعْنِ فِي دِينِكُمْ وَأَعْرَاضِكُمْ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ ذلِكَ إلى الصبر والتقوى المدلول عليها بِالْفِعْلَيْنِ. وَعَزْمُ الْأُمُورِ: مَعْزُومَاتُهَا، أَيْ: مِمَّا يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَعْزِمُوا عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ اللَّهِ الَّتِي أَوْجَبَ عَلَيْهِمُ الْقِيَامَ بِهَا، يُقَالُ: عَزَمَ الْأَمْرَ: أَيْ شَدَّهُ وَأَصْلَحَهُ. قَوْلُهُ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ هَذِهِ الْآيَةُ تَوْبِيخٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، أَوِ الْيَهُودُ فَقَطْ، عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ- وَالظَّاهِرُ:
أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ: كُلُّ مَنْ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمَ شَيْءٍ مِنَ الْكِتَابِ، أَيِّ كِتَابٍ كَانَ، كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْرِيفُ الْجِنْسِيُّ فِي الْكِتَابِ. قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: إِنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ لِكُلِّ عَالِمٍ، وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَوْلَا مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: لَتُبَيِّنُنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْكِتَابِ وَقِيلَ: رَاجِعٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ، لِأَنَّ اللَّهَ أَخَذَ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنْ يُبَيِّنُوا نُبُوَّتَهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُوهَا فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ:«لَيُبَيِّنُنَّهُ» بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
وَإِذْ أخذ الله ميثاق النبيّين ليبيّننّه وَيُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ قَوْلُهُ: فَنَبَذُوهُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فَاعِلَهُ النَّاسُ. وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «لَتُبَيِّنُونَهُ» . وَالنَّبْذُ: الطَّرْحُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ. وَقَوْلُهُ: وَراءَ ظُهُورِهِمْ مُبَالَغَةٌ فِي النَّبْذِ وَالطَّرْحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي أُمِرُوا بِبَيَانِهِ وَنُهُوا عَنْ كِتْمَانِهِ. وَقَوْلُهُ: ثَمَناً قَلِيلًا أَيْ: حَقِيرًا يَسِيرًا مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا وَأَعْرَاضِهَا، قَوْلُهُ: فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ مَا: نَكِرَةٌ مَنْصُوبَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِفَاعِلِ بِئْسَ، وَيَشْتَرُونَ: صِفَةٌ، وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ: مَحْذُوفٌ، أَيْ: بِئْسَ شَيْئًا يَشْتَرُونَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ: بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ، وَالْخِطَابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ. وَقَوْلُهُ: بِما أَتَوْا أَيْ: بِمَا فَعَلُوا. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَالظَّاهِرُ شُمُولُهَا لِكُلِّ مَنْ حَصَلَ مِنْهُ مَا تَضَمَّنَتْهُ عَمَلًا بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ خُصُوصِ السَّبَبِ، فَمَنْ فَرِحَ بِمَا فَعَلَ، وَأَحَبَّ أَنْ يَحْمَدَهُ النَّاسُ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ، فَلَا تَحْسَبَنَّهُ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو:«لَا يَحْسَبَنَّ» بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، أَيْ: لَا يَحْسَبَنَّ الْفَارِحُونَ فَرَحَهُمْ مُنْجِيًا لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، فَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ فَرَحُهُمْ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي: بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ، وَقَوْلُهُ: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ تَأْكِيدٌ لِلْفِعْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ،
وَالْمَفَازَةُ: الْمَنْجَاةُ، مَفْعَلَةٌ، مِنْ: فَازَ، يَفُوزُ، إِذَا نَجَا، أَيْ: لَيْسُوا بِفَائِزِينَ، سُمِّيَ مَوْضِعُ الْخَوْفِ مَفَازَةً عَلَى جِهَةِ التَّفَاؤُلِ، قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَفْوِيزٍ وَمَظِنَّةُ هَلَاكٍ، تَقُولُ الْعَرَبُ: فَوْزُ الرَّجُلِ: إِذَا مَاتَ. قَالَ ثَعْلَبٌ: حَكَيْتُ لِابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَوْلَ الْأَصْمَعِيِّ فَقَالَ: أَخْطَأَ. قَالَ لِي أَبُو الْمَكَارِمِ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ مَفَازَةً لِأَنَّ مَنْ قَطَعَهَا فَازَ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: بَلْ لِأَنَّهُ مُسْتَسْلِمٌ لِمَا أَصَابَهُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: لَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ مِنَ الْعَذَابِ، لِأَنَّ الْفَوْزَ التَّبَاعُدُ عَنِ الْمَكْرُوهِ. وَقَرَأَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَالْأَعْمَشُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ:«آتَوْا» بِالْمَدِّ، أَيْ: يَفْرَحُونَ بِمَا أَعْطَوْا. وَقَرَأَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةُ وَغَيْرُهُمْ: «أَتَوْا» بِالْقَصْرِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَنَّادٌ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مَوْضِعَ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَالَ: هُوَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَكَانَ يُحَرِّضُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ فِي شِعْرِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْمَعُونَ مِنَ الْيَهُودِ قَوْلَهُمْ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ «1» ، ومن النصارى قولهم: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ «2» وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ قَالَ: مِنَ الْقُوَّةِ مِمَّا عَزَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَمَرَكُمْ بِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلُهُ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ قَالَ: فِنْحَاصُ، وَأَشْيَعُ، وَأَشْبَاهُهُمَا مِنَ الْأَحْبَارِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ قَالَ: كَانَ اللَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي افْتَرَضَهُ عَلَى عِبَادِهِ. وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَنَبَذُوهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ قَالَ: مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: هَذَا مِيثَاقٌ أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ، فَمَنْ عَلِمَ علما فليعلمه الناس، وَإِيَّاكُمْ وَكِتْمَانَ الْعِلْمِ، فَإِنَّ كِتْمَانَ الْعِلْمِ هَلَكَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَوْلَا الْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِكَثِيرٍ مِمَّا تَسْأَلُونَ عَنْهُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ لِبَوَّابِهِ اذْهَبْ يَا رَافِعُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ مِنَّا فَرِحَ بِمَا أُوتِيَ، وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا، لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا لَكَمَ وَلِهَذِهِ الْآيَةِ، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ تَلَا وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَخَرَجُوا وَقَدْ أَرَوْهُ أَنْ قَدْ أَخْبَرُوهُ بِمَا سألهم عنه
(1) . التوبة: 30.
(2)
. التوبة: 30.