الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة النساء (4) : الآيات 49 الى 55]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (53)
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (55)
قَوْلُهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ تَعْجِيبٌ مِنْ حَالِهِمْ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ:
الْيَهُودُ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الَّذِي زَكَّوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، فَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُوَ قَوْلُهُمْ: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ «1» وَقَوْلُهُمْ: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى «2» وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ قَوْلُهُمْ: لَا ذُنُوبَ لَنَا وَنَحْنُ كَالْأَطْفَالِ وَقِيلَ: قَوْلُهُمْ: إِنَّ آبَاءَهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُمْ وَقِيلَ: ثَنَاءُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَمَعْنَى التَّزْكِيَةِ: التَّطْهِيرُ وَالتَّنْزِيهُ، فَلَا يَبْعُدُ صِدْقُهَا عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ وَعَلَى غَيْرِهَا، وَاللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ بِحَقٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا التَّلَقُّبُ بِالْأَلْقَابِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلتَّزْكِيَةِ: كَمُحْيِي الدِّينِ، وَعِزِّ الدِّينِ، وَنَحْوِهِمَا. قَوْلُهُ: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ أَيْ: ذَلِكَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، فَهُوَ الْعَالِمُ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ التَّزْكِيَةَ مِنْ عِبَادِهِ وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا، فَلْيَدَعِ الْعِبَادُ تَزْكِيَةَ أَنْفُسِهِمْ، وَيُفَوِّضُوا أَمْرَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّ تَزْكِيَتَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُجَرَّدُ دَعَاوَى فَاسِدَةٍ، تُحْمَلُ عَلَيْهَا مَحَبَّةُ النَّفْسِ، وَطَلَبُ الْعُلُوِّ، وَالتَّرَفُّعِ وَالتَّفَاخُرِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى «3» . قوله: وَلا يُظْلَمُونَ أَيْ: هَؤُلَاءِ الْمُزَكُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ فَتِيلًا وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي فِي نَوَاةِ التَّمْرِ، وَقِيلَ: الْقِشْرَةُ الَّتِي حَوْلَ النَّوَاةِ وَقِيلَ: هُوَ مَا يَخْرُجُ بَيْنَ أُصْبُعَيْكَ أَوْ كَفَّيْكَ مِنَ الْوَسَخِ إِذَا فَتَلْتَهُمَا، فَهُوَ فَتِيلٌ بِمَعْنَى مَفْتُولٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا: الْكِنَايَةُ عَنِ الشَّيْءِ الْحَقِيرِ، وَمِثْلُهُ: وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً وَهُوَ النُّكْتَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ يُعَاقَبُونَ عَلَى تَزْكِيَتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ بِقَدْرِ هَذَا الذَّنْبِ، وَلَا يُظْلَمُونَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَى مَنْ يَشاءُ أَيْ: لَا يُظْلَمُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُزَكِّيهِمُ اللَّهُ فَتِيلًا مِمَّا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ الثَّوَابِ، ثُمَّ عَجِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَزْكِيَتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ فَقَالَ: انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ.
وَالِافْتِرَاءُ: الِاخْتِلَاقُ، وَمِنْهُ: افْتَرَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ، أَيْ: رَمَاهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، وَفَرَيْتُ الشَّيْءَ: قَطَعْتُهُ، وَفِي قَوْلِهِ: وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً مِنْ تَعْظِيمِ الذَّنْبِ وَتَهْوِيلِهِ مَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ هَذَا تَعْجِيبٌ مِنْ حَالِهِمْ بَعْدَ التَّعْجِيبِ الْأَوَّلِ وَهُمُ الْيَهُودُ.
وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى الْجِبْتِ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: الْجِبْتُ: السَّاحِرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ الْجِبْتَ: السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتَ: الشَّيْطَانُ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ الْجِبْتَ وَالطَّاغُوتَ هَاهُنَا: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْجِبْتُ: الشَّيْطَانُ، وَالطَّاغُوتُ الْكَاهِنُ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الطَّاغُوتَ: مَا عُبِدَ من دون الله، والجبت: الشيطان وقيل:
(1) . المائدة: 18.
(2)
. البقرة: 111. [.....]
(3)
. النجم: 32.
هُمَا كَلُّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْ مُطَاعٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَأَصْلُ الْجِبْتِ: الْجِبْسُ «1» ، وهو الذي لا خير فِيهِ، فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ مِنَ السِّينِ قَالَهُ قُطْرُبٌ وَقِيلَ: الْجِبْتُ: إِبْلِيسُ، وَالطَّاغُوتُ: أَوْلِيَاؤُهُ. قَوْلُهُ: وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا قَوْلُهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ هَذَا تَعْجِيبٌ مِنْ حَالِهِمْ بَعْدَ التعجيب الأوّل، وهم اليهود، أَيْ: يَقُولُ الْيَهُودُ لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ: أَنْتُمْ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ سَبِيلًا، أَيْ: أَقْوَمُ دِينًا، وَأَرْشَدُ طَرِيقًا. وَقَوْلُهُ: أُولئِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْقَائِلِينَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ أَيْ: طَرَدَهُمْ وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً يَدْفَعُ عَنْهُ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَسُخْطِهِ. قَوْلُهُ: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ أَمْ: مُنْقَطِعَةٌ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، يَعْنِي:
لَيْسَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً وَالْفَاءُ: لِلسَّبَبِيَّةِ الْجَزَائِيَّةِ لِشَرْطٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ:
إِنْ جُعِلَ لَهُمْ نَصِيبٌ من الملك فإذن لا يعطون الناس نقيرا منه لشدّة بخلهم وقوّة حسدهم وقيل: المعنى:
بل لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ، عَلَى أَنَّ مَعْنَى أَمْ: الْإِضْرَابُ عَنِ الْأَوَّلِ وَالِاسْتِئْنَافِ لِلثَّانِي وَقِيلَ: هِيَ عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: أَهُمْ أَوْلَى بِالنُّبُوَّةِ مِمَّنْ أَرْسَلْتُهُ، أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ، فَإِذَنْ لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا؟
وَالنَّقِيرُ: النَّقْرَةُ فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ وَقِيلَ: مَا نَقَرَ الرَّجُلُ بِأُصْبُعِهِ كَمَا يَنْقُرُ الْأَرْضَ. وَالنَّقِيرُ أَيْضًا: خَشَبَةٌ تُنْقَرُ وَيُنْبَذُ فِيهَا. وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّقِيرِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَالنَّقِيرُ: الْأَصْلُ، يُقَالُ: فُلَانٌ كَرِيمُ النَّقِيرِ، أَيْ: كَرِيمُ الْأَصْلِ. وَالْمُرَادُ هُنَا: الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَالْمَقْصُودُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْحَقَارَةِ، كَالْقِطْمِيرِ وَالْفَتِيلِ. وَإِذَنْ هُنَا: مُلْغَاةٌ غَيْرُ عَامِلَةٍ، لِدُخُولِ فَاءِ الْعَطْفِ عَلَيْهَا، وَلَوْ نَصَبَ لَجَازَ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِذَنْ:
فِي عَوَامِلِ الْأَفْعَالِ بِمَنْزِلَةِ أَظُنُّ فِي عوامل الأسماء التي تلغى إذا لَمْ يَكُنِ الْكَلَامُ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَكَانَ الَّذِي بَعْدَهَا مُسْتَقْبَلًا نَصَبَتْ. قَوْلُهُ: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أَمْ:
مُنْقَطِعَةٌ مُفِيدَةٌ لِلِانْتِقَالِ عَنْ تَوْبِيخِهِمْ بِأَمْرٍ إِلَى تَوْبِيخِهِمْ بِآخَرَ: أَيْ: بَلْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ، يَعْنِي: الْيَهُودَ يَحْسُدُونَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَطْ، أَوْ يَحْسُدُونَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالنَّصْرِ وَقَهْرِ الْأَعْدَاءِ. قَوْلُهُ:
فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ هَذَا إِلْزَامٌ لِلْيَهُودِ بِمَا يَعْتَرِفُونَ بِهِ وَلَا يُنْكِرُونَهُ، أَيْ: لَيْسَ مَا آتَيْنَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ مِنْ فَضْلِنَا بِبِدْعٍ حَتَّى يَحْسُدَهُمُ الْيَهُودُ عَلَى ذَلِكَ، فَهُمْ يَعْلَمُونَ بِمَا آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ، وَهُمْ أَسْلَافُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ. وَالْمُلْكِ الْعَظِيمِ: قِيلَ: هُوَ مُلْكُ سُلَيْمَانَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فَمِنْهُمْ أَيِ: الْيَهُودِ مَنْ آمَنَ بِهِ أي: بالنبي صلى الله عليه وسلم وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ أَيْ: أَعْرَضَ عَنْهُ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي بِهِ: رَاجِعٌ إِلَى مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِيثِ آلِ إِبْرَاهِيمَ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ. وَالْمَعْنَى: فَمِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ مَنْ آمَنَ بِإِبْرَاهِيمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الْكِتَابِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً أَيْ: نَارًا مُسَعَّرَةً.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: إن آباءنا قد توفوا وهم لنا
(1) . قال في لسان العرب: الجبس: الجبان الفدم، وقيل: الضعيف اللئيم، وقيل: الثقيل الذي لا يجيب إلى خير.
قُرْبَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَسَيَشْفَعُونَ لَنَا وَيُزَكُّونَنَا، فَقَالَ الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ يُقَدِّمُونَ صِبْيَانَهُمْ يُصَلُّونَ بِهِمْ، وَيُقَرِّبُونَ قُرْبَانَهُمْ، وَيَزْعُمُونَ:
أَنَّهُمْ لَا خَطَايَا لَهُمْ وَلَا ذُنُوبَ، وكذبوا. قال الله: إني لا أطهر ذَا ذَنْبٍ بِآخَرَ لَا ذَنْبَ لَهُ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ التَّزْكِيَةَ:
قَوْلُهُمْ: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ «1» وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى «2» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا قَالَ:
الْفَتِيلُ: مَا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ الْأُصْبُعَيْنِ. وَفِي لَفْظٍ آخَرَ عَنْهُ: هُوَ أَنْ تُدَلِّكَ بَيْنَ أُصْبُعَيْكَ، فَمَا خَرَجَ مِنْهُمَا فَهُوَ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ قَالَ: النَّقِيرُ: النَّقْرَةُ تَكُونُ فِي النَّوَاةُ الَّتِي نَبَتَتْ مِنْهَا النَّخْلَةُ. وَالْفَتِيلُ: الَّذِي يَكُونُ عَلَى شِقِّ النَّوَاةِ. وَالْقِطْمِيرُ: الْقِشْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى النَّوَاةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ: قَالَ: الْفَتِيلُ: الَّذِي فِي الشِّقِّ الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ عَلَى قُرَيْشٍ فحالفوهم عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالُوا لَهُمْ: أَنْتُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ وَأَهْلُ الْكِتَابِ فَأَخْبِرُونَا عَنَّا وَعَنْ مُحَمَّدٍ، قَالُوا: مَا أَنْتُمْ وَمَا مُحَمَّدٌ؟
قَالُوا: نَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ، وَنَسْقِي اللَّبَنَ عَلَى الْمَاءِ، وَنَفُكُّ الْعُنَاةَ، وَنَسْقِي الْحَجِيجَ، وَنَصِلُ الْأَرْحَامَ، قَالُوا:
فَمَا مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: صُنْبُورٌ، أَيْ: فَرْدٌ ضَعِيفٌ، قَطَعَ أَرْحَامَنَا، وَاتَّبَعَهُ سُرَّاقُ الْحَجِيجِ بَنُو غِفَارٍ فَقَالُوا:
لَا بَلْ أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَهْدَى سَبِيلًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ بِلَفْظٍ آخَرَ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ.
وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الْجِبْتُ وَالطَّاغُوتُ صَنَمَانِ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُمَرَ فِي تَفْسِيرِ الْجِبْتِ والطاغوت ما قدّمناه عَنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْجِبْتُ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَالطَّاغُوتُ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْجِبْتُ: الْأَصْنَامُ، وَالطَّاغُوتُ: الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ الْأَصْنَامِ يُعَبِّرُونَ عَنْهَا الْكَذِبَ لِيُضِلُّوا النَّاسَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْجِبْتُ:
اسْمُ الشَّيْطَانِ بِالْحَبَشِيَّةِ، وَالطَّاغُوتُ: كُهَّانُ الْعَرَبِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ قَالَ: فَلَيْسَ لهم نصيب، ولو كان لهن نَصِيبٌ لَمْ يُؤْتُوا النَّاسَ نَقِيرًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: النَّقِيرُ: النُّقْطَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: زَعَمَ مُحَمَّدٌ: أَنَّهُ أُوتِيَ مَا أُوتِيَ فِي تَوَاضُعٍ وَلَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ وَلَيْسَ لَهُ هِمَّةٌ إِلَّا النِّكَاحَ، فَأَيُّ مُلْكٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ إِلَى قَوْلِهِ: مُلْكاً عَظِيماً يَعْنِي: مُلْكَ سُلَيْمَانَ. وَأَخْرَجَ عبد بن حميد،
(1) . المائدة: 18.
(2)
. البقرة: 111.