الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَنَحْنُ آمِنُونَ لَا نَخَافُ شَيْئًا رَكْعَتَيْنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلَ قَوْمٌ مِنَ التُّجَّارِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ فَكَيْفَ نُصَلِّي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ثُمَّ انْقَطَعَ الْوَحْيُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَوْلٍ غَزَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر، فقال المشركون: قد أمنكم مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ مِنْ ظُهُورِهِمْ هَلَّا شَدَدْتُمْ عَلَيْهِمْ؟
فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ لَهُمْ أُخْرَى مِثْلَهَا فِي أَثَرِهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً. وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً فَنَزَلَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، والحاكم عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعُسْفَانَ، فَاسْتَقْبَلَنَا الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَهُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَصَلَّى بِنَا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، فَقَالُوا: قَدْ كَانُوا عَلَى حَالٍ لَوْ أَصَبْنَا غِرَّتَهُمْ، ثُمَّ قَالُوا: تَأْتِي عَلَيْهِمُ الْآنَ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ثُمَّ ذَكَرَ صِفَةَ الصَّلَاةِ الَّتِي صلوها مع النبي صلى الله عليه وسلم. وَالْأَحَادِيثُ فِي صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ مُسْتَوْفَاةٌ فِي مَوَاطِنِهَا، فَلَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهَا هَاهُنَا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، كان جريحا.
[سورة النساء (4) : الآيات 103 الى 104]
فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (104)
قَضَيْتُمُ بِمَعْنَى: فَرَغْتُمْ مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِي الْقَضَاءِ، وَمِثْلُهُ: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ «1» فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ «2» قوله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ «3» أَيْ: فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، حَتَّى فِي حَالِ الْقِتَالِ. وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: إِلَى أَنَّ هَذَا الذِّكْرَ الْمَأْمُورَ بِهِ إِنَّمَا هُوَ أَثَرُ صَلَاةِ الْخَوْفِ، أَيْ: إِذَا فَرَغْتُمْ مِنَ الصَّلَاةِ فَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ: إِذَا صَلَّيْتُمْ فَصَلُّوا قِيَامًا وَقُعُودًا أَوْ عَلَى جَنُوبِكُمْ، حَسْبَمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ عِنْدَ مُلَاحَمَةِ الْقِتَالِ، فَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً «4» . قَوْلُهُ: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ أَيْ: أَمِنْتُمْ وَسَكَنَتْ قُلُوبُكُمْ، وَالطُّمَأْنِينَةُ: سُكُونُ النَّفْسِ مِنَ الْخَوْفِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أي: فأتوا بِالصَّلَاةِ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا عَلَى الصِّفَةِ الْمَشْرُوعَةِ من الأذكار والأركان، ولا تغفلوا مَا أَمْكَنَ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الْخَوْفِ.
وَقِيلَ: الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ: أَنَّهُمْ يَقْضُونَ مَا صَلَّوْهُ فِي حَالِ الْمُسَايَفَةِ، لِأَنَّهَا حَالَةُ قَلَقٍ وَانْزِعَاجٍ وَتَقْصِيرٍ فِي الْأَذْكَارِ وَالْأَرْكَانِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ. إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً أَيْ: مَحْدُودًا مُعَيَّنًا، يُقَالُ: وَقَتَهُ فَهُوَ مَوْقُوتٌ وَوَقَّتَّهُ فهو مؤقّت. وَالْمَعْنَى: إِنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَى عِبَادِهِ الصَّلَوَاتِ،
(1) . البقرة: 200.
(2)
. الجمعة: 10.
(3)
. البقرة: 239.
(4)
. البقرة: 239.