الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالدِّينِ. وَالْحَقُّ مَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ بِهِ فِي القرآن، وما خالفه في التوراة أو الإنجيل أَوِ الزَّبُورِ فَهُوَ مِنْ تَحْرِيفِ الْمُحَرِّفِينَ، وَتَلَاعُبِ الْمُتَلَاعِبِينَ. وَمِنْ أَعْجَبِ مَا رَأَيْنَاهُ أَنَّ الْأَنَاجِيلَ الْأَرْبَعَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَنْسُوبٌ إِلَى وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى عليه السلام.
وَحَاصِلُ مَا فِيهَا جَمِيعًا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ ذَكَرَ سِيرَةَ عِيسَى مِنْ عِنْدِ أَنْ بَعْثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ رَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَذَكَرَ مَا جَرَى لَهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَالْمُرَاجَعَاتِ لِلْيَهُودِ وَنَحْوِهِمْ، فَاخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمْ، وَاتَّفَقَتْ مَعَانِيهَا، وَقَدْ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحِفْظُ وَالضَّبْطُ، وَذَكَرَ مَا قَالَهُ عِيسَى وَمَا قِيلَ لَهُ، وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ، وَلَا أَنْزَلَ عَلَى عِيسَى مِنْ عِنْدِهِ كِتَابًا، بَلْ كَانَ عِيسَى عليه السلام يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ وَيَذْكُرُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا يُخَالِفُهَا، وَهَكَذَا الزَّبُورُ فَإِنَّهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ مِنْ كَلَامِ دَاوُدَ عليه السلام. وَكَلَامُ اللَّهِ أَصْدَقُ، وَكِتَابُهُ أَحَقُّ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا: أَنَّ الْإِنْجِيلَ كِتَابُهُ أَنْزَلَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَأَنَّ الزَّبُورَ كِتَابُهُ آتَاهُ دَاوُدَ وَأَنْزَلَهُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ أَيْ: انْتَهُوا عَنِ التَّثْلِيثِ، وَانْتِصَابُ خَيْراً هُنَا فِيهِ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي قوله: فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ. وإِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ لا شريك له، صاحبة ولا ولدا سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ أَيْ: أُسَبِّحُهُ تَسْبِيحًا عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَمَا جَعَلْتُمُوهُ لَهُ شَرِيكًا أَوْ وَلَدًا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ، وَالْمَمْلُوكُ الْمَخْلُوقُ لَا يَكُونُ شَرِيكًا ولا ولدا وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا فكلّ الْخَلْقُ أُمُورَهُمْ إِلَيْهِ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا ولا نفعا.
وقد أخرج إِسْحَاقَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمْ: «إِنِّي وَاللَّهِ أَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا: مَا نَعْلَمُ ذَلِكَ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ الْآيَةَ» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْ أَبِي مُوسَى: أَنَّ النَّجَاشِيَّ قَالَ لِجَعْفَرٍ: مَا يَقُولُ صَاحِبُكَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ؟ قَالَ: يَقُولُ فِيهِ: قَوْلَ اللَّهِ، هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، أَخْرَجَهُ مِنَ الْبَتُولِ الْعَذْرَاءِ، لَمْ يَقْرَبْهَا بَشَرٌ. فَتَنَاوَلَ عُودًا مِنَ الْأَرْضِ فَرَفَعَهُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ! مَا يَزِيدُ هَؤُلَاءِ عَلَى مَا تَقُولُونَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ مَا يَزِنُ هَذِهِ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ الله ورسوله» .
[سورة النساء (4) : الآيات 172 الى 175]
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175)
أَصْلُ يَسْتَنْكِفُ: نَكَفَ، وَبَاقِي الْحُرُوفِ زَائِدَةٌ، يُقَالُ: نَكَفْتُ مِنَ الشَّيْءِ، وَاسْتَنْكَفْتُ مِنْهُ، وَأَنْكَفْتُهُ، أَيْ: نَزَّهْتُهُ عَمَّا يُسْتَنْكَفُ مِنْهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: اسْتَنْكَفَ، أَيْ: أَنِفَ، مَأْخُوذٌ مَنْ نَكَفْتُ الدَّمْعَ: إِذَا نَحَّيْتُهُ بِأُصْبُعِكَ عَنْ خَدَّيْكَ وَقِيلَ: هُوَ مِنَ النَّكَفِ، وَهُوَ الْعَيْبُ، يُقَالُ: مَا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْأَمْرِ نَكَفٌ وَلَا وَكَفٌ.
أَيْ: عَيْبٌ. ومعنى الأوّل: لم يَأْنَفَ عَنِ الْعُبُودِيَّةِ وَلَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهَا. وَمَعْنَى الثَّانِي: لَنْ يَعِيبَ الْعُبُودِيَّةَ وَلَنْ يَنْقَطِعَ عَنْهَا. لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
: عَطْفٌ عَلَى الْمَسِيحِ، أَيْ: وَلَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ عَنْ أَنْ يَكُونُوا عِبَادًا الله.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا: الْقَائِلُونَ بِتَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَقَرَّرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَجْهَ الدَّلَالَةِ بِمَا لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ، وَادَّعَى أَنَّ الذَّوْقَ قَاضٍ بِذَلِكَ، وَنِعْمَ، الذَّوْقُ الْعَرَبِيُّ إِذَا خَالَطَهُ مَحَبَّةُ الْمَذْهَبِ، وَشَابَهَ شَوَائِبُ الْجُمُودِ، كان هذا، وَكُلُّ مَنْ يَفْهَمُ لُغَةَ الْعَرَبِ يَعْلَمُ أَنَّ مَنْ قَالَ: لَا يَأْنَفُ مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ إِمَامٌ وَلَا مَأْمُومٌ، أَوْ لَا كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ، أَوْ لَا جَلِيلٌ وَلَا حَقِيرٌ، ثُمَّ يَدُلُّ هَذَا: عَلَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ أَعْظَمُ شَأْنًا مِنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَمَا أَرْدَأَ الِاشْتِغَالَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَا أَقَلَّ فَائِدَتَهَا، وَمَا أَبْعَدَهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ مَرْكَزًا مِنَ المراكز الشرعية الدينية وجسرا من الجسور مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ
أَيْ: يَأْنَفُ تَكَبُّرًا ويعد نفسه كبيرا عن العبادةسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً
الْمُسْتَنْكِفُ وَغَيْرُهُ، فَيُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ. وَتَرَكَ ذِكْرَ غَيْرِ الْمُسْتَنْكِفِ هُنَا لِدَلَالَةِ أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَلِكَوْنِ الْحَشْرِ لِكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفُوتَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً بِسَبَبِ اسْتِنْكَافِهِمْ وَاسْتِكْبَارِهِمْ وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا يواليهم وَلا نَصِيراً ينصرهم. قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ بِمَا أَنْزَلَهُ عَلَيْكُمْ مِنْ كُتُبِهِ، وَبِمَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْكُمْ مِنْ رُسُلِهِ، وَمَا نَصُبُّهُ لَهُمْ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ. وَالْبُرْهَانُ: مَا يُبَرْهَنُ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَسَمَّاهُ نُورًا: لِأَنَّهُ يُهْتَدَى بِهِ مِنْ ظُلْمَةِ الضَّلَالِ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ أَيْ:
بِاللَّهِ، وَقِيلَ: بِالنُّورِ الْمَذْكُورِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ يَرْحَمُهُمْ بِهَا وَفَضْلٍ يَتَفَضَّلُ بِهِ عَلَيْهِمْ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ أَيْ: إِلَى امْتِثَالِ مَا أَمَرَ بِهِ، وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ، أَوْ إِلَيْهِ سبحانه وتعالى بِاعْتِبَارِ مَصِيرِهِمْ إِلَى جَزَائِهِ وَتَفَضُّلِهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً أَيْ: طَرِيقًا يَسْلُكُونَهُ إِلَيْهِ مُسْتَقِيمًا لَا عِوَجَ فِيهِ، وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِدِينِ الْإِسْلَامِ وَتَرْكِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَدْيَانِ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَيْهِ رَاجِعَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنِ اسْمِ اللَّهِ، وَقِيلَ: رَاجِعَةٌ إِلَى الْقُرْآنِ وَقِيلَ: إِلَى الْفَضْلِ وَقِيلَ: إِلَى الرَّحْمَةِ وَالْفَضْلِ، لِأَنَّهُمَا بِمَعْنَى الثَّوَابِ، وَانْتِصَابُ صِرَاطًا: عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِلْفِعْلِ الْمَذْكُورِ وَقِيلَ: عَلَى الْحَالِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ
لَنْ يَسْتَكْبِرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قَالَ: أُجُورُهُمْ:
يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ: الشَّفَاعَةُ فِيمَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارَ مِمَّنْ صَنَعَ إِلَيْهِمُ الْمَعْرُوفَ فِي الدُّنْيَا. وَقَدْ