الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَهُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَرَغَّبَهُمْ فِيهِ، وَحَذَّرَهُمْ عَذَابَ اللَّهِ وَنِقْمَتَهُ، فَقَالَ لَهُ رَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ: بَلْ نَتَّبِعُ يَا مُحَمَّدُ! مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا فَهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ وَخَيْرًا مِنَّا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الرَّبِيعِ، وَقَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: أَلْفَيْنا قَالَا: وَجَدْنَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةَ، قَالَ: كَمَثَلِ الْبَقَرِ وَالْحِمَارِ وَالشَّاةِ إِنْ قُلْتَ لِبَعْضِهِمْ كَلَامًا لم يعلم ما تقول غير أنه سمع صَوْتَكَ وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ إِنْ أَمَرْتَهُ بِخَيْرٍ أَوْ نَهَيْتَهُ عَنْ شَرٍّ أَوْ وَعَظْتَهُ لَمْ يَعْقِلْ مَا تَقُولُ غَيْرَ أَنَّهُ يَسْمَعُ صَوْتَكَ. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَخْرَجَهُ وَكِيعٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُمُ الْيَهُودُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ «1» إِلَى قَوْلِهِ: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ «2» .
[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)
قَوْلُهُ: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ هَذَا تَأْكِيدٌ لِلْأَمْرِ الأول، أعني قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُؤْمِنِينَ هُنَا لِكَوْنِهِمْ أَفْضَلَ أَنْوَاعِ النَّاسِ، قِيلَ: وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ:
الِانْتِفَاعُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ: الْأَكْلُ الْمُعْتَادُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ شَكَرَهُ وَشَكَرَ لَهُ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ. وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ أَيْ: تَخُصُّونَهُ بِالْعِبَادَةِ، كَمَا يُفِيدُهُ تَقَدُّمُ الْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: حُرِّمَ عَلَى البناء للمفعول وإِنَّما كَلِمَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِلْحَصْرِ تُثْبِتُ مَا تَنَاوَلَهُ الْخِطَابُ وَتَنْفِي مَا عَدَاهُ. وَقَدْ حَصَرَتْ هَاهُنَا التَّحْرِيمَ في الأمور المذكورة بعدها. وقوله: الْمَيْتَةَ قرأ ابن أبي عَبْلَةَ بِالرَّفْعِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجْعَلُ مَا فِي إِنَّما مَوْصُولَةً مُنْفَصِلَةً فِي الْخَطِّ، وَالْمَيْتَةَ وَمَا بَعْدَهَا خَبَرَ الْمَوْصُولِ، وَقِرَاءَةُ الْجَمِيعِ بِالنَّصْبِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ الْمَيِّتَةَ: بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي مَيِّتٍ التَّخْفِيفُ وَالتَّشْدِيدُ. وَالْمَيْتَةُ: مَا فَارَقَهَا الرُّوحُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ. وَقَدْ خُصِّصَ هَذَا الْعُمُومُ بِمِثْلِ حَدِيثِ: «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» أخرجه أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، والدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. وَمِثْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الْعَنْبَرِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ «3» فَالْمُرَادُ بِالْمَيْتَةِ هُنَا: مَيْتَةُ الْبَرِّ لَا مَيْتَةُ الْبَحْرِ. وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى جَوَازِ أَكْلِ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ حَيِّهَا وَمَيِّتِهَا. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ مَا يَحْرُمُ شَبَهُهُ فِي الْبَرِّ، وَتَوَقَّفَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي خِنْزِيرِ الْمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وأنا أتقيه ولا أراه حراما. وقوله:
وَالدَّمَ قَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الدَّمَ حَرَامٌ، وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى أَوْ دَماً مَسْفُوحاً «4» فيحمل المطلق
(1) . البقرة: 174.
(2)
. البقرة: 175.
(3)
. المائدة: 96.
(4)
. الأنعام: 145.
عَلَى الْمُقَيَّدِ، لِأَنَّ مَا خُلِطَ بِاللَّحْمِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: بِالْإِجْمَاعِ. وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تَطْبُخُ اللَّحْمَ فَتَعْلُو الصُّفْرَةُ عَلَى الْبُرْمَةِ مِنَ الدَّمِ، فَيَأْكُلُ ذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ولا ينكره. وقوله: وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ وَالْآيَةِ الْأُخْرَى أَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ «1» أَنَّ الْمُحَرَّمَ إِنَّمَا هُوَ اللَّحْمُ فَقَطْ. وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِهِ كَمَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّحْمَ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الشَّحْمُ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ الْإِجْمَاعَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ جُمْلَةَ الْخِنْزِيرِ مُحَرَّمَةٌ إِلَّا الشَّعَرَ فإنه تجوز الخرازة به. وقوله: وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ الْإِهْلَالُ: رَفْعُ الصَّوْتِ، يُقَالُ: أَهَلَّ بِكَذَا، أَيْ: رَفَعَ صَوْتَهُ قال الشاعر يصف فلاة:
يهلّ بِالْفَرْقَدِ رُكْبَانُهَا
…
كَمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ الْمُعْتَمِرُ
وَقَالَ النَّابِغَةُ:
أَوْ دُرَّةٍ صَدَفِيَّةٍ غَوَّاصُهَا
…
بَهِجٌ مَتَى يَرَهَا يُهِلَّ وَيَسْجُدِ
وَمِنْهُ: إِهْلَالُ الصَّبِيِّ، وَاسْتِهْلَالُهُ، وَهُوَ: صِيَاحُهُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ. وَالْمُرَادُ هُنَا: مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى إذا كان الذباح وَثَنِيًّا، وَالنَّارِ إِذَا كَانَ الذَّابِحُ مَجُوسِيًّا. وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ هَذَا وَأَمْثَالِهِ، وَمِثْلُهُ مَا يَقَعُ مِنَ الْمُعْتَقِدِينَ لِلْأَمْوَاتِ مِنَ الذَّبْحِ عَلَى قُبُورِهِمْ، فَإِنَّهُ مِمَّا أُهِلَ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذَّبْحِ لِلْوَثَنِ.
قَوْلُهُ: فَمَنِ اضْطُرَّ قريء بِضَمِّ النُّونِ لِلْإِتْبَاعِ، وَبِكَسْرِهَا عَلَى الْأَصْلِ فِي الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَفِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: فَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ بِإِدْغَامِ الضَّادِ فِي الطَّاءِ. وَقَرَأَ أَبُو السمال بِكَسْرِ الطَّاءِ. وَالْمُرَادُ مَنْ صَيَّرَهُ الْجُوعُ وَالْعَدَمُ إلى الاضطرار إلى الميتة. وقوله: غَيْرَ باغٍ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ.
قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْبَاغِي: مَنْ يَأْكُلُ فَوْقَ حَاجَتِهِ، وَالْعَادِي: مَنْ يَأْكُلُ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ وَهُوَ يَجِدُ عَنْهَا مَنْدُوحَةً وَقِيلَ: غَيْرَ بَاغٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَعَادٍ عَلَيْهِمْ، فَيَدْخُلُ فِي الْبَاغِي وَالْعَادِي: قُطَّاعُ الطَّرِيقِ، وَالْخَارِجُ عَلَى السُّلْطَانِ، وَقَاطِعُ الرَّحِمِ، وَنَحْوُهُمْ وَقِيلَ: الْمُرَادُ: غَيْرَ بَاغٍ عَلَى مُضْطَرٍّ آخَرَ وَلَا عَادٍ سَدَّ الْجَوْعَةَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ قَالَ: مِنَ الْحَلَالِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي الْآيَةِ: طَيِّبُ الْكَسْبِ لَا طَيِّبُ الطَّعَامِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ: أَنَّهَا حَلَالُ الرِّزْقِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المرسلين فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ «2» وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ «3» ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ:
يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما أُهِلَّ قَالَ: ذُبِحَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جرير عنه قال: وَما أُهِلَّ لِلطَّوَاغِيتِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ
(1) . الأنعام: 145.
(2)
. المؤمنون: 51.
(3)
. البقرة: 172.