الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في قتل الوزَغ وما جاء في قتل الحيات وغيرها مما يذكر
4513 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل وزغة في أول ضربة، فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الحسنة الأولى، ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة لدون الثانية" رواه مسلم
(1)
وأبو داود
(2)
والترمذي
(3)
وابن ماجه
(4)
.
4514 -
وفي رواية لمسلم
(5)
: "من قتل وزغا في أول ضربة كتبت له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك". وفي أخرى لمسلم
(6)
وأبي داود
(7)
أنه قال: "في أول ضربة سبعين حسنة".
[قال الحافظ]: وإسناد هذه الرواية الأخيرة منقطع لأن سهيلا قال: حدثتني أختي عن أبي هريرة، وفي بعض نسخ مسلم أخي، وعند أبي داود أخي أو أختي على الشك، وفي بعض نسخ أخي وأختي بواو العطف، وعلى كل
(1)
صحيح مسلم (146)(2240).
(2)
سنن أبي داود (5263).
(3)
سنن الترمذي (1482)، وقال: حديث حسن صحيح.
(4)
سنن ابن ماجه (3229).
(5)
صحيح مسلم (147)(2240).
(6)
صحيح مسلم (147).
(7)
سنن أبي داود (5264).
تقدير، فأولاد أبي صالح، وهم سهيل وصالح وعبادة وسودة ليس منهم من سمع من أبي هريرة، وقد وجد في بعض نسخ مسلم في هذه الرواية قال سهيل: حدثني أبي كما في الروايتين الأوليين، وهو غلط، والله أعلم.
[الوزغ]: هو الكبار من سام أبرص.
قوله: "عن أبي هريرة" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة دون الأولى".
قوله: "في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة أدنى من الأولى"، كذا رأيته، لفظة كذا وكذا ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي من كلام الراوي كنّى بها عن العدد الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كذا يكنى بها عن الشيء، تقول فعلت كذا وكذا، ويكون كناية عن العدد. وفي رواية مسلم: من قتل وزغا في أول ضربة كتبت له مائة حسنة، دون الأولى رواية لمسلم وأبي داود أنه قال في أول ضربة سبعين حسنة.
[قوله كأن الإشارة الإشارة بهذا إلى توفير ثواب الإقدام والشجاعة على الضعف والجبن والله أعلم]
(1)
. قال الحافظ: الوزغ هو الكبار من سام أبرص اهـ. وسام أبرص بتشديد الميم، وقيل سمي سامّ أبرص وزغا لخفته وسرعة
(1)
حصل تقديم لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت قبل قوله:(قوله: (في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة أدنى من الأولى)، كذا رأيته).
حركته، والوزغة بتحريك الزاي دويبة معروفة، قال أهل اللغة: الوزغ وسام أبرص، جنس فسام أبرص، هو كباره، وجمع الوزغة وزغ وأوزاغ ووزوغات [على البدل] وأزغان على البدل، حكاه ابن سيدة
(1)
وهو معرفة إلا أنه تعريف جنس وهما اسمان جعلا اسما واحدا. ويجوز فيه وجهان أحدهما: أن [تبنيهما] على الفتح كخمسة عشر، الثاني: أن تعرب الأول وتضيفه إلى الثاني ويكون الثاني مفتوحا لكونه لا ينصرف، وتقول في التثنية هذان ساما أبرص وفي الجمع هؤلاء سوام أبرص وإن شئت هؤلاء السَّوامُّ ولا تذكر أبرص، وإن شئت قلت هؤلاء البرصة والأبارص ولا [تذكر] سامّ. قال الشاعر:
والله لو كنت لهذا خالصًا
…
[ما كنتُ] عبدًا آكِلَ [للأبارصا] اهـ
واتفقوا أن الوزغ من الحشرات المؤذيات، وذكر أصحاب الآثار أن الوزغ أصم. قال: والسبب في صممه أنه كان ينفخ النار على إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما سيأتي ذكر ذلك في الأحاديث بعده، فصُمَّ بذلك وبرص، ومن طبعه أنه لا يدخل بيتا فيه رائحة زعفران وتألفه الحيات كما تألف العقارب الخنافس، وهو يلفح بفيه، ويبيض كما تبيض الحيات، ويقيم في جحره زمن الشتاء أربعة أشهر لا يطعم شيئا ومن شأنه إذا تمكن من الملح تمرغ فيه فيصير مادة لتولد البرص، اهـ. [قوله صلى الله عليه وسلم:"من قتل وزغا في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة"، وفي رواية: "مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة
(1)
تحرير ألفاظ التنبيه (1/ 167)، حياة الحيوان الكبرى (2/ 16).
دون ذلك"، وفي رواية: "في أول ضربة سبعون حسنة"، والوزغة دويبة مستخبثة، وتجمع على وزغ وأوزغ ووزغان وسامّ أبرص وهو كباره. والحكمة من قتلها ما يحصل منها من الضرر والأذى الذي عليه من الاستقذار والنفرة اللازمة للطباع، ولما يتقى، ولأنّ فيها سما أو شيئا يضر متناوله، ولما صحّ أنها أعانت على وقود نار إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالنفخ فيها لتشتعل، وهذا من نوع ما روي في الحية أنها أدخلت إبليس الجنة بين فكيها فعوقبت بأن أهبطت مع من هبط وجعلت العداوة بينها وبين بني آدم. وإنما سميت فويسقة لخروجها عن جنس الحيوانات بالضرر المذكور. وقيل لأنها خرجت عن حكم الحيوان المحترم شرعا، والفسق في اللغة الخروج مطلقا، وأنه اسم مذموم شرعا، قاله في المفهم
(1)
.
فائدة: اعلم أن القاعدة أنه كلما كثر العمل كثر الأجر، ولهما بالعكس كلما قلّ الضرب كثر الأجر، فقيل لشئمها وقيل الحضّ على المبادرة لقتلها وترك التواني لئلا تفوت.
قال في المفهم
(2)
: ويظهر لي أن قتلها وإن كان مأمورا به لكن لا يعذب بكثرة الضرب بل يبتغي أن يجهز عليها في أول ضربة، ويشهد لذلك النهي عن تعذيب الحيوان، والأمر بإحسان القتلة. قال النووي
(3)
: وأما تقييد
(1)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (18/ 37).
(2)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (18/ 37).
(3)
شرح النووي على مسلم (14/ 237).
الحسنات في الأول بمائة وفي الثانية بسبعين فجوابه من أوجه: سبق مثله في صلاة الجماعة. أحدها: أنه مفهوم عدد ولا يعمل به عند الجمهور، فذكر السبعين لا يبلغ المائة ولا معارضة بينهما]
(1)
.
[وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله وحث عليه ورغب فيه لكونه من المؤذيات. وأما سبب تكثير الثواب في قتله بأول ضربة ثم ما يليها فالمقصود منه الحق على المبادرة بقتله والاعتناء به وتحريض قاتله على أن يقتله بأول ضربة فإنه إذا أراد أن يضربه ضربات ربما انفلت وفات قتله، اهـ. وقال بعض العلماء أيضا: وسبب كثرة الحسنات [في]
(2)
المبادرة أن تكرر الضربات في القتل يدل على عدم الاهتمام بأمر صاحب الشرع إذ لو قوى عزمه واشتدت حميته لقتلها في المرة الأولى لأنه حيوان لطيف لا يحتاج إلى كثرة مؤنة في الضرب فحيث لم يقتلها في المرة الأولى دلّ ذلك على ضعف عزمه فلذلك نقص أجره عن المائة إلى السبعين. وعلل ابن عبد السلام كثرة الحسنات في الأول بأنه إحسان في القتل، فدخل في قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا قتلتم فأحسنوا القتلة"، [أو أنه] مبادرة إلى الخير فيدخل تحت قوله تعالى:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}
(3)
، قال: وعلى كلا المعنيين فالحية والعقرب أولى بذلك لعظم مفسدتها. اهـ.
وقال بعض العلماء: وأما تقييد الحسنات في الضربة الأولى بمائة وفي
(1)
هذه الفقرة مثبتة من النسخة الهندية وسقطت من الأصل.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
سورة البقرة، الآية:48.
الثانية بسبعين فجوابه من أوجه سبقت في فضل صلاة الجماعة وأنها تزيد على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة، وفي رواية بسبع وعشرين: أحدها أن هذا مفهوم العدد ولا يعمل به عن جماهير الأصوليين وغيرهم وسبق مثله في صلاة الجماعة في قوله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين وخمس وعشرين، فذكر السبعين لا يمنع المائة، فلا تعارض بينهما.
[والثاني: لعله أخبر بالسبعين ثم تصدق الله تعالى بالزيادة فأعلم بها النبي صلى الله عليه وسلم حين أوحي إليه بعد ذلك.
والثالث: أنه يختلف باختلاف قاتلي الوزغ بحسب نياتهم وإخلاصهم وكمال أحوالهم ونقصها فتكون المائة للكامل منهم والسبعون لغيره]
(1)
.
قال يحيى بن يعمر
(2)
: لأن أقتل مائة وزغة أحبّ إليّ من أن أعتق مائة رقبة، وإنما قال ذلك لأنها دابة سوء زعموا أنها تسقي الحياة وتمج في الإناء فينال الإنسان المكروه العظيم بذلك.
4515 -
وعن سائبة مولاة الفاكة بن المغيرة: "أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها فرأت في بيتها رمحا موضوعا، فقالت يا أم المؤمنين ما تصنعين بهذا؟ قالت:
(1)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(والثالث: أنه يختلف باختلاف قاتلي الوزغ بحسب نياتهم وإخلاصهم وكمال أحوالهم ونقصها [فتكون] المائة للكامل منهم [والسبعين لغيرهم]).
(2)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 546).
أقتل به الأوزاغ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار لم تكن دابة في الأرض إلا أطفأت النار عنه غير الوزغ، فإنه كان ينفخ عليه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله" رواه ابن حبان في صحيحه
(1)
والنسائي
(2)
بزيادة.
قوله: "وعن سائبة مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومي"، الحديث، سائبة على [وزن]، {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ}
(3)
، روت عن عائشة هذا الحديث الواحد وهو في مسند أبي يعلى الموصلي
(4)
.
قوله: "فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ألقي في النار لم تكن دابة في الأرض إلا أطفأت النار عنه غير الوزغ فإنه كان ينفخ عليه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله" الحديث. والقصة في تحريق إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ذكره الله تعالى في كتابه العزيز:{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)}
(5)
، والذي أشار
(1)
صحيح ابن حبان (5631) وأخرجه ابن أبي شيبة (19898)، وأحمد (24534 و 24780)، وابن ماجه (3231)، وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير (3/ 184)، والمزي في التهذيب (35/ 192 - 193)، والذهبي في الميزان (4/ 607)، وقال البوصيري: إسناده صحيح رجاله ثقات مصباح الزجاجة (3/ 239)، وصححه الألباني في الصحيحة (1581).
(2)
لم أجده.
(3)
سورة المائدة، الآية:103.
(4)
أبو يعلى (4357).
(5)
سورة الأنبياء، الآيتان: 68 - 69.
بإحراقه نمرود وقيل رجل من الأكراد من أعراب فارس أي من باديتها، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها ليوم القيامة. رُوي أنه لما أجمع رأيهم على تحريقه حبسه نمرود وأمر ببناء شبه الحظيرة له كوى وجمعوا شهرا أصناف الحطب الصلب حتى [كانت] المرأة لتغزل فتشتري [بمغزلها] حطبا وإن الرجل [ليمرض] فيقول إن عُوفيت لأجمعنّ حطبا لإبراهيم فاجتمع مما تبرع به الناس ومما [أجلب] للملك من الجبال والقرى حتى بلغوا من ذلك ما أرادوا فلما أرادوا أن يلقوا إبراهيم صلى الله عليه وسلم لم يدروا كيف يلقونه فجاءهم إبليس فدلهم على المنجنيق وهي أول منجنيق صنعت، فأخرجوه صلى الله عليه وسلم وشدّوه رباطا ووضع في كفه المنجنيق ورمي به فوقع في النار.
قال الواحدي: فبلغنا أن السماوات والأرض والجبال والملائكة قالوا: ربنا عبدك إبراهيم يحرق فيك. فقيل لهم: إن استغاث بكم فأغيثوه، فقال إبراهيم: حسبنا الله ونعم الوكيل. فنادى جبريل النار: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)} فلم تحرق منه سوى [وثاقه]. [وقال]
(1)
له جبريل حين رمي به هل لك حاجة؟ قال: أما إليك فلا. قال: فسل ربك. قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي. وروي أن جبريل عليه السلام ضرب النار وقال: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)}
(2)
فلم تبق يومئذ نار إلا طفئت ظنت أنها عنيت، والمعنى كوني ذات برد وسلامة، قاله في الديباجة. وذكر ابن
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
سورة الأنبياء، الآيتان: 68 - 69.
الفرات [الحنفي] في تاريخه أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ألقي في النار كان ابن ست عشرة سنة، وبعث الله عز وجل ملك الظل في صورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقعد في النار [في] جنب إبراهيم عليه السلام يُؤنسه، وأتاه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة. وقال يا إبراهيم إن ربك يقول لك أما علمت أن النار لا تحرق قميص أحبابي؟ وألبسه القميص. هذا ما اتفق من إبراهيم عليه السلام، اهـ. قال ابن عطية ويروى أن الغراب كان ينقل الحطب إلى نار إبراهيم وأن الوزغة كانت تنفخ عليه لتضرم وكذا البغل، [ويروى] أن الخطافة والضفدع والعضرفوط كانوا ينقلون الماء لتطفئ النار فأبقى الله على هذه وقاية وسلط على تلك النوائب والأيدي، اهـ. ورُوي
(1)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (8393) قال: أخبرنا أبو سعيد الشامي، عن أبان بن أبي عياش، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمنوا الضفدع، فإن صوته الذي تسمعون تسبيح، وتقديس، وتكبير، إن البهائم استأذنت ربها في أن تطفئ النار عن إبراهيم، فأذن للضفادع، فتراكبت عليه، فأبدلها الله بحر النار الماء" قال أحمد بن حنبل: صحيفة معمر، عن أبان، عن أنس، موضوعة. الجامع لأخلاق الراوي للخطيب 2/ 190. وأخرجه الطبراني في الصغير (521)، وفي الأوسط (3716)، وابن عدي في الكامل (6/ 388)، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (5/ 1744 رقم 7226)، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي (ص). قال الطبراني: لم يرفع هذا الحديث عن شعبة إلا حجاج، تفرد به المسيب بن واضح. وذكر الذهبي في الميزان (4/ 117) وقال: صوابه موقوف، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (8418)، وابن أبي شيبة في المصنف (23700) والخطيب في الموضح (2/ 219 - 220) البيهقي في السنن الكبرى (9/ 318) عن عبد الله بن عمرو بن العاص، موقوفًا، به. قال البيهقي: إسناده صحيح. انظر: علل الحديث (2510).
أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا الضفدع فإن صوته الذي تسمعون التقديس والتسبيح، إن البهائم استأذنت ربها في أن تطفئ النار عن إبراهيم عليه السلام فأذن للضفدع فتراكبت عليه فأبدلها الله تعالى بحر النار الماء، رواه صاحب الفردوس ولم يخرجه ولده في مسنده. قال بعضهم إظهار المحبة يوجب النعمة كما أن إظهار العداوة يوجب النقمة ألا ترى أن الوزغ حين نفخ النار على إبراهيم صلى الله عليه وسلم وكان نفخه لا يصل إلى النار ولا إلى قريب منها استوجب النقمة لإظهار العداوة والبغضة وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله وقال إنه كان ينفخ النار على إبراهيم كما رواه البخاري
(1)
وغيره.
4516 -
وعن أم شريك رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمر بقتل الأوزاغ، وقال كان ينفخ على إبراهيم" رواه البخاري
(2)
، واللفظ له ومسلم
(3)
والنسائي
(4)
باختصار ذكر النفخ.
قوله: "وعن أم شريك"، اسمها غزية بفتح المعجمة وكسر الزاي وشدّة التحتانية العامرية، ويقال الغفارية، ويقال الدوسية، ويقال الأنصارية، لها في الكتب الستة أربعة أحاديث هذا أحدها، واختلفوا في اسمها، فقيل غزيلة بنت [ذودان] بن عمرو ابن عامر بن [رواحة] بن منقذ بن عمرو، [وقيل
(1)
صحيح البخاري (3359).
(2)
صحيح البخاري (3307)، (3359).
(3)
صحيح مسلم (142)(2237).
(4)
سنن النسائي (5/ 209)، وابن ماجه (3228).
غزية بنت ذودان بن عوف،] وقيل غزية بنت جابر بن حكيم، ويقال هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وطلقها قبل أن يدخل بها. روى لها الجماعة سوى أبي داود.
[قال السهيلي: هي أم شريك الدوسية، وقد روي أنها عطشت في سفر فلم تجد ماء إلا عند يهودي فأبى أن يسقيها إلا أن تدين بدينه فأبت إلا أن تموت عطشا، فدليت لها دلو من السماء فشربت منها ثم رفعت الدلو وهي تنظر إليه؛ انتهى. وأم شريك الدوسية ذكرها ابن منده وأبو نعيم ولم يذكرها أبو عُمر، وحديثها عن أبي هريرة قال: كانت امرأة من دوس يقال لها أم شريك أسلمت في رمضان، فأقبلت تطلب من يصحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيت رجلا من اليهود فقال: ما لك يا أم شريك؟ قالت: أطلب من يصحبني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنا أصحبك، وذكر الحديث بطوله، وقال: كانت أم شريك وقع في قلبها الإسلام وهي بمكة وهي إحدى نساء قريش، وكانت تحت أبي العكبر الدوسي فأسلمت ثم جعلت تدخل على نساء قريش تدعوهن وترغبهن في الإسلام حتى ظهر أمرها بمكة فأخذوها وسيروها إلى قومها، وذكر الحديث بطوله.
وقال أبو الفرج: أم شريك بنت جابر بن حكيم الدوسية وهي التي وهبت نفسها النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت. وقال ابن عباس: وقع في نفس أم شريك الإسلام فأسلمت وهي بمكة ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرا فتدعوهن وترغبهن في الإسلام حتى ظهر أمرها لأهل مكة
فأخذوها وقالوا لها: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، ولكنا سنردك إليهم، فحملوني على بعير ليس تحتي شيء، ثم تركوني ثلاثا لا يطعموني ولا يسقوني، وكانوا إذا نزلوا منزلا أوقفوني في الشمس واستظلوا وحبسوا عني الطعام والشراب، فبينما هم قد نزلوا منزلا وأوقفوني في الشمس إذا أنا بأثر شيء على صدري فتناولته فإذا هو دلو من ماء فشربت منه قليلا ثم رفع مرارا ثم أفضيت سائره على جسدي وثيابي، فلما استيقظت فإذا هم بأثر الماء يرشح مني، فرأوني حسنة الهيئة، فقالوا فلما نظروا إلى أسقيتهم وسودة أم المؤمنين وجدوها كما تركوها فأسلموا عند سودة بنت زمعة بن فلس القرشية العامرية، كنيتها أم الأسود، وأسلمت بمكة وبايعت وأسلم زوجها وخرجا إلى الحبشة مهاجرين في الهجرة الثانية، ثم قدما مكة فمات بها زوجها مسلما فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان من عشرة من النبوة بعد وفاة خديجة، وماتت في آخر خلافة عمر رضي الله تعالى عنهم. وقال الواسطي: كان جميع من تزوج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثلاث عشرة امرأة، توفي قبله ثنتان: خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة أم المساكين، وثنتان لم يدخل بهما أسماء بنت النعمان الكندية وعمرة بنت يزيد الكلابية.
تنبيه: وأما التسع البواقي فتوفين بعده صلى الله تعالى عليه وسلم ورضي عنهن، وأقبلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأقبلت معهم. قال الراوي: ثم وهبت نفسها للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم بغير مهر فقيل أنه قبلها ودخل عليها،
والصحيح أنه لم يقبلها.]
(1)
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ وقال وكان ينفخ النار على إبراهيم صلى الله عليه وسلم" الحديث. قال ابن عطية
(2)
في تفسير قوله تعالى: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)}
(3)
، روي أن الغراب كان ينقل الحطب إلى نار إبراهيم عليه السلام وأن الوزغة كانت تنفخ عليه لتضرم وكذلك البغل، وروي أن الخطافة والضفدع والعرفوط كانوا ينقلون الماء لتطفئ النار فأبقى الله تعالى على هذه وقاية وسلط على تلك النوائب والأيدي، اهـ. وروى الطبراني
(4)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقتلوا الوزغ ولو في جوف الكعبة. لكن في إسناده عمرو بن قيس المكي وهو ضعيف. وفي حديث عائشة
(5)
لما احترق بيت المقدس كانت الأوزاغ تنفخه.
(1)
سقطت هذه الصحيفة من الأصل وأثبتت من النسخة الهندية.
(2)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج 4 ص 88.
(3)
سورة الأنبياء، الآيتان: 68 - 69.
(4)
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (6301)، وفي المعجم الكبير (11/ 202/ 11495)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 229): رواه الطبراني في الكبير وفيه عمر بن قيس المكي وهو ضعيف. مجمع الزوائد ج 4 ص 47): رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمر بن قيس المكي وهو ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1062)، وقال في السلسلة الضعيفة (2522) ضعيف جدًّا.
(5)
أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (2291)، والبيهقي (9/ 218)، وقال ابن حجر: قال البيهقي هذا موقوف صحيح قلت وحكمه الرفع لأنه لا يقال بغير توقيف وما كانت عائشة ممن يأخذ عن أهل الكتاب. انظر: تلخيص الحبير ج 4 ص 154.
وفي تاريخ ابن النجار
(1)
في ترجمة عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحيم الفقيه الشافعي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قتل وزغة محى الله عنه سبع خطيئات. وفي الكامل
(2)
في ترجمة وهب بن حفص عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من قتل وزغة فكأنما قتل شيطانا. وروى الحاكم
(3)
في كتاب الفتن والملاحم في المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له فأدخل عليه مروان فقال هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون ثم قال صحيح الإسناد.
4517 -
وعن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا" رواه مسلم
(4)
وأبو داود
(5)
.
قوله وعن عامر بن سعد عن أبيه هو عامر بن سعد بن أبى وقاص القرشي
(1)
مصنف عبد الرزاق (8394) الطبراني المعجم الأوسط (8900) ابن عدي في الكامل (5/ 340)، وقال ابن عدي: ولعبد الكريم بن أمية من الحديث غير ما ذكرت والضعف بين على كل ما يرويه، وقال الهيثمي مجمع الزوائد (ج 4 ص 47) رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف.
(2)
ابن عدي في الكامل (10/ 256) قال: وهذا يرويه وهب بن حفص بهذا الإسناد. انظر: حياة الحيوان الكبرى ج 2 ص 545.
(3)
المستدرك (4/ 479) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: لا والله وميناء كذبه أبو حاتم. الحديث موضوع، وكذا حكم عليه الألباني في الضعيفة (348).
(4)
صحيح مسلم (144)(2238).
(5)
سنن أبي داود (5262).
الزهري المدني التابعي، سمع أباه، وعثمان بن عفان، وابن عمر، وأسامة، وأبا سعيد، وأبا هريرة، وعائشة، وغيرهم، رضى الله عنهم. روى عنه ابنه داود، وسعيد بن المسيب، وخلق من التابعين. واتفقوا على توثيقه. توفي بالمدينة سنة ثلاث، وقيل: سنة أربع ومائة، وقيل غير ذلك
(1)
. قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا الحديث، والسرّ في قتله أنه لما ألقى إبراهيم عليه الصلاة والسلام في النار جعل كل شيء يطفئ عنه النار إلا الوزغ فإنه كان ينفخ عليه ناره، وأما تسميته فويسقا فنظيره الفواسق خمس التي تقتل في الحل والحرم وأصل الفسق الخروج عن الطاعة، وهذه المذكورات خرجت عن خلق معظم الحشرات ونحوها بزيادة الضرر والأذى.
4518 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل حية فله سبع حسنات، ومن قتل وزغا فله حسنة، ومن ترك حية مخافة عاقبتها فليس منا" رواه أحمد
(2)
وابن حبان في صحيحه
(3)
دون قوله: ومن ترك إلى آخره.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 256).
(2)
مسند أحمد (3984) وأخرجه الطبراني في الكبير (10/ 207) رقم (10492)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 45): رواه أحمد، والطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح إلا أن المسيب بن رافع لم يسمع من ابن مسعود، والله أعلم. قال العلاني في جامع التحصيل (ص 280): المسيب بن رافع قال أحمد بن حنبل لم يسمع من عبد الله بن مسعود شيئا. انظر: علل الحديث (2486)، والعلل (877) للدارقطني، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5748)، والضعيفة (4628).
(3)
صحيح ابن حبان (5630).
[قال الحافظ]: روياه عن المسيب بن رافع عن ابن مسعود، ولم يسمع منه.
قوله: "وعن ابن مسعود"، تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم:"من قتل حية فله سبع حسنات ومن ترك حية مخافة عاقبتها فليس منا" تقدم الكلام على قوله فليس منا.
4519 -
وروي عن أبي الأحوص الجشمي قال: "بينما ابن مسعود يخطب ذات يوم فإذا هو بحية تمشين على الجدار فقطع خطبته، ثم ضربها بقضيبه حتى قتلها، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قتل حية، فكأنما قتل مشركا قد حل دمه" رواه أحمد
(1)
وأبو يعلى
(2)
والطبراني
(3)
مرفوعا وموقوفا، والبزار إلا أنه قال:"من قتل حية أو عقربا".
قوله: "وروي عن أببي الأحوص الجشمي" أبو الأحوص اسمه عوف بن
(1)
أخرجه أحمد (3746)، (3996).
(2)
مسند أبي يعلى (5320 - 5321).
(3)
الطبراني في المعجم الكبير (10/ 106)(10109)، وأخرجه الطيالسي (42)، وابن حبان في المجروحين (3/ 150)، والطحاوي في المشكل (7/ 372)، وأبو أحمد الحاكم في الكنى (2/ 90)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 46) رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار بنحوه، والطبراني في الكبير مرفوعا، وموقوفا، قال البزار في حديثه، وهو مرفوع: من قتل حية أو عقربا. وهو في موقوف الطبراني. ورجال البزار رجال الصحيح. إتحاف الخيرة المهرة (2/ 290) رواه أبو يعلى وأحمد بن حنبل والبزار، كلهم من طريق أبي الأعين العبدي، وهو ضعيف، ورواه الطبراني مرفوعا وموقوفا، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو داود الطيالسي ومسدد وأحمد بن منيع. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5746)، وضعيف الترغيب والترهيب (1767).
مالك بن نضلة الأشجعي، أبو الأحوص الكوفي، من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن قتلته الخوارج في أيام الحجاج بن يوسف وثقه ابن معين، وغيره.
4520 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتلوا الحيات كلهن، فمن خاف نارهن فليس مني". رواه أبو داود
(1)
، والنسائي والطبراني
(2)
بأسانيد رواتها ثقات إلا أن عبد الرحمن ابن مسعود لم يسمع من أبيه.
قوله: "وعن ابن مسعود"، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اقتلوا الحيات كلهن فمن خاف ثأرهن فليس مني"، الحديث.
قوله: "كلهن" أي إلا ما استثنى كما سيأتي بيانه، قالت عائشة رضي الله عنها
(3)
من ترك حية خشية من ثأرها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". قوله: "ثأرهن" والثأر بالثاء المثلثة والهمز الذّحل يقال ثأرت القتيل وبالقتيل أي قتلت قاتله، والله أعلم. وقال بعض العلماء في قوله: فمن خاف ثأرهن الحديث، أي قيامهن ونهوضهن، يقال ثار الشيء أي قام ونهض، ثأرهن أي وثوبهنّ. عادة الناس أن يقولوا لا تقتلوا الحية فإنكم لو قتلتموها لجاء زوجها [ويقتلكم]، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا القول والاعتقاد
(1)
سنن أبي داود (5249)، وقال الألباني: صحيح.
(2)
سنن النسائي (6/ 51)، والطبراني في المعجم الكبير (9/ 351/ 9747)، (10/ 170/ 10355).
(3)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/ 387)، والفتاوى الحديثية (1/ 14).
فإنه لا أصل لهذا، انتهى. قوله صلى الله عليه وسلم:"فليس مني"، وفي حديث: فليس منا. قيل المراد فليس مثلنا فرارا من القول بتكفيره، وهذا كما يقول الأب لولده إذا أنكر منه [أخلاقا] أو أعمالا لست مني وكأنه من انتفاء الشيء لانتفاء ثمرته، والله تعالى أعلم. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحيات أمر ندب وهو عند أصحاب الشافعي للاستحباب سواء كان محرما أم لا وممن صرح بذلك الرافعي في الحج، اهـ. وروى البخاري
(1)
ومسلم
(2)
والنسائي
(3)
عن ابن مسعود قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار بمنى وقد نزلت عليه {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)}
(4)
فنحن نأخذها من فيه رطبة إذ خرجت علينا حية، فقال اقتلوها، فابتدرناها لنقتلها فسبقتنا، فقال صلى الله عليه وسلم: وقاها الله شركم كما وقاكم شرها. وعداوة الحية للإنسان معروفة، أي عداوة بيننا متأكدة لم نأمن غوائلهن منذ عرفناهن بالعداوة. وقيل في معناه ظهرت العداوة بيننا وبين الحيات منذ أدخلن إبليس ليوسوس أبانا آدم وأمنا حواء ولم يجر بينهن صلح بعد تلك العداوة. قال الله تعالى:{اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}
(5)
، وقال الجمهور الخطاب لآدم وحواء وإبليس والحية، وقد روى قتادة
(6)
عن النبي
(1)
صحيح البخاري (1830).
(2)
صحيح مسلم (137)(2234).
(3)
سنن النسائي (5/ 209).
(4)
سورة المرسلات، الآية:1.
(5)
سورة البقرة، الآية:36.
(6)
حياة الحيوان الكبرى (1/ 397).
-صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما [سالمناهن] منذ عاديناهن، وقال ابن [عُمر
(1)
]: من تركهن فليس منا. وتقدم، والحيات جمع حية وهو الجنس المعروف، لا يختص به نوع دون نوع، وتطلق الحية على الذكر والأنثى وإنما دخلت الهاء لأنه واحد من جنس كبطة ودجاجة.
فائدة: نقل السهيلي
(2)
عن المسعودي: أن الله تعالى لما أهبط الحية إلى الأرض أنزلها بسجستان فهي أكثر الأرض حيات ولولا العربد يأكلها ويفني كثيرا منها لخَلت من أهلها لكثرة الحيات. وقال كعب الأحبار
(3)
: أهبط الله تعالى الحية بأصبهان وإبليس بجدّة وحواء بعرفة وأهبط آدم بجبل سرنديب وهو بأعلى الصين في بحر الهند عال يراه البحريون من مسافة أيام وفيه أثر قدم آدم عليه السلام مغموسة في الحجر، ويرى على هذا الجبل كل ليلة كهيئة البرق من غير سحاب ولا بد لهم في كل يوم من مطر يغسل قدمي آدم عليه السلام ويقال أن الياقوت الأحمر يوجد في هذا الجبل تحدره السيول والأمطار إلى [الخصيص و] يوجد به الماس أيضا، وبه يوجد العود، كذا قاله القزويني
(4)
.
قلت: وهو قريب من جبل يقال له ساتيد بكسر التاء بعدها ياء ودال مهملة وهو متصل من بحر الروم إلى بحر الهند، [ليس بعدها ياء ودال
(1)
حياة الحيوان الكبرى (1/ 397).
(2)
حياة الحيوان الكبرى (1/ 387). غذاء الألباب شرح منظومة الأداب (2/ 43).
(3)
حياة الحيوان الكبرى (1/ 387).
(4)
حياة الحيوان الكبرى (1/ 387).
مهملة وهو متصل من بحر الروم إلى بحر الهند]
(1)
ليس يأتي يوم من الدهر إلا سفك عليه دم فسمي [سيأتى] دمًا لذلك وكان قيصر قد غزى كسرى وأتى بلاده فاحتال له حتى انصرف عنه فأتبعه كسرى في جنوده فأدركه [بساتيدما] فانهزموا مرعوبين من غير قتال فقتلهم قتل الكلاب ونجى قيصر ولم يكد، حكاه البكري في معجمه، وذكر الجوهري
(2)
نقلًا عن سيبويه كذلك وأنشدوا على ذلك:
لما رأت ساتيدما [استعبرت]
…
لله در اليوم من لامها
فائدة أخرى: وفي تفسير القرطبي
(3)
لسورة غافر عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن كعب الأحبار أنه قال لما خلق الله تعالى العرش قال: لم يخلق الله تعالى خلقا أعظم مني فاهتز فطوقه الله تعالى بحية لها سبعون ألف جناح في كل جناح سبعون ألف ريشة في كل ريشة سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف فم في كل فم سبعون ألف لسان يخرج من أفواهها كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر وعدد ورق الشجر وعدد الحصا والهوا وعدد أيام الدنيا وعدد الملائكة أجمعين، فالتوت الحية بالعرش، فالعرش إلى نصف الحية وهي ملتوية عليه، اهـ.
فائدة أيضًا: وزعموا أن الحية تعيش ألف سنة وهي كل سنة تسلخ جلدها
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2341).
(3)
تفسير القرطبي (15/ 295)، وانظر: حياة الحيوان الكبرى (1/ 391).
وتبيض ثلاثين بيضة على عدد أضلاعها فيجتمع عليها النمل فيفسدها ولا يصلح منها إلا القليل وإذا لدغتها العقرب ماتت وبيض الحيات مستطيل أكدر اللون وأخضر وأسود وأبيض وأرقط وفي بعضه نمش ولمع والسبب في اختلاف ذلك لا يعرف وداخله شيء كالصديد وهو في جوفها [منضد] طولا على خط واحد وليس للذكور سفاد معروف وإنما هو التواء بعضها على بعض ولسانها مشقوق وكذلك يظن بعض الناس أن لها لسانين وتبلع الفراخ من غير مضغ كما يفعل الأسد ومن شأنها إذا ابتلعت شيئا له عظم أتت شجرة أو نحوها فتلتوي عليها التواء شديدا حتى ينكسر ذلك في جوفها، ومن عادتها أنها إذا نهشت انقلبت فيتوهم بعض الناس أنها فعلت ذلك لتفرغ سمها وليس كذلك، ومن شأنها أنها إذا لم تجد طعاما عاشت بالنسيم وتقتات به الزمن الطويل وتبلغ الجهد من الجوع فلا تأكل إلا لحم الشيء الحي وهي إذا كبرت صغر جرمها ومن غرائب أمرها أنها لا ترد الماء ولا تريده إلا أنها لا تضبط نفسها عن الشراب إذا شمّته لما في طبعها من الشوق إليه، فهي إذا وجدته شربت منه حتى تسكر، وربما كان السكر سبب هلاكها. اهـ. لطيفة: قيل أن الرشيد نام ليلة فسمع قائلا يقول:
يا راقد الليل انتبه
…
إن الخطوب لها سُرَى
ثقة الفتى من نفسه
…
ثقة محللة العُرى
فاستيقظ فوجد المصابيح قد طفئت فأمر بالشموع فأوقدت ونظر فإذا هو بحية بقرب فراشه فقتلها. لطيفة أيضا: في عجائب المخلوقات أن الريحان
الفارسي لم يكن قبل كسرى [أنو] شروان، وإنما وجد في زمانه وسببه أنه كان ذات يوم جالسا للمظالم إذ أقبلت حية عظيمة تنساب تحت سريره فهموا بقتلها فقال كسرى كفوا عنها فإني أظنها مظلومة، فمرت تنساب حتى استدارت على فوهة بئر فنزلت فيها ثم أقبلت تتطلع فإذا في قعر البئر حية مقتولة وعلى متنها عقرب أسود، فأدلى بعض الأساورة [رمحه] إلى العقرب ونخسها به وأتى الملك يخبره بحال الحية، فلما كان في العام القابل أتت الحية في اليوم الذي كان كسرى جالسا فيه للمظالم وجعلت تنساب حتى وقعت ونفضت من فيها بذرا أسود فأمر الملك أن يزرع فنبت منه الريحان، وكان الملك كثير الزكام وأوجاع الدماغ فاستعمل منه فنفعه جدا، اهـ.
فائدة أيضا: وللحية أسماء كثيرة ذكر ابن خالويه لها مائة اسم، والحية أنواع منها الرقشاء وهي التي فيه نقط سود وبياض ويقال لها الرقطاء أيضا وهي من أخبث الأفاعي ومن أنواعها الحريش وشرها الأفاعي ومساكنها الرمال ومن أنواعها الأزعر وهو غالب فيها ومنها ما هو أذب ذو شعر ومنها ذوات القرون ومنها الشجاع ومنها العربد وهو حية عظيمة تأكل الحيات ومنها ذو الطفيتين والأبتر ومنها نوع يسمى الناظر متى وقع نظره على إنسان مات من ساعته ونوع آخر إذا سمع الإنسان [صوتها] مات ومنها الأصلت وهو عظيم جدًّا وله وجه كوجه الإنسان ويقال إنه يصير كذلك إذا مرت عليه ألوف من السنين ومن خاصية هذا أنه يقتل بالنظر أيضا، ومنها [الصلدي]
ويسمى الملكة وهو شديد الفساد [و] تحرق كل ما مرت عليه ولا ينتب حول حجرها شيء من الزرع أصلا وإذا حاذى مسكنها طائر سقط ولا يمر حيوان بقربها إلا هلك وتقتل بصفيرها على غلوة سهم ومن وقع عليه بصرها ولو من بعد مات ومن نهشه مات في الحال، وهي كثيرة ببلاد الترك، ومنها الصماء الشديدة الشر والصمَّة الذكر من الحيات وجمعه صمم وبه سمي والد دريد بن الصمة اهـ، وهذه الفوائد في حياة الحيوان
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل حية فكأنما قتل مشركا حل دمه وماله" تقدّم معناه.
4521 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما سالمناهن منذ حاربناهن، يعني الحيات، ومن ترك قتل شيء منهن خيفة فليس منا" رواه أبو داود
(2)
وابن حبان في صحيحه
(3)
.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما سالمناهن منذ حاربناهن" يعني الحيات، وفي رواية: ما سالمناهن منذ عاديناهن، معنى ما سالمناهن أي ما صالحناهن.
(1)
حياة الحيوان الكبرى (1/ 389).
(2)
أبو داود (5248).
(3)
ابن حبان (5644) والحديث؛ أخرجه أحمد (7360). (9586). والبزار (8372)، والطبري 1/ 574، والطبراني، في الأوسط (6223). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 47): رواه أبو داود باختصار. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد الله بن محمد بن عجلان، وهو ضعيف. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2983) وقال: حسن صحيح، وصحيح الجامع الصغير وزيادته (6141).
4522 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك الحيات مخافة طلبهن فليس منا ما سالمناهن منذ حاربناهن" رواه أبو داود
(1)
، ولم يجزم موسى بن مسلم راويه بأن عكرمة رفعه إلى ابن عباس.
قوله: "وعن ابن عباس" تقدم. قوله: "من ترك الحيات مخافة"، قوله:"فليس منا" تقدم الكلام على ذلك.
قوله: "إنا نريد أن نكسر زمزم وإن فيها من هذه الجنان" يعني الحيات الصغار، الحديث. وعن ابن مسعود قال
(2)
: اقتلوا الحيات كلها إلا الجنان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة، تقدم الكلام على زمزم في كتاب الحج، والجنان، [قال الحافظ]
(3)
بكسر الجيم وتشديد النون جمع جان، ويروى عن ابن عباس
(4)
أنه قال الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل، اهـ. فالمسخ هو قلب الخلقة من شيء إلى شيء، ومنه حديث
(1)
أخرجه أبو داود (5250)، وأخرجه عبد الرازق (19617)، وأحمد (2037)، (3254)، والطبراني (11/ 301/ 11801)، (11/ 270/ 11946)، والبغوي في شرح السنة، (3265) دون قوله: ما سالمناهن منذ حاربناهن. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2984)، وصحيح الجامع الصغير وزيادته (6141).
(2)
سنن أبي داود (5261)، وأخرجه ابن أبي شيبة (19907)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 30)، وقال: قول غريب حسن. وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (ص: 2)، والمشكاة (4142/ التحقيق الثاني).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
سبق.
الضباب
(1)
أن أمة من الأمم مسخت وأخشى أن [يكون] منها. قاله في النهاية
(2)
.
4523 -
وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا نريد أن نكنس زمزم، وإن فيها من هذه الجنان، يعني الحيات الصغار فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهن" رواه أبو داود
(3)
، وإسناده صحيح إلا أن عبد الرحمن بن سابط ما أراه سمع من العباس.
[الجنان] بكسر الجيم وتشديد النون جمع جان، وهي الحية الصغيرة كما في الحديث، وقيل: الدقيقة الخفيفة، وقيل: الدقيقة البيضاء، ويروى عن ابن عباس
(4)
الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل.
(1)
صحيح مسلم (50)(1951).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 329).
(3)
سنن أبي داود (5251)، وأخرجه الضياء في المختارة 8/ 372 من طريق أحمد بن منيع، بهذا الإسناد. وأخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1162) - قال المزي: عبد الرحمن بن سابط روى عن العباس بن عبد المطلب، وقيل: لم يسمع منه. تهذيب الكمال 17/ 123. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1768).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (19908)، وعبد الرازق في المصنف (19617) ومن طريقه أحمد (3254)، والبغوى في شرح السنة، (3265) موقوفا، وروي مرفوعا: أخرجه ابن حبان في صحيحه (5640)، والبزار في مسنده (1232/ كشف الأستار)، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (3255)، والطبراني في الكبير (11/ 270/ 11946)، والأوسط (4269)، وأبو الشيخ في العظمة (1085)، قال أبو زرعة الرازي: هذا الحديث هو موقوف، لا يرفعه إلا عبد العزيز بن المختار، ولا بأس بحديثه. علل =
قوله: "وعن العباس بن عبد المطلب" تقدم الكلام عليه في صلاة التسبيح مبسوطًا.
4524 -
وعن أبي ليلى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سئل عن جنان البيوت، فقال: إذا رأيتم منهن شيئا في مساكنكم فقولوا: أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم نوح، أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم سليمان أن لا تؤذونا، فإن عدن فاقتلوهن" رواه أبو داود
(1)
والترمذي
(2)
والنسائي
(3)
كلهم من رواية ابن أبي ليلى عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه، وقال الترمذي: حديت حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وابن أبي ليلى: هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يأتي.
قوله: "وعن ابن أبي ليلى"، وابن أبي ليلى هذا هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه الكوفي قاضيها، لا يحتج بحديثه. وأبو ليلى له صحبة، واسمه قيل يسار وقيل غير ذلك وكنيته [أشهر]
(4)
من اسمه، اهـ.
= الحديث (2372)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 46) رواه الطبراني في الكبير، والأوسط، والبزار بالاختصار، ورجاله رجال الصحيح. وقال ابن كثير: هذا حديث غريب جدا - وصححه الألباني في صحيح الجامع (3203)، والصحيحة (1824).
(1)
أبو داود (5260)، وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد (16/ 30)، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (5260)، وضعيف سنن الترمذي (252).
(2)
الترمذي (1556)، وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث ثابت البناني، إلا من هذا الوجه، من حديث ابن أبي ليلى.
(3)
النسائي في الكبرى (10738).
(4)
هكذا هذه العبارة في الأصل، وفي النسخة الهندية:(أشرف).
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن حيات البيوت"، الحديث. وفي حديث نافع الذي بعده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل جنان البيوت فأمسك، [الحديث]
(1)
. الجنان هي الحيات التي تكون في البيوت، واحدها جانّ، وهو الدقيق الخفيف، والجان الشيطان أيضا. وقد جاء ذكر الجان والجن والجنان في غير موضع من الحديث، وكانوا في الجاهلية يزعمون أن الجن تطلب بثأر الجان وهي الحية الدقيقة فربما مات قاتله وربما أصابه خبل، اهـ. قاله في النهاية. [قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "
…
"، إلى آخره، وهذا كيفية الإنذار، وفي بعض الأحاديث: "أنشدكن بالعهد"، بنون الإناث، وفيه زيادة: "ولا تؤذوننا"، وفي أسد الغابة
(2)
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا ظهرت الحية في المسكن فقولوا لها: إنا نسألك بعهد نوح وبعهد سليمان بن داود عليهم الصلاة والسلام لا تؤذوننا، فإن عادت فاقتلوها. و]
(3)
قوله: "وفي رواية للترمذي ولأبي داود قال أبو لبابة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي في البيوت إلا الأبتر وذي الطفيتين الحديث". قوله: "ويتبعان ما في بطون النساء"، أي يسقطانه وأطلق عنه التتبع مجازا ولعل فيهما طلبا لذلك جعله الله تعالى خصيصة فيهما، قاله في النهاية
(4)
.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
أسد الغابة (5/ 269).
(3)
سقطت هذه هذه الفقة من الأصل، وأثبتت من النسخة الهندية.
(4)
شرح النووي على صحيح مسلم (14/ 233).
قوله: "ويتبعان" قيل صوابه: يبتغيان [فيهما]، وهذا قريب من الأول، قاله عياض
(1)
.
أبو لُبابة بضم اللام بعدها باء موحدة ثم ألف ثم باء موحدة أيضا، هو ابن عبد المنذر الأنصاري الأوسي، واختلف في اسمه فقيل بشير وقيل رفاعة وهو الأصح وقيل غير ذلك، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، ومنهم من أطلق أنه بدري ومنهم من قال خرج إليها فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل من الروحاء، وأمَّره على المدينة وضرب له بسهمه وأجره. قال ابن عبد البر
(2)
: مات في خلافة علي، وقال غيره: مات بعد الخمسين، اهـ. ذكره العراقي شرح الأحكام
(3)
، وتقدم الكلام على قتل الجنان التي في البيوت، وسيأتي الكلام على الأبتر وذي الطفيتين والله أعلم.
4525 -
وَعَن نَافِع قَالَ كَانَ ابْن عمر يقتل الْحَيَّات كُلهنَّ حَتَّى حَدثنَا أَبُو لبَابَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهى عَن قتل جنان الْبيُوت فَأمْسك رَوَاهُ مُسلم
(4)
.
4526 -
وَفِي رِوَايَة لَهُ لأبي دَاوُد وَقَالَ أَبُو لبَابَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهى عَن قتل الْجنان الَّتِي تكون فِي الْبيُوت إِلَّا الأبتر وَذَا الطفيتين فَإِنَّهُمَا اللَّذَان يخطفان الْبَصَر ويتبعان مَا فِي بطُون النِّسَاء
(5)
.
(1)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 119).
(2)
الاستيعاب (1/ 285).
(3)
طرح التثريب في شرح التقريب (1/ 135).
(4)
أخرجه البخاري (4016)، ومسلم (132 و 133 و 134 و 135 و 136 - 2233).
(5)
أخرجه أبو داود (5252) والترمذي (1483). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في الصحيحة (3991) وصحيح الترغيب (2986).
4527 -
وعن أبي السائب: "أنه دخل على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في بيته قال: فوجدته يصلي، فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكا في عراجين في ناحية البيت فالتفت، فإذا حية، فوثبت لأقتلها، فأشار إلي أن أجلس فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس. قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار، فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوما فقال: خذ عليك سلاحك، فإني أخشى عليك قريظة، فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به، وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح، فانتظمها به، ثم خرج، فركزه في الدار، فاضطربت عليه، فما يدرى أيهما كان أسرع موتا: الحية أم الفتى؟ قال: فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرنا ذلك له، وقلنا: ادع الله أن يحييه لنا، فقال: استغفروا لصاحبكم، ثم قال: إن بالمدينة جنا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا، فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان".
4528 -
وفي رواية نحوه، وقال فيه:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئا، فحرجوا عليها ثلاثا، فإن ذهب، وإلا فاقتلوه فإنه كافر، وقال لهم: اذهبوا فادفنوا صاحبكم" رواه مالك
(1)
(1)
موطأ مالك (2/ 976/ 33).
ومسلم
(1)
وأبو داود
(2)
.
قوله: "وعن أبي السائب"، أبو السائب اسمه عبد الله ابن السائب ثقة.
قوله: "فسمعت تحريكا في عراجين في ناحية البيت" الحديث، أراد بالعراجين الأعواد التي في سقف البيت شبهها بالعراجين. قاله في النهاية
(3)
.
قوله: "فإذا حية فوثبت لأقتلها" الوثوب القيام إلى الشيء دفعة بسرعة والوثوب في غير لغة حمير بمعنى النهوض والقيام.
قوله: "حديث عهد بعرس" أي قريب عهد، [والعروس] يطلق على الرجل والمرأة ما داما في أعراسهما. قوله:"فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق"، والخندق هو خندق مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم حفره وأصحابه لما تحزبت عليهم الأحزاب، وقال البخاري في أول غزاة الخندق إنه في سنة أربع.
قوله: "فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار يرجع إلى أهله" الحديث. المراد بالأهل الزوجة. قال العلماء: هذا الاستئذان امتثال لقوله تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}
(4)
وأنصاف النهار بفتح الهمزة أي منتصفه وكأنه وقت لآخر النصف الأول وأول النصف الثاني فجمعه كما قالوا ظهور الترسين، وأما رجوعه إلى أهله
(1)
صحيح مسلم (139)(2236).
(2)
سنن أبي داود (5256).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 204).
(4)
سورة النور، الآية:62.
فليطالع حالهم ويقضي حاجتهم ويؤنس امرأته فإنها كانت عروسا كما ذكر في الحديث. قوله: "فاستأذنته فقال خذ عليك سلاحك فإني أخشى قريظة"، والسلاح ما أعددته للحرب من آلة الحديث مما يقاتل به والسيف وحده يسمى سلاحًا، يقال سلحته أسلحه إذا أعطيته سلاحًا وإن شدد فللتكثير وتسلح إذا لبس السلاح. قاله ابن الأثير في النهاية
(1)
. وقريظة: طائفة من اليهود من سكان حول المدينة السكينة.
قوله: "فقالت اكفف عليك رمحك"، اكفف معناه احفظ.
قوله: "فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به"، انتظمها معناه غرز الرمح في الحية حتى طوقها فيه فشبهه بالسلك الذي يدخل في الخرز، وفي الأساس رمى صيدا فانتظمه بسهم وطعنه فانتظم بساقيه أو جنبيه.
قوله: "فاضطربت عليه" معنى اضطربت تحركت على غير نظام، وهاجمته، وأصابته بسمها، ثم وقعت ميتة ووقع الفتى ميتا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن بالمدينة جنا قد أسلموا" الحديث.
فائدة: الجن أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة لها عقول وأفهام وقدرة على الأعمال الشاقة وهم خلاف الإنس، الواحد منهم جني، ويقال سميت بذلك لأنها تبقى ولا ترى. وروى الطبراني
(2)
بإسناد حسن عن
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 388).
(2)
أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (22/ 215/ 573)، وفي مسند الشاميين (1956)، وابن أبي حاتم -كما في ابن كثير في التفسير (6/ 499) - وأبو يعلى في المسند -كما في إتحاف =
أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الجن ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات، وصنف يَحِلُّون ويظعنون. وفي حديث أبي الدرداء
(1)
.
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله الجن ثلاثة أصناف صنف حيات وصنف عقارب وصنف خشاش الأرض وصنف كالريح في الهواء وصنف كبني آدم عليهم الحساب والعقاب، وخلق الله بني آدم ثلاثة أصناف صنف كالبهائم، قال الله تعالى:{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}
(2)
، وصنف أجسادهم أجساد بني آدم وأرواحهم أرواح الشياطين، وصنف في ظل الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله. الحكم أجمع المسلمون على أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الجن كما هو مبعوث إلى الإنس، قال الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ
= الخيرة المهرة- (6/ 55)، وابن حبان (6156)، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (5/ 1644)، والحاكم (2/ 495)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 137) والبيهقي في الأسماء والصفات (795)، وذكره ابن كثير في تفسيره (3/ 529) وقال: رفعه غريب جدًّا. قال المناوي (3/ 365): قال: العراقي: صحيح الإسناد. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 136): رواه الطبراني ورجاله وثقوا وفي بعضهم خلاف. وصححه الألباني في صحيح الجامع (3114).
(1)
أخرجه الحكيم في نوادره (1/ 50)، وابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان (86)، وفي الهواتف (156)، وأبو يعلى (المطالب 3454) وابن حبان في المجروحين (3/ 107) وأبو الشيخ في الطبقات (182)، وفي العظمة (5/ 1639)، وإسناده ضعيف لضعف أبي فروة الرهاوي وانظر الميزان (7/ 248)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2839).
(2)
سورة الأنعام، الآية:44.
هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}
(1)
، والجن بلغهم القرآن. وقال تعالى:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ}
(2)
، الآية. وقال تبارك وتعالى:{الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}
(3)
، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)}
(4)
، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [بَشِيرًا وَنَذِيرًا]}
(5)
.
وقال الجوهري
(6)
: الناس قد [تكون] من الإنس ومن الجن. وقال تعالى خطابا للفريقين: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32)}
(7)
، والثقلان الجن والإنس، سميا بذلك لأنهما ثقلا الأرض. وقيل: لأنهما مثقلان بالذنوب، وقال تعالى:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)}
(8)
، ولذلك قيل: إن من الجن مقربين وأبرارا كما أن من الإنس كذلك، وخالف في ذلك كذا. قوله صلى الله عليه وسلم:"فإذا رأيتم منها شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان"، الإيذان الإنذار. قال العلماء معناه:
(1)
سورة الأنعام، الآية:19.
(2)
سورة الأحقاف، الآية:29.
(3)
سورة الفرقان، الآية:1.
(4)
سورة الأنبياء، الآية:107.
(5)
سورة سبأ، الآية:28.
(6)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 987).
(7)
سورة الرحمن، الآيتان: 31 - 32.
(8)
سورة الرحمن، الآية:46.
إذا لم يذهب بالإنذار علمتم أنه ليس من عوامر البيوت ولا ممن أسلم من الجن بل هو شيطان فلا حرمة له فاقتلوه، ولن يجعل الله له سبيلا للانتصار عليكم بثأره بخلاف العوامر ومن أسلم، والله أعلم. وقال بعض العلماء: وهذا مختص بحيات المدينة [وحدها. وقيل بعمومه في حيات]
(1)
[والصحيح بحيات] جميع البلاد وهو الأصح، لا يقتل حتى ينذر. واختلف العلماء في الإنذار هل هو ثلاثة أيام أو ثلاث مرات والأول عليه الجمهور. وقال القاضي عياض
(2)
: قال مالك: أحب إلي أن ينذروا ثلاثة أيام، وقال عيسى بن دينار تنذر ثلاثة أيام وإن ظهرت في اليوم مرارا يريد فلا يقتصر على إنذارها ثلاث مرات في يوم واحد حتى يكون ذلك في ثلاثة أيام والله أعلم. وهو بالاتفاق مخصوص بالأبتر وذي الطفيتين فإنه يقتل على كل حال بالمدينة وغيرها في البيوت والصحاري.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لهذه البيوت عوامر" الحديث، وهذا يحتمل أن يكون أشار به إلى بيوت المدينة وهو الأظهر، ويحتمل أن يكون إلى جنس البيوت، والعوامر جمع عامر وهي التي تسكن العمران، يعني هذه الجنان ليست بحيات بل هي صنف من الجن يسكن البيوت، وقيل سميت عوامر لطول أعمارها. قاله في النهاية
(3)
.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 172).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 298).
وقال الجوهري
(1)
: عمار البيوت سكانها من الجن، ويقال لها الجنان وهي حيات طوال بيض قلما تضر ويقال لها العوامر. وعند الحنفية ينبغي أن لا تقتل الحية البيضاء لأنها من الجان. وقال ابن أبي ليلى الحية البيضاء التي تمشي مستوية هي الجنان، فتلك التي تنذر قبل قتلها، أما غيرها فلا تنذر بل [يقتل]. قال أبو جعفر الطحاويُّ: والمختار عند أصحابنا قتل الجميع بغير إنذار لحديث أبي هريرة الذي رويناه فإنه مطلق في حق الكل. قال لأنه بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم عهد ليلة الجن إلى الجن وأكد عليهم العهود والمواثيق أنهم لا يدخلون بيوت أمته ولا يظهرون فإن ظهروا قتلوا لكن الأولى هو الإنذار عملا بجميع الروايات، فإن لم يرجع قتل. وروى عروة أن عائشة
(2)
قتلت حية فأتيت في منامها فقيل لها قتلت مسلما. فقالت لو كان مسلمًا لما دخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. فقيل لها: هل كان يدخل عليك وإلا وعليك ثيابك؟ فأصبحت فزعة فتصدقت باثني عشر ألفا، فأول هذا الخبر إباحة قتله من غير إنذار. وآخره استحباب ذلك. ومن الجن صنف لا يفارق صور الحيات والأفاعي فربما قتلها الرجل فيهلك لوقته وإن كان صغيرا وكان له ولد قتل به، اهـ. والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم:"فإذا رأيتم منها شيئا فحرجوا عليها ثلاثا فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر"، أي حلفوها بأن تقولوا بالله عليك أن لا تعودي إلينا ثلاث مرات.
(1)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 758).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة (30514).
[فائدة]
(1)
في أوقات متفرقة فإن ذهبت بحيث لا تظهر مرة أخرى فهو المراد، والتحريج التضييق. وفي الرواية قبلها: شيطان. أراد أحد شياطين الجن، وقد تسمى الحية الدقيقة [الخفيفة] شيطانا، [أو] جانا على التشبيه، قاله في النهاية
(2)
.
4529 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يقول: "اقتلوا الحيات، واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر، فإنهما يطمسان البصر، ويسقطان الحبل. قال عبد الله: فبينا أنا أطارد حية أقتلها ناداني أبو لبابة: لا تقتلها، قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحيات، قال إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت، وهن العوامر" رواه البخاري
(3)
ومسلم
(4)
، ورواه مالك
(5)
وأبو داود
(6)
والترمذي
(7)
بألفاظ متقاربة.
قوله: "وعن ابن عمر" تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اقتلوا الحيات" تقدم الكلام عليه مبسوطا [و] على أنواعها. قوله: "واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر"، قال الحافظ: الطفيتان هما
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 476).
(3)
صحيح البخاري (3297).
(4)
صحيح مسلم (128)(2233).
(5)
موطأ مالك (2/ 975/ 31).
(6)
سنن أبي داود (5252).
(7)
سنن الترمذي (1483)، وابن ماجه (3535).
الخيطان الأسودان على ظهر الحية وأصل الطفية خوصة المقل شبه الخطين على ظهر الحية بخوصتي المقل [وهو] شر الحيات. وقال أبو عمر النمري
(1)
: يقال أن ذا الطفيتين جنس يكون على ظهره خطان أبيضان، والأبتر هو الأفعى. وقيل جنس أبتر كأنه مقطوع الذنب، وقيل: صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب إذا نظرت إليه الحامل ألقت. قاله النضر بن شميل اهـ. وقال بعض العلماء ذو الطفيتين حية خبيثة والطفية خوصة المقل في الأصل وجمعها طُفًى. وقال الزمخشري
(2)
في كتاب العين الطفية حية لينة خبيثة والأبتر الحية القصيرة الذنب، والبُتر شرار الحيات، اهـ. قوله:"فإنهما يطمسان البصر ويسقطان الحبل".
وفي رواية مسلم: يلتمسان البصر ويستسقطان الحبالى، معناه يطمسانه بمجرد نظرهما إليه بخاصية جعلها الله تعالى فيهما، اهـ. قاله الحافظ. وقال غيره من العلماء: يلتمسان البصر فيه تأويلان ذكرهما الخطابي وآخرون أصحهما وأشهرهما أنهما يخطفانه ويطمسانه بمجرد نظرهما لخاصية جعلها الله تعالى في بصرهما إذا وقع على بصر الإنسان ويؤيد هذا القول ما في رواية مسلم: يخطفان البصر، و [في]
(3)
الثاني أنهما يقصدان البصر [باللسع] والنهش، اهـ.
(1)
فتح الباري (6/ 348).
(2)
العين (7/ 457).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
قال العلماء: وفي الحيات نوع يسمى الناظر إذا وقع نظره على عين إنسان مات من ساعته، ونوع آخر إذا سمع إنسان صوته مات. وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري عن الشاب الأنصاري الذي طعن الحية برمحه فماتت ومات الشاب من ساعته، وتقدم الكلام على ذلك. قال أبو العبالس القرطبي
(1)
: وظاهر هذا أن هذين النوعين من الحيات لهما من الخاصية ما يكون عنهما ذلك ولا يستبعد هذا فقد حكى أبو الفرج بن الجوزي في كتابه المسمى بكشف المشكل لما في الصحيحين أن بعراق العجم أنواعا من الحيات يهلك الرائي لها بنفس رؤيتها ومنها ما يهلك المرور بطريقها. قوله: "ويسقطان الحبل"، أي يطرحانه قبل تمامه، معناه أن المرأة الحامل إذا نظرت إليهما [فخافت] أسقطت الحمل غالبا. اهـ. قوله:"قال عبد الله بينا أنا أطارد حية أقتلها ناداني أبو لبابة لا تقتلها. فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحيات" الحديث، ومعنى أطاردها أي أطلبها وأتبعها لأقتلها. [قاله] النووي
(2)
؛ [و] قال ابن الأثير في النهاية
(3)
: أي أخادعها لأصيدها ومنه طراد الصيد.
وقال عياض
(4)
في قوله: أطارد حية، أي أتصيدها وأرواغها ومنه طراد الصيد وهو اتباعه ومراوغته حيث مال، اهـ. وتقدم الكلام على أبي لبابة.
(1)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 132).
(2)
شرح النووي على مسلم (14/ 231).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 117).
(4)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 318).
قوله: فقلت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحيات، [فقال]: إنه نُهي بعد ذلك عن ذوات البيوت وهي العوامر، الحديث. نُهي بضم أوله على البناء للمفعول، كذا ضبطناه. فائدة: وقول الصحابي أمر بكذا ونهى عن كذا حكمه الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح المشهور لانصرافه إلى من له الأمر والنهي، فإن قال ذلك التابعي ففيه احتمالان للغزالي وقد ورد التصريح بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وهو في الصحيحين [وللنهي] عن ذوات البيوت شرطان أحدهما: أن يكون ذلك قبل الإنذار والثاني أن لا يكون ذا الطفيتين [ولا أبتر]. فما كان بهذه الصفة يقتل ولو كان من ذوات البيوت بغير إنذار، وقد دلّ على ذلك الأحاديث الصحيحة، وإنما تتم فائدة الحديث إذا جمعت طرقه وقد اجتمع هذان القيدان من طرقه. اهـ. قاله النووي
(1)
.
قال ابن عبد البر
(2)
: أجمع العلماء على جواز قتل حيات الصحاري صغارا كن أو كبار أي نوع كن من الحيات والاعتماد على حديث أبي لبابة فإن فيه بيانا لنسخ قتل حيات البيوت وأن ذلك كان بعد الأمر بقتلها جملة وفيه استثناء ذي الطفيتين [و]
(3)
الأبتر، فهو حديث مفسر لا إشكال فيه لمن فهم وعلم، وهو الصواب في هذا الباب. وعليه يصح ترتيب الآثار فيه والله أعلم. اهـ.
(1)
طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 124).
(2)
التمهيد لابن عبد البر (16/ 28).
(3)
سقطت حرف العطف النسخة الهندية.
4530 -
وفي رواية لمسلم
(1)
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأمر بقتل الكلاب يقول: اقتلوا الحيات والكلاب، واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر، فإنهما يلتمسان البصر، ويستسقطان الحبالى".
[قال الزهري]: ونرى ذلك من سيمتهما، والله أعلم. قال سالم قال عبد الله بن عمر: فلبثت لا أترك حية أراها إلا قتلتها فبينما أنا أطارد حية يوما من ذوات البيوت مر بي زيد بن الخطاب وأبو لبابة، وأنا أطاردها، فقالا: مهلا يا عبد الله، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلهن، قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذوات البيوت. إن لهذه البيوت لعوامر.
4531 -
وفي رواية لأبي داود
(2)
قال: "إن ابن عمر وجد بعد ما حدثه أبو لبابة حية في داره، فأمر بها، فأخرجت إلى البقيع. قال نافع: ثم رأيتها بعد في بيته".
[الطفيتان] بضم الطاء المهملة وإسكان الفاء: هما الخطان الأسودان في ظهر الحية، وأصل الطفية: خوصة المقل شبه الخطين على ظهر الحية بخوصتي المقل، وقال أبو عمر النمري: يقال إن ذا الطفيتين جنس يكون على ظهره خطان أبيضان. [والأبتر]: هو الأفعى، وقيل: جنس أبتر كأنه مقطوع الذنب، وقيل: هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب إذا نظرت إليه الحامل ألقت. قاله النضر بن شميل.
(1)
صحيح مسلم (2233).
(2)
سنن أبي داود (5254)، (5255).
[وقوله: يلتمسان البصر] معناه يطمسانه بمجرد نظرهما إليه بخاصية جعلها الله فيهما.
[قال الحافظ]: قد ذهب طائفة من أهل العلم إلى قتل الحيات أجمع في الصحاري والبيوت بالمدينة، وغير المدينة، ولم يستثنوا في ذلك نوعا ولا جنسا ولا موضعا، واحتجوا في ذلك بأحاديث جاءت عامة كحديث ابن مسعود المتقدم، وأبي هريرة، وابن عباس، وقالت طائفة: تقتل الحيات أجمع إلا سواكن البيوت بالمدينة وغيرها فإنهن لا يقتلن لما جاء في حديث أبي لبابة وزيد بن الخطاب من النهي عن قتلهن بعد الأمر بقتل جميع الحيات، وقالت طائفة تنذر سواكن البيوت في المدينة وغيرها، فإن بدين بعد الإنذار قتلن، وما وجد منهن في غير البيوت يقتل من غير إنذار وقال مالك: يقتل ما وجد منها في المساجد، واستدل هؤلاء بقوله صلى الله عليه وسلم:"إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئا فحرجوا عليها ثلاثا، فإن ذهب، وإلا فاقتلوه"، واختار بعضهم أن يقول لها ما ورد في حديث أبي ليلى المتقدم، وقال مالك: يكفيه أن يقول: أحرج عليك بالله واليوم الآخر أن لا تبدو لنا ولا تؤذينا، وقال غيره: يقول لها: أنت في حرج إن عدت إلينا، فلا تلومينا أن نضيق عليك بالطرد والتتبع، وقالت طائفة: لا تنذر إلا حيات المدينة فقط لما جاء في حديث أبي سعيد المتقدم من إسلام طائفة من الجن بالمدينة، وأما حيات غير المدينة في جميع الأرض والبيوت فتقتل من غير إنذار لأنا لا نتحقق وجود مسلمين من الجن ثم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "خمس من الفواسق تقتل في الحل
والحرم، وذكر منهن الحية"، وقالت طائفة: يقتل الأبتر وذو الطفيتين من غير إنذار سواء كن بالمدينة وغيرها لحديث أبي لبابة "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين"، ولكل من هذه الأقوال وجه قوي، ودليل ظاهر. والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم: أنه أمر بقتل الكلاب والحيات، الحديث. قد اتفق العلماء على جواز قتل الحيات ويستوي في ذلك جميع أنواعها وهو الصحيح لإطلاق الحديث، وتقدم أنه أمر ندب عن أصحاب الشافعي، وأما قتل الكلاب فالظاهر أنه ليس على الإطلاق بل المراد منها والله أعلم شرارهن لقوله صلى الله عليه وسلم: لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم. أما الأمر بقتل الكلاب فقال الأصحاب: إن كان الكلب عقورا قتل وإن لم يكن عقورا لم يجز قتله سواء كان فيه منفعة من المنافع المذكورة أو لم يكن، والبهيم الأسود الذي لا بياض فيه، وعلة قتله أن الكلب الأسود أكثر [ضُرًّا بالناس] وأقل نفعا وأبعد من الصيد والحراسة وأكثر نعاسا [و] البهيم الذي لا يخالط لونه لون سواه، وقيل الأسود الذي لا يكون فيه شيء من البياض.
قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين
(1)
: الأمر بقتل الكلاب منسوخ. قال: وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب مرة، ثم صحّ أنه نهى عن قتلها. قال: واستقر الشرع على التفصيل الذي ذكرناه. قال: وأمر بقتل الأسود
(1)
شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 186).
البهيم، وكان هذا في الابتداء وهو الآن منسوخ، هذا كلام إمام الحرمين ولا مزيد على تحقيقه، اهـ. وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطا في بابه والله أعلم [بالصواب]. قوله في الرواية المذكورة أعلاه:"واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر" الحديث تقدم الكلام عليه.
قوله: "مرّ بي زيد بن الخطاب وأبو لبابة وأنا أطاردها فقال: مهلا يا عبد الله" الحديث، زيد بن الخطاب هو أبو عبد الرحمن زيد بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي [أخوه] عمر لأبيه وكان أسنّ من عمر وسبقه إلى الإسلام وهو من المهاجرين الأولين شهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية والمشاهد كلها، وكان طويلا بائن الطول، طلب الشهادة يوم أحد فلم تصبه، وتأخر بعد النبي صلى الله عليه وسلم فكان معه راية المسلمين يوم اليمامة، وانكشف المسلمون فجعل زيد يقول: اللهم إني أبرأ إليك [من فرار أصحابي] مما جاء به هؤلاء [يعني مسيلمة الكذاب] وأعتذر إليك من فرار أصحابي، ثم تقدم بالراية فلم يزل يتقدم بها في نحر العدو ثم قاتل بسيفه حتى قتل ووقعت الراية فأخذها سالم مولى أبي حذيفة فقال له المسلمون يا سالم إنا نخاف أن نؤتى من قبلك فقال بئس حامل القرآن أنا إن أوتيتم من قبلي وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معن بن عدي الأنصاري فقتلا جميعًا باليمامة شهيدين وكانت اليمامة في خلافة أبي بكر في شهر ربيع الأول سنة ثنتي عشرة وقيل سنة إحدى عشرة، ولما أتى عمر قتلهُ حزن عليه حزنًا شديدًا وقال ما صبت الصبا إلا وأنا أجد ريح زيد، وقال له عمر يوم أحد خذ درعي فقال إني أريد من
الشهادة ما تريد فتركا الدرع، ولما أخبر عمر بقتل زيد قال رحم الله أخي يسبقني إلى الجنتين -في الحاشية: الحُسْنَيَيْن، [كذا في الأصل]
(1)
- أسلم قبلي واستشهد [قبلي]، وكان الذي قتل زيدا رجل يقال له أبو مريم [الختلي] فلما جاء إلى عمر قال له عمر أقتلت أخي زيدا؟ فقال أكرمه الله ولم يهني بيده. ولما شهد زيد بن رافع عمر كان بينهما درع فقال كل واحد لصاحبه والله ما يلبسها غيرك وكان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكان عمر يقول: ما هبَّت صبا قط إلا ذكرت أخي زيدًا.
وذكر ابن [قتيبة] في المعارف قال: مات زيد أخو عمر وأمه أم كلثوم في ساعة واحدة فلم يرث أحد منهما صاحبه، وصلى عليهما عبد الله بن عمر، فقدَّم زيدا وأخر أم كلثوم، فجرت السنة بتقديم الرجال. روى له مسلم حديثا والبخاري تعليقا وأبو داود، اهـ. وأبو لبابة تقدمت ترجمته. وقوله:"فقالا مهلا يا عبد الله" هو بإسكان الهاء ومعناه أنظرني. قال الجوهري
(2)
، يقال مهلا يا رجل بالسكون، يعني أمهل.
قول الحافظ رحمه الله تعالى: وقد ذهب طوائف من أهل العلم إلى قتل الحيات أجمع [ويذكر ما قاله المصنف من الاختلاف بين العلماء إلى آخره، انتهى]. قال مالك رحمه الله تعالى: يكفيه أن يقول لها أحرج عليك بالله وباليوم الآخر أن لا تبدوا لنا ولا تؤذونا، اهـ. [وفي رواية: ولا تؤذوننا،
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
الصحاح (5/ 1822).
انتهى]. قال بعض العلماء: وأظن [مالكا] إنما ذكر هذا لقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: فحرجوا عليها ثلاثا، فلهذا ذكر أحرج عليك، ذكره المازري
(1)
. وغير مالك يتأول أن ذلك بكل لفظ تضييق عليها ومناشدة لها بألفاظ الحرج والعهود المضيقة، اهـ. قاله عياض
(2)
.
تنبيه: قال الغزالي في الإحياء في الباب الثاني من كتاب أدب السفر
(3)
: يستحب [لكل]
(4)
[لمن] أراد لبس الخف في حضر أو سفر أن ينكس الخف وينفض ما فيه حذرا من حية أو عقرب أو شوكة، اهـ.
لطيفة: روى ابن أبي شيبة
(5)
وغيره أن فريكا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا فسأله ما أصابه فقال كنت أمرن جملا فوقعت على بيض حية فأصيب بصري، فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر. قال فكان يدخل الخيط في الإبرة وهو ابن ثمانين سنة، وإن عينيه مبيضتان،
(1)
مطالع الأنوار على صحاح الآثار (2/ 253)، والمعلم بفوائد مسلم (3/ 188).
(2)
إكمال المعلم (7/ 167)، ومشارق الأنوار (1/ 187).
(3)
إحياء علوم الدين (2/ 259).
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(5)
مصنف ابن أبي شيبة (23563)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2634)، والطبراني في المعجم الكبير (4/ 25/ 3546)، وسموه: حبيب بن فويك وترجمه ابن عبد البر، قال: حبيب بن فديك أبو فديك ويقال حبيب بن فويك اضطرب في حديثه روت بنت أخيه أن رسول الله دقا له وهو أعمى مبيضة عيناه فأبصر وكان يدخل الخيط في الإبرة يختلف في حديثه وقد ذكرناه في باب الفاء للاختلاف في حديثه انظر: الاستيعاب (1/ 322)، وأسد الغابة (4/ 392)، وحياة الحيوان الكبرى (1/ 400).
اهـ. والله أعلم.
فائدة يختم بها ذكر الحيات: في فتاوى النووي
(1)
إذا اصطاد الحوَّاء حية وحبسها معه على عادتهم فلسعته ومات هل يأثم؟ أجاب رضي الله عنه إن صادها ليرغب الناس في اعتقاد معرفته وهو صادق في صنعته ويسلم منها في ظنه ولسعته لم يأثم وإذا انفلتت وأتلفت شيئا لم يضمنه.
وروى الإمام أحمد في الزهد
(2)
أنّ حوّاء معه حيات في خرج نزل بقوم من أهل اليمن [فخرج] بالليل بعض الحيات فلسعت بعض أهل البيت فقتلته، فكُتب بذلك إلى عمر بن عبد العزيز فقال لا شيء عليك لكن مرُوه إذا نزل بقوم أن يخبرهم بما معه، اهـ.
4532 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه في أن قرصتك نملة، فأحرقت أمة من الأمم تسبح". زاد في رواية: "فهلا نملة واحدة" رواه البخاري
(3)
ومسلم
(4)
وأبو داود
(5)
والنسائي
(6)
وابن ماجه
(7)
.
(1)
فتاوى النووي (ص: 112).
(2)
حياة الحيوان الكبرى (1/ 399).
(3)
صحيح البخاري (3319).
(4)
صحيح مسلم (148)(2241).
(5)
سنن أبي داود (5266).
(6)
سنن النسائي (7/ 210).
(7)
سنن ابن ماجه (3225).
4533 -
وفي رواية لمسلم
(1)
وأبي داود
(2)
قال: "نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة، فلدغته نملة، فأمر بجهازه، فأخرج من تحتها، ثم أمر فأحرقت، فأوحى الله إليه هلا نملة واحدة".
[قال الحافظ]: قد جاء من غير ما وجه أن هذا النبي هو عزير عليه السلام، وفي قوله: فهلا نملة واحدة دليل على أن التحريق كان جائزا في شريعتهم، وقد جاء في خبر أنه بقرية أو بمدينة أهلكها الله تعالى فقال: يا رب كان فيهم صبيان ودواب، ومن لم يقترف ذنبا، ثم إنه نزل تحت شجرة فجرت به هذه القصة التي قدرها الله على يديه تنبيها له على اعتراضه على بديع قدرة الله وقضائه في خلقه فقال: إنما قرصتك نملة واحدة فهلا قتلت واحدة، وفي الحديث تنبيه على أن المنكر إذا وقع في بلد لا يؤمن العقاب العام.
قوله: "عن أبي هريرة رضي الله عنه" تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إنّ نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت" الحديث، وسميت النملة نملة لتنمّلها وهو كثرة حركتها وقلة قوائمها. وقوله:"قرصت" بالقاف والراء والمهملة المفتوحات أي لدغت وقرص النملة لسعها.
وقوله: "نبيا من الأنبياء"، قال الحافظ [: قد جاء من غير ما وجه أنّ هذا النبي هو عزير صلى الله عليه وسلم، انتهى.
(1)
صحيح مسلم (149، 150)(2241).
(2)
سنن أبي داود (5265).
وقال الحافظ] الإمام أبو عبد الله القرطبي
(1)
هذا النبي هو موسى بن عمران، وفي نوادر الأصول
(2)
أنه موسى بن عمران، كذا قاله الحافظ العسقلاني الشهير بابن حجر على حاشية نسخته. وقوله:"فأمر بقرية النمل فأحرقت"، وقرية النمل هي منزلهن وهي مسكنها وبيتها والجمع قرى والقرية من المساكن والأبنية الضياع وقد تطلق على المدن ومنه الحديث أمرت بقرية تأكل القرى وهي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعنى أكلها القرى ما يفتح على أيدي أهلها من المدن ويصيبون من غنائمها. قاله في النهاية
(3)
.
قال العلماء رضي الله عنهم هذا الحديث محمول على أن شرع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان فيه جواز قتل النمل وجواز الإحراق بالنار ولم يعتب عليه في أصل القتل والإحراق بل في الزيادة على نملة واحدة.
وقوله سبحانه وتعالى: "فهلا نملة واحدة" أي فهلا عاقبت نملة واحدة وهي التي قرصتك لأنها الجانية، وأما غيرها فليس له جناية. وأما في شرعنا فلا يجوز الإحراق بالنار للحيوان إلا إذا أحرق إنسانا فمات بالإحراق فلوليه الاقتصاص بإحراق الجاني وسواء في منع الإحراق بالنار القمل وغيره للحديث المشهور: لا يعذب بالنار إلا الله. وأما قتل النمل فمذهبنا أنه لا يجوز، واحتج أصحابنا فيه بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع
(1)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 499).
(2)
نوادر الأصول (1/ 407).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 57).
من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد. وسيأتي الكلام عليه بعد هذا.
وقوله في رواية مسلم وأبي داود قال: نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ثم أمر فأحرقت، الحديث. تقدم الكلام على النبي من هو. وقوله:"لدغته"، بالدال المهملة والغين المعجمة، أي قرصته، ويستعمل ذلك في سائر ذوات السموم، أما اللذع بالذال المعجمة والعين المهملة فهو الخفيف من إحراق النار كالكي ونحوه، اهـ. والجهاز بفتح الجيم وكسرها وهو المتاع، اهـ. [قوله سبحانه:"فهل لا نملة واحدة .. "، يذكر ما قاله المنذري إلى آخره، ويذكر بعده قبل إلى آخره. قوله:"فأمر بجهازه فأخرج من حرق النمل" يعني رحله ومتاع سفره من فراش وغيره، قاله الجوهري
(1)
.
وأما جهاز العروس وجهاز السفر فيفتح ويكسر، انتهى]، وقيل إنما عاتب الله تعالى هذا النبي صلى الله عليه وسلم لانتقامه لنفسه بإهلاك جمع آذاه واحد منهم وكان الأولى به الصفح والصبر لكن وقع للنبي صلى الله عليه وسلم أن هذا النوع مؤذٍ لبني آدم فإن من آذاك حل لك دفعه عن نفسك ولا أحد من خلق الله أعظم حرمة من المؤمن وقد أبيح لك دفعه عنك بضرب وقتل على ما له فيه المقدار فكيف بالهوام والدواب التي سخرت لك وسلطت عليه فإذا آذته أبيح له قتلها. وقوله:"أَلَا نملة واحدة" دليل على أن الذي يؤذي يقتل وكل قتل كان لنفع أو دفع ضرر فلا بأس به عند العلماء.
(1)
انظر: مطالع الأنوار (2/ 172)، شرح النووي على مسلم (14/ 239).
4534 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد" رواه أبو داود
(1)
وابن ماجه
(2)
وابن حبان
(3)
في صحيحه.
[الصرد] بضم الصاد المهملة وفتح الراء: طائر معروف ضخم الرأس والمنقار له ريش عظيم نصفه أبيض، ونصفة أسود. [قال الخطابي]: أما نهيه عن قتل النمل، فإنما أراد نوعا منه خاصا، وهو الكبار ذوات الأرجل الطوال لأنها قليلة الأذى والضرر، وأما النحلة فلما فيها من المنفعة، وأما الهدهد والصرد، فإنما نهى عن قتلهما لتحريم لحمهما، وذلك أن الحيوان إذا نهى عن قتله، ولم يكن لحرمة ولا لضرر فيه كان ذلك لتحريم لحمه.
قوله: "وعن ابن عباس" تقدم. قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد"، وعن أبي هريرة قال نهى رسول
(1)
أبو داود (5267).
(2)
ابن ماجه (3224).
(3)
ابن حبان (5646)، وأخرجه عبد الرزاق (8415)، وأحمد (3066)، وعبد بن حميد (650)، والدارمي (2042)، والطحاوي في المشكل (869)، والخطابي غريب الحديث (2/ 142) والبيهقي في السنن الكبرى للبيهقي (5/ 350)، (9/ 532) وفي المعرفة (19211)، وفي الصغرى (3873)، وقال أبو زرعة (علل ابن أبي حاتم 2/ 301): أخطأ فيه عبد الرزاق، والصحيح من حديث معمر عن الزهري أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. وقال أبو حاتم الرازي كما في العلل (1/ 290)، (2/ 301): هذا حديث مضطرب، وقال الحافظ في البلوغ (1/ 277): صححه ابن حبان. وصححه الألباني في صحيح الجامع (6968)، وصحيح الترغيب والترهيب (2990).
الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد، انفرد به ابن ماجه. روى الدارقطني
(1)
والحاكم
(2)
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقتلوا النملة. [فإنّ] سليمان عليه السلام خرج ذات يوم يستسقي فإذا هو بنملة مستقلية على قفاها رافعة قوائهما تقول: اللهم إنا خلق من خلقك لا غنى لنا عن رزقك، اللهم لا تؤاخذنا بذنوب عبادك الخاطئين واسقنا مطر تنبت لنا به شجرا وأطعمنا ثمرا. فقال سليمان لقومه: ارجعوا فقد كُفينا وسقيتم بغيركم.
قال الشافعي
(3)
والأصحاب ما نهي عن قتله يحرم أكله لأنه لو حل لم ينه
(1)
أخرجه الدارقطني (2/ 66/ 1).
(2)
الحاكم (1/ 325 - 326) مختصرا، وصححه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الطحاوي في المشكل (2/ 205)، والخطيب في تاريخ بغداد (12/ 65) ابن عساكر في تاريخ دمشق (22/ 288)، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (5/ 1753) وصححه النووي في الخلاصة (2/ 874) وصححه ابن الملقن في الخلاصة (1/ 250)، وفي البدر المنير (5/ 157)، وفي تحفة المحتاج (1/ 564)، وقال المناوى في التيسير (1/ 1043): عن أبي هريرة بإسناد صحيح. وفي الباب: عن أبي الصديق الناجي: قال: خرج سليمان بن داود عليه السلام يستسقي فذكره. أخرجه أحمد في الزهد (ص 87)، ورواه الطحاوي، ذكره الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 229): رواه الحافظ أبو منصور في كتابه جامع الدعاء الصحيح ذكره ابن الملقن في البدر المنير (5/ 157) وفيه زيد العمي، لكن له طرق منها: عن الزهري أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (22/ 288) أن سليمان بن داود خرج هو وأصحابه يستسقون فرأى نملة قائمة رافعة إحدى قوائمها تستسقي قال لأصحابه ارجعوا فقد سقيتم إن هذه النملة استسقت فاستجيب لها، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (22/ 288) عن السدي نحوه.
(3)
المجموع (9/ 21).
عن قلته، فمن ذلك النمل والنحل، فأكلهما حرام بالاتفاق، وكذلك الخطاف والصرد والهدهد يحرم أكلها على المذهب. وفي وجه ضعيف أنها مباحة، وحكاه البندنيجي في كتاب الحج قولا. وقال الرافعي في كتاب الحج لا يجوز قتل النحل والنمل والخطاف والضفدع لورود النهي عن قتلها.
قال الحافظ رحمه الله تعالى: قال الخطابي
(1)
: أما نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل النمل فإنما أراد نوعا منه خاصا وهو الكبار ذوات الأرجل الطوال لأنها قليلة الأذى والضرر، اهـ. وقال في المهمات والمراد بالنمل النمل الكبير المعروف بالسليماني كما قاله الخطابي
(2)
والبغوي في شرح السنة
(3)
في أواخر الكتاب.
وقال الحربي النمل ما كان له قوائم أما الصغير المسمى بالذر فقتله جائز بغير الإحراق. قال: والذي قالاه ظاهر لأن الصغير منه يؤذي وقد رأيته أيضا مصرحا به في شرح المهذب المسمى بالاستصفاء نقلا عن الإيضاح للصميري. فقال أن الذي يؤذي منه يجوز قتله بل يستحب أنهم سألوا ابن عباس
(4)
عن قتلها فقال تلك ضلالة لا شيء فيها.
وبالجملة فقد أطلق الرافعي كراهة قتل النمل كما نقله [الطبري] شارح التنبيه وهو يدل على الجواز على كل حال في الصغير فإنه إما عام أو خاص،
(1)
الترغيب والترهيب (3/ 385).
(2)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 499).
(3)
طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 180).
(4)
طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 180).
وكره مالك قتل النمل إلا أن يضر ولا يقدر على دفعه إلا بالقتل.
تنبيه: روى الدارقطني
(1)
والحاكم
(2)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقتلوا النمل فإن سليمان عليه السلام خرج ذات يوم يستسقي فإذا هو بنملة على قفاها رافعة قوائهما تقول: اللهم خلق من خلقك لا غنى لنا عن فضلك، اللهم لا تؤاخذنا بذنوب عبادك الخاطئين واسقنا مطرا تنبت لنا به شجرا وأطعمنا ثمرًا. فقال سليمان عليه الصلاة والسلام لقومه: ارجعوا فقد كُفينا وسقيتم بغيركم.
وروى الطبراني في معجمه الأوسط
(3)
عن أبي هريرة أنه قال لما كلم الله موسى صلى الله عليه وسلم كان يبصر دبيب النمل على الصفا في الليلة المظلمة من مسيرة عشر فراسخ. فائدة: يكره أكل ما حملت النمل بفيها وقوائما لما روى الحافظ أبو نعيم في الطب النبوي
(4)
عن صالح بن خوات بن جبير عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يؤكل ما حملت النمل بفيها وقوائمها، اهـ.
فائدة أخرى: قال الإمام فخر الدين الرازي
(5)
في تفسير قوله تعالى: {حَتَّى
(1)
سبق.
(2)
سبق.
(3)
المعجم الصغير للطبراني (77)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 203) رواه الطبراني في الصغير، وفيه الحسين بن أبي جعفر الجفري وهو متروك. انظر: حياة الحيوان الكبرى (2/ 500).
(4)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 503).
(5)
التفسير الكبير (24/ 161).
إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ}
(1)
، الآية. وادي النمل بالشام كثير النمل، فإن قيل: لم أتى بِعَلى؟ قلنا لوجهين: أحدهما إن أتيانهم كان من فوق فأتى بحرف الاستعلاء الثاني أنه يراد به قطع الوادي وبلوغ آخره من قولهم أتى على الشيء إذا بلغ آخره، فتكلمت النملة بذلك وهذا غير مستبعد فإن حصول العلم والنطق لها ممكن في نفسه والله تعالى قادر على الممكنات. قال: ورأيت في بعض الكتب أن تلك النملة إنما أمرت رعيتها بالدخول في مساكنها لئلا ترى النعم فتقع في كفران نعم الله تعالى، وهذا تنبيه على أن مجالسة أرباب الدنيا محظورة. يروى أن سليمان قال لها: قلت للنمل ادخلوا مساكنكم، أخفت عليها مني ظلمًا؟ قالت: ولا ولكن خشيت أن يفتتنوا بما يروا من جمالك وزينتك فيشغلهم ذلك عن طاعة ربهم. وري أن النملة التي خاطبت سليمان عليه الصلاة والسلام أهدت نبقة فوضعها في كفه وقالت:
ألم ترنا نهدي إلى اللّه ماله
…
وإن كلان عنه ذا عنى فهو قابله
ولو كان يُهدى للجليل بقدره
…
لقصّر عنه البحر حين يساحله
ولكننا نهدى إلى من نحبه
…
فيرضى به عنا ويُشكر فاعله
وما ذاك إلا من كريم فعاله
…
وإلا فما في ملكنا من يُشاكِله
فقال سليمان: بارك الله فيكم، فهم بتلك الدعوة أشكر خلق الله وأكثر خلق الله، اهـ.
فائدة: النمل عظيم الحيلة في طلب الرزق، فإذا وجد شيئا أنذر الباقين
(1)
سورة النمل، الآية:18.
ليأتوا إليه. وقيل: إنما يفعل ذلك منها رؤساؤها، ومن طبعه أنه يحتكر في زمن [الصيف] لزمن الشتاء، ويقال أن حياته ليست من قبل ما يأكله ولا قوامه وذلك أنه ليس له جوف ينفذ فيه الطعام ولكنه مقطوع نصفين وإنما موته إذا قطع الحب في استنثاق ريحه فقط [و]
(1)
ذلك يكفيه. وعن سفيان بن عيينة أنه قال ليس شيء يخبأ قوته إلا الإنسان والنمل والفأر، وبه جزم في الإحياء في كتاب التوكل. وعن بعضهم أن البلبل يحتكر وله في الاحتكار من الحيل ما أنه إذا احتكر ما يخاف إنباته قسمه نصفين ما خلا [الكسفرة]
(2)
فإنه يقسمها أربعا لما ألهم أن كل نصف منها ينبت، وإذا خاف العفن على الحب أخرجه إلى ظاهر الأرض ونشره. وأكثر ما يفعل ذلك ليلا في القمر. ومن أسباب هلاكه نبات أجنحته فإذا صار النمل كذلك أخصبت العصافير لأنها تصيدها كما في حال طيرانها. ومن عجائبه اتخاذ القرية تحت الأرض وفيها منازل ودهاليز وغرف وطبقات معلقات يملؤها حبوبا وذخائر للشتاء، وفيه ما يسمى [الذر] وهو من النمل بمنزلة الزنابير من النحل ومنه ما يسمى نمل الأسد سمي بذلك لأنه مقدمه يشبه وجه الأسد ومؤخره يشبه النمل، انتهى.
فائدة أخرى: قال [الخلال]، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا أبو عبد الله الكواز حدثتني حبيبة
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
هكذا هذه العبارة في النسخة الهندية، وفي الأصل:(الكسبرة).
مولاة الأحنف أنها رأت الأحنف بن قيس رحمه الله ورآها تقتل نملة ثم قال لا تقتليها ثم دعا بكرسي فجلس عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إني أحرج عليكن ألا خرجتن من داري فإني أكره أن تقتلن في داري. قال فخرجن فما رئي [منهن] بعد ذلك اليوم واحدة
(1)
. قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل
(2)
رأيت أبي فعل ذلك حرّج على النمل، وأكبر علمي أنه جلس على كرسي كان يجلس عليه لوضوء الصلاة، ثم رأيت النمل قد خرجن بعد ذلك نمل كبار سود فلم أرهن بعد ذلك، اهـ. ذكره في حياة الحيوان
(3)
. قوله: "وأما النحلة فلما فيها من المنفعة"، اهـ.
قاله المنذري. وهو العسل والشمع وكفى النحل شرفا قول الله عز وجل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}
(4)
الآية، وقرأ يحيى بن وثاب:{وأوحى ربك إلى النحَل} بفتح الحاء، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليها وأثنى عليها فعلمت مساقط الأنواء من وراء البيداء، قال [في] عجائب المخلوقات: يقال ليوم عيد الفطر يوم الرحمة إذ فيه أوحى ربك إلى النحل صنعة العسل فبيّن سبحانه وتعالى أن في النحل أعظم اعتبار وهو حيوان [فهيم].
قال الزجاج: سميت نحلا لأن الله تعالى نحل الناس العسل الذي يخرج
(1)
مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله (1620)، بغية الطلب في تاريخ حلب (3/ 1306).
(2)
مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله (1621)، بغية الطلب في تاريخ حلب (3/ 1306).
(3)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 502) انظر: الآداب الشرعية (3/ 353).
(4)
سورة النحل، الآية:68.
منها إذ النحلة العطية، اهـ. وجمع الله في النحلة السم والعسل دليلا على كمال قدرته، وأخرج منها العسل ممزوجا بالشمع، وكذلك عمل ابن آدم ممزوج بالخوف والرجاء. وفي العسل ثلاثة أشياء: الشفاء والحلاوة واللين. وكذلك المؤمن، قال الله تعالى:{ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}
(1)
، ويخرج من الشاب خلاف ما يخرج من الكهل والشيخ، كذلك حال المقتصد والسابق، وأمرها الله تعالى بأمر الحلال حتى صار لعابها شفاء، ودواء الأطباء مرّ، ودواء الله حلو، وهو العسل، وهي تأكل من كل الشجر ولا يخرج منها إلا حلو ولا يغيرها اختلاف مأكلها، {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ}
(2)
. وقوله تعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}
(3)
، لا يقتضي العموم لكل علة، وفي كل إنسان، لأنه نكرة في سياق الإثبات، بل هو خبر عن أن يشفي كما يشفي غيره من الأدوية في حال دون حال. وعن ابن عمر رضي الله عنهما[أنه]
(4)
كان لا يشكو شيئا إلا تداوى بالعسل حتى كان يدهن به الدّمّل والقرصة ويقرأ الآية وهذا يقتضي أثه كان يحمله على العموم.
(1)
سورة الزمر، الآية:23.
(2)
سورة الأعراف، الآية:58.
(3)
سورة النحل، الآية:69.
(4)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 468)، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (3/ 406).
وروى ابن ماجه
(1)
والحاكم
(2)
عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور، فعليكم بالشفاءين القرآن والعسل. وروى ابن ماجه
(3)
أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: من
(1)
أخرجه ابن ماجه (3452)، وابن عدي (3/ 1065)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 133) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 579)، وفي الشعب (2345)، والخطيب في التاريخ (11/ 385)، وقال أبو نعيم: غريب من حديث الثوري، تفرد به عنه زيد بن الحباب، وقال البيهقي: رفعه غير معروف، والصحيح موقوف، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 55): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
(2)
الحاكم (4/ 200 و 403)، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين الألباني في السلسلة الضعيفة (1514) رواه موقوفًا. أخرجه ابن أبي شيبة (30020)، وأبو عبيد في فضائل القرآن (ص 23 - 24 و 233)، والحاكم (4/ 200)، والدارقطني في العلل (5/ 323)، وابن أبي حاتم في التفسير (10418)، والطبراني في المعجم الكبير (9/ 184/ 8910)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 579)، والواحدي في الوسيط (3/ 72)، وقال البيهقي: هذا هو الصحيح موقوف. وقال الدارقطني في العلل (5/ 323): وهو الصحيح.
(3)
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 2/ 54 - 55)، وابن ماجه (3450)، والدولابي (1/ 185)، وأبو يعلى (6415)، والعقيلي (3/ 40)، وابن حبان في المجروحين (1/ 313)، والطبراني في الأوسط (408)، والبيهقي في شعب الإيمان (5530)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 215)، والمزي في التهذيب (10/ 438)، وقال البخاري: عبد الحميد بن سالم لا نعرف سماعه من أبي هريرة. وقال العقيلي: ليس له أصل عن ثقة. وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح قال يحيى: الزبير ليس بشئ. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 54): هذا إسناد فيه لين وانقطاع، وقال ابن حجر في فتح الباري (10/ 140): سند ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5831)، والضعيفة (762).
لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء. وروي عن عوف بن مالك أنه مرض فقال ائتوني بماء فإن الله تعالى يقول: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا}
(1)
، ثم قال وائتنوني بعسل، وقرأ الآية، ثم قال: وائتوني بزيت فإنه من شجرة مباركة، فخلط الجميع ثم شربه فشفي.
تنبيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
: الذباب كله في النار إلا النحل. الحديث. وهو
(1)
سورة ق، الآية:9.
(2)
روى من حديث ابن عباس، ومن حديث ابن عمر ومن حديث ابن مسعود ومن حديث أنس: فأما حديث ابن عباس: أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 65)(11058)، وفي الأوسط (1575) عن ابن عباس، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3442). فأما حديث ابن عمر: أخرجه البزار (كشف 3498)، وأبو يعلى (4231)، وفي معجمه (133)، والطبراني في الكبير وعبد الرزاق (8417)، والطبراني في الكبير (12/ 398)(13468)(13542)، (13543)، (13544)، وابن عدي (1/ 342)(1/ 282 و 5/ 1701)، والخطيب في الموضح (1/ 443)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 265)(3/ 266).
وقال ابن الجوزي: لا يصح، أيوب بن خوط قال ابن معين: لا يكتب حديثه ليس بشيء، وقال الفلاس والنسائي والرازي والسعدي والدارقطني: متروك، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدًا يروي المناكير عن المشاهير كأنه مما عملت يداه. وقال ابن حجر في فتح الباري (10/ 250): أخرج أبو يعلى عن ابن عمر مرفوعا عمر الذباب أربعون ليلة والذباب كله في النار إلا النحل وسنده لا بأس به وأخرجه ابن عدي دون أوله من وجه آخر ضعيف. وقال الذهبي في تلخيص كتاب الموضوعات (ص: 212) رواه شيبان بن فروخ ثنا أيوب بن حوط -تركوه- عن ليث عن نافع عن ابن عمر، وروى القاسم بن يزيد الجرمي - صدوق - عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن ابن عمر أن =
حيوان فهيم ذو كيس وشجاعة ونظر في العواقب ومعرفة بفصول السنة وأوقات المطر [وتدبير] المرتع والطاعة لكبيره والاستكانة لأميره وقائده، ومن عادات النحل [أنها]
(1)
إذا رأت فسادا من ملك إما أن تعزله وإما أن تقتله وأكثر ما تقتتل خارج الخلية. والملوك لا تخرج إلا مع جميع النحل، فإذا [عجز] عن الطيران، حملته. والنحل تجتمع فتقسم الأعمال فبعضها يعمل الشمع، وبعضها يعمل العسل، وبعضها يسقي الماء، وبعضها يبني البيوت، وبيوتها من أعجب الأشياء لأنها مبنية على الشكل المسدلس الذي لا ينحرف، كأنه استنبط بقياس هندسي. كل هذا بغير مقياس منها ولا آلة وذلك من أثر صنع اللطيف الخبير وإلهامه إياها، كما قال سبحانه وتعالى:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}
(2)
، الآية. فتأمل يا أخي كمال طاعتها وحسن امتثالها لأمر ربها، كيف
= النبي قال الذباب كله في النار، وهذا إسناد جيد ما بال هذا هنا.
وروى ابن عمر بن شقيق -مقارب الحديث- عن إسماعيل المكي عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا. وأما حديث ابن مسعود: أخرجه الطبراني في الكبير (10487)، وابن الجوزي في العلل (1515)، وقال الهيثمى: فيه إسحاق بن يحيى بن طلحة، وهو متروك. وأما حديث أنس: أخرجه أبو يعلى (4231)، وابن عدي (3/ 1301)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 266) وقال: لا يصح، سكين قال النسائي: ليس بالقوى.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
سورة النحل، الآية:68.
اتخذت بيوتًا في هذه الثلاثة الأمكنة الجبال والشجر وبيوت الناس حيث يعرشون؛ أي يبنون العروش، فلا ترى النحل في غير هذه الثلاثة البتة. وتأمل يا أخي كيف كانت أكثر بيوتها في الجبال، وهو المقدم في الآية ثم الأشجار وهي دون ذلك، ومما يعرشون الناس وهي أقل بيوتها. فانظر كيف أداها حسن الامتثالى إلى أن اتخذت البيوت قبل المرعى. فهي تتخذها أولًا، فإذا استقر لها بيت خرجت فرعت وأكلت من الثمرات، ثم أوت إلى بيوتها، لأن ربها سبحانه أمرها باتخاذ البيوت أولًا، ثم بالأكل بعد ذلك، وقال في الإحياء: انظر إلى النحلة كيف أوحى الله إليها، حتى اتخذت من الجبال بيوتًا، وكيف استخرج من لعابها الشمع والعسل، وجعل أحدهما ضياء والآخر شفاء. ثم لو تأملت عجائب أمرها في تناولها الأزهار، واحترازها من النجاسات والأقذار، وطاعتها لواحد من جملتها، وهو أكبرها شخصًا وهو أميرها، ثم ما سخر الله له أمرها بالعدل والإنصاف بينها، حتى إنه ليقتل منها على باب المنفذ، كل ما وقع منها على نجاسة، لقضيت من ذلك العجب، إن كنت بصيرًا في نفسك، وفارغًا من هم بطنك وفرجك، وشهوات نفسك.
تنبيه: كره مجاهد قتل النحل، وتحريم أكلها، وإن كان العسل حلالا، كالآدمية لبنها حلال ولحمها حرام. وأباح بعض السلف أكلها كالجرادة، والدليل على الحرمة نهي الثبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها. وفي الإبانة، في كتاب الحج، يكره قتلها، اهـ، ذُكِر جميع ذلك في حياة الحيوان
(1)
.
(1)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 472).
قول الحافظ: وأما الهدهد والصرد فإنها نهي عن قتلهما لتحريم لحمهما وذلك أن الحيوان إذا نهي عن قتله ولم يكره ذلك لحرمة ولا لضرر فيه كان ذلك لتحريم لحمه، اهـ. أما الهدهد فهو بضم الهائين وإسكان الدال بينهما، فهو طائر معروف ذو خطوط وألوان، كنيته أبو الأخبار وأبو ثمامة وأبو الربيع وهو طير منتن الريح طبعا لأنه يبنى [أفحوصه]
(1)
فى الزبل، وهذا عام فى جميع جنسه، قيل أن الهدهد منتن اللحم فصار في معنى الجلالة، ويذكر عنه أنه [يرى الماء من باطن الأرض كما يراه الإنسان في باطن الزجاج. وزعموا أنه] كان دليل سليمان على الماء، وبهذا السبب تفقده لما فقده.
قال الزمخشري
(2)
: وكان السبب في تخلفه عن سليمان عليه السلام أنه حين ترك سليمان حلق الهدهد فرآى هدهدا [واقفا] فوصف له ملك سليمان وما سخر له من كل شيء وذكر له صاحبه ملك بلقيس وأن تحت يدها اثني عشر ألف قائد تحت يد كل قائد مائة ألف فذهب له لينظر فما رجع إلا بعد العصر، فدعا سليمان عريف الطير وهو النسر فلم يجد عنده علمه ثم قال لسيد الطير وهو العقاب عليّ به فارتفعت فنظرت فإذا هو مقبل فقصدته فناشدها الله وقال بحق الذي قوّاك وأقدرك علي إلا رحمتني فتركه وقال ثكلتك أمك إن نبي الله حلف ليعذبنك، قال: وما استثنى؟ قال: بلى. قال: أوليأتني بسلطان مبين. فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض
(1)
هكذا في الأصل وهو الصواب، وفي النسخة الهندية:(أحفوصه).
(2)
الكشاف (3/ 363).
تواضعا له، فلما دنا منه أخذ رأسه فمدّه إليه فقال يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى، فارتعد سليمان وعفا عنه، ثم سأله تعذيبه بما يحتمله حاله ليعتبر به أبناء جنسه. وقيل كان عذاب سليمان للطير أن ينتف ريشه ويشمسه.
وقيل أن يطلى بالقطران ويشمس، وقيل أن يلقى للنمل تأكله، وقيل إيداعه القفص، وقيل التفريق بينه وبين إلفه، وقيل لألزمنه صحبة الأضداد، وعن بعضهم أضيق السجون معاشرة الأضداد.
لطيفة: حكى [القزويني] أن الهدهد قال لسليمان عليه الصلاة والسلام أريد أن تكون في ضيافتي، قال: أنا وحدي؟ قال: لا أنت وأهل عسكرك في جزيرة كذا في يوم كذا، فحضر سليمان بجنوده وطار الهدهد فاصطاد جرادة وخنقها ورمى بها في البحر وقال: كلوا يا نبي الله من فاته اللحم ناله المرق، فضحك سليمان وجنوده من ذلك حولا [كاملا] وفي ذلك قيل:"شعر":
جاءت سليمان يوم العرض هدهدة
…
أهدت له من جراد كان في فيها
وأنشدت بلسان الحال قائلة
…
إن الهدايا على مقدار مهديها
لو كان يهدى إلى الإنسان قيمته
…
لكان قيمتك الدنيا وما فيها
(1)
قال عكرمة
(2)
إنما ضرب سليمان عن ذبح الهدهد أنه كان بارا بوالديه ينقل الطعام إليهما فيزقهما. قال [الجاحظ]: هو وفّاء حفوظ، وذلك أنه إذا غابت أنثاه لم يأكل ولم يشرب ولم يشتغل بطلب طعم
(1)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 516).
(2)
تفسير القرطبي (13/ 212)، حياة الحيوان الكبرى (2/ 516)، تفسير الثعلبي (7/ 201).
ولا يقطع الصياح حتى تعود إليه، فإن حَدَث حَدَثٌ أعدمه إياها لم يستفد بعدها أنثى أبدًا، ولم يزل صائحا عليها ما عاش، و [لم]
(1)
يشبع بعدها من طعم بل ينال منه ما يمسك [رمقه] إلى أن يشرف على الموت فعند ذلك ينال منه يسيرا اهـ.
[لطيفة] أخرى: وفي الكامل وشعب الإيمان للبيهقي
(2)
أن نافعا سأل ابن عباس رضي الله عنهما. فقال سليمان عليه السلام ما خوله الله من الملك وأعطاه كيف عني بالهدهد مع صغره؟ فقال له ابن عباس أنه احتاج إلى الماء والهدهد كانت الأرض له كالزجاج كما تقدم، فقال ابن الأزرق [- يعني نافعا المذكور -]
(3)
لابن عباس قف يا وقاف كيف يبصر الماء من تحت الأرض ولا يرى الفخ إذا غطّي له بقدر إصبع من تراب فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا نزل القضاء عمي البصر، اهـ. ذكره في حياة الحيوان
(4)
.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
كذا في حياة الحيوان الكبرى (2/ 517)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 405)، والبيهقي في القضاء والقدر (494)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (22/ 267)، وقال المناوى في فيض القدير (2/ 57): رواه الحاكم في الرقائق عن ابن مسعود، وقال: صحيح، وشنع عليه الذهبى بأنه خبر منكر، وفيه بشير بن زاذان ضعفه الدارقطنى، واتهمه ابن الجوزى فأنى له الصحة. وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنف (31852)، والطبري في تفسير (19/ 144) من طريق آخر، ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (9/ 2859)، وعبد الله في السنة (900، 931) من طريق ثالث.
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 517).
تنبيه: الحكم الأصح تحريم أكله لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله ولأنه منتن الريح ويقتات الدود. [و] قيل يحل أكله لأنه يحكى عن الشافعي وجوب الفدية فيه وعنده لا يفدى إلا المأكول، اهـ. وأما الصرد: قال [الجاحظ] بضم الصاد المهملة وفتح الراء طائر معروف ضخم الرأس والمنقار له ريش عظيم نصفه أبيض ونصفه أسود، اهـ. قال غيره الصرد كرطب وهو طائر فوق العصفور يصيد العصافير، والجمع صِردان قاله النصر بن شميل وهو أبقع ضخم الرأس، والعرب تتشاءم به وتتطير بصوته وشكله، قيل إنما كرهوه من اسمه من التصريد وهو التقليل، وكنيته أبو كثير ويكون في الشجرة لا يرى إلا في سعفة أو شجرة لا يقدر عليه أحد وهو شرير النفس شديد النفرة غذاؤه من اللحم وله صفير مختلف يصفر لكل طائر يريد صيده بلغته فيدعوه إلى التقرب منه فإذا اجتمعوا إليه شدّ على بعضهم، وله منقار شديد فإذا [نقر واحدا قدَّه] من ساعته وأكله ولا يزال كذلك ومأواه الأشجار ورءوس القلاع وأعالي الحصون، انتهى.
لطيفة: قال الإمام أبو عبد الله القرطبي
(1)
، يقال له الصرد الصوام، روينا في معجم عبد الباقي بن قانع
(2)
عن أبي غليظ أمية بن خلف الجمحي قال رآني
(1)
تفسير القرطبي (7/ 270).
(2)
معجم الصحابة (1/ 276)، والحكيم الترمذي في المنهيات (1/ 35)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 295)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 116)، وقال الحاكم: وهو =
رسول الله صلى الله عليه وسلم على يدي صرد فقال: هذا أول طير صام عاشوراء. وقيل: لما خرج إبراهيم عليه السلام من الشام لبناء البيت كانت السكينة معه والصرد فكان الصدر دليله على الموضع والسكينة بمقداره فلما صار إلى الموضع وقفت في موضع البيت ونادت ابنِ يا إبراهيم على مقدار ظلي.
(1)
تنبيه: الحكم فيه الأصح تحريم أكله لحديث ابن عباس المذكور. وقيل أنه يؤكل لأن الشافعي [أوجب فيه] الجزاء على المحرم إذا قتله، وبه قال الإمام مالك. قال القاضي أبو بكر بن العربي
(2)
: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله لأن العرب كانت تتشاءم به فنهى عن قتله ليخلع عن قلوبهم ما يثبت فيها من اعتقادهم الشؤم والله أعلم.
4535 -
وعن عبد الرحمن بن عثمان رضي الله عنه: "أن طبيبا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء، فنهاه عن قتلها" رواه أبو داود
(3)
والنسائي
(4)
.
= من الأحاديث التي وضعها قتلة الحسين رضي الله عنه، رواه عبد الله بن معاوية بن موسى عن أبي غليظ قال: رآني رسول الله رضي الله عنه وعلى يدي صرد، فقال: هذا أول طائر صام عاشوراء. وهو حديث باطل رواته مجهولون. انظر: تفسير القرطبي (7/ 270)، حياة الحيوان الكبرى (2/ 85).
(1)
انظر: حياة الحيوان الكبرى (2/ 85).
(2)
انظر: حياة الحيوان الكبرى (2/ 86).
(3)
سنن أبي داود (3871)، (5269).
(4)
النسائي (7/ 185) وفي الكبرى (4867)، وأخرجه الطيالسي (1279)، وابن أبي شيبة (23709) وأحمد (15757 - 16069)، وعبد بن حميد (313)، والدارمي (2004)، =
[قال الحافظ]: الضفدع بكسر الضاد والدال، وفتح الدال ليس بجيد، والله أعلم.
قوله: "وعن عبد الرحمن" بن عثمان هو التيمي ابن أخي طلحة بن عبيد الله، ووالد عثمان بن عبد الرحمن التيمي ومعاذ بن عبد الرحمن التيمي. له صحبة، أسلم يوم الحديبية، وقيل: يوم الفتح، وكان يقال له: شارب الذهب.
قوله: "أن طبيبا سأل النبي رضي الله عنه عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه النبي رضي الله عنه عن قتلها" الحديث. قال الحافظ الضفدع بكسر الضاد المعجمة والدال وفتح الدال ليس بجيد، اهـ. وقال ابن الصلاح: الأشهر فيه من حيث اللغة كسر الدال وفتحها أشهر في ألسنة العامة وأشباه العامة من الخاصة وقد أنكره بعض أئمة اللغة، ويقال للضفدع أبو المسيح وأبو هبيرة وأم معبد وأم هبيرة. والضفادع أنواع كثيرة وتكون من سفاد ومن غير سفاد وتتولد من المياه وتتولد من المياه القائمة الضعيفة الجري، ومن العفونات وعقب الأمطار الغزيرة، وليس ذلك عن ذكر وأنثى وإنما الله تعالى يخلقه في تلك الساعة،
= ويعقوب بن سفيان في المعرفة (1/ 285)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1779 - 1780)، وأبو القاسم البغوي في الصحابة (1887) وابن قانع في الصحابة (2/ 160)، والحاكم (4/ 410 - 411)، وأبو نعيم في الصحابة (4596)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 434)، وفي معرفة السنن والآثار (13/ 467)، والخطيب في التاريخ (5/ 199 و 199 - 200)، والمزي (10/ 406)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد وقال النووي في المجموع (9/ 31) رواه أبو داود بإسناد حسن والنسائي بإسناد صحيح، وصححه الألباني في المشكاة (4545)، وصحيح الترغيب والترهيب (2991).
من طباع تلك التربة، وهي من الحيوان الذي لا عظام له.
تنبيه: فدل الحديث على أن الضفدع يحرم أكلها وأنها غير داخلة فيما أبيح من دواب الماء. وقال بعض الفقهاء إنما حرم لأنه كان جار الله في الماء الذي كان عليه العرش قبل خلق السموات والأرض، قال الله تعالى:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}
(1)
، اهـ.
وروى ابن عدي
(2)
عن ابن عُمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقتلوا الضفادع فإن نعيقها تسبيح، قال السلمي
(3)
سألت الدارقطني عنه فقال إنه ضعيف،
(1)
سورة هود، الآية:7.
(2)
ابن عدي في الكامل (6/ 388)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 318)، وقال البيهقي: إسناده صحيح. وقال في علل الحديث (2510): وسئل أبو زرعة عن حديث رواه معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن زرارة، عن أبي الحكم، عن عبد الله بن عمرو، قال لا تقتلوا الضفدع، فإن صوته الذي تسمعونه تسبيح. أخرجها ابن أبي شيبة في المصنف (23700)، والخطيب في الموضح (2/ 219 - 220) عن عبد الله بن عمرو بن العاص، موقوفا. وأخرجها عبد الرزاق في المصنف (8418) عن عبد الله بن عمر، موقوفا. هكذا جاء: ابن عمر بدل: ابن عمرو. وأخرجه الطبراني في الصغير (521)، وفي الأوسط (3716) وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (7226)، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الطبراني: لم يرفع هذا الحديث عن شعبة إلا حجاج، تفرد به المسيب بن واضح. وقال ابن عدي: وهذا بهذا الإسناد يرويه المسيب ويرفعه إلى النبي (ص)، والحديث موقوف. وذكره الذهبي في الميزان (4/ 117)، وفي السير (11/ 404) وقال: صوابه موقوف.
(3)
البيهقي في السنن الكبرى (9/ 318).
[و] الصواب أنه موقوف على عبدالله، قاله البيهقي. قال الزمخشري إنما تقول في نعيقها سبحان الملك القدوس.
وعن أنس رضي الله عنه
(1)
: لا تقتلوا الضفادع فإنها مرَّت بنار إبراهيم عليه السلام فحملت في أفواهها الماء وكانت ترشه على النار، وروى البيهقي في شعبه
(2)
عن أنس بن مالك أنه قال إن نبي الله فى اوفى عليه الصلاة والسلام ظنّ في نفسه أن أحدا لم يمدح خالقه بأفضل مما مدحه فأنزل الله عليه ملكا وهو قاعد في محرابه والبركة إلى جنبه فقال يا داود افهم ما تصوت به الضفدع فأنصت إليها فإذا هي تقول سبحانك وبحمدك منتهى علمك فقال له الملك كيف ترى؟ فقال: والذي جعلني نبيا إني لم أمدحه بهذا. وفي الكامل
(3)
في ترجمة حماد بن عبيد عن عكرمة عن ابن عباس أن ضفدعا ألقت نفسها في النار من
(1)
أخرجه عبد الرزاق (8393)، عن أبان بن أبي عياش، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أحمد بن حنبل: صحيفة معمر، عن أبان، عن أنس، موضوعة. الجامع لأخلاق الراوي للخطيب (2/ 190).
(2)
شعب الإيمان (4581)، وقال ابن طاهر في ذخيرة الحفاظ (1106): رواه خالد بن محدوج: عن أنس موقوفا. وخالد هذا كان يزيد بن هارون يرميه بالكذب. وقال الذهبي في ترجمة: خالد بن مقدوح ويقال ابن محدوج عن أنس وغيره واسطي رماه يزيد بن هارون بالكذب. ميزان الاعتدال (2/ 427).
(3)
قال بن عدي: ولا اعلم لحماد بن عبيد غير هذا الحديث وهو الذي ذكره البخاري. الكامل (2/ 249) لسان الميزان (2/ 349) قال البخاري: لا يصح حديثه، وقال أبو حاتم: ليس بصحيح الحديث. حياة الحيوان الكبرى (2/ 118).
مخافة الله تعالى فأثابهن الله بها برد الماء وجعل نعيقهن التسبيح.
وفي كتاب الزهد
(1)
لأبي عبيد الله القرطبي أن داود عليه السلام قال لأسبحنّ الله الليلة تسبيحا ما سبَّحَه به أحد من خلقه فنادته ضفدع من ساقية في داره يا داود تفخر على تعالى بتسبيحك وإنّ لي سبعين سنّة ما جفّ لي لسان من ذكر الله سبحانه وإن لي لعشر ليال ما طعمت خضرا ولا شربت اشتغالا بكلمتين، فقال: ما هما؟ قالت: يا مسبَّحا بكل لسان ومذكورا بكل مكان. فقال داود في نفسه وما عسى أن أقول أبلغ من هذا؟ ذكره في حياة الحيوان
(2)
.
[قاعدة:] الذي لا يؤكل من الدواب والطيور منها ما يستحب قتله كالحية والعقرب والفأرة والكلب العقور والخنزير والغراب والحدأة والذئب والأسد والنمر والدب والنسر والبرغوث والزنبور والبق والقراد. ومنها ما يكره قتله كالخنافس والجعلان والسرطان والرخمة والعقاب والدود والذباب وبنات وردان.
وعدّ القاضي أبو الطيب من هذا القسم الوزغة، وينبغي أن يعد مما ندب قتله، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها، وصح أنه [صلى الله عليه وسلم] نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد فلا يجوز قتلها، والمراد النمل الكبير السليماني أما الصغير فيجوز قتله بل يستحب كما تقدم ذلك. وأما الكلب غير العقور فإن
(1)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 118).
(2)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 118).
كان فيه منفعة مباحة فقتله حرام بلا خلاف وإن لم تكن منفعة مباحة فوقع فيه اختلاف صحيح والمنصوص جواز قتله وتقدم أيضا ذلك، [والله تعالى أعلم،] قاله في الديباجة.