الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كتَبَ اْللَّهُ لَنَا}
(1)
، الآية، وقال سبحانه وتعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ}
(2)
، الآية، فما قد خط في اللوح المحفوظ لم يكن منه بد وليست البقاع ولا الأنفس بصانعة شيئًا من ذلك، وقد كان من العرب قوم لا يتطيرون ولا يرون شيئًا، [وقد كان من العرب قوم يتطيرون ولا يرون شيئًا] والله أعلم. [وتقدم الكلام على حديث قطن بن قبيصة، وتقدم أيضًا الكلام على حديث أبي الدرداء:"لن ينال الدرجات العلا"، وعلى حديما عمران بن حصين: "ليس منا من تطير
…
"، والله تعالى أعلم بالصواب].
فوائد يختم بها الباب:
الفائدة الأولى: اعلم أن التطير إنما يضر من أشفق منه وخاف وأما من لم يبال به ولم [يعانيه] فلا يضره البتة لا سيما إن قال عند رؤية ما يتطير به أو سماعه اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك، اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك
(3)
. وفي رواية: ولا يدفع السيئات بدل ولا يذهب.
(1)
سورة التوبة، الآية:51.
(2)
سورة الحديد، الآية:22.
(3)
أخرجه أحمد (2/ 220). والطبراني في المعجم الكبير (13/ 22/ 38)، وابن السني (292). وابن عبد البر في التمهيد (24/ 201) عن عبد الله بن عمرو به مرفوعًا. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 105) رواه أحمد، والطبراني، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات. الدعاء موقوف على عبد الله بن عمرو ويحتمل =
وقال الذهبي أنه مرسل، وفي التمهيد
(1)
عن عبد الله بن عُمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رجعته الطيرة عن حاجة فقد أشرك. قالوا: وما كفارة ذلك يا رسول الله؟ قال: أن يقول أحدهم اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك ثم يمضي لحاجته، وأما من كان متعنيا بها فهي [إليه] أسرع من [السيل] إلى منحدره وفتحت له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه ويفتح له الشيطان منها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللفظ والمعنى ما يفسد عليه دينه وينكد عليه عيشه والله أعلم.
الفائدة الثانية: في التفاؤل بالكلام بما يسمعه من الكلام الحسن، في الحديث
(2)
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفاءل ولا يتطير، وفي الحديث أيضًا
(3)
: لا طيرة
= أن يكون أخذه من التوارة. وقدا آخرج ابن سعد في الطبقات (4/ 268)، وابن أبي شيبة في المُصَنِّف (9/ 45) و (10/ 336)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 21)، والبيهقي في الشعب (1180) أن كعب الأحبار قال لعبد الله بن عمرو: هل تطير؟ قال: نعم. قال: فما تقول؟ قال: أقول: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا رب غيرك. قال: أنت أفقه العرب وفي رواية: إنها لمكتوبة في التوراة كما قلت. والحديث صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1065).
(1)
أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (24/ 195). والذهبي في السير (16/ 517).
(2)
أخرجه الطيالسي (2690)، وأحمد (2328)، وابن حبان (5825)، والطبراني المعجم الكبير (11/ 140/ 11294)، وابن عدي في الكامل (8/ 250)، والبغوي في شرح السنة (3254) عن ابن عباس، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 47) رواه أحمد والطبراني، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف بغير كذب.، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4904)، والصحيحة (777) وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه أحمد في المسند 2/ 507، وابن حبان (5826).
(3)
صحيح البخاري (5754)، وصحيح مسلم (110)(2223).
وخيرها الفأل، قيل: يا رسولى الله وما الفأل؟ قالى: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم، وفي حديث آخر: قالى
(1)
: يعجبني الفأل وأحب الفأل الصالح.
وفي حديث آخر: وأصدقها الفأل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب الاسم الحسن والفأل الحسن.
(2)
وقد جعل الله في فطرة البشر محبة ذلك كما جعل فيهم الارتياح بالمنظر الأنيق والماء الصافي وإن لم [يشربه] ولم يستعمله والفأل مهموز.
(3)
ويجوز ترك همزه وقد أولع الناس بترك همزته تخفيفا وجمعه فئول كفلس وفلوس. وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالكلمة الصالحة والحسنة والطيبة قال العُلماء يكون الفأل فيما يسر وفيما يسوء والغالب في السرور والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء. قالوا وقد تستعمل مجازا في السرور.
وقال الخطابي
(4)
: الفرق بين الفأل والطيرة أن الفأل إنما هو من طريق حسن الظن بالله والطيرة إنما هي من طريق الإنكار على ما سواه، [قال العُلماء:] ولهذا إنما أحب النبي صلى الله عليه وسلم الفأل لأن الإنسان إذا [تأمّل] فائدة الله تعالى وفضله عند سبب قوي أو ضعيف فهو على خير في الحال وإن غلط في
(1)
صحيح البخاري (5756)، وصحيح مسلم (111)(2224).
(2)
سبق من حديث ابن عباس في الحاشية قبل السابقة.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 405).
(4)
غريب الحديث للخطابي (1/ 183).
جهة الرجاء فالرجاء له خير وإما إذا قطع رجاءه وآماله من الله تعالى فإن ذلك شر له والطيرة فيها سوء الظن وتوقع البلاء [من الله تعالي]
(1)
. ومن أمثال التفاؤل أن يكون له مريض فيتفاءل بما يسمعه فيسمع من يقول يا سالم أو يكون طالب حاجة فيسمع من يقول يا واجد فيقع في [ظنه] أنه يبرأ من مرضه ويجد ضالته، ومنه الحديث، قيل يا رسول الله ما الفأل؟ قال الكلمة الصالحة، اهـ. ذكره في النهاية
(2)
وفي غيرها.
الفائدة الثالثة: في أخذ الفأل من المصحف، جزم القاضي أبو بكر بن العربي في الأحكام
(3)
في سورة المائدة بتحريم أخذ الفأل في المصحف ونقله القرافي عن الطرسوسي وأقره وأباحه ابن بطة من الحنابلة ومقتضى مذهبنا أي الشافعية كراهته، وحكى الماوردي في كتاب آداب الدين والدنيا أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يومًا في المصحف فخرج له قوله تعالى:{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)}
(4)
، فمزق المصحف وأنشأ يقول:
أتوعد كل جبار عنيد
…
فما أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئتَ ربك يوم حشر
…
فقل يارب مزقني الوليد
فلم يلبث إلا أياما حتى قُتل شر قتلة وصلبت رأسه على قصره ثم على
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 406).
(3)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 136).
(4)
سورة إبراهيم، الآية:15.
سور بلده. ومن البدع والباطل التفاؤل في فتح الختمة والنظر في أول سطر منها أو غيره وذلك باطل، وقد نهي عنه. بيان ذلك أنه قد تخرج له آية عذاب ووعيد فيقع التشويش من ذلك [فرفع]
(1)
عنه ذلك حتى تنقطع عنه مادة التشويش بل يخشى عليه أن يقع له ما هو أشد من ذلك ويئول أمره إلى الخطر العظيم، ألا ترى إلى ما جرى لبعض الملوك وهو الوليد أنه فتح المصحف ليأخذ منه الفأل فوجد في أول سطر منه {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)}
(2)
فوجد من ذلك أمرا عظيما حتى خرج بذلك عن حال المسلمين كما تقدم. وفي الذخيرة
(3)
قال الطرطوشي أن أخذ الفأل من المصحف وضرب الرمل ونحوهما حرام، [وهو من باب الاستقسام بالأزلام مع أن أخذ الفأل الحسن هو ما يعرض من غير كسب مثل قائل يقول يا مفلح ونحوه]
(4)
. والتفاؤل المكتسب حرام ومن ذلك شراؤهم الفقاع في تلك الليلة أو ذلك اليوم من أول السنة، ويزعمون أن الرزق يفور لهم في تلك السنة ويوسع عليهم فيها، والله تعالى أعلم.
الفائدة الرابعة: في الحديث: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة، الحديث
(5)
.
المراد بذلك نفي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده أن المرض
(1)
هكذا هذه العبارة في الأصل ولعله الصواب، وفي النسخة الهندية:(فرع).
(2)
سورة إبراهيم، الآية:15.
(3)
الذخيرة (13/ 256).
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(5)
صحيح البخاري (5757) صحيح مسلم (102)(2220).
والعاهة تتعدى بطبعها لا بفعل الله تعالى. فقوله: ولا هامة، والهامة بتخفيف الميم على المشهور الذي لم يذكر الجمهور غيره، وقيل بتشديدها، قاله جماعة وحكاه القاضي عياض
(1)
عن أبي زيد الأنصاري الإمام في اللغة وفيها تأويلان: أحدهما أن العرب كانت تتشاءم بالهامة وهي الطائر المعروف من طير الليل يألف الموتى والقبور وهو غير البوم ولكنه يشبهه وقيل هي البومة كانت إذا سقطت على دار أحدهم قالوا نعت إليه نفسه أو بعض أهله، وهذا تفسير مالك بن أنس. والثاني أن العرب كانت تزعم أن الرجل إذا قتل ولم يؤخذ ثأره خرج من هامته وهو أعلى رأسه طائر يصيح على قبره اسقوني اسقوني من دم قاتلي فإني عطشان، فإذا أخذ بثأره طارت، وقال بعضهم: يخرج من رأسه [دودة] فتنسلخ عن طائر يفعل ذلك. وقيل كانوا يزعمون أن عظام الميت وقيل روحه تصير هامة ويسمونها الصدى وهذا تفسير أكثر العُلماء وهو المشهور، ويجوز أن يكون المراد النوعين [فإنهما] جميعا باطلان فبين النبي صلى الله عليه وسلم إبطال ذلك وضلالة الجهال فيما يعتقدون من ذلك وإليه ذهب غير واحد منهم أبو عبيد الحربي.
فرع: في فتاوى [قاضي] خان إذا صاحت الهامة [فقال] أحد يموت رجل: قال بعضهم يكون ذلك كفرا إنما يكون هذا على جهة التفائل، وحكى أيضًا خلافا عن أصحابهم فيمن خرج لسفر فسمع صوت العقعق فرجع هل يكفر؟
(1)
شرح النووي على صحيح مسلم (14/ 215)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 283) فتح الباري (10/ 241).
قال النووي
(1)
[بعد حكاية] ذلك عنهم، والصواب لا يكفر عندنا بمجرد ذلك والله أعلم.
لطيفة تتعلق بالهامة: روى أبو نعيم في الحلية
(2)
عن ابن مسعود قال: كنت عند كعب الأحبار وهو عند عمر بن الخطاب فقال كعب يا أمير المؤمنين ألا أخبرك بأغرب شيء قرأته في كتب الأنبياء: إن هامة جاءت إلى سليمان بن داود فقالت السَّلام عليك يا نبي الله، فقال وعليك السَّلام يا هامة، أخبريني كيف لا تأكلين من الزرع؟ قالت: يا نبي الله إن آدم أخرج من الجنة بسببه، قال: فكيف لا تشربين الماء؟ قالت: لأنه غرق في قوم نوح. فمن أجل ذلك لا أشربه. قال لها سليمان: كيف تركت العمران ونزلت الخراب: قالت لأن الخراب ميراث الله تعالى فأنا أسكن ميراث الله تعالي، قال الله تعالى:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا}
(3)
الآية، فالدنيا كلها ميراث الله تعالى.
قال سليمان: فما تقول إذا جلست فوق خربة. قالت: أقول أين الذين كانوا يتنعمون بالدنيا ويتنعمون فيها.
قال سليمان: فما صياحك في الدور إذا مررت عليها. قالت: أقول ويل لبني آدم كيف ينامون وأمامهم الشدائد، قال فما لك لا تخرجين بالنهار: قالت من كثرة ظلم بني آدم لأنفسهم. قال: فأخبريني ما تقولين في صياحك.
(1)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 203).
(2)
حلية الأولياء (5/ 391).
(3)
سورة القصص، الآية:58.
قالت: أقول تزودوا يا غافلين وتهيئوا لسفركم، سبحان خالق النور. فقال سليمان عليه الصلاة والسلام: ليس من الطيور طير أنفع لبني آدم وأشفق [عليه] من الهامة وما في قلوب الجهال أبغض منها، اهـ، والله تعالى أعلم.