المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في الفراغ للعبادة والإقبال على الله تعالى والترهيب من الاهتمام بالدنيا والإقبال عليها - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١٢

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌الترغيب في قتل الوزَغ وما جاء في قتل الحيات وغيرها مما يذكر

- ‌الترغيب في إنجاز الوعد والأمانة والترهيب من إخلافه ومن الخيانة والغدر وقتل المعاهد أو ظلمه

- ‌القتل في سبيل الله يكفر الدنوب كلها إلا الأمانة

- ‌الترغيب في الحب في الله تعالى والترهيب من حب الأشرار وأهل البدع ونحوهم لأن المرء مع من أحب

- ‌الترهيب من السحر وإتيان الكهان والعرافين والمنجمين بالرمل والعصى أو نحو ذلك وتصديقهم

- ‌الترهيب من الطيرة

- ‌فوائد يختم بها الباب:

- ‌الترهيب من تصوير الحيوانات والطيور في البيوت وغيرها

- ‌الترهيب من اقتناء الكلب إلا لصيد أو ماشية

- ‌الترهيب من اللعب بالنرد

- ‌الترغيب في الجليس الصالح والترهيب من الجليس السيئ

- ‌الترهيب أن ينام المرء على سطح لا تحجير له أو يركب البعر عند ارتجاجه

- ‌الترهيب أن ينام الإنسان على وجهه من غير عذر

- ‌الترهيب من الجلوس بين الظل والشمس والترغيب في الجلوس مستقبل القبلة

- ‌الترهيب من سفر الرجل وحده أو مع آخر فقط وما جاء في خير الأصحاب

- ‌ترهيب المرأة أن تسافر وحدها بغير محرم

- ‌الترغيب في ذكر اللّه تعالى لمن ركب دابة

- ‌الترهيب من استصحاب الكلب والجرس في سفر وغيره

- ‌الترغيب في الدلجة وهو السّير بالليل والترهيب من السفر أوله ومن التعريس في الطرق والافتراق في المنزل والترغيب في الصلاة إذا عرس الناس

- ‌الترغيب في ذكر اللّه تعالى لمن عثرت دابته

- ‌الترغيب في كلمات يقولوهن من نزل منزلا

- ‌الترغيب في دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر

- ‌[الترغيب في دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر]

- ‌الترغيب في الموت في الغربة

- ‌الترغيب في سكنى الشام وما جاء في فضلها

- ‌كتاب التوبة والزهد واتباع السيئة الحسنة

- ‌الترغيب في التوبة والمبادرة بها

- ‌الترغيب في الفراغ للعبادة والإقبال على الله تعالى والترهيب من الاهتمام بالدنيا والإقبال عليها

- ‌الترغيب في العمل الصالح عند فساد الزمان

- ‌الترغيب في المداومة على العمل

- ‌الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد وما جاء في فضل الفقراء والمساكين والمستضعفين وحبهم ومجالستهم

- ‌الترغيب في الزهد في الدنيا والاكتفاء منها بالقليل والترهيب من حبها والتكاثر فيها والتنافس وبعض ما جاء في عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المأكل والملبس والمشرب ونحو ذلك

الفصل: ‌الترغيب في الفراغ للعبادة والإقبال على الله تعالى والترهيب من الاهتمام بالدنيا والإقبال عليها

‌الترغيب في الفراغ للعبادة والإقبال على الله تعالى والترهيب من الاهتمام بالدنيا والإقبال عليها

4784 -

عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول ربكم: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأملأ يدك رزقًا. يا ابن آدم لا تباعد مني أملأ قلبك فقرًا، واملأ يدك شغلًا. رواه الحاكم

(1)

وقال: صحيح الإسناد.

قوله: "عن مع معقل بن يسار" هو أبو عبد الله، ويقال: أبو يسار، وأبو على معقل بن يسار بن عبد الله بن معبر بن حُراق بن لأى بن كعب بن عبد بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان المزني البصري، ومعبر بضم الميم، وفتح العين المهملة، وكسر الموحدة المشددة، وقيل: معير بكسر الميم، وإسكان العين، وفتح المثناة تحت، وحراق بضم الحاء المهملة، وقيل: حسان بدل حراق، ويقال لأولاد عثمان وأوس ابنى عمرو: بنو مزينة، نسبوا إلى أمهم مزينة بنت كلب بن وبرة، وكان معقل هذا من مشهورى الصحابة، شهد بيعة الرضوان،

(1)

أخرجه الحاكم (4/ 362) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه الطبراني في معجمه الكبير (20/ 216/ 500)، وعنه: أبو نعيم في حلية الأولياء (2/ 303)، وابن عدي في الكامل (3/ 301)، وعنه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1340) وقال أبو نعيم: غريب تفرد به عن معاوية زيد وعنه سلام ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير معقل جماعة. قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح قال يحيى: سلام وزيد العمي ليسا بشيء. وقال الهيثمي (10/ 283): فيه سلام الطويل وهو متروك. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3165)، وفي الصحيحة (1359).

ص: 494

ونزل البصرة، وبها توفي في آخر خلافة معاوية، وقيل: توفى أيام يزيد. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وثلاثون حديثا، اتفقا على حديث، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين. روى عنه عمرو بن ميمون، وأبو عثمان النهدى، والحسن البصري

(1)

.

قوله: "يا ابن آدم لا تباعد مني" الأصل لا تتباعد مني بتاءين مثناتين من فوق، والبعد عبارة عن المعاصي والإعراض عن الله بالإقبال على الحظوظ العاجلة والشهوات الحاضرة لا على الوجه المشروع.

4785 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يريد حرث الآخرة الآية. قال: يقول الله: ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا، ولم أسد فقرك. رواه ابن ماجه

(2)

والترمذي

(3)

، واللفظ له، وقال: حديث حسن، وابن حبان في صحيحه

(4)

باختصار إلا أنه قال: ملأت يدك شغلا، والحاكم

(5)

والبيهقي في كتاب الزهد

(6)

، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 106).

(2)

سنن ابن ماجه (4107).

(3)

الترمذي (2466) وقال: حسن غريب.

(4)

ابن حبان في صحيحه (393).

(5)

المستدرك (2/ 443).

(6)

البيهقي في الزهد الكبير (988)، وفي الشعب (10339)، وفي الآداب (803). وأخرجه أحمد (8696)، وفي الزهد (ص 36)، ومن طريقه المزي في التهذيب (9/ 279) وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (34699) موقوفا. قال ابن القطان في بيان الوهم =

ص: 495

قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله: "تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} الآية.

(1)

، المراد بالحرث العمل والكسب. ومنه قول عبد الله بن عمر: واحرث لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. ومنه سمي الرجل حارثا. والمعنى: أي من طلب بما رزقناه حرثا لآخرته، فأدى حقوق الله وأنفق في إعزاز الدين، فإنما نعطيه ثواب ذلك للواحد عشرا إلى سبعمائة فأكثر. "ومن كان يريد حرث الدنيا" أي طلب بالمال الذي آتاه الله رئاسة الدنيا والتوصل إلى المحظورات، فإنا لا نحرمه الرزق أصلا، ولكن لا حظ له في الآخرة من ماله، قال الله تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)} .

وقيل: "نزد له في حرثه" نوفقه للعبادة ونسهلها عليه. وقيل: حرث الآخرة الطاعة، أي من أطاع فله الثواب. وقيل:"نزد له في حرثه" أي نعطيه الدنيا مع الآخرة. وقيل: الآية في الغزو، أي من أراد بغزوه الآخرة أوتي الثواب، ومن

= والإيهام (4/ 642): ووالد أبي خالد لا يعرف، فأما أبو خالد: هرمز فلا بأس به. وزائدة بن نشيط لا تعرف حاله. وتعقبه الذهبي في الرد على ابن القطان في كتابه بيان الوهم والإيهام (ص 52) حديث (67) قال: قلت: وثق. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1359)، وصحيح الجامع الصغير وزيادته (1914)، وصحيح الترغيب والترهيب (3166).

(1)

سورة الإسراء، الآية: 18 - 19.

ص: 496

أراد بغزوه الغنيمة أوتي منها. قال القشيري: والظاهر أن الآية في الكافر، يوسع له في الدنيا، أي لا ينبغي له أن يغتر بذلك لأن الدنيا لا تبقى. وقال قتادة: إن الله يعطي على نية الآخرة ما شاء من أمر الدنيا، ولا يعطي على نية الدنيا إلا الدنيا.

4786 -

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم قال: ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان إنهما يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم، فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ولا غربت شمس قط إلا وبعث بجنبتيها ملكان يناديان: اللهم عجل لمنفق خلفا، وعجل لممسك تلفًا. رواه أحمد

(1)

وابن حبان في صحيحة

(2)

والحاكم

(3)

، واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد، ورواه البيهقي

(4)

من طريق الحاكم، ولفظه: قال رسول الله

(1)

مسند أحمد (21721)، وفي الزهد (ص 19) وأخرجه مختصرًا أبو نعيم في الحلية (9/ 60).

(2)

صحيح ابن حبان (3329).

(3)

المستدرك للحاكم (2/ 482)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه

(4)

شعب الإيمان (3139، 9888)، وأخرجه الطيالسي (979)، وابن أبي شيبة في المسند (36)، وعبد بن حميد (207)، والطبري في تهذيب الآثار - مسند ابن عباس (443)، (444)، وفي التفسير (15/ 60)، وابن السني في القناعة (22) و (23) و (24)، والطبراني في معجمه الأوسط (2891)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (311)، وابن بشران في الفوائد (552)، وأبو نعيم في الحلية 1/ 226، والقضاعي في مسند الشهاب (810)، والبغوي في شرح السنة (4045)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (543 =

ص: 497

- صلى الله عليه وسلم: ما من يوم طلعت شمسه إلا وكان بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه ما خلق كلهم غير التقلين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم. إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ولا آبت الشمس إلا وكان بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين: اللهم أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا تلفا، وأنزل الله عز وجل في ذلك قرآنا في قول الملكين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم في سورة يونس: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ، وأنزل الله في قولهما: اللهم أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا تلفا:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} إلى قوله: {لِلْعُسْرَى} .

قوله: "وعن أبي الدرداء" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما طلعت الشمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين" الحديث، تقدم في الإنفاق في وجوه الخير، وتقدم الكلام على غريب ألفاظه.

4787 -

وروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم، فإنه من كانت الدنيا أكبر همه أفشى الله ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله عز وجل له أموره، وجعل غناه في قلبه، وما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا جعل الله قلوب المؤمنين تفد إليه بالود والرحمة، وكان الله عز وجل إليه بكل خير

= و 2075)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (443)، و (920) والتعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (5/ 232/ 3319)، تخريج فقه السيرة (446)، و صحيح الترغيب والترهيب (1706).

ص: 498

أسرع. رواه الطبراني في الكبير

(1)

والأوسط

(2)

والبيهقي في الزهد

(3)

.

وروي عن أبي الدنيا قوله صلى الله عليه وسلم: فإنه من كانت الدنيا أكبر همه أفشى الله ضيعته وجعل فقره بين عينيه الحديث، أي [كثّر] عليه معاشه ليشغله عن [الآخرة]

(4)

.

قوله: "وما أقبل عبد بقلبه إلى الله تعالى إلا جعل الله قلوب المؤمنين تفِد إليه بالود والرحمة" - والمراد بالإقبال إلى الله تعالى بالقلب هو إزالة الخواطر والشواغب والوساوس الملهية الشاغلة.

قوله: "تفد إليه بالود" المراد بذلك تسرع إليه بالود والرحمة والمعنى أن من تفرغ من هموم الدنيا أقبل قلبه على الله بكليته أي حبا ومعرفة وخوفا فدل على أن هذا الإقبال ممكن وثمرته عاجلة أن يجعل الله تعالى له محبة ورحمة في قلوب خواص عباده ثم بين أثر ذلك بقوله تفد إليه بالود أي تقبل على

(1)

جامع المسانيد والسُّنَن (9/ 376/ 12114).

(2)

المعجم الأوسط (5025)، وأخرجه أبو يعلى (المطالب العالية (3280)، وابن أبي عاصم في الزهد (167)، وابن الأعرابي في المعجم (1804)، والقضاعي في الشهاب (696)، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 432) رواه أبو يعلى الموصلي والطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي في الزهد. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 247) رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه محمد بن سعيد بن حسان المصلوب، وهو كذاب. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2467)، وقال في الضعيفة (1018)، وضعيف الترغيب والترهيب (1842): موضوع.

(3)

البيهقي في الزهد (813).

(4)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 499

مهماته وخدمته محبة له ثم أكد ذلك بغاية المنى فقال: "وكان الله تعالى بكل خير إليه أسرع" أي إلى حبه وكفايته ومعونته من جميع عباده ليعرف بركة فراغ قلبه ومن الخير الذي يسرع الله به إليه ما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم من جعل الهموم هما واحدا كفاه الله هموم الدنيا والآخرة ومن كانت الدنيا أكبر همه تخوف بأحوالها وتقلبها ورغب في الجمع والمنع وذلك سم قاتل فمن رفض ذلك انكشف له الغطاء فوجد الله كافيا له في كل أمر فرفع باله عن التدبير لنفسه وأقبل على ملاحظة تدبير الله واستراح وسخر إليه الناس وأفاض عليه الخير بغير حساب ولا قياس.

4788 -

وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة. رواه ابن ماجه

(1)

، ورواته ثقات،

(1)

ابن ماجه (4105)، وأخرجه أحمد (21630)، وأبو داود (3660)، والترمذي (2656)، والنسائي في السنن الكبرى (5847)، وابن أبي عاصم في السنة (94)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/ 11)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/ 232)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (164)، وتمام في فوائده (103)، والبيهقي في شعب الإيمان (1606)، وابن عبد البر في الجامع (1/ 46)، والخطيب في شرف أصحاب الحديث (24)، وقال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة بنحوه ورواه الطبراني بإسناد لا بأس به ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه ورواه أبو يعلى الموصلي من طريق أبان بن عثمان عن زيد بن ثابت وله شاهد عن حديث أبي =

ص: 500

والطبراني

(1)

، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من تكن الدنيا نيته يجعل الله فقره بين عينيه، ويشتت عليه ضيعته، ولا يؤتيه منها إلا ما كتب له، ومن تكن الآخرة نيته يجعل الله غناه في قلبه، ويكفيه ضيعته، وتأتيه الدنيا، وهي راغمة. رواه في حديث بإسناد لا بأس به، ورواه ابن حبان في صحيحه

(2)

بنحوه، وتقدم لفظه في العلم.

[قوله: شتت عليه ضيعته] بفتح الضاد المعجمة، وإسكان المثناة تحت: معناه فرق عليه حاله وصناعته ومعاشه، وما هو مهتم به، وشعبه عليه ليكثر كده، ويعظم تعبه.

قوله: "وعن زيد بن ثابت" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه" الحديث، فمن كان فقره بين عينيه لم يزل خائفا من الفقر لا يستغني قلبه بشيء ولا يشبع من الدنيا، فإن الغنا غنا القلب، والفقر فقر النفس. وفي حديث خرجه الطبراني مرفوعا الغنا في القلب والفقر في القلب ومن كان الغنا في قلبه فلا يضره ما لقي من الدنيا ومن كان الفقر في قلبه فلا يغنيه ما أكثر له منها إونما يضر نفسه. وعن عيسى عليه

= هريرة رواه الترمذي في الجامع وابن ماجه. (مصباح الزجاجة 2/ 321). وقال الحافظ العراقي. إسناد جيد (تخريج الأحياء 6/ 2387 وعزاه الهيثمي إلى الطبراني في (الأوسط) ثم قال: ورجاله وثقوا (مجمع الزوائد 10/ 247). وصححه الألباني في (صحيح ابن ماجه 2/ 393)، وفي السلسلة الصحيحة (950)، وصحيح الترغيب والترهيب (3168).

(1)

الطبراني في معجمه الكبير (5/ 158/ 4890، 4891، (5/ 172/ 4925).

(2)

ابن حبان (67).

ص: 501

[وعلى نبينا] أفضل الصلاة والسلام قال: مثل طالب الدنيا كشارب البحر كلما زاد شربا منه زاد عطشا حتى يقتله.

قال يحيى بن معاذ: من كان غناه في قلبه لم يزل غنيا ومن كان غناه في كسبه لم يزل فقيرا ومن قصد المخلوقين لحوائجه لم يزل محروما، ويشهد لهذا كله الحديث الصحيح

(1)

عن النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. لو فكر الطامع في عاقبة الدنيا لقنع ولو تذكر [الجائع] إلى فضولها مآلها لشبع. شعر:

هب أنك قد ملكت الأرض طُرًّا

ودان لك العبادُ فكان ماذا

أليس مصيرك جوف تُرْبٍ

[ويحثي الترب] هذا ثم هذا

[ذكره ابن رجب

(2)

في شرح النواوية

(3)

، [وقال في] الديباجة، روى الترمذي الحكيم في نوادره

(4)

عن [دريد] بن نافع المدني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أنزل في بعض ما أنزل من الكتب قسما يقسم به يقول: وعزتي وجلالي وجمالي وعلوي ودنوي وارتفاع مكاني من آثر هواي على هواه لأجمعنّ له شمله ولأكفينّه ما أهمّه ولأجعلنّ غناه في قلبه ولأضمننّ السموات والأرض

(1)

صحيح البخاري (6436)، وصحيح مسلم (116)(1048).

(2)

لطائف المعارف لابن رجب (ص: 312).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(4)

نوادر الأصول في أحاديث الرسول (4/ 25).

ص: 502

رزقه ولأتجرنّ له من وراء تجارة كل تاجر، ومن آثر هواه على هواي لأشتتن عليه أمره ولأجعلن فقره بين عينيه ولأحضرنّه همومه الحاضر منها والغائب والقديم منها [والحادث] حتى لا يدري من أين تجيئه ومن أيت تأخذه. قال الغزالي حجة الإسلام

(1)

: [اعلم] أن ذم الدنيا لا يكفيك ما لم تعرف الدنيا المذمومة ما هي وما الذي ينبغي أن يجتنب منها؛ [ثم قال:] دنياك وأخراك عبارة عن حالتين من أحوال قلبك [فالقريب] الداني منها يسمى دنيا وهو كل ما قبل الموت، [والمتراخي] المتأخر يسمى آخرة وهو [ما بعد] الموت فكل مالك [فيه حظ وغرض ونصيب وشهوة] ولذة في عاجل الحال قبل الوفاة فهي الدنيا في حقك إلا أن جميع ما لك إليه ميل وفيه نصيب وحظ [فليس] مذموم بل هو ثلاثة أقسام:

القسم الأول ما يصحبك في الآخرة ويبقى معك [ثمرته] بعد الموت [و] هو العلم والعمل فقط، وأعني

(2)

بالعلم العلم بالله وصفاته [وأفعاله] وملائكته وكتبه ورسله وملكوت سماواته وأرضه والعلم بشريعة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأعني بالعمل العبادة الخالصة لوجه الله تعالى.

والقسم الثاني وهو كل ما فيه حظ عاجل ولا ثمرة له في الآخرة أصلا كالتلذذ بالمعاصي كلها والتنعم بالمباحات الزائدة على قدر الضرورة والحاجة [الداخلة في جملة الرفاهية والرعونات كالتنعم بالقناطير المقنطرة]

(1)

إحياء علوم الدين (3/ 219).

(2)

اللوحة 137 تكرار للوحة 136.

ص: 503

من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث [والغلمان والجواري و] الحيوان والمواشي والقصور [والدور] ورفيع الثياب ولذيذ الأطعمة [فحظ] العبد [من ذلك] كله من الدنيا المذمومة.

والقسم الثالث وهو متوسط بين [الطرفين، كل حظ معجل يعين على أعمال الآخرة كالقوت من الطعام والقميص الواحد الخشن، وكل ما لا بد منه ليتأتى للإنسان البقاء والصحة التي بها يتوصل إلى العلم والعمل، فإن كان باعثه الحظ العاجل دون الاستعانة على التقوى التحق بالقسم الثاني، وصار من جملة الدنيا، ولا يبقى مع العبد عند الموت] إلا ثلاث صفات طهارة القلب عن أدناس الدنيا وأنسه بذكر الله تعالى وحبه لله تعالى وهذه الصفات الثلاث [هي المنجيات] المسعدات بعد الموت [وهي] الباقيات الصالحات. وسالك طريق الآخرة هو المواظب على هذه الصفات الثلاث، فالقدر الذي لا بد منه لهذه الثلاث إذا أخذه العبد من الدنيا للآخرة لم يكن من أبناء الدنيا [وكانت الدنيا في حقه مزرعة الآخرة، وإن أخذ ذلك لحظ النفس وعلى قصد التنعم كما من أبناء الدنيا]

(1)

والراغبين في حظوظها ثم أطال في تقرير ذلك رحمه الله ورضي عنه، قاله صاحب الديباجة [ذكره ابن رجب في شرح النواوية].

قوله صلى الله عليه وسلم: "وأتته الدنيا وهي راغمة" الحديث، راغمة معناه كارهة، قوله:"وشتت عليه ضيعته"، قد ضبطه الحافظ وفسره فقال: معناه وفرق عليه حاله وصناعته ومعاشه وما هو مهتمّ به وشعَّبه عليه ليكثر كدّه ويعظم تعبه، اهـ.

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 504

وتقدم في حديث آخر: من كانت الدنيا همه، وفي حديث: هرمه وسدمه أي بغيته وشهوته، هكذا رواه بعضهم والمحفوظ: همه [وسدمه]، قاله في النهاية

(1)

. والسدم بفتح المهملتين الهم والحرص على الشيء واللهج به.

4789 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له. رواه الترمذي

(2)

عن يزيد الرقاشي عنه، ويزيد قد وثق، ولا بأس به في المتابعات، ورواه البزار

(3)

، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت نيته الآخرة

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 355)، (5/ 252).

(2)

سنن الترمذي (2465)، والحديث؛ وكيع (2/ 638)، وعنه هناد، في الزهد (669)، وابن أبي عاصم، في الزهد (164)، والحربي في غريب الحديث (3/ 1076)، وابن الأعرابي في الزهد (ص 47)، الحارث: كما في بغية الباحث (ص 1302)، وابن أبي الدنيا في ذم الدنيا (353)، وابن عدي في الكامل (1/ 285)، (3/ 572 - 573)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 307)، والخطيب في الموضح (2/ 303)، والبغوي (4142)، وابن الجوزي في العلل (2/ 311)، والشجري في الأمالي (2/ 155، 165)، وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح. قال ابن المديني: لا يكتب حديث إسماعيل بن مسلم. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال المؤلف: وقد روى نحو هذا داود عن همام، عن قتادة. قال ابن حبان: وداود كان يضع الحديث على الثقات، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (949)، وصحيح الترغيب والترهيب (3169).

(3)

ذكره الهيثمي في المجمع (10/ 247)، ونسبه للبزار، وقال: فيه إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف.

ص: 505

جعل الله تبارك وتعالى الغنى في قلبه، وجمع له شمله. ونزع الفقر من بين عينيه، وأتته الدنيا وهي راغمة، فلا يصبح إلا غنيا، ولا يمسي إلا غنيا، ومن كانت نيته الدنيا جعل الله الفقر بين عينيه، فلا يصبح إلا فقيرا، ولا يمسي إلا فقيرا. رواه الطبراني

(1)

بلفظ تقدم في الاقتصاد.

قوله: "وعن أنس"، تقدم معنى الحديث. قوله:"وعن يزيد الرقاشي"، ويزيد الرقاشي كذا.

4790 -

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من انقطع إلى الله عز وجل كفاه الله كل مؤنة، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها. رواه أبو الشيخ بن حيّان

(2)

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط: كما في المجمع (10/ 247) وأخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا (ص 121)، وابن الأعرابي في الزهد (ص 47)، وابن حبان في المجروحين (1/ 287)، وابن عدي (3/ 100) وذكره الهيثمي في المجمع (10/ 247)، ثم قال: رواه الطبراني في الأوسط بسندين، في أحدهما: داود بن المحبر، وفي الآخر: أيوب بن خوط، وكلاهما ضعيف جدا.

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة (26)، وابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3360) - وكما في ابن كثير في التفسير - (8/ 148) والطبراني في معجمه الأوسط (3359)، وفي معجمه الصغير (321)، وأبو عبد الرحمن السلمي في الأربعين في التصوف (1/ 8)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 196)، وإسماعيل الأصبهاني قوام السنة في الترغيب والترهيب (661)، والقضاعي في مسند الشهاب (493 و 495 و 496)، (497)، والشجري في الأمالي الخميسية (1/ 380)، وأبو نعيم الأصبهاني في الأربعون (11) ابن عساكر في معجمه (1370)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1338)، وقال =

ص: 506

والبيهقي

(1)

من رواية الحسن عن عمران، واختلف في سماعه منه.

قوله: "وعن عمران بن حصين" تقدم، قوله صلى الله عليه وسلم:"من انقطع إلى الله عز وجل كفاه الله مؤنته" الحديث، تقدم في طلب الرزق وتقدم باقي أحاديث الباب في أماكن متفرقة.

4791 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من جعل الْهم هما وَاحِدًا كَفاهُ الله هم دُنْيَاهُ وَمن تشعبته الهموم لم يبال الله فِي أَي أَوديَة الدُّنْيَا هلك رَوَاهُ الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه وَغَيرهَا وَقَالَ الْحَاكم صَحِيح الإِسْنَاد

(2)

وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي حَدِيث عَن ابْن مَسْعُود.

= ابن الجوزي: قال الطبراني تفرد به إبراهيم بن الأشعث الخراساني وقد قدح فيه أبو حاتم الرازي وهو ضعيف، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يغرب، ويخطئ، ويخالف. وبقية رجاله ثقات. قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1602) أخرجه الطبراني في الصغير وابن أبي الدنيا، ومن طريقه البيهقي في الشعب من رواية الحسن عن عمران بن حصين ولم يسمع منه، وفيه إبراهيم بن الأشعث تكلم فيه أبو حاتم. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 303) رواه الطبراني في الأوسط، وفيه إبراهيم بن الأشعث صاحب الفضيل، وهو ضعيف، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يغرب ويخطئ ويخالف، وبقية رجاله ثقات، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (6854)، وضعيف الترغيب والترهيب (1061).

(1)

البيهقي في الشعب (1351 - 1352 - 1076).

(2)

أخرجه ابن أبي عاصم في الزهد (166)، والحاكم (2/ 443) و (4/ 328 - 329)، والبيهقي في الآداب (804) والزهد (16) والشعب (12/ 541 - 542 رقم 9857).

وقال الذهبي معقبا على تصحيح الحاكم: يحيى بن المتوكل ضعفوه. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (3170).

ص: 507

4792 -

وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ابْن مَسْعُود أَيْضا قَالَ سَمِعت نَبِيكُم صلى الله عليه وسلم يَقُول من جعل الهموم هما وَاحِدًا هم الْمعَاد كَفاهُ الله هم دُنْيَاهُ وَمن تشعبت بِهِ الهموم أَحْوَال الدُّنْيَا لم يبال الله عز وجل فِي أَي أوديته هلك

(1)

.

4793 -

وَرُوِيَ عَن أبي ذَر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أصبح وهمه الدُّنْيَا فَلَيْسَ من الله فِي شَيْء الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ

(2)

.

4794 -

وَرُوِيَ عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أصبح حَزينًا على الدُّنْيَا أصبح ساخطا على ربه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ

(3)

. قَالَ الْحَافِظ وَتقدم فِي الاقتصاد فِي طلب الرزق وَغَيره غير مَا حَدِيث يَلِيق بِهَذَا الْبَاب وَيَأْتِي فِي الزّهْد إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَحَادِيث أخر.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المسند (345) والمصنف (34313)، وأحمد في الزهد (119)، وابن ماجه (257) و (4106)، وابن أبي عاصم في الزهد (274)، والبزار (1638)، والعقيلى في الضعفاء (4/ 309). قال أبو حاتم في العلل (1859): هذا حديث منكر، ونهشل بن سعيد متروك الحديث. وصححه الألباني في المشكاة (263) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (3171).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 151 رقم 471). قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث إلا بهذا الإسناد، تفرد به: يزيد بن ربيعة. قال الهيثمي في المجمع (10/ 248): فيه يزيد بن ربيعة الرحبي، وهو متروك. وضعفه الألباني جدا في الضعيفة (310) وضعيف الترغيب (1062 و 1844 و 1886).

(3)

أخرجه ابن حبان في المجروحين (3/ 75)، والطبراني في الصغير (2/ 30 رقم 726)، والبيهقي في الشعب (12/ 373 - 374 رقم 9571). قال الهيثمي في المجمع 10/ 248: رواه الطبراني في الصغير، وفيه وهب بن راشد البصري صاحب ثابت، وهو متروك. وضعفه الألباني جدا في ضعيف الترغيب (1845 و 1887).

ص: 508