الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في المداومة على العمل
4797 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير، وكان يحجزه بالليل، فيصلي عليه، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه فجعل الناس يثوبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا فأقبل عليهم فقال: يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل
(1)
.
4798 -
وفي رواية
(2)
: وكان آل محمد إذا عملوا عملا وأثبتوه.
4799 -
وفي رواية
(3)
قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أدومه وإن قل.
4800 -
وفي رواية
(4)
: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سددوا وقاربوا، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة، وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. رواه البخاري
(5)
ومسلم
(6)
. ولمالك
(7)
والبخاري
(8)
أيضًا: قالت: كان أحب
(1)
صحيح البخاري (5861)، وصحيح مسلم (215)(782).
(2)
صحيح مسلم (215)(782).
(3)
صحيح مسلم (216)(782).
(4)
صحيح مسلم (78)(2818).
(5)
صحيح البخاري (6464).
(6)
صحيح مسلم (78)(2818).
(7)
موطأ مالك (1/ 174/ 90).
(8)
صحيح البخاري (6462).
الأعمال إلى الله عز وجل الذي يدوم عليه صاحبه. ولمسلم
(1)
: كان أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، وكانت عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمل لزمته.
ورواه أبو داود
(2)
، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، وكان إذا عمل عملا أثبته.
4801 -
وفي رواية له
(3)
قال: سألت عائشة رضي الله عنها كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع. ورواه الترمذي
(4)
ولفظه: كان أحب الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ديم عليه.
4802 -
وفي رواية له
(5)
: سئلت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: أي العمل كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: ما ديم عليه وإن قل. [يحجره]: أي يتخذه حجرة وناحية ينفرد عليه فيها.
[يثوبون]: بثاء مثلثة ثم واو ثم باء موحدة: أي يرجعون إليه، ويجتمعون عنده. أحب العمل ما داوم عليه العبد.
(1)
صحيح مسلم (218)(782).
(2)
سنن أبي داود (1368).
(3)
سنن أبي داود (1370).
(4)
سنن الترمذي عقب (2856)، وقال: هذا حديث صحيح.
(5)
سنن الترمذي (2856)، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
قوله: "عن عائشة"، تقدمت ترجمتها. قولها:"كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير وكان يحجزه بالليل فيصلي عليه" الحديث، يحجزه: قال صاحب النهاية
(1)
أو غيره: بضم الياء وفتح الحاء وكسر الجيم المشددة، اهـ، أي يتخذه [حجزة] وناحية ينفرد عليه فيها كذا فسره المنذري. وفي رواية كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير يبسطه بالنهار ويحجزه بالليل وفي رواية يحتجزه أي بجعله لنفسه دون غيره ومنه يقال حجرت الأرض واحتجرتها إذا ضربت عليها منارا تمنعها به عن غيرك ومنه حجر القاضي على المفلس وغيره وأصله المنع، ذكره ابن الأثير، وكذا صاحب المغيث
(2)
، وفيه إشارة إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الزهادة في الدنيا والإعراض عنها والإجزاء من متاعها ما لا بد منه.
قوله: "فجعل الناس يثوبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يصلون بصلاته"، ضبطه الحافظ وفسره فقال أي يرجعون إليه ويجتمعون عنده، اهـ. قوله صلى الله عليه وسلم:"خذوا من الأعمال ما تطيقون" الحديث، أي ما تطيقون من الدوام عليه بلا ضرر وفيه دليل على الاقتصاد في العبادة واجتناب التعمق، وليس الحديث مختصا بالصلاة بل هو عام في جميع أعمال البر.
قوله: "فإن الله لا يمل حتى تملوا"، هو بفتح الميم فيها، وفي الرواية الأخرى: لا يسأم حتى تسأموا، وهما بمعنى قال العلماء: الملل والسآمة
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 341).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 341)، والمجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (1/ 403).
المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى فيجب تأويل الحديث، قال المحققون معناه لا يعاملكم معاملة المالّ فيقطع عنكم ثوابه وجزاءه وبسط فضله ورحمته حتى تقطعوا [أعمالكم]، وقيل معناه لا يمل إذا مللتم، قاله ابن قتيبة وغيره. [وفي هذا الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته لأنه أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة ولا ضرر فتكون النفس أنشط والقلب منشرحا فتثمر العبادة بخلاف من تعاطى من الأعمال ما يشقّ فإنه بصدد أن يتركه كله أو بعضه أو يفعله بكلفة أو بغير انشراح القلب فيفوته خير عظيم، وقد ذمّ الله سبحانه وتعالى من اعتاد عبادة ثم فرط فقال تعالى:{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}
(1)
.
وقد ندم عبد الله بن عمرو بن العاصي على تركه قبول رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخفيف العبادة، [و] مجانبة التشديد بقوله يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم]
(2)
.
فإن قلت الملال لا يصح لا على الله تعالى فما وجهه. قلت الملال كناية عن عدم القبول أي فإن الله يقبل طاعتكم حتى تملوا فإنه لا يقبل ما يصدر منكم على سبيل الملالة وأطلق الملال على طريقة المشاكلة وقال
(1)
سورة الحديد، الآية:27.
(2)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(وقال الخطابي: هو كناية عن الترك، أي لا يترك الثواب ما لم تتركوا العمل، قاله الكرماني).
الخطابي: هو كناية عن الترك، أي لا يترك الثواب ما لم تتركوا العمل، قاله الكرماني
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحب الأعمال إلى الله تعالى ما دام وإن قلّ"، [وفيه] الحث على المداومة على العمل وأن قليله خير من كثير ينقطع، وإنما كان القليل الدائم خيرا من الكثير المنقطع لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة والله أعلم.
قوله: "وكان آل محمدا إذا عملوا عملًا أثبتوه"، [أي لازموه وداوموا عليه]
(2)
، والظاهر أن المراد بالآل هنا أهل بيته وخواصه صلى الله عليه وسلم من أزواجه وقرابته ونحوهم.
قوله: "وفي رواية قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أيّ العمل أحب إلى الله؟ قال: أدومه وإن قلّ"، قال بعض السلف: أدركت من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعين فما رأيت قوما أهون سيرة ولا أقلّ تشديدا منهم. والمعنى [في] ذلك أن النفس [بدوام] العبادة على وجه القلة تألف ولا يحصل لها ملال وسآمة يفضي إلى ترك تلك العبادة فمن عمل عملا يقوى عليه بدنه في طول عمره [من] قوته وضعفه استقام سيره ومن حمل ما لا يطيق فإنه قد يحدث
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (21/ 96).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
له مرض يمنعه من العمل بالكلية وقد يسأم ويضجر فيقطع العمل فيصير كالمنبت فلا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.
قوله: "في رواية أبي داود: اكلفوا من الأعمال ما تطيقون"، اكلفوا بفتح اللام معناه خذوا وتحملوا، يقال كلفت بهذا الأمر أكلف به إذا [أولعت] وأحببته، قاله في النهاية
(1)
.
قوله: "فإن الله لا يمل حتى تملوا"، الملال فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء فيوجب الكلال والإعراض عنه، فمعنى الحديث والله أعلم: اعملوا حسب طاقتكم فإن الله تعالى لا يعرض عنكم إعراض الملول ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط فإذا فترتم فاقعدوا فإنكم إذا مللتم عن العبادة وأتيتم بها على فتور كانت معاملة الله معكم حينئذ معاملة الملول عنكم والداعي إلى [هذا] التجوز قصد الازدواج وله في القرآن نظائر، ومعناه فإن الله لا يمل أبدا وإن مللتم فينبغي لكم أن تأخذوا ما تطيقون الدوام عليه ليدوم ثوابه لكم وفضله عليكم والله أعلم.
قوله: "كان عمله ديمة"، بكسر الدال وإسكان الياء [أي يدوم عليه ولا يقطعه والديمة المطر الدائم في سكون]
(2)
، شبهت عمله في دوامه مع الاقتصاد، [بديمة] المطر الدائم، ومنه حديث حذيفة، وذكر الفتن فقال: إنها
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 196).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
لآتيتكم [ديمة]
(1)
، ديما أي أنها تملأ الأرض في دوام ودِيَم جمع ديمة المطر والله أعلم.
4803 -
وعن أم سلمة قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان أكثر صلاته، وهو جالس، وكان أحب العمل ما داوم عليه العبد وإن كان شيئا يسيرا رواه ابن حبان في صحيحه
(2)
.
قوله: "وعن أم سلمة": تقدمت ترجمتها. قولها: "ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان أكثر صلاته وهو جالس" الحديث.
فرع: قال العلماء: يجوز فعل النوافل قاعدا مع القدرة على القيام بالإجماع لقوله صلى الله عليه وسلم: من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد، رواه البخاري
(3)
ولمسلم
(4)
نحوه. [ولحديث أم سلمة هذا قيد عند النسائي وهو قولها إلا المكتوبة - وفي رواية:
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
ابن حبان (2507)، والحديث؛ أخرجه وكيع، في الزهد (238)، والطيالسي (1714)، وإسحاق بن راهوية (1920 و 1921)، والنسائي في المجتبى (3/ 221 و 222) وفي الكبرى (1362 - 1363)، وابن ماجه (1223) و (4237)، وأحمد (26544)(26599) و (26709) و (26718)(26605)(26709) و (26730)(26726)، وأبو يعلى (6/ 257)، والمروزى في قيام الليل (ص 85)، والحارث بن أبي أسامة، بغية الباحث (239)، والطبراني (23/ 252/ 513: 516)، والبيهقي، في شعب الإيمان (3597)، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (4/ 222)، مختصر الشمائل (238)، وصحيح الترغيب والترهيب (3175).
(3)
صحيح البخاري (1116).
(4)
صحيح مسلم (120)(735).
إلا الفريضة -] وفي جوازه مضطجعا ومومئا وجهان أصحهما لا يجوز مؤمئا ويجوز مضطجعا إذا أتى بالركوع والسجود. ونقل الخطابي وابن عبد البر الإجماع على منع الاضطجاع فيها وهو غريب فقد جوزه الحسن البصري كما حكاه الترمذي عنه ولا فرق بين الرواتب وغيرها. وقال ابن كج لا يصلي العيد والكسوف والاستسقاء قاعدا كالجنازة
(1)
[والله تعالى أعلم بالصواب].
(1)
المجموع (3/ 275)، والنجم الوهاج (2/ 103 - 104).